رواية عقاب ابن الباديه الفصل التاسع 9 - بقلم ريناد يوسف
رواية عقاب ابن الباديه الفصل التاسع بقلم ريناد يوسف
انتفض محمود وهو يسمع الكلمات التي همست له بها عايده ورد عليها وهو يجز على اسنانه انت اتجننت يا عايده انت هتعملي زيهم هتبقي مجرمة هتقتلي هتزهقي نفس
ردت عليه عايدة بنفس نبرته ونفس اسلوبه وبغضب مستتر وراء ملامحها التي تمثل الثبات:
- لو هتسميه جنان يا محمود اعتبرني اتجننت اتجننت لما بحاول ادوق اللي اذاني زعلتي من نفس الكاس اللي بيشربنا منها اتجننت لما بحاول اخذ طار تعبك في الايام اللي فاتت ووجع قلبي عليك وخوفي وقلقي ورعبي احسن تجرالك حاجه واخسرك..
اتجننت لما بحاول ادوق الاخ من اللي بيعمله فأخوه.. انا لو اتجننت زي مابتقول كنت قتلت واحد من عيال يحي وعلى وشك قتل التاني.. انا متجننتش يامحمود وعاقلة جداً.
ولو فيه حاجه غلط ومش منطقية فهو موقفك وسلبيتك وانك مخلي اخواتك فبيتك وجنبك وانت عارف انهم تعابين متربصين بيك وبأولادك وفلوسك.. ومتقوليش عدوي اقرب من صديقي ولو بعدو هيأذوني اكتر والكلام الفارغ ده.. لاني بصراحة مش مقتنعة بيه ولا هقتنع مهما حاولت تقنعني.
يااخي دا كفايه الواحد يتنفس هوا نضيف بعد مايمشوا داانا حاسه اني بتنفس هوا مليان غل وكره منهم.
صمت محمود ولم يجد مايقوله لها، فكل الحق معها وهو نفذت حججه واقاويله، ولكنهم وصية ابيه وأمانتة التي أؤتمن عليها، لقد طلب منه ابيه وهو على فراش الموت الا يفترق عن إخوته او يتركهم مهما حدث،
واخذ منه عهد بذلك، وعلى الرغم من أن اذيتهم له تنقض جميع العهود..
الا انه لازال يعطيهم الفرص، حتى إذا وقف امام والده يخبره بأنه لم يفرط في امانته بالرغم من انها دمرته، ولازال لديه أمل أن يتغير فكرهم وتتبخر المياه التي إختلطت بدم الاخوة داخلهم وغيرت تركيبه ومواصفاته.
هو يعلم جيداً ان كل هدفهم النقود في الوقت الحالي، ولكن مايحركهم نحو النقود هو الحقد والغل والغيرة منه ومن علمه ومكانته، وكل هذا لن يبارح قلوبهم حتى وإن استولوا على جميع مامعه،
فمشكلتهم الاساسية في شخصه لا في أملاكه.
يحيى منذ الصغر وهو يضع نفسه في مقارنة دائمة معه ويقيس حياته عليه، ومع كل اختلاف وتميز لصالح محمود يزداد الكره والحقد.
كان يعتقد محمود ان عند موت ابيه سينتهي كل شيئ، وأن تفضيله لمحمود هو السبب، ولكن للاسف ترحل الاشخاص وتعيش الأسباب.
نهضت عايدة من جانبه وتركته وصعدت لغرفتها وأغلقت الباب عليها، وأخرجت صورة ابنها الراحل وإبنها المنفي ووضعتهم أمامها واخذت تبث لهم الشوق والحنين فى صورة عبرات وتطلب من الله الصبر بمقدار ما فى قلبها من حزن.
أما محمود فأخذ يراقب اخيه وهو يتلوى أمامه من ألم معدته ولا يستطبع الانكار بانه رغم عدم رضاه عن تصرف عايده، الا أن هناك شيئ بداخله يشعره بالراحة ولذة القصاص، حتي وإن كان أخاه، فهمس له وهو ينهض ليخرج للحديقة ويتركه غارق في ألمه:
- دوق يمكن ترحم لما تحس بالألم.. كنت مستني عدالة السماء فيك، بس للأسف عدالة السماء في احيان كتير بتتأخر لحكمة.. ولازم نلجأ لعدالة الارض لو مقدرناش نصبر..ورغم اني مغلط عايده لكنها بردت ناري، بس برضو مش هخليها تكون مجرمه زيكم ولا انا هكون زيك يايحيي هفضل طول عمري احسن منك وعند حسن ظن والدي بيا وبرضوا هقابله وهقف قدامه وانا احسن منك وهيكون فخور بيا زي ماكان طول عمره.
جلس في الحديقة طويلاً يتأملها ويستعيد ذكرياته فيها، فهنا جلس يشاكس زوجته وهنا جلس يلاعب ابنه البكري وهنا حمل صغيره آدم وتمشى به في اوقات مرضه وهنا ذكرى وهنا ذكرى، ولما هاجت عليه الذكريات فر منهم هارباً لاحضان عايده لتصبره عليهم.
طرق الباب وتعجب علي إغلاقها الدائم للباب مؤخراً، وحين دلف وجلس بجوارها نظر لها معاتباً ولم يتفوه بحرف، فإقتربت منه واخذته بين احضانها، فهي تعلم أنه اتى أليها محتمياً لاجئاً ولا يوجد عنده طاقة لتحمل توبيخ أو لوم.. فيكفيه مايعانيه ولتبقى الامور كما هي وستنتظر لترى ماذا تخبئ لها الايام، فكثرة التفكير والتدبير لا تجدي وقد خُطت في الغيب الاقدار منذ وقت طويل.
مرت الايام سريعاً حتى اصبحت شهوراً، وحان وقت إنتقال قصير مع آدم للمرحلة التالية..
فذهب للحضر وغاب نهاراً كاملاً، ثم عاد ومعه اشياء غريبة على اهل البادية.. مولد كهربائي يعمل بالوقود، وأسلاك وحقائب واثاث..
وبعده اتت سيارة كبيرة تحمل طوباً حجري ومواد بناء ورجلان.. وقاما على الفور ببناء غرفة بجوار خيمة الشيخ منصور على اعين الجميع ونظراتهم المستغربة!؛
فالبناء ليس من عاداتهم، فإن لم يستمعوا لصوت الرياح يقاتل الخيام وينهرها ليلاً لا يغمض لهم جفن،
فمن ذا الذي قرر ان يستغنى عن حريته وينعزل وراء الجدران لايسمع حفيف الرياح ولا اصوات الصغار ولا يستمع لكل دبة تدب على الأرض من حوله؟
كان قصير هو من يباشر كل شيئ، وفي هذا اليوم لم يكن الشيخ منصور في البادية فقد دُعي الي وليمة عند شيخ قبيلة أخرى ولبى الدعوة، وعاد في نهاية اليوم ونظر لما يقوم به قصير وتبسم برضى، ثم اقترب منه وسأله:
يعطيك العافيه ياقصير.. قولي جبت كل اللازم؟
قصير:
-كل شي حاضر ياشيخ.. كل اللي قالوا اعليه اشتريته وذدت اعليه من حداي اثاث للغرفه.
منصور:
زين زين.. ثم نظر لآدم وبقية الأولاد الذين ينقلون مواد البناء ويساعدون العمال بسعادة عارمة وكأنها لعبة جديدة يلعبونها، ثم اردف وهو يناظر البناء:
سوي فيه بيت راحه وخلي يشبه الحضر بكل شي، وحطله صندوق الدنيا وسرير وماتخلي الكهربا تنقطع عنه.. هو الحين تعلم على حياة الباديه وعيشة الصحاري، بس ما ودنا ينسى عيشة الحضر..
ووقت يرد لهله نريده يكون مثلهم، مو يكون وسطهم متل غريب تايه مايدري لعيشتهم ولا يعرفلها..
من الحين يبدا علام الحضر، وتاخدا معك بكل مره تنزل فيها الحضر وتعودا عالبيع والشرا والفصال وتعلمه عالجساره، وتخلي عقله عقل تاجر يعرف يجيب القروش من بطن الصخر.
قصير:
- تأمر ياشيخ كل اللي تريده بيصير واكثر بعد.
غادر منصور لينضم لبقية كهول القبيلة ويفسر لهم مايحدث، فهذا من محدثات الامور عليهم ولن يرضوا إلا بتفسير من شيخهم نفسه.
وفي اخر اليوم ارسل الشيخ منصور لآدم فأجلسه أمامه وتحدث معه بجديه:
إسمع وليدي.. البناء هاد الك.. بيتك او خلي نقول عزلتك اللي راح يكون فيها كل اللي تعتازه لحياتك القادمه.. عمك قصير جابلك الشي اللي يديرون منه شغل وجابلك صندوق الدنيا اللي الناس تطلع تحكي فيه وجابلك موتور كهربا وكتب واغراض للدراسه ومن غدوه راح يجولك معلمين يبتدوا معك من وين ماوجفت علام..
وراح تروح وقت مواعيد الاختبارات تختبر وترد وتاخد شهايدك من وانت بالباديه.. اوراقك كلها اتنقلت لمدرسه ببلد بعيده ماحد يتوقع انك تكون فيها ولا حد يعرفها من الاساس ووقت الاختباراا بياخدك عمك قصير تختبر وترد وياعين ما نضرتي شي.
كان آدم يستمع وفهم اغلب الحديث، وود لو يسأله هل هذا كل شيئ.. هل اصبحت هذه حياته ولن يعود لحياته القديمة، هل اصبح يتيم الام والأب وسيعيش وحيداً ويدرس وحيداً وستنقضى الأيام دون أن يرى أبواه مرة أخرى، دون ان يخبره احد بسبب تخليهم عنه ويخبره بالخطأ الجسيم الذي ارتكبه وجعل الام والأب يتخليان عن وليدهم وهو لم يسمع بشيئ مماثل من قبل؟
نكس رأسه وغادر المجلس وتوارى خلف خيمة واخذ يبكي بحرقة حتى وصلت شهقاته الصغيرة لآذان مايزه وهي تغزل الصوف بجوار خيمة عوالي، فنهضت لتتقصى الأمر فوجدته الغريب يبكي بحرقة لم ترى طفل يبكى بها من قبل. رق قلبها على حاله وهمت أن تذهب اليه لتهدى من وجعه، ولكنها وجدت أن تأتي من الشيخة معالي أفضل.. فذهبت لخيمة عوالي واخبرتها بحال الطفل.. فخرجت عوالي له على الفور، وما أن رأته حتى تقدمت منه واخذته في احضانها الدافئة، وما كان من إحتضانها له إلا انه ذكره بحضن أمه ودفئه فبكى اكثر حتي شعر بأن قلبه سينخلع من مكانه.
اخذت عوالي تمسد على شعره وهمست له مواسية:
ياوليدي بطل بكا، الحال مو متل ما مفكر، بعرفك تنوح على بوك وامك وتلومهم لانهم تركوك، بس مافي شي من دون سبب، وبس تكبر شوي راح تعرف وتفهم كل شي،
بس الحين حتى ولو انقالتلك كل اسباب الدنيا ماراح تقتنع فيها، لأن عقلك لساه اصغير وماراح يفهم الا الوجع اللي حاسس بيه..
راح تعذر وتسامح بس تفهم.. والحين ودي تكون راجل قوي، دمعتك ماتنزل لا من وجع ولا شوق.. انت قوي ياآدم.. أنت عقاب والعقاب ماتنزل دموعه ولا حد يشوف ضعفه..ودي العقاب بس يعاود لهله يفرق الغرابيب السود المتجمعين بدارا ويقلعهم من عشه ويفرد جناحاته بالسما ومايعلى فوقه حدا..
اختلى الشيخ منصور بقصير بعد أن إنفض المجلس وكل ذهب لعمله فقال له آمراً:
-غدوه تروح للوا عادل وتخبره اني ودي معلم لوليد من وليداتنا من الباديه يعلمه كل شي تستخدمه الحكومه فشغلها،
يعرف كيف يحدد اماكن الناس عن بعد ويعرف حتي ويش يقولون،،، يتجسس اعليهم كيف ماتعمل الحكومه مع المجرمين،
ويعرف يزرع الغام ويبطلها ويعرف يجمع قنابل ويفككها، ودي هالوليد يعرف اللي ماحدا عرفه، ودي يعرف يجيب اسلحه من بره يطلبها لينا بدال ما نخلي الاغراب يطلبون وياخذون من. موي عيونا، ودي الوليد يصير غول بكل شي ياقصير غووول.
قصير:
- والله خايف ياشيخ نكون عم نربي غول اول الشي ياكلنا نحن.
منصور:
واد الأصول مايخون ياقصير وعالأصل دور.. مايعض الايادي إلا قليل الأصل مجهول النسب.. ومنصور مايحوى مجهول نسب ولا يراعي قليل أصل لأن اللي يعمل هكي يكون عم يبني بيوت فوق الهوا..
يلا الحين روح اتفقد زوجاتك الشيخه عوالي كانت تقول ان مكاسب زوجتك بعافيه اليوم وانت اكيد مارحتلها ولا تفقدت احوالها.
قصير:
اي الحين بروح ياشيخ.
أما في القصر...
فريال جالسة على الفراش بالكاد تلتقط انفاسها، وفور أن فتح يحيى باب الغرفة عليها هدرت به:
انت فين كل ده بقيت تتأخر ليه بره، انت مش عارف اني تعبانه اليومين دول ومحتاجالك؟
إقترب منها سريعاً وامسك يدها يقبلها وهو يعتذر لها قائلاً:
- أسف ياحبيبتي آسف والله غصب عني، النهارده محمود عمل إجتماع طارئ واضطريت اني افضل معاه لحد مايخلص الاجتماع.
نترت فريال يدها منه وأكملت وهي تتنفس بصعوبة:
محمود دا كان زمانه نايم في فرشته لا حول ليه ولا قوة لولا موضوع الحمل ده اللي مش وقته خالص، ولولا عايده اللي وقفتلي زي الشوكه في الزور، بس ملحوقه.. أولد بس وافوق للكل.. والست مديحه دي كمان اللي بقالي شهور اقولك راقبها وانت مكبر دماغك عالأخر ولا مهتم.
يحيى:
وهو انا هعمل ايه ولا ايه بس يافريال انا كفايه عليا الشغل اللي محمود بيكلفني بيه كل يوم ازيد عن التاني ومش مخليني عارف اخد نفسى كأنه بيعاقبني.. وبعدين هي مديحه هتكون بتعمل ايه يعني، سيبك منها وخلينا فيكي وفصحتك وأجلي كل وجع الدماغ ده.
صمتت هي وهو تلفت حوله وسألها:
أمال الولاد فين؟
- هيكونو فين يعني عند الست عايده بقت اقامتهم كلها معاها من ساعة ماتعبت وقاعدين في اوضتها وانا حتى مابيفكروش يجوا يقعدوا معايا شويه يسلوني.
-. والله لولا عايده انا ماعارف الولاد كان بقى مصيرهم إيه في ظروف تعبك ده الست كتر خيرها والله اكل وشرب ومذاكره ورعايه وأهتمام.
حدجته فريال بنظرة نارية فأنتبه على خطأه وتنحنح وهو يتلفت حوله هارباً من نظراتها، ونهض كي يبدل ثيابه، ولكن قبل أن يصل لخزانة الملابس اوقفته صرخة من فريال مفاجئة فإستدار عليها وهو يشعر بالرعب وقبل أن يسألها صرخت به:
يحيي الحقني الظاهر دخلت في ولادة.
أسرع الى الهاتف يدير قرصه كي يتصل بالطبيب المتابع لحالتها ولكنها منعته صارخة:
هتعمل إيه الألم فظيع خدني للعياده بسرعه انا غلط على قلبي الوجع ده انت لسه هتتصل وترغي؟!
حملها يحيي وهبط بها الدرج مسرعاً وتبعته مديحه، أما عايده فكانت تنظر اليها وهي تصرخ دون ان يرف لها جفن.. فمن هم مثل فريال لا تجوز عليهم الرحمة.
عاد محمود من الشركة وأخبرته عايده بأن زوجة أخيه ذهبت لتوضع ما في بطنها، وجلس بجانبها ينظر لابناء اخيه وهي تطعمهم بيدها وتنظر اليهم وكأنها ترى فيهم إبنها آدم.. فهمس لها:
وكنتي عايزه تلوثي القلب الطيب ده بالقسوة ياعايده؟
أجابته دون ان تلتفت له:
كنت عايزه ابرده يامحمود مش الوثه، بس الحمد لله انك منعتني ومخلتنيش اتمادى، والحمد لله انك اتعالجت ورجعت احسن من الأول، والحمد لله اننا لسه فاضلين على آدميتنا مفقدناهاش حتى بعد كل اللي مرينا بيه.
بعد ساعات في عيادة الطبيب المعالج لعايده...
خرجت الممرضة وهي تحمل بين يديها المولود وهتفت بسعادة:
مبروك بنت زي القمر.. تتربى في عزك يايحيى بيه.. سمى وخدها مني.
حملها يحيى ونظر لها وابتسم، وتلاشت إبتسامته حين تذكر أن فريال لازالت تحت الخطر وسألها:
فريال حالتها ايه دلوقتي طمنيني؟
- الهانم ضربات قلبها مش منتظمه وتعبت جداَ في الولادة، بس الدكتور جنبها وبيراقب الحاله وأول ماتستقر هنخرجها على غرفة الإفاقه، بس مبدأياً اطمن هتبقى تمام.
غادرت الممرضة واخذ يحي ينظر للصغيرة ولا يعلم لمَ انتابه هذا الشعور الغريب، فقد خفق قلبه لها وكأنه لأول مرة يحمل طفل من صلبه، وكانها مرته الأولى في الأبوة!
وبعد ساعتين خرجت عايده من حجرة الولادة وانتقلت لغرفة اخرى بحالة مستقرة، ولكن الطبي صارح يحيي بأن هناك إحتمال أن يكون قلبها تأثر من الولادة وقد لا يعود كما كان، فما عانته بالداخل لم يكن بقليل.
أما فى القبيلة....
مكاسب بوهن:
-معزوزة يامعزوزة انت يا قتيلة
اتت معزوزه اليها مسرعة فقد كانت بالخارج تقوم بتنظيف رجوه بالماء بعد أن قضت حاجتها.. فأتتها مسرعة :
-ايش بيك يا ميتي؟
مكاسب:
اتركي الصغيره و عدي جيبي عمتك سدينة
حاضر يامي.. وتركت الصغيرة وذهبت لخيمة سدينه على الفور واخبرتها ان أمها تطلبها على وجه السرعة، فلبت سدينه وذهبت مع معزوزه ودلفت للخيمة وما ان وقفت أمام مكاسب وضعت يديها على خصرها في تأهب للعراك وقالت:
- ويش تريدي دازه عليا بالعجل؟ لا تخافين وحطي اعلى قلبك حجر قصير فالخلا مو قاعد عندي،ولا تكوني استاحشتيني وتريدي اتملي عيونك مني لجل اللي في حشاكي تاخد ملامحي السمحات؟
مكاسب:
-سدينه اسمعي راني مافي حيل للمجاكرة ولا للعرايك، خيتك واهنة بالحبل.. انحس بروحي مخلخلة ومو قادرة نجمع اقدامي على بعض وحجري تقيييل بالحيل.
أشفقت سدينه على حالها حين أمعنت النظر فيها ووجدت في ملامحها ضعف ووهن واضح فأخفضت يديها وأقتربت منها وردت عليها وقد تبدلت نبرتها من القسوة للشفقة:
-هانت ماباقي غير القليل،
هيا ارفعي روحك حتي مايرقد عليك التعب ماتسلمي للنومه،
وانا تو انديرلك اوكال يخليك تلهدي لهد كيف الخيل.
مكاسب:
-خطيني "اتركيني" ياسدينة انا انريدك بس اتحملي عني مصالحي لغاية ماانجيب وليدي بالسلامة.. طالبه العون من بنت عمي وانها تقف معي بشدتي وبعرف ماراح تردني خايبة الرجا.
سدينه:
- ابشري يامكاسب من الحين كل مصالحك اني انوب بدالك فيهم، لا تعولي هم وحيري بروحك وصحتك وماعليك بالباقي.
مكاسب:
- والنعم منك بنت العم.. قد العشم ياسدينه.
مرت الايام وذات ليلة كان قصير ينام في خيمة سدينة
واذا به يسمع صوت مكاسب يجلجل بالصراخ.. فذهب مسرعاً اليها وتبعته سدينه..
قصير:
-ايش فيك بتولدي ولا ايش
مكاسب:
-هنمووت ياقصير انفاسي بتروح مني وقلبي تقيل.. احضرلي القابله قوووااااام.
اسرع قصير واحضر القابلة وطوال الطريق يحثها على الإسراع قائلاً:
مدي الخطاوي شوي ياعمتي مكاسب تعبانه وااجد جابت اربع ابطن وما كان يحس بها والي ايش عجي هالمرة؟
جندية:
-هدي روحك ياوليدي تو تولد وتروق.
وصلت القابلة لخيمة مكاسب وطلبت من سدينة احضار الماء الساخن
ودخلت لمكاسب التي بدت وكأنها تلفظ انفاسها الاخيرة ومالت عليها هامسة:
جيب الوليدات غيير يامكاسب تحملي والفرج جاااي.. بس ماتغيبي وتسوحي عضي في هادي وادفعي وساعدي وليدك.
واعطتها وسادة صغيرة تعض عليها.
وظلت تشجعها حتى تمت ولادتها في حضور نساء القبيلة اللاتي حضرت جميعاً لمساندة مكاسب وحضور ولادتها.. وفور خروج الطفل منها..
جندية:
-الله اكبر الله اكبر يا هلا وغلا بسند امه وخواته ياللي كيف القمر في سماته .
وانفجرت في الزغاريد وعلى اثرها دخل قصير الخيمة منطلق كالسهم وسألها بتوتر:
هاه بشري ياعمتي وايش جابت؟
جندية:
-وليد تبارك الله،وحلواني على قد فرحتك.. وريني قد ايش انت فرحان.
مد يديه لها وهو يخبرها:
-بس خليني احمله بين يديا بالاول واكحل عيني بشوفته واللي تطلبيه لبيكي.
اعتدلت مكاسب وهي تبكي من الفرحة، وخلعت قلادة ذهبية كبيرة ورفعت وسادتها واخرجت من تحتها كيس به نقود كثير ومدتهم لها وهي تقول:
-خدي يا وجه الخير ماخساره فيكي كنوز الأرض.
قصير:
-ابشري يا عمتي ردي بالك عليها وحلوانك ماتقدري تحمليه بوصله لك لخيمتك مو واجد عليك شي.
.
سدينة حضرت الموقف من بدايته فأنسلت بهدوء، فقد شعرت أن لا مكان لها بينهم في هذه اللحظات، ويبدوا انه لن يكون لها مكان في قلب قصير من اليوم وصاعد.. فقد انجبت له مكاسب الصبي وفازت بكل شيء، وأعطت لقصير الفرحة التي كانت تتمنى سدينه أن تعطيها هي له.
أما قصير فأعاد الصغير لأمه كي تقر عينها به بعد أن اذن له في أذنه واحتضنه وهمس له:
- اخيرا هل هلالك يايوم على ابوك مبارك.
مكاسب:
-فرحان ياولد عمي ورد شوقك للوليد؟
صغير اقترب منها واحتضنها
وقال لها:
- فرحة العالم كله اجتمعت بقلبي الحين يامكاسب.. تمني علي ياحبيبة قلبي ... تمني يارفيقة دربي واطلبي مايغلى عليكِ شي.. لو انجوم السما هسه انديرهملك قلادة لو تأمرين.. ولو حليب من كبد الوطا شاوري عليه ايجي.. غير بس تمنى واطلبي ياأم هلال.
مكاسب:
ماطالبه غير رضاك عني ويكفيني شوفة الفرحه بعيونك تسوا عندي الدنيا وكل مافيها.
قبل قصير جبينها ونظر للصبي مرة اخرى وهمس له:
-الحمد لله انه اطعمني ياك وانا اللي نرجا فيك لي سنين.. شدي حيلك يامكاسب وهملي هالفراش حتى توقفي على عقيقة وليدك وتشوفي شريطة راجلك لك يا ام الغالي.
جنديه:
- ياقصير ماتسمي الوليد هلال سمي اسم قبيح ليطول عمره متل ماسمتك امك حتى لا تنحسد بعد ماجيت على كوم بنيات
قصير بغضب:
- والله مااسمي وليدي اسم يستهزا بيه الصغار متل ماكانو يستهزو بيا، انا سميته هلال ومافي غيره، وصرت ابو هلال واللي يطالع عالوليد اسم غير هلال بطيح حظه واطير رقبته.
يلا اني رايح ابشر الشيخ منصور وباقي القبيله واجهز لاستقبال سندي ولي عهدي.
هم ان يغادر ولكن تعلق برجله شيء فنظر للأسفل يتبينه، فإذ به رجوه ابنته، فحملها لثاني مرة منذ ولادتها، ونظر اليها وتفحصها للمرة الأولي وتبسم لها وكأنه أول مرة ينتبه لوجودها:
كيفك ياصغيره، متي كبرتي وصار فيكي كل هالسماحه؟ قبلها ثم انزلها وقال لمكاسب:
-عينك على رجوه يامكاسب، البنية مايتهمل فيها من اليوم، والله مانعرف لمن طالعة هالغزالة؟ يلا جبتي الوليد وارجعي اعطي لبنيه من حنانك اللي حرمتيها منه. وضحك وخرج.
فهو يعرف جيدا ان زوجته حملت تلك الصغيرة ذنب زواجه عليها، وعاقبت طفلتها عليه وآن أوان رفع الظلم عن صغيرته الجميله.
ذهب قصير الى الشيخ منصور الذي كان قد وصله الخبر،
وعندما رأه صاح بسعادة:
- إمبارك ماعطاك ياوليدي ياقصير، اليوم القبيله عيد.
قبل قصير يده وإستأذنه أن يقيم وليمة مع العقيقة ويشارك فرحته كل القبائل.. ورد عليه الشيخ منصور:
- افرح بوليدك وماتعول هم شي ،هاذا حفيد الشيخ منصور وفرحتنا بيه غير.. اعمل كل شي وليك. من عندي ثلاث كباش من اعفى واثمن كباشي، هادول للوليمه وعقيقة وليدك اذبحها من إكباشك.
شكره قصير وهم يجهز للوليمة، واعطى الشيخة عوالي مبلغاً كبيراً من المال كي تذهب للحضر وتحضر الهدايا للجميع نساء واطفال كما جرت العادة في سبوع الأولاد الذكور.
وبعد اسبوع نصبت الخيام وفرشت بالسجاد البدوي طبخت الولائم، وحضر كبار القبائل وأصدقاء الشيخ منصور من قادة الجيش، وبعض رجال الاعمال، وقام قصير بذبح ثلاث الكباش وزاد عليهم جملاً، فوزع ماوزعه كعقيقة، وطهى ماتبقي
ولم ينس ان يذبح كبش لرجوه عقيقه، فقد نسي امرها تماماً وتذكر الآن. أن لها عقيقة لم توفى.
واذيع في كل القبائل القريبة أن الليلة سامر في قبيلة الشيخ منصور حتى الصباح، وحضرت النساء والأطفال...
ام عند النساء قمن بعجن الحناء وتحضير الكحل والبخور
والهدايا التي ستعطيهم ام المولود للنساء،
وأحضرن النساء الدفوف
في خيمة الرجال
قام قصير وقال للجميع بصوته العالي:
-اليوم اسميت ابني هلال تيمناً باسم جدي الشيخ هلال الله يرحمة واسألكم الدعاء له بالصلاح، وذهب وأحضره وقام رجل من القبيلة مختص في طهارة الصبية بطهارته،
فانطلقت الاعيرة النارية
واحضر قصير حصانة الذي قد زينة بالحولي
و ذهب لمكاسب فأحضرها، وأعطاها هلال وقال بصوت جهور.. والله اني شرطت ونذرت على روحي يوم يرزقني الله بالولد لاحمل امه على فرسي واطوف بيها قدام كل الخلايق..
فسامحني ياعمي الشيخ منصور
الشريطة صارت فرض علي نفاذها.
هنا خرجت الشيخة عوالي وقالت:
- ماعليه ياوليدي هادي حلالك والنذر واجب
فساعد مكاسب واجلسها فوق الحصان، وبعد أن طاف بها بين كل الخيام رجع، بها وانزلها امام خيمة النساء هي والطفل..
مكاسب نظرت للنساء فوجدت سدينة تنزوي على نفسها في ركن بعيد عن باقيهن فذهبت اليها وجلست بجوارها وتحدثت اليها بنبرة حانيه:
-ايش بيك ياسدينة؟
ماتزعلي ياحبيبتي ان شاء الله ربي يعوض عليك..
ربي عطاياه واجده
افردي ذراعيك احملي هلال هذا هلالنا كلنا ياهبله مو لي لحالي، ويعلم الله اني ما نتمنا لك غير كل خير ونتمني ان بناتي وولدي يكون لهن خوت رجالة واجدين منك انتي،
انا خلاص قفلت علي سريب الخلفة ،
هالحمل كان حِمل تقيل ونحمد الله اني نجيت من الموت وما راح عيدها.
سدينة حملت الصغير هلال وتبسمت لها:
- الله بجبر بخاطرك يابنت عمي والله كنت حاسه حالي كي الغريبة والكل شامت في.
مكاسب :ياهبله من يشمت فيك كلنا اهل بعضنا غير انت اللي عقلك مهرب هههه.
كل هذا تحت انظار قصير
الذي نده على مكاسب
قصير :
مكاسب انريدك تعي..
مكاسب ذهبت اليه وسألته:
- ايش تريد ياابو هلال محتاج شي؟
قصير:
- انريد نقولك الله يحيي البطن اللي شالتك يابنت العم، والله ما في اطيب قلبك وتحملتي وااجد..
والباين اني تعجلت من زواجي،
ولو كنت صبرت اجانا الولد من غير كل الكداير اللي مرينا بيها بعد زواجي من سدينة..
سامحيني حلفتك بالله
مكاسب:
-كل شي كاتبه الله ياولد عمي ومو انت اول واحد تتعدد بالقبيلة، والحمد لله انك تزوجت سدينه مو غيرها،هي طيبة لكن عقلها صغير ومطيورة تو تكبر وتعقل،
وانا ربي انعم علي بوليد وحمدته على ما عطاني
وانت تريد وليدات واجده وان شاء الله يرزقك من سدينة..
تبسم لها قصير وتركها وذهب لضيوفه، ومرت الليلة مرور الكرام، والفرحة عمت جميع القبيلة وتراضى كل من حضر بالطعام والهدايا، وانفضت الجمعة وعاد كل الي خيمته وكل الى قبيلته، وسكن الليل الا من صرخات الصغير هلال التي كانت بمثابة طبول الفرح في اذن قصير ومكاسب.
واثناء جلوسهم رأت مكاسب خيالاً يذهب ويعود امام خيمتهم فعرفت انها سدينه، فهمست لقصير:
قصير قوم روح لسدينه، لبنيه عقلها راح يوج، قوم طيب خاطرها الله عليك، اني نايم جواري وليدي وانت روح بيت جوارها، وانا مافيا خير ليك للأربعين.
نهض قصير وكاد ان يهرول فهو يريدها ولكن لم يشأ إغضاب مكاسب في هذا اليوم المبارك، فأخذ سدينه لخيمتها وبعد أن اشبعها ضرباً على خروجها في هذا الوقت وتجولها امام خيمة ضرتها وهذا الامر نهيت عنه قضى معها الليل وطيب خاطرها بعدة كلمات جعلوها تنسى كل الضرب والقسوة وضحكت من قلبها فرحة بقصير الذي سيمكث في خيمتها للأربعين دون منازع.
أما في القصر..
استطاعت فريال أن تنهض من الفراش وتمشي بتثاقل وهي تلهث ولكنها مصرة على إكتشاف مايحدث حولها، فتسحبت لغرفة مديحه التي أصبحت تجلس بها اكثر من اللازم وتغلقها على نفسها ومعها الهاتف.. فأقتربت فريال محاولة أن تتصنت عليها، وبالرغم من انها لم تسمع شيئاً واضحاً إلا أن الضحكات والهمهمات جعلتها تتأكد أن في الأمر رجل، واثناء تنصتها فُتح الباب مرة واحده مما جعل فريال تنتفض فزعاً، وإذ بمديحه تطالعها بغضب واردفت لها من بين اسنانها:
هو أحنا فينا من كده يافريال.. مش المفروض اننا مع بعض.. طيب تمام كده انا عرفت انك ديب مسعور اللي بيديكي ضهره بتنهشي فيه على طول، والديابه ملهاش امان ولا ليها غير حل واحد..
يتتتبع...
•تابع الفصل التالي "رواية عقاب ابن الباديه" اضغط على اسم الرواية