Ads by Google X

رواية الحصان و البيدق الفصل السادس 6 - بقلم ناهد خالد

الصفحة الرئيسية

  

  رواية الحصان و البيدق الفصل السادس 6 - بقلم ناهد خالد

 

"خطواتك التي تخطوها نحو الهلاك لربما تكن بعلمك وربما تكن على غفلة منكَ" 




نعم ياروح امك! 




أردف بها "حسن" بعد أن خطى الخطوة الفاصلة بينهما جاذبـًا "مراد" من ياقة قميصه بعنف، وقد تحولت ملامحه للشراسة كأنه سيفتك بهِ أمام ملامح الأخير الباردة. 




_ سيبه يا حسن. 




هتفت بها "ليلى" بذعر وهي ترى تناطح الاثنان كأسدان يتقاتلان على فريسة للفوز بها. 




ازاح يده القابضه على ياقته ببرود وهو يهتف:




_ استني يا ماما، اما نشوف حسن بيه ناوي يعمل ايه. 




كشر عن انيابه وهو يجيبه بحدة:




_ حسن بيه ده قادر يكسر رقبتك لو فاكر انك كبرت عليَّ وهتعمل حاجه غصب عني. 




ارتفع جانب شفتيهِ ساخرًا وهو يردف:




_ متأكد! اصل شكلك ناسي حاجات كتير تخليني اعمل الي انا عاوزه حتى لو أنتَ مش موافق. 




رفع حاجبه باستنكار وقال:




_ ده بجد؟ ليه يا روح امك ماسك عليَّ زِلة؟ 




اقترب حتى أصبح لا يفصل بينهما مسافة، ومال على أذنه يهمس له بعدة كلمات جعلت التوتر يضرب وجهه وهو يستمع لحديثه، وما ان ابتعد الآخر ورأى ملامحه حتى ابتسم بمكر وشماته، وهو يبتعد عنه متجهًا ل "ليلى" يخبرها:




_ جهزتي حاجتك؟ 




_ ٥ دقايق وهتكون جاهزه، اصل متوقعتش اني امشي بالسرعة دي. 




ابتسم لها برفق وهو يخبرها:




_ ليه! من امتى طلبتي مني حاجة واتأخرت عليكي! 




ابتسمت هي الأخرى وعيناها لامعة بالدموع:




_ عمرك ما عملتها يابني، هخليهم يحضروا حاجتي بسرعة. 




اومئ برأسه وهي تنسحب من امامه متجهه لباب المصعد الكهربائي الذي صُنع خصيصًا لها ليقلها للطابق العلوي، اما هو فعاد ببصره ل "حسن" الذي لم ينطق بعدها، وضحك له باستفزاز مرددًا:




_ بتتحمق أنتَ بسرعة يابو علي! طب مش تراجع حساباتك الأول!؟ 




ضغط على أسنانه بغيظ وهو يردف:




_ أنتَ فاكر لو حاولت تعمل حاجه بالي تعرفه ده هم هيسبوك؟ أنتَ عارف كويس ان وقتها هتتصفى بمجرد ما اتحبس أنا. 




ضحك بخفوت ساخرًا وهو يعقب:




_ اقدر اعملها من غير ماحد يعرف أن انا الي وراها، وأنتَ عارف كده، والا مكنتش اتهتيت بتهديدي.




_ تهديد مين يالا أنتَ صدقت نفسك!؟ انا سكت بس عشان شوفت رغبة ليلى انها تمشي. 




هز رأسه وهو يرفع شفتيهِ بسخرية:





                                  


 

                

_ اومال! مشيها كده عشان نفسيتك متتأثرش. 




_ يابن ال... 




قاطعه وهو يرفع كفه موقفًا اياه:




_ ها يابن ايه! 




كبح غضبه وهو يكمل بابتسامة صفراء:




_ يابن وهدان.. 




ساد الصمت قليلاً اسفل تململ "مراد" في وقفته، وأخرج سيجاره من سجائرة يشعلها بقداحته الذهبية الأنيقة التي تتخذ قمتها رأس حصان، انتبه لحديث "حسن" الذي قال فجأة:




_ اوعى تكون فاكر يا مراد اني بضايق من تصرفاتك دي، بالعكس... 




نظر له بحاجب مرفوع ساخرًا وهو يردد كلمته الأخيرة:




_ بالعكس! 




أكد حديثه وهو يخبره:




_ اه بالعكس، على فكرة انا ببقى مبسوط بتصرفاتك دي، وبلطجتك، وقلة ادبك، وانك مبتقدرش حد.. واعتقد ده ظهر من زمان لما وقفت قدامي وزقتني عشان امك، وقتها أي أب غيري كان رزعك جوز قلام فوقك، بس انا معملتش كده بالعكس يومها قولتلك انك دلوقتي بس ابني.. فبلاش تفكر ان وقوفك قدامي وتفوقك عليَّ بيضايقني بالعكس.. ده بييجي على هوايا.. واوي كمان. 




رفع حاجبيهِ مندهشًا وزفر زفرة طويلة يائسة قبل أن يكمل سيجارته وكأنه لم يسمع شيء. 




_____________




في سوهاج... 




كانت تنتظره في بمنزله منذ ساعتان مضوا، أتت خصيصًا للحديث معه، مرة أخرى، لعلّها تستطيع اقناعه، لكنها اوهمت والدتها انها أتت للاطمئنان على زوجة عمها "رباح"، التي تجلس بجوارها الآن، تنظر لها بشفقة واضحة، وعجز، فقد حاولت أن تثني ولدها عن قراره لكنها لم تستطع ولم يقتنع بحديثها. 




_ بلاش يا بتي، بلاش حديت وياه لا هيجدم ولا يأخر، انا حدته كتير ومسمعش مني، وراكب راسه. 




طفرت الدموع من عينيها الذابلة وهي تهتف بمرار:




_ بس اكده حرام، ميرضيش ربنا، كيف يعني اتحرم من حاچة بحبها وريداها، كيف اتچبر ابعد عن حاچة تخصني وغيري بيتحكم فيها! 




ضربت "رباح" فخذيها بكفيها وهي تردد:




_ هنعمل ايه، دماغه صلدة كيف الحجر الصوان، ومجوياه امك، الله في سماه هي الي خربتت دماغ الواد ده ووصلته للي هو فيه. 




ضحكت بمرار ساخرة:




_ أمي! دي اكتر واحده واجفة في صفه ضدي.. ومن زمان مش دلوجت، ولولا خالي الله يرحمه مكنتش كملت علام، مخبراش ليه بتكره البنات اكده، وكأني مش بتها، عمري ما حسيتها حنينة عليَّ. 




_ جلبها جاسي من يومها يابتي، طالعة لمين مخبراش، ده جدتك كانت تتحط على الجرح تطيب، لكن نجول ايه، ادي الله وادي حكمته. 





        

          

                

انتبها لفتح باب المنزل ودلوف "ابراهيم" من خلفه الذي ابتسم ساخرًا مرحبًا بتودد زائف:




_ وانا اجول الدار منورة ليه! اتاري ست فريال اهنه. 




ولم تدرك هي سخريته، ولكن أدركتها والدته على الفور، فنظرت له معاتبة لكنه لم ينظر لها حتى، واجابت "فريال" بعد ان مسحت دموعها:




_ منور بناسه يا ابن خالي، انا جيت رايده اتحدت معاك لو عندك وجت. 




هز رأسه بترحيب زائف:




_ اكيد فاضي، ولو مفاضيش افضي حالي، هيكون في ايه اهم من حديتك. 




نهضت "رباح" وهي تقول بحدة ناظره له:




- هروح اصلي المغرب، وادعي ربنا يهدي العاصي. 




ليهتف ببرود لها:




_ وادعيلي معاكِ ياما. 




وكأنه لم يكن العاصي الذي قصدته! 




نظرت له ولم تعقب وانسحبت من أمامهما بعدم رضى. 




_ خير؟ 




قالها بعد أن جلس أمامها متمطعًا بجسده بارهاق، لتبدأ هي في الحديث بتوتر من رد فعله:




_ انا بس رايده نتفاهم في موضوع الجامعة، يعني لو كان المشكلة في روحتي لمصر ممكن احاول ارتبها. 




رفع حاجبه ساخرًا وهو يسألها:




_ ازاي بجى؟ 




_ يعني ممكن اروح هناك في شهرين الامتحانات بس اجعدهم مع خديجة، وباجي السنة هبجى اروح في اليوم الي عندي فيه حاجة مهمة وارجع في نفس اليوم، يعني ممكن يومين في الاسبوع ولا حاجة، جولت ايه؟ 




رفع عينيهِ لأعلى بملل:




_ ده على اساس ان المشكلة في مرواحك مصر؟ 




اعتدل مستندًا على فخذيهِ بكوعيهِ فأصبح قريب منها:




_ الحكاية مش اكده واصل، كل الحكاية ان العلام من اصله ملوش عازة، فليه الشحطتة وجلة الراحة. 




ادمعت عيناها وهي تخبره بنبرة حزينة:




_ لأني ريداه يا ابراهيم، رايده اكمل علامي حتى لو هجعد بشهادتي، على الاقل ولادي يفتخروا ان امهم دكتورة. 




لوى فمه بسخرية قاسية وهو يردد بأعين تطق بها الشرار كأنها سبته للتو:




_ وابوهم معاه دبلوم مش اكده؟ ده الي جاصده تجوليه، على الاقل يفتخروا بحد فينا. 




نفت برأسها سريعًا تخبره بصدق:




_ يتجطع لساني ان جولتها، ومجصدش الي فهمته والله، انا بس بجول... 




قاطعها ناهضًا يقول بانهاء للجدال:




_ وانا جولت لا، ولو مريداش تجعدي بالثانوية، خلاص جدمي في معهد جريب من اهنه وخدي شهادته ومتخوتيش دماغي. 





        

          

                

نهضت تواجه وهي تسأله باستنكار:




_ اجدم في معهد خدمة اجتماعية ولا معهد تجاري بعد ما اطلع من الطب؟ والله حرام الي بتجوله ده. 




_ ده الي عندي. 




انهى حديثه وذهب من امامها، لتجلس فوق الكرسي مرة اخرى وقد سالت دموعها بغزارة فوق وجنتيها وهي تدرك ان حديث "رباح" كان صحيحًا.. لا فائدة من الحديث. 




_____________




_ مينفعش كده يا حبيبي لازم تاكل حاجة. 




قالتها "جاسمين" وهي جالسة بجوار "باهر" منذ اكثر من نصف ساعة تحاول معه أن يتناول بعض اللقيمات، ازاح كفها بهدوء وهو يردف بنبرة حزينة:




_ مليش نفس. 




_يا باهر الحزن ملوش علاقة بالاكل والشرب، ولو اضرابك ده هيرجع اللي فات مكنش حد غِلب. 




نظر لها بجانب عيناه وهو يخبرها بحزن حقيقي وعيناه الباهتة تحكي الكثير:




_ مش اضراب، بس لما الحزن بيتمكن من الإنسان بيخنقه، كأن واحد ماسكه من رقبته، لا عارف ياكل ولا يشرب، حتى النفس خارج بصعوبة. 




مسدت بكفها على ظهره وهي تخبره بمواساة:




_ ربنا يرحمه يا حبيبي، ادعيله. 




خانته دموعه وانسدلت فوق وجنتيهِ وهو يردف بتأثر بالغ:




_ عارفه كام سنه بينا خلاف بسبب عمتي، من وقت ما خديجة جت القاهرة، كنت بتكلم معاه عادي جدا مش زي اب وابنه، مش زي الأول، وجعني انه موقفش في وشها يومها وقالها ده ابني وانا واثق انه ميعملش الي بتقولي عليه، سكت.. سكت وجه بعد كده يقولي سكت عشان اتفاجأت بالي حصل لكن انا مكنتش مصدقها.. طب يفيد بايه؟ انا كنت عاوزه يقف جنبي وقتها مش بعدين، مقدرتش اتخطى انس خرجت من البلد وقتها وانا قلبي والع بالي قالته عني والمشكله الي ملهاش لازمه الي عملتها وخلت عمي وعياله يسيبوا البلد ويمشوا، وعملت قطيعة بين عمي وبين ابويا، حاول معايا كتير ارجع اقعد في البلد زي الاول بس مقدرتش. 




حاولت تهوين الأمر عليه لتردف:




_ أنتَ حكتلي قبل كده عن الموضوع ده، وانا شايفه ان كان من حقك تزعل، لانك كنت متعشم ان والدك هو الوحيد الي طبيعي يقف في صفك وينصفك، فزعلك منه كان على قد المحبة والعشم، بعدين أنتَ مخاصمتوش ولا حاجه، يعني احمد ربنا انكوا كنتوا بتتكلموا وبتتواصلوا مع بعض، فهو اكيد مش زعلان منك. 




_ تفتكري؟ 




سألها بأعين دامعة كالغريق الذي يتعلق بأي أمل في النجاة، لتبتسم له وهي تخبره بتأكيد:




_ اكيد طبعًا، والدليل على كده انه كان دايمًا يقولك ارجع البلد لو كان زعلان منك مكانش طلب منك ده، وبعدين عمرك حسيت وهو بيكلمك انه زعلان ولا شايل منك؟ 





        

          

                

نفى برأسه، لتكمل براحة:




_ شوفت، يبقى متشيلش نفسك فوق طاقتك. 




تنهيدة عميقة صدرت منه تلاها قوله:




_ ليه الموت بيخطف منا الناس فجأة؟ تفتكري لو كنا على علم بانهم هيروحوا الوضع كان يبقى احسن؟ 




ضحكت ساخرة وهي تخبره بحزن:




_ اومال لو مكنتش شايف معايا الي بيحصلي، مفيش اسوء من انك تعرف بموت حد ومتقدرش تعمله حاجه، ما بالك لو اقرب الناس ليك، ربنا رحيم بينا يا باهر وكل حاجه في الدنيا دي ليها حكمة لو فكرنا فيها كويس هنوصلها ونحمد ربنا عليها.. الفراق بيوجع اه، بس العجز بيوجع اكتر. 




حديثها هدأ من نفسه قليلاً، بعث لروحه بعض الراحة، جعل عقله يهدأ من افكاره المتضاربة، ارجع رأسه للخلف يسترح على ظهر الاريكة، ويغمض عيناه يستنجي بعض الصفاء.. 




نظرت له بشفقة تعلم ما يمر بهِ جيدًا، ومن واجبها ان تظل بجانبه الآن، ولكن هذا لا يمنع انها لم تصفى له، لم تنسى حديثه السابق لها وقسوته فيهِ، بقلبها غصة لا تزال متعلقة بهِ منذ سمعها لحديثه يومها وما قاله، وشعورها انها عبء ثقيل عليه، رغم انها تقدر تعبه و مجهوده معها ووقف لجوارها، ولكن لن يمحى هذا شعورها بالحزن منه. 

__________




انتبه لرنين هاتفه للمرة الثالثة دون انقطاع، فاستفاق من غفوته التي لجأ لها بعد سهره طوال الليل في عمله، التقطه يفتح عيناه نصف فتحه ليرى من المتصل، فوجدها هي، اجابها بصوت خامل:




_ ايوه يا حبيبتي. 




_ طارق الحقني. 




انتفض جالسًا حين اتاه صوتها الباكي وجملتها المستنجدة، فهتف وهو ينتفض من فوق الفراش يركض لخزانته يخرج اول ثياب تقابله:




_ في ايه يا هاجر؟ ايه الي حصل؟ حد عرف حاجة! 




وبنفس نبرتها اجابته:




_ لا، بس.. مصيبة يا طارق.. مصيبة. 




هتف بعصبية وهو يلتقط الثياب بين يده يشيح بها بعصبية:




_ ما تنطقي يا هاجر سيبتِ اعصابي، في ايه؟؟ 




_ انا... انا حامل. 




تجمد محله وسقطت الثياب من يده وهو يردد بصدمة غير مستوعبًا ما قالته:




_ ايه؟ 




زادت في بكائها وهي تكرر جملتها بصوتٍ عالٍ وعصبية:




_ بقولك حامل.. حامل. 




انتابته موجة من العصبية هو الآخر، ليصرخ بها وهو يضرب الفراش بقدمة:




_ حامل ازاي يعني؟ أنتِ بتستهبلي! مش المفروض متنيلة عاملة احتيطاتك! 




اجابته بصوت متهدج:




_ اتنيل! يعني ايه ازاي؟ اهو الي حصل، واه كنت متنيلة بس اعمل ايه يعني! بعدين أنتَ بتزعقلي ليه؟ ومتكلمنيش كده. 





        

          

                

_ اومال اكلمك ازاي! المفروض اقولك ايه يعني؟ ازغرط وافرح بيه ولا اقولك بسيطة روحي نزليه! 




صرخت بهِ هي الأخرى وهي تخبره بغضب:




_ متقولش.. ومتتكلمش معايا اصلاً. 




انهت جملتها واغلقت الخط دون ان تعطيه فرصة لأي رد منه، القى بالهاتف فوق الفراش بغضب وهو يطوف ارجاء الغرفة بعصبية مشبعة بالحيرة والتخبط. 




_________




وصلا امام بيته الجديد، ليوقف سيارته ويلتفت لوالدته وقد قرر ان يوضح لها كيفية تعاملها مع زوجته، كي لا تزيد الوضع سوءً، فبدأ في الحديث وهو يقول:




_ ماما، عاوز بس افهمك كام حاجة قبل ما ندخل جوه. 




نظرت له بصمت تحثه على الحديث، ليسألها اولاً:




_ قوليلي الأول أنتِ صدقتيني؟ صدقتِ إني مكنتش قاصد اي حاجة من الي حصلت زمان؟ 




ابتسمت بمرارة وهي تخبره باستسلام:




_ للأسف يا مراد، الأم حتى لو شاكه في كلام ابنها، بتقنع نفسها بيه وبتصدقه عشان تريح قلبها، ومتدوقش مرار ان تعبها فيه راح على الأرض. 




صمتت قليلاً ترتب حديثها، ثم اكملت وهي تضع كفها على كفه المسنود بجوارها:




_ بس انا مصدقاك، مش عشان اريح بالي لا، عشان متأكدة ان تعبي فيك مراحش على الأرض، ومقدرة انك كنت عيل واكيد مقصدتش تقتلها. 




ابتسامة صغيرة زينت ثغره وهو يبدأ في الحديث:




_ طيب بصي يا ست الكل، البت الي جوه دي دماغها انشف من الحجر الصوان، ولابس في دماغها اني السبب في موت اختها ومحملاني الذنب، بقالها سنتين مدوخاني وراها وقلبت قرد عشان بس اوصلها واضمنها في ايدي الاول، عشان كده عرفتها عليَّ اني شخص تاني وخفيت هويتي، بس من وقت ما عرفت وهي مش طيقاني طبعًا، وطبيعي هي هتتعامل معاكي، بصراحة معرفش هتتعامل ازاي بس الاكيد مش هسمحلها تعاملك بطريقة متعجبنيش.. 




قاطعته وهي تعقب بهدوء:




_ اعذرها يا مراد، الي هي فيه مش سهل، عارف البت دي يمكن لو كانت الحادثة حصلت وهي كبيرة شوية مكانتش سببتلها الأزمة دي، ويمكن كانت اتفهمت الموضوع شوية، لكن عشان حصل في وقت كانت صغيرة اوي فيه، فهي لحد دلوقتي شايفه الموضوع بعين البنت الصغيرة الي يدوب مكملتش تسع سنين. 




اومئ برأسه متفهمًا حديثها، وقد اقتنع بهِ تمامًا، ومن البداية هو يقدر وضعها، وربما هذا ما يزيد من صبره:




_ معاكِ حق، طب بصي بقى، انا معرفش ان كانت ممكن تحكيلك عن حادثة اختها ولا لا، بس عاوزك لو حكتلك... 




قاطعته وهي تقول:




_ هعمل نفسي معرفش حاجه. 




_ لا طبعًا غلط، بالعكس هي لازم تعرف انك عارفه، وتقنعيها بوجهة نظرك، لو قولتيلها معرفش حاجه هتشوف ان الموضوع كارثة عشان كده خبيت عليكِ، لكن لما تلاقيكِ عارفه هتفهم ان الحكاية مش ذنب ارتكبته بداريه، دي حاجة حصلت في حياتي عادي وحكيتهالك.. فهمتي قصدي؟ 





        

          

                

اومأت متفهمة وهي تقول:




_ فهمت اه. 




رفع حاجبه بحماس وهو يخبرها:




_ حلو، ندخل بقى على باقي التفاصيل.... 

____________




_ اتجوز؟ أنت متأكد؟ 




استمع لرد الطرف الآخر، ليبتسم بخبث وهو يقول:




_ اخيرًا، اخيرًا جه تحت ايدي، بقالي سنتين مش عارف اخد حقي منه وجه الوقت الي بقاله فيه حاجه امسكه منها، اسمع عاوزك تجبلي كل تفصيلة عن البت دي، وتعرفلي كل الي بيحصل في يومها، نوع الفطار الي بتفطره عاوز اعرفه فاهم؟ 




اغلق الهاتف وهو يتنهد بابتسامة ساخرة:




_ بقى مراد وهدان يتجوز! لا وواحده عادية كده، يبقى الحكاية فيها إن، واكيد هتفدني. 




صمت قليلاً ينظر امامه بشرود قبل أن يقول:




_ والله وجه الوقت الي اخد حقي فيه، سنتين مش عارف اضربك في الشغل زي ما عملت معايا، ومكانش ليك نقطة امسكك منها، بس ادينا وصلنا للنقطة دي.. محتاج بقى اصبر واسوي الموضوع على نار هادية، عشان يوم ما اضرب ميبقاش عارف الضربة جياله منين. 




_ شعر بنقرات فوق باب مكتبه المغلق، ليقطب بين حاجبيهِ باستغراب متجهًا للباب وفتحه، ليرفع حاجبيهِ بذهول وهو يبصر "عُمر" يقف امام الباب وبيده قلم يخط بهِ فوقه بعشوائية، والذي توقف ما إن فُتح الباب، ليرفع "دياب" حاجبه وهو ينظر للباب الذي اصبح بهِ خطوط سوداء اللون واضحة، ونظر للصغير يسأله:




_ بتعمل ايه يا عُمر؟ 




اجابه ببرائة وملامح تجمع بها كل اللطف:




_ برسم. 




_ بترسم ايه يا حبيبي؟ ملقتش غير الباب وترسم عليه؟ بعدين مانا جايبلك اسكتشات رسم كتير فوق مبترسمش فيها ليه؟




حرك منكبيهِ بجهل:




_ كده. 




هز "دياب" رأسه يائسًا، وهو يعقب:




_ هي مرازية يعني! طب ايه رأيك نلعب كوره في الجنينة. 




قلب شفتيهِ بتفكير قبل أن يخبره:




_ ماشي.. بس بشرط. 




_ قول يا باشا. 




_ عاوز ايس كريم. 




_بس كده، بعد ما نلعب هخليهم يجبولك، يلا اجري هات الكورة.. 




ركض الصغير ذو الأربع سنوات ليجلب الكورة حتى يلعب مع والده، وخرج "دياب" يسبقه للحديقة ليجدها جالسة هناك في البرجولة الموضوعة على جانب الحديقة، وقف أمام الباب الذي خرج منه ينظر له وهي شاردة، ناظرة في اتجاه آخر، يعلم جيدًا الصراع الناشب بداخلها الآن، ف المهلة التي أعطاها لها ستنتهي بعد يومين، واليوم الثالث يجب أن تخبره بقرارها والذي ينتظره على أحر من الجمر. 





        

          

                

جاء الصغير من الداخل وهو يصيح بسعادة وحماس:




_ يلا يابابا اقف جون .. 




قالها وهو يلقي الكرة في وسط المسطح الأخضر ويركض ناحيتها متخطيًا "دياب" الذي صاح باستنكار ووصل صوته لها بعد ان انتبهت على صياح صغيرها:




_ جون؟ بقى دي اخرتها! 




اتجه له يبدأن في اللعب والصغير تعلو ضحكاته لتصدح في الارجاء بسعادة وهو يركض هنا وهناك تارة خلف ابيه الذي يستحوذ على الكرة وتارة يتركها له ليركض هو خلفه مراعيًا خطواته المتعثرة. 




تابعتهم بنظراتها واعينها الدامعة، وقد زادت حيرتها، لن تنكر ابنها يلقى حظ وفير من السعادة والرفاهية هنا، ستحرمه من اشياء كثيرة إن قررت البعد بهِ، وستُحرم منهِ إن قررت البعد هي بدونه، فقط لو تستطيع ان ترجع دياب عن الطريق الذي سار فيهِ لكانت هناك فرصة كبيرة في النجاة بأسرتهما الصغيرة، تنهدت بحيرة وعقلها لا يتوقف عن التفكير في فرصته الأخيرة لها، منذ أن أخبرها ولم تتوقف عن التفكير في حل وسط، لكنها تعجز عن ايجاده، وفي خضم تفكيرها تذكرت شخص ليته موجود الان لكانت اخذت رأيه، ليتها تستطيع الايصال له... 




_ خديجة! 




______________




دلفا للمنزل يدفع كرسي والدته امامه ليجد "مصطفى" يجلس امام التلفاز والذي هب واقفًا يصيح:




_ أنتَ فين يا أبيه، انا زهقت من القاعدة لوحدي ومش عارف حاجة في البيت ده حتى التلاجة مش عارف افتحها.. انتوا قافلينها بالقفل ولا ايه؟ هي بتتسرق! 




ضحكت "ليلى" على طريقته في الحديث وأردفت متسائلة:




_ ده اخوها الصغير؟ 




_ ايوه هو. 




_ كان صغير اوي لما مشي، بس نسيت اسمه. 




_ مصطفى. 




اومأت متذكرة وهي تنظر له مبتسمة:




_ ازيك يا مصطفى؟ 




اجابها بارتباك:. 




_ الحمد لله، ازيك أنتِ يا حَجة؟ 




ضحكت بصوت مسموع، وابتسم" مراد" ابتسامة صغيرة، بينما قالت هي:




_ مش ممكن.. حَجة! لا انا مش كبيرة للدرجادي، تقدر تقولي يا طنط هتكون احسن. 




ابتسم بحرج وقد شعر بسخريتهما منه:




_ اه.. معلش مقصدش. 




_لا عادي ولا يهمك. 




قالتها بلطف بعدما شعرت بحرجه، ليسأله "مراد" وعيناه تجوب في الارجاء:




_ قاعد لوحدك ليه؟ اومال خديجة فين؟ 




_ فوق، من وقت ما طلعت وأنتَ هنا منزلتش. 




_ وأنتَ مطلعتش لها ليه؟ 




رفع ذراعيهِ باستسلام:




_ لا، مطلعش عشان هي مش طايقة نفسها دلوقتي، ففي الحالات دي تجنبها احسن او اسلم. 





        

          

                

هز "مراد" رأسه وهو يخبر والدته:




_ هطلع اشوفها ونازلك. 




_ ماشي يا حبيبي. 




اتجه ناحية الدرج ليتوقف على نداء "مصطفى" له:




_ خير يا مصطفى. 




_ انا كنت عاوز اسألك لآخر مرة. 




_اسأل! 




بدى التوتر على وجهه وهو يسأله:




_أنتَ بتحبها بجد يا أبيه مراد؟ 




تنهد بملل وهو يجيبه باجابة مختصرة لكنها تعني الكثير:




_ كأنك بتسألني أنتَ بتتنفس!




اراحته الإجابة قليلاً، لكنه أصر على توصيل المعلومة له وهو يقول:




_ انا لو في يوم حسيت اني اذيتها لما وقفت في صفك هيبقى الموت اهونلي، مش عاوز ييجي يوم تعايرها فيه بفرق المستوى، الي انا شايفه زي الفرق بين السما والأرض، او تكون الحكاية مجرد وقت وتبدأ تزهق منها بعد شوية وترميها، انا مش عاوز اختي تعاني تاني، هي عانت بما فيه الكفاية.. الكلام سهل.. لكن الفعل هو الي بيفرق. 




ابتسم له وهو يربط على كتفه واردف:




_ يبقى سيب الفعل يبين الي الكلام ماقنعكش بيه. 




التف صاعدًا درجات السلم، لينتبه "مصطفى" لصوت ليلى" تقول:




_ تحب اوريك التلاجة بتفتح ازاي؟ 




التف لها يبتسم بحماس:




_ اه وحياة ولادك يا طنط لاحسن عصافير بطني ماتت. 




ضحكت وهي تهز رأسها وتقول:




_ ماشي، يلا قدامي على المطبخ، قالتها وهي تدير كرسيها وتستعد لدلوف المطبخ معه.. 




______________




فتح باب الغرف واحدة تلو الأخرى حتى وجدها أخيرًا، نائمة فوق الفراش على جانبها ومغمضة عيناها بسلام، ولكن ما إن تحرك خطوة واحده حتى استفاقت ونهضت على الفور واقفة أمامه تنظر لعيناه بتحدي وهي تردف باصرار:




_ مش هتجبرني ابقى معاك، مفيش حاجة بالعافية، اقصر الشر وسبني امشي انا واخويا. 




رفع كفيهِ باستسلام مردفًا:




_ اعتقد أنتِ شوفتي ان اخوكي قاعد بكيفه، واعتقد برضو انك سكتي لما شوفتي قد ايه هو فرحان بحياته الجديدة. 




وضعت كفها في خصرها وهي تهتف بحدة:




_ كانت لحظة عمى، زي ما قولت اتاخدت من فرحة اخويا ومحبتش اكسر بخاطره، بس لما فكرت لاقيت اني هدمر حياتي وحياته عشان شوية مظاهر كدابه، اخويا لا عمره داق العز ولا عاش فيه، والفرحة الي شافها دلوقتي سهل ينساها لما نمشي من هنا، لكن مش هستنى لحد ما يدوق طعم العز واجي احرمه منه، عشان كده بقولك سبنا نمشي يابن الناس وطلقني بالذوق. 





        

          

                

عقب ساخرًا:




_ طب اسمعي يابنت الناس، لا هتمشي ولا هطلق، واحسنلك تتأقلمي على الوضع ده، وعشيلك يومين أنتِ واخوكِ ولا متبتة في المرمطة والبهدلة والشقا! 




انزلت كفها وهي تقول بضيق:




_ ملكش فيه، اه انا متبتة في الفقر ومستموته، انتَ مالك! بعدين ايش تعمل الفلوس في عيشة فاشلة من اولها، هتعملي ايه الفلوس وانا عايشه مع حد مش طيقاه ولا طايقه افضل على ذمته دقيقة كمان! غنى ايه وزفت ايه، ده انا عيشتي مع الشحات هتكون احسن من عيشتي معاك حتى لو هقعد في عشة. 




استفزه حديثها فكور قبضته يبتلعه بصعوبة كي لا يسوء الوضع بينهما، وسألها بنبرة هادئة:




_ عاوزه ايه يا خديجة وتلمي الدور؟ 




نظرت له باشمئزاز واجابت:




_ مش عاوزه منك حاجه، ابعد عني بس وانا هرتاح. 




اخبرها باصرار:




- المستحيل اقربلك من الي بتطلبيه. 




هاجت، وصرخت بهِ بأعين جاحظه من الغضب:




_ وانا مستحيل اكمل مع الي قتل اختي ولو على موتي.. 




_اعملك ايه تاني عشان ترضي؟ انا عملت كل حاجة ممكن تتعمل واتحملت حاجات كتير في العادي مكانش ممكن اتحملها ولا اعملها عشان حد، مطلوب مني ايه تاني اعمله ومعملتوش؟




صرخ بها بعدما ضاق ذِرعه، صرخ بها قلبه قبل أن ينطقها لسانه، والألم لونَ حدقتيهِ بوضوح، حتى معالمه الصلبة باتت هشة وقد قاربت على الانهيار، وردها لم يتوقعه حين نظرت لعيناه بجمود وأردفت بنبرة باردة كالصقيع، هادئة كالنسيم:




_ مطلبتش منك تعمل اولاني، انا رفضي ليك عمره ما هيتغير حتى لو عملت ايه، هفضل مش قابلاك في حياتي.. إلا بقى لو رجعت اختي تاني الي أنتَ قتلتها.. ازاي عاوزني أآمنلك وأنتَ قاتل، اطمن على نفسي معاك ازاي؟ قتلت اختي لمجرد انها وقعتني! على كده لو اتخانقنا في يوم ونرفزتك ولا غلط فيك هتقتلني؟ احمد ربنا اني مبلغتش عنك وقتها لولايا كان زمانك في السجن طول عمرك.




والعقل غاب بعد سماع حديثها، وتحكمت بهِ شياطينه، ليلقي كل حديث للقلب وراء ظهره وهو يقترب منها الخطوتان الفاصلتان حتى أنها لم تلحق أن تأخذ رد فعل وتبتعد، فقط جحظت عيناها وهي تراه يقبض على ذقنها يعتصره بين كفه العريض القاسي، ولكن لم يؤلمها قدر ما فزعتها نظراته التي تراها لأول مرة، بكل هذا الغضب والشر الكامن داخلها، وردد هامسًا بهمس كالفحيح:




_ ولولايا كان زمانك هتقضي الباقي من عمرك في السجن، لو كانت مشكلتك معايا إني قت*لت، فانتِ كمان عملتيها، وإن كنتِ زمان سكتي واتسترتي معايا على الجر*يمة، فانا رديتلك الي عملتيه، ولا أنتِ بقيتِ بتنسي بسرعة ونسيتِ الراجل الي قت*لتيه! ولولايا كان زمانك مقبوض عليكِ ومكانش الجن الأزرق هيعرف يخرجك منها، بقينا متعادلين يا خديجة.. بقينا متعادلين!!




ماذا!! هل افشى عن سر كارثي للتو! 




جحظت عيناها وشحب لونها وهي تسأله بفاه فاغر:




_ ايه! قتلته؟ أنا قتلته فعلاً! 




والآن ادرك خطأه، تركها وارتد للخلف وهو يسب نفسه بهمس، عامان واكثر حافظ فيهم بكل الطرق على هذا السر ولم يجعلها تشك في حقيقة قتل ذلك الوحش،عامان حرص فيهما على ألا يصلها أي خبر عن اختفاءه الغريب، كي لا تسوء حالتها النفسية مرة أخرى.. 




اقتربت منه تجذبه من ياقة قميصه تتعلق بها وهي تصرخ بهِ وقد صعدت الدماء لرأسها:




_ رُد علـــيَّ! أنتَ قولتلي انه سافر، قولتلي انهم بيقولوا ساب الحارة وهج عشان نصب على واحد في فلوس ومرجعش فلوسه.. والحارة كلها كانت عارفة ده وبتتكلم فيه.. أنتَ كنت بتكدب؟ يعني.. يعني انا مكنتش بتخيل وهو اتهجم عليَّ بجد وقتلته؟ يعني انتَ جيت يومها فعلاً وخفيت جثته!! رُد... ابوس ايدك رُد وقول انك بتكدب وان كل ده محصلش، قول انه هرب زي ما قولتلي.. قولي إني مقتلتوش.. ابوس ايدك قولي اني مقتلتوش... 




هي ليست على حافة الانهيار.. لقد سقطت من فوق الحافة بالفعل!!  


google-playkhamsatmostaqltradent