رواية عقاب ابن الباديه الفصل الثامن 8 - بقلم ريناد يوسف
يتتتبع
بقلم ريناد يوسف
رواية عقاب ابن الباديه الفصل الثامن بقلم ريناد يوسف
بعد ان سمعت سدينه ماسمعت من زوجها وضرتها وتأكدت انهم في خيمتها وعلى فراشها
خلعت نعليها ووضعتهم تحت ابطها واخذت تجري كالمجذوبة،دخلت خيمة الشيخه عوالي دون استئذان وبنبرة غاضبة ممزوجة بعبراتها
صرخت عليها:
- عمتااااااااااي ياعمتااااااي
قومي شوفي ايش سوى في صقر الصحاري ومرتة خساااير قوووومي.
انتفضت عوالي وهي تلتفت حولها عن صاحبة الصوت
وما أن وقعت عينها على سدينه
وضعت يدها على قلبها الذي كاد ان ينفجر من الرعب وهمست:
الله لا يربحك،الله يكلبك اكتر مانتِ مكلوبة، فجعتيني يفجع درايزك ياوطواط الليل..
يبعتلك حية بقرنين تلوشك ونفتك منك.
مايزة جيبيلي مي ريقي جف وتشقق الله يشق هالسايبة نصفين.
قامت مايزه التي استيقظت فزعة علي صوت سدينه هي الاخرى واحضرت الماء لعوالي بعد ان شربت هي أولاً.. وبعد ان شربت عوالي وهدأت وسدينة كل هذا تبكي بصوتها العالي صرخت بها:
-انطمري وقولي ايش جيبك تو؟ ووين كنتي ياسايبة في هالليل؟
ارتعبت سدية وتلعثمت في الكلام وهي تحاول ايجاد سبباً قوياً لخروجها في مثل هذا الوقت:
-كنت شور خيمتي.. وانفجرت في البكاء اكثر.
عوالي:
عليك ليلة سودة يانا يامصايبي ونوايبي..
يابنيتي هدي وقولي، حتى ماينفذ صبري ونقطع راسك اللي تقول راس ثور.
سدينه مسحت دموعها واكملت:
-وين قربت من خيمتي سمعت صوت قصير وخساير في خيمتي وعلى فراشي وهنن.. يبوووو انريد حقاااااي ياشيخة ،انحس بجمرة في تصهد في صدري وما راح تنطفي غير بعد اتجيبيلي حقي ،بردي نار قلبي ياعميمتي، انتي عاقبتيني عقاب واعر وانا تقبلته لاني غالطة، وتو وريني كيف تعاقبيهم.
الشيخة عوالي:
-ياعيبتك الكبيرة يابنت خوي الله ياخدك،والله مانك صغيرة يالمعتوهه
حصلت بيك تتسمعي على راجل ومرته؟
حتى لو كان راجلك،وحتى لو كان مع غير حليلته..
ماتعرفي انه عيب وقلة حيا؟ وين تربيتي انت؟ بين لكلاب ولا بين الركاب؟ فهميني؟
كنك مو من اهل البدو وتعرفي عاداتنا وتقاليدنا وماتعرفي ايش خطاكِ من صوابك ،فقدتي عقلك عالاخير .
سدينة:
- لا والله ماني قاصدة ياعمتي
انا كنت ماشية شور خيمتي ناخد باقي ملابسي، وقبل نطلع من خيمة بوي خديت الاذن،ونا عارفة ان قصير اليوم بايت عند مكاسب في خيمتها وخيمتي فاضية مافيها والي، واكملت ببكاء.. وياريتني مامشيت ياريت اقدامي تكسرن واذاني انصمن ولا مريت بهالوجيعة
عوالي:
-طيب روقي حالك وسلمي الامر لله واتركيها علي وروحي ارقدي وغدوة لها حل
سدينه:
-من وين يجي الرواااق من وين وييين
عوالي بغضب:
-قلتلك انقلعي على خيمة بوكي وغدوه بحل كل شي، غوري من وجهي الله ياخذك ماناقصني هبالك بنصاص الليالي..
تنقلعين ولا اقوم اقلع عيونك من محاجرهم؟
غادرت سدينه الخيمه وهي تزمجر بغضب وعادت الى خيمة ابوها وامها، وبمجرد دخولها صرخت بصوتها العالي جعلت ابيها وامها واخواتها، الجميع استيقظ وهو فزع، وحين راتهم ينظرون اليها رمت نعليها على الارض وصرخت بهم:
-قومو ماحد راح ينام الليله، الليله كله يجلس أعلى حيله احداد على روح كرامتي اللي دهستها خساير بنت مهدي ام عين وحده.. قومن الطمن معي اعلى حالي..
خساير وقصير بايتين بخيمتي ونايمين بفرشتي.. قومن ولولو معي وقولو وااااك
نهرها ابيها عمران قائلاً:
-واااك اعليكي وعلى امك بساعه وحده.. تعرفين.. من غدوه راح اعملك خيمه لحالك بعيد عني، تاخذي امك وتبيتو فيها.. ولا اقولك.. راح اعمل خيمه واتزوج فيها واتركلكم الخيمه وارتاح من اهبالك وهبال امك.
صرخت زوجة عمران بعد ان سمعت كلماته:
ويش عملت انا ويش ذنبي، حيييه اعليكي ياغنيمه واعلا حظك الطايح..والله اذا عملها بوكي وتزوج لاربطك بحجره ياسدينه وارميكي بالبير القديم بجوف الليل واللي يسألني عنك اقول ماريتها.
اما في خيمة الشيخه عوالي بعد أن غادرت سدينه..
مايزة:
- الله يكون بعونك ياشيختنا،
بس انا انقول ان سدينة كانت رايحة تتسمع اعلى راجلها وضرتها ماكانت رايحة تاخد ملابسها؛ ليش ماعندها ملابس في خيمة بوها ولا مو قادرة تصبر للصبح؟
الشيخة عوالي:
بعرفها كذابه وكانت رايحه تتسمع ومو قصة ملابس انا مو هبله يامايزه، بس البنت مازالت صغيرة ومطيورة والغيره طيحت حظها.. بس كمان اللي سوته الكبيره وزوجها ابو ربع عقل واعر يامايزه واااعر.
في الصباح وبعد أن تأكدت الشيخة عوالي من أن كل فرد في القبيلة قام باشغالة وعاد الى خيمته
ارسلت مايزة لكي تحضر لها مكاسب وترسل احد الصبية لقصير يحضره لها قبل ان يهيم في الصحراء مع الاطفال وهي تعلم انه لن يعود الا في نهاية اليوم..
جاء الاثنين إلى خيمتها وبمجرد أن التقيا امام الخيمة ازدرد كل منهما لعابه وخاصة مكاسب التي تعلم مدى جرم فعلتها وأن عمتها عوالي إن اكتشفتها لن تمررها مرور الكرام، ودخل الاثنين لا يعلمان السبب الحقيقي وراء الاستدعاء ولكن الخوف حليفهم..
قصير:
يسعد صباحك ياعمتي.
عوالي:
-الله لا صبحك ولا ربحك انت وصباياك قليتو راحتي وكدرتم تفكيري.
تقدر تقولي ليش سويت اللي سويته امس، ماتعرف انها عيبة كبيرة في حقك وفي حق بنت عمك؟
كيف تاخد مرتك الاولى وتختلي بها في خيمة الثانيه وترقد في فرشتها وتشوف ملابسها وتتعدا على كل شي يخصها.. والله ماصارت من قبل!
لكن انت نستعوض الله فيك الصبيا كلن عقلك وتمكنن، وتميت كالجيعان اللي وين يلمح الوكل يطيح فيه حتى لو كان مسمم.. ونسيت الاصول وما عاد عندك فهم.
قصير وهو منكث الرأس:
-صح لسانك ياشيخة انا مو عارف ليش هكي سويت وكيف عدت على عقلي.
عوالي:
-عارف ليش.. لانك بعد تشوف الحرمة يصير عقلك في سروالك مو براسك ياسيد الرجال.
ولجل الحقوق تعاود لصحابها انا حكمت اترد سدينة لخيمتك وهن الزوز يقعدن بخيمة وحده.. اللي هي خيمة مكاسب مع البنيات.
وبعد يتم شفاء سدينة تختلي بيها في خيمة مكاسب واعلى فراشها.
ردت مكاسب معترضه:
لا ياعمتي..
عوالي:
- عما يعميكي صكري فمك ولا حرف ياكبيرة ياللي ماتعرفي العيبة.. ليش ماراضيه بيها لانها واعره وتوجع موو.. اللي يوجع ينوجع يالكياده.
هذا حكمي وما نسمعش من حد اي اعتراض.
ومن اليوم تباشري انتي وياها ملي المي من البير.
قصير:
بس سدينه ماطاب دراعها ياشيخه؟!
عوالي:
تملا بذراع واحد، كل مازاد الوجع زاد الخوف من الرجوع للاغلاط.. والحين خذ مرتك واغربوا عن وجهي الله لا وفقكم.
غادرت مكاسب وهي تشعر بنيران تأججت في قلبها، فكيف لسدينه أن تنام في خيمتها وفي فراشها، ظنت أنها قد كسرت انفها بفعلتها هذه ولم تضع في حسبانها قصاص عوالي منها وانقلاب السحر على الساحر.
أما قصير فذهب لخيمة سدينه واخبرها من الخارج ان تذهب للشيخه عوالي لتخبرها بما تريد منها، وتركها وذهب قبل إن تخرج له، فهو يعلم ان سيل من نواح وعويل في إنتظاره منها وهو لا ينقصه هذا.
ذهبت سدينه للشيخه عوالي واخبرتها بحكمها، وبرغم اعتراض سدينه على جزء من الحكم إلا ان باقي الحكم قد اثلج صدرها.. وغادرت الخيمة في اتجاه البئر تملأ الماء وهي لا تدري كيف ستسحب الماء وترفعه بيد واحده؟!
وعند البئر اجتمعت مع سدينه، وتبادلا النظرات النارية دون اي كلام.. ومكاسب كانت الأولى في سحب الماء وحملته وهمت بالمغادرة، ولكنها توقفت حين رأت محاولات سدينه الكثيره المضنيه في سحب الماء من البئر، فحدثت نفسها:
- ايش بيك يا مكاسب هاذي بنت عمك ومكسورة..
رق قلبها وعادت لتعينها فانزلت دلوها، وسحبت الماء لسدينه ورفعت لها الدلو فوق رأسها وحملت خاصتها وغادرت سدينه دون ان تتفوه بكلمة شكر لمكاسب نظير مساعدتها.
مايزه:
-ياحليله ياشيخه شوفي كيف الضراير صيرات يساعدن بعضهن، والله مكاسب قلبها خضر رجيج وحنونه.
عوالي:
-وسدينه بعد.. لكن صغر سنها وطيشها وغيرتها متحكمين بافعالها، بس راح ياخدن علي بعضهن ويسلمن بانهن لازم يصيروا خوات، مافي مفر من اخوتهن. مافي بكل الباديه ضراير صارت بينهم مجاتل وعرايك غير بالبدايه،
وبعدها بتخمد النيران وتبرد القلوب وتبرا الجروح.. بس انتي خليلي عينك اعليهن واللي تبدا بالغلط قوليلي اعليها وانا اقص لسانها.
والحين قومي اجمعيلي كل الصبايا قوليلهم الشيخه نازله الحضر واللي ودها شي تجي تقوله، واللي تنسى شي ماتلوم غير روحها لان النزله الجايه بعد شهرين.
مايزه:
-بالله اعليكي ياشيخه تجيبيلي شالين وملابس داخلي ملابسي دابن والبرد عم ينخر بعضامي نخر.
عوالي:
-ابشري.. انتي جايه معي وكل اللي تريدينه جيبيه
وبعد أن جمعت مايزه طلبات جميع نساء الباديه واخبرت بهم الشيخة..
عوالي:
-يارب ماتكوني نسيت حد يامايزه
مايزة:
لا ياشيخه ماغفلت عن فرد بالقبيله الا واخذت طلباته.. وصمتت قليلاً تفكر ثم قالت:
-انقولك ياشيخة.. هالوليد الضيف مو واجب نسالوه بلكي خاطرة في شي؟
الحريم كل وحده طلبت حاجيات عيالها لكن هو قليبي امه غايبه عنه.
عوالي:
-الباين فيك خرفتي.. ضيف الشيخ منصور ماينهمل ولا يحتاج شي في حضرة الشيخ واكيد طلباته مجابه قبل مايفكر فيها..
لكن من يالى ضروري انه يحس ان هنا فيه حِن كيف مافي قسوة
ابعتي جيبيه لي.
خرجت مايزه تبحث عن الصغير فرأت سالم يحمل صحن به لبن رايب ورغيفين من الخبز،
فسالته عن آدم فأخبرها بانه يجلس بجوار الشواهي وأنه ذاهب ليأكل معه فقالت له:
-بعد ماتاكلون احضره وتعال لخيمة الشيخة عوالي.
فرح سالم فهو يحب جدته عوالي كثيراً
فذهب وتنارل الطعام مع آدم وبعدها احضره لخيمة الجده عوالي..
وما ان رأته حتى حن قلبها له وكانه من دمها!
فتقدم سالم وقبل يدها ورأسها وهي قبلت راسة،وسألته عن حاله واخبرته ماذا يريد من الحضر فقال لها انه يجمع النقود ليشتري حصان خاصا به
واقبلت على ادم:
-كيف حالك يا وليدي تعال سلم علي..
اقبل ادم وهو متردد ولكن سالم حثه على ان يقبل يدها ورأسها
ولكن الشيخه عوالي احتضنته وقالت له.. اطمن ياوليدي مانك لحالك هنا، ووين ماتكون دير اهل واخوان.. والخيّر معاك خليك اخير منه والطيب معاك خليك اطيب منه،
واللي يقسى عليك اعفس عليه باقدامك.. الحن بالحن والقسوة بالقسوة.. وانا هيني متل امك فيك تخبرني اللي تخشى تخبر بيه اي حدا ولا تخاف سرك ببير وماحدا بيعرفه واللي تاتمني اعليه يندفن جوات صدري لحين اندفن بيه تحت الأرض.
نظر لها ادم وأومأ برأسه انه فهم
وبعدها سالته:
- تريد شي من الحضر؟
فجاوب براسه لا ،فانهت حديثها معهم واعطتهم حلوى من التي تخبئها دائماً لتكافئ بها الاطفال المطيعين، ففرحا بها وذهبا، واخذ سالم يريها لسائر الاولاد وهو متباهي، فهذه الحلوى في نظر الجميع كالنيشان الذي ياخذه الأبطال ولا يتحصل عليها ايا كان.
مر شهر على هذا الحال سدينه ومكاسب بخيمه واحده وادم من تدريب لتدريب حتى شعر قصير بانه ماعاد يحتاج شيئاً اخر، وانه الآن اصبح جاهزاً لمواجهة أي اذي والتغلب عليه.. ولكن يبقى الجانب الآخر لثقله. والذي أجله قصير لبعد ان يعلمه فنون البقاء، وحان الآن وقت تفتيح عقله لحياة الحضر وتجهيزه لإدارة شركته، وهذا له خطة اخرى قد حان وقتها..
أما سدينه فقد طابت كلياً، ومن إقامتها مع سدينه في خيمتها بدأت نار الغيرة تهدء قليلاً بالتعود، ولكنها تتأجج قليلاً حين يختلي قصير بمكاسب ويطلب منها المغادرة.. واليوم هو يومها الذي طال إنتظاره.. اليوم هو يومها مع قصير.. في خيمة مكاسب وعلى فراشها.. اليوم هو يوم استرجاع الحقوق.
فتزينت واستعدت واخبرت قصير الذي طلب من مكاسب وبناتها إخلاء الخيمة، وظنت سدينه انه يوم حظها، ولكن فرحتها لم تكتمل وهي تستمع في الصباح لمكاسب وهي تزف اليها وإلي قصير خبراً افسدت به فرحة سدينه ونشوة الانتصار نهائياً.
اما في القصر..
الجميع واقفون في استقبال محمود وزوجته فريال..
وفور ان رأوه يدخل من باب القصر وقد تحسن حاله وتورد وجهه قليلاً حتي هوت قلوبهم، فها هو يعيدهم لنقطة الصفر.. فنظرت فريال ليحيى بغضب ولوم، وهو نكس رأسه ارضاً فليس بيده حيلة على الأمر.
سلم محمود عليهم وسلموا عليه، وتركهم وذهب لغرفته سريعاً بحجة انه يود ان يستريح من عناء السفر، ولكنه في الواقع لا يحتمل رؤيتهم أمامه ولا يقوى على تمثيل الغباء امامهم اكثر من ذلك.. وكم ود لو يطردهم خارج القصر وخارج حياته شر طرده، ولكنه يعلم جيداً أن فعل كهذا قد يكلفه حياته أو حياة زوجته في لمح البصر، ويحرمه من المحاولات المستترة التي تعطى فرصاً للنجاة، أما الهجوم الصريح لا نجاة منه.
عايده:
هاه يامحمود هنعمل إيه دلوقتي انا خايفه اووي..انا صحيح ناويه اعمل كل احتياطاتي وناخد كامل حذرنا، بس القاصد غالب زي مابيقولوا.
محمود:
ربك هو الحارث ياعايده.. ارمي تكالك علي الله وهو خير حافظ.
صمتت عايده قليلا ثم نظرت اليه وأردفت بقلة حيله:
- تعرف يامحمود انا شايفاك ازاي دلوقتي.. انا شايفاك راس فجله فعلاً زي ماكان عمي الله يرحمه مسميك.
قهقه محمود ونظر اليها وأمسك يديها وسألها:
وياترى تقصدي المعني اللي كان يقصده ابويا ولا المعنى اللي الناس كلها فاكراه؟
تنقلت بعينيها على جميع ملامحه وهمست له:
الاتنين.. اقصد انك طيب وبراك زي جواك ابيض زي ماكان يقصد والدك، ودا بجانب ان فيك حتتة سذاجه وغباء زي مالناس فاكره.
اردف محمود ضاحكاً:
- يعني انا الأبيض الغبي.. طب والله لقب حلو وعجبني.
لترد عليه عايده ساخره:
ماشي يافجله.. هقوم انا احضرلك حاجه تاكلها.. قالتها وتوجهت للحقيبة التي احضرتها معها من العزبه وبدأت في إخراج بعض المكونات، فسألها محمود بغرابه:
ايه دا ياعايده؟
فاجابته وهي تحمل كل شيئ بين ذراعيها:
دا الاكل اللي هتاكل منه، منا مش هستخدم مكونات من اللي في البيت واللي مضمنش حاطين فيها ايه، انا من النهارده الخضار عالحله علي بوقك وبوقي والباقي يترمي ومش هغفل عن الحاجه ثانيه وحده.. بصراحه هيكون موضوع مرهق وصعب بس مفيش قدامي حل غير كده، وخصوصاً انك عامل بيتنا وكر للتعابين ومش راضي تتخلص منهم، وبرضوا مش فاهمه وجهة نظرك في كده ولا مقتنعه بيها.
انهت حديثها دفعة واحدة وتركته وذهبت لإعداد الطعام له، أما هو فهتف لنفسه بعد مغادرتها:
مش هتفهمي ولا عمرك هتفهمي غرضي ياعايده.. انا بس اللي فاهم وعارف بعمل ايه.
دلفت عايده إلي المطبخ وبدأت في تجهيز الطعام، ولحقتها فريال وبدأت في الحوم حولها لايجاد الفرصة كي تضع التركيبة في طعام محمود، ولكن عايده كانت مثل النمرة التي تحرس صغيرها، لم تعطها الفرصة ابداً، وحينما شعرت فريال بتنبه عايده الزائد سألتها بخبث:
امال ايه الحكايه ياعايده جايبه اكلك معاكي هي الفيلا مفهاش اكل ولا ايه؟
فاجابتها عايده وهي تقلب في الطعام وتنقل في باقي المكونات امامها..
لا مش كده بس الدكاتره اللي شافو محمود في البلد قالو إنه عنده بكتيريا فمعدته من الاكل الملوث والمليان كيماويات وعشان يتخلص منها لازم ياكل أكل صحي بمكونات عضويه وطبيعيه مش مغشوشه، وعشان كده جبت كل حاجه من البلد وانا متاكده من اللي جبتها منهم انها خاليه من أي سموم.. وكمان جبتله عسل طبيعي وسمن بلدي وكل حاجه من حاجة البلد.. وعملت حسابكم انتوا كمان وحاجتكم في العربيه.
تبسمت فريال وهي تشعر بالإنهزام، وادركت انه ليس السبب الحقيقي وراء تصرفات عايده، فابالطبع عرفت شيئاً او شكت في شيئ، فغادرت المطبخ وهي تهتف لنفسها.. حسناً إن لم يكن في الطعام فهناك الف طريقة، المهم أنه أصبح بجانبي وأنا لن يغلب لي فكر في إيجاد طريقة أخرى.
اما في غرفة مديحه، فكانت تتحدث عبر الهاتف وفجأة فتح باب الغرفة ودخلت عليها فريال وتقدمت منها وهي تنظر لها بتفحص، وحين اقتربت منها اغلقت مديحه الهاتف وسألتها:
فريال! عايزه حاجه؟
- سلامتك.. كنتي بتتكلمي مع مين؟
- وحده صاحبتي ليه.
- وليه قفلتي اول ماشفتيني؟
- عادي يعني خلصنا كلام وكنت هقفل على اي حال.
اقتربت منها فريال اكثر وجلست بجانبها وسألتها وهي تطالعها:
- مديحه لو فيه عندك سر مخبياه عني افتكري اني صاحبتك قبل مااكون مرات اخوكي، وسرك هيكون في بير.. احكيلي لو فيه اي حاجه ولو محتاجه نصيحه انا خير من ينصحك وانتِ عارفه اكيد انا بحبك اد ايه.
تبسمت مديحه وهي تدرك محاولة زوجة اخيها في استجوابها ومعرفة ماتخفى ولم تنطلى عليها حيلتها، فالثعابين لا تلدغ من بعضها، وجاوبتها بنبرة هادئة:
-اكيد ياحبيبتي لو فيه حاجه انتِ اول وحده هتعرفيها، بس يعني هيكون فيه ايه وانت عارفه اني رافضه فكرة الجواز والأرتباط نهائي وعارفه اسبابي، انا قررت اعيش لنفسي واستمتع بالحياة وملذاتها والجواز والرجاله طلعتهم من حساباتي خالص.. ومش كل المتعه اساسها راجل.. اني اتفسح اني البس اني اسافر اقضي الوقت مع صديقاتي دي كلها متع تغني عن الحب والجواز والكلام الفارغ ده.. فاطمني ياحبيبتي مفيش حاجه.
اخذت فريال نفساً طويلاً وزفرته، فها هي محاولتها مع مديحه تفشل هي الاخرى، وكانه يوم الفشل، وكان الجميع ازداد وعيه ومكره، وكأنهم باتوا يقرأون افكارها.. ولم تعد تعلم ماسبب كل هذا الخبث الذي اصبح يحيطها، والذي سيتطلب منها جهداً اكبر في التفكير والتخطيط وهي في حال لا يسمح لها ببذل المزيد من الجهود.. فحملها وتعب قلبها كفيلين بان تترك كل شيئ وتنتبه لصحتها، ولكن للاسف ليس هناك من يستلم منها زمام الأمور إن تركتها، وسينهار كل شيئ إن تراخت قبضتها في هذا الوقت.
أما في البادية.. بعد صلاة العشاء
إبتعد الشيخ منصور عن الرجال وبحث بعيناه عن قصير حتى وجده واشار له بيده وهو يقول له:
-ياقصير.. اقبل.. بروحك
تقدم منه قصير فأخذه الشيخ تحت جناحه وتمشى به بعيداً عن الجميع وهمس بعد ان تلفت حوله ولم يجد احد في الجوار:
-الليله جايه الحموله، تاخذ سواعدك من رجال الباديه وتروح للممر وتطلعون السلاح من الخندق تحت ستار الليل، ودير بالك الحموله كبيره.
تأفف قصير ورد عليه معترضاً:
-والله ياشيخ احنا نتعبو رجالنا بدون فايده، واصلا المكسب اللي ناخدوه منهم قليل ومايجازي التعب، نحن حفرنا الخندق لجل نكسبو من السلاح مو لاجل نفتحو خندق سبيل لعبور السلاح للحكومه!
رد عليه منصور بغضب:
-صكر فمك.. ومن متى ونحن نرجو مكاسب من حكومة بلادنا ياعويل.. الله يخزيك اعلى هاد الكلام ياقصير الكلب..
ولو على المكسب القليل انا لو تحتم الامر راح اجيب السلاح على حسابي واعطيه ليهم ليدافعو بيه عن ارضنا وعرضنا وصحارينا، ولاجل ننام قريرين العين ماعايلين هم.
حذاري تجادلني بخصوص السلاح اللي يروح للحكومه مره ثانيه انت او اي واحد من رجال القبيله.. والله ياقصير خيبت املي فيك.
قصير:
-ياشيخ هي كلمه ماكفرت لاجل كل هالحكي!
منصور:
-وتستهون بالكلمه ياقصير؟ احنا الرجال عايشين بالكلمه وحياتنا كلها كلمه،
لسانك حصانك صونه لاجل تصون عرضك وبلدك وشرفك وكرامتك.. والحين روح اعطي خبر للرجال خليهم يستعدون ولا تنسى كل شي يتم دون علم حدا غيركم.
تطالعون السلاح وتستلمونه من الموردين وتعاطوهم القروش وتصكرون الخندق متل ماكان، وتغطون الحموله وتجلسون جوارها والصبح بيجو العسكر يستلموهن..
لا تطالبونهم بقروش ..قروشي باخذهم من الكبير.. واللي عند الكبير مايضيع ولا ينطالب اعليه.. واذا مااخذناه قروش ناخده خدمات، ويكفينا ان سياراتنا ماتنوقف بأي مكان، وبس يقولون هي ملك الشيخ منصور بتمر السياره ولو محمله اجساد ميته.
قصير:
-تأمر ياشيخ.. الحين بروح اخبر الرجال بالموعد ونستعد.. بالله لاتزعل مني ياشيخ واصفح عني السماح منك.
منصور:
-القصه ماقصة زعل بس احنا والحكومه ظهر بظهر لو حدا منا اتلفت ينصاب بضهرة
اعقل كلامي زين
وماتخيب ظني فيك مره ثانيه ياقصير وخليك متل عهدي بيك.
قصير:
-ابشر ياشيخ من اليوم ما يكون خاطرك الا طيب.
ذهب قصير وعاد الشيخ منصور لخيمته واستوى على فراشه واخذ يفكر في أحوال القبيلة واهلها ويتدبر كافة امورهم،
وايضاً بدء يعيد النظر في مسألة تولي قصير المشيخة من بعده، فقصير له ذلات، والشيوخ اذا ذلت انتهت وانتهت معها كافة القبيلة.
وفى النهاية استسلم للنوم وقد أجل بعضاً من التفكير والتدبير لوقت لاحق، فلا التفكير سينتهي ولا ليلة واحدة تكفي لحل جميع المشكلات.
أما في ساعات الفجر الأولى، خرجت مكاسب من خيمة سدينه بعد ان استيقظوا بناتها وغادروا الخيمة كل واحدة على اعمالها،
ومعزوزه اخذت اختها رجوه معها وذهبت إلي مكان الماعز، فهي الآن علمتها أن ترضع من ضرع الماعز مباشرة دون أن تحلب لها أو تجلب، وهكذا صار أمر إطعام الصغيرة اسهل.. فكلما بكت جوعاً ذهبت بها بها للماعز ارضعتها وعادت بها، وفي الليل تجر واحدة من الماعز وتربطها أمام الخيمة، كلما بكت الصغيرة ارضعتها، وفي الصباح يكون حليب الماعز قد نفذ فتعيدها وترضعها من غيرها.. وهكذا اصبحت رجوة تتغذى.
وقفت مكاسب امام خيمة ونادت بصوت منخفض.. ياخاله.. خاله جِنديه ياااخاله.
ردت عليها المقصودة بالنداء وقد كانت القابله"الدايه"
- اي اي جيت بس تكه.
ازاحت ستار الخيمة وحين وجدت مكاسب هي من بالخارج اردفت:
مكاسب! فكرتك مريه ولاده ماتنتظر للصباح.. ويش فيك جايه قبل لا يفيق الزرزور؟
مكاسب:
- لا تؤاخذيني بس ودي تفحصيني وتتأكدين مني حبله ولا لا، ومارضيت اجي بعد فيقة الكل بلكي يقولون مكاسب انكلبت من الغيره وبتموت عالخلفه.. هكي اذا ماطلعت حبله بعاود وياعين مانضرتي شي.
ادخلتها القابله وبدات في فحصها وحين انتهت نظرت اليها وقالت:
-يامكاسب ودي بشارتي من الحين.. انتى حبله بصبي هالمره واقطع ذراعي واقص شعري اذا ماجالك الصبي.
مكاسب بفرحة:
حتى انا ياعمتي بقول هيك لأن حبالي هالمرة مختلف ومو متل كل مره.. انا ليا كم يوم بستفرغ اول ما افيق وهاد موش من اعوايد حبلي.
القابله:
- وحتى انا بعد شفت علامه.
مكاسب:
ويش هي عليكي الله.
القابله:
هي سر صنعتي يابنت عمران، ولا ودك اعطيكي السر وتنافسي خالتك جنديه وتصيرين قابله.. انت ماعليكي انا بشرتك وودي البشاره وبس.
مكاسب:
-بشارتك محفوضه ياخاله..راح ابعثهالك مع معزوزه، وبس يجي الصبي البشاره الجبيره وكل شي حلو الك ياوجه الخير.
وعادت مكاسب من حيث اتت وهي تكاد تحلق من السعادة، فاهو الله يطيب خاطرها ويخبرها بألا تحزن، وها هي الحقوق سترد لاصحابها.
وقفت امام سدينه التي انتقلت في الصباح الباكر لخيمتها وكانها كانت في سجن واخيراً تحررت.. نظرت اليها مكاسب ملياً وهي تفكر هل تخبرها بخبر حملها ام تخبئه قليلاً..
سدينة:
-ايش بيك تبحلقي فيا وصامته، مو فرحانة لرجوعي لخيمتي وزوجي؟ بعرف ان الغيره صعيبه واني اصغر واحلا متل ماقصير يقولي طول الليل، بس والله ماراح امنعه يجيلك وراح اذكره بنفسي بيومك لا تخافين.
مكاسب ابتسمت وردت عليها بهدوء:
-والله فيك الخير يابنت عمي،
وطول عمرك تحبيلي الخير،وعشان هيك قررت تكوني اول من يعلم بخبر حبلي.. انا حبله واليوم فرحتي فرحتين.. فرحه بمغادرتك خيمتي وفرحه بحبلي وراح ادعي ربي ليل نهار يطعمني بالصبي اللي يرد لي قصير.. تمتعي بيه شوي وحطي ببالك راح يعاود الطير لعشه الاول مهما طال بعاده والباب يرسى اعلى اعقابه.
ومن اليوم مافي فقلبي اي كرهه لك احنا خوات وبنات عم والدم مايبقى مي،وانا من قبل سلمت بوجودك وشاركتك راجلي
لكن الجاي عليك انتي..
لابد من انك تسلمي بانك واخدة راجل متزوج وعنده بنيات مو لك لحالك.. ومتل ماراح تزرعي معي راح تحصدي مني ياسدينه.. المغزل بيدك واللي راح تغزلينه راح تلبسينه، سوا خير سوا شر.
إحتقنت ملامح سدينه بالغضب وأردفت محاولة دفع جزء من الغضب نحو ضرتها:
-ماتعشمي حالك بالوليد.. راح تجيبي بنيه متل ماتجيبين كل مره.. الصبي راح يكون من سدينه وبس فهمي زين.
قالتها ودخلت لخيمتها بغضب وتركت مكاسب تشعر بعدالة السماء،فهاهي سدينه تفر من امامها غاضبة بعد أن كانت تنتظرها لتشعل النار فيها وتكيد لقلبها المكائد.
أما في القصر..
اجتمع الجميع علي طاولة الطعام.. يحيى وفريال واطفالهم ومديحه ومحمود وعايده، وكل يأكل من طعامه، وطوال الوقت كان محمود ينظر لعايده بتفحص وهو يشعر أنها على غير طبيعتها ولا يعلم ماالسبب، فصمت وترك الامر للوقت ليبين كل شيئ، وبعد ساعة واحدة من تناولهم الطعام انتفض يحيى واسرع نحو المرحاض يفرغ جميع مافي معدته، فلحقته فريال تسأله بقلق عما أصابه فجأة، أما محمود فنظر لعايده ووجدها تتبسم وهي تراقب مايحدث، حينها شك في شيئ فهمس لها متسائلاً:
عايده انتي عملتي ايه؟
فهمست له بإنتشاء:
ولا حاجه..بس خليت طباخ السم يدوقه
يتتتتبع
بقلم ريناد يوسف
•تابع الفصل التالي "رواية عقاب ابن الباديه" اضغط على اسم الرواية