Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثالث عشر 13 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثالث عشر 13 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات»
«الفصل الثالث عشر»
***

في الصباح الباكر، نهض يوسف محاولاً التغاضي عما حدث البارحة، مشاعر مختلطة تتخبط به، فهناك النفور وعدم الرضاء بما فعلته تلك المشاكسة العفوية وشعور آخر الإعجاب بما فعلته، ولن ينكر أن هذا الشعور كان الأقوى من بينهما، وهذا ما يضايقه.

تناول شطيرة سريعاً قد أعدها بنفسه لكي يفر هارباً من المنزل قبل أن يواجه ساكنيه، تفاجئ بصوتها العذب الذي ناداه من خلفه:
_ يوسف..

توقف عن السير ثم استدار إليها فتفاجئ بوضعها، عقد ما بين حاجبيه بغرابة متسائلاً عن سبب حالتها:
_ أنتِ لابسة كدا وراحة فين؟

اقتربت منه والحُمرة تكسو وجنتيها ثم أجابته برقة:
_ المسيو عاملنا إمتحان، فلازم أروح بدري قبل معاد الدرس 

رفع يوسف حاجبيها متفهماً الأمر، كان متعجباً من ابتسامتها المرسومة على ثغرها الصغير، شعر بعلامات استفهام خلفها لكنه لم يعقب، حمحم ثم أردف وهو يعود مارً بجوارها:
_ ثواني وراجع

تابعت لينة سيرها إلى الخارج لكي ترتدي حذائها لحين عودة يوسف، تفاجئت به يحمل شطيرة بيده ويناولها لها قائلاً بإختصار:
_ كلي حاجة قبل ما نمشي 

اتسعت إبتسامتها وشكرته بمشاكسة:
_ تشكولار 
(ترجمة: شكراً) 

لم يمنع يوسف ضحكته التي تشكلت على شفتيه رغماً عنه، هز رأسه مستنكراً لغتها التركية التي تنطقها من آن لآخر ثم هتف: 
_ مش عارف التركي دا آخرته إيه؟!

أجابته بتلقائية:
_ على تركيا أكيد، أومال أنا بتعلم كل دا ليه؟

رمقها يوسف بأعين ضائقة، فإجابتها مبهمة بعض الشيئ فقال بفضول:
_ ودا هيحصل إزاي يعني؟!

فكرت لينة لثوانٍ قبل أن تجيبه:
_ مش عارفة تحديداً، يمكن رحلة أو يمكن أكمل تعليمي هناك، الله أعلم 

حملق بها يوسف لبرهة، لوهلة لم يستوعب حديثها المراهق وصاح بعدم رضاء:
_ مفيش الكلام دا، تعليمك هنا إن شاء الله 

قلبت لينة عينيها وبميوعة هتفت:
_ حضرتك بترفض بصفتك إيه؟ خطيبي؟ جوزي؟ مرتبطين؟!

تفاجئ يوسف من ردها الذي ألجم لسانه، طالعها لوقت ثم أبدى رفضه لحوارها السخيف بنبرته المحذرة: 
_ لينة..

انفجرت ضاحكة وهي ترى عينيه يتأجج فيهما الغضب المصاحب للرفض التام وأردفت ممازحة:
_ بهزر معاك يا "سوفي"

"سوفي!!"
رددها يوسف وهو يطالعها بطرف عينيه لا يصدق تلقيبها له، من أين أتت به تلك؟ 

"طب بزمتك مش حلو؟"
قالتهم لينة متعمدة جرأتها معه، لعله يشعر بمشاعرها نحوه، كان الآخر متفاجئاً من جرأتها معه منذ البارحة، لم يستطيع مجراتها كما يفعل، يشعر وكأن هناك خطأ في الأمر، ما الذي بدل أحوالها هكذا بين ليلة وضحاها؟

نظر إلى يدها التي مُدت له متعجباً فأوضحت هي مازحة: 
_ أنتِ طمعان في السندوتش اللي جايبهولي ولا إيه؟

انتبه يوسف إلى الشطيرة التي لازالت بيده، أعطاه لها ثم حاول الخروج من عدم استيعابه لتصرفاتها التي باتت مبهمة بقوله:
_ يلا عشان متتأخريش

أغلق باب شقتهم وهبط درجات السُلم سريعاً، متجاهلاً تصرفاتها المريبة التي تفعلها، استقلا في السيارة دون حديث لكن الأجواء لم تخلوا من دندنة لينة بصوتها العذب: 
"روق مبقاش في ما بينا فروق، ولا فـغلاوتك مخلوق يامعلي في قلبي الشوق،
يوم.. يوم ندي الدنيا طناش، لسه أنا وأنت معشناش، فك ومتحكبهاش" 

ثم انتقلت إلى أغنية أخرى بخفوت:
"والشوق بيبات يا حبيبي في حضني ساعات وساعات لو زاد الشوق مينيمنيش، 
لا نهار ولا ليل ملكش في خيالي بديل ولا من أيامك يوم مبيوحشنيش" 

التفت يوسف حيث تجلس مستفسراً عن حالتها الغريبة اليوم: 
_ مالك يا لينة؟!

طالعته بأعين لامعة مجيبة إياه بهدوء: 
_ مفيش، بدندن..

أماء برأسه كأنه لم يكن يعلم أنها تدندن، عاد بنظريه متابعاً الطريق أمامه مشكلاً إبتسامة على محياه بسبب عودتها لمواصلة غنائها دون اكتراث لسؤاله كأنه لم يُسأل. 

صمتت من تلقاء نفسها حين صدح رنين هاتف يوسف الذي أجاب بجدية بعدما أوصله بسماعة أذنيه:
_ إيه يا عمار؟ 

أجاب الآخر بعملية: 
_ معلش يا أستاذ يوسف بس عايزينك تيجي الوقتي

بإقتضاب قال يوسف:  
_ أنا ورايا مشوار وجاي، قدامي حوالي نص ساعة وأوصل 

أصر عمار علي مجيئه موضحاً السبب:
_ معلش يا أستاذ يوسف بس بنت سيلمان المحمدي هنا وطلباك بالإسم 

شد يوسف تقاسيمه معاتباً عقله على نسيانه مردداً بضيق:
_ دا أنا نسيت خالص، فعلا والدها كلمني وقالي إنها جاية النهاردة تغير عربيتها، بس أنا برده مش هعرف أجي قبل ما أخلص مشواري خليها تستنى شوية

وجه عمار نظريه على الفتاة التي تتأفف وتجوب المكان بعجرفة ثم أردف بقلة حيلة: 
_ أمري لله هحاول ألهيها بأي حاجة على ما توصل، مع السلامة

كانت تتابع المكالمة بآذان صاغية، فهناك إمرأة يتحدثان عنها فكيف لن تصغي جيداً، حمحمت بتردد قبل أن تهتف:
_ أنا معايا وقت ممكن تروح تشوف شغلك وبعدين توصلني 

نظر إليها يوسف لبرهة ثم أبدى رفضه قائلاً: 
_ لا لا هوصلك الأول تستنى هي..

أصرت لينة علي ذهابه إلى عمله فهي تريد رؤية تلك المرأة: 
_ بجد والله لسه معايا وقت متقلقش 

بعد تفكير وإلحاح من لينة وافق يوسف الذهاب إلي عمله وإنهاء تلك المقابلة سريعاً حتى لا يخسر التعامل مع والدها الخلوق، ومن ثم يقوم بتوصيل لينة لاحقاً، على الجانب الآخر فرحت لينة بذهابها معه فقط لترى من يتعاملن معه.

بعد مدة قصيرة، وصل يوسف إلى مكان عمله، ترجل من السيارة بعدما صفها أمام المعرض، ترجلت لينة أيضاً لترافقه إلى الداخل.

استقبل عمار يوسف بفرحة عارمة شاكراً إياه بداخله على وصوله سريعاً وإنقاذه من بين أسنان تلك الفتاة:
_ كويس أنك جيت يا أستاذ يا يوسف والله 

"هي فين؟"
تسائل يوسف فلم يكن هناك فرصة لإجابة عمار، فكان ظهورها خير إجابة:
_ أخيراً وصلت يا جو

فغرت لينة فاها حين وقعت عينيها عليها، حدجتها كلياً بصدمة، بدايةً من خصلاتها البنية المحررة إلى تلك التنورة القصيرة التي تظهر بشرتها الحليبية المثيرة، ناهيك عن قميصها ذو الفتحة التي تبرز مفاتنها الواضحة للغاية، وحذائها الشفاش بحبال ملتفة حول كاحلها. 

شهقت لينة بداخلها، الأمر كان صعب تصديقه، أشبه بالحلم، أهذه وأشباهها يتعاملن مع يوسف!
شعرت بغصة مريرة في حلقها، تابعت اقتراب الأخرى وانتبهت جيداً لأي تخطي في حدودها مع يوسف فهو ملكية خاصة ولا يمكن لأحد ملامسته أو الإقتراب منه. 

"واحشني يا جو بجد"
أردفتهم الفتاة بحميمية وهي تصافحه، لكنها سرعان ما تراجعت معتذرة:
_ I'm sorry نسيت إنك مش بتسلم 

بإبتسامة مقتضبة تحدث يوسف: 
_ إزيك يا آنسة يُمنى، أستاذ سيلمان كان مبلغني إنك عايزة تغيري عربيتك، ياريت نبدأ نتفرج بسرعة لأني ورايا مشوار ضروري

اتسع ثغرها بإبتسامة ساخرة، ناظرة للأعلى بتهكم ثم هتفت مستاءة: 
_ لا مشوار إيه بس أنت مش عارفني، لازم أخد وقتي في اختيار شريكتي الجديدة، أنت نسيت اخر مرة جيت هنا قعدت حوالي ٣ ساعات

لعن يوسف عقله الذي قبل عرض لينة وجاء لهذا المكان قبل أن يقوم بتوصيلها أولاً، تنهد في محاولة منه على كسب بعض الهدوء، ضغط على شفتيه السفلى مردداً بفتور:
_ بقول نبدأ نتفرج عشان نكسب وقت 

بميوعة مبالغة هدرت: 
_ Sure يلا..

شعرت لينة لوهلة أن رائحة حريق تفوح منها، هي تحترق فعلياً من الداخل، لا يوجد عضو لا يثور ويتآكل غيظاً من تلك المدللة، انتبهت إلى أمر يوسف الذي وجهه لها وهو يشير إلى زواية ما:
_ معلش لينة أقعدي في الصالون على ما أخلص 

ببرودٍ معاكس تماماً لثورتها التي نشبت داخلها قالت:
_ لو سمحت بسرعة عشان متأخرش 

رمقها يوسف بنظرات معاتبة فهي من أصرت على مجيئهم إلى هنا، لم يعقب على كلماتها وتركها ليتبع الأخرى، بينما لم تستطيع لينة الإبتعاد عنهما، ظلت واقفة على مسافة قريبة منهما لكي تكون ملمة بما يحدث.

لم تتوقف عن سب الفتاة داخلها، فكانت تتعمد لمس يوسف في أي فرصة تسنح لها، تتدلل بخطواتها كـطفلة ذات عشر سنوات، تركض تارة وتقفز تارة وتتصنع حزنها الشديد تارة أخرى إن لم يعجبها سيارة قامت بتجربتها. 

تأففت لينة بضجر، فالصبر لديها بلغ ذروته ولم تعد تحتمل تلك السخافة التي تدور أمامها، كم ودت كثيراً أن تنقض عليها تنتف لها خصلاتها التي تداعبهن من آن لآخر. 

على جانب آخر، تصنعت يُمنى الإرهاق ثم أردفت بتعب:
_ لا بجد تعبت، هاخد بريك خمس دقايق ونرجع نكمل 

فقط كان يطالعها يوسف والغيظ يتآكله، فهي فتاة مدللة للغاية وهو يكره التعامل مع ذلك النوع من الفتيات، خرج من شروده على صوتها العذب: 
_ هروح التويلت أعدل الروج وأجي تاني

ودعته بأصابعها البيضاء الرفيعة ظاهرة طلائها الأحمر الفاقع، أوصد يوسف عينيه حينما ابتعدت عنه، بينما هرولت لينة خلفها ودلفت إلى المرحاض بخطوات مهرولة متوعد لتلك المدللة.

وقفت يُمنى أمام المرآة تعيد وضع أحمر الشفاه خاصتها، ثم وضعت أعلاه مادة شفافة أضافت لشفتيها رونقاً خاص. 

وقفت لينة بجانبها ثم وضعت حقيبتها على الحوض، التفتت بجسدها حيث تقف الفتاة وطالعتها لوقت، تفكر جيداً فيما تنوى فعله، مالت برأسها يميناً ويساراً مصدرة صوت طقطقة عنقها، كذلك قامت بقرع أصابع يديها مصدرة صوت فرقعة قوية انتبهت له يُمنى التي اختلست النظر إليها من خلال المرآة. 

اقتربت منها لينة بضعة خطوات ثم قامت بنتف خصلاتها التي تشابكت بين أصابعها، تفاجئت الأخرى بفعلتها كما أنها شعرت بالألم الشديد فصرخت عالياً:
_ أنتِ مجنونة، أنتِ بتعملي إيه؟!

مالت لينة على أذنها وأردفت بخفوت: 
_ تخرجي حالاً تختاري أي عربية من العربيات اللي برا.. 

شدت بقوة أكبر على شعرها وتابعت محذرة: 
_ وتتكلمي عدل مع يوسف وإلا أقسم بالله أروحك لعيلتك قرعة، أنتِ فاهمة 

سحبت لينة يدها بهدوء من خصلاتها ثم رمقتها بنظرات مشتعلة قبل أن تخرج، ظلت يُمنى متابعة لها إلى أن اختفت فرددت بخفوت والدموع تتلألأ في عينيها:
_ Slut
(الترجمة: وقحة) 

استدارت ثانيةً باتجاه المرآة، ثم أعادت ترتيب خصلاتها، مسحت عبراتها التي سقطت رغماً عنها، وأوصدت عينيها لبرهة محاولة إستعادة مزاجها الذي تعكر، خرجت بوجه عابس فأثارت ضحكات لينة التي لم تخفيهم، بل تعمدت النظر إليها بتحدٍ. 

اقتربت يُمنى من يوسف تاركة مسافة بينهما، حمحمت وأشارت على إحدى السيارات الواقفة خلفها وأردفت باقتضاب وعبوس: 
_ تقريباً العربية دي أكتر واحدة عجبتني 

تعجب يوسف من أسلوبها المناقض، فلقد كانت تماطل في الأمر منذ دقائق، من أين جاءت تلك الجدية، لا يهم فتلك هي فرصته الوحيدة لإنهاء ذلك اللقاء. 

أماء برأسه وهو يردف: 
_ تمام هـ..

قاطعته يُمنى حاسمه للأمر بنبرتها الجامدة: 
_ بابي هيبقى يتواصل معاك، بعد إذنك

لم تنتظر إجابته وغادرت تحت نظرات يوسف المذهولة، عاد بأنظاره إلى عامله الذي جاءه راكضاً هاتفاً بتعجب: 
_ هي مشت إزاي؟

رفع يوسف كتفيه متشدقاً بفمه وصاح مندهشاً: 
_ مش عارف، ومش مهم أنا ماشي

أشار يوسف إلى لينة فجاءته ببشاشة وجه، سارت بجواره إلى أن استقلت السياره وكذلك هو ثم انطلق بها قاصداً مكان بعينه. 

***

أوقف يوسف السيارة ونظر إليها هاتفاً بتعليماته اليومية: 
_ كلميني قبل ما تخرجي، ومتكلميش حد متعرفيهوش و..

قاطعته لينة ساخرة: 
_ ومش هروح مع اللي يقولي تعالي أوديكي لماما حاضر

لوهلة لم يستوعب يوسف الذي ردد موافقاً حديثها:
_ بالظبط...

قطب جبينه حينما استوعب كلماتها ثم نهرها معنفاً:
_ أنتِ بتتريقي عليا!!

انفجرت لينة ضاحكة فهتف هو بحنق: 
_ انزلي يا لينة، أنتِ متستاهليش خوفي عليكي أصلاً 

رمقته لينة بنظرات متهكمة وقالت ببرود زائف: 
_ محدش قالك تخاف عليا

بإقتضاب أجاب: 
_ أنا غلطان فعلاً، لو شوفتك بتتخطفي قدامي مش هسأل فيكي 

استدارت لينة وأخذت حقيبة ظهرها من المقعد الخلفي ثم هتفت بنبرة جامدة:
_ تمام خليك قد كلامك بقا

ترجلت من السيارة ثم دفعت الباب بقوة، سارت بضعة خطوات ثم توقفت ووضعت يدها على رأسها، فشعر يوسف بالريبة من وقوفها ولم ينتظر في السيارة ثانية أخرى. 

هرول إليها متوجساً خيفة، وقف بجوارها متسائلاً باهتمام: 
_ في إيه أنتِ كويسة؟

مرت لحظات دون تعقيب منها، حتى ارتفعت ضحكاتها فأثارت غرابته من ضحكاتها المبهمة، نظرت في عينيه قبل أن تردف:
_ دا أنت طلعت خفيف بشكل..

اقتربت منه بضعة خطوات ثم تابعت هامسة:
_ بعد كدا خليك قد كلامك يا سوفي..

أولاته ظهرها وتابعت إلى أن اختفت داخل أحد الأبراج الكائنة أمام يوسف الذي لم يخفض نظريه من علي طيفها قط. 

فتاة مشاكسة وذات تصرفات مشاغبة، لكنه لا يضجر منها قط، هو يحب أفعالها حتى وإن كانت على غير هواه. 

عاد إلى السيارة ثم دعس على المحرك عائداً إلى مكان عمله.

***

ولج يوسف إلى مكتبه فتفاجئ بوجود السيد سمير يجلس على كرسيه، تبادلا الإبتسام ثم هلل يوسف مرحباً به: 
_ المكتب نور يا عمي والله 

غمز إليه سمير وصاح ممازحاً:
_ عارف عارف، أقعد 

قهقه يوسف ثم جلس أمامه فتابع الآخر: 
_ استنيتك تقولي رأيك في العربيات اللي عرضها بلال عليك ومقولتش فجيت لك بنفسي أسمع 

نظر يوسف إليه بحرج ثم أردف معللاً: 
_ معلش بس دماغي فيها مليون حاجة

نهض سمير عن مقعده ثم دار حول مكتبه وجلس أمام يوسف وقال بجدية: 
_ طيب إحنا فيها أهو قولي 

عاد يوسف بجسده للخلف مستنداً بظهره على المقعد وهتف بما يراه في صالح العمل: 
_ العربيات دي مشبوهة، فيها حاجة غلط 

قطب سمير جبينه بغرابة من كلماته المريبة وسأله مستفسراً: 
_ إزاي يعني؟

وقف يوسف وتوجه إلى الخزنة الموضوعة في أحد أدراج مكتبه وقام بحل شفرتها ثم سحب منها ملف ورقي وعاد إلى كرسيه وبدأ يشرح للسيد سمير ما لفت انتباهه فيه:
_ لو بصيت هنا هتلاقي أن العربيات طريقة صناعتها غريبة جداً، من امتى الدولة دي بتتعامل مع دي ومن امتى أصلا في عربية بتكون صناعة دولتين؟! 
دي عربيات مجمعة يعني خردة والزبون يشرب بقا، دا غير إن اسم الشركة معدتش علينا قبل كدا ولما دورت وراها لقيتها بتتعامل مع معارض مجهولة وملهاش أساس من الصحة وكلهم أسامي فقط مفيش ورق ولا حتى صورة تثبت أنهم موجودين، دي نصباية صدقني متوافقش أنت اللي هتخسر..

كان السيد في حالة ذهول تام بعدما أخبره يوسف بتلك المصيبة، فهو لم يحسب لذلك قط، أخرج زفيراً محاولا تهدئة روعه ثم أردف بنبرة مهزوزة:
_ أنا كلمت مدير الشركة دي وجاي يقابلني هنا الوقتي..

لم يضجر يوسف مما أخبره به بل كان مرجحاً دعوته لذاك المحتال وقال بصوته الأجش:
_ حلو أوي خليه يجي ونرمي له الكلام اللي قولته دا في وشه وإما يرجع بلده لإما نسلمه، أصل المشرحة مش ناقصة قتلة كفاية البلد خربانة مش ناقصين خواجات يجو يشغلوا دماغهم علينا.

طرق باب المكتب فور إنهاء يوسف كلماته، ثم دعى الطارق للدخول، فكان رجلين غريبان، خمن أنهما نفسهم المحتالان. 

نهض واستقبلهم بفتورٍ شديد:
_ Welcome
( مرحباً ) 

بدأ أحدهما حديثه وكانت لغته العربية الفصحى: 
_ أهلاً بك سيد سمير أنا هارون المترجم للسيد أندرو

تدخل يوسف بلهجته المشحونة بالغضب:
_ شكراً لحضرتك مش محتاجين مترجمين..

لم يروق لهارون لهجة وأسلوب يوسف الفظ، رسم علي محياه بسمة لم تتعدى شفتيه ثم قال: 
_ حسناً سيد...

عرف يوسف عن هويته:
_ I'm Youssef Al-Rawi, the Automotive Branch Manager here
( أنا يوسف الراوي، مدير فرع العربيات هنا) 

ابتسم له الأجنبي وقال بحفاوة: 
_ Welcome, Mr. Youssef, 
( أهلاً بك سيد يوسف ) 

التفت الرجل إلى السيد سمير وتابع استرساله بعملية: 

_ You invited me, Mr. Samir, to tell me your opinion, so I can hear you
( لقد دعوتني سيد سمير لكي تقول لي رأيك، تفضل أنا أسمعك ) 

حمحم يوسف وهو من قام بالرد عليه بنبرته الفظة: 
_ Your offer is rejected, Mr. Andrew, there is a lot of fraud in what you are doing and we do not accept that at all
( عرضك مرفوض سيد أندرو، هناك احتيال كبير فيما تفعلونه ونحن لا نقبل بذلك مطلقاً ) 

تجهمت تعابير أندرو، ونظر إلى مترجمه بخوف وتردد شديدان، عاد بنظريه إلى يوسف وهدر بثبات: 
_ What are you talking about, scam what?
( ما الذي تتحدث عنه،  احتيال ماذا؟ )

رمقه يوسف باشمئزاز، فهو لا يحب الأغبياء مثله، تنهد قبل أن يجيبه بنبرة غاضبة: 
_ I think you understand me very well and there is no need to mention it unless you are determined but that will be done through the police
( أظن أنك تفهمني جيداً ولا داعِ لذكره إلا إذا كنت مصمم لكن ذلك سيتم من خلال الشرطة ) 

لم يقبل الرجل حديث يوسف وانتفض من مكانه مذعوراً ثم رفع سبابته مهدداً يوسف: 
_ You are the one who blamed yourself, young master
( أنت الذي جنيت على نفسك أيها السيد الصغير )

أولاهما ظهره وفر هارباً من أمامهما، تبعه مترجمه الخاص إلى الخارج، ثم إلى السيارة، فك أندرو رابطة عنقه فور استقلاله السيارة، لقد شعر لوهلة أنه لن يخرج من ذلك المكان على خير. 

أخرج زفيراً عميق ثم وجه بصره على مكتب يوسف فرآه يقف في نافذته يشاهد بإبتسامة منتصرة، كز أسنانه بغضب متوعداً له، عاد بأنظاره إلى هارون وردد بغضب شديد: 
_ Tell our men to teach him a lesson he will never forget for the rest of his life
( أخبر رجالنا أن يلقنوه درساً لا ينساه طيلة حياته )  

أطاعه رجله قائلاً:
_ Good 
( حسناً )

***

في الأعلى، حرك سمير رأسه غير مصدق ما حدث، كان يتابع تحرك سيارتهم من خلال النافذه، وحينما اختفت صاح بذهول:
_ أنا بجد مش مصدق إن فيه ناس كدا، جايين بلدنا ينصبوا علينا؟! 

التفت إليه يوسف وعقب على كلماته:
_ توقع كل حاجة في الزمن دا

تذكر سمير حالة الرجل التي تملكته حينما كشف يوسف ألاعيبه المحتالة وردد بفخر: 
_ لا بس أنت كنت جامد، دا الراجل معرفش يرد عليك 

ابتسم يوسف وهتف بسخرية:
_ شكلهم لسه جداد في النصب

قطع حديثهما دخول بلال، تعجب من وجود والده وربط وجوده بمسألة زيجته من إيمان، شكل على ثغره ابتسامة عريضة وهو يتسائل: 
_ أنتوا بتعملوا إيه كدا؟

اقترب منه والده وهو يخبره: 
_ لا يوسف يحكيلك، أنا هروح أشوف العمال وصلوا لإيه في المعرض. 

استأذن منهما ثم غادر بينما جلس بلال وهتف مستفسراً: 
_ قالك حاجة على موضوع إيمان؟

هز يوسف رأسه نافياً وأبدى استيائه بسؤاله: 
_ وهو هيكلمني عن إيمان ليه؟

هاجمه بلال برده:
_ مش أنت ابن خالها، قولت سألك حاجة عنهم، أصله عايز يسأل عنهم الأول، مش فاهم بجد سؤال إيه، أقوله بنت خال يوسف وعارفها كويس يقولي هسأل برده 

باختصار أوضح له يوسف ما لا يراه هو:
_ جو بنت خالي وإنك تعرفها كويس دا إحنا اللي نفهم كدا لكن أبوك ميفهمهاش وبعدين ما تسيبه يسأل أنت مضايق ليه 

تأفف بلال فهو لا يطيق الانتظار، وهتف بنفاذ صبر: 
_ يسأل يعني وقت بيضيع الفاضي، أنا عايز أخلص 

حرك يوسف رأسه مستنكراً استعجاله وهتف ممازحاً:
_ أنا خايف على سربعتك دي تقولها بحبك في أول قاعدة بينكم وتبان إنك مدلوق أوي 

أسرع بلال في نفي ظنون يوسف: 
_ لا ياعم مش للدرجة 

رمقه يوسف بطرف عينيه غير مصدق أنه لن يفعلها بينما أكد بلال قائلاً: 
_ ياعم لأ، لأ 

***

حل المساء مرافقاً معه السكون الذي يعم المنزل، حتى خرجت المشاكسة من غرفتها متأففة بضجر، فهي تشعر بالإختناق وعدم رغبتها في مواصلة تلك المذاكرة الغبية التي لا تنتهي.

تقوس ثغرها الوردي مبتسماً حين رأت فارسها يجلس على الأريكة بمفرده، توجهت ناحيته وهي تسير على أطراف أصابعها بتهمل، واضعة كلتى ذراعيها خلف ظهرها. 

" أنتِ كدا هتخضيني يعني؟"
أردفهم يوسف ونظريه لم يبتعدا عن جواله، تأففت لينة بصوت عالٍ وهتفت متذمرة:
_ هو أنا معرفش أخضك أبداً

ترك يوسف هاتفه بجواره ثم أخرج تنهيده قبل أن تتجهم تعابيره وهو يردف بحزن واضح:
_ فيه حاجات بتحصل لنا بتخلينا فايقين أكتر من الأول يمكن لو كنا فايفين كدا وقتها مكناش خسرنا حد..

لم تستشف لينة ما يقصده وسألته مستفسرة:
_ تقصد إيه بكلامك؟

"ولا حاجة"
قالها ليغير مسار حوارهما ثم تابع متسائلاً:
_ إيه اللي مصحيكي للوقتي؟

أجابته بعدما أزفرت بعض الأنفاس بملل واضح:
_ كنت بذاكر، بس زهقت من المذاكرة، وحسيت عقلي وقف ومعتش فاهمة حاجة فمحبتش أكمل.. 

بخوف واضح في كلماته قام بنصحها:
_ بس دا مينفعش، لازم تركزي خلاص امتحاناتك أول الأسبوع الجاي 

أوصدت لينة عينيها لبرهة وأبدت زمجرتها بقولها:
_ عشان خاطري يا يوسف معتش تجبلي سيرة الإمتحانات 

كاد الآخر أن يعقب إلا أنهما انتبها إلى فتح الباب الذي ولج منه زياد، فتعجب من جلوسهما في ذاك الوقت المتاخر من الليل.

اقترب منهما ونظراته تتسائل بفضول:
_ أنتوا سهرانين للوقتي، مش معقولة!

تفاجئ بهجوم يوسف في رده:
_ ولما أنت عارف إن الوقت متأخر، كنت بتعمل إيه كل دا برا؟

قلب زياد عينيه مستاءً وهدر بتهكم:
_ أنا خلصت امتحانات النهاردة وطبيعي يعني أسهر مع صحابي شوية 

استشعرت لينة الأجواء المشحونة والتي حتماً ستنقلب في النهاية لمشادة بينهما فتدخلت بلطافة:
_ بقولكم إيه أنا زهقانة وفاقدة شغفي ومحتاجة أجدد مودي، إيه رأيكم نلعب لعبة؟

كان زياد أول من أجاب:
_ اشطا، موافق 

بينما أبدى يوسف رفضه:
_ لا يلا كله يدخل ينام الوقت متأخر وأنا ورايا شغل 

نظر إلى لينة وواصل:
_ وأنتِ عندك دروس 

قابلته بنظرات معاتبة ثم أخفضت رأسها وهتفت بنبرة حزينة لكي تحثه على الموافقة: 
بقولك فاقدة شغفي يا يوسف، محتاجة أغير مودي شوية من جو المذاكرة دا عشان أعرف أرجع لها تاني 

تنهد يوسف فلم يكن أمامه أي خيارات، ولن يرفض لها طلباً وهو من يحصد ثماره بالأخير: 
_ طيب هنعمل ايه؟

رفعت لينة رأسها موجهة بصرها نحوه فاغرة فاها ببلاهة، حرك يوسف رأسه مستنكراً تصرفها الأبله ثم هتف محذراً:
_ ها هتقولي ولا أرجع في كلامي 

أسرعت هي في قول:
_ لا لا ثواني هفكر 

فكرت لبضعة دقائق ثم وصلت إلى فكرة ما، مررت نظريها بينهما قبل أن تردف بحماس:
_ كل واحد هيمثل مشهد من فيلم أو مسرحية أو مسلسل واللي يقول من فيلم إيه أسرع هو اللي يكون عليه الدور في التمثيل 

قطب يوسف جبينه مستاءً وقال بإقتضاب:
_ تمثيل إيه يا لينة أنا مبعرفش أعمل الكلام دا 

عقدت هي ذارعيها متذمرة:
_ مبتعرفش، تعرف 

تأفف الآخر بضجر وهو يردد:
_ يا الله يا ولي الصابرين 

لوت لينة شفتيها متصنعة الحزن فتدخل زياد معاتباً أخيه: 
_ ياعم يوسف ما يلا بقا الموضوع هزار في هزار يعني، مش معقول كل حاجة معترض كدا 

لم يعقب يوسف على حديثه، أخذ ثوانٍ قبل أن يبدى موافقته:
_ ماشي يلا، مين هيبدأ 

أجابته لينة التي تحولت تقاسيمها إلى الحماسة: 
_ زياد لاني مش حاضر في دماغي حاجة الوقتي

نهض زياد ووقف أمامهم ثم أخذ وقتاً قصيراً يفكر فيما سيقوم بأدائه أمامهما، إلى أن توصل إلى مشهد ما. 
قام بتصنع الحماقة وبلهجة صعيدية صاح: 
_ إيه يا جعيدي متعصبنيش يا جعيدي، عليا النعمة من نعمة ربي أكلك بوكس في جفصك الصدري أطير العصافير اللي فيه 

انفجر يوسف ضاحكاً على أداء أخيه المضحك، بينما قفزت لينة هاتفة: 
_ فيلم واحد صعيدي 

صفق لها زياد وهو يردد: 
_ صح 

تبادلا الأماكن حيث جلس زياد ووقفت لينة على مسافة بعيدة عنهما لتبدأ في تمثيل مشهدها حيث تغنجت بجسدها وهتفت بدلال:
_ حسين، حسين، حسين 

اقتربت من يوسف وهي تواصل تمثيلها: 
_ أخص عليك يا حبيبي نسيت أوام أيامنا الحلوة يا حسين 

ذاب قلب يوسف بسبب دلالها المبالغ في أداء المشهد، كان يطالعها بانجذاب وقلبه يخفق بقوة حتى تدخل زياد حين علم إسم الفيلم وقام بمشاركتها الأداء بنبرة خشنة: 
_ وجالك عين تقولي الكلام دا قدامي؟!

تابعت لينة أدائها وهي تنظر إلى زياد وكأنها في المشهد الحقيقي: 
_ اقتلني موتني أعمل اللي أنت عايز تعمله لكن مش هتقدر تفرق بيني وبين حسين أبداً 

أردفت آخر كلماتها وهي تطالع يوسف الذي لم يمنع تسلل ابتسامته على شفتيه فصاحت هي متسائلة: 
_ ها عرفت الاسم؟

بإبتسامة هادئة أجاب: 
_ إشاعة حب

اتسع ثغرها بإبتسامة عريضة ثم وجهت كف يدها نحوه فضرب هو بكف يده تلقائياً كفها ثم أنتبها إلى حديث زياد: 
_ لا بس مشاركتي كانت جامدة 

قلبت لينة عينيها وبمزاح قالت:
_ أوي أوي

جحظت عيني لينة حين راودتها فكرة مجنونة، وزعت أنظارها بينهما قبل أن تهتف: 
_ إيه رأيكم نعمل تيك توك؟ 

صاح يوسف رافضاً لذاك الهراء:
_ تيك توك إيه لأ طبعاً 

لوت لينة شفتيها وهي تهاجمه:
_ على فكرة أنت ممثلتش يعني معملتش معانا أي حاجة 

نهض يوسف ناهياً تلك السخافة الحادثة متصعناً اللطافة:
_ يلا تصبحي على خير يا لي لي 

رمقته بنظرات مشتعلة ثم أولاته ظهرها وتوجهت نحو غرفتها بخطوات مهرولة لكنه سرعان ما أوقفها بقوله:
_ استني طيب..

انفجر زياد ضاحكاً ثم نهض ونظر إلى لينة رافعاً ذراعه للأعلى قائلاً: 
_ كفك

قابلته لينة بجمود ثم قلبت عينيها بتذمر، شعر زياد بالإهانة لحظتها، فهي للتو فعلت التصرف نفسه مع يوسف، لماذا تتخذ موقفاً معه، لا تلامسه ولا تسمح له بممزاحتها عن قرب أو حتى قبول مساعدته إن تطلب الأمر، لكنها دوماً تقبل من يوسف جميع ما ترفضه منه. 

أخرج زفيراً بتهمل وهو يطالعها بغيظ بينما أردف  يوسف بنبرته الرخيمة: 
_ اختاري أي حاجة تانية غير التيك توك دا، بجد مليش فيه 

قاطعهما زياد بنبرته الباردة:
_ كملوا أنتوا، أنا فصلت وعايز أنام 

أنهى كلماته ثم تحرك إلى غرفته مباشرةً، بينما هتفت لينة بملل: 
_ خلاص مش مهم، نكمل في يوم تاني، بصراحة أنا كمان نفسي أنام اوي

أماء يوسف بتفهم وأردف بلطف:
_ تصبحي على خير 

بادلته إبتسامة عفوية مرددة: 
_ وأنت من أهله 

أولاته ظهرها ولم تخطو خطوتين إلا وأوقفها يوسف بندائه:
_ لينة..

التفتت إليه بأعين لامعة فقال:
_ مش زعلانة؟

وضعت أحد أصابعها على رأسها متصعنة التفكير فصاح يوسف متعجباً: 
_ بجد والله؟!

قهقهت لينة ثم أردفت بنبرة متيمة: 
_ مقدرش أزعل منك

اقترب منها يوسف بضعة خطوات وقال أمراً:  
_ طب يلا روحي نامي 

أشارت إليه بأصابعها وهي تهتف: 
iyi geceler

عقد حاجبيه حين لم يفهم ما تفوهت به فأوضحت قصدها: 
_ يعني تصبح على خير 

لبس ثوب الجمود وبتهكم أردف: 
_ يلا يابت على أوضتك، آل إي جچلار آل 

انفجرت لينة ضاحكة ثم هرولت إلى غرفتها بينما دلف يوسف إلى غرفته لينعم ببعض النوم قبل أن يستيقظ باكراً وكذلك فعلت لينة لتبدأ يوم جديد في رحلة دروسها التي لا تنتهي. 

***

صاح بغضب في زميله الجالس بجواره: 
_ ما تطفي الزفتة اللي في إيدك دي وتخلصنا بقا، الشارع سكت أهو والرجلين خفت عن المكان، أخلص قبل ما الفجر يأذن وتلاقي الحارة كلها في وشنا 

طالعه الآخر ببرود يشوبه التهكم وتحدث بلا مبالاة: 
_ لما أخلص السيجارة اللي في أيدي 

تأفف صديقه وصاح به معنفاً: 
_ بقولك أخلص قبل ما حد يشوفنا 

قلب عينيه ثم فتح باب السيارة وترجل منها، تنفس سيجارته ثم ألقاها أرضاً ودعس عليها بحذائه الأسود، التفت مراقباً المكان من حوله جيداً قبل أن يبدأ مهمته. 

تحرك نحو السيارة المقصودة ثم جلس القرفصاء وتفحص المكان من خلفه للمرة الثانية قبل أن يدلف بجسده أسفل السيارة وقام بقطع أسلاك الفرامل بآلة حادة. 

عاد إلى السيارة التي كانت في انتظاره ثم استقلها، وانطلق بها الآخر بسرعة البرق قبل أن يراهما أحد ويشك في أمرهما. 

***

حل الصباح وأشرقت الشمس، بداية يوم مختلف يحمل بين طياته أقدار جديدة للجميع، كان زياد أول من استيقظ في البيت، حيث تعجبت والدته وسألته بقلق انتابها: 
_ صاحي بدري ليه خير؟! 

اقترب منها ثم قبلها من وجنتها وهو يردف بنبرة طريفة:
_ صباح الخير يا ست الكل 

عقدت حاجبيها بريبة من أمره، فتلك الحميمية لا تعتادها قط، طالعته بأعين ضائقة وسألته مستفسرة عن حاله المريب: 
_ مالك يا زياد؟ أنت عايز إيه؟

حمحم قبل أن يردف:
_ أحبك وأنتِ فهماني كدا 

وضعت ذراعيها في منتصف خصرها ورمقته بحاجبات معقودان: 
_ ها؟

"عايز أخد العربية من يوسف" 
قالها فأظهرت أن الأمر لا يعنيها:
_ مليش دعوة، منك لأخوك.. 

قاطعهم صوته الذي استمع لآخر حديثها: 
_ عايزين مني إيه؟

شعر زياد بالحرج حينما رأى ولوج يوسف، أرسل لوالدته بعض الإشارات التي تحثها على إخباره بما يريد لكنها أبت بإشارة من كتفها فتدخل يوسف مستاءً: 
_ وأنت لما تكون عايز حاجة لازم وسيط يعني؟

عض زياد على شفتيه السفلى وبتردد واضح أردف: 
_ كنت متفق أنا وصحابي نفطر مع بعض وكنا هنروح بعربية أبو أمجد بس طلع عنده شغل فكنت بقول يعني لو تديني العربية ساعتين بالظبط وأرجعهالك 

صمت حل لثوانٍ فتفهم زياد رفضه وبخجل بائن هتف:
_ خلاص خلاص نروح مواصلات

لحق به يوسف بقوله:
_ استنى..

سحب مفتاح السيارة من جيبه ثم ألقاه إليه فابتسم زياد وهلل بسعادة: 
_ أخويا الجدع ملوش مرتجع 

ينجح دوما في إضحاكه بأسلوبه المرح أو ربما الساخر لا يعلم، لكنه أعطاه بعض التعليمات قبل أن يغادر:
_ العربية يا زياد ترجع سليمة، أنت عارف إنها مش بتاعتي 

بعجرفة حدثه:
_ متقلقش أخوك مولود في عربية 

ظل يقفز فرحاً بإمتلاكه للمفتاح ثم غادر المنزل سريعاً،لم يستطيع صبراً وهاتف أصدقائه: 
_ جيتو تحت زي ما اتفقنا؟

أجابه أحدهم قائلاً: 
_ أيوة كلنا تحت، يلا أنجز وانزل 

هلل وهو أمام باب البناية: 
_ نزلت اهو 

استقل الجمع السيارة ثم قام زياد بإقتران هاتفه بالسيارة عن طريق ( البلوتوث )، فارتفع صوت أحد المهرجانات الشعبية الذي قام باختياره، فحمسهم على التصفيق حيث صرخ أحدهم بطيش: 
_ علي الصوت يابني علي

أدار زياد زر التحكم بمستوى الصوت فكان أشد قوة عن ذي قبل بأصواتهم المشاركة للأغنية، تحرك زياد بالسيارة وابتعد من المنطقة، كان يقود بسرعة متوسطة خشية حدوث أي حوادث، حتى حاول إيقاف السيارة فكانت الكارثة، لا تريد التوقف. 

حاول تهدئة روعه والسيطرة على الأمور لربما يكون هناك عطل بسيط ومع التكرار يستطيع حله، فأعاد محاولات الوقوف لكنها بائت بالفشل، السيارة بالفعل لا تتوقف.

انتبه إلى تحذير أمجد الجالس بجواره حين هتف: 
_ ما تهدي السرعة شوية يابني إحنا وسط العربيات 

التفت برأسه يميناً ناظراً إليه بذعر يسيطر على خلاياه وصاح بنبرة مهزوزة: 
_ العربية مفيهاش فرامل!

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent