رواية صراع تحت القمر الفصل السادس 6 - بقلم اسماعيل موسى
وقف أركان ولوسيان عاجزين، القيود السحرية تُكبل أجسادهما بشفافية مميتة، بينما مخلوقات الليل المتوحشة تزحف من كل جانب. كانت أنفاسهما تتسارع مع اقتراب تلك الكائنات المشوهة، أصواتها الحشرية المزعجة تضج في الهواء، وأنيابها تلمع تحت ضوء القمر.
لكن وسط هذا المشهد المروع، لاحظ أركان شيئًا غريبًا. القيود التي تُحكم قبضتها عليهما لم تكن ثابتة تمامًا؛ كانت تهتز بخفة مع كل صرخة أو حركة تصدرها المخلوقات، قال بصوت مبحوح وهو يشير إلى لوسيان:
“إنها تتأثر… بالضجيج!”
فهم لوسيان فكرته على الفور، وبدأ بالصراخ بصوت عالٍ ومفاجئ، وراح يضرب الأرض بقدميه بقوة،تجاوب أركان معه، يصرخ بكل طاقته، ويدفع بأكبر قدر من الحركة ضد قيوده،ارتفعت أصواتهم عالية في الهواء، متداخلة مع أصوات المخلوقات، مما زاد من اضطراب القيود،بدأ وهجها السحري يبهت، وأصبح ملمسها أقل ثباتًا.
مع آخر صرخة أطلقها أركان، انكسرت القيود فجأة، وسقط الاثنان أرضًا، يتنفسان بصعوبة،لكن فرحتهما لم تدم طويلًا؛ المخلوقات المتوحشة كانت أقرب من أي وقت مضى، عيونها الحمراء تلمع في الظلام، وأنيابها تستعد للانقضاض.
“اركض!” صرخ أركان، وسحب لوسيان من يده، اندفع الاثنان عبر الغابة بأقصى سرعة، يتجنبان الأشجار المتشابكة والجذور البارزة، كانت المخلوقات تلاحقهما بلا هوادة، أصوات أقدامها الثقيلة تضرب الأرض خلفهما، وزئيرها يشق الظلام.
لكن لوسيان، بنظرته الثاقبة، لمح مسارًا ضيقًا بين الأشجار يؤدي إلى مجرى مائي صغير. قال بصوت لاهث:
“اتبعني!”
اندفع الاثنان نحو النهر الضيق، والغابة تزداد وحشة من حولهما. عندما وصلا إلى ضفة الماء، لم يترددا، قفزا فيه، وترك التيار القوي يأخذهما بعيدًا عن المخلوقات،كان الماء باردًا ومليئًا بالتيارات الغادرة، لكنهما تمسكا بأغصان عائمة، يحاولان النجاة.
بعد دقائق بدت كأنها دهر، خرجا أخيرًا من النهر على الضفة الأخرى، منهكين ومبللين تمامًا،كان الصمت يخيم حولهما، باستثناء صوت الماء الذي ينساب بلطف جلسا لوهلة، يتنفسان بصعوبة، قبل أن يلتفت أركان إلى لوسيان ويقول:
“لقد فقدنا برانتا..
كانت السماء ملبدة بالغيوم، والرياح الباردة تعصف بأرجاء الجبال الشاهقة. أركان ولوسيان، بعد نجاتهما من قيود الجنية فاليرا ومخلوقات الظلام، كانا يعلمان أن الخطوة التالية هي الصعود إلى جبل أزيخ حيث ينهض كهف الريح. كان كهف الريح أكثر من مجرد كهف؛ كان البوابة الوحيدة التي يمكن أن تعيدهم إلى الأرض كما اخبرتهم حورية النهر ، لكن حراسته كانت موكلة إلى محارب أسطوري يُدعى الهنطاع.
بدأت رحلتهما عند سفح الجبل، حيث كان الهواء ثقيلًا، يشبه عبء الخوف الذي يخيم على قلوبهما. كلما صعدا، كانت الرياح تصبح أكثر عنفًا، وكأن الجبل نفسه يرفض استقبالهم. استغرقهما الأمر ساعات من التسلق على الصخور الحادة، مستخدمين الحبال وأطراف أصابعهما المتعبة.
عند اقترابهما من قمة الجبل، ظهر أمامهما مدخل كهف الريح، فوهة عملاقة تُصدر أصوات صفير الرياح التي تبدو كصرخات،كان الممر المظلم يشعّ بضوء غريب قادم من الداخل، كأنما يدعوهم ويدفعهم في الوقت ذاته إلى الخوف،
ما إن اقتربا من فوهة الكهف حتى انبعث صوت هائل كأنه زئير عاصفة محتدمة، الأرض اهتزت تحت قدميهما، وظهر أمامهما الهنطاع، المحارب الأسطوري، كان عملاقًا، طوله يناهز ضعف طول أركان، جسده كان مغلفًا بدرع متين من معدن أسود كالفحم، تنعكس عليه أضواء الريح داخل الكهف أجنحته الضخمة، المصنوعة من ريش معدني قاتم، كانت ترتفع وتنخفض بخفة، كأنها تتحدى الرياح نفسها،في يده اليمنى، كان يحمل سيفًا ضخمًا مصنوعًا من نصل يبدو كأنه قطعة من الليل، ينبعث منه بريق غريب.
قال بصوت عميق هزّ الجبال من حولهم:
“من يجرؤ على دخول كهف الريح؟”
خطا أركان خطوة إلى الأمام، وهو يرفع رأسه لمواجهة العملاق، وقال بثبات:
“نحن نسعى للعبور إلى الأرض، نحن نحارب الظلال، وليس لدينا خيار آخر.”
ابتسم الهنطاع بسخرية، وكشف عن أسنانه الحادة كأنها أنياب.
“لكل من يحاول العبور، عليه أن يثبت جدارته… إن كنتما مستعدين للموت، فتقدما!”
اندفع الهنطاع بسرعة هائلة، لا تتناسب مع حجمه العملاق. ضرب بسيفه الأرض أمامهما، مما أحدث شقوقًا وانفجارًا من الحجارة المتطايرة، أركان ولوسيان تفاديا الضربة بصعوبة، ثم انطلقا في هجوم متزامن.
لوسيان، بسيفه الذي يلمع بالضوء الأزرق، كان يحاول استهداف نقاط ضعف الهنطاع في مفاصل درعه، بينما أركان استخدم رمحه محاولًا تشتيت انتباهه،لكن الهنطاع كان أقوى وأكثر حنكة، يصد كل ضربة ويهاجم بمهارة لا تُضاهى.
“لن تنجحوا!” صرخ الهنطاع، ورفع جناحيه ليطلق عاصفة رياح عنيفة دفعت أركان ولوسيان إلى الوراء، وأسقطتهما أرضًا.
لكن أركان، رغم جراحه، نهض مجددًا. لاحظ شيئًا غريبًا: الضوء الغريب داخل الكهف كان يترك ظلالًا على درع الهنطاع، وكأن تلك الظلال تؤثر عليه. صرخ إلى لوسيان:
“الضوء… استهدف الظلال التي تنعكس على جسده!”
فهم لوسيان الفكرة على الفور، وبدأ بتوجيه هجماته نحو الظلال التي تتراقص على درع الهنطاع،مع كل ضربة، كان العملاق يصرخ بغضب، وكأن قوته تتآكل تدريجيًا.
في لحظة حاسمة، قفز أركان عاليًا، مستخدمًا صخرة كسلم، وطعن رمحه مباشرة في صدر الهنطاع عند النقطة التي تجمع فيها أكبر قدر من الظلال،انبعث صرخة هائلة من العملاق، وسقط على ركبتيه.
عندما انهار الهنطاع أخيرًا، انفتح الكهف أمامهم كأنه بوابة مضيئة، الرياح هدأت، وتحولت إلى نسيم دافئ،وقف أركان ولوسيان يتنفسان بصعوبة، ينظران إلى البوابة التي ستعيدهما إلى الأرض.
قبل أن يدخلا، همس أركان إلى نفسه: “هذه مجرد البداية… دراكسون وكائنات الظلال ينتظرون.”
دخلا الكهف، وعلى الرغم من الجروح والآلام، كان عزمهما أقوى من أي وقت مضى.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية صراع تحت القمر) اسم الرواية