رواية حب رحيم الفصل الحادي عشر 11 - بقلم سمر عمر
” نظرة خجل.. ”
شعر بثقل جسدها فضحك ضحكة خفيفة ثم عاد بها إلى الطاولةِ لتجلس على المقعد واعطى لها كوب ماء تناولت منه الكثير ثم وضعته أعلى الطاولة وقالت دون أن تنظر إليه :
-عايزة أمشي حالًا
وضع شعرها خلف أذنها فانتفض جسدها من لمسته ليشعر بتوترها الزائد وتركها حتى لا يحدث لها شيئًا ..ثم حمل باقة الورد واعطاها إليها وحمل هو صندوق الفستان مستعدًا للذهاب فنهضت متجهه نحو الباب مهروله.. لحق بها بخطوات ثابتة وعقب خروجه ضغط على زر فتح السيارة لتختبئ منه داخلها ..جلس هو أمام المقود وقام بوضع الصندوق على قدميها ثم قاد السيارة.. كانت ترمقه بنظرات سريعة وتشعر بالتوتر والسعادة معًا و يا له من شعور رائع حقا تود أن يبقى هذا الشعور في القلبِ للأبد..
عند وصوله صف السيارة فحملت أغراضها وترجلت فترجل هو الأخير واتجه نحو الباب وفتحه وجاءت تدخل وضع ذراعه أمامها مانعًا إياها من الدخول.. فابتلعت لعابها بصوت مسموع وحركت شفتيها تكاد أن تتحدث ولكن توقفت الكلمات في حلقها ..أخذ منها صندوق الفستان ثم تركها تدخل و تركض إلى غرفتها فيما دخل رحيم مغلقًا الباب خلفه واتجه نحو غرفتها بخطوات ثابتة كانت هي دخلت وأغلقت الباب ..وقف أمامه يدقه قاطبًا جبينه متسائلًا :
-مش عايزة الفستان ؟
وضعت يديها على وجنتيها التي تتوهج من كثرة الخجل ثم فتحت الباب ومدت يدها وهي تطلب الفستان دون أن تنظر إليه ..ابتسمت عيناه وهبط برأسه وقبلها على يدها برقه.. اتسعت عيناها ساحبه يدها إليها وقالت بارتباك :
-الفستان لو سمحت
دخل الغرفة وألقى بالصندوق ليسقط على الفراش ثم أحاط خصرها وبيده الأخرى أغلق الباب وجعل ظهرها يلتصق به واضعًا يديه بجوار رأسها ..شهقت بخفه وحاولت أن تتجاوزه لكنهُ منعها وأخذت عيناه تفحص ملامح وجهها عشقًا ثم قال بنبرته الرجولية التي اهلكتها :
-عايز أسمعها تاني
دفنت وجهها في كفيها تومئ بالنفي فانحنى برأسه يقبلها على ظهر يدها لتتوتر أكثر وسحبت يديها فورًا عن وجهها ..تفاجأت بأنه قريب منها لدرجة كبيرة حتى يكاد أن يلامس شفتيها وانفاسها المضطربة اختلطت بأنفاسه الثابتة فوضعت يديها على وجهها ثانيةً وهي تترجى أن يخرج ..أطبق شفتيه على ظهر يدها ثانية لتشعر بدفئهما ثم رفع رأسه وقال بحسم :
-اسمعها تاني الأول وبعدها هخرج
أطرقت رأسها تجز أسنانها بشدة ثم قالت بتوتر شديد :
-بـ با ..بـ بحبك
أحاط خصرها بكلتا يديه فوضعت يديها على صدره محاولة إبعاده.. احتضنها أكثر لتلتصق في صدره وقال بلؤم :
-مسمعتش كويس
زفرت بغضب وحاولت التحرر من بين يديه وهي تقول بتذمر :
-لاء بقى متحلمش بأكتر من كده
شدد عليها أكثر بذراعيه القوية مستند بأنفه على وجنتها لتشعر بأنفاسه الثابتة تلفح وجنتها فاصطبغت بحمرة الخجل وهو يهمس :
-هحلم بأكتر من كده بمراحل يا ندى ..بحبك
ثم قبلها على جبينها بحنان وتمنى لها ليلة سعيدة وغادر الغرفة تاركًا إياها تتسارع مع أنفاسها التي تكاد أن تخرج من جسدها.. جلست على حافة الفراش تنظر إلى يديها التي ترتعش وكأنها كانت في حرب وبعد لحظات ابتسمت وكلمة ” بحبك ” لاتزال تتردد في أذنها بصوته الرجولي الذي خطف روحها
***
صباح اليوم التالي تناولت الفطار مع الاطفال في حديقة المنزل.. وبعد انتهاء الطعام ساعدت ريان على الصعود إلى غرفته وفتحت له ألعاب الفيديو يتسلى بها ثم نظرت إلى ساعة يدها قائلة :
-ساعة واحده بس يا ريان
لينظر إليها بتذمر طفولي قائلًا :
-ندى احنا خدنا الإجازة
أرتفع حاجبيها بتعجب وقالت ساخرة :
-قال يعني حضرتك طالع من ثانوية عامة ..دا أولى ابتدائي يعني يعتبر طول السنه اجازة اصلا..
ليلوي ثغره ثم تابع اللعب فقالت وهي واقفة أمام الباب :
-هجيلك كمان ساعة
ثم أغلقت الباب واتجهت نحو الدرج واستمعت إلى صوت رحيم لتشعر بنبضات قلبها العالية تدق في صدرها و وقفت أمام الدرج تنظر إليه ..كان يجلس على ركبتيه أمام أشرقت ويبدو أنهم يرون شيئا هي لم تراه ..هبطت الدرج واقتربت خطوتين فقط و وقفت تفرك في أصابع يديها بتوتر ..نظرت أشرقت إليها وأشارت إليها أن تأتي قائلة :
-ندى تعالي شوفي بابي جبلي أيه
التفت رحيم برأسه إليها وبمجرد أن وقع نظره عليها اتسعت عيناها وازدادت دقات قلبها ليصل صوتها إلى أذنيها ..استمعت إلى صوت ” مواء ” فعلمت أنها قطة فقالت بخوف :
-قطة ..لاء بخاف من القطط
نهض رحيم متجه نحوها وهو يقول بذلك الصوت الذي يجعلها تذوب به :
-حد يخاف من القطط ألا اذا كان رقيق وجميل زيك..
ثم أمسك بكفها وعاد إلى القطة فتوقفت عن السير وقالت بجدية :
-بخاف منها بجد
جلس على ركبتيه وأجلسها معه وهي شبه مختبئة خلفه ثم وضع يدها على رأس تلك القطة البيضاء فشهقت بخوف وبيدها الأخرى تشبثت في معطفه من الخلف ليشعر بتشبثها به زابتسمت عيناه وتحدث سرًا :
-لو كان الخوف كده فلازم اخوفها كل يوم
ثم ترك يدها لتسحبها من على القطة فورًا ونهضت لتبتعد عنها فنهض هو الأخير وتقدم نحوها و وقف بجوارها هامسًا :
-جميلة حتى وأنتِ خايفة
ثم تركها واتجه نحو الدرج فيما ابتسمت ندى ومسحت على وجنتيها مستديرة بكلتها لتنظر إليه حتى دخل غرفته ..حملت أشرقت القطة وطلبت من ندى أن تأتي معها إلى الحديقة.. فخرج الاثنان و وقفت ندى عن بعد تجانبًا للقطة.. وضعت القطة أمامها فصرخت ندى وتراجعت للخلف خطوتين وهي تقول بجدية :
-أشرقت أنا بجد بخاف من القطط
ابتسمت أشرقت وقالت بمزاح :
-هو في حد بيخاف من القطط
ابتلعت ندى لعابها بصوت مسموع وفي لحظة قفزت القطة على قدمي ندى فصرخت بفزع وتعثرت وهي تتراجع للخلف في توتر فسقطت في حمام السباحة ..جحظت عيني الصغيرة وصرخت باسم ندى التي تطلب النجدة من الغرق وترتفع رأسها وتهبط ثانية عدة مرات ..اقتربت أشرقت من حمام السباحة و وجدت نفسها تبكي خوفا على ندى ثم ركضت إلى الداخل تنادي بهستيريا البكاء :
-بابي ..بابي..
خرج رحيم من غرفته فور سماعه لنداء أبنته بهذا الشكل وكان ماسكًا بسترته التي كان سيرتديها و وقف أمام الدرج ينظر إليها بلهفة قلق فقالت قبل أن يتحدث :
-ندى يا بابي هتغرق
اتسعت عيني رحيم تاركًا السترة تسقط أرضا وهبط الدرج بالقفز وخرج ليجد ندى مستسلمة للغرق.. قفز في المياه يسبح إليها ثم رفعها للأعلى و وضعها على الحافة.. خرج وجلس بجوارها على ركبتيه يربت على وجنتها برفق وهو يقول بخوف واضح :
-ندى ..فوقي يا ندى..
أخذ يضغط على مقدمة صدرها ثم مسح على شعره المبلل للخلف وهو ينظر إليها بقلق واضح.. وأخذ يحرك رأسه بالنفي وقال بنبرة ألم :
-لاء يا ندى فوقي ..ندى
شعر بأنه سيجن ثم انحنى واعطى لها تنفس صناعي وضغط على مقدمة صدرها ولكن بلا جدوى ..فجز أسنانه وبدا يضغط أكثر بجنون وقلبه يعتصر ألما فلم يطيق فراقها ثم بدًأ يهز رأسها وهو يقول بألم :
-لاء يا ندى ..ندى ..ندى مقدرش أعيش لحظة من غيرك
أعطى لها تنفس صناعي وعاد بالضغط على مقدمة صدرها فعل هذا مرتان حتى خرجت المياه من فمها وسعلت بقوة ..وضع يده أسفل رأسها وبيده الأخرى يمسح على وجنتها يتطلع إليها بعينين استحوذ الخوف عليهما ..نظرت إلى عيناه مباشرةً لترى ذلك الخوف في عيناه للمرة الأولى فابتسم لها ثم قبلها على جبينها وحملها على ذراعيه ليدخل بها.. في ذات الوقت كانت تدخل السيدة وفيه المنزل بعد أن جلبت طلبات البيت.. وعندما رأتهم تركت ما في يدها ولحقت بهما إلى غرفة ندى ..وضعها على الفراش برفق ثم وضع الغطاء عليها وصعدت أشرقت إلى الفراش وقالت بحزن :
-أسفه يا ندى
لتنظر إليها ومسحت دموعها وقالت بصوت مبحوح :
-متزعليش حبيبتي أنا كويسه
دخلت السيدة وفيه تساءل عن حالة ندى لينظروا إليها دون أن يتفوه أحد بكلمة فتعجبت وكررت سؤالها فقال رحيم بنبرة ألم :
-وقعت في حمام السباحة ..من فضلك اعملي لها مشروب دافي
ثم خرج تحت أنظار ندى التي يبدو عليها السعادة ونظرة الخوف التي رأتها في عيناه عالقة في ذهنها ..لم تفيق سوى على يد السيدة وفيه التي تمسح على شعرها وقالت :
-الحمد لله يا بنتي جت سليمة ..قومي غيري هدومك على ما اعملك ينسون
ثم خرجت مغلقة الباب خلفها فنهضت ندى وأخذت ثياب من الخزانة ثم دلفت إلى المرحاض ..بعد دقائق خرجت و وقفت أمام المرآة تمشط شعرها فقالت أشرقت :
-خليني أسرح لك شعرك
لتراها ندى في المرآة ثم التفتت متجه نحو الفراش وجلست بجوار الصغيرة واعطت لها الفرشاة لتمشط شعرها وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي ندى مستمتعة بتمشيط الصغيرة لها.. دخلت السيدة وفيه وضعت الكوب أعلى المنضدة الصغيرة المجاورة إلى الفراش ثم نظرت إلى ندى وقالت بحنان :
-اشربي وارتاحي شوية
اومأت موافقة فيما نظرت السيدة وفيه إلى أشرقت بابتسامة وعلمت كم هي تحب ندى حقا ثم بدلت بها ملاءة الفراش المبللة بأخرى وبعد لحظات ..دق الباب فنظرت ندى إليه بلهفة على أن الطارق رحيم وعندما أذنت وفيه بالدخول فتح رحيم الباب ليرى ندى التي اتسعت ابتسامتها فور رؤيتها له.. لكن أطرقت رأسها دخل وعيناه مثبته على ملكة قلبه والتي اوجعت قلبه عليها اليوم ..تساءلت السيدة وفيه :
-أنت خارج ؟!
لينظر إليها بطرف عيناه ثم عاد بالنظر إلى ندى قائلًا :
-أيوه أنا بس جيت اطمن على ندى قبل ما اروح المصنع..
ثم تناول الكوب ومد يده به إلى ندى قائلًا :
-اشربيه كله يا ندى
أخذت الكوب من بين يديه متمتمه بالشكر.. وقف ينظر إليها بحنان تحت أنظار كلا من ابنته والسيدة وفيه ولم يعطي لهما اهتمام ..يود أن يحتضنها ويخبرها أنه يحبها كثيرًا ويطمئنها على نفسها من أجله ..حرك فقط كفيه بخفة يكاد أن يحتضنها ولكن تذكر وجودهم فتنهد بهدوء واستأذن منهم ليغادر..
رفعت ندى رأسها ولاتزال الابتسامة مزينه ثغرها وبعد تناول الينسون أخذت وفيه الكوب وأخذت أشرقت وخرجت لتستريح ندى ..ضمت الوسادة إليها تتذكر نظرات رحيم إليها وتبتسم..
…… الساعة الثانية عشر صباحًا حاول رحيم أن يذهب إلى النوم و تململ على الفراش وهو يزفر بسأم ..فقلبه يود أن يطمئن على ندى لدرجة كبيرة فقد جاء من العمل رآها نائمة ولم يتمكن من رؤيتها.. ألقى بالغطاء بعيدًا ونهض يرتدي حذائه ثم خرج من غرفته مغلقًا الباب خلفه بهدوء هبط الدرج سريعًا متجه نحو غرفة ندى ..وقف يدق الباب ولم يجد رد فدق مرارًا وتكرارًا ثم استند بجبينه على الباب هامسًا :
-اصحي يا ندى
لم يسأم ودق الباب ثانية حتى استيقظت ندى بوجه عابس ونهضت عن الفراش بلهفة قلق وفتحت الباب.. تنهد رحيم بعمق ليشعر بالارتياح فيما تفاجأت هي به وتساءلت بتوجس :
-حصل حاجة ؟!
صمت للحظات ثم أومأ بتأكيد ودخل مغلقًا الباب خلفه.. واحتضنها بقوة هامسًا :
-ندى
ثم اغمض عيناه مستنشقًا للهواء بهدوء..اتسعت عيناها قليلًا معلقه يديها في الهواء وبعد لحظات ابتعد عنها وهو يلتقط أنفاسه بصوت مسموع واضعًا وجنتيها بين راحتي يديه قائلًا :
-مقدرتش انام غير لما اطمن عليكِ
ابتلعت لعابها مغمضة عيناها وقالت باضطراب :
-أنا بخير
استند بجبينه على جبينها يومئ بالنفي وقال بجدية :
-بس أنا مش بخير يا ندى ..مش متخيل انك كنتِ هتبعدي عني..
ثم ميل برأسه و وضع شفتيه على وجنتها بلطف بعد ذلك ابتعد عنها وحملها على ذراعيه ليضعها على الفراش برفق و وضع الغطاء عليها وجلس على حافة الفراش رافعًا قدمه اليسرى إليه.. ثم مسح على شعرها قائلًا :
-هفضل جمبك لحد ما تنامي
رفعت عيناها إليه في لحظه ثم تململت لتستقل على جانبها اليمين مواليه له ظهرها ..ابتسمت عيناه ينظر إليها وهي تحرك مقلتيها متعجبة من تصرفاته ثم ابتسمت واغمضت عيناها لتكمل نومها.. استند بجانب رأسه على قبضة يده غلبه النوم وسقطت رأسه على الوسادة..
” في الصباح..”
فتح عيناه ببطء ورفع رأسه عن الوسادة ليشعر بيدها المتشبثة في كنزته لينحني برأسه ليرى يدها ثم رفع عيناه المبتسمه إليها ومسح على وجنتها.. استيقظت تنظر حولها وتفاجأت به فرفعت ظهرها عن الفراش في دهشة متسائلة :
-أنت بتعمل اي هنا ؟!
ثم تركت الفراش فابتسم وقال بمكر :
-أنتِ اللي كنتي ماسكة فيا
وضعت يدها على جبينها وقالت بحنق :
-رحيم أخرج من هنا
نهض عن الفراش رافعًا سبابته وهو يقول مداعبًا :
-هخرج بس أنتِ الخسرانة
ثم خرج مغلقًا الباب خلفه فابتسمت ندى واضعة يدها أعلى صدرها ثم تنهدت بعمق وقالت :
-بحبك
***
وقف يضبط ثيابه أمام المرآة فيما دق الباب فأذن بالدخول ليفتح علاء الباب ينظر حوله حتى رأ شقيقه.. ثم دخل متجه نحوه و وقف بجواره يضبط معطفه هو الأخير ثم قال :
-مضطر اروح المصنع النهاردة اجرب حظي تاني
ليقول رحيم بسأم وهو يضع من عطرة :
-اتمنى علشان أنا زهقت منك
ارتفع حاجبي علاء واستدار نصف استدارة قائلًا :
-احترم فرق السن اللي بينا
ليستدير إليه هو الأخير وقال مبتسمًا :
-حاضر ..وأنت كمان احترم سنك وغير من نفسك..
ثم أردف :
-و دي اخر فرصه ليك في المصنع
-ماشي يا عم المدير ..وصلني في طريقك بقى
-بكل سرور
أما في الأسفل وضعت أشرقت القطة في الداخل ثم خرجت إلى الحديقة لتجلس مع ندى ..فيما هبط رحيم الدرج برفقة شقيقه في حين دخلت السيدة وفيه لتراهم يتحدثون معًا وابتسامة على شفتي رحيم .. ابتسمت وأخذت تدعي سرًا أن يصلح حال علاء ..وقف رحيم أمامها وقال :
-هروح الشركة يا فوفا ونص ساعه بإذن الله وهرجع البيت
-وأنا كمان..
قاطعه شقيقه بمرح :
-أنت كمان ايه ؟؟ ..دا لسه أول يوم يعني لسه متعرفش مواعيدك اصلًا
ضحكت السيدة وفيه على حديث رحيم وضحك علاء ضحكة خفيفة ثم لكزه بخفه وأشار إلى الباب قائلًا :
-طيب يلا اتفضل
ذهب الإثنان ودخلت السيدة وفيه المطبخ ..أما في الحديقة كانت ندى تضع قدم ريان على مقعد أخر وهو يلعب بالمكعبات على الطاولة ..ثم نظر إليها بسأم متسائلًا :
-ندى الجبس دا هخلص منه امتى
قبلته على وجنته ثم قالت بمرح :
-قريب يا بطل
تركته يكمل تركيب المكعبات وذهبت إلى أشرقت تلعب معها كرة السلة كانت تحمل أشرقت لتضع الكرة في السلة ثم تضعها على الأرض ثانية فتساءلت الصغيرة :
-ندى متعرفيش تلعبي سلة ؟!
جلست على الأرض عاقدة قدميها وهي تجيب عليها :
-لاء عمري ما لعبتها ..أنا كان أخري اروح النادي العب شوية رياضة واجري وبس كده
جلست أمامها على ركبتيها وقالت مبتسمة :
-لما بنروح النادي يوم الجمعة بابي بيلعب معانا سلة وشاطر فيها اوي
قالت بمزاح :
-ما هو بابي ما شاء الله طوله مساعدة
ضحكت أشرقت وهي تأكد على حديثها ..دغدغتها ندى بمرح لتضحك أكثر ثم ضمتها إليها ..وبعد ساعة ونصف تقريبًا جلست على الأريكة بجوار أشرقت التي ترسم وندى تراسل صديقا لها ..بعد أن انتهت أشرقت رفعت الورقة لتراها ندى فتركت الهاتف على قدميها ونظرت إلى الرسمة بإعجاب شديد قائلة :
-واو.. فنانه يا روحي الله أكبر
-ثانكس ندى..
ثم وضعت الورقة كما كانت ونظرت إلى شاشة الهاتف لترى صورة كتاب فقالت :
-دا شبه كتاب بابي..
لتنظر ندى إليها وجعلتها تنظر إلى الكتاب بتمعن لتتأكد من حديثها وقالت :
-شوفته بيقرأ فيه قبل كده
-فين يا عفريته
لتخبرها بأنه في غرفته فقبلتها ندى على وجنتها ثم نهضت عن الاريكة متجه إلى الداخل من ثم صعدت إلى غرفة رحيم بأريحية فتعلم أنه ليس هنا ..وقفت أمام مكتبة الكتب تبحث عن الكتاب للحظات وخرج رحيم من المرحاض بعد أن أخذ حماما لم يرتدي سوى سروال أسود قطني وتفاجأ بندي التي على يساره مواليه له ظهرها ..مسح على شعره المبلل من الأمام للخلف ثم تقدم نحوها بخطوات هادئة بينما رفعت ندى يدها وأخذت ذلك الكتاب وفتحت أولى صفحاته لتعلم أنه هو ..وقف رحيم خلفها لتتسع عيناها قليلًا وازدادت ضربات قلبها عندما شعرت به ..فقد استمعت إلى صوت أنفاسه التي تخطف عقلها وأيضًا رائحته اخترقت أنفها..
أخذت نفسًا عميقًا وزفرته بهدوء ثم التفتت لتنصدم به فأحاط خصرها بذراعة متسائلًا :
-بتعملي أيه هنا ؟!
هبطت بعينيها بعيدًا عن نظراته لترى صدره العاري فخجلت واغمضت عيناها وقالت بتوتر :
-معرفش أنك هنا ..وكنت جايه علشان الكتاب ده
نظر إلى الكتاب ثم جذبها إليه أكثر وقال بنبرة ثقيلة :
-طب وصاحب الكتاب أي نظامه معاكِ
وجدت نفسها تبتسم ورفعت الكتاب على وجهها لتفتح عيناها وقالت بنبرة خجل رقيقة :
-رحيم لو سمحت
عض على شفته السفلى وقال :
-قلب رحيم..
-أشرقت مستنيه تحت
ابعد الكتاب عنها وقبلها على أنفها برقة قائلًا :
-بس صاحب الكتاب ما صدق إنك جيتي
ابتعدت عنه لتضع الكتاب على وجهها ثانية وقالت بخجل :
-على فكرة بقولك أشرقت مستنياني تحت
أخذ الكتاب من يدها فأدارت رأسها إلى الاتجاه الأخر ليرى وجنتها ذات بريق مميز وقال بحسم :
-مش هسيبك غير لما تبصي في عيني وتقوليلي بحبك يا رحيم
-مستحيل.. مستحيل
ابتسمت عيناه وترك الكتاب يسقط أرضًا ليحيط عنقها بيده وأدار رأسها إليه رغمًا عنها وقال بإصرار :
-بصيلي يا ندى حالًا ..بجد عيونك وحشتني
اومأت بالنفي عدة مرات فجز أسنانه ثم رفع حاجبه اليسار وقال بخبث :
-يا أما تنفيذي اللي قلتلك عليه..
ثم مسح بـ إبهامه على شفتيها متابعًا :
-يا أما ادوق الكرزتين الممزوجين بالكيوي دول
عقدت بين حاجبيها وضربته على صدره بتذمر قائلة :
-رحيم مش عايزة منك حاجة ..سبني بقى
استند بجبينه على جبينها وهو يقول بنبرة رجولية ثقيلة :
-بحبك يا ندى ..با حبك
ثم قبلها على أنفها برقه وطلب منها أن تقولها فقلبه اشتاق لسماعها فأخذت تلهث بصوت مستمع وقالت باضطراب :
-بـ بحبك يا رحيم
قبلها على جبينها بحنان ثم حررها من بين يديه وانحنى ليأخذ الكتاب واعطى إليها متسائلًا :
-عايزة الكتاب دا ليه ؟!
وضعت شعرها خلف أذنها وهي لاتزال كلماته مأثرة على توترها وأجابت دون أن تنظر إليه :
-عايزة أقرأه ..وكنت طلبته من صديق ليا يجبهولي
عقد بين حاجبيه بحده متسائلًا :
-استني استني ..صديق ليكِ ازاي يعني ؟!
-صديق من أيام الجامعة
حرك رأسه بالفهم ثم أمسك بمرفقيها وهو يتقدم وهي تتراجع حتى التصق ظهرها بالمكتبة.. ليترك مرفقيها ليستند بكفيه إلى المكتبة وهي اندهشت من فعلته هذه.. لمعت عيناه بلمعة الغيرة وتحدث من بين أسنانه :
-تقطعي علاقتك بيه ورقمه يتمسح ..مفهوم
-لاء هو صديقي
جز أضراسه حتى تحرك صدغاه وقال بعصبية :
-ندى متختبريش صبري أكتر من كده
تساءلت بحنق :
-ليه امسحه ومفيش بينا غير علاقة صداقه واحترام
ضرب بيده على مكتبه وتحدث بعنف بفضل تلك الغيرة التي تؤلم قلبه :
-بغير عليكِ يا ندى ..بغير ..بغير ما بتفهميش
قال أخر كلمتان بعصبية بالغة لترفع رأسها إليه وتنظر إلى عيناه تعاتبه دون أن تتفوه بكلمة وهو ينظر إليها بذاك الجمود ويلهث بصوت مستمع ..ثم انحنت لتتخطى ذراعه واتجهت نحو الباب وكادت أن تخرج ألا أنه كان أسرع منها بإغلاق الباب وادارها إليه يحيط خصرها فحاولت التحرر من بين يديه وهي تقول بنبرة بكاء :
-ابعد عني يا رحيم
احتضنها بشدة وهو يقول بحده :
-مش هسيبك..
وجدت نفسها تبكي فاغمض عيناه واضعًا يده على شعرها من الخلف وقال بهدوء :
-بحبك وبغير عليكِ ..بهدوء كده مفيش حاجه اسمها صديقي
قالت بنبرة عتاب :
-أنت ما بتعرفش تتكلم براحه
دفن أنفه في عنقها مستنشقًا رائحتها الهادئة معتذرًا لها ثم ابتعد عنها ومسح دموعها بعد ذلك قبلها على وجنتها وقال :
-روحي يلا علشان أشرقت
التفتت لتفتح الباب وخرجت مغلقه الباب خلفها وهبطت إلى الطابق السفلي ثم خرجت إلى الحديقة وجلست على الأريكة وهي تلتقط الهاتف وأرسلت رسالة إلى صديقها تعتذر وتخبره بأنها لا تريد الكتاب.. ثم وضعت الهاتف جانبًا واحتضنت الكتاب الذي يحمل عطره الرجولي هذا..
بعد لحظات فتحته وبدأت تقرأ وهي تنتبه إلى الطفلان ..فقد جلست أشرقت أمام شقيقها تلعب معه بالمكعبات ..بعد دقائق خرج علاء وجلس على المقعد المجاور للأريكة ينظر إلى ندى التي لم تعطي له اهتمام وانشغلت أكثر بالقراءة ..استند بمرفقه إلى ساعي المقعد وقال :
-ندى ممكن بقى تقبلي اعتذراي ..أنا مكنتش في وعي أصلًا
أغلقت الكتاب وهي تزفر ثم نظرت إليه وقالت بحنق :
-أنا خلاص نسيت الموضوع ده
-يعني قابلتي اعتذاري ؟
خرج رحيم في ذات الوقت ليستمع إلى كلمات شقيقه فيما اومأت ندى بأنها تقبلت اعتذاره وعندما رأت رحيم فتحت الكتاب لتتابع القراءة ..كاد أن يسأل عن سبب الاعتذار ولكن جاءت وفيه تخبرهم بأن الغداء جاهز فنهض علاء متجه نحو الأولاد ليحمل ريان على ذراعيه ودخل به وأشرقت ركضت إلى ندى قائلة :
-ندى يلا نتغدى
وضعت الكتاب جانبًا وهي تقول :
-لاء حبيبتي انا هتغدى مع طنط وفيه
حركت رأسها بتفهم ثم دخلت الصغيرة مع السيدة وفيه فانتظر رحيم للحظات وهي ترمقه بنظرات سريعة وتفرك في أصابع يديها بتوتر وكاد أن يخرج قلبها من بين ضلوعها.. تقدم نحوها وجلس بجوارها وتساءل:
-كان بيعتذر ليه ؟!
أدارت رأسها لتنظر إليه بلهفة ثم أطرقت عيناها وقالت بهدوء :
-مكنش بيعتذر علشان حاجة
علم أنها تخبئ شيئاً عليه وقال بحده :
-ندى ..أنا سمعته وهو بيعتذر ..بلاش كذب
رفعت عيناها إليه وقصت عليه ما حدث ثم أنهت حديثها بحنق :
-وأنا مبكدبش
قطب بين حاجبيه وهو يقول بعصبية :
-ليه مقلتليش على الموضوع ده
-مش عايزه اعمل مشاكل ..وخلاص الموضوع عدى عليه فترة فياريت متفتحش الموضوع ده معاه
عصر قبضته وكاد أن ينهض إلا أنها أمسكت بيده فنظر إليها ليرى الترجي في عينيها :
-أرجوك مش عايزة مشاكل
أمسك بذقنها يمسح بـ إبهامه أسفل شفتيها ثم ضمها إلى صدره بحنان وقبلها على رأسها بحنان اكثر فقالت :
-يلا قوم علشان تتغدى
-ممكن تتغدي وتجهزي علشان عايز اوريكِ مكان كده
اومأت برأسها موافقه ثم ابتعدت عنه فنهض متجهًا إلى الداخل وهي دخلت تتناول الطعام مع السيدة وفيه والخادمة الأجنبية.. بعد تناول الطعام دلفت إلى الغرفة وبدلت ثيابها بسروال أسود من الجلد وكنزة بيضاء بكم ثم تناولت الحقيبة وخرجت مع رحيم بعد أن ودعت الطفلان..
استقلت معه السيارة ليغادرا نظرت إليه ليرمقها بنظرة سريعة فنظرت إلى الأمام فورًا بابتسامة خفيفة ..وحالفهم الصمت حتى وصل إلى الفيلا وطلب منها أن تجلس أمام المقود لتدخل بالسيارة فنفذت رغبته وهو ترجل ليفتح البوابة وعندما دخلت اغلقها ثم جلس بجوارها وأشار لها أن تدخل ..حتى وصلت إلى الباب الرئيسي و أوقفت السيارة ..ترجلا منها وأمسك بيدها ليدخل الفيلا ونظرت حولها رأتها خالية من الاثاث فتساءلت :
-بيت مين ده ؟!
-ده بيتي الجديد ..أي رأيك ؟
-حلو اوي ..مبروك عليك
أمسك بيدها وخرجا إلى الحديقة ووقفا أمام شجرة وقال :
-البيت دا لراحة البال ..وعايزك تختاري كل حاجة على ذوقك
جلس وهو يجلسها معه مستنده بظهرها إلى الشجرة فوضع رأسه على قدميها مستلقيًا على ظهره ..نظرت إلى الأمام تلتقط أنفاسها باضطراب وتوتر فيما أمسك هو يدها يضعها على شفتيه يقبلها برقه ثم وضعها على صدره ورفع يده الأخرى يضعها على وجنتها وقال بجدية :
-عمري ما عشت لحظات الحب دي مع حد غيرك يا ندى..
اومأت رأسها دون أن تتحدث وهي تعض على شفاها السفلى بخجل واضح ..فقال وهو يتفحص ملامحها بجدية الحب :
-حلمي دلوقت حالًا إنك تبصي لعيوني وتقوليلي بحبك
وضع شعرها خلف أذنيها فابتلعت لعابها وقلبها يقرع كالطبول حتى وصلت إلى مسامع أذنيها وقالت بصوت مبحوح من فرط الخجل :
-مقدرش ..أنا بتكسف
شعر بحرارة وجنتيها أسفل يده وقال بنبرة ثقيلة :
-أنا بعشق خجلك ده ..بس وحشتني عيونك
وضع يده حول عنقها وجعل رأسها تنحني إليه فأغمضت عيناها وهي تقول بهدوء :
-بتكسف من عيونك ومن نظراتك
أغلق عيناه قائلا :
-غمضت عيوني
فتحت عيناها ببطء حتى نظرت إليه وفحصت ملامحه باشتياق وحركت شفتيها بكلمة :
-بحبك
فتح عيناه فجأة فجحظت عينيها وادارت رأسها إلى الاتجاه الأخر.. ابتسمت عيناه واضعًا يده أسفل ذقنها ليدير رأسها إليه طالبا منها أن تنظر إليه ولو للحظة واحدة ..حركت مقلتيها إليه ببطء شديد حتى نظرت إلى عيناه أخيرًا ولكن بنظرة خجل قابضة قبضة يدها الأخرى وتجز أسنانها بشدة مسيطرة على ذلك الخجل اللعين.. أما عن قلبها فيبدو أنه توقف عن النبض وأصبح أسيرًا لعينيه.. تمعن بالنظر داخل مقلتيها التي أسرته وهم يتبادلون بنظرات الحب مستمتعا بنظراتها له أخيرًا ..وأخذ يمرر يده على ملامح وجهها حتى وصل إلى شفتيها فهبط بعينيه إليهما ورفع رأسه عن قدميها ببطء وخطف قبلة هادئة من شفاها ليستمع إلى أنفاسها المضطربة ابتعد عنها قليلًا ناظرا إلى عيناها التي لاتزال تنظر إليه وقال :
-بحبك
أطرقت رأسها فقام برفعها ثانية بيده لتنظر إلى عيناه طالبًا منها أن تقولها وهي تنظر إليه.. ارتفع حاجبيها وصدرها يعلو ويهبط برهبة وقالت بتوتر شديد :
-بـ ..بـ بـ بحبك
ابتسمت عيناه وقبلها على جبينها ثم وضع رأسه على قدميها طالبا منها أن تمسح على شعره فرفعت يدها لتنفذ رغبته وبمجرد أن شعر بلمسة يدها أغلق عيناه مستمتعًا بحركة يدها..
بعد دقائق ليست قليلة نهض وهو ينهضها معه وأخذها في جوله داخل وخارج المنزل ثم تجول بالسيارة في الشوارع ..بعدها ذهب إلى إحدى المطاعم وطلب عشاء ثم عاد به إلى السيارة وطلب منها أن تطعمه ابتسمت بخجل وبدأت تطعمه بيدها والمرة الثانية لم يأكل بل قبلها على باطن معصم يدها ثم تناول الطعام.. رأى كاتشب جانب شفتيها فمد يده ليمسحه ثم وضعه في فمه مستمتعًا بتذوقه تعجبت من فعلته وأطرقت رأسها خجلًا قال بجدية :
-عمري ما حسيت بالسعادة إلا وأنا معاكِ
قبلها على وجنتها بعدها شغل السيارة وغادر إلى وجهته ..وعند وصولهم ودع ندى بقبله حانية على رأسها ثم ذهب كلا منهما إلى غرفته..
بعد أن بدلت ملابسها جلست على الفراش تقرأ الكتاب وكانت الساعة تدق التاسعة والنصف مساءً ..بعد لحظات رن جرس الباب فانتظرت على أمل أن يفتح أحد ولكن لم يحدث فوضعت الكتاب جانبًا ونهضت لتخرج مهرولة إلى الباب لتفتحه.. في حين خرج رحيم من غرفته عند سماعه للجرس و وقف أمام الدرج.. تفاجأ بشاب ما دخل و وقف أمام ندى قائلًا :
-مبترديش عليا يا بنتي قلقت عليكِ
تساءلت في دهشة :
-أنت عرفت العنوان من مين؟!
-أنتِ بعتهولي لما طلبتي الكتاب..
ثم مسح على ذراعها يتساءل عنها فعصر رحيم قبضته يجز أضراسه بشدة وقد تحولت نظراته إلى نظرات الغيرة القاتلة..
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية حب رحيم) اسم الرواية