رواية عيناك لي المرسى الفصل العاشر 10 - بقلم حنين أحمد
الفصل العاشر
عيناكِ لي المرسى
(الحاضر)
"يابني اهدا على البنيّة شوية, انت دخلت حدف كده
ليه امبارح! هتخوفها منك يخرب عقلك"
هتف شامل وهو يمنع معاذ من الذهاب إليها مرة أخرى
ليضحك الأخير قائلا:"هو انا لسه عملت حاجة؟ انا
يادوب كنت بعرّفها عليا وعلى الحاجة"
ضحك بقوة وهو يقول:"أول مرة تكلمها فيها تعرّفها على
الحاجة؟ امال لو بقالك شهور عارفها كنت عملت ايه؟
جيبت المأذون وكتبت عليها؟! اهدا كده الله يهديك
البنيّة هتنط في البحر بسببك"
قال بحالمية:"خليها تنط وانا انط وراها انقذها"
"ايه الفيلم الهندي اللي انت عايش فيه ده؟!
إذا كنت انت اصلا مابتعرفش تعوم هتنقذها ازاي
ياخويا؟"
قالها شامل لاويا شفتيه بسخرية مضحكة جعلت معاذ
يهتف بنزق:"ده انت فصيل يا شامل, يا عم مالك انت!
هبقى البس عوّامة"
انفجر ضاحكا وهو يقول من بين ضحكاته:
"عوّامة ايه؟ انت فاكر نفسك في راس البر؟!
انت في وسط المتوسط يا معاذ"
رمقه معاذ بضجر ثم هتف:"هو انت ايه ال مقعّدك معايا؟
مش مراتك معاك؟ ماتاخدها وتعملوا الجزء التاني من
تيتانيك.. بس خليكوا في اول حتة من الفيلم..
بلاش تغرّقونا يعني"
"ماشي يا معاذ ماهو من لقى أحبابه نسى أصحابه
انا همشي وهروح لمراتي حبيبتي احسن من القعدة معاك"
غادر وهو يكمل بداخله: (بس هنعمل الفيلم بتاع
أسماك القرش احسن الشاويش ماينفعش معاه تيتانيك
خالص) .
****
كرهته بقدر حبها له, لتكتشف فيما بعد أنها لم
تحبه من الأساس!
جالسة على سطح الباخرة بمكانها المفضّل منذ صعدت
على متنها.. كم تشكر شروق وزوجها على هذا الاقتراح
فقد كانت تحتاج لهذه العطلة كثيرا, حسنا هي ليست
عطلة بالمعنى المفهوم فهي تعمل بالفعل ولكن العمل
لم يكن على أوجّه فبين حينٍ وآخر يأتيها حالة وفي
أغلب الأوقات جالسة تراقب الناس حولها أو تقرأ كما
تفعل بالوقت الحالي..
ابتسمت وهي تستنشق رائحة الهواء المنعش الممتزجة
برائحة البحر وأمامها مساحات واسعة من المياه بلونها
الأزرق الرائق المميز لتعود ذاكرتها إلى ذاك اليوم
البعيد على الرغم أنه قد مرّ عليه ما يزيد عن العام
ولكنها كلما تتذكره تشعر بالفخر بنفسها وهي ترى
أنها تخلّصت نهائيا من كل ذكرى مؤلمة بحياتها وبدأت
بحياة جديدة رائعة وها هي تنتظر فارسها الحقيقي دون
أن تفقد الأمل بوجوده..
ربما كانت المعالجة النفسية التي خضعت لها ساعدتها
كثيرا كما ساعدها وجود والديها وصديقتها شروق..
شروق الحبيبة, ربما لو رزقها الله بشقيقة لم تكن لتفعل
معها مثل شروق بل ربما لم تكن لتحبها مثلها .
شردت بعينيها للماضي تحديدا بالجزء الأخير لها
من الجلسات لدى المعالجة النفسية ..
كانت عائدة من إحدى الجلسات ليتقاطع طريقيهما مرة
أخرى.. وعلى الرغم أنها شعرت ببعض التزعزع إلا أنها لم
تظهر له أي شيء بل ومحت هذا الشعور بلحظته وهي ترمقه
ببرود وهو يقف أمامها يمنعها من المرور ..
"خير؟!"
سألته ببرود ليجيبها بابتسامة كانت تراها يوما ساحرة
لتراها بهذه اللحظة سمجة مثله:
"وحشتيني!"
لحظة.. هل نبض قلبها؟!
أبدا.. لم يحدث شيء, لا تشعر بشيء على الإطلاق سوى
ربما بعض الإنزعاج من صوته الذي كانت تحبه يوما
لتكتشف أنه مزعج ومخادع مثله ..
"عايز ايه يا أسامة؟"
واجهته بهدوء ليجيبها:"عايزك متكرهنيش يا دارين,
وماتنسيش اللي كان بينا"
رمقته بعدم فهم:"ايه اللي كان بينا ده؟"
"حبنا يا دارين, انا متاكد انك مانسيتهوش"
أطلقت ضحكة ساخرة وهي تقول:
"حقيقي ضحّكتني جامد, انتي بتستعبط وال عندك
زهايمر؟!"
همّ بالحديث لتشير إليه قائلة:"مكنش بينا غير خطوبة
وانت حلّتها, يعني خلاص أي حاجة كانت بتجمعنا
انتهت ومعدش ليك وجود في حياتي ولا هيكون"
"كدابة, انتي لسه بتحبيني.. بصي في المرايه وشوفي
لمعة عنيكي أول ماشوفتيني, شوفي نظراتك ليا عاملة
ازاي؟ كلها حنين ليا ولأيامنا وحبنا"
هذه المرة أطلقت ضحكة عالية التفت على إثرها عدة
أشخاص كانوا يمرون بالقرب منهم لتتمالك نفسها وهي
تقول:"انت مصدّق نفسك؟! لا بجد يعني مصدّق اللي
انت بتقوله فعلا؟! بص هنصحك نصيحة يا أسامة
بحق العِشرة يعني وكده.. روح لدكتور نفسي هيريحك
اوي ان شاء الله"
همّ بالحديث لينتفض على صوت أتى من خلفه:
"أيوة هيريحك على الآخر, راحة أبدية إن شاء الله"
ضحكت بقوة وهي ترمق شروق تحذّرها من المتابعة
لتجذبها شروق من يدها وهي تتابع:
"ياللا يادارين اتأخرنا على السينما.. عازماكي على فيلم
عودة البغل" .
انتبهت من أفكارها على صوت مألوف يقول:
"أكيد سرحانة فيا صح؟ اوعي تنكري"
رمقته بدهشة ثم مالبثت أن ابتسمت بمرح وهي تقول:
"لا زاي أقدر أنكر برضه؟ أكيد طبعا سرحانة فيك"
"بجد؟!"
سألها بلهفة لتومئ وهي تقول:"طبعا انت عندك شك
وال ايه؟"
شعر أنها تسخر منه فرمقها بريبة فضحكت وهي تقول:
"هو انت كده على طول؟!"
سألها مبتسما:"كده ازاي؟"
حاولت البحث عن كلمة مناسبة ولكنها لم تجد فرمقته
وكأنها تستعين به وهي تقول:"متهوّر!"
"قصدك مجنون"
قالها غامزا إياها بمرح فلم تملك إلا أن تضحك وهي
تقول:"أنا آسفة.. مش قصدي"
ضحك عاليا وهو يقول:"لا أبدا.. مش أول واحدة تقولي
كده"
لاحظ الضيق الذي اعتراها فتابع بهدوء:
"أمي على طول تقولي إني مجنون, مش جديدة عليا
الكلمة يعني, مش قولتلك هتتفقي معاها اوي"
عادت الابتسامة إلى وجهها وهي تتساءل بداخلها عن سر
الضيق الذي اعتراها عندما لمّح إلى وجود أخرى على
الرغم أنه ليس من حقها الشعور بالضيق أبدا .
أشاحت بوجهها عن عينيه المحدقتين بها بتركيز ليقع
بصرها على (العروسة) كما تدعوها شروق لتجدها واقفة
مع أحدهم وعلى مايبدو أنه (العريس).. ابتسمت بعفوية
وهي تتذكر حديث شروق عنهما لتسمع همسة بجانب
أذنها:"لما بتضحكي بحس إن كل حاجة حوالينا
بتضحك, اوعي تبطّلي تضحكي مهما حصل"
علقت أنفاسها وهي تشعر بقلبها ينبض بقوة فرفعت كفها
لتضعه على قلبها دون شعور لتسمعه وهو يغادر
تاركا إياها بعدما بعثر مشاعرها بعفويته .
****
استيقظ من نومه وحيدا كعادته بالأيام السابقة.. ينام
وحيدا ويستيقظ وحيدا ولا يفهم ما الذي حدث ليغيّرها
هكذا دون سابق إنذار.. هو يحاول التماسك وفهم ما
يعتريها ولكنها لا تمنحه الفرصة أبدا وتتهرب من
الجلوس معه دوما..
زفر بحنق وهو يستلقي مرة أخرى يفكر أن شهر العسل
تحوّل لمطاردة من جانبه وصمت مطبق من جانبها!
شرد بهذا اليوم الذي وافق به على تأجيل الزواج على
الرغم من عقد القران حتى أنه غادر المنزل من أجلها
بعدما آلمه قلبه عليها ومنها .
بعد حديثه مع شقيقه اتجه لغرفتها حتى يخبرها أنه لن
يجبرها على شيء أبدا ولكنه تجمّد مكانه وهو يسمعها
تقول لوالدته بنبرة باكية:
"يعني يا عمتو أنا مش زي أي بنت, نفسها تتخطب لفترة
وخطيبها يدلّعها ويزورها ويخرّجها؟ يجيبلها هدية ويعملها
مفاجأة مرة.. ليه مش قادرين تحسوا بيا؟! يعني عشان أنا
ماليش أهل هتحرم من كل حاجة بتحلم بيها البنات!"
ضمّتها عمتها بحب وهي تقول:"اخص عليكي يا جويرية
يعني احنا مش أهلك؟! نضال نفسه مش دايما تقوليلي
أن هو أبوكي وأمك وأخوكي وكل حاجة عندك!
ايه اللي حصل وخلّاكي تغيّري رأيك كده؟!
قوليلي بصراحة يا جويرية انتي مش عايزة
نضال؟ اوعي تكوني مغصوبة عليه عشان ماتزعلناش
او الكلام العبيط اللي انتي بتقوليه ده! اوعي تكوني
بتحبي اللي اسمه عمرو ده! صارحيني يا جويرية وانا
هعملك كل اللي انتي عايزاه"
"انا عمري ما حبيت غير نضال يا عمتو, وعمري ما اتخيلت
نفسي زوجة لحد غيره.. بس, أنا حاسة ان هو اللي مش
عايزني.. اتجوزني شفقة على حالي وال يمكن عشان
عرف اني بحبه فعطف عليا وقال اتجوزها الأقربون أولى
بالمعروف.."
ضحكت عمتها وهي تقول:"تصدقي اول مرة أعرف إنك
هبلة.. هو فيه حد بيتجوز شفقة يابنتي؟! افهمي ان
الرجالة مخلوقات أنانية جدا يعني لو مابيحبكيش
وعايزك له عمره ما هيتقدملك حتى لو انتي دايبه
في هواه.. نضال بيحبك ومن زمان اوي يا جويرية بس
هو غبي والصراحة انا كمان طلعت غبية اني ماخدتش
بالي من الحب ده.. عشان لو اخدت بالي كنت وعّيته
ولو اني عارفاه غبي وكان هيفضل يآوح برضه ويقول
جويرية بنتي واختي والكلام الاهبل ده.."
ضحكت جويرية لتختفي ضحكتها وهي تراه يدلف
للغرفة دون استئذان وكأن الأيام عادت بهما مرة أخرى
"انا بقول فلنكتفي بهذا القدر يا أمي لاحسن انتي
روّقتيني على الآخر, من فضلك سيبيني مع جويرية
لوحدنا شوية"
نهضت وهي ترمقه بتحذير ترجمه لسانها على الفور
"ماتتأخرش, مش عشان كتبت الكتاب خلاص"
ضحك بخفة وهو يرفع يده باستسلام:"حاضر يا أمي,
ولو اني بدأت أشك انتي أمي وال حماتي"
ابتسمت ترمقهما بحنو وهي تقول:"الاتنين, طول مانت
مريحها هتبقى ابني حبيبي, حاول بقى تزعّلها هتلاقي
الجزء التاني من حموات فاتنات على طول"
هتف بمرح:"لا وعلى ايه؟ الطيب احسن.. عمري مازعلها
ان شاء الله"
خرجت وتركتهما ليلتفت إلى جويرية التي أخفضت
بصرها للأرض وهو يقول بمرح بينما يقترب ليجلس
بجوارها على الفراش:"عمتك عايشة بدور الحما على
الآخر, شكلي هعجّل بجواز عمرو عشان تلاقي
حد تعمل عليه حما غيري"
ابتسمت لكلامه ولكنها لن ترفع بصرها ففلت منه
تنهيدة طويلة قبل أن يهمس لها:"مش مصدق يا جويرية
انك بقيتي خلاص مراتي.. حاسس اني بحلم حلم جميل
اوي ومش عايز أفوق منه أبدا"
توردت وجنتيها فحطت شفتيه على وجنتها القريبة منه
بعفوية وهو يهمس:"اممم لذيذة"
"نضال!"
همست بحشرجة فابتسم لخجلها وهو يقول:"قلب نضال,
برضه بتتكسفي؟ افكرك بقى لما كنتي...."
انتفضت قائلة بغيظ:"خلاص يا نضال, اهو ده عيب اللي
تتجوز واحد قريّب منها وعارف عنها كل حاجة"
"بس أنا مش قريّب منك!"
التفتت له بعدم فهم لتجد وجهه على بعد إنشات من
وجهها فارتدت للخلف بخجل ليقرّبها منه مرة أخرى وهو
يهمس بجانب أذنها:"أنا مش حد قريب منك يا جويرية,
أنا نصّك التاني"
نبض قلبها بقوة وهي غير قادرة على الابتعاد عنه ليزفر
بقوة وهو يقول مبعدا نفسه عنها متظاهرا بالمرح:
"عايزة الفرح امتى يا بنّوتّي؟!"
"بعد 6 شهور"
صُدِمَ بقوة فارتد للخلف وهو يهتف:"ايه؟! 6 شهور يا
جويرية؟ ليه لسه هتعرفيني وال هتدرسي أخلاقي؟
راعي فرق السن اللي بينا والحقي اتجوزيني قبل
ما اعجّز يابنتي"
ضحكت بقوة على أسلوبه ليبتسم وهو يقول:
"طب ايه رأيك نقسم البلد نصين؟!"
رمقته بعدم فهم فقال:"يعني خلّيهم 3 شهور وأمري لله"
فكرت للحظات قبل أن تقول:"ماشي"
رمقها بعدم تصديق وهو يقول:"وافقتي بجد؟!"
ضحكت بقوة وهي تقول:"عايزني أرفض وال ايه؟!"
"لا طبعا.. بس قولت هحتاج مجهود وهستخدم سحري
وكده"
ابتسمت بمرح وهي تقول:"عشان تعرف بس انت غالي عليا
اد ايه"
اقترب منها هامسا:"أد ايه؟!"
ارتبكت من قربه فلم يتمالك نفسه ليختطف قبلة
خفيفة من ثغرها قبل أن يُبعِد نفسه بقوة عنها ويغادر
دون كلمة أخرى .
ثلاثة أشهر ابتعد عن المنزل فيها فقط ليدللها كما أرادت
فكان يذهب لها موعد ويرافقها للخروج بموعد.. حتى
الحديث بالهاتف كان بموعد كأي خطيبين ..
فعل كل ذلك من أجلها, من أجل ألا تشعر بالاختلاف
والحزن من وضعها وهي كادت تحلّق من السعادة بما
يفعله معها إذا ما الذي تغيّر؟!
هناك ما حدث بالزفاف جعلها تبتعد عنه بعدها!
حتى ليلة زفافهما قضتها بأحضان والدته بحجة أنها
المرة الأولى التي تبتعد عنها بها ولم يعترض على
الرغم من غيظه الشديد إلا أنه تمالك نفسه وهو
يعدها بينه وبين نفسه بتخليص كل ما تفعله منها
فيما بعد.. ولكن حتى صعودهما على متن الباخرة لم
يغيّر من الأمر شيئا.. تتظاهر بالمرض وتتحاشاه, حتى
اقترابه منها تحججت أنه لا يصلح بهذه الفترة وهو لا يعلم
إذا كانت حقا كما تقول أم أنه جزء من خطة الابتعاد
عنه!
زفر بحنق وهو ينهض ليبدّل ملابسه فقد اقترب وقت
الغداء وبالتأكيد سيجدها بمكانها المفضّل على سطح
الباخرة شاردة كما كل يوم .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (عيناك لي المرسى) اسم الرواية