Ads by Google X

رواية جبل النار الفصل الحادي عشر 11 - بقلم راينا الخولي

الصفحة الرئيسية

 رواية جبل النار الفصل الحادي عشر 11 - بقلم راينا الخولي

جبل النار 
رانيا الخولي 
الفصل الحادي عشر 
………………

تصلب سليم في وقفته عندما وجدها أمامه تقف أمام المقود غير منتبه لوجوده
ازدرد لعابه بصعوبة وهم بالعودة لكن قدماه أبت ذلك وكأنها ترفق بقلبه الذي ارهقه الشوق
يبدوا أنها كانت شاردة مثله حتى لم تنتبه لفوران اللبن وانسكب اغلبه على المقود
انتبهت له أخيرًا وقامت برفعه عن النار دون حاجز بينه وبين يدها فتصدر منها صرخة جعلتها هزت ذلك الجبل الصامت
استدارت ناحية المبرد كي تخرج ثلج تضعه على يدها كي يلطف الحرق قليلًا 
وما إن استدارت حتى صدرت منها صرخة عندما وجدته أمامها
فتمتمت باعتذار
_انا اسفة بس اتفاجئت بحضرتك مش أكتر.
همت بالتحرك لكنه اوقفها بحزم
_خليكي مكانك.
اهتزت نظراتها عندما وجدته يقترب منها ناظرًا إلى يدها التي أصيبت بحرق طفيف لكنه شعر به يكوي قلبه 
أخفت يدها خلف ظهرها عندما مد يده ليدها فبوغت بفعلتها ورفع عينيه إليها قائلاً 
_وريني ايدك.
ازدردت جفاف حلقها وتمتمت باهتزاز
_مفيش حاجة دا حرق بسيط
تطلع إليها لحظات قبل أن يقول بلهجته الحازمة
_قلت وريني.
لن تستطيع الوقوف أمامه بنفس صموده لذا حسها عقلها على أن تلوذ بالفرار من أمامه لكن قلبها الأهوج أراد أن ينعم بلحظة مسروقة من الزمن معه.
رفعت يدها المصابة وتمتمت برهبة 
_بسيط.
نظر إلى أناملها المصابة ثم تحدث بأمر
_تعالي ورايا.
بأقدام كالهلام سارت وعد خلفه فوجدته يتجه إلى غرفته 
فكرت في التراجع لكنها تعرفه جيدًا لن يتركها تهرب منه كما فعل من قبل.
دلفت الغرفة وتركت الباب مفتوح لكنه تحدث بأمر
_اقفلي الباب.
اقفلت الباب منصاعة إليه ثم أشار لها بالتقدم بعد أن خرج من المرحاض يحمل قنينة صغيرة 
تقدمت منه بأرجل مهتزة وتطلعت إليه فتجد أنه يجاهد كي يبعد نظراته عنها
جبل الجليد كما أطلقت عليه ولا تدري شيئاً عن النيران التي تشتعل بداخله.
بحنو بالغ فقد السيطرة عليه قام بوضع الدهان عليه فتتلامس اناملهم وكلاً منهم يتظاهر بالصمود أمام الآخر.
كلاهما يشعر بنفس الشوق وبنفس الألم لكن ليس بوسعهم فعل شيء
هذا قدرهم وعليهم ان يرضخوا له 
دق ناقوس الخطر عندما استسلموا لنظراتهم فتتقابل العيون بعتاب أقسى من الكلام
طافت عينيه بملامحها التي ارهقته وجعلته لا يرى غيرها
وكأنها ساحرة ألقت تعويذتها على قلب لم يعرف الحب إلى قلبه سبيلاً 
وبدون إرادة منه احتوى يدها الواهنة بين يده وأصبحت لغة المشاعر هي السائدة بينهم
نزلت نظراته إلى عينيها بسوادها القاتم كما حال خصلاتها
وترجلت بتباطئ حتى وصلت لثغرها بطلاءه الطبيعي وهنا عاد الناقوس يدق بشدة منبهاً إياهم لخطر مدمر لذا عاد يرسم الجمود على ملامحه وغمغم بأنفاس مضطربة 
_اطلعي برة.
بوغتت بأمره وهمت بالتحدث لكنه منعها بحزم 
_اطلعي واقفلي باب اوضتك كويس يا إما مش هكون مسؤول عن اللي ممكن يحصل.

لم تفهم مقصده لمدى براءتها
واخفضت عينيها بقهر ثم انسحبت من أمامه وخرجت من الغرفة فلم يجد أمامه سوى الطاولة الرخامية كي يخرج بها غضبه فأطاح بها لتتهشم على الأرض وحينها عاد لوجومه.
هكذا انشأ وهكذا شب
ألا يظهر مشاعره ولا يبديها لأحد حتى لو ملك روحه.
المشاعر ضعف وهو لا يريد أن يظهر ضعيفاً عليه أن يكون دائماً موضع قوة..

❈-❈-❈ 

ظلت أسيل مستلقية على الفراش لا تدري شيئاً من حولها وداغر جالسًا بجوارها يمسك يدها بقلق
يعاتب نفسه على تهوره وأنه السبب في مرضها.
وضع يده على جبينها فلاحظ أنها هدئت قليلًا 
ملس بأنامله على وجنتها غزاها احمرار خفيف من شدة الحرارة 
لا يعرف ماذا فعلت به حتى اسقطته صريعاً لها 
لقد وصل عشقه لها حد الجنون وكأنها أصبحت قطعة من روحه إن فارقته قد تفارق روحه معها.
قرب يدها من فمه يطبع عليها قبلة بث فيها مدى عشقه لها.
لن يتركها تبعد عنه وسيفعل المستحيل كي تكون له.
ترك يدها عندما
دلف چاك وهو يحمل الحساء وقال لداغر
_اجعلها تستيقظ كي تتناول الحساء فالادوية التي تناولتها تحتاج لغذاء جيد.
شكره داغر وتناوله منه ثم وضعه جانبًا كي يوقظها أولًا
فقد قاربت الشمس على المغيب وهم مازالوا على متن الجزيرة 
قد هدئت الحرارة لكن مازال جسدها لا يقوى على الحراك.
_أسيل قومي ياحبيبتي عشان تاكلي.
غمغمت أسيل بوهن
_يادادة سيبيني عايزة أنام.
وضع يده أسفل ظهرها يجبرها على النهوض وقال بغيظ
_لا انا عم عثمان مش دادة يلا اشربي الشربة دي عشان تفوقي شوية
حاولت الرفض لكنه أصر ووضع الوسادة خلف ظهرها فتمتمت بوهن
_مش قادرة يا داغر أرجوك سيبني أنام.
_معلش لازم تاكلي عشان العلاج اللي اخدتيه.
وافقت مجبرة ثم أصر داغر على أن يطعمها  بيده رغم تمنعها وجعلها تتناوله بأكمله
وضع الطبق جانبًا ثم سألها
_ها أحسن دلوقت؟
أسندت رأسها على الوسادة خلفها وقد بدأت تسترد وعيها قليلاً وقالت بوهن 
_حاسة بألم شديد أوي في جسمي.
_ده من اثر السخونة بس الحمد لله هدت شوية.
وضعت يدها على رأسها تشكو من ألمه ثم سألته
_هي الساعة كام دلوقت؟
نظر بساعة يده وتفاجئ بأنها تعدت الخامسة
_الساعة خمسة ونص.
شهقت بصدمة وسألته
_معقول انا نايمة كل ده، انا لازم أرجع دلوقت.
همت بالنهوض لكن الدوار أشتد بها ولم تقوى على الحركة.
_اهدي ياأسيل للأسف مينفعش نرجع دلوقت.
ردت بإصرار رغم وهنها
_لأ لازم أرجع دادة هتقلق عليا وممكن تتصل على سليم تقوله.
لم يفكر في ذلك الأمر حقًا 
لكن أيضًا لن يستطيعوا العودة الآن وهي بتلك الحالة ستزداد حالتها سوء
_انا هتصرف واتواصل مع حد يروح لها البيت ويعرفها.
وافقت أسيل مجبرة بسبب الألم الذي اجتاح كامل جسدها 
عدل داغر من وضع الوسادة خلفها عندما لاحظ رغبتها في النوم وقال بحنو لم ترى مثله من قبل
_نامي ومتقلقيش من اي حاجة.
أومأت اسيل وهي تحاول فتح عينيها بصعوبة، فقد اغدقها باهتمام افتقدته حقًا.
جذب داغر عليها الغطاء عندما استسلمت للنوم وخرج هو ليطلب من چاك الاتصال له بأحد معارفه.
❈-❈-❈

ظلت أمينة تزرع الردهة ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ فقد تأخر الوقت ولم تعود حتى هاتفها قيد الإغلاق 
لم يكن أمامها سوى الإتصال بحازم كي يتصرف هو 
اسرعت بفتح الباب عندما سمعت صوت السيارة بالخارج فظنت انها عادت لكن خاب أملها عندما وجدته حازم الذي ترجل من السيارة وتقدم منها يسألها بقلق
_خير يا أمي في ايه؟
اخطأت حينما بعثت له لكن ليس أمامها غيره فقالت بريبة
_أصل بصراحة أسيل خرجت من الصبح ومرجعتش لحد دلوقت.
تطلع حازم في ساعته ليجدها تعدت الثامنة 
سألها بقلق
_مقالتش هي رايحة فين؟
ازدردت جفاف حلقها بوجل لكن ليس بوسعها فعل شيء سوى مصراحته 
_أصل.. أصل.. يعني.
تحدث حازم بنفاذ صبر
_أصل ايه وفصل ايه ما تقولي يا أمي؟
_بصراحة أسيل اتعرفت على كابتن بحار وهي راجعة، ومن وقت ما جات هنا وهما بيتقابلوا، بس النهاردة من وقت ما خرجت الصبح مرجعتش.
كان حازم يستمع لها وشياطين الدنيا تتراقص أمامه من شدة غيرته وقال باحتدام
_وانتي ازاي يا أمي تسمحي بالمهزلة دي؟
تحدثت أمينه بقلة حيلة
_اعمل ايه بس، البنت لأول مرة بشوف السعادة في عينيها ومن كلامها عنه حسيت انه انسان كويس وفعلاً بيحبها.
اهتاجت اعصابه أكثر من حديثها عنه وسألها بانفعال
_اسمه ايه؟
_معرفش كل اللي اعرفه عنه اسمه داغر وكابتن سفينة مش أكتر.
خرج حازم من المنزل وهو لا يرى أمامه من شدة غضبه
وتوجه إلى الميناء كي يعرف معلومات عنه
وجد أحد الأمن واقفًا على البوابة الرئيسية فتقدم منه يسأله
_لو سمحت السفينة اللي هتطلع مين الكابتن اللي هيبحر بيها، لأني عندي فوبيا من البحر وعايز اسافر وانا مطمن.
رد الرجل برحابة
_من حظك الكويس بقا ان كابتن داغر هو اللي هيطلع على السفينة الجاية دي وده بقا أفضل قبطان في الميناء كلها.
استدرجه حازم اكثر
_بس انا سمعت عنه انه يعني اخلاقه مش كويسة…
قاطعه الرجل بنفي
_لا كابتن داغر ده حاجة تانية شخصية محترمة جدا وابن ناس اكابر وعيلة كبيرة في اسكندرية.
_هو ساكن فين؟
هز الرجل رأسه
_مش عارف بصراحة(أشار على أحد العمال) بس عم حسن هو اللي عارف العنوان 
نظر إلى حيث يشير فوجده رجل كبير السن ويغلق أحد الأبواب فتقدم منه يسأله بتهذيب
_انت تعرف عنوان الكابتن داغر أصلي عايزه في موضوع مهم جدا.
رد الرجل بقلق
_خير يا ابني في حاجة.
حمحم حازم باحراج وقال 
_حاجة خاصة مش هينفع اتكلم فيها بس حقيقي الموضوع مهم.
وافق الرجل وأملاه العنوان بحسن نية وانسحب حازم متواجهًا إليه

ذهب إلى المنزل الكبير وسأل حارس الأمن
_السلام عليكم 
رد الحارس السلام ثم سأله 
_كابتن داغر موجود؟
_لأ مش موجود من وقت ما خرج الصبح باليخت وهو مرجعش.
زم حازم فمه يحاول السيطرة على غضبه ثم سأله 
_هو متعود يغيب كدة في البحر.
_ده العادي بتاعه، تحب تسيبله رسالة لما يرجع؟
_لأ انا هجيله مرة تانية.
عاد حازم إلى المنزل وهو لا يرى أمام عينيه من شدة الغضب 
سألته امينة ما إن دخل المنزل
_عملت ايه ياحازم؟
أجاب حازم وهو يجلس على المقعد مستندًا على مرفقيه
_ملوش اثر، وانتي ازاي ياأمي توافقي على المهزلة دي.
_اعمل ايه بس، انا لما شفت السعادة اللي باينة عليها مقدرتش امنعها، أول مرة أشوفها مبسوطة كدة.
اشتعلت نيران الغيرة بقلب حازم ونهض يوليها ظهره قائلاً بانفعال
_بس ده برضه ميدكيش الحق انك تسيبيها تعمل كدة
استدار لوالدته وسألها بانفعال أشد ناتج عن غيرته
_نعرفه منين عشان تثقي فيه بالشكل ده وتسيبيها تخرج معاه كل يوم.
رمقته أمينة بضيق 
_احنا هنفضل نتكلم  كتير وسايبين البنت كدة
انتبه كلاهما لصوت الباب فذهب حازم لفتحه فإذا به شاب يقول
_مش ده منزل الآنسة أسيل 
رمقه حازم بشك وسأله
_انت مين؟
رد الشاب بتهذيب
_انا جاي من طرف كابتن داغر طلب مني اطمنكم عليها لأن المركب عطلت بيهم والصبح ان شاء الله هيوصلوا بالسلامة.

زم حازم فمه يحاول ضبط اعصابه فأومأ للشاب الذي انصرف مستقلاً سيارته وانطلق بها 

❈-❈-❈

عاد داغر إليها فيجدها مازالت غارقة في سباتها
وضع يده على جبينها فوجد الحرارة انخفضت أكثر 
شعرت به أسيل وفتحت عيونها بتثاقل وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة
أمسك داغر يدها واسرها بين يديه ينظر إليها بحب لم يشعر بمثله من قبل
نعم عرف الكثير والكثير لكن هذه وجد بها كل ما أراده.
ظل على حاله حتى أشرقت شمس الصباح تحاول التسلل خلسة من بين الستائر التي حجبتها عنهم
تململت أسيل في نومتها وفتحت عينيها لتجد عينين كغيوم السحاب آسرة تنظر إليها بعشق جارف
انشق ثغرها بابتسامة مشرقة اشرقت معها شمسه  
فتمتم داغر بحنو وهو يقبل يدها
_صباح الورد.
اسبلت جفنيها تومأ له ثم سألها
_بقيتي أحسن دلوقت؟
خرج صوتها متحشرجًا من أثر التعب
_أحسن بكتير (اخفضت عينيها بإحراج) تعبتك معايا.
_متقوليش كدة وبعدين انا السبب في التعب ده لو مكنتش نزلتك المايه مكنش حصل اللي حصل.
تطلعت أسيل لساعة يدها فوجدتها قد تعدت الثامنة صباحاً 
نهضت رغم تعبها وهي تغمغم 
_انا لازم ارجع دلوقت عشان دادة زمانها قلقانه عليا.
❈-❈-❈
ساعدها داغر للصعود على متن اليخت ثم أعد لها مشروب ساخن كي يدفئها.
طرق الباب فسمحت له بالدخول
دلف داغر بابتسامة مشرقة أشرقت روحها.
_عاملة ايه دلوقت؟
اعتدلت أسيل في رقدتها فسحب هو مقعد ليجلس عليه بجوارها فتمتمت بامتنان
_متشكرة أوي على اهتمامك ده.
رفع حاجبيه متسائلاً بمكر 
_إنتِ شايفه ده اهتمام؟ أصل أنا شايفه حاجة تانية.
ناولها الكوب وهي سألته بحيرة 
_حاجة تانية ازاي؟
ابتسم وقال بخبث
_حب مثلاً.
تطلعت للكوب بين يديها وقالت بحزن
_بالنسبة ليا انا معرفش افرق بين الاتنين….رفعت عينيها إليه…..لأني مـجربتش حاجة منهم.
كل شيء وكل حديثها يؤكد أنها مرت بحياة صعبة للغاية وكعادته بها لن تبوح بشيء لذا غير مجرى الحديث قائلاً 
_بقولك خلصي الكباية دي ونامي وانا هطلع فوق لأن الشيطان شاطر وبدأ يلعب في دماغي.
اومأت له بابتسامة فخرج من الغرفة وانهت هي مشروبها وعادت للنوم.

أوقف سيارته أمام المنزل وتطلع إليها باسف قائلاً 
_للأسف الرحلة خلصت ومعرفناش نستمتع بيها.
ابتسمت أسيل وتمتمت بوهن
_يبقى نعوضها مرة تانية.
تمتم باستياء
_تتعوض فين بقا، انا مسافر بكرة الصبح ومش هاجي إلا بعد ١٥يوم، ومؤكد هلاقيكي رجعتي القاهرة وهناك مش هنعرف نتقابل.

تناست أسيل ذلك الأمر فقد تلاشى كل شيء من تفكيرها تلك الفترة التي قضتها معه فقالت بأمل
_هحاول اقنع بابا واجي تاني قبل ما ترجع.
افترى فمه عن ابتسامة 
_بجد؟
اومأت له وهمت بالترجل لكنه تحدث برجاء
_هستناكي بكرة في المينا اشوفك قبل ما أسافر.
أهتزت نظراتها وتمتمت برفض
_مش هينفع انا مش بحب لحظات الوداع دي، وبعدين دادة مش هتوافق بعد اللي حصل.
نظر إليها برجاء
_نفسي تكوني اخر شيء جميل اشوفه وانا مسافر.
اتسعت ابتسامتها ولم تستطيع الرفض حينها فقالت بتسويف
_هحاول.
همت مرة أخرى بالترجل لكنه امسك يدها ليطبع قبلة حانية على باطنها وتمتم باشتياق
_هتوحشيني.
أومأت له بعينيها ثم ترجلت من السيارة فتتفاجئ بحازم يخرج من بوابة المنزل وحينها شعرت بأن دلو من الماء البارد سقط عليها
ازدردت لعابها وانتبهت لتوقف سيارة داغر فعلمت حينها بأن لم تتصرف بحكمة ستقوم مشادة بين الإثنين 
همت بالتحرك لكنها شعرت بأن قدمها كالهلام لا تقوى على السير 
لكن تحاملت وناشدة قوتها الواهنة أن تساعدها على الهرب من مشادة العيون تلك 
سارت بضع خطوات لكنها كانت تقربها من حازم الذي وجه نظراته إلى داغر والذي بدوره ترجل من السيارة كي ينادي عليها
_أسيل
التفتت إليه بأعين مهتزة وتطلع هو إلى حازم متحدثًا بلهجة واضحة التحدي
_ابقى طمنيني عليكي، وإن احتاجتي أي حاجة كلميني أنا.
هزت راسها بإيماءه بسيطة ثم واصلت سيرها حتى مرت من جوار حازم الذي أمسك ذراعها يمنعها من الدخول مما أشعل نيران الغضب في قلب داغر وخاصة عندما قال لها
_كنتي فين؟
أجفلت أسيل عندما سمعت صوت صفق باب السيارة تلاها يد جذبتها بكل قوة لتخفيها خلف ذلك الظهر العريض وصوته الهادر يدوي
_إن إيدك اتمدت عليها تاني أقسم لك إني هخليك تتحصر عليها.
لم يصمت حازم أيضاً وصاح به
_انت واقف قدامي وبتهددني بصفتك ايه؟
بوغت داغر بسؤاله وأراد في تلك اللحظة أن يخبره بأنه مالك قلبها لكنه تراجع عندما سمع ذلك الصوت الحازم
_أسيل.
التفتت أسيل لأمينة التي وقفت تنظر إلى الموقف باستياء فجذبت يدها من يد داغر وأسرعت باللولوج للداخل
تقدمت منهم وتطلعت إلى حازم قائلة بحزم
_اتفضل ياحازم لأنك اتأخرت على المستشفى.
هم بالاعتراض لكنها أصرت بحزم
_قلت يلا.
استقل سيارته وهو ينظر لداغر بتوعد ثم انطلق بها 
نظرت أمينة إلى داغر وتحدثت بتروي
_متشكرة أوي إنك تعبت نفسك ووصلتها لحد البيت، لحد هنا واتفضل انت كمان.

استطاع داغر التحكم باعصابه وعدم خوض جدال معها كي لا يخسرها فانسحب بهدوء وعاد إلى سيارته.

دلفت أمينة غرفة أسيل فوجدتها جالسة على المقعد ويبدو عليها التوتر
وعندما رأتها أسيل أسرعت إليها 
_عملتي ايه يا دادة؟
رمقتها بعتاب 
_ايه اللي انتي عملتيه ده يا اسيل؟ دي اخرت ثقتي فيكي؟
رمشت بعينيها وقد أخجلها عتاب أمينة ثم تمتمت 
_كان غصب عني يادادة، انا تعبت أوي ومقدرش يرجع بيا إلا لما خفيت.
_وبيتي معاه فين؟
نفت أسيل سريعًا وبررت قائلة
_الموضوع مش كدة خالص، كل الحكاية إني تعبت ….
قاطعتها أمينة باحتدام
_تعبتي يبقى يرجعك ويجيبك هنا او يوديكي المستشفى انما انه يبيتك معاه ده غلط وغلط كبير اوي كمان، ازاي جاتلك الجرئة وتسمحي لنفسك بده
بررت أسيل لنفسها قبل ان تبرر لها
_انا مكنتش في وعيي لأني كنت سخنة أوي 
تلاعب الشك في قلب امينة حتى تداركته أسيل وصححت قائلة
_بس مكناش لوحدنا، الحارس بتاع المنارة كان موجود، وبعدين انا مش صغيرة واقدر احافظ على نفسي كويس اوي.
ردت امينة بتهكم
_وكنتي هتحافظي على نفسك ازاي بقا وانتي بتقولي مكنتيش في وعيك.
اخفضت أسيل عينيها مما جعل أمينة تهدئ من انفعالها عليها وتقدمت منها لتقول بروية
_يا أسيل انا خايفة عليكِ، واللي بتعمليه ده غلط، حياة الجامعة اللي عيشتيها في ايطاليا غير الحياة هنا
هنا كل خطوة محسوبة عليكي وغلطة زي دي كانت ممكن تضيعك، ايه اللي كان يضمنلك أنه ميغدرش بيكِ وأديكِ بتقولي مكنتيش في وعيك.
نفت أسيل بثقة
_داغر مستحيل يأذيني.
_وعرفتي ازاي، من التلات ايام اللي قضيتهم معاه في البحر وانتي راجعه ولا الاربع ايام اللي خرجتيهم معاه هنا؟
تنهدت بتعب وتابعت بنصح
_يابنتي انا خايفة عليكي الدنيا مبقاش فيها أمان وده شاب حتى لو بيحبك وخايف عليكي ممكن يكون من النوع اللي بيضعف قدام رغباته ووقتها محدش هيجيب لوم عليه
اللوم كله هيكون عليكي.
تعلم جيدًا أنها لن تقتنع بنصحها لذا قالت بلهجة لا تقبل نقاش 
_احنا هنرجع القاهرة النهاردة 
حاولت أسيل الاعتراض لكن أمينة عارضت بحزم
_مش عايزة اسمع حرف تاني انا قلت هنرجع يبقى نرجع.

استسلمت أسيل لها وغادروا المكان بعد أن بعثت إليه رسالة تخبره بضرورة سفرهم للقاهرة
استمر غيابه عشرون يوماً ذاقت فيهم عذاب الاشتياق ولم يكن حاله افضل من حالها وهو يعد الدقائق حتى يعود لها

عاد والدها من سفره مع زوجته مما جعل أسيل تستاء من وجودها
فقد تزوج ابنة عمه بعد أن طلق والدتها.

دلفت مع والدها وهي تتأبط ذراعه بذلك الكبرياء والشموخ المعروف عنها
والتي تبالغ به في وجودها كأنها تخبرها بأنها هي الاحق به وأن والدتها لم تكن سوى غلطة دفع ثمنها 
لذلك تبالغ في ملابسها الباهظة الثمن والعمليات التجميلة التي ذهبت إلى الخارج كي تعود ابنة العشرون عامًا وقد كان لها حقًا ما أرادت.
تقدمت منها وهي تطرق بحذاءها ذو الكعب العالي فيصدر صوت اشمئزت منه أسيل ثم خلعت نظارتها فتظهر تلك الرموش الكثيفة حول عينيها التي تنظر إليها ببغض لم تستطيع ابتسامتها اخفاءه
_ازيك ياأسيل كان نفسي أكون موجودة لما رجعتي بس كنت في امريكا بعمل شوبنج وكنت مستنية بابي ييجي ياخدني.
أومأت أسيل بعينيها ثم تركتها وتقدمت من والدها لتقبله وبادلها هو بفتور كعادته 
_حمد لله على السلامة يا بابا.
وقفت شاهي تتطلع إليها وهي تقبل والدها والذي لم يهدئ فتوره معها تلك النيران التي تشتعل كلما وجدتها تقترب من والدها
تلك النسخة المصغرة من ليندا عليها ان تختفي من الوجود 
استئذن حسين وهو يقول باقتضاب
_أنا داخل المكتب 
تركهم دون ان يضيف كلمة اخرى وانتظرت شاهي حتى دلف وأغلق الباب خلفه فتتقدم من أسيل قائلة بتهكم
_انا قلت هترفضي ترجعي تاني بعد ما نفدتي بجلدك من هنا.
تحلت أسيل بالهدوء والذي تعلم جيدًا كم يستفزها وقالت ببرود
_عادي يا طنط ده بيتي ومسيري هرجعله.
اشعلت غضبها بتلك الكلمة وقالت باحتدام 
_انا مش نبهتك كتير متقوليش الكلمة دي؟
واصلت أسيل برودها
_اومال هقولك ايه، فرق السن بينا مش قليل فلازم اندهلك يا طنط
تقدمت منها تمسك ذراعها تهزها بغضب
_انتي قليلة الأدب
 وإن كانت ليندا معرفتش تربيكي انا اللي هعملها.
رفعت أسيل حاجبيها بدهشة مصطنعة 
_كل ده عشان قولتلك يا طنط؟ مش بدل ما اقولك يا ماما انتي ناسية انك أكبر منها بسنة؟
يعني لوكنتي اتجوزتي في سنها كان زمانك مخلفة أكبر من سليم.
لم تتحمل شاهي حديثها وهمت برفع يدها لصفعها لكن يد أسيل أوقفتها وهي تضغط على معصمها بقوة وتقول بتحذير
_أياكي تكرريها تاني لإني مبقتش أسيل بتاعة زمان.
تركت يدها وصعدت الدرج متجهة لغرفتها ونظرات شاهي الحانقة تكاد تقتلها بحدتها
حقًا لم تعد تلك الفتاة الضعيفة التي كانت تتحكم بها وبمصيرها
عليها ان تكسر شوكتها كي تعود كما كانت وتتخلص منها بأقرب وقت كما تخطط لأخيها.
ألقت نظارتها وتلتها الحقيبة ثم نثرت خصلاتها ودلفت غرفة المكتب وهي تدعي البكاء

 •تابع الفصل التالي "رواية جبل النار" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent