Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل الثاني عشر 12 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

 رواية رحماء بينهم الفصل الثاني عشر 12 - بقلم علياء شعبان 

(رُحماءٌ بينهم)
“                      كمثلِ الأُترُجَّةِ".
]]الفصل الثاني عشر]]
••••••• 
"أحب الناس إليَّ مَنْ يردوني أمانتي؛ فاعيدوا إليَّ قلبي النابض على قيد عشقها".
•••••• 
كمن سُكب عليه دلو ماء بارد في برد ليلة مُشتتة، كالذي صُلب في ساحة يتساءل عن الجُرم الذي ارتكبه والذي تُرك في صحراء شاسعة وحينما اكتشف الطريقَ الصحيح وجده موغلًا بالرمال المُميتة!!،
كان وصف حالها يتأرجح بين الثلاثة؛ فجحظت بعينين ذاهلتين تنظر إليه حينما أخبرها عن سرٍ لا تذكر أن ثمة شخصٌ يعرفه سوى والديها وصديقتها المُقربة؛ فقد أخبرتها والدتها أنها لا تناديها سوى بـ (وَميض) مُنذ الليلة الأولى من وضعها ورغم أن والدها أصر على ذلك الاسم إلا أنها كتمته عن الناس عنادًا به وكانت تحمد الله أنها لم توضع في موقف يهدد ظهور حقيقة اسمها المدون في شهادة ميلادها سوى مرة واحدة حينما ذهبت صديقتها معها لجلب النتيجة بالمرحلة الإعدادية ومن هنا كانت البداية لمعرفة (شروق) بالاسم الحقيقي؛ فكيف عرف هذا به؟! هل أخبرته شروق يا تُرى؟! أنكرت هذا الاستنتاج عن صديقتها ولكنها بقيت في حالة من الفصول والغضب الشديد.
رفعت "وَميض" أحد حاجبيها ثم تساءلت متوجسةً بوجه شاحبٍ فضولي:
-إنتَ عرفت الاسم دا منين؟!
اِفتر ثغره عن اِبتسامة مسترخية أشعلت نيران قلبها الذي يرتجف في ارتباكٍ وصدمة، وضع كفيه داخل جيبي بنطاله ثم قال بصوت هادئ راسخٍ:
-ما إنتِ بنفسك قولتي إني مبروك!!

أسرعت تأخذ نفسًا عميقًا مخافةً أن تصرخ في وجهه حنقًا وتفقد سيطرتها على نفسها وبالتالي تفقد حيلتها الفطنة في الوصول إلى إجابة مشبعة منه على سؤالها وتغذية فصولها وعقلها الذي كان أن يختل، أخذت شهيقًا طويلًا قبل أن تخرجه بهدوءٍ ثم تقول:
-إنتَ فاكرني عيِّلة هبلة؟!، أكيد وصلت للمعلومة دي من حد قريب مني؟!
تليد يرد على حديثها ببضع أسئلة مراوغة:
-إنتِ محور الكون؟! أو أنا أعرفك قبل كدا علشان أدعبس في خفاياكِ وأسرارك؟!! وبعدين حد قريب زيّ مين يعني؟!
وَميض تهتف بتوترٍ واضحٍ:
-شروق مثلًا!!
تليد بابتسامة عبثية ماكرة تخرج من بين شفتيه بأسلوب ثابتٍ:
-أنا وشروق مجمعناش كلام من سنين ويوم ما نتقابل ويكون بينا كلام أكيد مش هسأل عن حد معرفوش يا جن!!

أسرعت بالتصفيق بقوة وهي تقول بنبرة عالية بعض الشيء:
-بالظبط.. جن.. إنتَ أكيد مشغل جن تحت إيدك وبيعرفوك أخبار أي حد عايز تعرف عنه معلومات!!!
تليد يرد ببساطة:
-تمام.
استدار كي يعطيها ظهره ناهيًا هذا النقاش في أسرع وقت إلا أنه وجد راحتها تتشبث بذراعه بقوة ثم ضغطت على أسنانها بغيظٍ جامحٍ ثم صاحت:
-إنتَ رايح فين؟! كلامي لسه مخلصش معاك!

قام بتحرير ذراعها فورًا من تعلقها به ثم تراجع خطوتين للخلف قبل أن يقول بلهجة حازمة:
-دا ميعاد نومي وأحب إنك متعطلنيش يا آنسة!
رمقتهُ بنظرة جامدة قبل أن تقول مستنكرة:
-مالك قرفان من مسكة إيدي؟!
تدبر ابتسامة خفيفة قبل أن يضيف بأسلوب منمق لا يُزعجها:
-خالص، وضوئي اتنقض لأن دي لمسة أجنبية.
كشرت بوجوم ثم تساءلت:
-هي اللمسات فيها جنسيات؟!!
تليد بأسلوب سلس يضيف جدًا في قوله عكس ما يضمر أسفله:
-أه طبعًا، في لمسة أجنبية ولمسة مصرية ولمسة فرنسية يعني على حسب!

عبس وجهه فورًا حينما وجدها تكظم غيظها وهي تنظر إليه بغضب دفين؛ فقال بنبرة ثابتة:
-لمسة أجنبية يعني من واحدة غريبة عني لا هي أمي ولا أختي، وفي لمسة مشروعة وحلال زيّ لمسة أمي اللي معشتش معاها إلا القليل.
تنحنحت "وَميض" بتأثر ثم قامت بوضع كفيها خلف ظهرها وراحت تقول بحسم:
-تمام.. تمام.. خلاص إيدي بقيت بعيد تمامًا.. إنتَ قولتي لي إنكَ مخاوي وبتاع عفاريت مش كدا؟!
تليد بابتسامة ماكرة:
-إنتِ اللي قولتي مش أنا!

مطت شفتيها بطفولة ثم صاحت به:
-لأن استنتاجي مش من فراغ يا أستاذي، وبما إنك مبروك؛ فعايزة أعرف معلومة تانية عني غير الاسم!!
أنهت حديثها ثم بادلته ابتسامة مُتحدية، حرك رأسه يمينًا ويسارًا يبدي إعجابه الشديد بعدم استسلامها وتراجعها، تنحنح بخشونة وهو يتعمق بنظراته داخل عينيها ثم يقول بابتسامة يحفها الحنين واللوعة:
-بتحبي العرايس المتخيطة وعندك منهم كتير ومخبياهم!

انفتح فمها على وسعه دهشةً، راحت تبتلع ريقها بصعوبة بالغة من شدة الخوف قبل أن ترد بتلعثمٍ:
-إنتَ عرفت الكلام دا إزاي؟!!
تليد يتابع بعنادٍ يفوق ما بدأت المعركة به:
-عندك حسنة كبيرة جنب ودنك الشمال، هنا؟!

صرح بهذه الحقيقة أيضًا وهو يشير بأصابعه نحو الجانب الأيسر من وجهها المُغطى، انتفضت أطرافها ذُعرًا وشعرت بأن الدوار قد تمكن من رأسها الذي يدور بشدة، أوجدت صعوبة في التحدث فأسرعت تقول بعد عناء في المحاولة:
-الحقني!!

أوشكت أن تسقط بالأرض إلا أنه لحقها في اللحظة الأخيرة فقام بالتقاط ذراعها ثم سند ظهرها بقبضته وجعلها تسير معه حتى أجلسها مرة أخرى على الأرجوحة، جثا على ركبتيه أمامها، شرعت تدعك جبينها بعد أن داهمه الم لا يُطاق وكانت مُغلقة العينين مما جعله يختلس النظر في ملامحها بقلب مُطمئن فراح يقول بقلق حقيقي:
-حاسة بأيه؟!
أبعدت يدها وراحت ترمقهُ بنظرات فاترة ناقمة:
-إنتَ عملت لي سحر علشان تسكتني مش كدا؟!
تليد بابتسامة مشاكسة:
-أنا أقدر أسكتك من غير سحر عادي.

وَميض وهي تقول بنبرة فاترة لا همة بها:
-وكمان متعدد المواهب؟! إنتَ حقيقي مش طبيعي ويتخاف منك.
ظهرت أسنانه في ابتسامة خافتة جذابة حينما هز رأسه في استسلام ثم تمتم بهمسٍ:
-سبحانه في خلقه.
رمقته بنظرات ناقمة فيما أكمل بثبات:
-أنا مش فاهم، لمَّا إنتِ طرية المشاعر كدا وبتخافي، بتعملي تحديات مش قدها ليه؟!
صاحت به بصوت مخنوقٍ:
-أنا بمية راجل وقادرة أخوض أي تحدي وأكسبه.
تليد بقهقهة ساخرة:
Independent-  أوي.
التهبت أنفاسها غيظًا فراحت تشيح عنه بجذعها العلوي ثم تعقد ذراعيها أمام صدرها وتقول بصوت مُحتجٍ:
-غصب عنك.

بدأ يتأملها بدفء حقيقي يداعب مشاعره المكبوتة نحوها رغم ما يسره في نفسه من أخرى فيَّاضة لها، تذكر حينما كان يأتي لها بطبق الطعام ثم يطرق بالملعقة على حافته فتتهلل أسارير وجهها كأنما تستمع إلى موسيقى تمنحها الحياة؛ فكانت تصفق ببراءة ثم تحبو نحوه إلى أن تجلس أمامه مُباشرة وتبدأ في فتح فمها بلهفة فيضحك ملء شدقيه ثم يطعمها حتى تشبع ثم تصعد إلى حجره وتنام بينما يتأمل هو تلك الشامة المُستقرة وراء أذنها اليسرى وهو يطبطب على ظهرها كي تحصل على نومة مُريحة؛ لقد كان لها الأبَ وكانت له المسعى الوحيد نحو حياة بلا وحدة فلمَّا غابت عن عالمه ظل والوحدة صديقين لا يفترقان.

-أستاذ تليد؟!.
نظرت إليه بريبة حينما شرد في طفولتهما فراح يحدق فيها بلا وعي وهذا ما جعلها تتنحنح بتوترٍ خفيفٍ ثم تقول:
-أستاذ تليد، في أيه؟!!.
لكزته بكوعها في جنبه فاستفاق فورًا وراح يقول بلهجة هادئة:
-بقيتي أحسن؟!
أومأت دون أن تتكلم، وفي هذه اللحظة، جاءت "مُهرة" تتفقد ما يجري بينهما فوجدت "تليد" يجثو أمامها بينما تتأمله هي بنظرات طويلة، تنحنحت "مُهرة" بهدوءٍ فالتفت "تليد" إليها على الفور ثم نهض من مكانه في الحال وقال بصوت هادئ:
-آنسة وَميض فقدت اتزانها، خديها للبيت علشان تنام كويس.

أومأت "مُهرة" بتفهم فيما هزت "وَميض" رأسها باحتجاج وقالت:
-أنا عايزة أنام في مزرعة الشيخ سليمان، هكتشف المكان الأول وبعدين أختار أوضة أنام فيها لحد الصبح.
قطب حاجبيه قبل أن يقول بلهجة حازمة:
-أيه شغل أليس في مدينة العجائب دا؟! هنا مكان نوم العمال، هنطردهم من سرايرهم علشان إنتِ تنامي؟!
في تلك اللحظة هبت واقفةً في مكانها ثم استدارت وأشارت نحو غرفة معينة:
-بس الأوضة اللي هناك دي مش نايم فيها حد!.

رفع أحد حاجبيه ثم قال:
-دي جولة الاكتشاف بدأت من بدري أوي!!، يا ستي دي أوضتي وأنا اللي هنام فيها.
وَميض تضيف باستنكار:
-على فكرة أنا الضيفة ولازم تسعى على راحتي وبعدين ما إنتَ عندك بيت وشقة الله أكبر، باصص في نومتي أنا الغلبانة؟!!
قام بحك ذقنه بأصابعه ثم تابع بمكر:
-مش هسألك عرفتي منين إني عندي بيت لأنه هيكون سؤال غبي، بس السؤال هنا بقى، عرفتي منين إني عندي شقة؟!!
تلجلجت في الكلام بعد أن طال صمتها وراح تقول بتلعثمٍ:
-عادي.. إنتَ ناسي إني صحفية؟! وسمعت كتير إن عندك شقة جنب مبنى الإذاعة والتليفزيون بتتواجد فيها وقت الضغط في الشغل.
أومأ ثم رد بإيجاز وهدوء:
-تمام.. اتفضلي بقى مع مُهرة.. وبكرا بقى عايزك تقولي للدنيا كلها إن تليد السروجي وحش ونوتي بوي (naughty boy  ) علشان مرضيش ينيمني في أوضته، يا مثبت العقل والدين.

أنهى كلامه ثم استدار مُبتعدًا عنها، كتمت "مُهرة" ضحكة داهمتها جراء عبارته الأخيرة فيما ضغطت "وَميض" على أسنانها وراحت تقول بنبرة منفعلة:
-أنا هقول اللي أقوى من كدا.. علشان تبقى تتنمر عليا براحتك يا بتاع العفاريت.

حدقت "مُهرة" فيها ثم تابعت بدهشة حقيقية:
-بتاع عفاغيت؟! دا اللي هو إزاي؟! 
راحت "وَميض" تضرب الأرض بقدميها شاعرة بالسخط ثم أردفت بلهجة حادة:
-مخاوي جن وعفاريت علشان يكونوا تحت أمره ويقدر يوصل لأي معلومات عن أي حد من خلالهم.
مُهرة وهي تهتف باستنكار:
-الشيخ تليييييييد!!
وَميض تضيف بسخطٍ:
-عارفة إنه ميبانش عليه وبيحاول يظهر قدام الناس على أنه التقي اللي مالوش في السحر وبينهي الناس عنه، بس أنا هفضحه.
أسرعت "مُهرة" بضرب صدرها وراحت تكرر في صدمة:
-الشيخ تليييييييد!!!
وَميض بضيق:
-إنتِ دورك تتفاجئي وبس؟!.. أه الشيخ تليييييييد.
مُهرة بصوت محتج مُستنكر:
-الشيخ تليد ابن حلال وطيب وعشغة عُمغ لا يمكن يعمل اللي بتقوليه دا أبدًا!.
وَميض بحدة:
-وتفسري بأيه إنه قال لي حاجات عن حياتي ومحدش يعرفها غير أمي وأبويا وفي حاجات أمي وأبويا مياخدوش بالهم منها وهو قالها.
حدقت فيها بعينين متعجبتين فيما أضافت الأخيرة بحسم:
-مش مصدقاني.. طيب هو قال لي إن عندي حسنة ورا ودني الشمال.. اتفضلي!.
أسرعت بنزع غطاء رأسها ثم كشفت عن الشامة المُستقرة بالفعل في نفس المكان الذي صرح به، اتسعت عينا "مُهرة" في صدمة كبيرة وراحت تهتف بضحكة بلهاء:
-يا مغاغي، دا في حسنة فعلًا!!!
وَميض وهي تبتعد عن موضوع حديثها الأصلي ثم تقول بدهشة:
-مغاغك؟! إنتِ لادغة!
مُهرة بابتسامة عريضة:
-إنتِ لسه واخدة بالك؟!!
وَميض بقهقهة خفيفة:
-أصل مغاغي دي فاجأتني، لو كدا بقى، قولي «مصاحبش الفرافير حتى لو راكبين فراري».
عبس وجه "مُهرة" من توصل الأخيرة إلى أكثر الجمل التي تمقتها، قهقهت "وَميض" عاليًا ما أن رأت عبوسها فيما تابعت "مُهرة" بغيظٍ:
-هلاقيها منك ولا من نوح.
وَميض باستفسار:
-مين نوح؟!
مُهرة بإيجاز:
-صاحب الشيخ تليد، ويلا بينا بقى علشان نعست.
••••••••• 

-إنتوا فاكرين إن البلد مافيهاش قانون؟! أنا مش هسكت عن أي أذى أختي شافته من وراكم.
صرخت "سكون" عاليًا يشتعل هياجها وهي تنظر إلى كل واحد فيهم وتخص برسالتها الجميع، رمقتها "تماضر" شزرًا قبل أن تقول بصوت حادٍ:
-أعلى ما في خيلك اركبيه وطول ما إنتِ في بيتنا تتكلمي باحترام ولا البندر معلمكيش الأصول دي!!
سكون وهي ترمقها بحدة ثم تهدر ساخطةً:
-لأ ما إحنا ما بنترباش على الأصول، إحنا بنات بجحة مع البِجح.

أسرعت "شروق" تضع يدها على فم شقيقتها وراحت تهمس مُترجية بالقرب من أذنيها أن تكف عن الرد عليها، استشاطت "سكون" غضبًا من ضعف شقيقتها وإحساس العجز الذي جعلهم يحركونها بخيوط قوية كعروسٍ الماريونت بينما تصمت هي عن أذيتهم تقديرًا لزوجها، أسرعت بالتقاط الحقيبة التي تمتلأ بملابس شقيقتها وباليد الأخرى قبضت على ذراع "شروق" ثم سحبتها خلفها بقوة يتوجهان نحو الباب، تنهد "عِمران" بقوة قبل أن يلحق بهما ثم يقف أمامهما مُباشرة ويقول بلهجة حازمة:
-سكون، حاولي تهدي ومفيش داعي لأي كلام مالوش لازمة.
استدار بعينيه إلى زوجته ثم قال بهدوءٍ:
-خديها يا شروق واطلعي الأوضة لحد الصبح ووقتها ربنا يحلها من عنده.
سكون وهي تهدر بسخطٍ:
-وحق أختي!!، وكرامتها!.. عايزين تجننوها بعقلياتكم الرجعية! أمال لو متجوزة من سنين ولسه ربنا ما رزقهاش كنتوا قتلتوها بالحسرة على نفسها؟!.

تحول لون وجهها إلى حمرة متأججة ثم صرخت:
-أنا أختي مش عاجزة ولا عقيمة علشان تزرعوا في عقلها أوهامكم المريضة، وإلا قسمًا بالله هوديكم في ستين داهية.

أجهشت "شروق" بالبكاء تستجدي شقيقتها بصورة مُلحة فتضع راحتها على فمها تارة وأخرى تسحبها من ذراعها كي تصعد إلى الدرج، سارت "سكون" معها على مضض حتى تكلمت "تماضر" بصوت جهوري حانقٍ:
-اتفرجوا على النسب الفاجر، كان علينا من دا بأيه يا عِمران باشا!!.

حدجها "عِمران" بنظرة قوية قبل أن يقول كاظمًا غيظه تاركًا كلاهما يقول ما يحلو له:
-كفاية يا أمي.. تمام؟!.
سكون وهي تتوعد بحدة أثناء صعودها الدرج:
-أنا هوريكِ الفُجر على أصله يا أرشانة.

في تلك اللحظة، قامت "تماضر" بالبصق في الهواء بغيظٍ ضارٍ قبل أن تستدير سريعًا وتتجه إلى غرفتها، قامت "شروق" بدفعها بقوة إلى أن أدخلتها وأغلقت الباب بسرعة حتى تمنع وصول كلماتها إلى آذانهم، كانت "سكون" كمن اشتد تجبره بعد أيام من الصمت واللين؛ فهي كالقطة الأليفة التي تخشى أن يطول الأذى صغارها فتجدها تكشر عن أنيابها بشراسة في الوقت المناسب، نظرت "شروق" إليها بحُزن كبيرٍ فيما أخذت أنفاس الأخيرة تعلو وترتفع بانفعال عظيمٍ وراحت تجز على أسنانها ثم تقول بغيظ:
-أه يا عالم يا زبالة، وإنتِ!!!

حدقت في شقيقتها بقوة ثم صاحت تنهر فيها باستنكار وكسرة من السماح لهم بإحداث شقوق عميقة وصعبة الالتئام داخل قلبها:
-إزاي تسمحي لهم يطبقوا عليكِ معتقداتهم المُتخلفة؟!!.. أنا بكره ضعفك يا شروق.. بكره ظُلمك لنفسك.
أخذت "شروق" تجهش باكيةً بصوت مكتومٍ فيما تقدمت "سكون" منها وراحت تضع كفيها على ذراعي الأخيرة ثم تقول بحزم:
-بصي لي كويس يا شروق، معرفتيش تاخدي من شخصيتي حاجة!!، أنا مبيكسرنيش غيرك أنتِ وعُمر، أنا بيكسرني ضعفكم وقت ما بتدشدشوا أحلامي في إني أشوفكم بخير، أنا أصغر واحدة فيكم بس حاسة إن مسؤوليتي تجاهكم مسؤولية أم!.. إنتِ أكتر واحدة عارفة إن الأخوة رابط مُقدس عندي، ليه بتكسروني؟!.

اِغرورقت عيناها الحمراوين بالدموع وراحت تحتضن شقيقتها بقوة ومازالت تتشبث بقوتها في ألا تبكي أمام الأخيرة التي انهارت من فرط البكاء، شدت "شروق" ذراعيها على جسد شقيقتها تقتبس من قربها بعض الطمأنينة وفي هذه اللحظة همست بمشاعرٍ ضعيفة:
-تفتكري إني مصدقة اللي بيقولوه؟! أنا بس بطاوعهم يمكن يحصل صُدفة!!

ابتعدت "سكون" ثم وضعت وجه شقيقتها بين راحتيها وراحت تمعن النظر داخل عينيها ثم أردفت بثبات:
-بس دا تعدي على قضاء ربنا!!.. افرض حصل حمل بعد ما عملتي كدا؟! هل هتقولي إن دا رزق ربنا ليكِ في الوقت المناسب ولا هتقتنعي إن ربنا رزقك بسبب الهبل دا؟!.. وقتها تبقي بتقنعي نفسك إن ربنا مرزقكيش إلا بعد ما قدمتي له قربان!!.. دا شغل ناس واقف بيها الزمن لأيام الجاهلية ومصر القديمة، ربنا يهب لمن يشاء حينما يرى أن الوقت المناسب قد جاء، فاهمة؟!!

أومأت "شروق" بتأثر فباشرت "سكون" بابتسامة خفيفة:
-وبعدين إنتِ لسه صغيرة، عيشي لك يومين وانسي الموضوع وربنا هيكرم بيه وقت ما يريد دا.
ابتلعت "شروق" غِصَّة مريرة في حلقها قبل أن تصرخ بحُزنٍ:
-مش عارفة، حاولت بس مش عارفة!!!

أنهت حديثها ثم توجهت على الفور إلى الدولاب وقامت بفتح أحد أدراجه ثم أخرجت منه علبة خشبية، حملتها ثم توجهت مرة أخرى نحو الفراش وقامت بتفريغ ما يوجد داخل العلبة على ملاءة الفراش، حدقت "سكون" فيهم بدهشة عندما وجدت عددًا كبيرًا من اختبارات الحمل المنزلية أمامها، قامت "شروق" بالجلوس على طرف الفراش ثم تابعت بصوت ضعيف:
-كُل شهرٍ بجرب حظي، يكون نفسي أشوف شرطتين بس مش بيحصل اللي بتمناه وينام معيطة على مخدتي

تحرك "سكون" نحوها، جلست على ركبتيها أمامها ثم التقطت راحتها وراحت تقبلها بحنان كبيرٍ ثم تابعت بهدوءٍ:
-هتشوفيهم لمَّا بين إيديه على سجادة الصلاة مش على مخدتك.
••••••••• 
»في صبيحة اليوم الموالي ».
برزت على محياها ابتسامة انتصار وهي تقرأ ما كتبته من خلال حاسوبها للمرة العاشرة أو يزيد، قررت أن تجلس داخل مكتبها بالجريدة لمدة ساعة كي تنجز المهمة التي قررت تنفيذها قبل الذهاب إلى عملها الجديد بالشركة وقد أخذت بفكرة صديقها في إطلاق الأخبار باسم مُستعار كي لا يعرف والدها عن استمراريتها بالعمل داخل الجريدة بعد أن منعها من ذلك، استدارت تنظر إلى ساعة يدها تستبين الوقت من خلالها قبل أن تنهض بسرعة وهي تمسك الحاسوب وتتجه إلى غرفة الطباعة، توقفت أمام الغرفة لثواني بعد أن شعرت ببنطالونها الذي أوشك على السقوط منها، تنهدت بضيق وراحت ترفعه مجددًا بيد واحدة ثم قالت بنبرة ساخطةً:
-كانت فكرة زي الهباب، أيه جاب البطة البلدي جنبي أنا المسلوعة، الله يسامحك يا مُهرة.

حسمت أمرها بطرق الباب ثم الدخول دون أن تنتظر الرد وبعد ذلك تكلمت بنبرة سريعة:
-الخبر دا ينزل في عدد الساعة 2 صفحة أولى يا كبير.
ابتسم لها بهدوءٍ ثم أومأ مُنصاعًا:
-عُلم ويُنفذ.
بادلته الابتسام ثم خرجت وعلى شفتيها ابتسامة ظفر ثم تمتمت في نفسها:
-لمَّا نشوف حكايتك أيه يا شيخ تليد!

قررت التوجه إلى عملها الجديد بالشركة فلم يتبقى لها سوى ساعة واحدة ولم ترغب أن يكون الطابع الأول والتقرير الأول عنها مُتأخرةً، أوقفت سيارة أُجرة ثم ركبتها وأدلته عن وجهتها للسائق الذي انطلق على الفور.
••••••••• 
-ارجعي ورى أنا اللي هسوق!.

أردف "عِمران" بتلك الكلمات وهو يتحدث بثبات إلى "سكون" التي لم تتجادل معه نهائيًا؛ فهي لا تزال تكن له كُل الاحترام والتقدير على حبه الحقيقي لشقيقتها ولكنها لم تتحمل عليها الإهانة فأخرجت كل الطاقة السلبية المكبوتة داخلها منذ أن سمعت صوت شقيقتها تلجأ إليها في الهاتف وكذلك بعد أن علمت بما فعلوه بها.
فتحت "سكون" الباب الخلفي ثم جلست بجوار شقيقتها مُقررين بعد إصرار "سكون" أن يذهبون لزيارة قصر السروجي للمرة الأولى.
جلست "شروق" في حالة من الصمت فيما انطلق "عِمران" بسيارة الأخيرة التي أحضرها لها من الضفة الأخرى حينما أخبرته بوجودها هناك، تنهد "عِمران" تنهيدة ممدودة بعُمقٍ ثم قال:
-مُتأكدة إن عثمان بيه عاوز يشوفنا؟!.
أومأت "سكون" بتأكيد ثم قالت:
-أيوة، هو اللي طلب مني أجيب شروق وأجي.
سكتت هنيهة ثم أكملت بلهجة حاسمة:
-صحيح، إحنا مش هنقول لهم على اللي حصل مع أهلك وشروق؛ لأن حق أختي أنا أخدته والموضوع انتهي؛ ولكن شروق مش هتعيش في البيت دا تاني وهتفضل في بيت أبوها لحد ما تجيب لها شقة تعيش فيها في سكينة وبعيد عن الوَش.

عِمران بتفهم يضيف:
-ودا اللي ناوي أعمله.
سكون ترد بهدوءٍ:
-تمام.
تنهدت "شروق" بحماسٍ ثم صرحت:
-ماما وحشتني أوي!
بادلتها "سكون" ابتسامة خفيفة ثم قالت:
-وهي مستنية تشوفك على نار.
••••••• 
-إنتَ موجود في القصر دا من سنين يا علام، قررت تمشي منه علشان مش قادر تعترف إن بنتك غلطت فيا؟!
أردف "عثمان" بتلك الكلمات في حزم وحدة، بينما عبس وجه "علام" بضيق شديد بعد أن أبلغه بقراره الحاسم في ترك القصر تقديرًا لكرامة ابنته وإهانة شخصه أيضًا عندما علم من زوجته أم عثمان نعتهم بالخدم وأراد فرض سياسة العبد وسيده التي انتهت مع ظهور الإسلام حيث أغلق عليها وحرمها من حرية الخروج أو ممارسة يومها.

هاجت مراجله في هذه اللحظة وقال بصوت مخنوقٍ بعد أن استجمع ما لديه من كبرياء وشجاعة:
-بنتي مش غلطانة أبدًا يا عثمان بيه، إحنا أه ناس على قدنا وغلابة بس مش عبيد ولا خدم لأي مخلوق على وجه الأرض.
سكت لبُرهة ثم أضاف باختناقٍ:
-ولا نسيت إننا لينا كبرياء ومشاعر بتتوجع من الكلام اللي مالوش لازمة، لا تكون فاكر يا عثمان بيه إنك ملكتنا بالفلوس اللي بتديها لنا كل آخر شهرٍ؟!!!

استشاط غضبًا وهو يقترب منه أكثر بينما يجلس الأخير على الأريكة ويضع قدمًا فوق الأخرى، وقف "علام" أمامه بثبات ثم أشار إلى ذراعه وقال بشموخٍ:
-الفلوس دي مش ذكاة منك ولا تجبيه علينا، الفلوس دي حقنا وجت من عرقنا وتعبنا وإحنا بنشقى علشان نوفر لكم الراحة، الفلوس اللي بتديها لنا دي فلوسنا وإحنا مش عباد غير لله.

رماه "عثمان" بنظرة قوية قبل أن يهتف بلهجة صارمة:
-كان لازم قبل ما تيجي تلومني وتديني درس في الأخلاق تعلم بنتك الأدب وإزاي تتكلم مع الأكبر منها سنًا، ولا حبك ليها نساك الأصول يا علام، دا أنا بنتي لمَّا فكرت تعاندني طلعتها برا القصر واعتبرت إني مخلفتهاش.

علام بابتسامة ساخرة يرد:
-إنتَ ربنا مديك من وسعه فتقدر تعوض خسارة ولادك بحاجات تانية كتير ويمكن مش عارف قيمتهم علشان بييجوا بسهولة؛ لكن أنا طفحت المرار علشان أشوف ضُفر عيل ليا، فكرك لمَّا ربنا يمن عليا من بعد حرمان هقوى القلب زيّك؟!! أنا أخسر الدنيا كلها وأكسب وجود بنتي في حياتي مرفوعة الراس. 

عثمان وهو يهتف باستنكار:
-مش ملاحظ إنك بتتجاوز حدودك معايا يا علام!!
علام وهو يرد بثبات ولهجة تتساوى مع خاصته:
-مين هنا ورايح أنا هتجاوز حدودي مع أي حد هيتجرأ على الحدود اللي بينه وبين بنتي وبعد إذنك عايز حساب شهر شغل في القصر علشان أمشي!!!
عثمان يصيح فيه بانفعال:
-دا آخر كلام عندك؟
علام ببرودٍ يوجز:
-مش عندي غيره.
••••••••• 
بدأت "وَميض" عملها داخل شركة (حمدي زهران للصناعات الغذائية) بحماس ونشاط كبيرين، حيث استقرت داخل قسم الدعاية والإعلان واستطاعت خلال اليوم الأول أن تجمع صداقات بخفة ظلها؛ فكانت تعاون هذا وذاك على إنجاز عمله بحُكم أنها ذات خبرة في القسم لكونها عملت سابقًا في نفس القسم بشركة السروجي.

كما وجدت مكتبها مُجهزًا بحاسوب خاص وبعض التقنيات المتطورة التي افتقدها مكتبها داخل الشركة السابقة، انكبت على عملها تُنجزه لمدة ساعتين متواصلتين وفي هذه اللحظة، رأت العامل يأتي إليها بكوب القهوة الذي أوصته به، قام بوضع الكوب على المكتب فيما باغتته هي بابتسامة خفيفة ثم تابعت بصوت مازح:
-تُشكرررر يا عم رضا يا عسل.

لاحت الأبصار إليها ما بين مُعجب بخفة ظلها وغاضب من تصرفها الذي يبدو مُزعجًا وسوقيًا على الأغلب، بادلت الجميع ابتسامة مُصطنعة قبل أن تشير إلى "رضا" أن يدنو منها ثم همست في أذنه بهدوءٍ:
-مالقيش عندكم هنا سندوشتات؟؟؟

اِبتسم "رضا" ابتسامة عريضة ثم تابع بهمس مثيل:
-في وجبة غدا لكُل الموظفين في وقت الاستراحة.
وَميض وهي ترد بدهشة ممزوجة بالحماس:
-واو.. يعني هنتغدا ببلاش!!
أومأ "رضا" إيجابًا فيما تابعت تسأله بفضول:
-ووقت الاستراحة دا إمتى؟!!.
رضا يرد بعد أن نظر إلى ساعة يده:
-فاضل بالظبط ربع ساعة، هانت يا أستاذة.
تنهدت "وَميض" باطمئنان وسكينة بعد أن ضمنت حقها في وجبة غنية بالبروتين والخضروات قريبًا، في تلك اللحظة وجدت هاتفها يدق بنغمة مُخصصة له، ظهر على شفتيها اِبتسامة عريضة ثم أسرعت بالرد عليه:
-مسا مسا يا أوس.

أجابها "وِسَام" بعتاب:
-لو ما رنيتش أنا مش هتعبريني!!
ضربت بقوة على جبهتها ثم قالت:
-والله نسيت أكلمك مع إنك كنت في بالي، بس الله يسامحه بقى.
وِسَام بعدم فهم:
-هو مين؟!
تابعت بصوت خافتٍ:
-هحكي لك بس مش دلوقتي علشان الحيطان ليها ودان، أيه رأيك بعد ما أخلص شغل نتغدا سوى؟!!
وِسَام بموافقة:
-تمام.. بس قولي لي إنتِ أيه حكايتك مع تليد السروجي!!!.. شردتي الراجل يا شيخة؟!.
صاحت فجأة بصوت عالٍ يغلفه الحماس:
-هوب هوب هوب، هو الخبر نزل!!.
وسام يرد باستفسار:
-نزل يا ختي، نزل وربنا يسترها عليكِ من دماغك، أنا مش فاهم إنتِ بتجيبي الحاجات دي منين؟! وعرفتي منين إنه مخاوي!!

فتحت شفتيها وهمَّت أن تجيبه إلا أنها وجدت أحد زملائها بالمكتب يقترب منها ثم يقول بلهجة هادئة:
-الكلام في التليفون ممنوع وقت الشغل.
أسرعت "وَميض" بوضع يدها على فمها في صدمة كبيرة جعلتها تنهي الحديث مع وسام وهي تقول بحسم:
-طيب سلام دلوقتي وإلا هترفد من أول يوم.
شكرت زميلها بامتنان قبل أن يعود إلى مكتبه وتباشر هي عملها.

مرَّت الدقائق سريعة حتى انتشر الهرج والمرج داخل الشركة وبدأت الحركة تزداد بين أروقة الشركة، زوت ما بين عينيها في تعجب وكذلك زملائها الذين قرروا الخروج من المكتب للاستفسار عمَّا يحدث من فوضى ألمت بالشركة، خرج أحد الزملاء ثم عاد يصيح بصوت مصدوم عال:
-بيقولوا إن حمدي بيه توفى!!!.

نظرت إليه بعينين جاحظتين خاصةً بعد أن ارتفعت شهقات الجميع في ذهول وقد أدركت وقتها أن (حمدي) ذاك هو صاحب الشركة، ندبت حظها وهي تأتي بالكوارث من اليوم الأول لها داخل العمل!!.
••••••••• 

-ياختااااااااااي، الحق يا مخاوي قصدي يا شيخ الحق!!

هتف "نوح" بتلك الكلمات وهو يهرول إلى صديقه الجالس أمام بستان الزهور داخل المزرعة، عقد "تليد" حاجبيه بعد أن استدار كي ينظر إليه وقال بصوت أجشٍ حادٍ:
-إنتَ أيه اللي جابك هنا، أنا مش قايل لك تختفي خالص لحد ما وَميض ترجع لأهلها!!
نوح وهو يرد بغيظ:
-يا سيدي أنا جرجرت مُهغة في الكلام وعرفت إنها راحت الشغل في شركتكم ومعروفة إنهم مش بيخرجوا دلوقتي وبعدين سيبك مني أنا وخليك في المصيبة بتاعتك!.

تليد يجيبه باستنكار:
-يا ستار يارب، مُصيبة أيه؟!
نوح يجيبه بسخرية وصدمة:
-إنتَ مقريتش أخبار النهاردة؟! يا سنة سوخة!!
ابتلع ريقه بالكاد ثم أكمل وسط نظرات الأخير المستغرب:
-دا إنتَ سمعتك بقت في للحضيض، اسمع.. اسمع.

وضع الجريدة نُصب أعينه ثم قرأ ما فيها بسرعة:
-"فضيحة الشيخ تليد سُليمان حيث كشفت مصادر موثوق منها اشتراك الشيخ في أعمال السحر السفلي وقد عُرف من مصادر سرية أُخرى بأنه مخاوي وليس بداعية إسلامي كما يدعي"، كتبت هذا المقال أ/زهرة اللافندر.

رفع "تليد" أحد حاجبيه قبل أن يضيف باستنكار:
-أيه شغل أكونتات الفيسبوك دا؟!!.
نوح وهو يرمقه بعينين مُتسعتين دهشةً:
-هو دا اللي لفت انتباهك؟!! دي واحدة بتقول عليك مخاوي وبتعمل أعمال سحر سفلي!!!!
تليد وهو يبتسم ببرود أطار عقل الأخير من رأسه:
-زهرة اللافندر؟!! إن ما خليتك زهرة الخشخاش مبقاش أنا تليد يا جن.
نوح وهو يبرطم في غيظٍ:
-خشخاش أيه وجن أيه؟! أنا كنوح عايز أفهم!!
ضغط "تليد" على أسنانه قبل أن يصيح فيه بلهجة حازمة:
-إنتَ كنوح متفكرش ترد لأني عارف كويس أوي مين اللي كتب الهبل دا وهتعامل وياريت متجيش المزرعة إلا لما تبلغني!!
ضرب "نوح" على رأسه بنفاد صبرٍ ثم صاح:
-مش همشي غير لمَّا أفهم!!
مسح "تليد" على وجهه قيل أن يُضيف باستسلام:
-دي قدري في الدنيا، شوية الغلطات اللي عملتهم اتكونوا كلهم في شخصية بني آدمة.
نوح يصيح بدهشة:
-وَميض!!!

أومأ "تليد" برأسه إيجابًا وبعد مرور ثواني هتف فيه "تليد" أن يذهب على الفور، أسرع "نوح" بالذهاب فيما قرر "تليد" الذهاب إلى المجلس الذي يستقبل فيه والده ضيوفه فقد علم من أحد العمال أن والده استقبل ضيفًا قبل ساعة فأراد أن يتفقد الأمرَ، توجه "تليد" إلى المجلس وما أن وصل حتى اندهش عند رؤية الضيف من خلال النافذة، في حين دار حديث طويل بين الاثنين وقد أعرب "علام" وقتها عن حزنه وقت الإخلال رغمًا عنه بالوعود المقطوعة عليه؛ فتكلم بحزن دفين:
-والله العظيم تغيير اسمها كان غصب عني، مراتي كانت حابه تناديها باسم تاني بس أنا أصريت أسجلها بأُترُج ولكن هي لما كبرت أصرت تغيره.

قام "سليمان" بالربت على كفه ثم أضاف بصوت هادئ:
-مصدقك يا علام، أنا كُنت محتاج أتأكد من حُسن نيتك واتأكدت.
نكس "علام" رأسه بحُزن ثم تابع بصوت مخنوقٍ:
-أنا مش بس جاي أخد بنتي، أنا جاي اشتكي لك من عثمان بيه وتصرفاته اللي بيتعمد فيها يكسر كبرياء بنتي ويستصغر قدرها قدامنا وقدام نفسها، بيتعامل معاها على إنها لعبة ومُصر يحركها زي ما يحب وأُترُج بنتي مش الشخصية اللي تتساق خالص بالعكس هي قوية وعنيدة وعندها كبريائها خط أحمر.

سليمان وهو يرد بثبات:
-هي قالت لي كُل حاجة.
تنهد "سليمان" ثم تابع:
-أنا شايف إن قرارك صح، إنك تسيب القصر فدا مكسب ليك ولبنتك.

أومأ "علام" في أضاف بيأس:
-أحيانًا كتير بندم إني أخدتها للذل علشان أرضي غريزة الأبوة عندي وأفرح مراتي، لمَّا مش بقدر أوفر لها كامل أحلامها بتوجع عليها وأفضل أقول لو جه الشيخ سليمان والشيخ تليد وقالوا عايزين أمانتنا هديها لهم ومش هفكر لحظة، أنا مش قادر أفتح لها أبواب لأحلامها.
سليمان وهو يرد بودٍ:
-طول ما البنت راضية وفخورة بيك يبقى متحملش نفسك فوق طاقتها!!!

في تلك اللحظة، قطع "تليد" حديثهما حينما اندفع داخل الغرفة ثم وقف ثابتًا وراح ينظر لهما لبعض الوقت قبل أن يصرح بحسمٍ وثبات:
-أستاذ علام، أنا بشكل رسمي عاوز أمانتي!!
يتبع

 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent