Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثاني عشر 12 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثاني عشر 12 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل الثاني عشر»

                            ***

"أنا هسألك حاجة وأقفل على طول" 
قالتها إيمان فشعر يوسف بالغرابة حول سؤالها، تنهد وانتظر مواصلة حديثها التي تابعته بنبرة مهزوزة:
_ سبق وقولتلي إني أختك ومصلحتي تهمك، أنا عرفت من بابا إن أنت جيت النهاردة، أنا عايزة أعرف رأيك..

قطب يوسف جبينه، فما أهمية رأيه في ذلك، حالة من السكون طالت مدتها حتى أجاب يوسف مختصراً:
_ رأيي قولتو لخالي
_ "وأنا عايزة أسمعه منك"
قالتها إيمان مُصرة على سماع إجابته بينما أخرج يوسف تنهيدة مطولة، على الرغم من نفوره من تلك المحادثة إلا أنه سيواصل من أجل صديقه:
_ لو فعلاً عايزة رأيي، فأنا قولتلك رأيي قبل كدا

بعدم استيعاب سألته:
_ قولت إيه؟

نهض يوسف من على الفراش وسار في الغرفة ثم استرسل:
_ قولتلك خدي اللي بيحبك هيديكي مشاعره وقلبه ووقته وفلوسه وهيتقي ربنا فيكي، ووقتها كنت أقصد "بلال"
أنا كدا قولت كل اللي عندي، فكري كويس قبل ما تبلغي خالي برأيك 

كلماته كانت بمثابة إنهائه للمكالمة، لم تطيل هي وكادت أن تغلق إلا أن يوسف لحق بها: 
_ إيمان..

أجابته بلهفة:
_ نعم 

بهدوء أردف:
_ لو سمحتي لو حصل نصيب بلاش المكالمات دي تاني.. 

تشدقت إيمان بسخرية، لم تعقب بل أنهت المكالمة على الفور ثم ألقت هاتفها على الفراش بعصبية وهي تهتف بعدم تصديق:
_ بلاش المكالمات دي تاني!! 

نظرت حيث تمكث والدتها أمامها وقالت من بين بكائها وهي تشير على نفسها:
_ أنا حاسة إنه طلب من صاحبه يتقدم لي عشان يخلص مني! 

نهضت هادية بوجه عابس وصاحت هاتفة لإعادتها لصوابها:
_ يبقى تندميه، تثبتي له إن صاحبه مشافش النعيم غير على إيدك، وإنه دخل الجنة لما خطبك!

بكت إيمان كثيراً، لا تستوعب ما تطالبها به، وكأن الأمر بتلك السهولة، توجهت نحو الفراش واعتلت طرفه وأردفت وهي تطالع الفراغ أمامها بنبرة مهزوزة:
_ محسساني إن فيه زرار هدوس عليه أعرف أتعامل مع حد تاني

حركت رأسها ناحية والدتها وتابعت بتحسر شديد:
_ دا أنا معرفتش أعمل صاحبة واحدة طول الـ السنين اللي فاتت دي، معرفتش راجل حتى على سبيل الزمالة، مبعرفش أتعامل مع أي حد غريب عني، كل دا عشان كنت مركزة مع واحد وبس، واحد مفكرش مرة إنه يبصلي بنظرة مختلفة، محاولش يديني فرصة يمكن نظرته ليا تتغير ويحبني، دا أنا ضيعت عمري وشبابي كله بتمناه، برسم وبخطط لحياتي معاه، كل دا ضاع!
أنا حاسة إني كنت نايمة وصحيت فجاءة على عالم مش بتاعي، عالم معرفوش، مطلوب مني أتعامل مع ناس معرفش إزاي أتعامل معاهم، اتأقلم على راجل تاني غيره!  
إزاي هقدر أعمل كدا؟
أنا مقهورة أوي على كل اللي ضاع من عمري عشان واحد ميستاهلش ربع حُبي، أنا كنت مغفلة لما أقنعت نفسي إن الدنيا وردية والأحلام بتحقق
مفيش حاجة بتتحقق يا ماما 
والمصيبة إني كنت شايفة دا بعيني، بس عاندت وفي الآخر عِندي مكسرش غيري. 

ربتت والدتها على ظهرها بحنو وأردفت بعض الكلمات المشجعة: 
_ يبقى تعملي اللي قولتلك عليه، تثب...

قاطعتها إيمان بتحركها من مكانها وصاحت بإنفعال شديد:
_ بس أنا مش عايزة أثبت لحد حاجة، أنا عايزة أعيش لنفسي وأعوضها عن اللي اتسببت فيه 

وقفت هادية أمامها ولم تعترض ما تريده بل وافقتها الرأي حيث قالت بهدوء:
_ خلاص يا حبيبتي، اعتبري العريس دا هو العوض ليكي..

جهشت إيمان باكية بحرقة، لا يتقبل عقلها ذلك التغير المفاجئ، كيف عليها السير في طريق لا تعلم إن كانت ستنجح في تخطيه أم لا، كيف تتقبل رجلاً آخر غير الذي سكن فؤادها، كيف ترسم طريقاً جديد لحياتها مع غيره بعدما اجتازت طريقها مع يوسف في عقلها، كيف ستفعلها؟!

ضمتها والدتها بقوة لعلها تضمد جروحها وتدواي آلامها. 

                               ***

أنتبه يوسف لدخول شقيقه فترك الملف الذي كان يتفحصه، لاحظ جمود الآخر فسأله مستفسراً عما به:
_ في إيه مالك؟

شكل زياد بسمة لم تتعدى شفتيه وهو ينفي وجود أي شيء مريب:
_ مفيش، عايز أنام 

حرك يوسف رأسه متفهماً أمره ثم انسحب إلى الخارج ليكمل قراءة ملف السيارات التي أحضره بلال في الصباح.

"بلال!"
ردد يوسف إسمه حينما تذكره، كاد أن يهاتفه إلا إنه تريث، فالوقت كان متأخراً، ولابد أن يكون قد غفى، ففضل مراسالته بدلاً عن مهاتفته، أرسل إليه رسالة على الواتساب مضمونها كان
"أنا عملت اللي عليا، الباقي عليك، ورينا شطارتك" 

تقوس ثغره للجانب مشكلاً إبتسامة حين تخيل ردة فعله عندما يقرأ رسالته، لم تمر دقيقة إلا وهاتفه بلال الذي هلل غير مصدق:
_ أحلف 

قهقه يوسف مؤكداً: 
_ والله خلصت لك الموضوع، الدور عليك 

بحماسة شديدة هلل: 
_ يعني المفروض أعمل إيه؟

أخبره يوسف قائلاً: 
_ تتكلم مع أهلك وتروحوا تتقدموا 

أوصد بلال عينيه لبرهة وهو يعض على شفتيه السُفلى يحاول استيعاب الأمر، زفر بعض الأنفاس قبل أن يواصل استرساله بتردد:
_ قول إنك مش بتهزر يا يوسف وغلاوة لينة عندك

حالة من الذهول تملكت يوسف حينما ذكر بلال اسم لينة، تعجب من انتقائه لها خصيصاً دون غيرها، لكنه لم يريد أن يفسد تلك اللحظة الفريدة من نوعها على صديقه فأجابه دون تعقيب عما قاله: 
_ والله ما بهزر، شوف اليوم اللي يناسبكم وعرفني أظبط مع خالي 

صاح بلال الذي أسرت قلبه السعادة:
_ يا أخي ياريتك كنت قدامي، كنت بوستك 

شعر يوسف بالتقزز منه وهتف مستاءً: 
_ دا الحمد لله إني مش قدامك

انفجر بلال ضاحكاً بينما أردف يوسف بخبث: 
_ وفره لبعدين..

لحظة إدراك ما يدور خلف كلماته الجريئة، نهره بلال غير مصدق وقاحته:
_ اتلم يالا، تصبح على خير 

"وأنت من أهله"
هتف يوسف قبل أن ينهي المكالمة، واصل قراءة الملف الذي شعر بالغرابة حيال تلك السيارات الحديثة، يجب عليه الإنتباه جيداً قبل أن يقبل دخول تلك الصفقة معرضه. 

بعد فترة ليست بقصيرة، استمع لأحد الأبواب الذي فُتح فرفع نظريه تلقائياً مع سماعه صرير الباب، خفق قلبه بشدة حينما رأى تلك الطلة التي لم يرى مثلها من قبل. 

لم يتوقف قلبه عن الخفقان بصورة مضطربة لرؤيته لخصلاتها الكستنائية المموجة التي تنسدل بعضاً منها على عينيها خافية جزءاً من وجهها، مظهراً جذاباً لم يتمكن من غض بصره تلك المرة. 

لم يتحلى بتلك القوة التي يمتلكها أمام النساء فيغض بصره عنهن، شعر بنفسه الضعيفة التي أطالت النظر باستمتاع كأنه يشاهد فيلماً سينمائياً.

اختفت لينة خلف باب المرحاض، لم ترتدي حجابها ظناً أن الجميع نيام، فهي تكرر فعلتها من حين لآخر إن كانت في وقت متأخر متأكدة أنه لن يراها أحدهما، لكنها لم تحسب لتلك المرة مطلقاً. 

جمع يوسف أوراقه سريعاً ثم هرول نحو الغرفة قبل خروجها لكي لا يسبب لها الحرج إن رأته، كان في حالة لا يرثى لها، مازال قلبه يخفق بقوة، تمايل خصلاتها لا يريد الإقلاع عن عقله. 

لا يستطيع تفسير ما يحدث له، فقط عليه النوم لكي ينسى ما رآه، فلم يكن عليه رؤيتها في تلك الحالة الخاصة، التفت برأسه ناظراً إلى شقيقه النائم، راودته عشرات الأسئلة حينها وكان الأهم من بينهم "ماذا إن كان رأى أخيه تلك الطلة من قبل؟"

نفخ بضيق قد تملكه، شعر باختناق صدره، المزيد من الأوضاع التي تجتاحه دون أن يلم بمعناها، تشتت عقله ففضل النعاس ليجبر عقله على عدم التفكير بعد الأن. 

لم يجافيه النوم إلا بعدما تأكد من عودة لينة إلى غرفة والدته وأن أخيه لن يراها على تلك الحالة، أغمض عينيه فتشكلت صورتها في ظلامه، تسللت إبتسامة عفوية على ثغره لكنه سرعان ما أخفاها معاتباً نفسه الأمارة ثم حاول جاهداً أن ينام. 

                               ***

في الصباح الباكر، وخصيصاً في مطبخ المنزل، يجلس يوسف برفقة والدته التي هتفت بعدم تصديق:
_ بلال!

أماء لها يوسف مؤكداً:
_ أيوة يا أمي بلال، مالك استغربتي كدا ليه؟

جابت ميمي المكان من حولها بنظريها، في محاولة منها على هضم ما أخبرها به يوسف للتو، أجابته وهي تتشدق، لا يستوعب عقلها بعد:
_ مستغربة إن بلال اللي يطلبها، مش عارفة ليه بس حاسة الموضوع غري...

صمتت ميمي من تلقاء نفسها حينما جمعت الحقيقة في عقلها، عادت ببصرها إلى يوسف ورددت بأعين ضائقة:
_ أنت عشان كدا مكنتش موافق تتقدم لها؟!

حرك يوسف رأسه بتأكيد ثم أوضح بعض النقاط التي تجهلها:
_ دا سبب من الأسباب، أول سبب إني مش حاسسها، ومش هروح أتجوز واحدة لمجرد إنك عايزاني أتجوزها يا أمي، وتاني سبب كان بلال، وقت ما أعترف لي أنه بيحبها رفضت الكلام عنها معاكي، مينفعش أتكلم على واحدة ممكن في يوم تبقى عرض صاحبي.

للحظة أعادت ميمي أفكارها ثم تشكلت بسمة على ثغرها ورددت برضاء تام:
_ بس والله فرحت، بلال كويس وإيمان تستاهل كل خير 

تنهدت قبل أن تواصل:
_ ربنا يتمم لهم على خير يارب 

نهض يوسف عن كرسيه وهو ينهي آخر قضمة من شطيرته ثم تحدث بفاه ممتلئ:
_ أنا ماشي عشان أتاخرت  

اكتفت ميمي بإيماءة من رأسها، بينما دعت له بالتوفيق، توقف يوسف حين رأى خروج لينة من غرفة السيدة ميمي، قابلته هي بإبتسامة خجولة.

لم يرفع عينيه قط من عليها، يتذكر خصلاتها المموجة التي لمست شيء به، يعاتب ذلك الحجاب الذي يمنع رؤيته له مرة أخرى.

لعن ذاته لأنها تفكر بتلك الوقاحة، منذ متى ولينة كانت محور تفكيره بهذا الشكل، حمحم وسألها باهتمام:
_ رجلك عاملة إيه النهاردة؟

اتسعت عينيها وهي تجيبه مستاءة:
_ هي مش أحسن حاجة بس أحسن من إمبارح، أنا مش هقدر أروح النهاردة دورس هشوف مجموعة بكرة وأحضرها 

حرك يوسف رأسه متفهماً وضعها ثم قال بلطف:
_ سلامتك يا لي لي 

"لي لي!!"
_ بربك ماذا قلت للتو، تفاجئ كليهما بما قاله يوسف، لم يرتب لذلك قط، ابتلع ريقه وهو يطالع عينيها المصوبتان عليه بذهول، لا يستطيع تفسير ما يوجد خلفهما، أهذه نظرة إعجاب لتلقيبه الجديد، أم صدمة لأنها لم تتوقع منه ذلك؟

طالت إجابتها عليها فهرب يوسف من أمامها سريعاً معللاً سبب هروبه:
_ أنا نازل ورايا شغل كتير، لو احتجتي حاجة كلميني 

ابتعد عنها بضعة خطوات ثم أوقفته لينة بندائها:
_ يوسف..

التفت برأسه فأردفت هي ببسمة عذبة ونبرة رقيقة: 
_ الله يسلمك 

بادلها إبتسامة ثم تابع خطواته إلى الخارج، لم ترفع لينة نظريها عن الباب الذي اختفى خلفه، قلبها يطرب فرحاً لذاك اللقب الجديد والفريد من نوعه، فكان أول من يناديها "لي لي" وبالطبع لن تسمح لغيره بقوله.

قرع رنين الجرس فتقدمت نحوه لتفتحه، فإذا بها شهد صديقتها جاءت للإطمئنان عليها قائلة بشفقة:
_ سلامتك يا روحي 

" الله يسلمك يا شهد، تعالي" 
قالتها لينة مجيبة إياها ثم حضرت السيدة ميمي مرحبة بها: 
_ إزيك يا شهد، وإزاي مامتك أخبارها إيه؟

بحرج شديد ردت عليها:
_ بخير يا طنط الحمد لله، معلش جيت بدري، بس كنت عايزة أطمن على لينة قبل ما أروح دروسي 

تشكل الإستياء على وجه ميمي، وهتفت معاتبة:
_ دا بيتك يا حبيبتي تيجي في الوقت اللي تحبيه 

هدرت شهد ممتنة: 
_ ربنا يخليكي يا طنط 

استأذنت كلتاهن لدخول الغرفة، اعتلت لينة طرف الفراش بحذر لكي لا تؤلمها قدمها ورددت بملل:
_ اليوم لسه طويل أوي، هقعد أعمل إيه كل دا لوحدي 

تأففت بملل شديد ثم تحولت تقاسيمها إلى الحيوية وبنشاط واضح في نبرتها أمرت صديقتها:
_ بقولك إيه هاتي لما نحط ميك آب أهو أي حاجة تغير لي مودي 

فحصت شهد المكان من حولها باحثة عن مستحضرات التجميل ثم تسائلت ساخرة: 
_ مش شايفة أي ميك أب خالص 

أشارت لينة إلى إحدى الحقائب ذات اللون الوردي وقالت:
_ في الشنطة البينك اللي على التسريحة دي 

اتجهت شهد ناحيتها ثم أحضرتها وبدأن في وضع المساحيق المبالغة، فلا تسنح لهن الفرصة في وضع الكثير منه في الخارج، رفعت لينة المرأة البيضاوية الصغيرة التي بيدها وتفحصت ملامحها، ثم أغلقت شفتيها على بعضهما البعض لكي توزع أحمر الشفاه عليهما كاملاً.

أخفصت المرآة ثم وجهت سؤالاً إلى صديقتها التي لازالت تضع اللمسات الأخيرة:
_ ها إيه رأيك؟

نظرت إليها شهد بطرف عينيها ثم أرغمت على ترك ما معها لتتفحص ملامح لينة جيداً، ابتسمت بعفوية وهي تخبرها عن رأيها بلهجة صعيدية:  
_ يا بوي على الحلاوة يولاد، دي أني لو راجل كنت اتچوزتك يابه 

قهقهت لينة عالياً وهتفت من بين ضحكاتها:
_ ربنا يحرسني لشبابي 

شاركتها شهد الضحك ثم قضين وقتاً ممتعاً معاً. 

                             ***

اقتحم بلال مكتب يوسف الذي لم يتفاجئ بطريقة دلوفه، حرك رأسه مستنكراً عادته التي لن تتغير وردد ساخراً: 
_ حاسس إنك لو دخلت باحترام مرة واحدة الكوكب هينتهي 

قهقه بلال ثم لم يكترث كثيراً لما قال، فالحماس دون غيره يسيطر عليه الآن، اقترب من يوسف ثم أخفض نظريه عليه وسأله وهو يفتح العُلبة التي بيديه:
_ إيه رأيك، بس بصراحة، لو وحش قولي عشان أرجعه

نظر يوسف لما تحتويه العلبة، ابتسم حين رأى خاتم رقيق، وأبدى إعجابه به: 
_ جميل أوي، دا لمين دا؟

قلب بلال عينيه مستاءً من سؤاله الساذج، أولاه ظهره وذهب ليجلس على أحد المقاعد وأجابه:
_ لإيمان، هيكون لمين يعني؟

عقد يوسف ما بين حاجبيه متعجباً من رده، ثم حاول ألا يعطي الأمر أكبر من حجمه وسأله مستفسراً:
_ أنت حددت معاد خلاص؟

بتلقائية أردف بلال وهو يطالع الخاتم باهتمام:
_ ولا حد يعرف لسه 

ضرب يوسف وجهه براحة يده غير مصدق تصرفه الأرعن، تنهد قبل أن يلقي بكلماته المستاءة:
_ وشاري خاتم وبتسألني عن رأيي وأنت أصلاً مفاتحتش أبوك في الموضوع؟!

أغلق بلال العُلبة بإبهامه ثم التفت إلى يوسف ودون تكلف في الحديث هتف بعجرفة: 
_ دي سهلة دي، هما كلهم يتمنوا أشاور بس على واحدة، بنت خالك هتشوف دلع عمرها ما شافته

تقوس ثغر يوسف ساخراً وهو يسأله بفضول عما وراء كلماته:
_ إزاي يعني؟

وضع بلال العلبة على طاولة المكتب واستند بمرفقيه عليه قبل أن يجيبه بتكبر:

دلع هتلاقي، فلوس، هدايا، وحب هتلاقي كل حاجة تتوقعها هتلاقيها عندنا

لم يتأثر يوسف بعقلية بلال الساذجة وأردف بحكمة:
_ كل دول صدقني ولا يفرقوا قصاد إنك تتقي ربنا فيها 

قطب بلال جبينه وصاح متسائلاً بإقتضاب:
_ وأنت عندك شك في كدا ولا إيه؟

حرك يوسف رأسه نافياً ثم أكد بقوله: 
_ عارف، بس بأكد عليك، عارف يا بلال إيه اللي ممكن ينجح أي علاقة؟ 

استند بلال بذقنه على راحة يده وطالع يوسف بنظرات ساخرة مجيباً إياه:
_ إيه يا روميو؟

رمقه يوسف بنظرات متهمكة ثم تابع بنبرته الرخيمة: 
_ إنك في الزعل تفضل زي ما أنت، تتعامل بطبيعتك وطريقتك بس تتجنبوا الكلام في الموضوع اللي زعلانين فيه، وتحددوا له وقت تتعاتبوا فيه

بعدم استيعاب بعد لحديث يوسف تسائل بلال باستفسار:
_ يعني إيه أفضل زي ما أنا؟! 

أوضح له يوسف ما يقصد بسلاسة دون تعقيد:
_ يعني متاخدش جنب وتتجنبها وتقوم بالدور اللي هي بتقوم بيه، متحسسهاش إنك تقدر تعمل كل حاجة بنفسك ومش محتاج لها، أنت كدا بتعمل حاجتين

رفع يوسف إصبعيه وأشار على الأول وتابع استرساله: 
_ أول حاجة إنك بتقولها ملكيش لازمة 

انتقل إلى إصبعه الثاني وواصل:
_ وتاني حاجة بتكبر الفجوة اللي بينكم وفعلاً بتقدر تستغنى عنها لو مش دلوقتي فبعدين 

صاح بلال ساخراً:
_ قول يا نزار يا قباني قول وأطربني 

بحث يوسف بعينيه سريعاً على شيئاً يمكنه إلقائه عليه، أمسك بمزهرية صغيرة الحجم وألقاها عليه بغيظ شديد هاتفاً بحنق: 
_ أنا غلطان إني بتكلم مع واحد زيك 

لَقِفها بلال قبل أن تسقط أرضاً وأعادها إلى موضعها وهو يردف متسائلاً: 
_ وأنت عرفت الكلام دا منين يا حنين؟

أشار يوسف بيده على الأرفف الخشبية خلفه والتي تضم بعض الكتب وقال موضحاً:
_ من القراية يا ظريف

حقاً ينتابه الفضول حول ذلك اليوم الملئ من الأمور التي ينهيها في فترة وجيزة، تنهد ثم سأله بفضول شديد: 
_ أموت وأعرف بتجيب وقت منين لكل دا، شغل وقراية ومننساش البرنسيس لينة 

نهره يوسف بإقتضاب: 
_ ملكش دعوة بيها يا خفيف وقصر 

حرك بلال راسه لا يصدق رفضه المستمر في الحديث عنها، ابتلع ريقه وبحنق صاح:
_ لا أنا بدأت أغير منها، دا أنت مبتهتمش بصاحبك نص الإهتمام دا 

تأفف يوسف ثم قلب عينيه وردد مستاءً: 
_ أنت عبيط يا بلال، أنت يا حبيبي حاجة وهي حاجة، أنت صاحبي وأخويا 

صمت يوسف وكأن الحوار انتهى، بينما لم يكتفي بلال بتلك الإجابة الناقصة وأردف سؤاله: 
_ وهي إيه يا صاحبي؟

بتلقائية أجابه:
_ أمانة صاحبي.

أستاء من إجابته التي لم تتغير منذ سبعة أعوام، لم يستطيع أن يمرق الأمر كسابق مراته وقال: 
_ أنت ليه عمرك ما شوفتها مثلاً أختك، دايماً بترد إنها أمانة، يعني إيه أمانة دي؟ مكانتها إيه يعني؟ 

فكر يوسف لوقت قبل أن يجيبه:
_ مفكرتش قبل كدا في مكانتها، أصل هتفرق إيه يعني، المعاملة والأسلوب والمسؤولية عمرهم ما هيتغيروا

نهض بلال ليهم بالمغادرة، ثم التقط علبة الخاتم وهو يردد بحماسة:
_ طب سلام يا حنين 

"سلام يا بارد"
قالها يوسف ثم هاتف السيد سمير لكي يخبره بما توصل إليه حديثاً في مجموعة السيارات التي تفقدها جيداً. 

                              ***

مالت برأسها على كتف صديقتها متسائلة عما تفعله:
_ بتعملي إيه؟

تأففت لينة بضجر ثم ألقت بهاتفها على الفراش بعدما فشلت في الوصول إلى مرادها، تنهدت شهد وطالعتها بشفقة وهي تقول:
_ أنتِ لسه بدوري عليه؟!

أوصدت لينة عينيها لبرهة في محاولة منها على التماسك لكي لا تتلف أعصابها وأردفت بنبرة مهزوزة: 
_ مش لاقية حاجة عنه خالص، معقول في بني آدم في العمر دا معندوش أي صفحة تواصل؟! 

أخرجت تنهيدة مهمومة قبل أن تواصل بحزن شديد:
_ مفكرش حتى يسأل فيا ولا يدور عليا، سبع سنين من غير ما أسمع صوته، من غير ما يطمن عليا معقول موحشتوش، أومال لو مكنتش توأمه؟! 
والمفروض يبقى حاسس بيا، بس الظاهر إني مش في دماغه أصلاً، إنجلترا نسيته أهله

صمتت لينة ثم رددت ساخرة: 
_ تقريباً اعتبرني مُت مع اللي ماتوا!

شعرت شهد بالشفقة حيالها، أدمعت عينيها متأثرة بمشاعرها التي تفيض بيها، اقتربت منها وضمتها بقوة لعل فعلتها تنجح في تضميد جرحها. 

بعد مدة ابتعدت عنها لينة وأخبرتها بإمتنان:
_ شكراً عشان أنتِ موجودة مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه

اتسع ثغر شهد بإبتسامة وهي تشاكسها: 
_ روميو موجود برده يسد مكاني 

غمزت لها بعينها فابتسمت الأخرى بحياء، تلونت وجنتيها بالحُمرة فهللت شهد غير مصدقة: 
_ بتتكسفي يا لينة مش ممكن 

لكزتها لينة في ذراعها ومن ثم اختفت ابتسامتها وبدأت تردف ما يكمن بداخلها: 
_ أوقات بحس إني غلط ومينفعش أعمل كدا، بس بجد غصب عني، يوسف هو مصدر الحماية والأمان بالنسبة لي، أنا ببقى مطمنة وهو موجود، البيت والدفا والعيلة بيتمثلوا فيه هو، هو اللي عطاني كل دول تاني بعد ما راحوا مني، تعرفي بحب ملامحه أوي.. 

تقوس ثغرها ببسمة عذبة متذكرة ملامحه الرجولية الجذابة: 
_ بحبه يضحك عشان أشوف غمزاته، بحب حتى النقار بينا، كل حاجة فيه حلوة، لكن أنا حلوة بيه وبوجوده، أنا بحبه أوي يا شهد...

زفرت دمعة على مقلتيها مناقضة حديثها السابق: 
_ وفي نفس الوقت بحس إني أنانية أوي، أنا وقفت له حياته كلها، مش مهتم غير بيا وبمصلحتي وبرضايا، مأجل جوازه عشاني، مأجل مستقبله كله بسببي، والمشكلة إني مش مضايقة أنا مبسوطة بكدا عشان مش عايزاه يكون لحد تاني، عايزاه يوم ما يفكر في مستقبله يبقى معايا أنا وأكون جزء منه. 

اقترحت عليها شهد وهي تطالع الفراغ أمامها:
_ ما يمكن أنتِ اللي شايفة كدا بس، يعني يمكن هو اللي عايز يأجل حياته ومستقبله، مش يمكن يكون بيح....

قاطعتها لينة بنبرة مهزوزة:
_ أنا بالنسبة له أمانة وصاه صاحبه عليها قبل ما يموت!

استنكرت شهد تفكيرها الساذج وهتفت بمعتقداتها: 
_هو فيه حد بيعمل كدا لمجرد وصية؟ دا أنتِ خالك نفسه سابكم ومهتمش بيكم، واحد غريب هيصون الأمانة بالطريقة دي؟

عارضتها لينة قائلة: 
_ أيوة يوسف يعمل كدا، يوسف بيتقي ربنا في أهله مش أنا بس، وفي شغله كمان، بيدي لكل حاجة حقها وزيادة وصاحب صاحبه أوي، وبما إني أخت صاحبه اللي وصاه عليا أنا وعلي فأنا شايفة اللي بيعمله دا طبيعي جدا لشخصية زي يوسف!.

شعرت شهد بأنها لم تعد تعي شيء، تفحصت ساعة يدها ثم شهقت بذعر حين رأت تأخر الوقت، انتفضت من مكانها وهي تردد:
_ أنا اتاخرت أوي

هرولت إلى الخارج بخطوات سريعة، تابعتها لينة بتهمل بعدما التقطت حجاب رأسها، فهي بالكاد تستطيع الضغط على قدمها، ودعتها شهد بحرارة ثم أغلقت الباب.

تفاجئت لينة بفتح الباب مرة أخرى وإذا به يوسف، تعجبت من قدومه فهو لا يأتي في مثل ذلك الوقت، قطبت جبينها بغرابة وسألته مستفسرة:
_ أنت كويس، أصل مش بتيجي في الوقت دا

اقتربت منها يوسف وهو يجيبها بإبتسامة لا تعلم سببها:
_ جيت أطمن عليكي وراجع تاني..

كان يطالعها بنظرات مريبة، وابتسامته تزداد كلما مر الوقت عليهما، ابتلعت لينة ريقها بخجل وهربت بعينيها بعيداً عنه، بينما لم يرفع يوسف نظريه عليها، يطالعها بإعجاب شديد فلم يراها على تلك الحالة الجريئة من قبل.

حمحم يوسف قبل أن يردف متسائلاً:
_ ميمي فين؟

أجابته باختصار:
_ في المطبخ..

حرك رأسه متفهماً ثم همس لها وهو يمر بجوارها:
_ المكياج حلو أوي..

تركها وتابع تقدمه نحو المطبخ بينما اتسعت مقلتيها بذهول، مدت يدها وتحسست شفتيها فتفاجئت بذلك اللون الأحمر الذي ترك أثره على إصبعها، أخرجت زفيراً عميق وهو تعود إلى الغرفة حتى تمسح آثار المساحيق التي نسيتها تماماً.

وقفت أمام المرآة ثم سحبت أحد المناديل الدائرية من علبتها الإسطوانية، كادت أن تمسح زينتها إلا أنها تراجعت، طالعت ملامحها وكلمات يوسف تتردد في عقلها، تدفقت الدماء في عروقها فشعرت بالحرارة في ثائر بدنها وخصيصاً وجنتيها.

ابتسمت بحياء يشوبه السعادة التي أسرت قلبها، تنهدت ثم أعادت المنديل القطني إلى علبته، قررت أن تترك زينتها بضعة من الوقت بعد، لربما يعيد كلمات الغزل خاصته ثانيةً.

استدارت بجسدها وأمسكت بمقبض الباب، زفرت بعض الأنفاس قبل أن تنسحب إلى الخارج، فتحت الباب أثناء خروج يوسف والسيدة ميمي من المطبخ، كذلك أنتبها ثلاثتهم إلى مجيء زياد من الخارج.

أعاد يوسف النظر إلى لينة التي مازالت على زينتها واقترب منها قبل أن تخطوا خطوة إلى الخارج وأمسك بمقبض الباب أمراً إياها:
_ امسحي اللي على وشك دا

أغلق الباب وتوجه ناحية أخيه متسائلاً عن أحواله:
_ ها عملت إيه في الإمتحان؟

بإقتضاب أجابه: 
_ ماشي حاله 

أوقفه يوسف بوضع يده على كتفه ثم أردف بنبرة هادئة:
_ كفاية إنك تعمل اللي عليك وبس 

ابتسم زياد له مردداً: 
_ بعمله يا يوسف متقلقش 

بادله يوسف الإبتسام قبل أن يسأله مرة أخرى:
_ هتخلص امتى؟

تنهد بنفاذ صبر فهو يريد الخلاص من تلك الدوامة التي لا تنتهي: 
_ كمان يومين 

"وأنا هبدأ" 
قالتها لينة من خلفهم بنبرة يملئها التوتر والخوف، استشعر يوسف خوفها، وحاول تشجعيها ببعض الكلمات: 
_ أنتِ قدها يا لي لي ولا إيه؟

تلألأت العبرات في عينيها ثم انسحبت إلى الغرفة عندما فشلت في مجارة الحوار معه كما تفعل دوماً، تحدثت السيدة ميمي وهي تطالعها حتى اختفت من أمامهم: 
_ مأصليش شوفتها خايفة كدا 

شهيقاً وزفيراً فعل يوسف وهو يفكر في شيء يمكنه محي توترها ذاك، ابتعد عن الجميع بينما ولج زياد غرفته ليبدل ثيابه، كما انتهزت السيدة ميمي فرصة تواجدهم جميعاً وذهبت لتحضر الغداء.

أنهى يوسف مكالمته التي طالت لبضعة دقائق بقوله:
_ بس أكيد النهاردة، تمام شكراً، مع السلامة 

جلس أربعتهم حول الطاولة وبدأوا يتناولون طعامهم، كما لاحظوا حالة لينة المضطربة، فهي في العادة لا تكون هكذا لكنهم لم يعقبَ. 

                              ***

حل المساء، الجميع في غرفهم، عدا يوسف الذي يقف في نافذة الردهة في انتظار أحدهم، لفت انتباهه إحدى السيارات التي وقفت أسفل بنايتهم، ومن ثم صدح رنين هاتفه. 

أجاب وهو يعود إلى الداخل:
_ تمام، إحنا الدور التاني

وضع هاتفه على الطاولة ثم توجه إلى غرفة والدته، طرق بابها بهدوء، جاءته السيدة ميمي فأخبرها بنبرة خافتة: 
_ الأوضة بتاعت لينة جت متخرجوش من الأوضة غير لما العمال يمشوا 

أماءت له بقبول ثم أغلقت الباب بينما نادى هو بصوت جهوري على أخيه ليساعدهم، نقل العمال الغرفة بمساعدة يوسف وزياد وقاموا ببنائها، ثم ذهب يوسف إلى غرفته وعاد مرة أخرى بعدما أحضر تلك الأرجوحة التي كان يخبئها في مكان بعيد عن الأعين. 

قام بتعليقها في زاوية مناسبة لها، ثم قام بوضع الأرفف الخشبية على أحد الحوائط المجاورة للأرجوحة، وأخيراً وضع المصابيح الصغيرة في الفراغات الدائرية في المرآة، انتهى من عمله وجاب الغرفة بعينيه متفحصاً كل ركن بها باهتمام. 

تنهد بارتياح وخرج منها ولم يصبر ثانية ليرى وجه لينة عندما ترى غرفتها الجديدة لطالما حلمت بكل ثغرة فعلها هو بها.

طرق باب غرفتهما وهو يردد بحماس:
_ ممكن تخرجوا دلوقتي

فتحت ميمي الباب أولاً ثم تابعتها لينة التي سألته بملل فمزاجها ليس في محله:
_ أنت كنت بتعمل إيه كل دا؟

بإبتسامة هادئة أجاب: 
_ تعالي وأنتِ تشوفي بنفسك 

قرع رنين هاتف السيدة ميمي فاستأذنت منهما قائلة:
_ أنا جاية أهو ياولاد 

عادت إلى غرفتها بينما توجه يوسف إلى غرفة لينة التي تبعته، ولج كليهما إلى الغرفة ثم فتح يوسف الإضاءة فظهرت معالم غرفتها الجديدة بوضوح.

اتسعت مقلتي لينة بذهول، لوهلة لم تصدق ما رأته، الغرفة تماماً كما كانت تتخيلها في عقلها، اختلست النظر إلى كل أنش بها، خفق قلبها بقوة كما ارتفع ادرينالها فتسبب في حماسة زائدة داخلها، ارتفعت ضحكاتها التي أسعدت قلب يوسف للغاية.

فهذا كان مراده من البداية، رؤية بشاشة وجهها وإعادة حيويته، تنهد ثم وقف يتابعها، بينما عادت إليه بسعادة غامرة لا تسعها، وبدون ترتيب مسبق عانقته ممتنة له: 
_ شكراً 

صعق يوسف من تصرفها المفاجئ، طالع أمامه بعينيان جاحظتان، لا يجرأ على التحدث أو إبداء أي ردة فعل وكأن حركته شُلت تماماً، تسارعت نبضات قلبه التي تستند عليه برأسها. 

هناك مشاعر متناقضة داخله، فجزء يرفض البتة وضعهما ذاك، والآخر يتمنى لو لا تنتهى تلك اللحظة مطلقاً.

انتبهت لينة على سخافة تصرفها، تراجعت للخلف بهدوء وقد تلونت وجنتيها بالحمرة الصريحة، حمحمت بحرج وأردفت بنبرة متحشرجة:
_ أنا آسفة بس أنا اتحمست و...

"دا كأن الأوضة لسه جديدة"
قالتها ميمي مقاطعة كلمات لينة التي لم تنتهي، لم يرفع يوسف نظريه عنها بينما لم تحاول لينة النظر إليه قط، ظلت منكسة الرأس تعقب فقط إذا حدثتها ميمي. 

انسحب يوسف من الغرفة وعاد إلى غرفته، لقد تملك الغضب منه، كز أسنانه بضيق شديد، فالأمر لم يروق له بالمرة، جرأتها معه لم يحبها، بل أحبها لذلك لم يحب إعجابه للوضع.

هي تصرفت بتلقائية غير مرتب لها، لكن ماذا عنه؟ لماذا لم يمنعها؟ ما تفسيره عن ضعف شخصيته حينها، لماذا خفق قلبه بتلك القوة لحظتها؟ رفع رأسه وطالع سقف الغرفة وهو في حالة ضياع تام، أخرج تنيهدة غاضبة لاعناً تقبله للأمر. 

"مالك؟"
سأله زياد باهتمام حين ولج للغرفة ولم يشعر به يوسف، حرك رأسه يميناً ويساراً نافياً وجود ماهو هناك، نهض وقال بإقتضاب:
_ مفيش، تصبح على خير 

بدل ثيابه ثم اعتلى الفراش، دسر الغطاء أعلى رأسه لكي لا يواجه أخيه، لم يكف عن تأنيب ذاته عما حدث، وظل يذكر نفسه بأنها وصية صديقه ولابد أن يحافظ عليها ولا يسمح بحدوث شيء كهذا مرة أخرى.

في الغرفة المقابلة، انسحبت ميمي تاركة لينة تعيد كل ما يخصها في أماكنها كما كانت، أغلقت لينة الباب بعد ذهاب السيدة ميمي ووقفت خلفه لاعنة تصرفه الأرعن الذي حتماً تسبب في مضايقة يوسف.

بالتأكيد تضايق، فهو لم يردف حرفاً منذ ذلك الحين، تأففت بصوت عالٍ وضربت رأسها بخفة متذمرة:
_ أنا غبية 

                             ***

شهيقاً وزفيراً فعل للمرة العاشرة، ثم ابتلع ريقه مراراً، يشعر بالتوتر الممزوج بالحرج، لكن إصراره على الأمر كان خير داعم له. 

تنهد وهو يمرر أنظاره بين والديه، فقط يريد البداية وبعد ذلك سينطلق بالكلمات دون توقف، لا يدري كيفية البدء، تأفف حينما فشل، منذ متى وهو يفشل في إخبارهما عما يريده؟!

يمكن لأنه يخشى رفضهم؟! ستكون فيها هلاكه حتماً، أوصد عينيه لبرهة طارداً أفكاره الغبية، فهم يتمنون زيجته اليوم قبل الغد، إذاً فاحتمالية رفضهم ضعيفة.

لاحظت والدته تصرفاته المريبة التي كان عليها منذ جلوسه معهما، قطبت جبينها وسألته مستفسرة:
_ مالك يا بلال، مش على بعضك كدا ليه من وقت ما قعدت معانا 

ابتسم لها، فتلك هي البداية، شكرها داخله ثم بدأ حديثه بلهجة حيوية:
_ بصراحة عايزة أتكلم معاكم في موضوع كدا 

سحب سمير جهاز التحكم ثم أخفض صوت التلفاز، التفت إلى بلال ناظراً إليه في انتظار ما سيخاطبهما فيه، أخرج بلال تنهيدة وبنبرة يسيطر عليها التوتر أردف:
_ أنا عايز أتقدم لـ بنت خال يوسف 

دقت أسارير السعادة قلب شهيرة، فهذا الخبر الذي تنتظره بفروغ صبر، هذا وحيدها وتريد أن تراه في بيته مع شريكته، نهضت عن أريكتها وصاحت زغاريدها التي دوت في المكان.

تفاجئ كليهما بتصرفها وأسرع سمير في نهرها معنفاً إياها بحنق: 
_ بس بس، أنتِ بتعملي إيه، دا لسه بيقول عايز يتقدم 

توجهت شهيرة إلى بلال وجلست بجواره، طالعته بأعين لامعة وبنبرة سوية قالت:
_ دا أنا مستنية اليوم دا من زمان أوي

اتسعت إبتسامة بلال ثم أنتبه لأسئلة والده الذي 
إنهال بها عليه: 
_ إسمها إيه ومن عيلة إيه، أبوها شغال إيه و...

قاطعه بلال بإحترام:
_ إيه يا بابا كل دا، بقولك بنت خال يوسف يعني مش محتاج تسأل أصلاً

رمقه سمير بنظرات متهكمة لسذاجته وهتف مستاءً:
_ دا زياد أخو يوسف نفسه مش شبهه، والاتنين من نفس البطن، كل واحد فيهم مختلف، ما بالك ببنت خاله؟

لم يتحمل بلال سوء ظنه بها وأوضح له بنية حسنة:
_ لا يا بابا البنت محترمة جداً، أنا أعرفها

تدخلت شهيرة بقولها:
_ وأنا كمان، أينعم أنا متكلمتش معاها كتير، بس ارتحت لها وكفاية إنها بنت أخو ميمي 

قلب سمير عينيه متزمجراً من عقليتهم المحدودة وصاح غاضباً: 
_ برده هتقولي بنت أخو ميمي، أنا مليش دعوة هي قريبة مين، ليا دعوة بيها وبالبيت اللي اتربت فيه، هي وأهلها كويسين ومحترمين يبقى تمام 

لم يرحب بلال بكلماته، شعر بالضيق يجتاحه، لكنه لن يستلم، زفر أنفاسه قبل أن يردف:
_ يعني هنتقدم امتى؟

بنفاذ صبر أجابه:
_ لما أسأل عليهم الأول قبل كدا لأ 

أعاد صوت التلفاز وتابع إلى ما كان يشاهده، بينما نهض بلال متذمراً، فلم يتوقع رد كهذا مطلقاً، ظلت شهيرة ترمق زوجها بنظرات مشتعلة فهي استشعرت ضيق بلال وهذا آخر ما تحب أن تراه.

                             ***

نراكن في فصلاً آخر 😘🌸

يا ترى ايه القرار اللي سمير هياخده؟

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent