رواية جبل النار الفصل الرابع عشر 14 - بقلم راينا الخولي
جبل النار
رانيا الخولي
الرابع عشر
……………
في المساء
لم يهدئ هاتفها من اتصاله وتعلم جيدًا بأنه لن يهدئ حتى توافق على الخروج معه
لكن تأخر الوقت ولن تجازف بالخروج في الليل.
ردت عليه عندما يأست منه وقالت بغيظ
_وبعدين معاك قولتلك مش هينفع وبعدين انت لسة راجع من السفر لازم ترتاح.
اعتدل داغر في فراشه
_ايه..ايه براحة عليا بتخديني في دوكة كدة ليه.
جلست على الفراش وهي تتمتم بيأس
_اعمل ايه بحاول افهمك انه مينفعش وانت مصر.
ازاح داغر الغطاء عنه ونهض من فراشه متجهًا للمرحاض
_أنا بصراحة جعان أوي ولوحدي في البيت ومحتاج حد يحضرلي العشا.
زمت فمها بغيظ منه
_وعايزني بقا انا اللي اجي أحضره!
رد داغر ببساطة قبل أن يضع الفرشاة في فمه
_وايه المشكلة ما هو ده الطبيعي.
_لااا السفرية دي شكلها جننتك خالص وبعدين انت عارف صعب اخرج في وقت زي ده.
اعاد الفرشاة إلى مكانها وخرج من المرحاض ليخرج ملابس له وهو يقول
_انا هدخل اخد شاور تكوني جهزتي هعدي عليكي بالعربية من الباب التاني يلا باي.
أغلق الهاتف دون ان يستمع لردها
ودلف المرحاض.
ابتسمت أسيل على جنونه وفكرت في الخروج معه لكن تخشى من ذلك
فهي تعد مغامرة كبيرة ولن تجازف بها.
تنهدت بحيرة
قلبها يطلب منها الذهاب والنعيم بذلك الحب الذي يغدقها به لكن عقلها يأبى ذلك وفي ذلك الوقت خاصة
لكن لما لا وقد نامت أمينة وستذهب وتعود دون ان يعرف أحد..
ظلت حايرة لا تعرف ماذا تفعل
ظل داغر منتظرها في سيارته لكنها لم تخرج له حتى الآن
أخرج هاتفه ليبعث لها برسالة كان محتواها
"تحبي تخرجي من نفسك ولا اجي اخدك بالغصب؟"
تلقت اسيل تلك الرسالة فيزداد حنقها منه
هي تعلم جيدًا بأنه قادر على فعل ذلك التهور
فقررت الذهاب إليه واقناعه بالذهاب
أبدلت ملابسها وتسللت من الباب الخلفي فتجده منتظرها بعيدًا نسبياً عن المنزل
هزت راسها بيأس منه ثم توجهت إليه وهي تتمتم بحنق
_حد قالك إنك مجنون.
هز رأسه بنفي وتحدث بهدوء
_لأ ولا مرة، اول مرة اسمعها منك.
اغتاظت اكثر من بروده وخاصة عندما تابع ببساطة
_يلا بسرعة لإني فعلاً جعان أوي.
_قولتلك مينفعش لازم تمشي دلوقت عشان محدش ياخد باله.
تحدث بإصرار
_اركبِ انتِ وخلينا نمشي قبل ما الحد ده ياخد باله.
زمت فمها بغيظ منه واستدارت لترحل كي لا تقوم بقتلـه وهي تقول
_براحتك بقا
ترجل ليجذبها من ذراعها يمنعها
_سيلا متتعبنيش أنا لسة مفقتش من النوم ومحتاج افضل معاكي شوية.
وقفت اسيل حائرة أمامه فلهجته ترجوها أن توافق وهي خائفة من الذهاب معه في ذلك الوقت
وعندما لاحظ خوفها تحدث بلهجة بثت الاطمئنان بداخلها
_طول ما انتي معايا متخافيش من حاجة، لو خفتي من الدنيا كلها أنا لأ.
تطلعت إليه بعينيها لتنفي حديثه قائلة
_بس انا مش خايفة منك انت، انا بثق فيك أكتر من اي حد.
قطب جبينه بحيرة وسألها
_اومال خايفة من مين؟
اهتزت نظراتها عندما تحشر في الزاوية وتمتمت بخفوت
_مفيش حد.
_يبقى خلاص تيجي معايا واوعدك مش هنتأخر.
وافقت أسيل وذهبت معه ولم تنتبه لتلك العيون التي تراقبها
اخرج هاتفه ليخبرها
_ايوة يا هانم هي خرجت دلوقت معاه كان مستنيها قدام الباب الوراني.
انفعلت شاهي وقالت بغضب
_ومقولتش من بدري ليه؟
_يا هانم مكنتش اعرف غير دلوقت لولا إني كنت بمشط الفيلا مكنتش هاخد بالي.
فكرت شاهي قليلاً ثم قالت
_طيب اسمعني كويس ونفذ اللي هقولك عليه.
❈-❈-❈
اوقف داغر السيارة أمام منزله مما جعلها تنظر إليه باحتدام لكنه طمئنها قائلاً
_متخافيش انا وعدتك إننا مش هندخل جوه
انا هستناكي هنا وأدخلي انتي اعملي الأكل، كل حاجة موجودة في المطبخ وان احتاجتي حاجي رني عليا.
تمتمت اسيل بتردد
_بس….
_بس ايه تاني، انا قولتلك نتعاشى في اليخت قولتي لأ، طلبت نتعشى في مطعم قولتي حد يشوفنا اعمل ايه تاني.
التزمت الصمت قليلًا ثم تحدثت بجدية
_توعدني انك مش هتدخل لأي سبب من الأسباب.
أيد قولها
_أوعدك إني مش هدخل لأي سبب من الأسباب، ها حاجة تاني؟
أخرج المفتاح من سترته واعطاه لها
_ده المفتاح وانا هجهز المكان على البحر هنا لحد ما تخلصي.
وافقت أسيل وأخذ المفتاح ودلفت من البوابة الرئيسية حيث فتح لها الحارس قبل ان يترك المكان ويرحل.
دلفت أسيل المطبخ وشرعت في اعداد الأطعمة التي طلبها داغر
لم تستطيع العمل وحدها وارادت مساعدة منه
لكنها لن تفعلها
ظلت تضغط على نفسها حتى يأست وأمسكت هاتفها كي تحدثه
_ممكن تيجي دقيقتين وتخرج تاني.
لم يجيبها واغلق الهاتف وفي ثواني معدودة كان يدلف المطبخ وهو يغمغم بتعند مصطنع
_هما الستات كدة يغرقوا في شبر مايه، مش بيعرفوا يعملوا حاجة لوحدهم.
خلع سترته ورفع اكمامه وهو يسألها
_خير اعمل السلطة ولا اغسل المواعين.
ضحكت اسيل وأشارت على الطاولة
_اه السلطة وتشوح اللحمة.
تطلع إليها بغيظ
_يعني لغيتي السمك، ماشي يا ستي اعمل السلطة الأول وبعدين نشوح اللحمة عشان متبردش.
جلس على المقعد وأخذ يعدها وهو ينظر إليها بنظرات عاشقة
لم يعترف بالحب يوماً ولم يتخيل بأن يعيش تلك اللحظات ومع ذلك الجمال المرتسم أمامه
كم تمنى أن تكون زوجته الآن وهو يقف بجوارها يساعدها
نفى ذلك وشرد بأشياء أخرى
بأن يقترب منها ليغلق المقود ويحملها بين يديه ويصعد بها غرفتهما.
تمنى ذلك بكل الحب الذي يحمله بداخله لها
لكنه أحجم تلك الرغبة وتطلع إلى السلطة يشغل نفسه بها.
انشغلوا بإعداد الطعام حتى انتهوا في فترة وجيزة فسألها داغر
_ايه رأيك نتعشى هنا، بدل ما نطلع الأكل وندخله
انمحى الخوف من داخلها وحل مكانه الأمان
فقد استطاع داغر تعويضها بكل ما حرمت منه كأنه عوضها عن ذلك العذاب الذي عاشته.
_خلينا هنا أحسن.
رمقها داغر بابتسامة تؤكد لها بأنه سيظل على ثقتها به ولن يخذلها يومًا
شرعوا في تناول طعامهم وهم يتحدثون في امور عديدة حتى انتهوا
كان الوقت يمر دون أن يدرون بذلك ولا احد منهم يعلم شيئاً عن أحقاد تترصد لهم.
ساعدها داغر في غسل الأطباق واعادت باقي الأطعمة للمبرد فقد أخبرها بأنه لن يترك شيئاً منه
وقد استطاعت حلاوة كلماته تلك المرور إلى قلبها البض فتزداد سعادتها
اعدوا اخيرًا مشروبهم وناولته إياه قائلة برجاء
_خلينا نشربه في العربية لإني أخرت أوي.
اومأ لها داغر بتفاهم وقال
_طيب ثواني هطلع أجيب حاجة من اوضتي واجيلك نمشي على طول.
توقف بعد ان سار خطوتين والتفت إليها قائلاً ببراءة مزيفة
_بقولك ماتيجي معايا افرجك على الاوضة.
هزت راسها بيأس منه ولم تجيبه
فقال بملاوعة
_انتِ الخسرانة أنا بقول لو محتاجة تعديل تعرفيني ولا حاجة.
ابتسمت أسيل على ملاوعته ولم تجيبه، أخذت تتجول في صالة المنزل الكبير، تنظر إلى طرازه الهادئ
وهو بنفس حجم منزلها، لكن منزلها يفقد الدفء الذي شعرت به عندما دخلت إلى ذلك المنزل
راحة وطمأنينة لم تشعر بها من قبل، حتى في منزل جدها في إيطاليا
انتفضت أسيل من اليد التي امتدت إليها، فانسكب المشروب على الأرض
_بسم الله، ايه يا سيلا مالك خفتي كدة ليه؟
اخذ الكوب منها وشعرت هي بالاحراج من نفسها
_لا انا بس اتخضيت مش أكتر.
_خلاص هعملك غيره.
دلف داغر ليعد مشروب آخر ولفت نظر أسيل غرفة على يمينها مغلقة بلوحة تحكم.
تقدمت منها وهي تنظر إليها بحيرة رفعت اصبعها لتضعها على اللوحة فيوقفها صوت داغر
_لو ضغطتي عليه هتسمعي صوت مش هيعجبك ابدًا
تراجعت اسيل وهي تنظر إليه بحيرة
ناولها داغر الكوب وقال بتوضيح
_اي ايد بتلمسه غيري بيشتغل جهاز الانذار على الفون بتاعي او عمي
تطلعت إلى داغر بحيرة وسألته
_ليه؟
_تحبي تدخلي تشوفي بنفسك؟
جعلها الفضول تومأ له فقام داغر بالضغط على الازرار فتنفتح الغرفة ويسبقها للداخل كي يشعل الأضواء ثم أشار لها بالدخول
دلفت أسيل لتنبهر عينيها برؤية تلك الأشياء المرصوصة بعناية على جانبي الغرفة
سارت قدماها رغم الذهول الذي يعتريها واخذت تشاهد تلك التحف العجيبة
ما بين ساعة رملية تعد من العصور الوسطى
وخنجر صغير مُطعم باحجار كريمة
ومحار بكل أحجامه وأنواعه ويحتوي على لؤلؤ يكلف ثروة
وأخرى لوحة لطفلة تنفخ في الرماد فيتحول لفراشات جميلة والكثير والكثير
تطلعت إلى داغر وهي تقول بانبهار
_كل ده لقيته في البحر؟
كان مستمتع بانبهارها ورد بايماءة صغيرة
_امم.
تقدم منها وهو يرفع امامها صندوق صغير وفتحه أمام عينيها وهو يقول
_ودي كانت آخر حاجة لقيتها
اتسعت عينيها وهي تشاهد بوصلة ذهبية داخل ذلك الصندوق فترفع يدها تخرجها منه منبهرة بجمالها وتمتمت برهبة
_دي جميلة أوي يا داغر
تقدم منها داغر خطوة وتمتم بوله
_الجميل للجميل، دي هديتي ليكي، مش قولتلك كل سفرية اغبها عنك بهدية؟
انفرج ثغرها بذهول ونقلت بصرها بينهما وهي تقول
_بس دي غالية اوي يا داغر.
تقدم منها خطوة أخري ليرفع خصلة أخفت وجهها عنه ويضعها خلف أذنها وهو يتمتم بولع
_ولو قولتلك تقبلي كل التحف دي مهر ليكي تقبلي؟
اهتزت نظراتها وشعرت بأن قدميها أصبحت كالهلام لا تقوى على حملها
هل يطلب منها الزواج
هل ستنتهي معاناتها وتبتسم لها الحياة أخيرًا؟
تطلعت إلى عينيه التي ترمقها بحب ولوهلة شعرت بالخوف
هل ان الأوان لانتهاء معاناتها أم أن هذه اللحظات تعد السكون قبل العاصفة
اقلقه صمتها وخشية بداخله من ان تكون رافضه لطلبه لذا رفع كفه ليحتوي به جانب خدها وتمتمت بحب جارف
_وافقي يا سيلا وأوعدك إن عمرك ما هتندمي.
تجمعت العبرات بعينيها مما جعله يشعر بالخوف عليها وسألها بحيرة
_ليه الدموع دي؟
سقطت دمعة احرقت قلبه وهي تتمت بحزن
_خايفة؟
_من ايه؟
اهتزت نظراتها عندما انتبهت لقولها لا تريد أن يعرف شيئاً عن جحيمها
لا تريده ان يعرف بأنها شيء منبوذ لا يحق لها أن تفرح
تخشى إن علمت زوجة والدها تقنعه بالرفض وتلتف حول عنقها حبال الغدر
لن تتحمل بعدها عنه بعد ما اذاقها حلاوة عشقه
هل تؤجل ذلك القرار حتى تنعم بعشقه قبل ان يُحكم عليهم بالفراق؟
صمتها جعل الخوف يتملك منه لذا سألها
_أسيل انتي مخبيه ايه عني؟
رمشت باهدابها وحاولت التهرب منه لكنه احتوى وجهها بين كفيه يجبرها على مواجهته وسألها
_أسيل انا كنت صريح معاكي من البداية وحكتلك كل حاجة من غير ما أخبي، ليه انتي محاوطة نفسك بجدار وخايفة تتكلمي عن حياتك، سيلا انا بحبك…..
بوغت داغر عندما وجدها ترفع ذراعيها لتحيطه وتنخرط في البكاء وهي تشدد من احتضانه
تمزق قلبه من حالتها وازداد قلقه عليها
ظل يمسد على خصلاتها حتى هدئ نحيبها وهو يقسم بأنه سيعوضها عن كل تلك الدموع التي تذرفها
لا يريد ان يعرف شيئاً عن حياتها قبل معرفتها
هو يعشقها ويشعر بعشقها له لذا لا يريد شيئاً اخر
ابعدها عنه قليلًا وهو يقول بمزاح اراد به التخفيف عنها
_لا بقولك ايه ابعدي احسن احنا لوحدنا والشيطان شاطر
ضحكت اسيل وارتدت خطوة أخرى وقد تداركت الموقف حتى انها لا تعرف كيف اتتها الجرئة لفعلها فقالت وهي تمسح دموعها
_داغر انا لازم اروح الوقت اخر ومقولتش لدادة.
وافق داغر وخرجوا من الغرفة وأخذ مفاتيحه وخرج معها
توقف السيارة أمام المنزل وتطلعت إليه أسيل متمتمة برهبة
_داغر مينفعش تأجل موضوع الارتباط دلوقت.
تعجب داغر من قولها وسألها
_ليه يا سيلا. احنا نعرف بعض من تلات شهور ودول كفاية أوي.
التزمت الصمت قليلًا ثم تحدثت برجاء
_خلاص خليها الأجازة الجاية.
تنهد داغر بتعب
_اللي تشوفيه، اصلا عمي عايز يشوفك الأول.
ابتسمت اسيل لذكره وقالت
_انا كمان نفسي اتعرف عليه.
_خلاص هحدد معاه ميعاد الاجازة دي وتشوفيه والأجازة الجاية هخليه يطلبك.
ترجلت أسيل وانتظر داغر حتى تدلف لكنها تفاجئت بما حدث.
وقفت تحاول فتح الباب لكن يبدو ان احد اوصده من الداخل
اخرجت هاتفها كي تتصل بأمينة لتفتحه لكن هاتفها قيد الاغلاق
رن هاتفها وقد كان داغر لابد أنه قلق لعدم دخولها
_ايوة يا داغر الباب اتقفل من جوه.
_طيب اتصلي على دادة أمينة تفتحه
ردت بقلق وهي تحاول فتحه مرة اخرى
_فونها غير متاح مش عارفة اعمل ايه.
_طيب انا هجيلك واحاو…
قاطعته اسيل بخوف
_لا اوعى تيجي، انا جيالك.
عادت إلى السيارة وقالت بقلق
_وبعدين اعمل ايه؟
تنهد داغر وشعر بالذنب تجاهها وقال
_طيب حاولي تاني يمكن تكون فتحته.
_حاولت كتير ومفيش فايدة.
هم بالترجل وهو يقول
_طيب هحاول أنا.
منعته بخوف
_لأ خلاص خلينا هنا لحد ما تقوم وتفتح فونها.
ازداد الخوف بداخلها عندما تذكرت اتصالات والدها
_بس خايفة بابا يتصل.
_لو اتصل كانت دادة أمينة كلمتك متقلقيش
ضغط على الزر كي يرجع ظهر المسند للوراء وهو يقول
_نامي براحتك وانا هتابعها بالفون لحد ما تفتحه.
كانت تشعر بالنعاس حقًا وقام داغر بتشغيل المدفئة وقال بحنو
_متقلقيش يا حبيبتي ونامي.
رغم رغبتها الشديدة في النوم إلا إن القلق حال دون ذلك.
❈-❈-❈
عاد سليم من الخارج في وقت متأخر كعادته
جلس في حديقة المنزل وأسند رأسه على ظهر المقعد خلفه ربما يخفف ألم رأسه ولو قليلاً
كانت تراقبه من بعيد كي تملي عينيها منه
لم تلتزم بوعدها له بأن لا يرى احدهم الآخر
فعندما طلبت منه الذهاب للبحث عن عمل آخر رفض ذلك وأصر على بقاءها شرط ألا تظهر أمامه
التزم هو بوعده لكنها لم تستطع الالتزام مثله
واكتفت بالنظر إليه من بعيد دون ان يدري.
هكذا خيل لها ولا تعرف بأن ذلك القلب الجليدي كما تلقبه يشعر بانفاسها الثائرة وهي تراقبه.
من قال أنه لا يراها
إن كانت عينيه لا تراها فإن قلبه يراها وبكل جوارحه.
اغمض عينيه بشدة لا يعرف لما تكابلت عليه مصاعب الدنيا
والدته التي طردت من منزلها بتهمة لم ترتكبها وهو ظل صامتًا لحكم صغر سنه
وأخته التي تقهر أمامه ولا يستطيع فعل شيء لها
والفتاة الوحيدة التي أحبها يقف صامتًا أمامها ولا يستطيع حتى التقرب منها
يتذكر حينما ترجته أن يترك كل شيء ويبدأو معًا حياة جديدة بعيدًا عن قسوة ذلك المكان
لكنه أبى الرضوخ
لم يكن الأمر كما ظنت بأنه أختار حياة الرغد عنها لكن هو فعل ذلك كي يحميها من بطش والده.
لن يرحمها وربما يترك الأمر لزوجته لتدمرها كما دمرت والدته من قبل
نهض كي يرحمها ويرحم نفسه من عذاب قربها
لكن ما ان نهض وهم بالدخول إلا إنه وجدها تتقدم منه وهي تحاول بشى الطرق ان تبعد عينيها عنه حتى وقفت أمامه وقالت دون النظر إليه
_لو سمحت يا سليم بيه عايزة حضرتك في موضوع
لم يتحرك جبل الجليد بل ثبت نظراته عليها وهو ينتظر ما تود التحدث بشإنه فقالت هي
_انا لقيت شغل مناسب واتقبلت فيه وهبدأ من بكرة.
لم تتبدل نظراته بل ظلت باردة كما حالها دائمًا ثم قال باقتضاب بعد صمت دام للحظات
_لأ.
رفعت عينيها إليه وسألته
_ليه؟
_عشان أنا قلت لأ.
هم بالانصراف لكنها وقفت أمامه تمنعه
_مش هسمحلك تمشي إلا لما تقولي ليه.
طافت عينيه على ملامحها التي دائمًا بالنسبة له كتاب مفتوح وسألها
_انتي عايزة تشتغلي ليه؟
رمشت بعينيها مرات متتالية عندما بوغتت بسؤاله وتمتمت بتهرب
_لأنه مشغل كويس و…وهكون مرتاحه فيه.
_وانتي ايه اللي تعبك هنا؟
تعلم جيدًا أنها لن تستطيع مجارته لذا قالت بجمود
_انا اخدت قراري ومن بكرة أنا هسيب الفيلا وأروح الشغل الجديد.
نيران تشتعل بداخله لكنه لن يخرجها لإن فعل هتحرقها بلهيبه لذلك ظل فاترًا وهو يقول
_ولما انتي اخده قرارك جاية تقولي ليه؟
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وقالت بفتور مماثل
_عشان ميحصلش زي المرة اللي فاتت.
_وايه اللي حصل المرة اللي فاتت؟
احتقن وجهها عندما تذكرت كيف تهجم على صاحب المطعم عندما حاول التقرب منها وشاهد هو الموقف
لذا انهال عليه بالضرب حتى أخذت ترجوه حتى لا يقتلـ.ـه بيده
وجذبها حينها من ذراعها حتى كاد أن يخلعه من موضعه وأعادها إلى المنزل
ازدردت لعابها بصعوبة وتمتمت برهبة
_رجعتني تاني.
_بما إنك عارفة قراري يبقى اتفضلي على مكانك.
تخطاها ورحل ولم يفلح نداءها بلفت نظره حتى.
وكعادته يفرغ غضبه في غرفة الرياضة وكلما ازداد غضبه؛ كلما اشتد تعنفًا على الآلات حتى ينهكه التعب ويأخذ حماماً باردًا ويستلقي على فراشه لينام من شدة ارهاقه.
❈-❈-❈
نظرت أسيل إلى داغر الذي يتظاهر بالنوم وقالت بخفوت
_داغر.
غمغم داغر بنومه
_امم.
_انت نمت؟
_بحاول.
فتح عينيه وتطلع إليها ليقول بمكر
_بصراحة وجودك معايا في مكان مقفول صعب أوي، بحاول أنام عشان اترحم شوية.
ضحك داغر عندما زمت فمها بغيظ ثم اعتدل ليشغل محرك السيارة فسألته وهي تعتدل
_بتشغل العربية ليه؟
قال بمكر وهو يغمز بعينيه
_ما قولتلك وجودنا كدة غلط خلينا نقعد على البحر شوية.
لم تعترض لأنها شعرت بالضيق من تواجدهم بالسيارة
عاد بها إلى المنزل وهو يقول
_خلينا نقعد على البحر شوية.
شعرت بنسمة باردة عندما فتح باب السيارة فقالت
_بس الجو برد اوي.
_هدفيكي متخافيش.
ترجلت أسيل وانتظرت داغر الذي دلف لمنزله وعاد بعد قليل حاملًا أغطية خفيفة فيضع احدها على كتفيها وهو يقول بثقة
_دي هتدفيكي.
وفرش الأخرى على الرمال ليجلسوا عليها
سألته أسيل
_انت مش هتجيب واحدة ليك.
_لا يا ستي انا متعود على الجو ده متخافيش عليا، وبعدين أنا كتير اوي باجي بعد الفجر عشان اشاهد الشروق
بيبقى ليها متعة رهيبة.
_انا بقى عكسك في النقطة دي، بحب الغروب أكتر.
_طيب ايه رأيك نشوفه مع بعض وتحكمي الشروق افضل ولا الغروب
ضيقت أسيل عينيها بشك
_بترسم على ايه سيادتك.
ضحك داغر ورد بتصحيح
_ايه رأيك بقا إني اول مرة يكون غردي شريف.
زمت فمها بغيظ
_اول مرة؟
هز كتفيه باستسلام
_للأسف وقعت بلساني.
هزت راسها بيأس منه ثم نظرت للبحر أمامها وقد كان هادئاً على غير عادته
اقترب داغر منها وهو يتظاهر بالبرد
_ما تخديني تحت الكوڤيرتا لأن الجو برد أوي.
تشبثت أسيل بها وهي تضمها إليها وتمتم بغيظ
_لأ ادخل هاتلك واحدة غيرها.
ضغط على شفته ثم قال بمكر
_أصل الكوڤيرتا دي كبيرة وتسيع من الحبايب ألف، واحنا يادوب اتنين وقريب هنكون واحد.
هزت راسها بالنفي دون قول شيء
مما جعل داغر يتسطح على ظهره وهو يغمغم
_خلاص إن جاني برد يبقى ذنبي في رقابتك وخصوصاً إني هسافر بعد تلات ايام.
قطبت جبينها بدهشة وسألته
_انت هتنام هنا؟
وضع ذراعه أسفل رأسه ورد ببساطة
_اه ايه الغريب فيها؟
_هتبرد.
_ولما انتي عارفة كدة رافضة تدفيني ليه؟
تعبت من الجدال معه كحالها دائماً
لذا ظلت على رفضها ولم تبالي
بعد لحظات لاحظت أسيل ان انفاسه بدأت تنتظم مما يدل انه نام حقًا
اخذتها فرصة لتتأمل ملامحه
عينيه الرمادية التي تشبه الغيوم
وأنفه المستقيم الذي يزيده شموخًا
أما فمه فهو قصة أخرى وسط لحيته النامية.
دون ادراك منها وجدت نفسها تستلقي على جانبها بجواره ومازالت شاردة في محياه الأخذ
لقد وجدت به كل شيء
حب وحنان واهتمام وأمان
كل ما فقدته وجدته معه
فهل سيبخل عليهم الزمن أم يتركهم هانئين بعشقهم.
لا تعرف متى تسللت ذراعه أسفل رأسها ولا كيف تشاركا الغطاء
كل ما تعرفه أنها استيقظت على صوت هاتفها قبيل الشروق فتجد نفسها في هذا الوضع.
انتفضت أسيل في رقدتها واخذت تبحث عن هاتفها الذي يصدح في المكان
استيقظ داغر ليجدها تمسك هاتفها وتجيب عليه
_ايوة يا دادة.
صدح صوت امينة خارج الهاتف وهي تعنفها
_انتي فين يا أسيل؟
وقفت اسيل وهي تتمتم بوجل
_أ..أ..نا ..
_انتي ايه انطقي.
لم تستطيع الرد وهي تنظر لداغر بعتاب آلمه
نهض ليأخذ منها الهاتف وأجاب هو
_متقلقيش يا دادة أسيل معايا دقيقة بالظبط وتكون عندك
_معاك في وقت زي ده بتعمل ايه؟
نظر إلى أسيل التي شحب وجهها ثم رد برتابة
_احنا خرجنا امبارح وجيت ارجعها لقينا الباب مقفول حتى حاولنا نكلمك لقينا فونك برضه مقفول
مكنش ينفع أسيبها كدة، ومتخافيش انا اكتر واحد بيخاف عليها ومستحيل اعمل حاجة تضرها.
لم تتقبل حديثه وقالت بحدة
_ازاي بتقول انك مستحيل تعمل حاجة تضرها وانت تصرفاتك كلها ضرر ليها
لو حد من اهلها شم خبر أسيل مش هتعيش ثانية واحدة بعدها
كانت اسيل تستمع لصوت أمينة والخوف ظهر واضحًا عليها حتى إنها حاوطت نفسها بذراعيها
فقال بتفاهم
_خلاص اوعدك إن دي هتكون آخر مرة والأجازة الجاية هدخل البيت من بابه.
هدئت نبرة امينة عندما لاحظت صدق كلماته
_خلاص رجعها بسرعة قبل ما باباها يتصل.
أغلق الهاتف واعاده إليها ثم استقلوا السيارة وذهبوا إلى المنزل
ترجلت أسيل من السيارة وهي تشعر بانقباضه في قلبها لا تعرف سببًا لها
لم تنظر إلى داغر ولم تحدثه وأسرعت بفتح الباب والدخول وقد تناست امر هديته التي تركتها في السيارة
دلفت لداخل المنزل فتتفاجئ بمن يجلس على المقعد يضع قدم فوق الأخرى والجميع حوله واقفين في سكون تام
•تابع الفصل التالي "رواية جبل النار" اضغط على اسم الرواية