Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل السادس عشر 16 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل السادس عشر 16 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل السادس عشر»

***

زقزقرت العصافير وأشرقت الشمس، وفي تمام الساعة التاسعة ونصف يجلس ذاك الوسيم الذي يرتدي قميصاً أسود قاتم، تارك بعض الأزرار الأفقية مفتوحة ظاهراً جزءاً من عضلات صدره، يرتشف كوب من الشاي بجانب الشطائر التي أعدتها له والدته.

ابتسمت له وبنبرتها الحنونة أردفت:
_ أهي إيمان وخلاص على وش جواز، أنت مش ناوي تفرح قلب أمك بقا يا يوسف؟ 

هضم ما كان في فمه أولاً ثم تحرك بجسده إلى اليسار لينظر إليها قبل أن يجيبها:
_ صدقيني أنا مش ممانع والله، بس هي فين؟

أثارت كلماته تعجب والدته فانعكس على تقاسيمها وهتفت بتهكم:
_ دا البنات مفيش أكتر منهم يابني، أنت مش بتبص حواليك في الشارع؟ دول أكتر من الرجالة! 

قهقه يوسف على كلماتها وبهدوء قال:
_ هتصدقيني لو قولتلك إني مبشوفش بنات خالص ماشين في الشارع

لم تفهم ما يرمي إليه فأوضح قليلاً بعد:
_ والله بجد، أنا من الشغل لدورس لينة للبيت، حتى الجيم بقالي فترة مش عارف أروحه زي الأول، يومي كله مشغول، عارفة الناس اللي بتقولك ماشي مش شايف قدامي حرفياً أنا دا الفترة دي، لا بشوف بنات ولا حتى رجالة، دا كويس إني صاحبت قبل الدوامة اللي أنا وقعت فيها دي وإلا كان زماني الوقتي مليش صحاب 

أخرج تنيهدة واعتدل في جلسته يطالع الفراغ أمامه، على الجانب الآخر لم تستطيع والدته الصمت وهي ترى شبابه يمر هباء: 
_ بس أنت كدا بتظلم نفسك يا يوسف، إحنا يابني مش أنانيين للدرجة دي، أنت مش شاغل نفسك غير بينا وبس، أنا وأخوك ولينة، الأول كان ممكن أقول هو الكبير وملناش غيره، بس الوقتي أخوك كبر وبقا راجل وآن الأوان يشيل شيلة نفسه وأنا سواء أنت ولا هو مش هتسيبوني..

انتظر يوسف استكمالها لبقية الحديث الناقص فلم تكمل، التفت إليها متسائلاً بغرابة مختلطة بالمعاتبة:
_ ولينة؟ دي أهم مني أنا وأخويا، دي في الآخر بنت، لما أنا اشوف نفسي مين هياخد باله منها؟

أخذت ميمي نفساً عميق، مترددة في قول ما تخفيه في جوفها، لكن الأمر يحتم عليها إخراجه فألقت الحديث دفعة واحدة:
_ مهو برده يا يوسف لينة مش صغيرة، والمفروض تعتمد على نفسها، دي خلاص هتدخل الجامعة والله أعلم يمكن تقابل واحد و...

لم يتحمل يوسف ذلك الهراء وصاح بهجوم:
_ إيه الكلام دا يا أمي؟! 
لينة هتفضل في أمانتي طول مافيا النفس، وواحد إيه اللي تقابله والكلام الفارغ دا، هو إحنا عندنا الكلام دا! 
ثم إنها لسه صغيرة أوي على اللي بتقوليه، كل اللي المطلوب منها الوقتي تكمل دراستها وبس، وطول ما أنا عايش مش هخليها محتاجة حاجة حتى لو على حساب نفسي..

نهض عن كرسيه مستأذناً منها: 
_ عن إذنك يا أمي 

سار بخطاه للخارج، ثم زفر أنفاسه فور غلقه للباب وكأن شيئاً ما ثقيل للغاية يطبق على صدره، حاول تهدئة روعه والسيطرة على غضبه الذي تأجج داخله ثم هبط إلى الأسفل بملامح متجهمة. 

بحث بعينيه عن سيارته، ثم تأفف بضجر، لقد تناسى تماماً أنه لم يجلبها بعد من عند المصلح، تنهد ثم سحب هاتفه من جيب بنطاله وهاتف صديقه لكي يصطبحه إلى مكان عمله.

أتاه صوته النشيط بعد ثوانٍ: 
_ صباح الخير يا جو 

بإقتضاب تحدث الآخر:
_ صباح النور، انزل يلا عشان توصلني 

حمحم بلال وهو يمرر بصره على الجالسين أمامه ثم اعتذر منهم:
_ عن اذنكم لحظة..

ابتعد عنهم فأثار الريبة داخل يوسف وسأله مستفسراً: 
_ أنت فين كدا؟

وضع بلال يده اليسرى على فمه لكي لا يصل صوته إلى الآخرين وأجابه:
_ بنجيب الشبكة..

"شبكة!!"
رددها يوسف بعدم فهم فأوضح له الآخر جيداً:
_ أنا وإيمان ومامتها وأمي بنجيب الدهب 

أبعد يوسف الهاتف عن أذنه ليتفحص الوقت قبل أن يعود إليه قائلاً: 
_ شبكة إيه ودهب إيه الساعة ١٠ الصبح؟ 
أنت اتجننت يا بلال؟ للدرجة دي مش قادر تصبر لبعد الضهر حتى! 

بتلقائية عابثة قال بلال:
_ بعد الضهر هنروح نختار الأوض

أوصد يوسف عينيه لبرهة محاولاً استيعاب هذا الهراء، عاد إليه متسائلاً بفضول: 
_ أنت عرفت توصلهم إزاي أصلاً أنا مش فاكر إني اديتك رقم خالي! 

التفت بلال برأسه مختلساً نظرة عليهم قبل أن يرد على يوسف:
_ كلمت حمايا واتفقت معاه 

"حماك!" 
_ هتف بها يوسف بلا وعي، ثم واصل متعجباً مما يصغي إليه:
_ حماك دا اللي هو خالي صح؟!
ماعلينا طيب جبت رقمه منين؟

أجابه باختصار:
_ من إيمان

"إيمان!!" 
ردد يوسف إسمها بذهول شديد واسترسل ساخراً: 
_ أنا خايف بالسرعة اللي أنت ماشي بيها دي تيجي تقولي بكرة بارك لنا هنجيب بيبي 

انفجر بلال ضاحكاً، حاول جاهداً السيطرة على ضحكاته ثم قال برجاء: 
_ أبوس ايدك يا يوسف مش عايز تقطيم، صاحبك فرحان ومش عايز حاجة تقفله 

لم يعاتبه يوسف بل شعر أن إيلامه سيكون سخيفاً بعد توسله، في النهاية هو يريد سعادته، وطالما هو كذلك فليفعل ما يحلو له، ابتسم وبارك له بنبرة ودودة:
_ ربنا يتمم لك على خير يا حبيبي 

أسرت السعادة قلب بلال بمباركة يوسف، فهو شخصًا مهماً للغاية بالنسبة له وحتماً دعمه سيكون في صالحه. 

رد عليه وهو يومئ برأسه لوالدته التي تناديه: 
_ يارب يا جو، معلش هقفل عشان بينادوا عليا

أنهى المكالمة ثم عاد إليهن بينما نفخ يوسف فلم يدري كيف سيصل إلى عمله، وبالأخير طلب سيارة لتقوم لتوصيله. 

***

كانت الحيرة دون غيرها مسيطرة على إيمان، الجميع يضغط عليها لتختار طاقماً من الحُلي ولا تدري أيهما تختار، تمرر أنظارها بين الجالسين شاعرة بالنفور مما يقودنها إليه.

لا تنتمي لذاك الرجل الذي يجلس أمامها يبتسم لها، تطالع والدتها التي تشجعها بنظراتها تارة وتارة أخرى تمرق عينيها على الحُلي، تريد اختيار أي منهم سريعاً لتمضي بعيداً عن ذلك المكان. 

خرجت من شرودها على صوته الرخيم وهو يشير إلى أحد الأطقم:
_ إيه رأيك في دا؟

لم يعجبها ذوقه، فكان مرصع بالأحجار وهذا يتنافى تماماً مع ذوقها، مررت نظريها سريعاً على بقية الأطقم فكان هناك ما جذب انتباها من بينهم، كان أكثر هدوئها ورقة، لكنها لم تجرأ على طلبه بل أعادت النظر إلى بلال الذي يتابعها جيداً وقالت مختصرة: 
_ حلو..

تنهد بلال فردها لم يروق له، وجه نظره إلى أحد الأطقم وأشار إليه بإصبعه ثم أمر البائع قائلاً: 
_ ممكن تورينا اللي هناك دا، حاسس إنه أحلى 

وضعه أمامهما فتفاجئت إيمان أنه نفسه الذي لفت انتباهها، انتبهت على سؤال بلال حينما قال: 
_ ها إيه رأيك، دا أحلى صح؟ 

طالعته ورأت لمعة عينيه المنتظرة إجابتها بفروغ صبر، هي استشفت اهتمامه منذ حضورهما لكن ليس لذاك الحد، فهو استشف إعجابها بالطاقم من خلال عينيها. 

غمز إليها بلال بمشاكسة وأردف:
_ ولا نغيره؟

حركت رأسها رافضة قبل أن تعطيه إجابة خجلة:
_ لأ، حلو 

اتسع ثغر بلال بإبتسامة عذبة، نظر إلى البائع وهتف بحماس: 
_ تمام هناخد دا 

انتظرت شهيرة لحين انتهائهم من شراء طاقم الحلي خاصتهم ثم تدخلت بنبرة مرحة: 
_ يلا جه دوري، نقي يا إيمان أي حاجة تعجبك 

تفاجئت هادية بكلمات شهيرة، تغلغلت السعادة قلبها، وظلت تشاهد ما يحدث في صمت دون إبداء رأي، بينما شعرت إيمان بالخجل يجتاحها وأبدت رفضها بذوق:
_ دا كتير اوي يا طنط، كفاية اللي بلال جابه 

آه والف آه، لقد ذاب قلبه بعد نطقها إسمه، لم تختفي الإبتسامة من على شفتيه قط، بل كانت تزداد كلما تفوه هذا الثغر الملون باللون البني. 

أصرت شهيرة على اختيار حلي كما يحلو لها، وافقت إيمان تحت ضغط شديد منها وتشجيع من بلال، اختارت ساعة ذهبية فاخرة، تنهدت شهيرة براحة حينما اختارت هديتها ثم صاحت قائلة: 
_ لسه هدية عمك سمير 

صوبت إيمان عينيها نحوها بذهول وباتت تردد بحرج بائن:
_ بجد كدا كتير أوي، كفاية اللي جه 

هزت شهيرة رأسها برفض تام مصرة على ما قالته:
_ مفيش حاجة تكتر عليكي يا حبيبتي، يلا شوفي اللي يعجبك واختاريه

أعادت إيمان النظر إلى بلال الجالس أمامها فحثها على اختيار ما تريده بإشارة من عينيه، حمحمت إيمان ثم بدأت تفكر فيما ستقوم باختياره، لكن لم يكن هناك مالم تمتلكه ففضلت اختيار سوار رقيق. 

نهضت بعدما انتهت من اختيار الحلي واقتربت من والدتها فهتفت شهيرة مرة أخرى: 
_ استني راحة فين، لسه هدية هدى وهدير 

لم تتحرك إيمان من مكانها، فكان هذا يفوق الإستيعاب، استدارت إليها لتتأكد مما وقع على مسامعها فقابلتها شهيرة ببسمة صادقة وحثتها على العودة إلى مكانها:
_ تعالي يلا نقي اللي تحبيه 

وكعادتها توجهت بنظريها إلى بلال الذي يحشر ضحكاته داخله رغماً عنه، فنظراتها المذهولة كانت مثيرة للضحك، لكنها إلى الأن لا تعلم مع عائلة من تتعامل، إنها عائلة الجيار، عائلة ذو مكانة مرموقة في المجتمع. 

عادت إيمان إلى كرسيها ولازالت أسفل تأثير الصدمة، فلم تتوقع مثل هذا البذخ من أجلها، تنهدت وتسايرت مع الأمور كأنها طبيعية، كان تلك المرة اختيارها خاتمين مزدوجان، والآخر كان حرفاً من بداية إسمها لتعلقه في عقدها. 

لم تنهض بتلك السرعة التي فعلتها من قبل خشية أن تعيدها شهيرة مرة أخرى، لكنها لم تقل واكتفت بما قاموا بشرائه من أجلها. 

غادروا جميعاً ولازالت إيمان ووالدتها لا تصدقن ما حدث لهمن، بينما كان بلال فخوراً بما فعلته عائلته على الرغم من ترتيبه لذلك مسبقاً، ثم تابعوا تسوقهم في شراء أثاث عشهم الجديد. 

يوم يليه الآخر، حتى مر أسبوعاً الذي تلاه أسبوعاً آخر إلى أن مر ثلاثين يوماً، كانوا قد انتهوا من تجهيزات المنزل، وكذلك أنهت لينة امتحاناتها وتترقب ظهور نتيجتها. 

***
في أحد غرف المنزل الجديد، تقف إيمان برفقة والدتها يضعن ثيابها في الخزانة، التفتت شهيرة إلى حيث تقف إيمان وهتفت أمرة: 
_ روحي قولي لبلال يجيب هدومه عشان نعلقها ونكون خلصنا 

رفعت إيمان كتفيها مع تحريك رأسها باشارات رافضة البتة ثم قالت:
_ مليش دعوة، روحي قوليله أنتِ 

تأففت هادية وعاتبتها بضيق:
_ أنتِ مش شايفة إنك مش بتتعاملي معاه خالص؟ 
هتعملي إيه لما يتقفل عليكم باب كمان يومين؟

تأففت الأخرى وأولاتها ظهرها هاتفة بحنق: 
_ أنا لغاية دلوقتي مش مصدقة أصلاً اللي بيحصل وماشية مع الأحداث زي ما قولتيلي ولا أنا ارتحت وحسيت إني فعلاً عايزاه ولا ظهرت مشكلة تفشكل الموضوع

أسرعت هادية في وضع راحة يدها على فم ابنتها مجبرة إياها على الصمت وحدثتها بإيلام: 
_ هشش وطي صوتك شوية، أنتِ ناسية إنه واقف برا وممكن يسمع، ولا عايزة تفرحي سي يوسف لما يسمع كلامك دا؟ 

تراجعت إيمان للخلف بتزمجر شديد وهي تضرب الأرض بقدميها، لماذا لا يشعر بها أحد؟!!

لم يعجبها هادية تصرفاتها الحمقاء التي ستضيع عليها كل ذلك الثراء التي باتت فيه، استدارت بجسدها وخرجت من الغرفة قاصدة بلال، شكلت بسمة على محياها ووقفت تشاهده وهو يعلق التابلوهات العصرية على الحائط بمساعدة يوسف. 

أنتبه إليها بلال فسالها باهتمام: 
_ محتاجة حاجة يا ماما؟

أومأت قبل أن تخبره بمرادها: 
_ أيوة يا حبيبي، لو خلصت ممكن تنزل تجيب هدومك عشان نعلقها لأن معتش فاضل غيرهم 

بهدوء أردف:
_ حاضر هنزل أجيبهم أهو 

التفت برأسه ناظراً ليوسف الذي هبط السلم الخشبي وسأله مستفسراً:
_ كدا خلصنا، صح؟

أماء له يوسف ثم هتف وهو يشير إلى أحد الأركان: 
_ أيوة، بس لسه الشاشة 

بتلقائية رد عليه بلال وهو يبتعد عنه:
_ تمام، هنزل اجيب الهدوم وأجي نعلقها 

توجه يوسف ناحية الحائط الذي سيعلقان عليه التلفاز بينما عادت هادية إلى غرفة ابنتها وأخبرتها بما فعلته: 
_ بلال نزل يجيب الهدوم، يلا نخلص الكام حاجة دول قبل ما يطلع..

لمعت عيناي إيمان ثم نهضت معللة ذهابها:
_ نسيت حاجة برا هجيبها..

فرت سريعاً من أمامها قبل أن يفضح أمرها، ابتلعت ريقها واقتربت من يوسف بخطى متهملة، ويدين متشابكتين من فرط حيائها، حمحمت لتجذب انتباهه فقال وهو يرمقها بطرق عينيه: 
_ معلش عاملين لكم دوشة، بس عشان نخلص معتش وقت 

عاد ليخرج الشاشة من علبتها لكنه فشل لكبر حجمها الهائل ففضل انتظار عودة بلال، انشغاله عنها كان يتلف أعصابها ويثير غيظها، لا ينظر إليها مرة واحدة ويتعامل وكأنها ليست موجودة. 

زفرت أنفاسها لتكون أكثر هدوءاً عكس غضبها التي تشعر به بسببه وسألته بتعالي:
_ إيه رأيك في البيت؟ 

أبدى يوسف رأيه باختصار وبرود:
_ جميل ما شاء الله 

شعرت بغصة في حلقها ولم تخرج كلماتها التي فكرت بها بسهولة، فبات الحديث صعباً، لكنها قاومت وهتفت:
_ عقبال بيتك 

كاد يجيبها يوسف إلا أن عودة بلال قد منعته، توجه نحوها مباشرةً ثم قال:
_ الشنطة أهي بس تقيلة أوي، خليني أدخلها أنا جوا 

أخفضت بصرها في حياء ثم أولاته ظهرها وعادت إلى الغرفة، تبعها بلال ووضع حقيبته الخاصة على الفراش ثم تركهن يفعلن بها ما يحلوا لهن. 

تعجب يوسف من طريقة إيمان فهي لم تردف حرفاً في وجوده، وليس اليوم فقط، هي كذلك بقية أيامه الذي يأتي ليساعد بلال، لاحظ تجنبها من الحديث معه وتتعامل فقط من خلال والدتها. 

انتظر عودة صديقه الذي وقف مقابله وقاموا بحمل التلفاز بحذر ثم قاموا بتعليقه على الحائط، قابلوا صعوبة لبعض الوقت في ذلك بسبب كبر حجمه وعدم تمكنهم من حمله فترة طويلة.

صاح يوسف بنفاذ صبر:
_ أنت جايبها كبيرة أوي كدا ليه، دا حتى المسافة بينها وبين الليفنج بسيطة أوي، عيونكم هتوجعكم 

أجاب بلال وتركيزه التام في تعليق الشاشة في وضعها الصحيح:
_ والله لقيت دي أكبر حجم وأغلاهم جبتها 

تعجب يوسف من رده وسأله مستفسراً: 
_ اشمعنا يعني بدور على أكبر حاجة وأغلاهم، مش بتجيب الحاجة العملية، أيوة فاهمين إن الغالي تمنه فيه بس يعني مش للدرجة دي، أنت صارف على الشقة دي أكتر من اللي أبوك كسبه طول حياته، حاسك أوفر شوية 

تنهد بلال ثم أخبره بما يدور في عقله:
_ والله بعمل اللي عليا يا يوسف، عشان تبقى راضية وبس..

شعر يوسف بالإسيتاء من خلف كلماته الساذجة وعاتبه بإقتضاب:
_ فأنت لما تجيب أغلى وأكبر حاجة كدا تزغلل عينيها وتحببها بيك، يابني الحب عمره ما كان قيمته الفلوس، آه الفلوس طبعاً مهمة عشان الحياة تمشي، بس الفلوس عمرها ما هطبطب على زعل وهداوي جرح، ولا تشفي روح تعبانة، الشخص نفسه اللي قادر يعمل كل دا ومن غير الفلوس، قادر يحتويها وقت زعلها، ويبدأ بالصلح وميهونش عليه زعلها حتى لو كان مش غلطان، يسامح ويراضي ويطبطب ويدلع، ويحترم رغبتها ورأيها وطموحها، يشجعها ولو فشلت يقف جنبها ويساعدها تقف من تاني، ميرميش اللوم عليها ولا يهينها، حاجات كتير عمر الفلوس ما تقدر تعملها، الفلوس تشتري خاطر الناس الجعانة لكن اللي عيونهم مليانة محتاجين راجل حنين يقود العلاقة برحمة ومودة مش حتى بالحب بس لأنه أوقات زهوته بتنطفي واللي بيكمل العلاقة ويخليها مستمرة وكمان ناجحة أنه يكون شخص رحيم، فهمت؟! 

أماء له بلال بتأكيد ناهيك عن ابتسامته التي زادته حماساً، وأخيراً قد نجحا في وضع التلفاز بسلام دون خسائر، جلس كليهما على الأريكة الوردية الفاخرة، تردد يوسف كثيراً قبل أن يشارك صديقه بما شعر به، تنهد واقتربت منه ثم أردف كلماته هامساً: 
_ هو أنتوا إيه نظامكم مع بعض؟

قطب بلال جبينه بغرابة فلم يستشف ما يرمي إليه يوسف وسأله مستفسراً:
_ مش فاهم 

أوضح يوسف قصده بصوته الأجش:
_ أنت وإيمان، يعني أنا من وقت ما دخلت البيت دا مشوفتكوش بتتعاملوا مع بعض أصلاً، وكل كلامك مع أمها لو احتاجوا لحاجة، مفهمتش دا عشان محروجة من وجودي مثلاً ولا إيه! 

تجهمت تعابير بلال، ابتعد عن يوسف وعاد بظهره مستنداً على الأريكة، طالع أمامه بعينيان وميضهما منطفئ، ثم أجاب بخذلان:
_ لا دا تعاملنا أصلاً مش بسببك ولا حاجة، يدوب إزيك الله يسلِمك، تصبحي على خير وأنت من أهله 

أنتبه بلال على نظرات يوسف المعاتبة، فأسرع في نفي ضيقه في هذا الأمر وهتف متأملاً في المستقبل:
_ بس عادي يابني إحنا انشغلنا في البيت وحاجته فطبيعي يعني، هنتعرف أكتر بعد الجواز وخلاص هانت أهي 

لم يقتنع يوسف بكلماته، لا يدري أهو أبله أم يتعمد أن يكون كذلك، اقترب منه إلى أن التصق به، التفت برأسه متفحصاً المكان من خلفه وحينما لم يجد أحد عاد إلى صديقه وهمس إليه: 
_ أنت هتعمل إيه يوم الفرح؟

تفاجئ بلال من وقاحة السؤال وابدى تهكمه بالأمر:
_ إيه اللي هعمل إيه يوم الفرح، أنت شايفني عيل قدامك؟! 

استنكر يوسف ظنه السوء وأوضح ما يقصده من خلف سؤاله: 
_ أنت فهمت إيه، أنا قصدي إزاي يعني هتعرف تقرب منها وأنتوا حتى مفيش بينكم لغة حوار؟! 

مال بلال برأسه إليه وتسائل باهتمام:
_ طيب أعمل إيه في اليومين دول؟ 

قهقه يوسف ثم ردد ساخراً: 
_ قولها تعرفي البيبي بيجي إزاي؟

لم تهدأ ضحكات يوسف على منظر بلال المذهول، رمقه بلال بنظرات جامدة ثم تركه بمفرده وولج إليهن ليرى إن كنا قد انتهين أم مازال هناك أعمالاً ليقومن بها. 

شعر بالريبة من أمر ضحكاتهن في الخفاء، حاولن التريث فور ظهوره لكن لم يجدى الأمر نفعاً، عقد بلال حاجبيها متسائلاً بفضول:
_ هو فيه حاجة؟

رفعت شهيرة كلتي يديها ظاهرة ذاك القميص الشفاف ذو اللون الأحمر وهتفت من بين ضحكاتها التي تحاول جاهدة إخفائهم:
_ لقينا دا وسط هدومك 

صعق بلال مما وقع على أذنيه، طالعهن بعينيان جاحظتان، ثم ظل يردد بحرج شديد: 
_ إيه دا، جه منين دا؟ 

أكدت هادية وجوده بين ثيابه، كاد بلال أن يهبط إلى والدته ليعلم سر ذاك القميص إلا أنه رآها أمامه، تنفس بعمق ثم أشار بيده على القميص متسائلاً عنه: 
_ هو ايه دا؟ جه وسط هدومي إزاي؟ 

وجهت شهيرة نظريها على ما يشير إليه بلال وتفاجئت بما رأته، شهقت بخجل شديد ثم اقتربت منهن وتناولت القميص من بين يدي هادية وقالت بتلعثم: 
_ دا بتاع هدى، أصل كنت بعين لها هدومها في الشنطة دي، متأخذنويش يا جماعة شكلنا نسيناه في الشنطة 

ربتت هادية على ذراعها وأردفت كلماتها لتزيل الحرج منها: 
_ ولا يهمك يا أم بلال، حصل خير 

انسحبت إيمان من بينهم فالأمر كان سخيفاً بالنسبة لها، استغل بلال فرصته وهرول خلفها، دلفت إلى المطبخ فتبعها هو. 

انتبهت عليه فلم تجرأ على رفع بصرها بعد الحادثة الاخيرة، كان يريد خلق حوارً معها فلم يصل إلى شيء بحد عينه فأردف بتلقائية: 
_ إيمان تعرفي البيبي بيجي إزاي؟ 

صدمة كبيرة حلت على وجه إيمان، فغرت فاها وهي تطالعه بعينين متسعتان، لا تصدق ما تفوهه للتو، لم تستطيع الوقوف أمامه لحظة وهربت سريعاً إلى والدتها، سحبت حقيبتها وهي تردد بإقتضاب:
_ يلا يا ماما عشان نمشي..

تعجبن الأخريات من طريقتها المفاجئة، فتدخلت السيدة شهيرة متسائلة باهتمام: 
_ مالك يا حبيبتي في حد ضايقك؟

طالعتها إيمان لبرهة ثم شعرت أنها بالغت في ردة فعلها أمامهن، حمحت لتضبط من نبرتها المشحونة بالغضب وقالت بنعومة:
_ لا لا، بس إحنا خلصنا وأنا معتش قادرة محتاجة أرتاح شوية 

ابتسمت لها شهيرة ثم ربتت على ذراعها وهي تهتف بمكر:
_ هانت يا حبيبتي كلها يومين وترتاحي خالص 

اكتفت إيمان ببسمة زائفة ثم التفت حيث تقف والدتها وأردفت وهي توحي إليها بالقبول من خلال نظراتها:
_ مش يلا يا ماما 

أماءت هادية وقالت وهي تأخذ حقيبتها: 
_ يلا يا حبيبتي، عن إذنك يا أم بلال 

تفاجئ بلال بخروج ثلاثتهن ومنظر إيمان لا يبشر بالخير، لعن سؤاله الساذج الذي أوقعه في ذلك الوضع، انتبه على حديث والدته حينما هتفت: 
_ وصلهم يا بلال وتعالى عشان عايزاك 

أومأ برأسه بينما غادرن الأخريات، اقترب بلال من يوسف ونظراته مشحونة بالغضب ثم هتف بعبوس: 
_مش عارف عقلي كان فين وأنا بسمع كلامك 

تعجب يوسف مما قاله وردد دون فهم: 
_ كلام إيه؟

مال بلال بقرب أذنه وهمس له:
_ البيبي بيجي إزاي يا يوسف!! 
أهي قلبت عليا، لو الجوازة باظت يبقى أنت السبب 

لم تكن كلماته هينة على يوسف، فلقد كان يسخر منه، وهو أخذ حديثه على محمل الجد، طالعة لبرهة غير مصدق أنه بالفعل قال ذلك، تحولت تقاسيمه من الذهول إلى السخرية مطلقاً ضحكاته دون توقف.

صاح من بين صحكاته بنبرة غير مفهومة: 
_ دا أنا كنت بتريق، مش متخيل إنك قولت كدا بجد 

عاد لضحكاته ثم جسى على ركبتيه فلم تعد قدميه تتحملانه من فرط الضحك، بينما رمقه بلال بغيظ شديد ثم أولاه ظهره وغادر ليلحق بهن. 

خرج يوسف من حالته على رنين هاتفه، بالكاد تحكم في نفسه وأجاب بنبرة مهزوزة:
_ إيه يا لينة؟

جائه نبرتها المتلعثمة في قولها:
_ النتيجة هتظهر النهاردة يا يوسف!

تجمدت تعابيره محاولاً تهدئة روعها:
_ طيب اهدي ومتخافيش كدا، إن شاء الله خير 

بخوف واضح في صوتها ارطفت برجاء:
_ ممكن تيجي.. 

استقام بجسده وتوجه ناحية الباب مجيباً إياها بهدوء: 
_ أنا جاي على طول 

أغلق باب الشقة ثم وضع المفتاح أسفل البساط الماثل أمام الباب وغادر عائداً إلى منزله. 

***

بعد مرور نصف ساعة قد وصل بلال إلى وجهته، ترجلت هادية أولاً وكادت أن تتبعها إيمان إلا أن بلال لحق بها وأمسك بيدها، التفتت إليه رامقة يده الملامسه ليدها، فسحب الآخر يده برفق واعتذر منها بحرج: 
_ أنا آسف.. 

طالعت المارة من أمامها وبفتور سألته: 
_ على إيه؟

حمحم بلال ليستعيد رونق حنجرته وأجاب بتردد يشوبه الخجل: 
_ على اللي أنا قولته هناك

صمت لثوانٍ قبل أن يواصل موضحاً: 
_ بصراحة كنت حابب افتح معاكي حوار، بغض النظر عن اللي قولته يعني بس أنتِ مش شايفة إننا مش بنقول أكتر من إزيك الله يسلمك، مفيش لينا أي حوار، ويمكن دا قالقني شوية لأن خلاص كلها يومين ويتقفل علينا باب، التعامل بينا هيكون صعب أوي لو استمرينا كدا..

انتظر منها إجابة تريح قلبه، لكنه صعق من ردها الجامد: 
_ خلاص نأجل الفرح على لما ناخد على بعض

ترجلت من السيارة وولجت لمنزلهم، لم يستطيع بلال الجلوس مكانه وهرول خلفها، لحق بها على درجات السلم التي تخطت نصفها لكنه أجبرها على التوقف بكلماته:
_ أنا مش عايز أأجل حاجة، دا أنا اللي مشيت كل حاجة بسرعة، أنا بس بقول يعني لو تدينا فرصة نتعرف على بعض أكتر ونقرب المسافات...

طالعته بغرابة فهي لم تفهم إلى ماذا يرمي، فسألته بتلقائية: 
_ يعني نعمل إيه؟

ابتلع بلال لعابه، ثم حرك قدميه واقترب منها قليلاً، فأثار الرعب في قلبها، تفاجئت به يتناول يدها ثم رفعها للأعلى بقرب فمه وقام بتقبيل كفها بحرارة.

طالعها ولازالت يدها أمام فمه ربما يستشف من نظراتها القبول أو الرفض، كانت عينيها تتلألأ فيهما الدموع، لم يدري إلى ماذا يشير هذا؟ 

ابتلعت ريقها وأخفضت رأسها في حياء ثم رددت بخفوت:
_ عن إذنك 

مرت بجواره ثم تابعت صعودها للأعلى حتى اختفت تماماً عن نظريه، كان متعجباً من ردها المبهم، فلم ترفضه وأيضاً لم يفهم لماذا تركته وغادرت دون تعقيب، حقاً سيجن عقله إن إستمرت علاقتهما على هذا المنوال.

لكن ما عليه سوء الصبر فإنه مفتاح الفرج، أخرج تنهيدة ثم عاد إلى سيارته ومنها إلى شقته لينهى الأعمال المتبقاه فيها. 

***

حل المساء، وكان الجميع في حالة يرثى لها، يسيطر عليهم القلق الشديد، تخفق قلوبهم بخوف خشية تلقي مالا يحمد عقباه. 

انتفضت من مكانها متأففة بنفاذ صبر: 
_ معتش قادرة استنى، هما بيعملوا فينا كل دا ليه؟ 

وقف يوسف بجوارها محاولاً تهدئة روعها بصوته الرخيم: 
_ يا لينة إهدى أن شاء الله هتظهر 

أوصدت عينيها بتعب ثم زفرت بعض الأنفاس المرهقة، صدح رنين هاتفها فأسرعت نحوه وإذا بها صديقتها شهد، أجابت دون تفكير:
_ الموقع فتح يا لينة، روحي شوفي النتيجة بسرعة 

أنهت لينة المكالمة على الفور وأعادت تسجيل دخولها إلى ذلك الموقع الإلكتروني، اتسعت عينيها بذهول حينما انتقلت الشاشة إلى أخرى، تسارعت نبضات قلبها بتوجس شديد. 

التقط يوسف الهاتف فجاءة فطالعته وعينيها مليئة بعلامات الاستفهام فقال هو بنبرة هادئة: 
_ لينة من الأول كدا ومن قبل ما نعرف النتيجة، مش هنزعل وهنرضى بأي درجة لأنه كله خير لينا، تمام؟

أماءت برأسها فأعاد لها الهاتف وقامت بتفحص نتيجتها، والجميع يقف أمامها في انتظار ما ستخبرهم به، أعصابهم تلفت من الإنتظار لكن ما باليد حيلة. 

رفعت لينة عينيها ومررتها على الجميع ثم هتفت: 
_ ٩٦ ونص...

وضعت كلتى يديها على فمها بعدم تصديق فارتفعت زغاريد السيدة ميمي بينما صاح يوسف وزياد مهللين بفرحة عارمة، عمت السعادة المنزل بتلك المناسبة. 

مطت ميمي ذراعيها مشيرة إليها بالقدوم، فلم تنتظر لينة وهرولت إليها حتى تلقت عناقاً حاراً، قبلت السيدة ميمي رأسها مرددة بسعادة ظاهرة:
_ ألف مبروك يا روح قلبي 

"الله يبارك فيكي يا ماما"
قالتها لينة والسعادة تغمر نبرتها، بينما تدخل يوسف قائلاً: 
_ مين اللي هيلبس بسرعة عشان ينزل يختار هديته بنفسه؟

فغرت لينة فاها بذهول وطالعته بعينين واسعتان ثم قالت بعدم تصديق: 
_ بتهزر صح؟!

غمز إليها بمرح وأكد على حديثه بمشاكسه وهو يطالع ساعة يده: 
_ قدامك عشر دقايق وفات منهم دقيقة أهو..

ركضت لينة باتجاه غرفتها فهتف زياد مباركاً لها:
_ مبروك يا توتر 

لم تكترث لتعقيبه الساخر وأجابته من بين ضحكاتها:
_ الله يبارك فيك يا زيزو 

اختفت لينة خلف باب غرفتها فبادرت ميمي في إبداء رفضها:
_ نزول إيه بس يا يوسف الوقتي، إحنا متأخر استنى للصبح، الناس تقول إيه 

استاء يوسف من كلماتها وهلل بعدم إعجاب لنظرتها لاقاويل الآخرين:
_ ناس مين يا أمي؟ الناس كلامها تحت رجلي، سيبك أنتِ منهم، تيجي معانا؟ 

هزت رأسها رافضة وقالت:
_ لا أنا مش قادرة، المهم متتأخروش

خرجت الأخرى هاتفة بحماس طفولي:
_ خلصت قبل العشر دقايق ما يخلصوا 

طالعها يوسف بحب ثم قال: 
_ يلا بينا

التفت لأخيه ووجه حديثه إليه: 
_ تيجي معانا؟

هرب زياد بعينيه فاستشف يوسف ما يوجد خلفه وردد: 
_ هعديهالك النهاردة بمزاجي، بس بعد كدا في حساب على التاخير والشغل... والجيش 

غمز إليه وتركه وغادر برفقة لينة بينما تأفف زياد فهو علم جيد بقرارات يوسف الحاسمة إن عزم على فعلها، لم يعطي الأمر أكبر من حجمه ثم خرج من المنزل أيضاً ليحظى بسهرة مع أصدقائه.

***

لم تعد تتحمل ذلك النواح الذي لم يتوقف قط منذ ساعات، فصاحت بها متذمرة: 
_ يابنتي ما تفهميني إيه اللي حصل يخليكي تعيطي كدا من وقت ماجيتي؟ 

حاولت كبح غضبها بقدر المستطاع، لكي لا تزيد همها، أخرجت نفساً عميق واقتربت منها، جلست مقابلها على الفراش وبنبرة حنونة سألتها: 
_ بلال عملك حاجة؟

رمقتها إيمان بنظرات نادمة ثم إزداد نحيبها، فخفق قلب هادية بذعر وانتفضت من مكانها وهي تتمتم: 
_ لا أنا هكلمه وأعرف منه عمل إيه يخليكي في الحالة دي 

هرولت إيمان خلفها مجبرة إياها على التوقف:
_ لا لا متكلمهوش، هو معملش حاجة 

نفخت هادية بنفاذ صبر وسألتها بجدية:
_ أيوة أومال بتعيطي ليه لما هو معملش حاجة؟

أولاتها إيمان ظهرها ثم اعتلت طرف الفراش وأخفضت بصرها ثم بدأت تصرح بما يكمن في جوفها: 
_ عشان هو كل يوم بيثبتلي إنه كويس، وبيحاول يرضيني بكل حاجة، كل حاجة في الشقة آخر موديل نزل وتمنها غالي جداً، حاجات عمري ما كنت أحلم بيها، بس كل دا مش مفرحني كل دا بيخلي ضميري يأنبني أكتر، لأني ولا مرة حسيت إني مشدود له أو حتى فيه أمل إني أحبه، أنا لو كملت هظلمه أوي، مش هعرف أتعامل معاه، مش هعرف أقوم بواجباتي وأنا قولتلك الكلام دا في الأول وأنتِ قولتي سبيها تمشي وأديها مشت يا ماما وأنا لسه مشاعري زي ماهي، تقدري تقوليلي هعمل معاه إيه كمان يومين؟ 
هسمح له يقرب لي إزاي وأنا مش حساه؟ 
لو رفضت يمكن يشك فيا! 
ولو قبلت مش هقدر والله ما هقدر 
نفسي حد يحس بيا أوي 

وضعت كلتى يديها أمام وجهها وانفجرت باكية، تشعر بقلة حيلتها، وكأن يديها مقيدتان بحبال من حديد لا تنفك أبداً.

شعرت بذراع والدتها الذي حاوط ظهرها، ضمتها إليها وحاولت التخفيف من عليها: 
_ تعرفي لو مكنتش شيفاه قدامي كويس، كنت أنا أول واحدة قولت لأ من الأول، بس الواد طيب وحنين وبيتمنى لك الرضا ترضي، ومش بيهمه  صرف إيه طلاما عاجبك، والله العظيم أنا مستخسرة أننا نخسره لأن معتش حد بالمواصفات دي في الزمن دا
وبعدين مش لازم تقبلي وهو هيتفهم دا كويس، انتوا متعرفوش بعض فطبيعي أنك ترفضي
بلال واعي وناضج وهيفهمك
وياما فيه ناس كتير اتجوزت من غير حب وبعد الجواز والعشرة جه ويمكن أحسن وأصدق كمان
بس أنتِ إدي لنفسك فرصة معاه ومش لازم رفض طول الوقت لأن كدا عمره ما هيحصل لا قرب ولا حب ولا حاجة خالص. 

رفعت هادية رأس إيمان واسترسلت: 
_ اسمعي مني وأنتِ الكسبانة في الآخر، وقومي يلا اغسلي وشك ونامي لك شوية، بقا دا منظر عروسة كمان يومين؟ 

ابتسمت لها هادية ثم قبلتها من أنفها وخرجت من الغرفة، فنهضت الأخرى بعدما شعرت ببعض الراحة من وراء كلمات والدتها وذهبت إلى المرحاض لتغسل وجهها بالماء البارد لكي تخفف من حرارتها المنبعثة به.

***
بحثت بعينيها سريعاً على السيارة فلم تجدها، فتسائلت بفضول:
_ هي عربيتك فين؟

أجابها بتلقائية: 
_ لسه عند الميكانيكي، إحنا قدامنا حلين، نمشي أو نطلب عربية 

صاحت لينة مهللة: 
_ أنت لسه هتسأل، نمشي طبعاً

أومأ لها بقبول ثم سألها مستفسراً: 
_ طيب قوليلي عايزة هديتك إيه عشان نعرف هنمشي إزاي 

عضت لينة على شفتاها السفلى وطالعت السماء وهي تفكر في شيء يمكنه شرائه من أجلها، وبعد تفكير طال لدقائق عادت بأنظارها عليه ورددت بحيرة: 
_ بص مفيش حاجة معينة في دماغي، بس أنا عايزاها تكون حاجة مميزة منك لما أشوفها أفتكرتك على طول وبرده تنفعني كـبنت فاهمني؟ 

طالعها يوسف بأعين ضائقة ينشط عقله بالتفكير فيما يهديها إياه، أنارت تلك الفكرة عقله فأردف بحماس: 
_ ممم عرفت إيه هي

سألته بفضول أنثوي: 
_ إيه؟

غمز إليها ولم يريد إخبارها ليثير جدلها قليلاً وردد: 
_ هتعرفي لما نجيبها..

رأيكم ♥️

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent