Ads by Google X

رواية الحصان و البيدق الفصل السابع 7 - بقلم ناهد خالد

الصفحة الرئيسية

  

  رواية الحصان و البيدق الفصل السابع 7 - بقلم ناهد خالد

 

_ انا قتلته! طب ليه! انا مكنتش عاوزه ابقى كده.. 




قالتها وهي تشير لذاتها بعصبية وعدم تصديق في آنٍ، وجلست فوق الارضية الباردة بتعب وارهاق نفسي، وهي تبكي بمرار، وهو يتابعها بقلة حيلة، فأي حديث قد يقوله يمكن ان يخفف عنها! لقد زل لسانه وانتهى الأمر، أصبحت الآن على دراية بما استطاع خفيه لعامان وأكثر، والحق ان كل شيء لابد له أن يُكشف يومًا.. 




اقترب منها يقف امامها ثم جثى على ركبتيهِ امامها يتابعها بتأثر قبل أن يقول بنبرة حنونة يحاول فيها تخفيف صدمتها والامها:




_ انتِ مبقتيش كده بمزاجك، انا لو حد دخل عليَّ دلوقتي وحاول يسرقني وقاومته ولاقيته كان هيقتلني فسبقت وقتلته.. وقتها محدش يلومني، ده في بيتي وبيتهجم عليَّ، ولو مكنتش قتلته كان سبقني وعملها، والقانون يبرأني. 




نظرت له تسأله بادراك:




_ والقانون مبرأنيش ليه! ليه اتصرفت من دماغك وخفيت الجثة رغم ان القانون كان هيبرأني!؟ 




رفع رأسه بثبات وهو يجيبها:




_ عشان وقتها خوفت عليكِ، وحالتك وانهيارك الي كنتِ فيه مخلانيش افكر، بعدين مكنتش اعرف عن القانون لان عمري ما قريت عنه ولا دخلت في مشكله قانونية عشان افهم.. انا فهمت ده بعدين لما واحد صاحبي اتعرض لمشكلة مشابهه. 




وصدقته لانها ليست بحال يسمح لها بالمجادلة او الشك، ولكن حتى وإن كان خارجًا عن ارادتها، حتى وان كانت قتلته بلا جُرم، فهي في النهاية قتلته! ارتعش كفيها وتجعدت ملامحها ببكاء وهي تنظر له وتخبره بانهيار:




_ بس قتلته.. حتى لو مش مذنبة، قتلته ودمه على أيدي.. ازاي قدرت اعمل كده؟ 




امسك ذراعيها بكفيهِ يضغط عليهما برفق وهو يخبرها بالحقيقة التي يغفل عنها عقلها الآن:




_ قتلتيه عشان تعيشي.. عشان كان هياخد منك شرفك، كنتِ بتدافعي عن نفسك يا خديجة. 




رفعت نظرها له وبعيناها نظرة لم يفهمها، وظلت صامته لثواني قبل أن تُلقي بقنبلتها المدوية وهي تقول:




_ زي ماكنت بتدافع عني زمان! 




فغر فاهه وظل كالصنم أمامها لثواني أخرى يستوعب جملتها ويربطها بنظراتها، ليتأوه بقوة وهي يقول بعدم تصديق وتعب كمن ركض ضهرًا باحثًا عن مخرج وبالأخير رأى نورًا يأتي من بعيد.. 




_ أخيـــــرًا، فهمتِ أخيرًا يا خديجة! صدقتِ إن انا كمان مش مذنب والي عملته كان بنية الدفاع عنك ومكنتش اعرف انها هتوصل لكده. 




حركت رأسها باستسلام، واردفت:




_ فهمت.. عشان بقيت في نفس الموقف، فهمت عشان بقيت زيك، بقينا متعادلين زي ماقولت. 

  

احتضن وجهه بكفيهِ يتلمس رد فعلها، ليجد الهدوء فقط هو ما قابله، لم تبتعد ولم تنفر ككل مرة، فتشجع وانتفخ صدره بالراحة وهو يقول بنبرة تجسد بها كل معاني الرفق والاحتواء:




_ لا يا ضيَّ، لا مش متعادلين، وعاوزك تنسي خالص الي حصل، لو عاوزه تفتكري ذنبي انا بس انا موافق بس متحسيش انك بقيتِ زي الي بقالك سنين شيفاه مذنب، متسامحنيش عشان بقيتِ زيي، سامحيني عشان فهمتِ وقدرتِ موقفي.. غير كده انا مش عاوز مسماحتك. 




تنهدت بقوة قبل أن تخبره بصدق نبع من عينيها:




_ مسامحتكش عشان بقيت زيك، سامحتك عشان فهمت.. فهمت الي بقالي سنين مش عارفه افهمه، انا كمان مكنتش اقصد اقتله وكنت بدافع عن نفسي، زي ما انتَ عملت! بس هو ليه دايمًا مقابل حياتي يكون فيه خسارة لحياة شخص تاني! انا مش عاوزه اكون مؤذيه للي حواليا بالشكل ده. 




ابتسامة صغيرة زينت ثغره، ابتسامة حنونة اكثر من كونها سعيدة، وصوته يتسلل لها وهو يقول بنبرة هادئة:




_ اوعي تقولي كده تاني، أنتِ عمرك ما كنتِ أذى للي حواليكِ، بالعكس، يعني كفاية انك معيشه بني آدم ولا دي حاجة هينة يعني؟ 




قطبت حاجبيها بتعجب وهي تمسح دموعها بكفيها بينما تقول بنبرة باتت هادئة :




_ معيشة بني آدم ازاي يعني؟ 




هز رأسه بتأكيد وهو يخبرها:




_ اه، معيشة بني آدم الي هو أنا، معيشاني... يعني

إنك سبب اني لسه عايش، معيشاني يعني كل حاجة في حياتي مرتبطة بوجودك.. حتى النفس الي بتنفسه، فمن غيرك... اكيد فهمتِ ايه الي هيحصل، يبقى معيشاني ولا لأ! 




غامت عيناها بنظرة مُقدرة، كيف له ان يسرق نفسها منها بكلماته هكذا! تلك الكلمات التي لطالما سمعتها من "زين" اليوم تسمعها من "مراد" وهي مرحبة بها! لم تكرهها لأنه تسمعها منه بعد أن علمت حقيقته، بالعكس.. تدرك الآن مدى صدقها، تعلم انه لا يبتذلها، هو بالفعل يشعر بكل حرف يقوله.. من ركض ورائها سنوات يبحث عنها ويزيف هويته لأجلها يستحق أن تعطيه فرصة.. لأول مرة عقلها يدرك تضحياته الكثيرة من اجلها.. لتجد لسانها يقول بموافقة عقلها وقلبها:




_ تعرف اني عمري مانسيتك.. طول الوقت كنت في خيالي وفي منامي، كنت في خيالي بفتكر ذكرياتي الي عقلي فضل حافظها معاك، وف منامي كنت بتخوفني وبترعبني، كل مرة كنت بشوفك بتقتلني.. ودلوقتِ بس ادركت قد ايه كان حلم سخيف وغبي.. ازاي كنت بشوفك بتقتلني وانتَ قتلت عشاني! طب اقولك سر.... 




لابد انه يحلم! وياله من حلم جميل، "خديجة" هي من تقول هذه الكلمات! والادهى انها تسترسل معه في الحديث وستخبره سرًا! وعلى رأس كل هذا انها ستفعل وهي تدرك انه "مراد" 




وبحالمية كان يخبرها:




_ قولي سر.. 




تنهدت بهدوء قبل أن تبدأ حديثها:





        

          

                

_ اوقات كتير كنت بتبقى الجندي المجهول في حياتي، ساعات كتير كنت بفتكر كلامك معايا وانا صغيرة وتشجيعك ليَّ في موقف معين وده يشجعني، وخصوصًا كلامك المحفز الي كنت دايمًا تفضل تقولهولي. 




قطب حاجبيهِ بعدم تذكر مصطنع:




_ كلام ايه مش فاهم؟ 




اجابته باستغراب:




_ مش فاكر ازاي ده انتَ كنت دايمًا تقولهولي! 




اصر على موقفه وهو يخبرها بحجة واهية:




_ مانتِ عارفة بقى يا ديجا، يعني اوقات الواحد بيعدي على ذاكرته حاجات بتسقط منه. 




ماكر أنتَ يابن وهدان! رمى بكلمته المحببة التي تبغضها في وسط حديثه ليرى أثرها عليها، أستغضب كالعادة! أم أن اليوم هو يوم سعده! 




وقد كان.. 

هي لم تغفل عنها، وشعرت ببعض المرار بحلقها فور سماعها لها، لكن تخطتها.. تجاوزتها لأنها يجب ان تفعل، بعد ان أدرك عقلها حقائق كان يغفلها. 




" اوعى في يوم تضعفي، متسمحيش لحد يكون سبب كسرتك او يحط صباعك تحت ضرسه، لازم دايمًا تكوني حره.. محدش يقدر يجبرك على حاجة" 




" خدي حقك حتى لو من مين، متعمليش حساب لحد مادام هو وهو بيظلمك معملش حساب ليكِ ومفرقتيش معاه" 




" شوفي نفسك دايمًا كبيرة، ساعتها هتجبري الكل يشوفك كده"




انهت الثلاث جمل التي قالتهم تذكره بحديثه معها سابقًا، ليُدهش وتتسع عيناه ذهولاً، لا يصدق انها مازالت تتذكر! لقد كانت صغيرة، ومرت الكثير من السنوات كيف تتذكر للآن! 




_ أنتِ لسه فاكرة؟ ازاي؟ أنتِ كنتِ صغيرة و... 




قاطعتها تخبره:




_ بس كل جملة من دول كان في موقف عمري ما هنساه، ويمكن هو الي مخليني لسه فاكره.. اول جملة لما باباك ضربك في مرة عشان خسرت بطولة، وقتها بعد ما فضلت تعيط شوية قولتلي الكلام ده، عشان انتَ اصلاً مكنتش حابب الرياضة دي.. والثانية لما باباك حبسك في الاوضة اربع ايام عشان عرف انك لسه بتكلمني.. بعد ما خرجت قولتلي الكلام ده وحلفت لتاخد حقك منه، فسرقت ورق شغل مهم وحرقته.. ومهديتش غير لما شوفته هيتجنن على الورق ده.... واخر جملة.. لما حصلت مشكلة في مدرستي وواحده شتمتني وقالتلي ان مستوايا اقل منها، وقتها فضلت اعيط واقولك ان كلامها صح عشان كده مردتش عليها.. وساعتها قولتلي لا، مينفعش تشوفي نفسك قليلة.. لازم تشوفي نفسك كبيرة عشان الناس تشوفك كده... 




هزت رأسها باستسلام تقول:




_ كل مرة كان بيحصل موقف مشابه، كنت بفتكر كلامك.. وبيقويني. 




_ وانا كل لحظة كنت بمني نفسي اني هلاقيكِ، وان هييجي اليوم الي تكوني فيه قدام عيني واكلمك وانتِ قدامي بجد مش في خيالي، وده بقى كان بيخليني اكمل يومي. 





        

          

                

نظرت له بتمعن قبل أن تسأله باستفسار:




_ هو أنتَ ازاي قدرت تسيب كل ده وتروح تشتغل في مطعم وتخدم الناس! اكيد كان صعب عليك. 




_ بالعكس انا كنت بعمل ده وانا مرتاح. 




رفعت حاجبها بتعجب تسأله:




- مرتاح! 




اومأ مبتسمًا ابتسامة صغيرة:




_ ايوه مرتاح... عشان بعمل كل ده عشانك، وعشان أنتِ جنبي..ازاي بقى مش هكون مرتاح! انا كان عندي استعداد اعمل اي حاجة توصلني ليكِ. 




اغمضت عيناها بارهاق وقالت:




_ انا حاسه اني عاوزه انام.. دماغي مصدعة اوي. 




سألها باهتمام جلي:




_ تحبي اجبلك مسكن. 




_ لا، انا بس عاوزه انام وهكون كويسة. 




انهت حديثها ونهضت عن الأرضية متجهة للفراش وفورًا القت بجسدها عليهِ مغمضة عيناها، دون أن تعبئ بوجوده.. 




طالعها لثواني بصمت، قبل ان يتحرك ليغلق باب الشرفة المفتوح، وامسك بجهاز التحكم ليشغل المبرد الهوائي كي تنعم بنوم جيد في ظل الاجواء الحارة التي تجتاح شهر يوليو.. ثم تحرك للخارج مغلقًا الباب خلفه بهدوء... 




__________




_ ايه يا مراد منزلتش معاك ليه؟ 




تسائلت بها "ليلى" فور رؤيته وبجانبها يجلس "مصطفى" ممسكًا بطبق بها سندوتش ما يتناوله بتروي، ليبتسم لها وهو يجيبها:




_ نامت، تشوفيها لما تصحى بقى. 




_ اكيد؟ 




سألته بشك وهي تضيق عيناها، ليؤكد عليها وهو يقول:




_ اكيد.. يلا بقى اوديكِ اوضتك تشوفيها. 




_ هو أنتَ لسه مجبتش خدامة؟ 




_ لا لسه، بس هتيجي بكره. 




قالها وهو يقود كرسيها المتحرك لطرقة صغيرة بها المصعد الكهربائي الذي صُمم خصيصًا من اجل والدته كما كان في الفيلا القديمة... 




_ ايه ده أنتَ كنت عامل حسابي وانت بتصمم البيت؟ 




_ اكيد يا لولة.. تتخيلي يعني انك مش اول واحده جيتِ في بالي وانا بصمم البيت. 




سألتها باستغراب:




_ بس انا مكنتش قولتلك لسه عن رغبتي اني اسيب بيت ابوك. 




_ ايوه، بس انا معملتش ده بنية انك تقعدي معانا هنا، عملته لاني كنت ناوي كل اسبوعين اجيبك اسبوع تقعدي معانا هنا وتغيري جو. 




وضعت كفها على كفه الموضوع على ظهر الكرسي تربط عليهِ بامتنان:




_ ربنا يرزقك الخير يابني ويكرمك يارب زي مانت كارمني. 





        

          

                

وكالعادة لم يعقب على دعائها، فقط قال... 




_ هسيبك تريحي شويه في الاوضة، عشان لما تصحوا اجيب اكل لينا كلنا. 

__________




فتحت باب شقتها لتراه امامها واقفًا بملامحه الواجمة والتي تخفي غضبًا هائلاً، كادت تغلق الباب ليضع قدمه مانعًا، ودلف للداخل قسرًا، فسبقته للصالة واقفة في منتصفها واضعة كفها في خصرها بتحفز وعيناها المتورمة من البكاء تحكي حالها، وحالما اصبح امامها هدرت بهِ بغضب:




_ ايه الي جابك؟ نسيت كلمتين في التليفون جاي تقولهم؟ ولا جاي تاخدني عشان نروح نسقطه؟




اغمض عيناه بقوة مستمدًا الهدوء ثم قال:




_  لا ده ولا ده، انا لما عرفت الخبر مقدرتش اتحكم في اعصابي.. ويمكن رد فعلي كان...




رفعت حاجبها بغضب اكبر، ليحمحم بتوتر قبل أن يعيد حديثه:




_ اكيد رد فعلي كان بايخ، بس غصب عني، مكنتش اتوقع حاجة زي دي، وأنتِ عارفة الوضع الي احنا فيه.




ضغطت على اسنانها بغضب وهي تعقب:




_ مش محتاجاك تقولي... انا عارفه الوضع كويس، واعتقد كان واضح من رد فعلي لما كلمتك.. لكن أنتَ حتى مقدرتش حالتي الي انا فيها..




اقترب خطوتان يحاول امساك ذراعيها لتشيح يده بعيدًا وتتراجع هي للخلف برفض تام...




فقال بأسف حقيقي:




_ انا اسف والله... مقصدش.. حقك عليَّ، بس انا دماغي بتودي وتجيب ومش عارف اعمل ايه.. هنتصرف ازاي، انا خايف عليكوا وهموت لو اتعرضتوا لأذى.




اشاحت وجهها بإباء وهي تقول:




_ قولتلك ننزله...




خطى الخطوات الفاصلة، واصبح أمامها ممسكًا ذراعيها رغم رفضها ونفورها الواضح، وهو يقول:




_ مش ده الحل، افهمي.. انا فعلاً في حيرة ومش لاقي حل وسط. 




جمدت ملامحها وهي تسأله بسخرية:




_ وايه هو بقى الحل الوسط؟! 




ترك ذراعيها مرددًا بعجز:




_ مش عارف... أنتِ مش هينفع تكملي في شغلك بالوضع ده. 




تنهدت بقوة وهي تقول:




_ عارفة.. ومش لاقية حل.. ومستحيل اخليهم يعرفوا اني متجوزة، أنتَ عارف ان وقتها هيدوروا ويعرفوا انا متجوزة مين... وساعتها... 




اكمل بالنيابة عنها:




_ ساعتها هيصفونا احنا الاثنين... من اول ما اشتغلنا معاهم واحنا عارفين ان من قوانين المنظمة ان مينفعش اتنين شغالين فيها يتجوزوا.. قال ايه عشان ميبقوش خطر ع المنظمة. 




_ اكيد هيبقوا خطر.. لما انا اكون عارفه حاجات كتير من شغلي مع دياب.. وانت عارف حاجات كتير  تانية من شغلك مع مراد.. تخيل بقى لو احنا الاتنين قررنا نقول لبعض الاسرار الي نعرفها.. هيكون معانا اسرار توديهم في الف داهية.. عشان كده حرموا ان اتنين يرتبطوا حتى مش يتجوزوا ويخلفوا! 





        

          

                

_ وبعدين؟ هنعمل ايه؟ حتى مش عارفين ننفصل عنهم، بقالنا سنتين بنحاول ندبر مكان نهرب له ونبعد عنهم ومش عارفين. 




اغمضت عيناها بالم وهي تبوح بالحقيقة المُرة:




_ مش هيسبونا.. ده لهم عين في كل دولة، لو خرجنا بس من المطار هيعرفوا. 




طال الصمت لبعض الوقت... والالسنة تعجز عن إيجاد حل... حتى قطعته هي وهي تقول بتعب:




_ طارق... انا مبقولش ننزله عشان زعلانه من طريقتك ولا غضب من رد فعلك.. انا بقولك ننزله عشان لو روحنا شمال ولا يمين مش هنلاقي حل.. 




هز رأسه رافضًا بقوة، وهو يقول باصرار:




_ مش هنقتل ابننا عشانهم.. كفاية المرار الي شايفينه بقالنا سنين واحنا مش عارفين نعيش حياتنا طبيعي بسببهم... كفاية بقى. 




سألته بقلق:




_ وهتعمل ايه؟ طارق... اي خطوة غلط هيكون تمنها حياتنا. 




اجابها وهو ينظر أمامه بغموض:




- مفيش غير حل واحد...!




______________




صباح اليوم التالي... 




كانت واقفة في المطبخ تعد الافطار بعد ان تركته جالسًا في شرفة غرفته كعادته كل يوم صباحًا، يجلس شاردًا بافكاره هناك، وهي تتركه يخرج همه بينه وبين نفسه دون تدخل، حتى تنتهي من تجهيز الافطار فتدعوه للدخول... ولكن اليوم تفاجأت بهِ خلفها في المطبخ، فابتسمت بتكلف قبل أن تعاود استكمال ما تفعله.. 




_ أنا أسف. 




التفت له تسأله باستغراب:




_ أسف؟ على ايه؟ 




تحرك ناحيتها حتى وقف امامها تمامًا وقال بصدق:




_ أسف عشان خزلتك.. أسف عشان ضايقتك بكلامي، بس انا كنت مضغوط.. كنت مضايق عشانك، وكنت حاسس ان في ضغط كبير من كل جهه، انا الفترة دي بجد مكنتش ملاحق يا جاسي، ما بين الشغل لمشوار كل يوم معاكِ لمكان شكل، لعجزي عن أني اساعدك، حتى المساعده الي عرضتها عليكِ رفضتيها من غير ما افهم سبب رفضك!




تجمعت الدموع في عيناها وهي تقول بوجع:




_ عارفة اني تعبتك معايا، وعارفة اني ضغط عليك بزيادة من غير ماحس، كان كل همي الحق الناس الي بشوفها في أحلامي ومفكرتش في الي ممرمطاه معايا، بس كلامك كان صعب يا باهر... عارف لما تكون كل ما يحصل معاك مشكلة تجري تشكيها لأمك وانتَ مش شايل هم انها ممكن تزهق من كتر شكواك.. احساسك هيكون ايه لو في يوم اتخنقت وقالتلك قرفتني بمشاكلك.. وقتها هتحس انك اتخذلت، الشخص الوحيد الي كنت بتحكيله وانتَ متأكد انه مش هيتأفأف منك، طلع زهقان منك ومن شكاويك.. 




اقترب منها مكوبًا وجهها بين كفيهِ، وقد ادمعت عيناه تأثرًا بحديثها وشعورها الذي جعلها تشعر بهِ دون قصد.. 





        

          

                

_ ايه بس الي بتقوليه ده، يشهد ربنا اني مزهقتش منك ولا من مشاكلك زي ما بتقولي، انا كانت كل مشكلتي انك رافضة تشوفي حل.. رافضة تتعالجي يا جاسي، كأنك حابة تفضلي في الوجع ده واللغبطة دي. 




بدأت في البكاء وهي تقول:




_ مش حابة.. بس حاسة ان دي حاجة ربنا مكلفني بيها، اني احاول احمي الناس دي، لما اروح اتعالج منها يبقى انا كده بقضي عليها ومش هعرف انجدهم. 




نظر لها يتعجب من تفكيرها، ليردف باستنكار:




_ هو ايه ده؟ يا حبيبتي دي حاجه بتأذيكِ، وانتِ معرفتيش تنقذي غير واحد بس من كل الي شوفتيهم في حلمك، لا وانقذتي وهو اصلاً كان هيعدي منها من غيرك.. الحادثة الي كانت هتموته هو اصلاً مكنش هيروح المشوار عشان اتلغى واحنا واقفين.. يعني برضو كان ربنا هينجيه، لكل أجلٍ كتاب يا جاسي، والي ربنا كاتبله يعيش هيعيش من غيرك.. لازم تفهمي ده عشان تريحي نفسك وترتاحي. 




اغمضت عيناها لثواني بقوة تحاول التماس الهدوء النفسي اولاً، ثم فتحت عيناها وهي تقول باستسلام:




_ ماشي.. شوف أنتَ عاوزني اعمل ايه وانا اعمله. 




ضمها لصدره بحنان ورفق، وقبل اعلى رأسها وهو يتمتم لها:




_ ان شاء الله كله هيعدي وهنرجع نعيش حياتنا من تاني زي باقي الناس. 




اغمضت عيناها ورأسها تستكين على صدره ولم ترد.. فقط اكتفت بالصمت.. 




_________




جلس فوق الفراش بجوارها ينظر لها بهدوء، ولكن داخله يعج بالمشاعر الموجهة لها هي فقط، عيناه تفيض حبًا وحنانًا، واحتواءً، مد كفه يتلمس كفها برفق وهو يناديها.. 




_ديجا...خديجة اصحي يا حبيبتي.. 




تململت بعدم راحة وفتحت عيناها ببطء حتى طالعته أمامها، فنظرت له بصمت.. 




_ صحي النوم.. بقالك خمس ساعات نايمة، وماكلتيش.. فطلبت اكل وجبتلك البيتزا الي بتحبيها... مارجريتا الغريبة الي معرفش بتاكليها ازاي دي. 




توقع ان تعارضه مدافعة عن طعمها المفضل في البيتزا، كعادتها.. ولكنها لم تفعل، ليسألها بقلق بدأ يتسلل اليه:




_ في ايه يا خديجة.. ساكتة ليه يا حبيبتي؟ 




_ مفيش. 




قالتها بصوت مبحوح من كثرة انفعالاتها اليوم، ليقطب ما بين حاجبيهِ بقلق يسألها:




_ صوتك ماله؟ 




ابتلعت ريقها ببطء وهي تجيبه بنفس البحة:




_ مش عارفة.. حاسة زوري بيوجعني شوية. 




_ طب يلا عشان تاكلي واجبلك دوا يريحك، بس أنتِ كويسة صح؟ 




سأل بالأخيرة بقلق واضح، لتبتسم له بهدوء:




_ كويسة متقلقش. 




_ طبعًا لازم تكوني كويسة مش بقيتِ شبهه! 




نظرت خلفه لترى سارة واقفة وملامحها تُفزع، حتى انها انتفضت جالسة شاهقة بخضة، واتسعت عيناها بشكل مخيف.. 




ترى سارة بأعين حمراء كالدم، وملامحها لم تكن جميلة ابدًا بل مليئة بالتشوهات، لم تظهر لها بهذا الشكل المرعب من قبل. 




_ ايه يا خديجة سامحتيه؟ سامحتي في حق اختك؟ نسيتِ انه سبب موتي، ولا بقيتِ تبرريله كمان؟ أنتِ ابشع واحده في الدنيا واكتر واحده أنانية شوفتها .. بتسامحي في دم اختك عشان حبيب القلب. 




نفت برأسها بقوة ودموعها ونيستها، واخذت تردد بصوتٍ عالٍ ونبرة مفزوعة:




_ لا.. لا انا معملتش كده.. انا بس فهمت. 




_ فهمتِ؟ فهمتِ ازاي تسامحي في حقي؟ ضحك عليكِ يا خديجة؟ ولا أنتِ كنتِ بتتلككي مستنية اي مبرر تافه عشان تسامحيه. 




طفح الكيل بها، فصرخت بوجع وهي تشيح بذراعيها بهياج:




_ مش من حقي؟ مش من حقي ارتاح بقى بعد كل العذاب ده... انتِ الي أنانية يا سارة مش أنا، استكترتي عليَّ اعيش مرتاحه.. نكدتي عليَّ وعيشتيني في غم وهم طول عمري بسببك.. مش من حقي ارتاح بقى! حرام عليكِ... حراااااام..




فجأة شعرت بنفسها مقيدة، ذراعيها المتحركتان اصبحا تحت قبضة احدهم، لتعي لنفسها وتسمع صوته وهو يهدر:




_ خديجة فوقي... في ايه؟ خديجة... اهدي.. اهدي يا خديجة.




وهو يحتضنها بقوة كي تكف عن الحركة..




_سارة.




رددتها وهي تشير باصبعها في اتجاه ما، فنظر لتلك الناحية فوجدها فارغة.. ولم يكن يحتاج النظر من الأساس..




_ مالك يا خديجة؟ سارة مين الي شيفاها؟!!!!!




........... انتهى الفصل........


 


google-playkhamsatmostaqltradent