رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الرابع عشر 14 - بقلم شمس حسين
فرحة ناقصة وابتسامات زائفة
النهاردة يوم خطوبتي، اليوم اللي كل بنت بتحلم بيه، علشان هو يعتبر بداية لحياة جديدة وفرحة وأمل … لكن الحقيقة اليوم ده كان مختلف بالنسبة لي، كان يوم مليان مشاعر متناقضة وتوتر وحزن ملهوش نهاية، وده لأسباب كتيرة، مصطفى اتفق هو وبابا إن الخطوبة تكون في بيت بابا، في البداية فكرت أن بابا ممكن يكون عايز يظهر إنه واقف في صفي وممكن يكون بيحاول يفرحني، لكن الحقيقة ظهرت عكس كدا، الإتفاق ده مكانش عشاني، ولا علشان يخليني أحس إن عندي بيت ألجأ ليه، كان علشان الشكل العام قدام أهل مصطفى، وده بسبب أول لقاء جمع بين بابا وأهل مصطفى، طبعا العلاقة في اليوم ده بيني وبين بابا كانت واضحة جدًا، زي كتاب مفتوح، وتصرفات بابا اللي مكانش قادر يخبيها بيّنت لهم إن مفيش بيننا علاقة طبيعية، وده خلّى أهل مصطفى يقلقوا، طبعا لأن أهل مصطفى ناس من عيلة كبيرة ومرموقة، وطبعا بيهتموا جدًا بالشكل قدام الناس و الشرط الأساسي لجواز ابنهم أن البنت تكون من نفس المستوي الإجتماعي بتاعهم مش مجرد ارتباط بين شخصين، يعني تقدر تقول هما اعتبروا جواز مصطفى منى صفقة إجتماعية لازم يكون شكلها لائق، و أساساً بابا وأهلي من أكبر العائلات في البلد عندنا، يعني نفس المستوى الإجتماعي اللي أهل مصطفى بيدوروا عليه، وده كان السبب الوحيد اللي خلاهم يوافقوا على الارتباط ده، هما شايفين إن الجوازة دي هتديهم شكل إجتماعي محترم قدام الناس، بس كان عندهم شرط واضح: “كل المناسبات الكبيرة طول فترة الخطوبة لازم تكون في بيت بابا، كل حاجة لازم تبان قدام الناس بالطريقة اللي تخدم صورتهم”.
وأنا؟ أنا كنت مجرد جزء من المعادلة دي، شكلي قدام أهل مصطفى، رضاهم عن الجوازة، كل ده كان أهم من أي حاجة تانية، حسيت إني أداة لتحقيق مصالحهم، ومكانتش هي دي الصورة اللي اخذتها عنهم أول لقاء بينا، ودي كانت أول حاجة صدمتني بس مقدرتش اعلق، مش بس أهل مصطفى كانوا بيدوروا على الشكل، لكن حتى أهل بابا، علي الرغم من أن ملامحهم طول اليوم كانت بتظهر عدم الراحة، كأنهم مش ملزمين بخطوبتي، وكأن وجودي في بيت بابا عبء عليهم، نظراتهم ليّا كانت بتقطع في قلبي، وكالعادة كنت حاسة إني غريبة في المكان اللي المفروض يكون بيتي، وسط الناس اللي المفروض يكونوا أهلي، بس أكتر حاجة وجعتني في اليوم ده كانت غياب ماما …. ماما اللي كانت دايمًا جنبي في كل خطوة، النهارده مش هنا، لما مصطفى اتفق مع بابا على مكان الخطوبة، و قلت لماما، وقتها هي حاولت متبينش ضيقها، لكن أنا بنتها، وعارفة كويس إزاي الموضوع ده جرحها، ماما بصت في عيني وقالت لي: “شمس، أنا راضية … المهم الخطوبة تتم و تكوني مبسوطة، علشان خاطري كملي”، كان صوتها مليان حزن وقهر، كنت عايزة أصرخ وأقول لها:”بس أنا مش مبسوطة يا ماما ومش راضية، أنا محتاجة تكوني معايا”، مقدرتش أتكلم و متكلمتش.
قبل الخطوبة بساعات قليلة، نور جاتلي البيت و اخدتني علشان اروح عند بابا، اول ما وصلنا فضلت واقفة ثواني قدام بيت بابا، شنطتي في إيدي، وفيها فستان الخطوبة اللي المفروض ألبسه، ونور كانت ماسكة ذراعي، كانت بتحاول تثبتني وأنا داخلة مكان عمري ما حسيت فيه بأمان، قبل ما ندخل، بصت لي وقالت: “شمس، ركزي معايا … كلها كام ساعة واليوم ده هيعدي … وهنمشي و كل حاجة هترجع زي ما كانت … معلش دي العادات ولازم ننفذها … و مفيش حاجة اصلا في الحياة بتبقي كاملة … المهم الخطوبة تتم و نخلص … هندخل دلوقتي و مش عارفة ممكن يحصل أي جوا … كل اللي عايزاه منك إنك متخليش حد يهزك وانا هفضل وراكي فاهمة؟”، هزيت دماغي بصمت، وحسيت بدمعة حاولت أهرب منها، الباب اتفتح، اول واحدة شوفتها كانت مرات عمي، كانت واقفة ملامحها جامدة، ونظرتها مستفزة ومتديش اي إحساس بالترحيب، وقالت بجفاء: “أهلا … حضرتك قررتي تشرفينا أخيراً”، قبل ما أرد، نور اتدخلت بابتسامة دبلوماسية: ” اتأخرنا شوية صح، معلش بقي يا طنط، عروسة بقي و كدا ،و بعدين ده احنا حتي جينا بدري ساعتين علشان نساعد، متقلقيش يا طنط كل حاجة هتخلص بسرعة النهارده”، الكلام كان ناعم، بس نبرة صوتها كانت فيها تحذير، دخلنا البيت، وأنا كنت حاسة بخطواتي التقيلة، وكأن الأرض بتقاومني، البيت كان مليان ناس، بس ولا واحد فيهم حسيت إنه واقف جنبي غير نور، أهل البيت كانوا بيتحركوا حوالينا ونظراتهم كانت كلها استغراب وعدم ارتياح، بعد شوية سمعت واحدة من بنات عمي من بعيد بتهمس: “برضو مش فاهمة عملوا الخطوبة عندنا ليه؟ عاجبكوا الزحمة اللي من اول اليوم دي، لاء و اي … احنا اللي بنعمل كل حاجة و الهانم جاية في الأخر”، نور سمعت الكلام برضو، وبسرعة ردت بصوت عالي بما يكفي علشان الكل يسمع: “ماشاء الله علي التجهيزات اللي عاملينها، طبعا مقدرين أن دي خطوبة البشمهندسة شمس ولازم التجهيزات تليق بيها، عقبالك ياقمورة أنتي كمان”، الكل سكت للحظة، ومحدش اتجرأ يرد.
بعد شوية، بابا ظهر، ملامحه كانت جامدة زي العادة، لكنه حاول يرسم إبتسامة باهتة لما شافني، وقال بلهجة جافة: “إيه، جهزتي حاجتك ولا لسه، عايزك يبقي شكلك مشرف، في ناس مهمة جاية ،مش عايزين يبقي شكلنا يكسف، مفيش مجال للهزار”، كنت هرد عليه، لكن نور سبقتني وقالت بهدوء: “شمس جهزت كل حاجة، يا عمي، وهي أصلا شموسة كدا كدا تشرف من غير حاجة … بس متقلقش”، بابا بص لها، وكان مستغرب من جرأتها، لكن مردش، ورجع يوجه كلامه لي: “طيب قومي جهزي نفسك علشان تخلصي بسرعة، مش عايز أي تأخير قدام الناس”، نور شدت على إيدي بخفة كأنها بتقول لي “مترديش”، وأنا بالفعل كنت ملتزمة بالصمت، لأني فعلا مكانش عندي كلام أقوله، و بعد لحظات دخلت اوضة أخواتي علشان البس فستان الخطوبه، كان عبارة عن فستان أبيض بسيط، مفيهوش أي تفاصيل معقدة أو تطريز مبالغ فيه، يعني تقريبا متماشى بعض الشيء مع الموضة الجديدة اللي البنات بتحبها اليومين دول، الفستان كان طويل بقصة مستقيمة بتنتهي بوسع بسيط من تحت، طبعاً مكنتش مرتاحة في الفستان، لأن أنا بطبيعتي بحب اللبس العملي والكاجوال، لكن مصطفي كان مصمم يشوفني بالفستان ده، كان اخيتاره وكان حابب يشوفني مختلفة في يوم زي ده، وبرغم من اعتراضي الداخلي، مقدرتش ازعله أو اخيب أمله، و وافقت ولبسته، طبعا كان شكلي مختلف بعد اللمسات الأخيرة اللي ضافتها نور ليا، كانت فرحانة بيا و بمظهري، وكانت باينة الفرحة جدا في عيونها، اول ما خرجت من الاوضة شافني أخويا وطبعاً كان ليه نصيب في اليوم ده، كان بيبص لي باستغراب، أول ما شافني لأنه مش متعود عليا بالشكل ده، عيونه كان باين فيها الإعجاب و حسيته كان بيحاول يقولي كلمه حلوة، بس للأسف مقدرش، لأن مامته قربت و وقفت جنبه، وبدل ما يقول كلمة حلوة، قال بسخرية: “اوووه يا شمس … باين أنك صارفة و مكلفة و التغير واضح اوووي”، قبل ما أتكلم، نور بصت له بنظرة صارمة وقالت: “الصرف باين اه، بس جمال شمس هو اللي طاغي، و الجمال ده صعب اووي أنك تلاحظه”، الكل كان بيتفرج على نور وهي بترد بمنتهى الثقة والهدوء، هي بصوتها وكلماتها في اليوم ده كانت زي درع بيحميني من كل الطعنات اللي بتتسدد عليا، بعد شوية سمعنا صوت الناس بتحضر تحت، نور كانت واقفة جنبي بتضبط الطرحة وتتكلم معايا:
“شمس، هانت … إحنا قربنا نخلص، ركزي في نفسك بس، ومهما حصل، أنا معاكي، ومحدش هيقدر يهزك طول ما أنا موجودة”، كلماتها كانت زي البلسم على جرحي، حتى لو مش قادرة أفرح، على الأقل كنت عارفة إني مش لوحدي.
البيت كان مليان حركة وهمسات بعد ما عرفوا أن أهل مصطفى وصلوا، كل واحد في أهل بابا كان بيحاول يبين إن كل حاجة تحت السيطرة، وكأنهم بيجهزوا لاستقبال وزير مش مجرد ناس عادية، نور كانت جنبي طول الوقت، واقفة زي السند، ومش سايبة حد يضايقني أو يحسسني إن المكان ده غريب عليا، دقايق ودخلوا أهل مصطفى، خطوة ورا خطوة، اللبس اللي عليهم كان شيك بشكل مبالغ فيه، البرفانات اللي في المكان بقت أقوى من أي نسمة هواء، كان المشهد كله بيصرخ بالمظاهر، كأنهم جايين يعملوا عرض مش مجرد خطوبة، أول ما دخلوا، كان واضح إنهم جايين بترتيب دقيق، والد مصطفى كان ماشي بخطوات واثقة، ووالدته كانت بتوزع ابتسامات صغيرة بس باردة، مش خارجة من القلب، ومصطفى كان في وسطهم، ملامحه هادية، بس واضح إنه بيحاول يحافظ على شكله قدام الكل، و كذلك باقي عيلته، أهل بابا وقفوا علشان يستقبلوهم، والترحيب كان رسمي جدًا، حتى النبرة كان فيها تصنّع، سلامات وتعليقات ومجاملات عن اللبس والجمال والمكان، ومش بس كدا كل فرد من العيلتين كانوا بيستعرضوا بناتهم علي أمل أنهم يفوزو بنسب تاني، أما أنا مكانش فيه أي ردة فعل على وشي، بس جوايا كنت شايفة الحقيقة واضحة:”أهل مصطفى كانوا زي أهل بابا بالظبط، كل حاجة عندهم مبنية على المظاهر والمكانة الاجتماعية”، وانا واقفة جنب نور ، حسيت بنظرة بتخترقني، رفعت عيني لقيته مصطفى،
كان واقف على بعد خطوات، عيونه مركزة عليا بطريقة واضحة، وابتسامتة كانت مرسومه على وشه، وكأنه مش مصدق إن كل ده حقيقة، خد نفس عميق وكأنه بياخد شجاعة، واتقدم ناحيتي، نور بصتله بفرحة أول ما شافته جاي وهمستلي: “خليكي هادية، وسلمي برقة و ابتسمي”، هزيت دماغي ليها، و وصل مصطفى، وابتسم ابتسامة هادية، بس الحماس اللي في عيونه كان واضح، وبصلي وقالي برقة: “مبروك … شكلك زي القمر”، رديت بهدوء مصطنع وأنا بحاول أحتفظ بابتسامتي المزيفة: “الله يبارك فيك… شكرًا”، نور قالت بمداعبة:
“واضح إن حضرتك مبسوط أوي يا دوك”، بص لها وبعدين رجع يركز عليا وقال: “أكيد مبسوط … ده اليوم اللي كنت بستناه، من أول مرة شفت شمس فيها”، كلامه كان واضح إنه صادق، بس أنا مكنتش قادرة أحس بأي حاجة غير الضيق، مشاعري كانت متلخبطة، ومكانش في حاجة من اللي حواليا مريحاني، بس حاولت أحتفظ بالهدوء، وعملت نفسي مبسوطة بكلامه، وابتسمت ابتسامة صغيرة، لكن هو كمل كلامه، وصوته فيه نبرة إعجاب واضحة:” وأنا واقف قدامك دلوقتي … حاسس إني أسعد واحد في الدنيا”، نور ردت وقالت بفرحة” سيدي يا سيدي … براحة علينا يا دكتور علشان احنا مش قد الرومانسية دي”، أنا كنت عارفة إن كل اللي بيقوله حقيقي بالنسبة له، بس بالنسبة لي؟ مكنتش قادرة أصدق ولا كلمة، وده بسبب احداث اليوم، كنت عايزة أقوم وأمشي، وأسيب كل ده وأرجع لحضن ماما، للمكان اللي فعلاً بحس فيه بالأمان، بس كل مرة كنت بفكر أتحرك، كنت أفتكر نظرة ماما ليا لما قالت:”يا بنتي، أنا عايزة أشوفك مبسوطة، متضيعيش مصطفى من إيدك”، الكلام ده كان السبب الوحيد اللي مخليني مكملة، مكنتش عايزة أكسر خاطرها، حتى لو علي حساب سعادتي.
بعد ساعة…. المكان كان مليان بالزينة والأنوار، والعيون كلها كانت علينا، الكل واقف يتفرج على لحظة تلبيس الدبل، وطبعاً الشبكة كانت مبهرة، اول ما أخت مصطفى فتحتها خطفت عيون الكل وكان فيه همسات في المكان ونظرات مليانة غيرة وإعجاب، مصطفى كان واقف قدامي وهو ماسك الدبلة في إيده، ابتسامتة واضحة على وشه، كان شكله سعيد ومتحمس، وكأن اللحظة دي حلم حياته اللي اتحقق، بصلي بهدوء وقال:”مستعدة؟” هززت دماغي وفضلت ساكتة، إيده قربت من إيدي، مسك صباعي بهدوء وحط الدبلة، كنت ببص له، وأنا مش قادرة أقرأ مشاعري، فجأة مصطفى همس بصوت واطي، كأنه مش عايز حد يسمعه غيري: “بحبك”، الكلمة نزلت عليا زي الصاعقة، عيني اتسعت، وقلبي اتخض، صوت الكلمة كان مليان مشاعر صادقة، مشاعر واضحة ومباشرة، حاولت أتماسك، أحافظ على ثبات ملامحي، بس قلبي كان بيدق بسرعة، “بحبك”… الكلمة اللي كل بنت بتحلم إنها تسمعها، وبتكون أسعد لحظة في حياتها، أما أنا الكلمة كانت تقيلة على قلبي، هو اعترفلي قبل كدا بحبه في الريكورد، بس لما قالها قدامي كانت غير، بيقولها بسهولة وبصراحة، وأنا مش عارفه أقول اي، عيوني دمعت، بس حاولت أخبيها، فضلت مركزة على الأرض، وأنا بتكلم مع نفسي: “ليه؟ ليه بيحصل فيا كدا؟ يارب ساعدني”.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية