رواية جبل النار الفصل الثاني عشر 12 - بقلم راينا الخولي
جبل النار
رانيا الخولي
الفصل الثاني عشر
………………
_اتفضل يا حسين بيه شوف بنتك واللي عملته فيا؟
رفع حسين نظره من الأوراق أمامه وتقدم منها يسألها بدهشة
_في ايه؟ وايه اللي عمل فيكي كدة؟
تظاهرت بالبكاء وهي تجيبه
_بنتك غلطت فيا وبهدلتني عشان بقولها تكلمني باحترام وبتقول انها مبقتش أسيل بتاعة زمان وكمان عايرتني اني مخلفتش منك.
انزعجت ملامح حسين ولم ينتظر ليسمع المزيد وخرج من مكتبه وهو ينادي عليها
_أسيل.
لم تكاد تصل لغرفتها عندما سمعت صوت والدها الجهوري فعادت لتنظر إليه من أعلى الدرج
_نعم يا بابا.
أشار لها بالنزول
_انزلي.
وجدت شاهي تخرج من غرفة المكتب وهي تنظر إليها بتشفي فعلمت أن الأمر سينتهي مثل كل مرة بالاعتذار لها
نزلت الدرج وتقدمت من والدها وقبل أن تتفوه بكلمة تهاوت صفعة حادة على وجنتها جعلت خصلاتها تتطاير حولها من شدتها
رفعت أسيل عينيها إليه فوجدته يرمقها بغضب وقال بهدر
_لو حياتك في ايطاليا نستك الاحترام يبقى الألم ده يفكر بيه واتفضلي اعتذري لشاهي على إهانتك ليها
كانت شاهي واقفة ترمقها بسخرية وتشفي
يحق لها ذلك إذا كانت تملك مثل ذلك الزوج الذي يراضيها على حساب أولاده
تطلعت إليه تناشد روح الأبوه بداخله وتمتمت بألم لم تستطيع اخفاءه
_بس يا بابا انا مغلطتش فيها هي اللي…….
قاطعها بغضب آمر
_قولتلك اعتذري من سكات.
ادعت شاهي التأثر وقالت بخبث
_خلاص يا حسين انا مسمحاها مفيش داعي للاعتذار
اشعل حديثها وصوتها المنكسر نار الغضب بقلب حسين حتى أنه تناسى تمامًا ان من تقف أمامه ابنته ومن صلبه وقال بحزم لأسيل
_مش هعيد اللي قولته تاني.
أخفضت أسيل عينيها بألم وتعلم جيدًا بأن الأمر لن ينتهي إلا باعتذارها
واهمة إن ظنت لوهلة أن بإمكانها الوقوف أمام تلك المرأة التي تعلم جيدًا كيف تتلاعب على أوتاره
ولم يقدر والدها بأنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي ترضخ للذل مقابل أن يتم العفو عنها
شيء بداخلها يدفعها الإعتراض لكن تذكرت حينما فعلتها يوماً وكان عاقبتها ألم تعاني من كسرته حتى الآن.
بأقدام واهنة تقدمت منها أسيل وهي ترمقها بأنكسار وتعترف لها بأنها دائماً الفائزة وتشيد لها بذلك، أغمضت عينيها وتمتمت بصوت واهن
_أنا أسفة.
تظاهرت شاهي بعدم الاستماع لذا سألتها بخبث
_بتقولي حاجة يا سيلا؟
ازدردت جفاف حلقها ربما تزدرد معه ذلك الهوان لكن يبدو أنها ولدت بملعقة الذل بفمها لذا عادت ترددها
_بقولك آسفة.
رغم التشفي الذي ظهر واضحًا بعينيها إلا إنها قالت بلؤم
_هو انا يا أسيل بعمل كدة عشان أخليكي تعتذري! لأ خالص، انا يا حبيبتي عايزة نكون حلوين مع بعض ومنزعجش بابا كل شوية بمشاكلنا، انتِ خلاص كبرتي ومش كل شوية بابي هيعلمك ازاي تكوني ذوق ومهذبة في كلامك مع الناس، أنا وبتحملك إنما غيري مينفعش يتحملك يا قلبي.
اظهرت أسيل أمام والدها بأنها المخطئة الوحيدة ها هنا لذلك جعلت حسين يتابع سخطه
_اتفضلي اطلعي أوضتك ومتنزليش منها إلا لما اسمحلك.
تطلع إلى شاهي وتابع
_تفضل في اوضتها والأكل يدخلها هناك متخرجش لأي سبب، فاهمة.
تظاهرت بالاستسلام وهي تقول برضى مزيف
_حاضر يا حبيبي بس بلاش تزعل نفسك عشان صحتك، يا حبيبي احنا ملناش غيرك.
كان سليم واقفًا أمام باب المنزل يستمع لما يحدث لكنه لم يملك الجرئة للدفاع عنها
لذلك ظل واقفًا مكانه يشاهد في صمت حتى وجد أسيل تصعد الدرج بانكسار آلمه.
لا يملك الجرئة بوجود تلك المرأة، ليس الآن على الأقل..
❈-❈-❈
ظلت أسيل في غرفتها تأبى تناول طعامها رغم محاولات أمينة معها.
فقد لاقت من الذل والانكسار ما جعلها تزهد كل ما حولها
حتى محاولات داغر لها بسماع صوتها والاطمئنان عليها
لكنها لا تريد أن تجيب وهي بتلك الحالة
لا يجب أن يعرف شيئاً مما تمر به
لن تقبل ان ترى نظرة عطف او رئفة بعينيه
لا تريد سوى رؤية الحب بهما وكفى.
ازدادت محاولات داغر بالاتصال عليها كأنه يعلم بما تمر به حتى يأس من ردها.
القى الهاتف على الفراش بجواره ثم نهض وهو يشعر بالضيق لعدم الوصول إليها.
فلم يجد أمامه سوى الهروب إلى أعماق البحر كعادته
توجه إلى الخزانة الصغيرة وإرتدى ملابس خاصة بالغطس لكنها ليست مكتملة ثم خرج إلى سطح السفينة
كان الموج عالياً والسفينة راسية تتراقص على لحن الأمواج العاتية
سقط في المياه مما جذب انتباه زمائلة في الكبينة فقال أحدهم
_داغر ده مجنون ازاي ينزل في مكان زي ده، وكمان مش اخد الادوات الكاملة معاه.
هز الآخر رأسه بيأس منه
_مفيش فايدة فيه كنت عارف انه هيعمل كدة.
امسك الهاتف وقام بالاتصال على كبينة المراقبة.
_نزل كاميرا تتبع للكابتن داغر تحسباً لأي خطر، ولو في اي حاجة كلمني فوراً.
…….
شعر داغر بالضيق عندما لمح كاميرا تتبع تسقط في المياه خلفه لكنه لم يعيرها اي أهتمام
يعلم جيدًا بأن يحيى زميله من فعلها كي يكون مطمئن عليه.
اخذ يغوص ويتعمق أكثر يريد أن يشغل تفكيره عنها قليلًا لكن يبد أن لا فائدة
فقدت استعمرت كل كيانه ولن يستطيع شيء ابعاد تفكيره عنها
ظل يتعمق أكثر دون أن يشعر حتى ابتعد أمتار عديدة
وحينها وجد أمامه هوة سحيقة في القاع
تطلع لسطح المياه فوجد أنه تعمق كثيرًا
رسى على مشارف تلك الهوة وأخرج الكاشف المضيء ليستكشفها فيجدها تشبه حفرة واسعة.
فكر في النزول إليها واستكشافها لكن تلك تعد مخاطرة قصوى
فكر في التراجع لكن روح المغامرة جعلته يفكر في المجازفة تلك.
تطلع إلى مؤشر الأكسجين فوجد أنه من الممكن ألا يتحمل كما أن الكاميرا المراقبة له لن تستطيع التصوير جيدًا داخل تلك الهوة.
لكنه قرر استكشاف المكان ولن يتراجع
نزل للأسفل وقد كان الظلام هو سيد الموقف والكاشف الضوئي يساعد بالقليل
اخذ يتعمق أكثر حتى لاحظ اعمدة تبدو أنها لسفينة
تعمق أكثر فبدأت تظهر أمامه سفينة قديمة غارقة في تلك الهوة
كانت اضاءت الكاشف محددة فلم يستطع تبينها جيدًا
لذا توقف وأخذ يمرر الكاشف على المكان فيرى أنها كبيرة وقد مر عليها عقود وقد كستها الطحالب البحرية فلم تظهر أمامه سوى هيكل لسفينة
تقدم منها أكثر وولج داخلها فيجد بها أسلحة قديمة وصناديق لا عدد لها
كانت بها غرف قليلة وكأنها مخازن لتلك الصناديق.
فتح أحد الصناديق الموضوعة جانبًا فوجد أنها مغلقة بإحكام
تلفت حوله يبحث عن شيء يساعده في فتحها
حتى سقطت عينيه على شيء يشبه الرمح مخصص للصيد
أخذه وقام بفتح الصندوق به، وبعد محاولات كثيرة فتح معه
رفع الغطاء وأسنده على الحائط خلفه
فوجد به اسلحة قديمة قد عفى عليها الزمن، يبدو أنها لأحد القراصنة القدامى
تركه وفتح الآخر وجد بداخله عملات ذهبية تعود لدولة إسبانيا قديمًا
أغلق الصندق وتطلع حوله فيجد حقيبة صغيرة معلقة على أحد الجدران.
تقدم منها وقام بفتحها فيجد بها صندوق صغير يحتوي على بوصلة ذهبية مرصعة بأحجار كريمة.
ابتسم عندما تخيل حبيبته أمامه ويهديها إياها.
انتبه فجأة لحركة قوية خلفه جعلته يستدير مسرعًا كي يعرف ماهيتها…
❈-❈-❈
في غرفة أسيل
طرق بابها فظنت انها أمينة فسمحت لها بالدخول
_ادخلي يا دادة.
انفتح الباب ودلف سليم بملامح جامدة عكس ما بداخله من تعاطف تجاهها
فقد تعود ان يكون حاد في تعامله كوالده
_سليم؟
اندهشت أسيل فور رؤيته وخاصة عندما تحدث
_مشفتكيش من امبارح مع إننا في بيت واحد، قلت تكوني تعبتي تاني.
تعجبت أسيل فهذه تعد المرة الاولي الذي يظهر اهتمام بها فقالت بنفي
_لا انا كويسة بس انت بترجع متأخر بكون نمت.
اومأ لها على نفس فتوره ثم خرج من الغرفة
توقف عندما نادته
_سليم.
التفت إليها يسألها بعينيه فقالت بعد تردد
_عايزة اسافر اسكندرية.
قطب جبينه مندهشًا من تعلقها بذلك المكان
_انتي مش لسة راجعة من قريب؟
ازدردت لعابها بصعوبة وقالت بتلعثم
_اه.. بس…
سألها بحيرة عندما توقفت
_بس ايه؟
رفعت بصرها إليه وتمتمت برجاء
_أرجوك يا سليم أنا مش متحملة اقعد في مكان واحد مع الست دي خليني اسافر يومين لحد ما اتأقلم على الحياة معها
تفاهم سليم مع حالتها لكنه تحدث برتابة
_بس ده أمر واقع ولازم هتعشيه، لو اصريتي على الهرب منه هتتعبي أكتر.
فركت يديها ببعضها وتمتمت برهبة
_معلش ريحني واقنع بابا إني اسافر يومين مع دادة.
اومأ لها بصمت ثم خرج من الغرفة.
❈-❈-❈
انقبض قلبه عندما استمع لصوت خلفه فالتفت مسرعًا ليجد أحد الأسماك التي سقط عليها باب الصندق والذي تنسى أن يغلقه
فتقدم منه ليحررها ثم أعاد غلقه حتى يبلغ السفارة الإسبانية بذلك.
تطلع للمؤشر الذي إنخفض كثيرًا وأوشك على النفاذ.
فاكتفى حتى الآن وقرر العودة للباخرة قبل أن ينفذ تمامًا
وأثناء خروجه من تلك الهوة سقطت الحقيبة من يده
حاول الوصول إليها قبل أن تسقط لكنها كانت ثقيلة بالقدر الذي جعلها تسبقه لتسقط داخل السفينة
أخذ المؤشر يصدر صوت تنبيها للنفاذ لكنه لم يبالي وعاد إلى السفينة ليصل للحقيبة لن يترك شيء وهبه لها
فقام بالمجازفة بحياته وعاد إلى السفينة
حتى انتهى الأكسجين تمامًا
تحامل على نفسه ووصل للحقيبة ثم قام بوضعها حول عنقه وخرج مسرعًا منها
لكن أعاقه تعلق الجهاز في أحد الأسياخ الجانبية في السفينة فحاول تخليصها لكن حاجته للهواء جعلت قوته واهنة
تطلع إلى أول الحفرة فوقه فشعر بها بعيدة بالقدر الذي لن يجعله يصل إليها دون أكسجين.
لم يجد حل سوى نزع الجهاز عنه والصعود للأعلى بأسرع وقت.
لكن بدأت عضلات قدمه بالتشنج فأصبحت حركته ضعيفة لاعتماده على قدم واحدة ولن يستطيع الوصول
ظل يعافر كي يخرج من الحفرة ويصل للكاميرا فينجده أصحابه لكن تشنجت قدمه الأخرى مما جعله يحمل على ذراعيه أكثر.
عليه أن ينجو ليس لأجله بل لأجلها
لن يكون سبباً في إحزانها بعد أن أقسم ألا تعرف الدموع إلى عينيها سبيلاً.
ظل يعافر وقد شعر بذراعيه تكاد تقتلع من شدة ضغط المياه عليها لكن لأجلها سيفعل المستحيل
بدأ الهواء ينفذ من رئتيه حتى أصبح على وشك الإغماء لكن لن يستسلم بتلك السهولة
هو وعدها بالعودة إليها وعليه أن يعود بهدية أخرى، وقد كانت تستحق أن يجازف لأجلها
فهي بوصلته التي مهما تاه وفرقهم الزمان عليها ان تعرف أن لا ملجأ لها سوى عشقهما
هي روحه التي حررتها من أسرها وجعلتها تهفو بنسائم عشق أذابته
لكن يبدو أنه اسرع دون أن يدري وبدأ يشعر بتنمل في ذراعه وكتفه الأيسر ونغزة حادة في صدره
بدأ عذاب وألم وعندها تشنج كامل جسده من شدة الضغط عليه وأعلن عن حاجته للتنفس وحينها توقف عن الحركة مستسلماً لمصيره
وكانت صورتها آخر ما رآه، وتساءل قبل أن يفقد وعيه
كيف سيكون وقع ذلك الخبر عليها؟
❈-❈-❈
دلف سليم المكتب مع والده كي ينهوا اعمالهم بشأن الفرع الجديد الذي يريدون تاسيسه في الخارج
وبدأوا الانشغال به
طرق الباب ودلفت العاملة وهي تحمل القهوة
وسليم يحاول بشتى الطرق عدم النظر إليها رغم صعوبة الأمر
وهي أيضًا تظاهرت بالثبات وهي تضع القهوة أمامه لكن عذابها هي أشد وأقوى
هو يستطيع السيطرة على مشاعره وثباته كما عوده والده بألا يكون عبدًا لعواطفه وأن يكون هو المتحكم وليس هي
عكس تلك الرقيقة التي تخرجت من الملجئ وعملت عنده مجرد خادمة
تهادت القلوب وتآلفت لكن دون وعود ولا أحلام واهمة
بل كان صريحًا معها من البداية" أحبك لكن لا أمل لمستقبل يجمعنا "
وعندما سألته لما قولتها إذًا
أجابها بذلك الهدوء القا.تل كي لا أكون حرمت قلبي من قولها
ومن وقتها وكل واحدٍ منهم يتظاهر بالثبات
ونيران الشوق تشتعل بداخلهم.
خرجت وخرجت روحه معها فروحه الخائنة لا تجتمع به إلا بوجودها
يتعذب ويشعر بالألم كلما تنفس الهواء التي تتنفسه في مكان واحد لذا يفضل دائمًا الهرب بعيدًا عن دائرتها
بذهن مشتت واصل عمله مع والده وتحتم عليه أن يكون منتبهًا معه
عليه أن يبعدها عنه كي يحميها من بطش والده
بعد الانتهاء تطلع سليم إليه قائلاً
_أنا عايز ابعت أسيل بكرة اسكندرية تقعد يومين هناك مع دادة أمينة
رد حسين باقتضاب دون ان يرفع وجهه عن الاوراق
_لأ.
_انا مش شايف سبب للرفض الفيلا هناك متأمنة كويس وهخلي عادل يكون معاهم
خلع حسين نظارته الطبية وتطلع لسليم قائلاً بجمود
_أسيل لازم تكون تحت عنينا لأن من صغرها وطبعها عاطفي، مقدرتش ازرع جواها اللي زرعته فيك بإن المشاعر ملهاش وجود في حياتنا يعني سهل أوي يضحك عليها
أوعى تفتكر إن حياتها في ايطاليا كانت بعيدة عن عيني، انا كنت متابع كل حركة وكل نفس بتتنفسه وهي كانت ملاحظة حاجة زي دي وعشان كدة هي كانت ماشية جانب الحيط بس لو حست إنها بحريتها هتنطلق فيها ووقتها الغلط هيكون مباح
يعلم سليم جيدًا بأنها نظرية خاطئة وإن ترك جزء بسيط من الحرية سيحاول الانسان بكل الطرق الحفاظ عليها
لكن ذلك السجن سيجعل الإنسان يحارب بكل الطرق كل ينول قسطًا منها
_بس دادة أمينة هي اللي مربياها واكيد هتخاف عليها زينا وكمان هخلي عادل عينه عليهم مش شايف أي سبب للرفض.
وافق حسين على مضد ليس لأنه وافق على الفكرة لكنه وافق فقط كي لا يرفض قرار سليم
فقد عوده من صغره ان يكون ذا كلمة تسمع وقرار يتبع كي يجعله بذلك الجمود
ولا يعرف شيئاً عن ذلك القلب المتخفي بنبضاته العاشقة.
ظلت أسيل حبيسة غرفتها لا تخرج منها حتى الطعام يأتي إليها
طرق الباب ودلف سليم بملامحه الواجمة وتمتم بجمود
_جاهزة بكرة الصبح للسفر ولا خليها آخر النهار.
لم تصدق أسيل ما أخبرها به سليم لذا سألته
_تقصد اسكندرية
أومأ لها فنهضت مسرعة وهو ترد بفرحة
_من دلوقت لو عايز.
انفلتت ابتسامة خافتة من اسرها على فمه ورد باقتضاب
_خليها بالنهار افضل عشان مقلقش عليكي، إن احتاجتي حاجة كلميني على طول.
اومأت له فخرج هو دون ان يضيف كلمة أخرى
❈-❈-❈
عاد إلى غرفته وخلع سترته ملقيًا إليها على المقعد أمامه ثم تلاها رابطة العنق والزرار الأعلى كأنه يشعر بالاختناق
ولما لا وكل شيء حوله يشعره بذلك وتلك القيود التي كلما كبر كلما أشتد وثاقها عليه
حتى عندما دق قلبه اختار المستحيل ليركض خلفه
فتح باب شرفته ليأخذ نفس عميق ربما يخفف من حدة الأختناق لكن مرت من امامه سارقة الأنفاس
تلك الفتاة التي صدمت به عندما كانت تهرب من ذلك الرجل الذي كان يطاردها لأنها لم تستطيع دفع أجرة السيارة التي نقلتها إلى فيلاتهم للعمل بها
تذكر كيف تحامت به ووقفت خلفه عندما دلف خلفها الرجل
فلاش باك
سار سليم في حديقة المنزل في يوم عطلته يستمتع بالسير بها وفي ذلك الوقت المبكر
حتى انه سمح للأمن بأخذ أجازتهم أيضًا كي يغلق البوابة الحديدية ويستمتع بذلك الهدوء وخاصة بعد انصراف أبيه وزوجته
تفاجئ بفتاة تدلف مسرعة من البوابة وتختبئ خلف أحد الأعمدة
قطب جبينه بحيرة وهم بسؤالها لكنه تفاجئ برجل يدلف خلفها يبحث عنها
فقال سليم بحدة
_في ايه؟
انتبهت الفتاة لوجوده وظنته عاملًا به فأسرعت تتحامى به وهي تقول برجاء
_الحقني ياخويا بسرعة الراجل ده عايز يسرقني.
_أخويا
ردد اللقب بتعجب وقد ازداد الامر عندما تقدم الرجل منهم وهو يقول بانفعال
_تعالي يا حرامية انتي فاكرة ان في حد هيخلصك مني.
تدارت الفتاة خلفه وهم الرجل بجذبها لكن سليم منع يده للوصول إليها وقال بلهجة حازمة
_أبعد ايدك.
كانت لهجته هادئة لكنها حازمة جعلت الرجل يتراجع وغمغم بامتعاض
_دي بنت حرمية ركبت معايا من حدايق القبة لحد هنا بعشرين جنية.
تطلع سليم للفتاة خلفه وسألها
_صحيح الكلام ده؟
هزت كتفيها باستسلام فعاد بنظره للرجل وهو يخرج بعض الأموال من جيبه ومده لهم تحت نظرات الفتاة المنبهرة بالمبلغ الذي اخده الرجل
_من ايد ما نعدمهاش يا باشا، تؤمر بحاجة؟
لم يرد عليه سليم فانسحب الرجل وهو يعد المبلغ بيده حتى خرج من المكان.
استدار سليم لينظر إليها فوجد فتاة بسيطة تدل ملابسها انها تعيش حياة بائسة حقاً
لكنها جميلة، بل اكثر من ذلك
فسألها
_وانتي مش هتمشي؟
ارتبكت الفتاة وردت بتلعثم
_مـ…ـش لما…اعرف الأول انت اديت كام للسواق؟
قطب جبينه بحيرة وسألها
_ليه؟
ردت مسرعة
_عشان اردلك الفلوس انت اكيد بتشقى بيها في البيت الكبير ده
رفع حاجبه بدهشة من وقاحتها وهم بالرد عليها لولا صوت شهد
_وعد..
التفت كلاهما لشهد التي تقدمت منهم بإحراج وقد باد عليهم انها سمعت جملتها الأخيرة فقالت بأسف لسليم
_انا أسفة أوي يا سليم بيه أصلها متعرفش حضرتك
جذبتها من ذراعها تدفعها أمامها وهي تقول بغيظ
_هتودينا في داهية منك لله.
باك
ابتسم سليم لتلك الذكرى لكن ابتسامته لم تلبس ولو قليلاً واختفت
ظلت عينيه تراقبها وهي تجلس وحيدة في حديقة المنزل وتمسح بيدها دموعها بين الحين والآخر
❈-❈-❈
في مكان آخر
ظل الرجل يزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا بقلق بالغ حتى طرق الباب ودلف المحامي الخاص به
_ايه يا توفيق بقالي ساعة مستنيك.
وضع الرجل حقيبته على الطاولة أمامه وقال بانفعال وهو يجلس على المقعد
_بحاول ادور على اي ثغرة تخرج ابنك من المصيبة دي.
جلس حامد قبالته وسأله بقلق
_يعني ايه؟
_يعني الولد رافض يعترف على نفسه رغم المبلغ الكبير اللي اتعرض عليه
والمصيبة الكبرى ان المستشار اللي ماسك القضية نزيه مش بيقبل أي رشاوي يعني سكتنا مقفولة.
ظهر الخوف واضحًا عليه
_والعمل؟ لازم تشوف أي سكة للراجل ده.
رد المحامي بخبث
_ما هو ده بقا اللي جاي عشانه.
قطب الرجل جبينه بحيرة فيضيف المحامي
_خطة هتخلي المستشار ده ييجي يبوس على ادينا مش بس يلبس الولد ده القضية.
………….
اغلق خليل الملف أمامه ثم عاد بظهره للوراء وهو يتنهد بتعب
فتلك القضية معقدة حقًا
فذلك الشاب ينفي التهمة وهو بخبرته يستطيع معرفة إذا كان صادقاً أم لا
الجلسة القادمة ستكون الأخيرة وسيعمل بكل الطرق على اظهار الحقيقة
ضغط على الزر فيدخل السكرتير الخاص به
_اؤمر يا فندم
قدم الملف له وهو يقول
_اعملي نسخة من الملف ده وهاته فورًا
أخذ السكرتير الملف وذهب ليطبع النسخة أم شعر بالتعب وقرر الانصراف والعودة للمنزل
عاد خليل إلى المنزل فوجد فتاة في العشرين من عمرها تنتظر أمام البوابة الداخلية
تقدم منها ليسألها عن سبب وقفتها لكنها بدأت هي
_حضرتك خليل بيه.
رد خليل متعجبًا
_ايوة يا بنتي خير؟
فركت الفتاة يدها بتوتر وقالت
_أصل انا جاية تبع مكتب "مديرة منزل" كنت جنابك كلمتهم عشان عايز شغالة.
تذكر خليل ذلك الأمر
_اه اه افتكرت ادخلي جوه عند أم وجيه وهي اللي هتعرفك شغلك هيكون ازاي.
أومأت الفتاة ودلفت خلفه ثم أشار لها باتجاه المطبخ.
•تابع الفصل التالي "رواية جبل النار" اضغط على اسم الرواية