رواية وجوه في العتمة الفصل السادس عشر 16 - بقلم منة ممدوح
كانت ملاحظة نظراته المتجمدة على موبايله وملامحه اللي اتبدلت لتانية غريبة، كانت أعصابه مشدودة وهو بيعاين الرسالة بعينه، بيتلاعبوا بيه
كل اللي حصل وبيحصل ده مقصود
ولكن مش قادر يعرف مين غرضه كده
أو يمكن هو في بؤرة شك تخليه يشك في نفسه حتى!
فتح الرقم وحاول يتصل عليه ولكن كان مقفول، وللأسف مقدرش يعرف هو بتاع مين،
رغم الفضول اللي كان باين على نظراتها وهي متابعاه، فضلت صامتة وهي بتتأمل قسماته، وبرضه كانت متحفزة مستنية اجابة سؤالها اللي أشعل فضولها بشكل ملحوظ
خاصة صدمته في البداية اللي كانت واضحة عليه
وبعد صمت اتعدل هو واتنحنح ومال شال جواد على كتفه وقام وهو بيقول بتوتر_يلا نرجع الدار
نومة جواد كذه غلط
رفعت حاجبها وهي بتحدق فيه بتفحص، شافت في الوقت ده إن سؤالها حرجه، وإنه بيتهرب من إجابته بالفعل
إذًا ففيه حاجة بينه وبين ليلى فعلا ومش عايز يبوح!
كان هو بيرمقها من طرف عينه وهي بصاله من تحت، مد ايده يساعدها تقوم، ففضلت تنظر ليه شوية وبعدين قامت وقفت من غير ما تعطي اهتمام لمساعدته ليها، فضم كفه وبعدين شاورلها تتحرك وبالفعل مشيت معاه
دخل لجوا معاها وهو شايل جواد، وقبل ما تسيبه وتطلع لأوضتها لقته بيقول_استني عاوزك
بصتله بتعجب، فدخل هو لجوا غرفة المجلس اللي في البيت، فشاف فاطمة واقفة مع ليلى وهناء وكان معاهم زوجات اخواته
اتعدلت فاطمة أول ما شافتهم داخلين مع بعض كإنهم أسرة واحدة وزوج وزوجة بالفعل ودي حاجة معجبتهاش تمامًا فرمقتهم بنظرات غير راضية
أما عامر فشاور لنوارة زوجة أخوه اللي جريت خدت جواد منه بحذر وطلعته لأوضته
رغمًا عن يقين لقت نفسها بتتأمل ليلى من فوق لتحت بتفحص وبفضول شديد
طولها المتوسط، عيونها البنية الواسعة المتكحلة بكحل شديد السواد، خصلاتها البنية اللي ظاهرة من تحت الحجاب
كل دي حاجات خلتها تقول جواها
هي حلوة فعلا
تستاهل!
لاحظت ليلى نظراتها فبصتلها برفعة حاجب، فهزت يقين راسها سريعًا وهي بتحوش نظرها عنها
وجه عامر كلامه لفاطمة في الوقت ده وقال بنبرة ذات مغزى_أديكي شوفتي أهو ياما
جواد بخير وما صابه شي، حتى من كتر ما لعب وانبسط غفي من يقين
اللي هي تبقى كيف أمه!
شدد على الجملة الأخيرة بقصد، فرفعت فاطمة راسها وبسخرية قالت_محسسني إن أمه هي اللي كانت عدلة
يلا الميت ما يجوز عليه إلا الرحمة!
رفعت يقين حاجبها وهي بتطالعها باستنكار، أما الجملة دي فخلت عامر يبصلها بتدقيق وشك، مش هينكر إنه حاسس إن والدته ليها يد في الموضوع
خاصة وإنها كانت كارهة وجود سلمى ودايمًا بتفتعل معاها مشاكل زي ما بتعمل مع يقين دلوقتي
حاد بنظره عنها، وقال لراوية زوجة أخوه_معلش يا مرات أخوي هتعبك معايا
ياريت أنتِ وهدية تنقلوا حاجة يقين لغرفتي عشان هتبيت معايا بعد كذه
اتسعت عيون ليلى، في حين شهقت يقين بصدمة وهتفت_نعم؟
هبات فين معلش؟!
التفت لها عامر وهو بيقول بابتسامة مستفزة_معايا يا زوجتي الغالية
مش المفروض نبقى في غرفة واحدة ولا إيش
ولا هنفضل كذه كيف الاخوات؟!
احمر وشها من الانفعال وتحكمه المبالغ فيه، شافت إنه بيجبرها على حاجات مش عايزاها، فصرخت بغضب قبل ما تتلفت وتخرج_استحالة يا عامر
مش كل حاجة هتمشى على هواك
استحالة سامعني!
تابعها وهي بتخرج بغضب عاصف، كان فاكرها طالعة لغرفتها عشان تقفل على نفسها كالعادة، ولكن مشافهاش وهي خارجة لبرا، بل وبمنتهى العصبية وهي بتحاول تكبح دموعها من احساس الذل، جريت لبرا بس رجالته منعوها من الخروج وهما بيعترضوا طريقها من الباب، فصرخت فيهم_وسعوا عايزة أخرج!
فضلوا يبصوا لبعض بتردد وبعدين انحنوت براسهم عشان ميرفعوش نظرهم على زوجة رب عملهم، زفرت هي بعصبية وهي بتشد على شعرها بغيظ، ولكن لمحت سيارة مركونة جوا من ضمن سيارات عامر، فبدون تردد جريت ركبت العربية اللي كان مفتاحها جواها زي عادتهم
شغلت المحرك وبدون تردد خرجت من العربية من البيت وهي بتدوس بنزين بعنف اجبرت الرجالة ينجدوا بحياتهم ويبعدوا عن الباب قبل ما تخبطهم بلا تردد
وخرجت لوجهة هي مش عارفاها،
سمحت لدموعها في الوقت ده إنها تاخد مجراها.
أما جوا فوجه عامر كلامه لمرات اخوه وهو بيقول_ما تسمعيش لها، اعملي اللي قولتلك عليه
ياريت تبقى حاجتها في غرفتي قبل المسا
هزت راسها وهي بتقول_اللي تشوفه ياخوي، كده كده حاجة يقين مش كتير، فمش هياخدوا وقت خالص، يدوبك هما شوية الهدوم اللي جايبهم لها
أوما ليها بإمتنان، فخرجت هي في الوقت ده عشان تعمل اللي قالها عليه، أما فاطمة فقربت منه مرة واحدة وهي بتنهره_أنتَ جرا لعقلك حاجة يا عامر؟
وش هذا اللي بتسويه؟
من متى وأنت مخبول بالمصراوية كذه؟
كإنك نسيت كل اللي سوته!
يعني روحت وجيبتلنا بنت الرشايدة وقولت ماشي، قولت هتجوز المصراوية عشان الحكومة قولت ماشي، إنما خلاص اتجنيت؟
عاوزها مرتك كمان وبتجبرنا نحبها ونعتبرها واحدة مننا!
رمقها عامر بحدة وقال وهو بينقل نظره بينها وبين ليلى وهناء_أسلوبك هذا ما يصح ياما!
أنا كبير كفاية آخذ قراراتي بنفسي
وأنا ادرى بمصلحتي
وبعدين كل شوية تفكريني بسلمى ليش
كإنها معلقة معاكي لسبب؟!
نهى كلامه بسؤال استنكاري وهو بيبصلها بنظرات ذات مغزى وهو مش قادر يداري شكه، رفعت فاطمة حاجبها وردت بقوة_ما في سبب ولا شي يابن بطني
ومتهيألي أنتَ اكتر واحد داري إني مالي في اللف ولا الدوران، ولو عاوزة حاجة أو في بالي شي بقوله من غير خشا وما بهاب اي مخلوق!
قربت منه خطوة وهي بتبص في عيونه وبتقول_أنتَ اللي قولي يا عامر
وش اللي في بالك؟
فضل باصصلها بصمت شوية قبل ما يقول بجمود_يقين مرتي
وهتفضل مرتي ياما
حطي هذا في عقلك عشان منتعبش كتير مع بعض.
كانت هتتكلم ولكن قطع كلامهم حمد اللي دخل وهو بيجري وبيقول_الحق يا عامر بيه
اتلفتوله كلهم بتساؤل، فقال حمد_مرتك خدت السيارة وخرجت جري ومحدش لحقها!
اتسعت عيون عامر برعب واتملت دماغه بسيناريوهات عديدة كلها أفظع من بعض، فسابه وخرج بخطوات أشبه بالركض، شاف رجالته واقفين وباين عليهم الخوف منه، فركب عربية تانية وبدون تردد خرج هو كمان
أما فاطمة فرفعت راسها وبكره قالت_روحه بلا راجعة إن شاالله
قربت منها ليلى وهي بتبصلها بعيون دامعة مليانة عتاب، بعد ما خلتها ترسم سيناريوهات بينها وبين عامر كل ده بيتهد قدام عينيها بالتدريج وهي واقفة عاجزة، فابتسمت لها فاطمة بدعم وبطرف إيديها رفعت وشها من دقنها ليها وهي بتقول_امسحي دموعك يا أم عيون غزال
أنا عند وعدي ليكي
وكيف ما قولتلك قبل كذه، مش شايفة غيرك مرت عامر
نقلت هناء نظرها بينهم في عدم رضا، خاصة وهي عارفة برغبة خالد في زواجه من ليلى، وده شيء مخليها مش راضية عن اللي بيحصل.
مكانتش عارفة في السواقة غير حاجات بسيطة أساسية، يمكن الدروس الأولية اللي اتعلمتها بعد ما طلبت من يوسف ده، وبعدها هي نفسها اللي ملت ومرضيتش تكمل.
كانت متشبثة بالمقود بإيديها الاتنين، مثبتة نظرها على الطريق ولكن عقلها في عالم تاني، بس كان باين على سواقتها عدم الاتزان من حركة العربية الغير منتظمة، دموعها نازلة على وشها وهي بتشهق بعنف،
بيجبرها على حاجات كارهاها، بيستغل ضعفها وقلة حيلتها لمجرد إنه يتحكم فيها بس، لمجرد إنه يفرض سطوته!
شهقت بألم وهي بتضرب على المقود بإيديها الاتنين بعنف، قبل ما تنتفض برعب لما سمعت صوت كلاكس عربية من جنبها عنيف، واللي كان من سواق معترض على سواقتها اللي باين عليها إنها مش متمكنة، اتلفتت للطريق بدموع لحد ما العربية مشيت من جنبها، وبعدين سمحت لباقي دموعها بالهطول على وشها
مكانتش عارفة بتبكي على إيه
على ولائها لشخص خاين؟
ولا فقدانها لأهلها؟
خسارتها لشغلها ولا سمعتها!
زواجها الاجباري ولا الحياة اللي مضطرة تتأقلم عليها؟!
ولكن كل اللي كانت عارفاه إنها حست إن طاقتها نفدت ومبقتش قادرة تستحمل اكتر .
كان دايس على البنزين وماشي بسرعة مهولة وهو بيدور على العربية بعينه، لوهلة أول ما افتكر الرسالة صابه الهلع من أنها تتأذى
معقولة خايف عليها تتأذى فعلا ولا خايف تتاذى بسببه؟!
ولا يمكن خوفه ده بسبب الماضي اللي لسة سايب علامة؟!
مش عارف، ولكن كل اللي عارفه دلوقتي إنه لازم يوصلها، لازم يتطمن عليها
وبالفعل اتنهد براحة لما شاف العربية من على بُعد، فزود من سرعته اكتر لحد ما وصل جنبها لوهلة حس بخفقة قوية في صدره لما شاف حالتها ولكنه تمالك نفسه سريعًا، نزل ازاز الشباك اللي جهتها وهتف بصوت عالي_اقفـي يا يقين
اقفي على جنب أنتِ مش عارفة تتحكمي في العربية!
مكانتش واخدة بالها منه، وبمجرد ما سمعت صوته حتى صرخت بعصبية_ابـعد عنـي
مـلكش دعـوة بيـا!
قالتها وهي بتزود من سرعة العربية، حس عامر بالخوف الحقيقي، فحاول يهاودها وهو بيقول_اقفي بس يا يقين
اقفي وهنتفاهم وهعملك اللي أنتِ عاوزاه
العربية هتتقلب بيكي كذه يا بنت الناس!
ولكنها بعصبية أكبر زعقت_بقـولك ابعـد عنـي!
زودت من سرعة السيارة لدرجة جنونية، في حين كان هو عمال يضرب بوق السيارة لعله يقنعها وهو بيهتف باسمها بذعر وبإصرار
ولكن مكانتش حاسة هي بنفسها، وبمجرد ما استوعبت السرعة اللي ماشية بيها ارتفع صوت دقات قلبها وتنفسها، ومعاها كان عامر حاسس إنه قلبه هينخلع من صدره وهو شايفها مش عارفة تتحكم في العربية، وسرعتها زادت أكتر لدرجة إنها سبقته
لوهلة حست إن حياتها على المحك، وبسبب الطريق الرملي، والسرعة العالية اللي بيصدر عنها تراب عنيف بيعيق الرؤية، كانت مثبتة إيديها على المقود وهي بتحاول تتحكم فيه على قد ما تقدر، لحد ما حادت عن الطريق ونزلت في أرض صحراوية فاضية، ومعاها داست فرامل مرة واحدة لدرجة إن العجَل لف حوالين نفسه كذه مرة لحد ما وقفت العربية مرة واحدة فارتطمت هي براسها بالمقود بعنف فتأوهت بألم
ولكن بعد ما اتمالكت نفسها فتحت الباب وهي بترمي نفسها برا العربية وسندت ضهرها عليها، مكانتش قادرة تفتح عينها وشعور بالإعياء والغثيان متملك منها
وصل جنبها ونزل من عربيته وهو بيجري عليها وشعور بالهلع عليها مسيطر عليها خاصة بعد ما شاف اللي حصل وإن العربية كانت هتتقلب بيها، شافها وهي على حالتها دي، فركض عليها ونزل على ركبته وهو بيهتف برعب_أنتِ بخير؟
صارلك شي؟!
فيه حاجة بتوجعك؟!
مكانتش قادرة ترد عليه، بتقاوم الدوار اللي بيلفح راسها، فاحتوى هو كتفها واجبرها تسند راسها على صدره وهو كمان كان بيلهث بسرعة من الخوف، غمض عيونه وضغط على جفونه وهو بيقول بعتاب_ليش بس كذه يا يقين!
ليش دايمًا شايفة روحك سهلة بالشكل هذا!
وكإن كلامه كان بمثابة صفعة فوقتها، فدفعته عنها باستنكار لفعلته، وحاولت تسند على العربية عشان تعيد توازنها وهي بتقول بهجوم_ابعـد متلمسنيش!
فضل متجمد مكانه وهو باصصلها بصمت، في حين وقفت وهي بتبعد شعرها عن عينيها
فقام هو كمان وقال_يلا نرجع للدار
بصتله بحدة ولكنه اجبرها وهو بيدفعها بخفة من ضهرها فكانت بتبعد إيده عنها بنفور وهي بتقول_وسـع
ملكش دعوة بيا
زفر بنفاذ صبر وهو بيقول_يلا بس يا يقين
كفاية اللي صار اليوم ما عاد فيا حيل الله يرضى عنك!
ولكنها نفرت إيده تاني وهي بتبصله بحدة، وبعدين اتجهت لعربيته بقلة حيلة
مكانتش عارفة فعلًا هتروح فين
ولكن حبت تشم هوا بعد اللي سمعته، حست بالاختناق، حست بإن فيه حاجة بتقبض على صدرها وملقتش حل غير إنها تبعد لمدة من الوقت علها تسترجع نفسها
قفل عامر باب العربية التانية وهو بياخد المفتاح، وبعدها اتجه وراها، كان في الوقت ده وصل حمد وسعد اللي نزلوا يتطمنوا عليه، فشاورلهم إنه كويس وبعدها حدف المفتاح لسعد عشان يجيب العربية
أما هو فصعد جنبها وهو باصصلها بتفحص قلق، كانت مربعة إيديها قصاد صدرها وهي باصة للجهة التانية وبتتحاشى النظر ناحيته
ملاحظتش نظراته الحانية اللي كانت متوجهة عليها، احساس الخوف اللي كان متملك منه
ملاحظتش ذعره عليها ولهفته إنه يشوفها كويسة ولا لا
هو نفسه ملاحظش تصرفاته دي لأنها كانت تلقائية خارجة عن إرادته.
رجعوا للبيت أخيرًا، بمجرد ما وقف نزلت من العربية من غير ما تديله فرصة يتكلم، وطلعت على فوق على طول
حاولت فتح غرفتها ولكن لقت الباب مغلق
وبعد محاولات عديدة ممزوجة بالعصبية شافتها نوارة اللي قالت بابتسامة بسيطة_عامر قالنا نقفل هذي الغرفة
حاجتك كلها في غرفته دلوقت
رمقتها يقين بحدة، فاتوترت نوارة وسابتها ونزلت بدون ما تقول حاجة تانية
وقفت يقين وهي بتشد على خصلاتها بجنون
وبعدين اتجهت لغرفته بالفعل، فتحت الباب بعصبية وقفلته وراها بعنف
ولكن لقت نفسها واقفة مكانها بصمت وارتخت ملامحها وهي بتتأمل غرفته اللي كانت كلاسيكية بسيطة
سرير واحد مترتب، خزانة وكرسي قدام التسريحة بمرآتها الكبيرة،
كل ما تخطو خطوة لجوا ريحته القوية بتتسلل لأنفها، كإنه محاوطها حتى في عدم وجوده، كان فيه شعور غريب ساورها بمجرد ما خطت أقدامها للداخل
وقفت قدام السرير تبصله بصمت
للحظة جه في خيالها إنهم نايمين على نفس السرير سوا
فهزت راسها بعنف رافضة الأفكار دي ونزلت دموعها في الوقت ده، رفعت كفها المرتعش وبسطته على شفايفها وهي بتقول_لأ
مش ممكن
لأ يارب لأ!
قعدت على الأرض بإنهيار وهي ساندة ضهرها على السرير وبتغلغل إيديها في شعرها وهي بتبكي
عاجزة لدرجة مكانتش تتخيلها
عمرها ما كانت ضعيفة بالشكل ده!
اتفتح الباب في الوقت ده ودخل وهو بيدور بعينه عليها لحد ما شافها، لوهلة اتجمد شوية ولكنه بعدها قفل الباب وهو داخل بخطوات بطيئة حذرة،
حاول يخليها تخرج عن حالتها ويستفزها وقال_شايف إنك وصلتي للغرفة لوحدك أهو!
رفعت عيونها الحمرا ليه ترمقه بنظرات باغضة، مسحت دموعها بعنف بدراعها، وقامت وقفت وقربت منه وهي بتقول بابتسامة ساخرة_أنتَ نسيت ولا إيه؟
مش أنا برضه اللي كانت واقفة على بابك وأنتَ بتتكلم في التليفون؟!
ضم شفايفه وهو عاجز عن الرد بعد ما افحمته بردودها زي كل مرة، ولكن في الوقت ده راحت قوتها الواهية، ميلت راسها للجنب وقالت بنبرة معذبة وعيون مليانة دموع_كفـاية بالله عليـك
أنـتَ بتعـمل فيا كده لـيه؟!
خلاص عرفت إنك بتنتقم مني عشان اللي عملته، بس أنتَ كده خدت انتقامك وزيـادة!
بالله عليك كفاية لحد كده متعذبنيش أكتـر!
بصلها بإشفاق، وهو بيتأمل إنهيارها وعينه بتدور على ملامحها، وقال بصدق_أنا ما كنت بنتقم منك يا يقين
صرخت بعصبية_أومـال اللي بتعمله ده إيه؟!
مسحت دموعها وهي بتحاول تتمالك نفسها وقالت_خلاص أنا برجع عن كل اللي قولته
مش هنتقم منك
مش هعمل اي حاجـة تاني ومليش دعوة بأي حاجة، بس طلقني وسيبني أرجع لحياتي الطبيعية
صدقني هنسى إني شوفتك
بص لو عايز هسيب مهنة الصحافة دي خالص لأني كده كده مش هعرف ارجعلها، بس بالله عليك سيبني وكفاية كل ده، كفاية مش قادرة استحمل والله العظيم
والله العظيم تعبت ومبقتش قادرة اتحمل!
لقى نفسه عاجز عن التصرف قصاد توسلاتها، مش عارف يواسيها ازاي، حزن من اللي سببه ليها، فكملت هي بنحيب_بالله عليك طلقني وسيبني أمشي
لو جواك ذرة انسانية سيبني
سيبني أحاول أرجع ربع اللي خسرته!
بلع ريقه يرطب حلقه الجاف، واتكلم بهدوء_مقدرش أطلقك
فبكت وهي بتقول بأنفعال_لــيه؟
لـيه ما تقدرش تطلقني لـيه، ليه بتعمل كل ده طالما مش عايز تنتقم مني زي ما بتقول!
قرب خطوة منها لعله يحتويها حتى بقربه، كان شايف إنه ملوش الحق في إنه يلمسها، اتكلم بصوت متحشرج_لو سيبتك هتموتي
صرخت وهي بتضرب على صدرها_وهو أنا كده مش ميتة؟
أنتَ شايفني عايشة قدامك!
أنا كتبت على نفسي الموت من يوم ما بصمت على قسيمة جوازنا
الموت وجوازي منك واحد!
على قد ما حس بغصة في صدره من كلامها اللي جرح كبرياؤه وحسسه إنه مسخ منبوذ، إلا إنه حاول يبررلها وقال_صدقيني يا يقين أنا ما أجبرتكيش تنقلي لهنا إلا عشانك أنتِ
عشان احميكي صدقيني
أنا مش من عادتي إني ببرر تصرفاتي لحد بس أنتِ متعرضة للخطر
هيقتلوكي كيف ما قتلوا سلمى وغدروا بيها وهي مالها ذنب في أي شي
وطول ما أنا مش عارف الغدر جاي من وين، فأأمن مكان ليكي هنا معايا!
رغم إنها صدمت في البداية من كلامه ونبرته الصادقة، ولكن بذلة لسان ندمت عليها قالت_ومين قالك كده هتحميني؟
ميــن فهمك ده؟!
ماهي يوم ما اتقتلت كانت نايمة في حضنك!
عرفت تحميها وقتها؟!
بهت تمامًا من قسوة كلامها، وكإنها بتصفعه بعجزه في وشه، الذكرى اللي بيحاول يمحيها من عقله، احساس بأنه ضعيف لدرجة إن مراته قتلوها وهي في حضنه، حتى لو مبيحبهاش بس كفاية العشرة وجواد اللي بينهم!
فضل باصصلها بملامح متألمة وصمت تام، ولكن في النهاية اتنحنح وقال بصوت متحشرج من انفعاله الداخلي_عنـدك حـق
قالها وسابها واتجه لدولابه، طلع جلباب وچاكيت، وبعدين دخل الحمام وهو بيرزع الباب بعنف وراه
وقفت هي تبص على أثره، لحظات وظهر الندم على وشها، فوقفت تعض على شفايفها بضيق شديد وهي بتمسح دموعها.
اتعدلت بسرعة لما اتفتح الباب وخرج وهو مغير هدومه، طالعته بتأمل ونظرات مليانة ندم، فعدى هو من جنبها بصمت وخرج من الأوضة وقفل الباب وراه
فقعدت هي بإنهيار على السرير وهي بتمسح دموعها وبتهز رجليها بعصبية
وبيتردد في دماغها كلامه عن كونه عمل ده كله بغرض حمايتها فقط
مصدقاه؟
مش عارفة
جزء مصدقه، وجزء بينهرها وبيقولها اللي قدامك عامر الزيات
عدوك الوحيد واللي دمر حياتك
والاتنين بينهم صراع مش عارفة إنهي فيهم اللي ممكن ينتصر في النهاية.
رجع قُرب منتصف الليل، فتح باب الغرفة بحذر، دور بعينه عليها ولكن ملقاهاش، دخل لجوا وهو متعجب، سرعان ما خفتت حركته لما شافها فارشة جنب السرير وراحة في النوم
هز راسها بقلة حيلة من راسها اليابس وعندها اللامحدود
قرب منها ونزل لمستواها وهو بيتأملها بصمت تام وملامح مش مفهومة
هو مبقاش فاهم نفسه
ولكن حاسس إن فيه حاجة غريبة جواه من ناحيتها وده وضع مش عاجبه، ليه قادر يغفر أي تصرف بتعمله؟
وليه قادر يسامح أي أذى ممكن تسببه ليه؟
ليه مغضبش وثار عليها لما ضربته بالكلام في وشه
ليه وليه وليه، أسئلة كتيرة جواه مش لاقي إجابتها
بيبرر ده بإنه عذاب ضميره بس هو نفسه مش مصدق ده!
اتعدل وراح غير هدومه لملابس تانية بيتية، ورجع رفع من حرارة التكييف عشان متبردش، وغطاها كويس وبعدين اتمدد على سريره
فضل باصص للسقف شوية وهو بيعيد ذكرياته مع سلمى
اتقلب على جنبه وهو موجه نظره عليها، وبعدها غرق في النوم هو كمان..
****
صباحًا
خرج من الحمام فشافها واقفة بتطبق البطاطين اللي كانت نايمة عليهم، القى عليها نظرة أما هي متلفتتش ناحيته ولكن كانت شايفاه بطرف عينها
اتجه ناحية التسريحة وابتدى يسرح شعره وينثر عطره وهو بيراقبها من انعكاسها في المراية
لحد ما قطع الصمت وقال_هتتعبي كذه من نوم الأرض
أنا ممكن أنقل كنبة المكتب هنا وأنام عليها أنا
بدون ما تبصله قالت_لا شكرًا
انقل كنبة المكتب وهنام عليها أنا
مش هنام على سرير أنتَ كنت نايم عليه
ساب المشط من إيده واتلفت وهو بيقولها_تصدقي أنا غلطان إني قولت اعمل فيكي جيميلة
بصتله وعوجت وشها وهي بتقول بتريقة_محدش طلب منك!
جز على أسنانه بغيظ وهو شايفها سايباه وداخلة الحمام، فحب يستفزها أكتر وقال_طب على فكرة بقى
كنبة المكتب كنت بنام عليها هي كمان
رفعت حاجبها وبصتله بضيق وقالت_متجيبهاش
محدش اشتكالك أنا عاجباني الأرض!
دخلت ورزعت باب الحمام وراها، فضحك وهو بيقول_البطاطين اللي كنتي نايمة ومتغطية بيها دي بتاعتي برضه!
فتحت الباب وهتفت بطفولية_اشبع بيهم!
قبل ما تقفله في وشه تاني، هز راسه بقلة حيلة وهو بيضحك، أما هي فسندت على الباب وهي بتسمع صوت خطواته الخارجة
ولوهلة لقت نفسها بتبتسم بخفة قبل ما تتحول للعبوس سريعًا وهي بتنهر نفسها.
قعدت معاهم على السفرة بعد ما اجبرها كالعادة تنزل
كانت حاسة إن كل الأنظار مسلطة عليها بتفحص وتعجب في آن واحد
ده غير نظرات الكره اللي كانت فاطمة موجهاها ليها
مقدرتش تاكل قدامها واستأذنت على طول وخرجت لبرا قدام الباب
دقايق وشافت عامر خارج، قرب منها وقال بتريقة_متبقيش حساسة كذه!
شوية وهتلاقي نفسك أخدتي مناعة من لسان ونظرات فاطمة الزيات
ابتسمتله بتريقة وهي بتعوج وشها، فربت على شعرها باستفزاز خلاها تدفع إيده بعصبية
وبعدين سابها وخرج وهو بيقول_ابقي داري شعرك هذا
فصرخت وهي بتدبدب رجليها على الأرض_ملكش دعوة خليك في نفسك!
مردش عليها وركب عربيته وخرج، وللحقه فارس اللي عدى من جنبها من غير ما يهتم، وعايد اللي قال_سلام يا مرات أخوي
رفعت إيديها في الهوا وهي حاسة بالجنون من تصرفاتهم المخبولة، الظاهر إن الچينات دي بتجري في دمهم
ولكنها ابتسمت بمجرد ما شافت جواد مقبل عليها وهو بيجري ويضمها بعفوية
ابتسمت وهي بتملس على شعره، الظاهر إن جواد هو الوحيد اللي هتلجأله بعد كده هنا، يمكن عشانه لسة ببراءته، ودم الزيات لسة مظهرش مفعوله عليه!
قضت وقت معاه وهو بيلعب بالكرة في المدخل الخلفي للبيت عشان يبقى بعيد عن دوشة الرجالة واللي موجودين
مكانش فيه غير اتنين تقريبًا اللي واقفين برا بيحرسوا الباب الخلفي
وفي أثناء ما هي مندمجة مع جواد سمعت صوت أحد الرجالة اللي جه جري للاتنين التانيين وهو بيقول_الحقوا بسرعة
المستودع اللي في مزرعة النخيل بيولع!
وبالفعل جريوا الاتنين اللي كانوا واقفين بهلع بدون تردد
عقدت يقين حاجبها بتعجب، واتحركت بخطوات فضولية لبرا تشوف إيه اللي بيحصل
ووراها جواد اللي كان ماسك الكورة وهو بيقول_إيش فيه يا ماما، ليش الكل بيجري؟!
لما شافت خلو المكان برا من أي حد حست بالقلق، فضمته ليها وقالتله_مفيش يا حبيبي
ادخل يلا كمل لعب
هز رأسه وبالفعل سابها ورجع، أما هي فوقفت تحاول تشوف الرجالة جريوا فين بفضول واهتمام شديد
ولكنها اتجمدت على صوت هتاف جواد المتعجب_خال عزيز!
اتلفتت بذعر، واتوسعت عيونها بدهشة وهي شايفة قدامها عزيز اللي شايل جواد وعلى وشه ابتسامة خبيثة وهو بيشاورلها بـ “باي”…!
يتبع…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على (وجوه في العتمة) اسم الرواية