رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الحادي عشر 11 - بقلم شمس حسين
من غيبوبة إلى فرصة جديدة
الايام بتمر، وأنا لسه فى الغيبوبة، عدى 5 شهور من وقت الاصابة ومفيش اي استجابة، و القلق بيتزايد عند الكل، وخصوصاً الفريق الطبي اللي كان بيتابع حالتي، وده لأنهم مكانوش لاقين سبب طبى مقنع للدخول فى غيبوبة و بالمدة الطويلة دى، لكن محدش فيهم فقد الامل والكل كان بيتابع حالتى باهتمام كبير، وبالأخص دكتور مصطفى اللى كان متأكد ان السبب نفسى، خصوصا بعد ما عرف شوية تفاصيل عن حياتى من كلامه مع ماما و أصحابى اللى محدش فيهم سابنى وكانوا كل يوم عندي في المستشفى، كل واحد منهم كان بيحاول يدينى جزء من الأمل، أصحابي و ماما كانوا بيقعدوا بالساعات يتكلموا معايا كأنى فايقة و معاهم، ودى كانت تعليمات دكتور مصطفى، كان عنده أمل أنى أحس بيهم و أقاوم علشانهم، حتى هو كان كل يوم بليل بعد ما يخلص متابعة المرضى يجى عندى ويقعد يتكلم معايا.
عدى شهر كمان وبقوا 6 شهور، ومفيش أى ردة فعل، والحزن من كل الموجودين كان بيزيد، فى يوم دخل دكتور مصطفى عندي بهدوء زى ما بيعمل دايما، وقف شوية قدامى، وبص بنظرة مختلطة ما بين القلق و الشجن، وبعدين مسك الملف الطبى بتاعى وحاول يخفف من قلقه، قعد على الكرسى اللى جنب السرير وقال بصوت واطى:” شمس … انتى عارفة أنك نايمة كدا بقالك 6 شهور … الوقت بيجرى بسرعة اووى وكلنا قلقانين عليكى … شمس أنا عارف أن ممكن تكونى عديتى بحاجات كتيرة اووى سحبت منك قوتك … بس اللى انتى متعرفهيوش أنك لسه قوية و أقوى بكتير من اللى مريتى بيه … انتى لازم تفوقى … تفوقى علشان فى حواليكى ناس كتير بتحبك بجد وخايفين عليكى … لازم تفوقى علشان مامتك اللى قاعدة جنبك طول الوقت و بتدعى كل لحظة انك ترجعى … علشان صحابك اللى كلهم مستنين اللحظة اللى تفتحى فيها عينك … علشان شغلك و وطموحك”، سكت شوية وهو بيتنهد وقال”: أنا كل مرة بدخل عندك و اكلمك بحس أنك سمعانى … عندى إحساس إنك داخل الغيبوبة دى بتصارعى … بتصارعى حاجة إحنا مش شايفينها”، بعدها قام وقف وبص بنظرة مليانة أمل وقال بصوت أقرب للهمس:” أنا مصدق أنك هترجعى … شمس إحنا كلنا مستنينك”، و بعدها لف وشه بخطوات تقيلة وخرج و هو بيحاول يخبى دمعه بتتزاحم فى عينيه.
كنت سامعة كل كلمة، كأنها جايالي من بعيد، كان الصوت غريب لكنه مألوف، كانت رسالة وسط صمت تقيل مالى كل حاجة حواليا، كنت حاسة بجسمي متكتف، مش عارفة أتحرك، حتى لما حاولت أفتح عيني، كانت كأنها مقفولة بمفتاح مش معايا، الكلام كان زي شعاع نور داخل من شباك صغير في اوضه كلها ضلمة “شمس … فوقى علشان اللى حواليكي بيحبوكي” … طيب وأنا؟ أنا لسه بحب نفسي؟ لسه عندي القوة أرجع؟ كنت حاسة بصراع جوايا فيه حاجة بتشدني لورا، ظلام واسع وخوف مالى المكان، وفيه حاجة تانية جوايا بتقولي: “مترجعيش … الحياة بره صعبة”، لما قال:”أنا مصدق إنك هترجعي وكلنا مستنينك”، حسيت كأن في حد بيشدني لفوق، لبعيد عن الظلام ده، صوته كان مليان أمل، كأن الحياة كلها مستنية إشارة صغيرة مني، بس أنا كنت مترددة، خايفة أرجع و أواجه كل حاجة سبتها ورايا… خايفة من الألم، ومن الذكريات، ومن نفسي.
بعد يومين…
لسه نايمة على السرير، مش حاسة بحاجة، لغاية ما فجأة ظهر قدامى شخص، كنت بحاول ادقق فى تفاصيله اووى، لحد أما عرفت هو مين، ده ده جدو … لقيته بيقرب منى بهدوء ومسك أيدي و قال بصوت هادي لكنه مليان حنان “قومي يا شمس قومي … لسه قدامك كتير، كلهم مستنينك”، رديت عليه بصوت ضعيف:”مش عايزة يا جدو أنت واحشني… عايزة أفضل معاك”، كان قلبى مليان شوق ليه، رد عليا بابتسامة حزينة:”لا يا شمس، مش هينفع … قومى لازم تكملى”، كنت بحاول اتحرك علشان أقف قدامه، لكن مقدرتش كنت فى حلم بعيد عن الواقع، متكتفه كالعادة وكان قلبى بيصرخ، مكنتش عايزة جدو يسيب ايدى، فجأة … بدأ يمشي بعيد عنى، وعينى بدأت تدمع بقيت بنادى بصوت متقطع، وحزين جدًا :”جدو! جدو متسبنيش! جدو!”، كنت بدور عليه في كل مكان، لكن هو كان بعيد، كان قلبى بيغلي، زي حد ضاع منه كل شيء، وفي اللحظة دي بدأ جهاز القلب يصفر، النبضات كانت بتقل بسرعة، والأجهزة كانت بتعلن عن الخطر، الممرضة فوراً بلغت الدكاترا، دخل دكتور مصطفى بسرعة على صوت إنذار الأجهزة، لقى الممرضات بيحاولوا يثبتوا الحالة، بس النبض كان بينخفض بشكل خطير، صرخ د مصطفى: “جهزوا جهاز الصدمات فورًا!”، بعدها قرب منى دكتور مصطفى وكان عقله مليان أسئلة: “إيه اللي وصلها لكده؟ ليه لسه بتقاوم؟”، ومسك جهاز الصدمات وقال بقوة: “شمس … لو سمعاني … متستسلميش!”، الصدمة الأولى كانت قوية، لكن النبض لسه ضعيف، حاول مرة كمان، ومع كل مرة كانت ملامحه بتعبر عن خوفه المتزايد، قال:”يا رب … شمس أنتي قوية”، وفجأة رجعت للحلم، شوفت جدو واقف مرة تانية، مسك إيدي وبص بإبتسامة دافئة وقال: “أنا دايمًا حواليكي يا شمس … بس لازم ترجعي … الدنيا مستنياكي”، بعيون مليانة دموع رديت: “مش عارفة يا جدو … خايفة”، رد عليا وهو ماسك إيدي بقوة: “متخافيش من حاجة أنتي قوية … فوقي يا شمس”، وفجأة في الواقع، جسمى أهتز بقوة، و أرتفع واخدت شهقة عميقة مليانة حياة، بعدها اتنفست نفس قوي جدًا وانا بقول “جدو” بصوت عالي، الممرضات كانوا فرحانين هما و الدكاترا واخدو نفسهم كأنهم كانوا بيحاربو، بعدها فتحت عيوني ببطء، وكان أول حد شوفته هو دكتور مصطفى، وهو ماسك إيدي بقوة ومبتسم إبتسامة كبيرة وقال: “حمد الله على السلامة يا شمس … تعبتينا معاكي”، أما أنا فكانت عيوني بترف ببطء، بحاول استوعب النور حواليا وقلت بصوت ضعيف: “ماما”، وبعدها أخدت نفس عميق تاني، كأنه بيعيد ليا الحياة وهمست بصوت متكسر: “أنا… أنا فين؟”، دكتور مصطفى رد بنبرة هادية، وابتسامته لسه على وشه: “إنتي في المستشفى، يا شمس حصلتلك حادثة في الموقع، ودخلتي في غيبوبة، بس الحمد لله كل حاجة عدت على خير”، حاولت اتكلم ارد لكنه قطع كلامي بهدوء وقال:”إنتي كنتي في حالة حرجة، لكن دلوقتي كله عدى، وأنتي بخير، محتاجينك بس ترتاحي”، حاولت ارفع دماغي بس ما قدرتش و بصوت متكسر وهمس سألت تاني: “ماما… ماما فين؟”، دكتور مصطفى رد بابتسامة هادية: “والدتك برا يا شمس، هتشوفيها بس دلوقتي أهم حاجة إنك ترتاحي زي ما قلت لك”، حاولت اتحرك شوية، لكن ضعفى منعني وهمست: “عاوزة أشوفها… طمنوها إني بخير”، دكتور مصطفى قال: “هنطمنها، وإحنا كمان هنتطمن عليكي أكتر، دلوقتي هينقلوكي على غرفة تانية عشان تبقي مرتاحة بعيد عن الأجهزة دي، وبعدها والدتك هتكون معاكي”، غمضت عيوني، كنت بحاول أهدي نفسي، وبعدين فتحتها ببطء وهمست: “حاضر…”.
بعد دقائق، وصلوني للأوضة الجديدة، الإضاءة كانت أخف، والمكان أكثر هدوءًا شوية، لحظات والباب اتفتح، ودخلت ماما بخطوات مليانة لهفة، عيونها كانت مليانة دموع، أول ما شافتني قربت مني وقالت بصوت مليان شهقات بكاء: “شمس… حبيبتي… حمدالله علي سلامتك ياروحي”، بعدها قعدت جنبي ومسكت أيدي بكل قوتها و كأنها خايفة إني اسيبها تاني وقالت بصوت متقطع بين البكاء والفرح: “انتي كويسة؟ حاسة بحاجة؟ كنت خايفة اووي تروحي مني يا شمس … متعرفيش قلبي كان عامل إزاي وأنا مستنياك تفتحي عينيك”، بصيت لها بصعوبة، وعيوني كانت مليانة دموع بدأت تنزل وهمست: “ماما… أنا أسفة… متخافيش أنا كويسة”، ماما مسكت أيدي و مسحت علي جبيني وقالت، “الحمد لله يارب إنك معايا”، أنا وقتها مكنتش لسه قادرة أستوعب إني فعلاً فقت، ماما جنبي، ماسكة إيدي، ودموعها بتنزل من غير ما تقول حاجة، كنت حاسة بحبها وشوقها ليا في كل لمسة، وبعد شوية الباب اتفتح، ودخلوا صحابي، وأول واحدة جريت عليا كانت نور، عيونها مليانة دموع وفرح وبسرعة مسكت إيدي، وقالت: “وحشتني يا شمس، إيه كل ده ؟! حرام عليكي كنا هنموت من الخوف، ده انا هاكلك حتة علقة لما تقومي بالسلامة بس استني”، حاولت أضحك رغم التعب وقلت بصوت ضعيف: “أنا كويسة متخافيش”، سارة هي كمان مكانتش قادرة توقف دموعها، حضنتني بحنان وقالت: “خوفتينا عليكي اووي يا شمس… متغبيش عننا تاني إحنا منقدرش نتخيل الدنيا من غيرك”، بعدها قالت غادة وهي بتبص لي بعينين مليانين بالحب والتأثر: “ربنا يخليكي لينا يا شمس ونفضل دايما كلنا مع بعض”، أما ياسمين فمسحت دموعها وغيرت جو الاوضة بضحكتها كالعادة وقالت:” شمس بقولك اي أنتي مش هتنامي تاني لحد يوم فرحي أنا بقولك اهو، أنا عايزة اتجوز ياستي، أنا مستقبلي بيضيع”، كلنا انفجرنا من الضحك وأنا حسيت قلبي بينبض بسرعة من الفرحة، كل كلمة منهم كانت بتدخل جوايا، وتمليني بالأمان، ماما كانت قعدة جنب السرير، بتبص علينا، وعيونها مليانة حب، وأنا بصيت في عيونهم كلهم، وحسّيت بشيء دافي جوايا، هم فعلاً جزء من حياتي، هما مش بس صحابي، هما عيلتي اللي مش هقدر أعيش من غيرهم، لقيت نفسي بقولهم: “أنا بحبكم… ومكنتش هقدر أعدي من غيركم”.
وفي سط ما كان الجو مليان مشاعر مختلطة بين الفرح والحب، لقيت ماما بتقول:”هو ليه مفيش حد من الدكاترة جيه علشان يطمنا عليكي”، نور ضحكت وردت عليها وقالت :” متقلقيش يا طنط … دكتور مصطفى زمانه جاي”، قالت كلمتها و كلهم انفجروا في الضحك وأنا مكنتش فاهمة حاجة، قلت لهم باستفهام :”دكتور مصطفى؟ هو مين ده؟ وبتضحكوا ليه بقي أنا شاكه فيكم” نور ردت وهي بتغمز لهم وقالت بسخرية: ” دكتور مصطفى ده بقي ياستي الملاك الحارس بتاعك … كل يوم كان بيجي عندك و يقول: “شمس … فوقي … فوق بقي بقالك كتير نايمة”، ضحكوا بصوت عالي، وفجأة الباب اتفتح، ودخل دكتور مصطفى بنفسه، طبعا أنا مكنتش أعرفه و لقيتني بقول لنفسي:”أنا حاسة أن شوفته قبل كدا، اه ده أول دكتور شوفته لما فتحت عيوني وكان بيكلمني”، اول ما شافنا بنضحك قال:” لا عال خالص احنا بقينا تمام .. حمدالله على السلامه يا بشمهندسة شمس … نورتي مكانك وسط الناس اللي بيحبوكي … اسمحيلي بس اقيسلك الضغط علشان اطمن عليكي”، قال كلامه و الكل فضل مركز علي تصرفاته و حركاته، أنا كنت شايفاه دكتور عادي بس كلهم كانوا مركزين باهتمام معاه، بعد ما اطمن علي حالتي استأذن وخرج، وهما رجعوا لوصلة الضحك.
مر كام يوم وأنا لسه في مرحلة الاستشفاء، وكل يوم كان في ناس بيجوا يزوروني، أصدقائي من الشغل، الجيران، والاقارب، الكل كان جاي يطمن عليا، نور كمان كانت بتيجي تقعد معايا كل يوم، كنت بحس بوجودهم حواليا، وبسعادة غريبة لما بيزوروني، وفي يوم لقيت بشمهندس محمد زميلي في الشركة بيستاذن علشان يدخل و يطمن عليا، كان داخل بخطوات بطيئة وابتسامته حزينة شوية، فهمت علطول هو كان شكله كدا ليه، لما دخل بدأ يبصلي ومكانش عارف يقول اي، ابتسمت وحاولت اطمنه بنظراتي و قلت له:” تعالي يا بشمهندس .. أخبارك اي”، لقيته رد بصوت هادي: “حمد الله على سلامتك… شمس، أنا… أنا آسف” بدأت عيونة تدمع و صوته يتهز وكمل:”مش قادر أنسى اللي حصل انا كنت المسؤول عن الخطأ الهندسي اللي حصل، كنت السبب في اللي حصلك، فضلتي في الغيبوبة 6 شهور و ده كان بسببي، ارجوكي سامحيني”، بصيت له وحسيت بالذنب اللي شاليه جواه، وكان واضح عليه إنه مش قادر يتجاوز فكرة إنه هو سبب اللي حصل، حالته وقتها حسستني أنا بالذنب، مكنتش عايزة أسيب شعوره بالذنب يسيطر عليه، قلت له بهدوء: “بشمهندس محمد، انت مش السبب في اللي حصل، ده كان نصيبي، ومفيش حاجة في إيدينا ممكن نغيرها، كلنا بنغلط في شغلنا، وأنا متأكدة إنك مكنتش قاصد، ارجوك متشيلش نفسك نتيجة اللي حصل”، ابتسمت ليه وكملت: “كلنا بنمشي في طريقنا، وده كان جزء من طريقي، المهم إني هرجع أقف على رجلي تاني، وكل حاجة هتكون تمام”، حسيت إنه بدأ شوية يخفف عن نفسه بعد كلامي ده، ومكانش قادر يصدق إني متقبلة الموقف ده كده، كلامي خفف عنه حمل كان جوا قلبه، ابتسم ابتسامة صغيرة، وقال: “مش عارف أقولك إيه… لكن شكراً ليكي”، ابتسمت وقلت له بضحك: “مفيش حاجة، وبعدين أنا اللي لازم اشكرك ده انا CV بتاعي هزود فيه خبرة 6 شهور غيبوبة، ده مفيش بشمهندس عملها قبل كدا”، ضحك بعدها وكأن الضحكة دي كانت بتخليه يحس إن كل حاجة بقت أخف عليه.
مر كام يوم، وكل يوم كنت بقرب أكتر من الخروج من المستشفى، تعافيت، آه، بس كان في حاجة ناقصة لسه، بابا … أنا كنت بدور عليه وسط كل الناس اللي كانوا بيزروني، بالرغم من كل حاجة، كنت متلهفة عليه أوي، وانا قاعده في الاوضة وماسكة الموبايل في إيدي و بقلب فيه عشان أشغل نفسي، وكل حاجة حواليا ساكتة وهادية، فجأة سمعت صوت خبط على الباب، وقلت: “اتفضل”، الباب اتفتح ببطء، وظهر هو … بابا، أول ما شفته، حسيت قلبي هيخرج مني، عيوني اتعلقت بيه، بس وشه كان زي ما هو دايمًا … جامد، وماشي بنفس الابتسامه الباردة، دخل بخطوات هادية وقعد على الكرسي جنب السرير، وقالي:”إزايك يا شمس؟ عاملة إيه دلوقتي؟” قالها وهو بيبصلي بنظرة سريعة، و كأنه مش عايز يسمع الرد، رديت وقلت:”كويسة… الحمد لله”، قلتها وأنا مش عارفة أضيف إيه، لكن جوايا كان في كلام كتير عايز يطلع، وهو كمل: “الدكاترة بيقولوا إنك قربتي تخرجي… خير، إن شاء الله”، كلماته كانت كأنها واجب و لازم يخلصه، مفيهاش أي دفء، مفيهاش أي إحساس بالاهتمام، حاولت أتماسك، وأخرج من الحالة دي، وقلت له: “آه، الحمد لله، يعني كمان كام يوم كده”، و ابتسمت ابتسامة صغيرة علشان أقدر أخلي الحوار أريح شوية، هو سكت، وكنت شايفة إنه بيدور على أي حاجة يقولها، لكنه ماكنش لاقي، الجو كان تقيل بينا، وأنا قلبي كان بيضرب جامد كل ما أحاول ألاقي طريقة أكسر الصمت، وبعد شوية قال: “طيب… كويس”، قالها بسرعة، وكأنه بيختم الزيارة، وقام وقال: “ربنا يشفيك يا بنتي، لو احتجتي حاجة كلميني”، وسلم عليا بإيده، سلام رسمي كأنه بيقابل حد غريب، بصيتله وهو بيخرج، كنت فاكرة إني عايزة اللقاء ده يحصل، لكن لما حصل، كنت بسأل نفسي… هو ليه جي؟.
في الليل، وبعد ما الدنيا سكنت حواليا… كان نور الاوضة خافت زي حال قلبى، مطفي وبارد، كل اللي حصل من وقت ما فوقت من الغيبوبة لحد انهاردة كان بيعدي قدام عيني زي شريط فيلم مش عايزة أشوفه… لكن للأسف مفيش زرار أوقف بيه المشهد، اتمددت على السرير، وبصت علي السقف، وافتكرت الحلمين اللي شفتهم في الغيبوبة، كنت حاسة أنهم مش مجرد كوابيس… هما كانو رسالة، الحلم الأول… ليه كنت صغيرة كده في الحلم؟ ليه كنت واقفة لوحدي؟ وليه المشهد ده بالذات، أنا عمري ما عشت اللحظة دي في الحقيقة، عمري ما شفت ماما وبابا مع بعض… عمري ما كنت طفلة سعيدة زي دي، يمكن الحلم كان بيقول لي إن الجزء ده من حياتي ناقص، أنا اتولدت وحاجات كتير ناقصة … حب، حضن، وأمان، أما الحلم التاني… جدو، وشه كان مليان دفء، كان بيطبطب على روحي وأنا قصاده، قال لي كلمة واحدة: “فوقي يا شمس”، الكلمة دي فضلت تتردد في عقلي، كأنها رسالة مكتوبة بخط عريض، افوق ليه؟ لحياة مليانة ألم؟ ولا يمكن كان يقصد حاجة أكبر… حاجة أنا مش فاهمها لسه؟، اتقلبت على جنبي، ودموعي بدأت تسخن خدي، الحلمين مش مجرد كوابيس، لأ، دول زي مرايا … مرايا شاورت لي على اللي كان ناقص في حياتي، كانوا مشهدين من فيلم حياتي… مشهد بيحكي عن الماضي اللي ما كنتش جزء منه، والمشهد التاني بيفتح باب للمستقبل اللي ممكن أكون أنا فيه صاحبة القرار، يمكن… يمكن كنت صغيرة قوي على التغيير قبل كده، بس دلوقتي… يمكن أقدر أختار طريق مختلف، غمضت عيني، وأنا بتمنى من كل قلبي إني أصحى الصبح… ولأول مرة، أحس إن الحياة ممكن تكون مختلفة.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية