رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الرابع عشر 14 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل الرابع عشر»
***
ارتشف آخر ما تبقى في كوب الشاي خاصته، ثم هاتف صديقه الذي استقبله بتأفف:
_ مش هخلص منك بقا
تشدق يوسف بفمه ساخراً منه:
_ أيوة ما أنت وصلت للي عايزه
قهقه بلال بمرح بينما واصل يوسف بجدية:
_ عايزك تعدي عليا تاخدني في طريقك، زياد أخد العربية
أغلق بلال باب شقتهم ثم هتف:
_ ربنا يستر على العربية وترجع سليمة
بثقة عمياء عقب يوسف:
_ لا زياد عاقل
تنهد يوسف ثم هتف بقلق:
_ إن شاء الله ترجع سليمة
انفجر بلال ضاحكاً ثم أخبره بمكانه:
_ طب أنزل عشان أنا على السلم
باختصار قال يوسف:
_ تمام
أغلق الهاتف ثم تذكر شيء ما فأسرع بالإتصال على أخيه، انتظر بضعة دقائق ثم أجاب فصاح يوسف معتذراً:
_ أنا نسيت أقولك إن العربية مفيهاش بنزين و...
قاطعه زياد بأنفاس لاهثة:
_ الحمدلله إنك مقولتش
استشعر يوسف ثمة سوء قد وقع، نهض من مكانه متوجساً خيفة ثم سأله بقلق:
_ هو حصل حاجة؟
جائه صوته المهزوز في قوله:
_ إحنا عملنا حادثة يا يوسف!
انتفض يوسف من مكانه بذعر تملكه، مما أثر الرعب في قلب والدته التي انهالت عليه بالأسئلة:
_ في إيه يا يوسف، أخوك حصله حاجة؟
لم يسمع يوسف أياً من أسئلتها بل بادر بسؤال أخيه بقلق شديد:
_ أنت فين الوقتي؟
أخبره زياد مكانه فأسرع يوسف في الركض إلى الخارج ذهباً إلى أخيه سريعاً، بينما ظلت السيدة ميمي تندب خائفة:
_ يارب استر يارب
خرجت لينة من غرفتها على صوت السيدة ميمي، فأسرعت من خطاها مذعورة من حالتها المذرية، اقتربت منها وسألتها بقلق وخوف عارمان:
_ مالك يا ماما؟
رفعت ميمي رأسها والدموع تتساقط من عينيها وأجابتها بصوت متحشرج من البكاء:
_ زياد..
جهشت باكية ما أن نطقت إسمه، أنحنت لينه بجسدها وعانقتها في محاولة تهدئتها:
_ إهدى يا ماما وفهميني إيه اللي حصل
***
تعجب بلال من هرولة يوسف نحوه، استقل السيارة ثم أمره بأنفاس لاهثة:
_ أطلع يا بلال، زياد عمل حادثة
"إيه!!"
نطقها بلال بصدمة، ثم انطلق بالسيارة متجهاً إلى المكان الذي أخبره عنه يوسف، بعد مرور بضعة دقائق وصلا كليهما إلى المكان المقصود.
ترجل يوسف من السيارة وهي لم تتوقف بعد، ركض نحو أخيه والخوف يتملكه، تفحصه جيداً متسائلاً بلهفة:
_ أنت كويس، حصلك حاجة؟
أجابه زياد ليهدئ من روعه الظاهر:
_ أنا كويس متقلقش، والعربية ا...
قاطعه يوسف بعصبية:
_ تغور العربية المهم أنت، تعالى نروح المستشفى نطمن عليك
أحاط زياد ذراعي يوسف بيديه ليعود إلى رشده قائلاً:
_ والله أنا كويس، حتى بص عليا مفيس حاجة
تراجع يوسف للخلف ناظراً إليه فابتسم له زياد ليطمئن قلبه، أوصد يوسف عينيه في محاولة منه على استعادة سكينته، انضم إليهما بلال الذي صف السيارة في مكان آمن وتسائل باهتمام:
_ أنت كويس يابني؟
أماء زياد برأسه قبل أن يردف:
_ الحمدلله
نظر بلال إلى السيارة التي تخطت رصيف المشاة، ورمق أصدقاء زياد الذين يجلسون بجوار السيارة في حالة مذرية، عاد بنظريه لزياد وسأله مستفسراً:
_ إيه اللي حصل وطلعك على الرصيف كدا؟
بدأ زياد في قص ما حدث لهم:
_ كنت ماشي عادي وبعدين حاولت أوقف العربية ملقتش فرامل
تفاجئ بلال وكذلك يوسف لم يكن أقل منه دهشة، اقترب منه وهو يردد بعدم استعياب:
_ إزاي يعني مفيهاش فرامل؟
رفع زياد كتفيه ثم أجاب:
_ معرفش والله، حاولت أكتر من مرة أوقفها بس مقدرتش، المهم بدأت أحس إن العربية سرعتها بتهدى بس لسه ماشية، ولما بصيت على البنزين لقيته شطب وفجاءة ظهرت قدامنا عربية نقل كبيرة بتلف من ملف قدامنا مكنش ينفع أعمل حاجة غير إني أطلع على الرصيف
اقترب منه يوسف ثم ضمه بقوه وهو يتنهد، كاد أن يمت رعباً عليه، أخرج زفيراً عميق ثم ردد:
_ الحمد لله أن محدش حصله حاجة
شعور لا يوصف قد تغلغل لخلايا زياد، لم يمنع ابتسامته التي تشكلت تلقائياً بعد عناق يوسف له، فلا يتذكر أنهما كانا حميمين لتلك الدرجة من قبل.
تراجع يوسف ووجه حديثه لبلال الذي يجلس القرفصاء أمام السيارة يكتشف عواقب الحادثة وقال:
_ كلم ونش يجي يشيل العربية دي
باختصار أردف بلال:
_ حصل وزمانه على وصول
لم يبتعد يوسف عن زياد بل ظل مرافقاً له ومحاوطاً كتفيه بذراعه، أنتبه زياد لهاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين:
_ يوسف هي ماما عارفة حاجة؟ أصل لينة بترن عليا من فترة وأنا مش راضي أرد
اتسعت مقلتي يوسف بذهول متذكراً والدته التي رأته يهرول إلى الخارج، ضرب جبينه براحة يده ثم أخذ من أخيه الهاتف وقام بالرد عليهن:
_ أيوة يا لينة
أجابته بلهفة:
_ يوسف، زياد كويس؟
جائه صوت والدته القريب متسائلة بتوجس وقلق:
_ في إيه يا يوسف أخوك حصله حاجة؟
أسرع في نفي سؤالها بقوله:
_ لا لا هو كويس متخافيش، حادثة بسيطة بس هو والله كويس
شهقت السيدة ميمي كما لطمت على صدرها بصدمة ثم صاحت بصوت مهتز:
_ متكذبش عليا يا يوسف، طب لما هو كويس مردش هو عليا ليه
أوضح لها يوسف تصرفه:
_ أنا قولت أطمنك أنا، خديه معاكي أهو يطمنك هو
ناول يوسف الهاتف لأخيه الذي تحدث إلى والدته:
_ أنا كويس يا ماما متقلقيش
انفجرت ميمي باكية، لم تصدق ما يخبرونها به، تشعر وكأنهما يخفون شيئاً عنها لكي لا يخيفونها، عاد زياد ليطمئنها بكلماته:
والله العظيم كويس، وهجيلك وهتشوفي بنفسك
انتبه على سيارات النقل التي وصلت فأنهى المكالمة بقوله:
_ أنا هقفل يا ماما وهاجي على طول، اهدي
أغلق الهاتف ثم وقف الجميع بالقرب من الرافعة التي تنقل سيارة يوسف إلى سيارة نقل كبيرة ومن ثم ركب الشباب جميعاً في سيارة بلال وعادوا إلى منطقتهم إلا من يوسف الذي رافق السيارة عند المُصلح.
ترجل جميع الشباب وتفرقوا إلا زياد الذي وقف بجوار النافذة القريبة من بلال وبارتباك حرج سأله:
_ هي العربية هتكلف كتير؟
أخرج بلال تنهيدة قبل أن يجيبه:
_ يعني شوية
تأثر زياد كثيراً وتجهمت تعابيره، فهو يشعر أنه المذنب، ولم يكن عليه استعارة السيارة، لاحظ بلال تأثره فحاول تهدئته فقال:
_ إحمد ربنا أن العربية دي مستهلكة مكنتش جديدة زي اللي يوسف بياخدهم أوقات يجربهم، كانت وقتها هتكلفكم هدومكم
قال آخر كلماته وهو يضحك فشاركه زياد الضحك ثم استأذن منه وصعد إلى منزله، استقبلته ميمي بعينان متورمتان بسبب بكائها الذي لم يتوقف قط.
عانقته بقوة متسائلة عشرات الأسئلة:
_ أنت كويس، حصلك حاجة، طمني عليك، قلبي هيقف من الخضة متخبيش عني حاجة
تراجع زياد للخلف ظاهراً بدنه بالكامل إليها ورفع يديه للأعلى مجيباً على أسئلتها بجملة واحدة:
_ أنا كويس قدامك أهو
عادت لاحتضانه مرة أخرى فتدخلت لينة التي حضرت بعدما ارتدت حجابها:
_ أنت كويس يا زياد؟
نظر إليها مجيباً إياها بهدوء:
_ الحمد لله
***
اقتحم يوسف مكتبه بغضب جامح، لا يستطيع تخطى حادثة زياد، والمئات من التوقعات السيئة راودته، ماذا لو يستطيع توقف السيارة؟
ماذا لو لم ينفذ البنزين؟!
ماذا لو اصابه لأخيه مكروه؟
إلخ...
قاطع تفكيره رنين هاتفه، أجاب على الفور بتلهف:
_ أيوة يا حسن وصلت لحاجة؟
أخبره حسن بما استنتجه بعدما فحص السيارة جيداً:
_ أيوة يا أستاذ يوسف، سلك الفرامل مقصوص يعني حد قصد يعمل كدا
وكأن كهرباء صعقته بقوة بعد كلمات المصلح، فغر يوسف فاهه بصدمة جلية، وإزدادت أسئلة رأسه أضعافاً.
"في إيه يابني، متنح كدا ليه؟"
قالها بلال فلم ينتبه له يوسف فكان مغموراً بين أفكاره، تعجب بلال من حالته وأعاد حديثه:
_ عدت على خير يا يوسف
لم يعقب الآخر وكأنه لم يصغي إليه، فمال بلال بجسده على المكتب مشيراً بيده أمام عينان يوسف فتحركت بؤبؤتيه مع يدي بلال حتى عاد لارض الواقع.
طالعه لبرهة قبل أن يسأله بإقتضاب:
_ أنت هنا من امتى؟
بغرابة من أمره أجاب:
_ مش من كتير
عاد يوسف لصمته، فلم يستطيع بلال الصمت دون تعقيب:
_ الحمدلله أنها جت قد كدا، متفكرش كتير
ثم أضاف مرحاً إلى حديثه:
_ ويا سيدي هشاركك حق تصليح العربية متزعلش
رمقه يوسف بنظرات مبهمة قبل أن يهتف:
_ في حد قطع الفرامل!!
بذهولٍ شديد تملك بلال قال وهو يطالعها بطرف عينيه:
_ نعم؟ إزاي يعني ومين اللي هيعمل كدا؟
تشدق يوسف بفمه رافعاً كتفيه نافياً عدم معرفته بالفاعل، نهض عن مقعده وجاب الغرفة ذهاباً وإياباً مردداً:
_ أنا المقصود، بس مين اللي يعمل معايا كدا؟!
تأفف يوسف حينما لم يصل إلى أحدهم، استلقى على الأريكة الجلدية ذات اللون الاسود المقابلة لمكتبه، اقترب منه بلال وشاركه الأريكة وظل يفكر معه بصوت عالٍ فيمن له اليد في فعل ذلك.
***
عمِلت لينة جاهدة على إخراج يوسف من الحالة المزاجيه التي بات عليها لكنه كان يصدها طيلة اليوم كلما قابلته حاولت مراراً معه لكن محاولاتها تفشل بجدارة.
حل المساء واجتمع أربعتهم في المنزل وقد كان ظاهراً للآخرين عقل يوسف المشتت بسبب صمته طيلة جلوسه معهم، أرادت لينة لفت انتباهه فأردفت برقة:
_ إيه يا جو بتفكر في ايه
شعر يوسف بالملل حيال أسئلتها التي لم تنتهي منذ بداية اليوم، نظر إليها بعبوس وصاح غاضباً:
_ أنتِ قاعدة معانا بتعملي إيه، أنتِ مش عندك امتحانات؟! قومي ذاكري
تفاجئ الجميع برده العنيف وخصيصاً لينة التي رمقته بأعين لامعة غير مصدقة أسلوبه الفظ معها، انسحبت من بينهم بخطوات مهرولة حتى اختفت داخل غرفتها.
لم يعجب ميمي أسلوب يوسف في الحديث وعاتبته بكلماتها:
_ عملت كدا ليه يا يوسف، هي مضايقة عشان أنت قاعد ساكت ومش مركز معانا وبتحاول تخرجك عن حالتك دي
تأفف يوسف وكاد أن يخبرها بما يشغل عقله إلا أنه تريث، فلن يسبب سوى القلق داخلها فقط، تنهد ولم يعقب فقعله حقاً سيجن إن لم يصل إلى الفاعل.
انتبه لتلك الغاضبة التي خرجت من غرفتها وولجت للمطبخ بخطى مهرولة، شهيقاً وزفيراً فعل ثم نهض ليعتذر منها.
تقابلا في الممرر الذي بين الغرف وتعجب من ذلك المقص الذي بيدها وسألها مستفسراً:
_ المقص دا بيعمل إيه في ايدك
بعناد أجابته:
_ ملكش دعوة
طالعها بأعين ضائقة وبحنق أعاد سؤاله:
_ قولت بيعمل إيه معاكي؟
اقتربت منه بتحدٍ وهمست من بين أسنانها المتلاحمة:
_ وأنا قولت ملكش دعوة
اغتاظ يوسف من أسلوبها معه وبحنق حذرها:
_ اتكلمي معايا عدل يا لينة
واصلت عنادها حيث هدرت:
_ وإن متعدلتش؟
تحرك يوسف بخطوات متمهلة بقربها فتراجعت هي بضعة خطوات للخلف لم يكف يوسف عن رمقها بنظراته الثاقبة لعلها تعتذر منه لكنها لم تفعل ولم يقل التحدي في نظراتها قط.
نبرته كانت غاضبة حين همس بخفوت وهو لازال يتقدم بخطواته للأمام:
_ مش هعيد سؤالي تاني
دلفوا إلى المطبخ فتوقفت لينة عن السير حينما لم يتبقى مساحة خلفها تذهب إليها، شعرت بمحاصرتها من قبله فهتفت بنفاذ صبر:
_ هقص شعري
أنهت جملتها ثم دفعته بعيداً عنها ومرت بجواره عائدة إلى غرفتها، تشكلت تلقائياً ذكري رؤيته لخصلاتها المموجة، فلم يشعر بنفسه سوى وهو يلاحقها، أمسك بيدها قبل خروجها من المطبخ وهتف أمراً:
_ هاتي المقص مفيش قص شعر
انعقد حاجبي لينة بغرابة فما شأنه هو بقص شعرها، حاولت التحرر من بين قبضته لكنه رفض البتة وشد على يدها وباليد الأخرى حاول آخذ المقص:
_ هاتي المقص يا لينة
وضعته خلف ظهرها وأصرت على عدم إعطائه له:
_ أنت مالك أقص شعري ولا حتى أولع فيه، دا شعري وأنا حرة
تفاجئت لينة بثورته التي قامت عليها بانفعال لم تراه هكذا من قبل:
_ لا مش حرة، هاتي المقص
كانت تطالعه بذهول، فلم ترتفع نبرته عليها من قبل، ما الذي حدث الأن، بينما بلغ يوسف ذروة تحمله وحاول التقاط المقص من خلف ظهرها، فباتت هي محاصرة بين ذراعيه، فإن حضر شخصاً من خلفهما فلن يراها فجسده يغطيها بالكامل.
خفق قلبها بشدة فكان وضعهما حميمياً للغاية، شعرت بهياج نبضاتها وكأنها للتو اكتشفت قلبها لطالما ظنت أنه هادئ وساكن.
أحاط يوسف يدها الممسكة بالمقص بيده محاولاً أخذه منها، أوصدت لينة عينيها مستمتعة برائحته الفريد من نوعها، شعرت لوهلة أن عضلاتها ترتختي رويداً رويداً ولم تعد تستطيع التحكم بشيء.
ارتخت أعصاب يدها فنجح يوسف في التقاط المقص، أخفض رأسه فتفاجئ بلمعة عينيها التي تطالعه بهما، لقد كانت قريبة للغاية، إنه بالفعل ملتصق بها، تراجع أكثر فأخرجت هي أنفاسها التي انحشرت داخلها.
لم يستطيع مواجهتها وفر هارباً إلى الخارج، عاد لغرفته وحالته مذرية، أنفاسه مضطربة لا يستطيع ضبطهما قط، قلبه ينبض وكأنه في سباق منذ ساعاتٍ ولم يتحلى بالراحة.
إزدادت عصبيته حينما فشل في وضع حد لذلك الوضع السخيف وعدم تحكمه في نفسه، ألقى بالمقص بعيداً عنه ثم ألقى بجسده على الفراش ودسر الغطاء أعلى رأسه ظناً أنها طريقة مناسبة للهروب من أفكاره.
مسكين، لا يعلم أن حتى لو سافر لأخر البلاد لن يتوقف عقله عن التفكير مادام لم يحل شفرة أسئلته والوصول لاجابات قاطعة.
بينما لم تبرح لينة مكانها، إلى الأن لم يستوعب عقلها ما حدث، تطالع الفراغ أمامها ومشاعرها مضطربة، تشعر بأنها لم تكتفي باقترابه، تريد المزيد منه.
"واقفة عندك كدا ليه؟"
انتبهت لينة لسؤال زياد فاكتفت بتحريك رأسها ثم انسحبت إلى غرفتها تحت نظرات زياد المتعجبة من أمرها.
وقفت خلف بابها تستنشق الصعداء، تنشطت ذاكرتها سريعاً لتعيد مشهد قربه منها ثانيةً، أوصدت عينيها متلذذة بذلك الشعور الخاص.
ماذا لو انحنى قليلاً فقليلاً ثم قبـ...
اتسعت عينيها لوقاحة أفكارها لكنها لم تمنع ابتسامتها التي غزت شفتيها، فالسعادة دقت باب قلبها، ألقت بجسدها على الفراش وطالعت السقف فشعرت بالخجل يعصف بها كلما تذكرت قربه حتي باتت وجنتيها حمرواتين، وضعت الوسادة أعلى وجهها كاتمة ضحكاتها السعيدة ثم احتضنت الوسادة لتعطي العنان لأفكارها في رسم المزيد من المواقف التي تتمنى لو تحدث لهما.
***
صباحاً، استيقظ يوسف على رنين هاتفه، لوهلة شعر أنه يحلم، لكن تكرار رنين الهاتف أكد له أن الأمر حقيقياً وليس من عقله الباطن.
سحب هاتفه بكسل، ونظر إليه بأعين ضائقة، فلم تعتاد عينيه الضوء بعد، جلس بثلث جسده وأجاب بصوت متحشرج:
_ السلام عليكم
"وعليكم السلام، أستاذ يوسف؟"
بنعاس شديد يسيطر عليه أكد هويته:
_ أيوة أنا، مين حضرتك؟
"أنا واحد محتاج يقابلك ضروري"
_ أنا آسف والله مش بقابل حد معرفوش
قالها يوسف فأسرع الآخر متوسلاً:
_ أنا عيسى اللي بنت المرحوم عبدالرحمن كلمتك عنه قبل كدا
أخرج يوسف زفيراً ليهدئ من حشرجة حنجرته وقال بجدية:
_ تمام تعالالي المعرض، بس ياريت يكون قبل الضهر
"تمام، إن شاءالله هكون عندك قبل الضهر"
أنهى يوسف المكالمة ثم تفحص ساعة الهاتف، كاد أن يكمل نومه إلا أنه أراد الهروب من عيناي لينة، فلن يقدر على مواجهته بعد تصرفه البارحة.
بدل ثيابه ثم مشط خصلاته وخرج من الغرفة، نظر إلى غرفة لينة الهادئة ثم مر من أمامها بحذر لكي لا تنتبه عليه، لكن المفاجأة كان وجودها في الردهة.
طالعها لوقت غير مصدق أنها أمامه، بينما اقتربت هي منه بوجه جامد وعقدت ذارعيها أعلى صدرها وببرود هتفت:
_ أنت رايح فين؟
بادلها يوسف نظرات باردة وبملامح متجهمة أجابها:
_ رايح الشغل
رفعت حاجبها وقالت:
_ أنت مش ناسي حاجة؟
ارتخت ملامحه حينما لم يصل إلى شيء قد يكون نسيه، هز رأسه وسألها مستفسراً:
_ حاجة إيه؟
اقتربت منه حتى باتت أمامه تماماً، تاركة بينهما سنتيمرات قليلة، ثم وضعت كلتى يديها في خصرها وبغيظ صاحت:
_ تصالحني مثلاً!
تقوس فم يوسف للجانب مبدي استيائه:
_ نعم؟ أصالحك!
ليه هو أنا زعلتك؟
قلبت لينة عينيها بعدم إعجاب لاستنكاره، في النهاية إنه ذكر ولن يعترف بخطئه بسهولة، تنهدت قبل أن تردف كلماتها بحنق:
_ أنت نسيت عملت إيه إمبارح؟
تصنع يوسف التفكير، فاتخطت لينة حدودها تلك السنتيمرات التي تفرق بينهما ورفعت سبابتها في وجهه وصاحت مندفعة:
_ مش عايزة استعباط يا يوسف
أمسك يوسف بسبابتها وحذرها من بين أسنانه بعصبية:
_ اتكلمي معايا عدل
تأففت لينة وهدرت به شزراً:
_ يعني مش هتصالحني؟!
شد يوسف إصبعها للأسفل قليلاً ثم أمسك بيدها الصغيرة فتوجست لينة خيفة أن يزيد من ضغطه على يدها وهتفت بدلال متعمد:
_ خلاص مش عايزة منك حاجة
تفاجئت بتلك القبلة التي طُبعت على كفها، رمقته بدون استيعاب لتصرفه، بالتأكيد هي مازالت نائمة وهذا حلم، لكنه حلم جميل.
فاقت على صوته العذب حينما قال:
_ أنا آسف متزعليش
ابتسمت بعفوية وهي تنظر لوميض عينيه الذي اختلف كلياً عن ذي قبل، ترك يدها ثم بادلها إبتسامة عذبة قبل أن يتابع سيره نحو الباب ليغادر، لكنه توقف وأعاد النظر إليها قائلاً بنبرته الرخيمة:
_ لينة، متفكريش تقصي شعرك تاني..
أومأت بقبول فغادر يوسف بينما باتت لينة في حيرة من طلبه، لماذا يهتم بشأن شعرها لتلك الدرجة؟
ثم إنه لم يراه من قبل لكي يرفض قص طوله، شعرت بتشتت عقلها فلم تستيطع الإتيان بإجابة واضحة وعادت إلى غرفتها لتبدأ في مذاكرة دروسها.
في الخارج، وقف يوسف مكانه، لحظة استيعاب لما قام به، أهو حقاً قبل يدها؟
كيف تجرأ وتصرف بوقاحة دون تراجع، كيف لم يفكر عقله للحظة أن ما يفعله خطأ!
في النهاية لم يصل لإجابات صريحة ترضى أسئلته، فلم يكن أمامه سوى الذهاب إلى عمله ونسيان وقاحته الحادثة.
***
في مكتب يوسف، كان بلال ووالده في انتظاره، تعجب يوسف من وجودهما في تلك الأثناء، فدوماً هو من يكون أول الحاضرين، جلس ثلاثتهم في الصالون المخصص للضيوف ثم بدأ السيد سمير حديثه:
_ حمد لله على سلامة زياد، معرفتش حاجة عن موضوع قطع الفرامل دا؟
نفى يوسف معرفته بالفاعل:
_ الله يسلمك، مش في دماغي حد بعينه، ودا اللي هيجنني
اقترح السيد سمير إسما لربما يكون الفاعل:
_ مش يمكن يكون آندور؟
استبعد يوسف ذلك الشخص موضحاً:
_ فكرت فيه، بس ملوش أي مصلحة يعمل معايا كدا، أنا معايا ورق يدينه يعني يخاف يلعب معايا أقوم أأذيه
تنهد السيد سمير قبل أن يردف:
_ على العموم خلي بالك، ومن هنا ورايح تشيك على العربية قبل ماتركبها
أخفض يوسف رأسه بحرج، تردد كثيراً فيما سيقوله، فهذا آخر ما أراد فعله في تلك الفترة، أخذ نفساً عميق ثم نظر إلى السيد سمير وأردف بإقتضاب:
_ أنا عايز أشتري العربية اللي بتتصلح
تعجب بلال من طلبه وتدخل في الأمر:
_ على فكرة محدش طلب منك تشتريها و...
قاطعه يوسف بحكمة:
_ بس أنا عايز، أنا أصلا كنت ناوي أشتري واحدة، بس كنت مأجل الفكرة على لما أخد الخطوة اللي بقالي كتير برتب لها بس الظاهر مفيش نصيب
سأله سمير بجدية:
_ خطوة إيه اللي بتتكلم عنها؟
حمحم يوسف وبتهكم واضح أجابه:
_ خلاص بقا، الموضوع راح لحاله
أصر بلال على معرفة تلك الخطوة:
_ ما تقول يابني كنت ناوي على إيه؟
أخبرهم يوسف عما يريدان معرفته لطالما حلم بتحقيق هدفه ذاك كثيراً:
_ بصراحة كنت عايز أشارك حضرتك
قالها وهو ينظر للسيد سمير، أخرج تنهيدة بطيئة وتابع تحت نظرات الدهشة في عينيهما:
_ كنت حابب يكون لي شغلي الخاص، بس الموضوع صعب وبعيد، ففكرت إني أشاركك على الأقل أسهل بس مفيش نصيب..
انتبه كليهما إلى بلال الذي هتف بحماس يشوبه الجدية:
_ يبقى أنا ويوسف ٥٠٪ وأنت يا بابا الـ ٥٠٪ التانين
تفاجئ يوسف باقتراح بلال وبادر في الرفض خشية أن يضع صديقه في موضع حرج مع والده:
_ لا لا يا بلال...
تدخل السيد سمير حاسماً للأمر:
_ على بركة الله، أنا أصلا كنت محتاج شُركة معايا وبكدا يبقى نقدر نقول مبروك علينا المعرض التالت
هلل بلال بفرحة عارمة:
_ دا الكلام
مد يده إلى صديقه وبحماس شديد أردف:
_ مبروك علينا يا شريكي
بالله ماذا يهذي ذاك المختل، كيف بتلك السهولة؟ أحقاً بات من أصحاب الأملاك الآن؟
حقاً سيحقق حلمه وهدفه لطالما تمنى لأعوام عديدة!
بتلك السهولة بعدما فقد الأمل!
حقاً لا يصدق كرم الله عليه
مد يده إلى بلال وصافحه والسعادة وحدها من تتحدث عما يدور داخله، قطعت لحظتهم حينما طُرق الباب فسمح يوسف للطارق بالدخول:
_ أدخل..
ولج شاب غريب الهوية، كان الإرتباك بادي على تقاسيمه، حمحم وهو يجوب المكان بعينيه باحثاً عن أحدهم لكنه يجهل هويته، فتحدث يوسف متسائلاً:
_ مين حضرتك؟
أجاب الآخر بتردد:
_ أنا عيسى عبد النبي، عندي معاد مع أستاذ يوسف
نهض يوسف واستقبله قائلاً:
_ أيوة أنا يوسف اتفضل
أشار له للجلوس على أحد المقاعد، بينما نهض السيد سمير وكذلك بلال الذي تبعه واستأذنا ثم غادرا المكتب.
طلب يوسف للضيف مشروباً خاص ثم بدأ يستمع إلى ما جاء لأجله، وبعد مدة ليست بقصيرة، أنهى الشاب حديثه فتدخل يوسف بحكمته:
_ أستاذ عيسى حضرتك عندك أخوات بنات؟
أجابه عيسى بتلقائية:
_ أيوة ٣ بنات
ابتسم يوسف فهذا سيسهل عليه الأمور:
_ جميل أوي، حضرتك تقبل إن بنت فيهم تتجوز وتجيب لأخواتها راجل غريب يعيش وسطهم؟
يعني هل أنت كراجل شرقي وغيور هتوافق؟
نكس الشاب رأسه بخجل شديد، ولم يستطيع الرد، فتابع يوسف مالم ينهيه:
_ صدقني أنا احترمت زيارتك ليا وإنك اتكلمت من خلالي، بس الوضع صعب ولا يمكن أقبل بوضع زي دا وفي الآخر طبعاً انتوا أحرار، بس مكنش اشتركت في حاجة شايفها غلط وهتفتح أبواب لمشاكل كتير
صمت يوسف قليلاً وطالع الشاب لبرهة قبل أن يكمل حديثه:
اللي أقدر أعمله إني أشوف لك شغلانة كويسة تقبض منها كويس وتساعد نفسك واحدة واحدة وطلاما هي بتحبك هتستناك حتى لو قعدت سنين، وصدقني طلاما نيتك خالصة لله ربنا هيسهلك أمورك كلها.
ابتسم له الشاب ثم شكره بإمتنان:
_ شكراً لذوقك
نهض ليغادر فأكد يوسف على حديثه:
_ إن شاءالله في خلال أيام بسيطة هنفتح فرع جديد وطبعاً محتاجين عمال كتير وقت ما نقرب هكلمك وتيجي تبدأ شغلك على طول
أعاد الشاب شكره ممتناً لكرمه، ثم استأذن وغادر، تفاجئ يوسف بدلوف بلال ثانيةً، عقد حاجبيه بغرابة لرؤيته مازال هنا ولم يغادر بعد:
_ أنت لسه هنا؟
اقترب منه بلال بنظرات مريبة أخافت يوسف وهمس بغموض:
_ خد لي ميعاد من خالك
بغرابة سأله:
_ وأنت بتتكلم بصوت واطي كدا ليه؟
طالع بلال السقف ثم رد عليه بعدما أخرج تنهيدة مطولة:
_ أصل مش مصدق إن أبويا خلاص وافق
ضحك يوسف على أسلوبه الطريف، لكنه سرعان ما اختفت ضحكته حين انفجر فيه بلال بعدم صبر:
_ أنت لسه هتضحك كلم خالك أخلص
عاتبه يوسف بحنق:
_ براحة شوية مش كدا
تأفف يوسف ثم هاتف خاله ليتخلص من سخافة بلال، أجاب الطرف الآخر بود:
_ إزيك يا يوسف باشا، أخبارك ايه
بنبرة لطيفة حميمية أجاب:
_ بخير يا خالو، أنتوا أخباركم إيه
- كويسين يا حبيبي، ميمي والواد زياد كويسين؟
- بخير يا خالوا الحمدلله
نفذ صبر بلال وأشار إلى يوسف بأن يسرع قليلاً، استنكر يوسف تلك العجلة التي يريد الأمور أن تسير بها، لكن ما عليه سوى امتثال لمطالبه، حمحم ليخبر خاله عن سبب المكالمة:
_ بقولك يا خالو، كنت عايزك تحدد ميعاد بلال وعيلته يجوا فيه
شهق بلال بصدمة فجذب انتباه يوسف إليه، فهمس الآخر بنفاذ صبر:
_ ميعاد إيه اللي يحدده، قوله إحنا جايين بكرة
رفض يوسف أن يخبره بما يريده بلال لكنه كان لحوحاً للغاية فاضطر إلى قوله:
_ وياريت لو ينفع بكرة
لم يستطيع رمضان إعطاء يوسف إجابة صريحة قبل أن يعود إلى زوجته وابنته ليرى إن كان الموعد يناسبهن أم لأ:
_ طيب هرد عليك بليل يا يوسف
باختصار أنهى المكالمة:
_ تمام هستناك، مع السلامة
إنهال بلال عليه بالمعاتبة فور إنهائه المكالمة:
_ ما تخلص معايا الموضوع دا يا يوسف بقا، عايزك تزق الدنيا معايا كدا عايز أخلص
لم يوافقه يوسف الرأي في سيران الأمور بعجالة وأخبره بجدية:
_ بلاش سربعتك دي يا بلال، كل حاجة تيجي في وقتها كويس، سيب كل حاجة تمشي براحتها عشان مترجعش تندم في يوم
رمقه بلال بطرف عينيه، غير مقتنع برأيه، نهض عن مقعده مردداً:
_ لما خالك يرد عليك عرفني
"تمام"
قالها يوسف مختصراً بينما غادر الآخر وذهب إلى عمله، عاد يوسف برأسه إلى حافة الكرسي مستنداً عليه، أوصد عينيه لبرهة وظل يتذكر مشاكسته وتصرفاتها التي تروق له كثيراً.
يحب دلالها المبالغ معه، لا يضجر قط من أسلوبها حتى وإن تعدى حدوده قليلاً، تذكر خصلاتها المموجة التي كانت تغطي وجهها بأكمله، شعر برجفة قوية سرت في أوصاله وخصيصاً حينما راوده الشعور نفسه عندما كانا في المطبخ.
وميض عينيها وهي تطالعه حينها كان غريباً، مريباً، لم يشعر بخوف فيهما بل شعر لوهلة أنها مستمتعة بقربه، هو رآها موصدة العينين وكأنها تشم رائحته!
لم يكن متأكداً تماماً مما رآه، لكنه يجزم أنها لم تكن خائفة منه، وكيف ستخشاه وهو مأمناها مثلما أخبرته هي من قبل؟!
شعر بأنه بحاجة إلى سماع صوتها، لم يتردد ثانية وهاتفها على الفور، أتاه صوتها بعد ثوانٍ قليلة برقة:
_ سوفي..
خفق قلبه بقوة حينما نادته بتلك الرقة، كذلك تقوس ثغره تلقائياً وأردف بنبرته الرخيمة:
_ بتعملي إيه؟
تفحصت الكتب الكائنة أمامها وأخبرته بملل:
_ بذاكر
نهض عن كرسيه ووضع يده في جيب بنطاله ثم جاب الغرفة بخطوات متهملة، وتابع مكالمته بسؤاله:
_ أنتِ صرفتي نظر عن قص شعرك صح؟
اتسع ثغرها بإبتسامة خجولة وهي تجيبه:
_ مش قولتلك خلاص يبقى خلاص
صمت كليهما، فلم يكن هناك المزيد من الأحاديث ليتبادلاها، حاول يوسف التفكير في شيء ما يتناولاه لكنه لم يجد، فرأى أنه من الأفضل إنهاء المكالمة فليس هناك داعٍ لمواصلتها دون حديث.
"أنت بتعمل إيه؟"
كان سؤالها بمثابة خيط وأمسك طرفه لبداية أحاديث جديدة، ظل يتسامران دون أن ينتبها على الوقت الذي مر سريعاً.
شهقت لينة حينما لمحت ساعة الحائط، انتفضت من مكانها وهي تردد:
_ اتاخرت، اتاخرت
أبعد يوسف الهاتف عن أذنه ليتفقد الوقت فتفاجئ بمرور الوقت ولم يشعر به، أعاد الهاتف وقال:
_ البسي على لما أجيلك
أخذ مفاتيحه ثم خرج من مكتبه ليجد سيارة أخرى يستخدمها اليوم لحين استلامه سيارته.
***
مساءاً،
واضع هاتفه على أذنه ويده أمام فهمه لكي لا يتسلل صوته إلى الخارج وبنبرة هامسه أردف:
_ لا بس صوتك جامد في الموبايل، وأكيد هيبقى أجمد لو اتقابلنا
= بس أنا مش هعرف أخرج لوحدي، ممكن أجيب واحدة صحبتي
- هاتي اللي تجبيه المهم نتقابل
= ضحكت بميوعة قبل أن تعقب:
خلاص بكرة
- ربنا يصبرني من هنا لبكرة
- ارتفعت ضحكاتها فهلل هو بإعجاب شديد:
_ آه يا قلبي، لا كدا مش هصبر لبكرة إديني عنوان بيتكم بسرعة
= لأ أصبر يا زيزو كلها ساعات الليل ونشوف بعض
رققت من نبرتها وبدلال متعمد سألته:
_ قولي يا زيزو أنا لو اديتك العنوان هتعمل إيه؟
تقوس ثغره فهو على علم بما ترمي إليه وتود سماعه، لكنه رضى فضولها بتلهف زائف:
_ دا أنا هعمل كوارث
إزدادت ضحكاتها المثيرة فأبدى عدم قدرته على التحمل بقوله:
_ براحة على قلبي شوية كدا مش هعرف أسيطر عليه وأنتِ اللي هتزعلي بعدين
عضت على شفتيها وهتفت دون حياء:
_ لما نشوف تقدر تعمل إيه..
انتبه على صوت والدته التي نادته من الخارج:
_ يلا يا زياد عشان تتعشى
تنهد وواصل مكالمته:
_ معلش بقا مضطر أسيب القمر عشام بينادوا عليا
أغلق المكالمة ثم بصق على الهاتف بتقزز وتمتم بإشمئزاز:
_ بت سهلة
نهض وخرج من غرفته وجلس مع الجميع يتناولون طعام العشاء، انتهوا من الطعام وإذا بهاتف يوسف قد صدح رنينه، أجاب دون تفكير:
_ إزيك يا خالوا
أجاب رمضان بود:
_ بخير يا حبيبي، بقولك عرف بلال إننا مستنينهم بكرة إن شاء الله وطبعاً أنت لازم تكون موجود وميمي كمان
ابتسم يوسف بسعادة، حتماً سيسعد بلال بذلك الخبر، أخذ نفساً ورد على خاله:
_ إن شاءالله يا خالوا هنكون كلنا موجودين
على جانب آخر، كانت لينة منشغلة في الهاتف، وجه زياد حديث إليها مقاطعاً إياها عما تفعله:
_ بتعملي إيه كدا؟
تأففت ثم ألقت بالهاتف بعيداً عنها، أوصدت عينيها وقد تجهمت تعابيرها، أخرجت زفيراً عميق مخرجة ضيقها معه.
عادت إلى زياد الذي صاح ساخراً:
_ كل دا حصل
رمقته بنفاذ صبر وهدرت به شزراً:
_ مش ناقصاك بجد يا زياد، سبيني في حالي
شعر بالندم لسخريته، من الواضح أن هناك أمراً يشغل عقلها، تنهد وبجدية سألها:
_ مالك طيب؟
بإقتضاب أردفت:
_ مفيش
تدخل يوسف بسؤاله حين لاحظ توتر الأجواء:
_ مالك يا لينة؟
أخرجت تنهيدة لكي تستطيع إعطائه إجابة، فخرجت كلماتها مختنقة قليلاً:
_ مش عارفة أوصل لعلي يا يوسف!
الموضوع شاغلني أوي ومزعلني، هو بجد مش بيفكر فيا؟
قدر ينساني؟ نسى توأمه، أخته اللي سابها ومشى من غير حتى ما يودعها
قلبي بيتوجع كل لما أفكر أنه عايش حياته عادي من غير ما يعرف عني حاجة
وبتوجع أكتر لما أتخيل أن ممكن يكون حصله حاجة وأنا معرفش عنه حاجة
تفاجئ الجميع بمشاعرها التي أفصحت عنها، ضمتها السيدة ميمي لعلها تربط على قلبها المنكسر:
وإحنا قصرنا في حاجة يا لينة عشان تفكري كدا؟
نفت لينة سؤالها موضحة قصدها:
_ لا طبعاً، بس هو أخويا، ومش أي أخ دا توأمي، يعني مجبرة أفكر فيه وبخاف يكون حصله حاجة
لم يستطيع يوسف رؤية دموعها التي تنسدل بغزارة دون توقف، مال بجسده للأمام ليكون أقرب لها وهتف:
_ علي كويس يا لينة والله أعلم بظروفه، إن شاء الله نقدر نتواصل معاه قريب وتطمني عليه
مسحت لينة عبراتها وهي تردد:
_ يارب
نهضت ميمي وجمعت الأواني والكاسات على الصينية، بادر يوسف في أخذهم منها بلطافة:
_ عنك يا أمي
رفضت بحرج:
_ لا لا سيبهم يا حبيبي
أصر يوسف على حملهم بقوله:
_ هاتي كدا كدا أنا داخل المطبخ
أخذهم منها ثم توجه ناحيه المطبخ ووضع الصينية على الطاولة الرخامية، كاد أن يغادر إلا أنه وقف ونظر إلى الكاسات، تناولت يده تلقائياً عند الكأس الخاص بلينة، رفعه بقرب أنفه ليشم رائحتها.
"يوسف، أنت بتعمل إيه؟"
ثم صدح صوت وقطع خلوته، فسقط الكأس من يده من هول المفاجأة وتناثرت أشلائه في جميع زوايا المطبخ.
استدار بجسده وإذا بـ....
يا ترى مين اللي قفش يوسف 😂
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية