رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الخامس عشر 15 - بقلم شمس حسين
بداية ونهاية
بعد ما خلصت الخطوبة، روحت البيت وأنا قاعدة في أوضتي، كنت بحاول أستوعب إني خلاص بقيت “مخطوبة”، الكلمة اللي كانت تقيلة على قلبي طول عمري، كانت زي حمل على كتافي مش قادرة اتحمله، لا و اللي زود الحمل، التفاصيل اللي كانت في الخطوبة، كانت كفيلة تخلي صدري مكتوم اكتر، فضلت طول الليل قاعدة لوحدي، ودماغي بتلف في مليون اتجاه، مش قادرة أصدق إني خلاص بقيت مرتبطة رسمياً بشخص، وبقي مجبر عليا يكون معايا في المرحلة الجاية من حياتي، كمان لسه مش عارفه اتعامل معاه ازاي، بس خليني اقول إن الحاجة الوحيدة اللي خلتني اتخطي اليوم هي ماما… ماما كانت فرحانة اووي أن الخطوبة تمت، فرحتها لما شافتني اول ما رجعت وانا لابسة فستان الخطوبة كانت كفاية تخلي قلبي يلين شوية، ماما هي الحاجة الوحيدة اللي بتديني أمل، علشان كدا قررت إني مينفعش أخذلها.
تاني يوم بعد الخطوبة صحيت على صوت ماما وهي بتناديني بصوت كله حماس: “شمس .. يلا قومي، مصطفى اتصل بيَّا وقال إنه جاي يفطر معانا”، قمت من النوم وأنا مش مستوعبة اللي قالته، أول ما دخلت المطبخ، لقيت ماما بتجهز الفطار وهي مبتسمة، قلت لها:” امبارح كان لسه الخطوبة جاي ليه يفطر انهاردة … مش فاهمة”، ردت عليا بهدوء :” وفيها اي … كويس أنه بيقرب اكتر، استغلي القرب ده علشان تطمني قلبك منه اكتر و تاخدي عليه، و العلاقة بينكم تقوي، الراجل عامل اللي عليه، كل اللي عليكي إنك تستجيبي”، هزيت دماغي بيأس و كملت تحضير الفطار معاها، و بعد شوية مصطفى جيه و ماما سابتنا نفطر سوا، و قعدنا نتكلم شوية و بعدها مشي، وقت ما كنا بنتكلم علي الفطار فهمت ليه مصطفى كان جاي يفطر معانا، هو كان حاسس بحالتي امبارح في الخطوبة، و عارف إني اضايقت بسبب اللي حصل، علشان كدا كان حابب يكون معايا علشان يغير من نفسيتي، اهتمام مصطفى بيا كان واضح جدا و مكنتش قادرة اتخطي الاهتمام ده بس اوقات كان بيحصلي ضيق من اهتمامه الزايد.
مر أول شهر بعد الخطوبة، وكل يوم كان مصطفى بيثبت لي انه شخص مختلف، شخص كويس وبيستحق فرصة مني، اهتمامه بيا كان واضح، وكل التفاصيل الصغيرة اللي كان بيعملها كانت بتخليني أفكر فيه، كنت بحاول أتقبل كل اللي بيعمله بشكل كويس، مش بس عشان ماما، لكن عشان كنت حاسة إنه فعلاً يستاهل، في البداية، زيارته للبيت كانت كتيرة، كان تقريباً بييجي كل يومين، بحجة إنه عايز يقرب مني أكتر ويعرفني أكتر، وماما كالعادة كانت مبسوطة جدًا بوجوده، ودائمًا بتحاول تخليني أدي للعلاقة فرصة، وفي يوم جيه البيت، وأنا كنت في أوضتي، سمعت صوت ماما وهي بتقول له: “شمس هتيجي حالًا، هي في أوضتها بتخلص تصميم خاص بالشغل”، خرجت وأنا بحاول أضبط ملامحي، وشفته قاعد مع ماما في الصالة بيتكلموا ويضحكوا، أول ما شافني، قام واقف وقال بإبتسامة خفيفة: ” أخيرًا شرفتِنا!”، ضحكت بخفة وقلت: “آسفة كنت بخلص حاجة مهمة”، قعدنا نتكلم شوية، وكان بيحكي لي عن يومه في المستشفى وعن أبسط المواقف اللي حصلت معاه، كان دايمًا بيشاركني تفاصيل يومه، كان كلامه بسيط، وطريقته بتخليني أحس إنه صادق.
زياراته مكنتش بس للبيت كان بيعدي عليا في الشغل من وقت للتاني، في يوم كنت في الشغل لقيته بيكلمني كالعادة في التليفون وقالي: “أنا تحت في الكافيه اللي جنب شركتك، لو فاضية انزلي شوية”، استغربت من وجوده في ميعاد الشغل، بس قلت أنزل أشوفه، أول ما وصلت، لقيته قاعد ومعاه شنطة صغيرة، أول حاجة قلتها: “إيه ده؟” رد بابتسامة واسعة: “دي علشانك”، فتحتها، لقيت شوكولاتة كتير و سناكس وحاجات كتير بحبها جدًا، بصيت له وقلت: “مصطفى، أنا قلت لك قبل كده متتعبش نفسك، ملهاش لزوم الحاجات دي، سايب شغلك و جاي لحد هنا علشان كدا”، قال بهدوء: “أنا مش بتعب بالعكس أنا بكون مبسوط وأنا بعمل كده، وعايزك كمان تكوني فرحانة”، فضلنا قاعدين شوية بنتكلم وبعدها مشي، كنت بشوف اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة الخاصة بيا، كانت عامل قوي بيبدا في هد الجدار اللي بنيته علي قلبي.
وفي مرة تانية كنا قاعدين على السطح عندنا، وهو كان بيتكلم عن أحلامه، وعن الحاجات اللي لسه عايز يحققها، وبعد شوية قال لي وهو بيبص لي بتركيز: “شمس، ممكن أسألك سؤال”، قلت له: “خير؟”، قال بهدوء: “إنتي شايفة، إني مقصر في العلاقة دي”، سكتت شوية، كنت بحاول أستوعب سؤاله، وقلت له بعد تفكير: “ليه بتقول كدا؟”، قال: ” ده سؤال عادي، حابب اطمن، علشان أنا بحاول أقرب منك، وأفهمك، ودايمًا عايز أشوفك مبسوطة، بس… أحياناً بحس إنك لسه مش قادرة تفتحي لي قلبك، ف خايف اكون مقصر معاكي، أنا والله مش عايز أضغط عليك، بس عايز أفهم… إيه اللي ناقص؟”، كلامه لمسني جدًا، بصيت له وقلت: “مش ناقص حاجة، وانت مش مقصر في أي حاجة حقيقي، الموضوع بس محتاج وقت من عندي … وأنا بحاول صدقني”، ابتسم وقال: “طول ما إنتي بتحاولي، أنا هفضل موجود”، كلامه اثر فيا جدًا، وقلت له: “مصطفى… شكراً على كل حاجة بتعملها”، و من اليوم ده بطلت أشوف مصطفى كشخص غريب في حياتي، شوفته حد ممكن أفتح له باب مشاعري يوم ما أكون مستعدة.
رغم كل ده، مصطفى كان عنده عيوب واضحة و صريحة جدا، من بينهم الغيرة، مصطفى كان غيور بطريقة أوقات كانت بتخنقني، يعني في مرة كان اليوم في الشغل عندي ماشي عادي جدًا، ما بين ضغط الشغل والضحك والهزار اللي دايمًا بيحصل بيني وبين زمايلي، وكنت واقفة مع سمر ومحمد وكريم عند مكتبي، كنا بنتكلم عن موضوع سخيف حصل في الشغل، بس كالعادة كريم بدمه الخفيف قلب الموضوع هزار، وكلنا ضحكنا بصوت عالي، وأنا وسط الضحك، حسيت بشخص واقف ورايا، لما لفيت، لقيت مصطفى، كان واقف وشه جامد، وملامحه باين عليها الغضب، مشيت معاه بعيد عن زمايلي، بس كنت شايفة نظراتهم علينا من بعيد، وأول ما بقينا لوحدنا قال لي: “ممكن اعرف اللي واقف ده كان بيقولك اي يخليكي تضحكي اووي كدا، وليه اصلا كنتي واقفة معاهم؟”، طريقة كلامه وترتني شوية، مكنتش فاهمة ليه الحدة دي فجأة، لكن حاولت أشرح له بهدوء: “مصطفى، إحنا في شغل، والهزار كان على موضوع مالوش علاقة بأي حاجة، وكريم ومحمد زمايلي زي سمر، وبعدين هو مكانش بيقولي انا لوحدي كان واقف معانا سمر ،انت ماخدتش بالك ولا اي”، لكن رده كان واضح: “أنا ما اخدتش بالي غير منك انتي يا شمس، المنظر مكانش لطيف وانتي واقفة معاهم و بتضحكي، أنا مش بحب التفاصيل دي ياريت تخلي بالك منها”، كنت متضايقة جدًا من طريقته، بس حاولت اقفل الحوار علشان ميكبرش اكتر، وبعد ما حكيت لماما و نور علي اللي حصل فهموني أن دي غيرة و ده شيء طبيعي لما يكون الشخص بيحب، و انا تفهمت موقفه وقتها، ومنعت نفسي من اي موقف ممكن يوصله للغيرة، لكن للأسف الغيرة بقت مسيطرة عليه، ومع كل موقف بشوف عيونه مليانة قلق و شك، وده بدأ يضايقني، مكانش قادر يسيطر علي مشاعره كل ما أتكلم مع أي حد سواء من الشغل أو حتي اي حد عابر، كل كلمة أو تصرف مني مع حد تاني بيبقى له رد فعل، وأنا مش قادرة أفهم… ليه؟ مش المفروض الحب يكون راحة؟ ليه التعب ده كله؟.
مكانتش بس الغيرة هو العيب الوحيد اللي ظهر، مصطفى بعد 3 شهور من الخطوبة، ابتدي يحاول يغير في تفاصيل كتير تخصني، حاجات كنت شايفاها جزء من شخصيتي، زي استايل لبسي وطريقة كلامي وحتى علاقتي بالناس، و ده ظهر أول مرة يوم خطوبة أخته، كنا متفقين أنه هيعدي عليا ياخدني و نروح الخطوبة، قبل ما يوصل كنت قاعدة قدام المرايا في اوضتي بعدل طرحتي، كنت لابسة حاجة سيمبل و بسيطة و في نفس الوقت تناسب الخطوبة، و كمان كنت حاطة “ميك اب” خفيف و هادئ جدًا، كأنه مجرد ظلال خفيفة بتبرز ملامحي الطبيعية، لاني بحب اكون علي طبيعتي، و دايما الطبيعية بتديني شعور بالثقة والنقاء قدام الناس، فجأة سمعت صوت الباب بيتفتح، وخرجت لقيته مصطفى ومعاه شنطة صغيرة و كان لابس بدلة شيك جدا، بعد ما سلم على ماما، بصلي بابتسامة خفيفة، وبعدين قدملي الشنطة وقال بضحك علشان يخفف تأثير الكلام اللي هيقوله:” كنت عارف والله انك مش هتلبسي فستان، علشان كدا عملت حسابي و جبت معايا فستان…. يلا بسرعة ادخلي اجهزي و انا هستناكي”، ساعتها حسيت إن الدم سخن في دماغي، بصيت له وقلت: “ليه؟ هو لبسي ده مش عاجبك ولا إيه؟”، رد بكل ثقة:”مش قصة عاجبني أو مش عاجبني، بس يا شمس الخطوبة فيها ناس مهمين، وكنت عايزك تلبسي حاجة تكون ملفتة أكتر و تبين جمالك اكتر”، ماما كانت واقفة قريب، قررت تدخل في الحوار وقالت: “عادي يا شمس، هو عايزك تبقي زي كل الموجودين، كله بيلبس فساتين دلوقتي”، رديت وأنا باينة إني مدايقة: “أنا مش شايفة إني محتاجة أغير لبسي، وميخصنيش الناس بتلبس اي، وانا شايفة أن ده كفاية ومناسب”، لكنه رد بحدة بسيطة: “شمس، إنتي لييه مش فاهمة إني عايزك تبقي أحلى واحدة هناك؟”، رديت عليه بنفس حدته:” أنا بصراحة مبقتش فاهماك”، كان الشجار بينا خفيف، لكن مشاعري كانت متلخبطة، وفي الآخر، ماما قالت:”يا بنتي، إسمعي كلامه، ادخلي غيري اللبس ومتكسريش بخاطره”، رغم إن الموضوع علي قلبي كان تقيل، رضخت، وخدت الفستان ودخلت الأوضة، لبسته وطلعت وأنا مش مبسوطة، كان فستان شيك، ما أقدرش أقول غير كده، لكن مش أنا، ومكنش بيعبر عني، طول الطريق مصطفى كان بيحاول يفتح كلام وأنا برد بإجابات قصيرة، كان ملاحظ إن في حاجة مش مظبوطة، لكنه فضل ساكت، وانا فضلت طول الطريق افكر في اللي بيحصل، كل مرة بيحاول يغير فيا حاجة بحجة معينة، كنت اوقات بقتنع إن ده ممكن يكون لصالح العلاقة، لكن مع الوقت بدأت أحس إن الحاجات اللي بيطلبها بتخليني أفقد جزء من نفسي، كنت بحس إنه بيحاول يصنع نسخة جديدة مني، نسخة بعيدة كل البعد عني، و ده كان مرهقني أكتر من أي حاجة، وبعد وقت وصلنا و أول ما دخلنا القاعة، لقيت الجو كله مليان تكلف، وده متوقع بعد اللي شوفته يوم خطوبتي، حاولت أتماسك وأبتسم، لكن مكنتش مرتاحة خالص، ومصطفى كان بيحاول يخليني أندمج في الأجواء، وكل شوية كان بيعرفني علي حد من قرايبه، و لقيت أن كلهم زي بعض، بقيت أسأل نفسي معقول كل الناس كدا، وانا بس اللي مختلفة، معقول هما صح وانا اللي غلط، و كالعادة ملقتش إجابة.
وبعد 4 شهور حصل موقف خلاني تقريبا اقدر اجمع الخيوط و افهم سبب تصرفات مصطفى الغير مقبولة بالنسبة لي، في يوم كنت قاعدة في مكتبي في الشركة و مركزة في التصاميم المطلوبة مني، فجأة رن الموبايل، وشفت اسم مصطفى، فتحت المكالمة لقيته بيقول:”إزيك يا شمس؟ انتي مشغولة؟ اسف لو عطلتك”، قلت له: “شوية… إيه فيه حاجة؟”، رد وقال: “آه… فاكرة صاحبي هيثم الرسام اللي حكيتلك عنه، اللي كان معايا في الكلية و ساب الطب وقرر يكمل في الرسم؟”، قلت له باستغراب: “آه، فاكرة… مالُه؟”، رد بحماس: “عازمني علي افتتاح الجاليري الجديد بتاعه، وعايزك تيجي معايا”، سكتت للحظة وافتكرت في آخر مرة لما روحت معاه خطوبة أخته، وموقف الفستان، أخدت نفس عميق ورديت عليه بهدوء: “ماشي، هاجي معاك… بس بعد الشغل، ومصطفى…” قاطعني وقال:”أيوه؟”، قلت بتأكيد وجدية:”أتمنى متعملش زي المرة اللي فاتت، وتجيب معاك فستان، أنا هاروح زي ما أنا، وعلى طبيعتي”، كنت بحاول اوجه له رسالة غير مباشرة عن الموقف اللي فات، لكنه فهم المعنى بسرعة وحاول يداري الموقف بضحك وقال: “خلاص، اتفقنا، زي ما تحبي، أهم حاجة تكوني معايا”،بعد ما انتهيت من شغلي، مصطفى عدى عليا زي ما قال، و ركبنا العربية واتجهنا للجاليري، اول ما وصلنا، المكان بهرني جدا، بعدها مصطفى بدأ يسلم على صحابه، وقتها ابتديت اخد بالي من نظراتهم ليا، كانوا بيبصولي بنظرات استغراب مكنتش مستوعبة سببها اي، وقررت مديش الموضوع أهمية، وبدأ مصطفى يعرفني علي كل اصحابه الموجودين في المكان، وبعدها وصل هيثم صاحب الجالري، كان شاب مميز جدًا، بشعر طويل وعيون مليانة شغف، أتعرف عليا و قالي بابتسامة:” شرف ليا إنكِ هنا يا بشمهندسة شمس”، رديت بإبتسامة خجولة: “الشرف ليا… شغلك حلو جدًا على فكرة، واضح إنك موهوب بجد”، وفضلت الأجواء هادية ولطيفة، لكن كل شوية كنت بلاقي حد بيبص لي بسرعة وبعدين يحاول يدارى، وده خلي توتري يزيد، لحد ما الجو اختلف فجأة، الباب الخلفي للقاعة اتفتح، وصوت خطوات ثابتة هادية بدأت تقرب، لفيت عيوني تجاه الصوت، لكن اللي شوفته خلاني أخد نفس طويل، دخلت واحدة ماشية بخطوات ثابتة في اتجاة ما احنا واقفين، مشيتها الواثقة من نفسها و ابتسامتها و فستانها الأنيق، خلي كل الأنظار تتوجه ليها من غير استثناء، اول ما وصلت عندنا كل اللي واقفين معانا سكتوا للحظات حتى مصطفى نفسه، عيونه كانت مثبتة عليها، ونظرته مش قادرة تخبي أي حاجة، وقفت قُدامهم، بصت للكل بابتسامة دافية، ومدت أيدها ل مصطفى: “إزايك يا مصطفى؟ بقالنا كتير….”، مصطفى بنبرة متحشرجة وهو بيحاول يهدّي نفسه: “أهلاً يا شاهيناز… أخبارك إيه؟”.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية