Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل العاشر 10 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

 رواية رحماء بينهم الفصل العاشر 10 - بقلم علياء شعبان 

(رُحماءٌ بينهم)
                     "كمثلِ الأُترُجَّةِ".
الفصل العاشر
•~•~•~•~•~•~•~•
هاجت كرامتها ولم تقعُد واستعرت نيران قلبها حينما جذبها من غطاء رأسها وأدخلها إلى القصر عنوةً وأرادها أن تظل حبيسة قصره وتعود إلى سابق عهدها في هذا المكان بعدما خرجت منه بإصداره فرمان إبعادها عن محيط عائلته بصورة عاجلة، نفذت ما أمر وقررت أن تهتم بعملها داخل الجريدة ووعدها "عثمان" بتوظيفها داخل الشركة جائزةً على انصياعها لأوامره.

قادها قسرًا حتى باب المطبخ ثم دفعها بقوةً داخله، كادت أن تسقط ولكنها تماسكت بصلابة كبيرة ثم تركها وغادر بعد أن ألقى بعض الكلمات التي كان لوقعها على نفسها أذى:
-مارسي مهنتك الجديدة قصدي القديمة ولو نسيتيها فأمك سيد من يفكرك بيها.
غادر من أمام وجهها فيما هرولت "سهير" نحوها بعينين مُتسعتين في صدمة وصاحت بذعرٍ:
-وَميض؟! إنتِ أيه اللي جابك هنا؟!.

لم تلتفت "وَميض" لها بل ظلت تنظر نحو الباب بعينين تقدحان بالشرر والكُره، وقفت "سهير" أمامها ثم قبضت على ذراعها وراحت تهزها برفق علها تستفيق من سكرة الغضب التي تملكتها:
-يا بنتي فهميني أيه اللي بيحصل؟!

شهقت "وَميض" شهقة مكتومة ثم استدارت نحو الأواني الموجودة على الطاولة الرخامية وبدأت في الإطاحة بهم أرضًا وسط نظرات "سهير" المذهولة فيما لم تهدأ الأخيرة وراحت تعيث فوضى في المكان حتى هرولت "سكون" إلى المطبخ ورأت ما يحدث فقالت بصوت حازم:
-وَميض ممكن تهدي وتفهميني عملتي أيه ضايق بابا؟!

توقفت "وَميض" عمَّا تفعله، تحركت ببطء نحو الأخيرة حتى وقفت قبالتها مباشرة لتخرج من بين شفتيها ابتسامة ساخرة ثم تصيح مُمتعضةً بصوت حادٍ تفوح منه رائحة العداوة:
-ومين أبوكِ دا اللي لازم أعمل حساب لزعله وأراجع كلامي قبل ما أقوله له؟!.. أبوكِ دا نكرة يا حبيبتي وإنتِ مُجرد خاضعة لاستبداده.
سكون وهي تهتف فيها بحدة:
-اخرسي، أبويا خيره عليكِ وعلى أهلك.

كانت سهير تقف على جنب تراقب ما يحدث في ارتباكٍ وخوفٍ، لم تستطع أن تبقى جامدة لوقت أطولٍ فسارت إلى ابنتها ثم همت بوضع كفها على فم "وَميض" علها تستطيع منعها من الوقوع في خطأ فادح وهي لا تشعر:
-معلش يا سكون هانم، هي بس واخدة على خاطرها!

أومأت "سكون" مُقررةً أن تتغاضى حتى لا يعلم والدها ويفتك بالفتاة، تأففت في حنق ثم غادرت فيما أزاحت "وَميض" راحة والدتها ثم صاحت باستنكار يشوبه السخرية:
-عاجبك كلام سكون هانم وعثمان بيه!

وضعت "سهير" كفها على فمها ثم قالت بقنوطٍ وعجزٍ:
-ولو مش عاجبني هبلعه وأسكت.
ضغطت "وَميض" على أسنانها بانفعال حادٍ وراحت تصيح بنفاد صبرٍ:
-ونسكت ليه ونبلع الإهانة فينا ليه؟! هم أحسن مننا في أيه يا أمي علشان ياخدوا بونت على إهانتنا؟!!!!

سهير وهي تقول بصوت مخنوقٍ تشيح بعيدًا:
-لأننا طبقات يا بنتي؛ لأننا إتخلقنا علشان نقرب للناس اللي زيهم ونلاقي لقمة عيشنا في خدمتهم.
وَميض وهي تبتلع غِصَّة مريرة في حلقها وتقول:
-يعني إحنا لو اشترينا كرامتنا هيتقطع عننا لقمة العيش في مكان تاني!!!
لم تجبها الأخيرة؛ فأكملت "وَميض" بلهجة حازمة:
-اسمعي يا أمي، إحنا مبقالناش لقمة عيش في المكان دا، لو بتحبيني فعلًا مش هتفكري كتير في اللي بقوله، أمي!.

رمقتها "سهير" بارتيابٍ للقادم من حديثها؛ فتابعت "وَميض" بحسم:
-بلغي عثمان وعيلته إنك مش هتكملي ويلا نمشي من هنا؟!.
ردت "سهير" مستنكرة ما تقوله ابنتها في بساطة:
-وناكل ونشرب منين؟!! وبعدين هو مش منعك تخرجي برا القصر!!!.. اعقلي يا بنتي وبلاش مشاكل ولا عايزانا من اللي بيرفسوا النعمة بإيديهم!!

أشاحت "وَميض" عنها وراحت تعض على شفتيها من شدة الغيظ ثم نظرت لها مرة أخرى وعقدت ذراعيها أمام صدرها وأسرعت تقول بصوت مخنوقٍ:
-لو ممشيتيش معايا يا أمي، مش هتشوفي وشي تاني!
استدارت "سهير" للجهة الأخرى ثم ردت مستنكرة:
-اعقلي يا وَميض وبلاش جنان؛ إنتِ الغلطانة لمَّا صوتك يعلى على واحد أد أبوكِ.
وَميض وهي تردف بغيظٍ مُتأججٍ:
-طول ما هو مش أبويا فأنا هعلي صوتي لأنه استحق دا.

سكتت هنيهة ثم تابعت بصوت جافٍ:
-بس إنتِ اللي اختارتي يا أمي، سلام.
اندفعت نحو البوابة الداخلية وفتحتها؛ ولكنها وجدت حارسًا يقف أمامها وراح يضع ذراعه أمام جسدها وصار حائلًا دون عبورها وبصوت هادىء قال:
-عثمان بيه مانع خروجك يا آنسة وَميض.

كورت قبضة يدها بغيظٍ ثم صفقت الباب في وجهه واستدارت مندفعةً نحو الدرج كي تدرك غرفة مكتبه ثم تقتحمها وتحتج على حبسها دون وجه حق له في تصرف كهذا، خطت درجتين فحسب إلى أن وجدت كف يقبض على ذراعها ويدفعها على الوقوف في مكانها:
-بتستفزيه وترجعي تشتكي!!

نطقتها "سكون" بصوت هاديء وملامح جامدة، استدارت "وَميض" نحوها ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وراحت تضيف بتحدٍ:
-قولي لي سبب واحد يخلي عثمان بيه له سُلطة علينا ويصدر فرمانات عن حياتنا الشخصية وإمتى نخدم في القصر وإمتى نتنفي منه!!

أبت "سكون" أن تستسلم للحديث الدائر بينهما مهما نطقت خصمتها من صواب؛ فلا يمكنها أن تنصرها على أبيها، رفعت رأسها بشموخٍ وركزت بعينيه داخل خاصتي الأخيرة التي ما أن لقت منها من إجابة صامتة حتى صرحت بكلمات مُزدرية:
-أجاوبك أنا بقى، أبوكِ بيتعامل معانا على أننا من عبيد قُريش، مِلكه بالمختصر المُفيد؛ لا يحق لنا نقرر أي حاجة عن حياتنا ولا نخرج عن طوعه، فاكر نفسه سيد من أسياد الجاهلية!!!!
سكتت هنيهة ثم ابتسمت تقول بسخرية:
-تصدقي ينفع يكون اسمه (أبا جهل).. مبروك عليه اللقب.
سكون وهي تتحداها بحزم:
-عارفة أيه اللي مصبرني على وقاحتك؟!!
رمقتها الأخيرة شزرًا؛ إلا أنها أكملت غير مُبالية:
-شروق أختي.
قهقهت "وَميض" ثم قالت بتهكم واضحٍ:
-أختك اللي أبا جهل عامل لكم حظر من السؤال عنها أساسًا!

أنهت جملتها ثم ذهبت مرة أخرى إلى المطبخ بعد أن تشفت قليلًا في ابنته وهدأت نفسها، دخلت المطبخ ثم أخذت تروح وتأتي به تبحث عن فكرة للتخلص بها من هذا السجن!
•~•~•~•~•~•~•~•
أخذ ينفخ مرارًا حتى انتفخت أوداجه من شدة الغضب، هل فتاة بحجمها وصِغر سِنها تتجاوز الحدود التي لم يتجاوزها الأكبر منها عُمرًا معه!!، ضرب سطح المكتب براحته في انفعال شديدٍ سعى إلى إخماده استعدادًا لدخول هؤلاء الشباب عليه بعد قليل.
طُرق الباب بهدوءٍ؛ فأردف يأذن بصوته الرخيم ليجد إحدى العاملات تقول في احترام:
-الضيوف في انتظار حضرتك يا عثمان بيه.
أومأ ثم قال موجزًا:
-دخليهم كلهم مرة واحدة مليش دماغ لكل واحد لوحده.
هزت رأسها مُنصاعة ثم خرجت على الفور وبعدها بثوانٍ كان الشبابُ يدخلون إليه في انضباط ونظام حتى سمح لهم بالجلوس على المقاعد المقابلة له، تدبر ابتسامة زائفة ثم عقد كفيه سوية وقال بصوت أجشٍ:
-أهلًا بيكم في قصر عثمان السروجي.

قابل همهمات شاكرةً منهم؛ فتابع مُحافظًا على ابتسامته:
-طبعًا عندكم علم بسبب حضوركم هنا وأنا كُلي ثقة في الشركة اللي بعتاكم.
أومأ الجميع متفهمين ما يستفتح به حديثه، تنهد "عثمان" بحزم ثم صرح:
-أنا عايز سواق شاطر لفرد من أهل بيتي.. مش بس سواق لو تطلب الأمر إنه يغير المسمى الوظيفي علشان حمايته ميترددش!!

في تلك اللحظة، توقف عن استكمال ما رتبه من كلمات حينما طُرق الباب مُجددًا فقطب "عثمان" ما بين حاجبيه مُحاولًا كظم غيظه أمام ضيوفه رغم معرفة كل من بالبيت بشأن قوانينه الصارم التي تسير عليها مملكته وأولها عدم إزعاجه في وقت العمل؛ إلا أن أحدهم أخطأ ولم يبالِ بقانون صارم كهذا:
-ادخل!
قال كلمته بصوت رخيمٍ يشتاق لرؤية الطارق كي يتوعد له بالكثير، أطلت إحدى العاملات من وراء الباب ثم أردفت بصوت مُتهدجٍ مرتعبٍ:
-آسفة على الإزعاج عثمان بيه، بس موضوع مستعجل!

رفع أحد حاجبيه ثم أشار لها أن تقترب منه وقد اعتقد أن سجينته ربما قد أضمرت نيران فوضتها بالمكان، انحنت منه ثم همست بعض الكلمات بالقرب من أذنه جعلت علامات الدهشة تسيطر على قسمات وجهها وحينما استقامت من جديد تنتظر رده قال بصوت هادئ رغم حيرته وقلقه:
-نازل حالًا.
التفت ببصره إليهم ثم تابع بصوت حازم وهو ينتصب واقفًا في مكانه:
-معلش يا شباب مش هقدر أكمل معاكم المقابلة؛ ولكن استنوا مني ميعاد قريب!

التفت إلى العاملة وطلب منها أن تصحبهم إلى البوابة الداخلية للذهاب، انتظر حتي غادروا الغرفة ثم كشر وجهه وراح يقول بسخطٍ وحيرة:
-ودا أيه اللي جابه هنا؟!.

تنشق الهواء داخله بعُمقٍ قبل أن يحسم الأمر حول النزول له وضرورة المواجهة لمعرفة السبب الذي ساقه إلى مكان لم يأتِ إليه من سنوات عديدة!، خرج بسرعة ثم هبط الدرجات فوجد "تليد" يقف أمامه بوجه منفعلٍ تنبعث منه الدماء المحمية ثم يقول بلهجة حادة:
-أهلًا عثمان بيه!
ابتسم "عثمان" ابتسامة ثابتة ثم سار نحوه وقال بصوت جافٍ:
-أنا اللي المفروض أرحب بيك، إنتَ في بيتي!
تليد وهو يرمقهُ بنظرات باردة ثم يتابع:
-بيتنا، إنتَ ناسي إن أنا وأبويا لينا فيه النص بس منصوب علينا؟!!
عثمان بجمودٍ:
-خلاص روح قاضيني في المحاكم!

تليد مُضيفًا بلهجة حانقة:
-إنتَ عارف إن أبويا متربي على الأصول ومش قابل يعمل كدا في أخوه وإلا مكنتش اتجرأت تقول لي الجملة دي وإنتَ عارف كويس أوي إني لو قاضيتك هاخد حقي وحق أبويا من بكرا.
تنفس "عثمان" الهواء بقوة قبل أن يصيح بصوت جهوري حانقٍ:
-جاي ليه يا تليد؟! وعايز أيه؟!!!

فكر "تليد" طويلًا في هذا السؤال أثناء قيادته إلى القصر ولم يكن يجد إجابة أو حجة منطقية يهرب منها من السبب الحقيقي وراء جريانه إلى مكان عهد ألا يأتي إليه ما حيا ولكنه جاء مرة أخرى منكبًا على وجهه قلقًا بشأنها، كان يختلس النظرات في ردهة القصر ولكنه لم يتحصل على أحدٍ مما دفعه إلى ارتفاع نبرة صوته وهو يجد سببًا فصيحًا يقاضي به عمه ويأتي إلى عقر داره دون أن يُلام.
-مش هتبطل لِعب من تحت لتحت يا عثمان بيه!!

عثمان يصيح فيه بلهجة صارمة:
-وطي صوتك وإنتَ بتكلم عمك، وأيه معنى الكلام دا؟!!

تليد وهو يتكلم بعصبية حقيقية سببها معروفًا لديه وحده، فقد عرف "تليد" منذ زمنٍ بما يفسده عمه من أسفل لأسفل ولكنه كان يتغاضى بأمر من والده وها قد جاءت اللحظة التي يستخدم فيها هذه الكروت من أجل صغيرته:
-إنتَ اللي هتقول لي معنى اللي بتعمله؟!.. هتستفاد أيه لمَّا تحط لنا جواسيس في المزرعة ينقلوا لك كُل أخبارنا!، لو فكرت تسأل عن أخبارنا كُنا هنقول لك على فكرة من غير مجهودك الخرافي دا؟؟.. تقدر تقول لي بتستفاد أيه لمَّا تصطاد أمهر العُمال عندنا وتساومهم على مرتب أكتر من اللي بياخدوه مقابل إنهم يسيبوا المزرعة ويشتغلوا عندك؟!!!

عثمان وهو يشيح عنه ثم يقول بلهجة غاضبة:
-جبت منين الكلام دا؟!!
تليد ببسمة ساخرة:
-من نفس العمال اللي ساومتهم على فلوس أكتر يا عثمان بيه!!
في تلك اللحظة، تأججت المشادة الكلامية بينهما وتجمع على إثرها كُل من بالقصر حتى (هي) لم تهتم للأمر في البداية حتى تلصصت النظر قليلًا ووجدته (هو)، لمعت فكرة في عقلها مُستغلةً توتر الأجواء وغضب الأخير من عمه وقررت أن تلتجيء إليه علّه يساعدها على التحرر من هذا المكان.
-تليد!!

نطقت "سكون" اسمه بتمتمت هامسةً بينها وبين نفسها وهي تحدق فيه مصدومةً وبالكاد تصدق وقوفه في منتصف قصرهم!!.. اكفهر وجه "نبيلة" حالما رأتهُ وهي التي تُعاديه أشد عداوةً لتفوقه العلمي والعملي على ابنائها حتى أنها تبغض فكرة أن تُقسم التركة إلى نصفين؛ نصف يقسم على أولادها الثلاثة من بعد أبيهم ونصف كامل له وحده من بعد أبيه وزوجها هو أكثر من ساهم في بناء هذه التركة بمعاونة أبيه.

جاء "عُمر" يدفع كرسيه لتفقد الصخب الواصل إلى غرفته كذلك وما أن رأى ابن عمه حتى تابع مصدومًا كحال شقيقته:
-تليد!!!
لم تكن الصدمة من شخص الواقف نفسه إنما فيما أصدر من عهد نافذ المفعول وهو يتعهد بألا تخطو قدماه أرض هذا القصر، التفت "تليد" ببصره بينهم ولم يجدها فانتقل إلى عمه وقال بصوت هادئ:
-إنتَ فاكر إني معرفش عنك حاجة،كل المعلومات عندي من أول جواسيسك الموجودين في مزرعتنا لحد العجول اللي جالها مرض وماتت وإنتَ دبحتها بردو واستخدمتها في المنتجات علشان متخسرش!!!

فتحت "سكون" فمها بعد أن أخرجت شهقة مكتومة ثم لم تعد تحتمل المزيد فصاحت بصوت مخنوقٍ:
-إنتَ كذاب يا تليد، عجول ميتة؟ إنتَ إزاي شيخ محترم وبتطعن في سمعة عمك علشان في بينكم مشاكل!.
تليد بصوت خشنٍ:
-دا مش طعن، دي الحقيقة حتى لو مكانتش على هواكِ يا بنت عثمان بيه.

ابتلعت "سكون" غِصَّة مريرة في حلقها من استنكاره لصلة الرحم التي تجمع بينهما ورفضه الاعتراف بها؛ إلا أنها لا تلومه فكُل شيءٍ يصدر منه كان والدها هو المُعلم والباديء به.
اشتد لهيب العداوة والبغضاء من قبل "عثمان" الذي نبج صوته بغضب عظيمٍ:
-اطلع برا القصر واللي عندك اعمله.

ابتلعت "وَميض" ريقها على مضض ثم قررت الفرار إليه واستجدائه كي ينتشلها من هذا المكان، ابتلعت ريقها على مهلٍ ثم هرولت باتجاهه في حين أنه أول ما رأى وجهها تظاهر بالبرود؛ فهرعت إليه حتى وقفت خلف ظهره وراحت تقول بصوت مخنوقٍ:
-أستاذ تليد، أرجوك ساعدني، الراجل دا ضربني وحابسني هنا غصب عني!!!

وقفت خلفهُ تحتمي به، حاول استيعاب ما تفعله ولكنه أقسم في نفسه على حمايتها وقطع يد من تسول له نفسه المساس بها، استدار نحو عمه ثم أردف بنبرة ساخرة:
-إنتَ غيرت النشاط وبقيت بتخطف بنات!!

نبيلة وهي تتدخل مضيفاً باحتجاج وحدة:
-خطف أيه وكلام فارغ! البنت دي بنت الخدامين اللي في القصر ومش عايزة تساعد والدتها.

تليد وهو يتحول بنظراته إليها ثم يقول بسخرية:
-بس هي مش عبدة هنا هتعمل حاجة عكس إرادتها؛ طول ما هي مش عايزة متعملش وإنتوا لازم تحترموا دا!

سكت لبُرهة ثم أضاف بصوت حاسمٍ:
-عمي، أنا جيت أطلب منك تبعد عني وعن أبويا زيّ ما إحنا ساكتين عن حقنا فداءً لصلة الرحم اللي إنتَ بتقطع فيها كُل يوم لحد ما بقت مش قادرة تجدد جلدها!.

استدار يعطيهم ظهره حتى تواجه بها وتلاقت أعينهما، رمقتهُ بنظرات محتارة بشأن تصرفه معها وقد لمعت عيناها تستجديه فيهما، توترت نفسه المُستقرة ما أن رأى الخوف يتجلى في حركة عينيها وقد تمكن من قراءة أفكارها وهي تفكر فيما سيتصرف بخصوصها؟ هل سوف يأخذها معه؟ أم يمر من جوارها غير مُبالٍ بها كاشفًا عن ضعفها بعدما اختارته سدًا منيعًا يعوق حركة المتربصين لها!
-اتفضلي معايا يا آنسة!.

خفق قلبها بأملٍ وسعادة وصدقت ظنونها فيه، تنفست الصعداء وهي ترمقهُ بنظرات تحمل من خلالهم كل كلمات الشكر الوجودية، همَّت أن تسير معه إلى أن سمعت صوت "عثمان" يهدر بصوت جهوري:
-تروح معاك فين؟!! إنتَ بتكسر كلامي وبتخلي خدامة تمشي كلامها عليا!!

خافت أن كلمات "عثمان" تعبث بعقل الأخير وتجعلهُ يتراجع عن مساندتها؛ فتابعت بصوت مخنوقٍ يوشك على الانخراط في البكاء:
-حلفتك بالله ما تسيبني في المكان دا، لو سمحت متخيبش ظني فيك!
صرح "تليد" بصوت مُتحدٍ دون أن يستدير إلى عمه:
-لو الآنسة مخرجتش معايا يا عثمان بيه، أنا هفضل موجود معاها وهطلب البوليس وييجوا بقى يسمعوا شهادتي وشهادتها!
عثمان بحدة:
-ودا تهديد؟!
تليد مُضيفًا بلهجة حاسمة:
-دا قرار مش راجع فيه.

كانت "سهير" تتابع ما يحدث في صمت وهي تلوم ابنتها في نفسها على ما جلبته لهما من مشاكل سوف تحدث حتمًا وقريبًا ربما يخسرنان وظيفتهما!.

-اتحركي!
استدار بعينيه إليها ثم هتف بتلك الكلمات؛ أومأت في الحال ثم سارت أمامه وتبعها بخطوات واثقة من تراجع عمه خوفًا على سمعته التي يبيع الدنيا من أجلها، كانت سعادتها تصل للسماء وهي تتنفس الصعداء بعدما تخلصت من البقاء بين جدران هذا القصر بأعجوبة بينما لم تدم فرحتها طويلًا حينما تذكرت موقف والدتها السلبي تجاهها وقبولها الإهانة فضلًا عن ترك القصر وهل إن كان والدها موجودًا كان ليتخذ نفس موقف والدتها؟ كلا، هي تأمل أن يثور لما حدث معها ويبحث عنها مقررًا ألا يعود إلى القصر مرة ثانية.

تجاوزت البوابة الخارجية وباتت طليقةً بفضله، استدارت بجنب وجهها الأيمن تتفقد قدومه خلفها وما هي إلا لحظات حتى أردف يكلمها بصوت ثابتٍ:
-فين بيتك وأنا أوصلك!
توقفت في الحال ثم استدارت كليًا ناحيته، ابتلعت غِصَّة مُرة كالعلقم ثم دمدمت بصوت خافتٍ:
-شكرًا على تعبك معايا لحد هنا، بس أنا مش راجعة بيتي.

تنحنح "تليد" بخشونة ثم سألها بصوت رخيمٍ يستقصي حول ما تخطط بينما فسرت هي ذلك لشعوره بالمسؤولية تجاهها؛ فقال:
-مفهمتش، ناوية تروحي فين!!
تكلمت بتلقائية فذة وقالت بعد بتنهيدة ثقيلة وبعض من التفكير:
-هروح عند وسام.

رفع أحد حاجبيه بعدما علم بماهية الشخص المقصود؛ فقد جاء اسمه في حديث ما سابقًا من ذلك الرجل الذي يكلفه بتتبعها، حاول كظم غيظه وادعى الجهل حول حديثها فقال مُجددًا:
-مين وسام؟! واحدة صاحبتك!!!

تنهدت بسرعة من أسئلته التي لا داعي لها ولا تخصه في شيءً؛ ولكنها تدين له بذلك الموقف النبيل معها وقد حسبته موقفًا واحدًا ولا تعلم أن دينها له كبير جدًا وليس كما تظن!
-صاحبي.
صرحت بنفاد صبرٍ، كشر وجهه في ضيقٍ وراح يقول ببرود:
-وإنتِ هتروحي عند راجل غريب لوحدك تعملي أيه؟!!
انفتحت عيناها على وسعهما ثم قالت بدهشة:
-أنا حُرة يا أستاذ تليد وعارفة كويس إنك ليك عليا دين بس دا مش معناه إنك تدخل في حياتي!!!

تليد بإيجاز:
-تمام.
ظنتهُ تراجع لوهلة قبل أن يجذبها من حقيبة يدها عائدين إلى البوابة، حدق فيها بقوة ثم قال بصوت أجشٍ:
-طالما مش هتدخل في حياتك بقى، يبقى زي الشاطرة ترجعي القصر وتتعاملوا بقى مع بعض.
كزت على أسنانها وهي تصدر قدميها بالأرض ثم تقول بعنادٍ:
-كُنت فكراك مُختلف عن عيلة السروجي، طلعت الوجه الآخر ليهم.
تليد وهو يردف بلهجة حازمة:
-لوك لوك قَصري!
تنفست الهواء داخلها بصبر ثم قالت باستسلام:
-مش هروح عند وِسام.. هقعد في أي شقة مفروشة إيجار.

أومأ في هدوءٍ ثم تركها وتوجه إلى سيارته فأسرعت خلفه فورًا ثم ركبتها وجاورته في المقعد الأمامي، قرر أن يقود السيارة في صمت ووقتها يتمكن من إيجاد حل لها بينما لم تسمح له بذلك وبدأت تثرثر ساخطةً على سيرة عمه البغيض والطبقي من وجهة نظرها وأثناء حديثها سألته بفضول كبيرٍ:
-مقولتليش يا أستاذ تليد!!
تليد بصوت ساخرٍ يحمل أسفله رغبة مُلحة في إطلاق قهقهة عالية تستفزها:
-نعم يا جن!
التوى شدقها ثم أردفت بسخطٍ:
-دا مكنش توقيع اللي نسيت أكمله دا!، إنتَ مقاطع عمك وعيلته ليه؟!!
تليد منتبهًا في طريقه يقول:
-مَن تدخل فيما لا يعنيه!
أشاحت عنه تنظر من النافذة ثم دمدمت بصوت خافتٍ مغتاظٍ:
-سمع ما لا يُرضيه.

صمتت لبعض الوقت حتى لم تعد تلجم لسانها أكثر من ذلك؛ فاستدارت برأسها نحوه ثم أردفت بصوت خافتٍ حاشرة أنفها الصغير في حياته:
-إنتَ حاجبك مكسور ليه؟!! ولا عاملها صياعة وكچولة!!
حدق فيها مصدومًا لثونٍ ثم صاح ومازال تحت تأثير صدمته:
-صياعه؟ وكچولة؟
ارتابت من نبرة صوته فالتصقت بالباب ثم قالت بنبرة متلعثمة:
-كان مجرد سؤال بريء.
كز على أسنانه ثم هدر فيها بلهجة صارمة:
-مش عايز أسمع صوتك لحد ما نوصل.
أومأ بانصياعٍ كي تتقي شره فورًا:
-حاضر حاضر.
•~•~•~•~•~•~•

تنهدت "رابعة" بصبر وراحت تضرب كفًا بالآخر وهي ترمق ابنتها العنيدة بضيقٍ؛ فلا تفهم مبرراتها حول رفضها الجلوس مع ابن خالتها الذي ينتظر بغرفة الضيافة، لزمت "مُهرة" الفراش فيما تابعت "رابعة" بحُزن:
-ليه كدا يا بنتي؟! ليه كاسرة فرحتي دايمًا؟!
تنهدت "مُهرة" بنفاد صبرٍ ثم قالت:
-يا صبغ أيوب!
انتفضت واقفة بعد أن نزلت من الفراش، تحركت إلى والدتها التي تقف على عتبة باب غرفتها ثم تابعت بصوت هادىء:
-يا أمي، أنا مش بقبله، والجواز لو مكنش حُب؛ فلازم يكون قبول!
رابعة ترد باستنكار وسخرية:
-نبقي نشتري لك تُمن كيلو قبول ناشفين ياختي، يا بنتي دا ابن خالتك يعني هيصونك ويشيلك في عينه!
اقتربت "مُهرة" منها ثم تناولت راحتيها وراحت تربت عليهما برفق ثم تقول:
-إنتِ مش بتغصبي عليا لا في حياة ولا تعليم، هتجبغيني أتجوز حد مش بحبه!!!
رابعة بإصرار:
-أيوة طالما شايفة الصالح ليكِ معاه.
مُهرة تعاتبها بعبارات هادئة:
-ولو أنا مش شايفة الصالح معاه!!

رفعت "رابعة" أحد حاجبيها ثم سألتها بفضول وشك:
-ويا ترى شيفاه مع مين؟!!
أشاحت "مُهرة" عنها في الحال ثم تمتمت بتلعثمٍ أوجس الشك في نفس الأخيرة:
-مم مش مع حد.
استدارت "رابعة" حتى قصدت مقابلة وجه ابنتها ثم أردفت بلهجة حازمة:
-لو فاكرة إني مش هعرف بنت بطني وهي بتكدب عليا تبقي عبيطة، انجري قدامي اقعدي مع ابن خالتي ومتحرجنيش وما تحسسيهوش إنك مجبورة على القاعدة!!
أردفت"مُهرة" بنبرة مُمتعضة:
-أنا واخدة عهد على نفسي إن جوزي اسمه مش هيكون فيه حرف الغيه.

رمقتها "رابعة" بغيظً؛ فأثرت الجلوس معه على الوقوف أمام والدتها وهي تطرح أسئلة تشككية وتلقي نظرات الاتهام عليها، خرجت حيث يجلس وما أن رآها حتى قالت تتدبر ابتسامة زائفة:
-نوغتنا يا إبغاهيم!
إبراهيم وهو يبادلها ابتسامة خفيفة ثم يقول:
-تقلانة علينا ولا أيه يا بنت خالتي؟!
مُهرة بعتاب مُصطنع:
-أنا أقدغ! متقولش الكلام دا عيب!
أومأ "إبراهيم" مُتفهمًا، تنحنح باستعداد قبل أن يقول بصوت هادئ:
-أكيد خالتي قالت لك أنا جاي هنا ليه؟!
مُهرة تدعي جهلها بالأمر فتقول بابتسامة مراوغة:
-جاي تشوف خالتك أكيد يعني!!

همَّ أن يتكلم؛ ولكنه توقف مع دقات قوية على باب المنزل، زوت "مُهرة" ما بين عينيها تتمنى أن يكون خيرًا في الأمر، أسرعت "رابعة" إلى الباب تفتحه فظهر "نوح" أمامها وهو يقول بنبرة متعجلة:
-إزيك يا خالتي رابعة، فين مُهرة ضروري!!

فغرت "مُهرة" شفتيها دهشةً وراحت تهرع إليه في قلقٍ بينما تابع هو ما أن رآها تقترب نحوه:
-الشيخ سليمان عايزك ضروري؛ لأن في عِجل بيولد ولادة مستعجلة!!!
مُهرة باستغراب:
-عِجل!!!
نوح وهو يتكلم بسرعة متجاوزًا عمَّا قاله:
-قصدي عِجلة.

أومأت "مُهرة" وراحت تلتقط حقيبتها ثم تودع والدتها التي لم تكذب خبرًا وأمرتها أن تهرول معه إلى المزرعة وسوف تلحق بهما، في تلك اللحظة خرج "إبراهيم" ثم قال متسائلًا:
-تحبي أروح معاكِ يا مُهرة؟!.
نوح يتدخل فورًا بعدما استشاط غيظًا وحاول أن يواريه:
-رايح فين هتولد العِجل معانا؟! إنتَ دكتوغ ولا حاجة!

شعر "إبراهيم" بالحرج واستشاط غضبًا ولكنه أثر الصمت فيما سار كُلًا من مُهرة ونوح إلى بوابة المزرعة القريبة جدًا من بيتها.
•~•~•~•~•~•~•
-اتفضلي انزلي!
زوت ما بين عينيها وهي تنظر من نافذة السيارة تتفقد المكانَ من حولها، التفتت إليه من جديد ثم أردفت متوجسةً:
-إنتَ جيبتني فين؟! خطفتني!.
تليد يرد مستنكرًا:
-دا مين الغبي اللي هيخطفك!.. دي مزرعة أبويا تقدري تقعدي معاه فيها ووقت النوم هيخليكِ تباتي مع خالتي رابعة وبنتها مُهرة.

صرخت عاليًا باحتجاج:
-مهرة مين ورابعة مين؟ إنتَ وصي عليا يا أخ إنتَ؟!
تليد وهو يرمقها بقوة ثم يصرخ:
-انزلي.
ارتجفت أطرافها ثم ترجلت خارج السيارة على الفور حتى ترجل أيضًا واستدار واقفًا أمامها وقال بصوت أجشٍ:
-اتفضلي ادخلي قدامي!
وَميض وهي تزدري الفكرة فتقول بقلقٍ:
-لأ طبعًا، أنا أيه اللي يخليني أثق فيك أصلًا!

أومأ "تليد" بنفاد صبر ثم جذبها مرة أخرى من حقيبة يدها وأردف بلهجة آمرة:
-تمام، قدامي على العربية علشان أرجعك القصر.
تحررت زفرة طويلة من بين شفتيها ثم أضافت مُتذمرة وهي تجذب الحقيبة منه:
-لو عاجباك الشنطة خدها يا أخ، دا أيه الُغلب دا ياربي!

تليد وهو يرفع أحد حاجبيه ثم يقول ببرود وهو يحرك أصبعه السبابة بإشارة مستديرة:
-قدامي يا جن.

استدارت في مواجهة البوابة ثم سارت أمامه بعد أن زمجرت تضرب قدميها بالأرض وما أن لمحه الحارس حتى أوسع لهما الطريق؛ فعبرت أولًا ثم تبعها في الحال، شردت في جمال المكان الذي يمتليء بالأزهار والخُضرة على جانبيه وقادتها قدماها تسير دون هداية تحت أثر السحر الخلاب الذي تتميز به المزرعة؛ فلم تصحو من شرودها إلا عندما وجدته يجذب حقيبتها مرة ثالثة ويقول بصوت هادئ:
-الطريق من هنا.
خرجت ابتسامة بلهاء من بين شفتيه ثم قالت بخفوتٍ:
-مخدتش بالي.
(على الجانب الآخر)

وصلت "مُهرة" إلى حظيرة الماشية وراحت تبحث بعينيها عن العُجلة المنشودة ولكنها لا تجدها، استدارت بعينيها إلى "نوح" ثم أردفت بتساؤل مهتم:
-فين العِجلة اللي على وش ولادة دي!

تظاهر بالدهشة وراح يفتح عينيه على وسعهما ثم يتظاهر بالبحث عنها مُشيرًا إلى إحدى الزوايا:
-كانت هناك كدا، حتى اسألي سماح!! بس أكيد سماح مشيت النهاردة!

في تلك اللحظة، انقطع حديثه حينما أبصر "سماح" تدخل من باب الحظيرة ثم تقول بنبرة مندهشة:
-دَكتورة مُهرة؟! مش كُنت أجازة باقي اليوم!!

رفعت "مُهرة" أحد حاجبيها ثم تابعت بمراوغة:
-نوح قال لي إن في حالة ولادة مستعجلة، فجيت!

التفتت "سماح" إليه ثم أفصحت بطيب سجية:
-هو أنا مش قولت لك يا دكتور نوح إنه طلق مُبكر ولسه فاضل وقت على الولادة وإن دَكتورة مُهرة مش فاضية علشان قاعدة مع عريسها!!!

استدارت إليه بعينين مُتسعتين ثم عادت تنظر إلى"سماح" من جديد وبصوت هادىء سألتها:
-وإنتِ مين اللي قال لك إني قاعدة مع العغيس يا سماح!
سماح بتنحنح:
-خالة رابعة.
مهرة وهي تكظم غيظها:
-طيب اتفضلي يا سماح شوفي شغلك.

انصرفت "سماح" على الفور، فيما التفتت إليه مرة ثانية وراحت ترمقهُ بغيظٍ، كزت على أسنانها وراحت تكور قبضة يدها ثم تصيح مُمتعضةً:
-دا باينه مغاغ.

قالت جملتها ثم تحركت مندفعة خارج الحظيرة، بينما أردف "نوح" بابتسامة ماكرة وهو يتحرك خلفها:
-ولا مغاغ ولا حاجة، أنا قولت أطلع جدع معاكِ وأنقذك من عغيس الشوم والندامة!.. ديه ديه!!!

وقفت لوهلة ثم قلدتهُ بأسلوب مُتنمر كي تستفزه:
-ديه ديه.
نوح وهو يقهقه رغمًا عن غضبها ثم يسأل:
-رايحة فين إنتِ دلوقتي!!
مهرة دون أن تلتفت له:
-هقعد مع الشيخ سليمان وماما اللي كانت جاية ورايا دي أبقى قول لها إنتَ فين العِجلة اللي كانت بتولد.
نوح يجيبها ببساطة وانبساط نفسي:
-عادي كانت بتخضنا عليها.

توجهت إلى مجلس الشيخ "سليمان" الذي جلس على مقعد خشبي بجوار الخضرة وجلست "وَميض" أمامه مُباشرة ثم قصت عليه كُل ما حدث من شقيقه حتى أتت إلى المزرعة بمرافقة ابنه الغليظ وتفاجأت بأنه والده؛ فقد أحبته منذ الوهلة الأولى سابقًا ولكنها تفاجأت بكونه أب الأخير رغم اختلافهما بين عصبية ووهج من الهدوء والسكينة؛ فيما تمكن "سليمان" من استنتاج الكثير عن طباعها وشخصيتها وكان أول ما استنتجه؛ صفاء سجيتها الصافية كالحليب حتى أنها تبدي تذمرها من ابنه أمام الشيخ ودون مواربة، جاءت "مُهرة" وما أن لمحها "سليمان" حتى طلب منها أن تتقدم وهو يقول بابتسامة صادقة:
-تعالي يا مُهرة سلمي على وَميض!

اقتربت "مُهرة" منهما وراحت ترحب بها وتتبادلان السلام سوية، كان "تليد" يجري عدة اتصالات وما أن فرغ منها حتى انضم إليهم، فيما تابعت "مُهرة" بوجه عابس:
-أنا جاية اشتكي لك من نوح!

تغير لون وجه "تليد" ما أن ذكرت اسمه وخشي أن يأتي الآن وتراه "وَميض" فيُكشف أمره، تلفتت "مهرة" حولها ثم أضافت بصوت حائر:
-كان هنا مش شوية، غاح فين دا!!

في تلك اللحظة، جاءت "رابعة" التي ألقت عليهم السلام ثم تقدمت من "وَميض" التي ابتسمت لها بودٍ حينما عرفها الشيخ على الأخيرة، فتابعت "رابعة" بتلقائية وهي تنتبه للغمزة الخاصة بوَميض:
-أهلًا بيك يا بنتي.
سكتت هنيهة ثم استدارت بعينيها إلى"تليد" وأكملت تفصح بتلقائية أسقطت قلبه في قدميه:
-ما شاء الله قمر وعندها نفس الغمازة اللي كانت عند البنت الصغيرة اللي كنت بتربيها زمان يا أستاذ تليد!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع

 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent