رواية حلم الليالي الفصل الرابع عشر 14 - بقلم هاجر عبد الحليم
-
رواية حلم الليالي الحلقة 14
جلس عبدالله على الأريكة، يمدّ يده نحو كوب الشاي، يحاول أن يبدو متماسكًا رغم علامات التعب البادية عليه.
عبدالله: شكرًا يا مروة.
مروة: تحب أجيبلك شوية ميّة؟
عبدالله: لا، كفاية الشاي.
مروة: زي ما تحب.
عبدالله: أنا آسف لو وجودي هنا مضايقك.
مروة: مضايقني إيه بس، عبدالله؟ البيت بيتك.
رفع عبدالله رأسه ببطء، وكأن الكلام يخرج منه بصعوبة، ثم قال بصوت خافت
عبدالله: ما لقيتش غيرك أجي له. كنت محتاج حد يهوني عليه اللي أنا فيه.
مروة: (بعتاب واضح) شهد؟ مش هي البنت اللي فضلت تكافح عشأنها سنين؟ دلوقتي فجأة شايفها مشكلة وعايز تخلّص منها؟ طب ليه كل ده من الأول؟
خفض عبدالله بصره، يحرك يده على طرف الكوب، وكأنه يبحث عن إجابة.
عبدالله: والله أنا تعبت يا مروة. نفس الحكاية بتتكرر، ونفس الكلام اللي ما بيخلصش.
مروة: لا يا عبدالله. دي مش مشاكل بتتكرر... دي نتيجة طمعك. اختياراتك هي اللي وصلتكم لكده. دلوقتي، خسرت كل حاجة بإيدك.
رفع عينيه نحوها، بدا وكأنه يبحث عن طوق نجاة.
عبدالله: بس انتي لسه معايا...
مروة: (تقاطعه بحزم) لا، عبدالله. أنا هنا لأنك صعبت عليّا. لما شفتك في الشارع مرمي ومغمي عليك، حسّيت إنه واجب عليا أساعدك. إحنا قرايب، وده السبب الوحيد.
حاول الاقتراب منها، وكأنما يريد أن يمسك ولو بخيط صغير مما تبقى بينهما.
عبدالله: مروة، بلاش كده... أنا...
مروة: (بحدّة وهي تشير إليه بأن يتوقف) اوعي تقرب ! مفيش حاجة بيني وبينك يا عبدالله. اللي كان انتهى من زمان. وجودك هنا مؤقت، عشان تفوق وتشوف طريقك. العنوان ده انساه. شوف مراتك وحل مشاكلك بعيد عني.
شعر عبدالله وكأن الكلمات الأخيرة أصابت صدره مباشرة. حاول التماسك، لكنه لم يستطع إخفاء الانكسار في صوته.
عبدالله: فاهمك، مروة. كنت فاكر لو جيتلك كده، قلبك اللي حبني زمان ممكن يرجع يحن. لكن واضح إن كل حاجة كانت غلط.
وقف لحظة، صامتًا، وكأنه يجمع ما تبقى من كبريائه قبل أن يستدير نحو الباب.
عبدالله: خلاص... عن إذنك. بوعدك، مش هكون سبب في تعبك أو قلقك تاني. شكرًا على كل حاجة، يا بنت خالتي.
غادر عبدالله بخطوات ثقيلة، تاركًا وراءه صمتًا ثقيلًا يملأ الغرفة. بقيت مروة واقفة مكانها، عيناها تحدقان في الفراغ، بين ألم الذكريات وراحة القرار
فلاش باك
كانت مروة تجلس في غرفة معيشتها، غارقة في أفكارها بعد الحوار الحاد الذي دار بينها وبين عبدالله. عندما خبط على الباب منذ قليل، تجاهلته عمدًا، فهي لم تكن مستعدة لاستقباله مرة أخرى أو لمزيد من التبريرات التي لن تغيّر شيئًا.
مرّت دقائق، شعرت خلالها بعدم راحة. نهضت من مكانها وهي تتنهد بضيق، واقتربت من البلكونة لتفتح النافذة، محاولة استنشاق بعض الهواء وتخفيف توترها.
ما إن ألقت بنظرها إلى الشارع حتى وقعت عيناها عليه. عبدالله كان يمشي مترنحًا، وكأن قدميه بالكاد تحملانه. لم يمضِ سوى لحظات حتى رأته يضع يده على جدار البناية المجاورة، ثم ينهار فجأة ويسقط على الأرض بلا حراك.
شعرت مروة بصدمة كبيرة، وضربات قلبها تسارعت. مدت يدها إلى هاتفها واتصلت بسرعة بزياد وهي ترتجف.
مروة (بصوت متوتر): زياد، إلحقني! عبدالله وقع في الشارع ومغمي عليه!
لم تنتظر رد زياد، بل ألقت الهاتف على الطاولة وهرعت إلى الخارج. وصلت إلى حيث كان عبدالله ممددًا على الرصيف، وجهه شاحب للغاية، وأنفاسه ثقيلة بالكاد تُسمع. تجمع حوله بعض المارة يحاولون فهم ما يجري، بينما ركعت مروة بجواره تهز كتفه بخفة.
مروة (بصوت قلق): عبدالله! فوق! سامعني؟
لكن عبدالله لم يبدِ أي استجابة. في تلك اللحظة، ظهر زياد يركض باتجاههما. توقف بجوارهما ونظر إلى عبدالله بحذر.
زياد: إيه اللي حصل؟
مروة (بصوت مرتجف): ما أعرفش... هو خبط عليا و... ولما ما فتحتش، مشي... لما بصيت من البلكونة لقيته وقع!
انحنى زياد ليمسك بكتف عبدالله، ثم نظر إلى مروة بحزم.
زياد: طيب، خلينا ندخله جوه بسرعة.
بمساعدة زياد، تم رفع عبدالله عن الأرض بصعوبة. مشيا به إلى داخل البناية، حيث فتحت مروة الباب بيد مرتعشة. أدخلاه إلى الداخل، ووضعاه على الأريكة، بينما ركضت مروة لتحضر ماءً باردًا.
عادت مروة وهي تضع منشفة مبللة على جبين عبدالله، بينما زياد يراقبه بقلق.
زياد: شكله محتاج راحة شديدة، أو يمكن يكون أكله قليل.
بدأ عبدالله يفتح عينيه ببطء، وصوت أنفاسه الثقيلة بدأ يخف تدريجيًا. نظر إليهما بعينين متعبتين، وقال بصوت بالكاد يُسمع:
عبدالله: أنا آسف...
نظرت مروة إليه بحيرة وقلق، لكنها لم تجب، فقط تنفست بعمق وهي تحاول أن تخفي توترها
في غرفة عبدالله
، كان الجو مشحونًا بالتوتر والقلق. شهد تقف أمامه، عيناها مليئة بالحيرة والدموع، بينما هو يجلس على الكرسي، يبتعد عنها، ملامحه جامدة وكأنها لا تعني له شيئًا الآن.
شهد (بصوت حزين): ممكن تبطل قلق؟
عبدالله (بنبرة متوترة): إنتِ السبب في كل ده! وجاية دلوقتي عايزاني أبطل؟ طيب، آخرجي من حياتي، وأنا هرتاح!
شهد (بدهشة): من إمتى بقيت قاسي كده؟
عبدالله (بصوت متحشرج): إنسان أنا ذات نفسي معرفوش!
شهد (بدموع): مش أنا اللي حبيتها يا عبدالله؟
عبدالله (بعصبية): ياريتِ كنتِ انتي... بقيتي طماعة وأنانية أوي، مش عارفة فاهمة إيه اللي أنا فيه!
شهد (بصوت مرتفع): خلاص يا عبدالله! لو سمحت بلاش إهانة! أنا هقوم دلوقتي آخد شنطتي وهروح عند بيت بابا. أنت تديني ورقتي عشان أخلص من دا كله. مش عايزة أستنى كتير. لو رحت هناك، هيزنو عليا، هما مقتنعين إن الجوازة دي مكنتش ليها لازمة، وغلطنا أوي لما...
عبدالله (قاطعًا): لا، مغلطناش! إنتِ ملكيش عدة أصلاً! وأي حد هييجي من بعدي هيفرح إنه أول راجل في حياتك. ومفيش حد مسك قبلي!
شهد (بغضب): لا وانت الصادق! هتبقى فضيحة! هدفع تمنها عمري كله!
عبدالله (متحيرًا): حيرتيني معاكِ! إيه المطلوب مني دلوقتي؟
شهد (بصوت ضعيف): أنا بحبك! عايزاك بس فرصة، وأنا هثبتلك إنّي اختيارك وقدرك. مش هي!
عبدالله (بتنهد): هي! خلاص! مابقاش في هي!
شهد (بتوسل): وفيها إيه؟ هي حياتنا هتوقف؟ إنت من حقك تعيش حياتك... وجودها اتفرض علينا، وصدقني خلصنا منها. إنت بتحبني أنا، وهتعيش وتخلف مني أنا.
صمت لحظات، عبدالله ينظر إليها في صمت، وكل كلمة خرجت منها كانت تؤجج مشاعره المتضاربة. كان عقله يصرخ في وجهه أن يبتعد، لكن قلبه كان ينهار بين يديه.
شهد (بصوت ناعم): موحشتنيش يا روحي! أيام بعيدة عني، ومنعني عنك، وأنا حلالك. تعالي في حضني، وأنا هريحك... أوعدك هعمل ده، بس سيّلي نفسك! أرجوك!
عبدالله شعر بشيء غريب في داخله. كانت كلماتها سحرية، تتسلل إلى قلبه الذي لم يعد قادرًا على التحكم فيه. كان عقله يحاول الهروب من هذا المأزق العاطفي، لكن جسده لم يكن يستجيب. يده تحركت ببطء نحوها، ثم توقفت. في عينيه كان هناك صراع داخلي، بين رغبته في نسيان كل شيء، ورغبته في البقاء في هذه اللحظة.
عبدالله (بصوت ضعيف): مروة... أنا مش قادر... مش قادر أنساها.
لكن شهد لم تتوقف. اقتربت منه أكثر، ويدها على صدره، تحركه برفق ولكن بقوة في نفس الوقت. كانت عيونها مليئة بالشهوة، وحركاتها تدفعه إلى أقصى درجات الضعف. بدأ يشعر بشيء ما، رغبة غير قابلة للتحكم.
شهد (همست في أذنه): إنت مش قادر تعيش من غيري. مش قادر تتنفس من غيري، صح؟
عبدالله كان يشعر بارتباك شديد، لكنه لم يعد قادرًا على مقاومتها. كل جزء في جسده كان يصرخ بالرغبة في التوقف، ولكنه استسلم لها، لضعفه، ولرغبته في الهروب من نفسه، من مروة، من كل شيء.
في تلك اللحظة، شعر عبدالله بشيء في داخله ينفجر. شهد كانت تقترب منه أكثر، تدفعه بأطراف أصابعها، وكأنها تمسك بخيط ضعيف يربط قلبه بها. عبدالله لم يعد قادرًا على التحكم في مشاعره، ورغبته في الهروب من الماضي كانت تدفعه نحوها بكل قوته.
في لحظة غضب شديدة، عبدالله اندفع نحو شهد، ورفعها بعنف من كتفيها، وجذبها نحوه كأنما كان يلقنها درسًا في الضعف والقوة معًا. لا مفر من هذه اللحظة. لم يعد لديه خيار.
عبدالله شالها بقوة، ثم رماها على السرير، كما لو كان يصر على أن يثبت لنفسه أنه لا يستطيع الهروب من هذا التورط. شهد ارتدت إلى الوراء، على السرير، تحاول استيعاب ما حدث، لكن نظرتها كانت مليئة بالثقة، وكأنها أخيرًا تمكنت من السيطرة عليه.
عبدالله وقف على حافة السرير، عينيه مشتعلة بالغضب والرغبة. شعر بأنه في تلك اللحظة فقط يملك القوة، بعد كل الضعف الذي مر به، وبعد أن ترك مروة خلفه. لم يعد يفكر في شيء سوى تلك اللحظة، وكل ما أراد فعله هو أن ينسى نفسه بين ذراعيها، رغم أنه كان يعلم أن النهاية ستكون مؤلمة، لكن الآن، في هذه اللحظة، كان كل شيء متشابكًا، ولم يعد لديه القدرة على التراجع
في منزل مروة،
كان الجو مشحونًا بالألم والقلق، وكانت مروة جالسة على الأريكة، تتابع حديثها مع أروى، عيونها مليئة بالحيرة والتوتر.
مروة (بتنهيدة ثقيلة): أنا تعبت بجد! إزاي جالي قلب أشوفه بالمنظر ده وأسيبه يمشي؟ أكيد راح ليها وهو ضعيف، وممكن تستغل ده وتسيطر عليه. ولو ده حصل، مفيش هروب تاني. مش هيحاول يستتجد بيا علشان أطلعه من اللي هو فيه.
أروى (بنبرة هادئة): كان قدامك، وإنتي اللي مشيتيه بإرادتك، ببساطة. مفيش حد بيجبر اللي بيحبه يعيش مش في ضله.
مروة (بصوت متألم): مشوفتيش منظره؟ حالتي كانت تصعب على الكافر.
أروى (بهدوء): عبدالله تفتكري يستحق منك فرصة تانية؟ أظن كفاية عليه لحد كده. اتعذب بعدك أوي، وما يستاهلش كل الجبروت بتاعك ده.
مروة (بغضب): دلوقتي بقيت شريرة؟ مش إنتي اللي شجعتيني على كده؟
أروى (بتنهدة): أيوة، بس إنتي طبقتي نصايحي غلط. بأسلوبك ده كسرتيه قدام نفسه، ومش هيلاقي غير مراته يرمي نفسه عليها.
مروة (بتعب، وعينها مليئة بالحزن): أنا مش مرتاحة، يا أروى. قلبي مقبوض وروحي بتتسحب مني دلوقتي. حاسة بسكاكين بتنغرز فيا ودموعي حبساها بالعافية.
كانت الغرفة مليئة بالصمت العميق، يختلط فيه الحزن والقلق. لكن فجأة، كسر هذا الصمت خبطات متتابعة على الباب.
طق طق طق...
أروى (بتساؤل، وهي تتحرك لفتح الباب): استني، طيب افتح.
بخطوات متسرعة، أروى فتحت الباب، لتجد زياد يقف أمامها، وجهه شاحب وملامحه تدل على القلق.
أروى: زياد؟
زياد (بصوت متوتر، وعيناه مليئة بالهلع): مصيبة يا جماعة!
مروة وأروى (بصوت واحد، وقد تسارعت نبضاتهما): في إيه يا زياد؟
زياد (بغضب وحيرة، وهو يلهث من التعب): مروة لسه على ذمة عبدالله، مطلقهاش!
مروة (بصوت مرتفع، وعينها تتساقط دموعها): بتقووول إيه؟!
كانت مروة في حالة من الصدمة التامة، كأن الأرض سقطت تحت قدميها. شعرها كان متشابكًا ما بين الغضب والذهول، بينما كانت أروى تقف في صمت، تتفحص الموقف بعيون واسعة، وكأنها كانت تحاول استيعاب حجم الكارثة التي تم كشفها للتو
•تابع الفصل التالي "رواية حلم الليالي" اضغط على اسم الرواية