Ads by Google X

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل السادس عشر 16 - بقلم فاطمه طه

الصفحة الرئيسية

     

 رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل السادس عشر 16 - بقلم فاطمه طه

الألم هو معلم الحياة، والخسارة هي أساس الحكمة.
“رالف والدو إمرسون”
‏مهمَا تعثرت مازالت الحياة تُقدم فُرص ومهما أخذت مِنك الحياة فهِي كُل يوم تُعطيك أملاً جدِيداً ومهمَا خسِرِت وفشلِت وحَزنت وتعثرت،لا تيأس…
#مقتبسة
“يصل بنا الشرود دائماً، إلى الوجوه التي تعجز أيادينا عن لمسها .”
#مقتبسة
______________
-أنتَ أول مرة لما جيتوا تطلبوا إيدي مكنتش موجود، وجيت في نص القعدة، وأنا حاسة أنك مكنتش عايز تتقدملي أو في حاجة حصلت مش مفهومة…
حاول نضال أن ينفي الأمر مغمغمًا:
-أنتِ بتقولي إيه؟!..
هي تتذكر جيدًا تلميحات زهران يوم قراءة الفاتحة الواضحة وهي ليست حمقاء أبدًا بل منذ عدة أيام تفكر في الأمر، ونظراته إلى والدتها، حتى كلماته كانت واضحة وضوح الشمس وهي تعلم زهران جيدًا، لذلك أردفت بعدما فكت ذراعيها:

-بقول اللي سمعته يا نضال متهايقلي في حاجة غريبة حصلت بس مش قادرة اوضحها بس عم زهران كان جاي يطلب إيد امي مكنش جاي علشاني أنا وأنتَ.
أخذ دقيقة يحاول أن يستوعب ما يحدث….
ثم ضحك نضال رغمًا عنه..
ادهشته حقًا…
لكن ضحكاته بالنسبة لها شعرت بأنها سخرية، فـ سألها نضال بجدية بعدما حاول التوقف عن ضحكاته:
-وعرفتي كل ده منين بقا؟!، على حسب ما افتكر أنا لما جيت مكنتيش قاعدة ولغايت ما مشينا مكنتيش قاعدة برضو…


نظرت لها سلمى بانزعاج جلى ثم هتفت موضحة تلك النقطة:
-اعتقد يعني مش صعب عليا أسال جهاد وأعرف إيه اللي حصل ساعتها وهي لما بتصدق دي أول نقطة وبعدين مكنش صعب عليا استنتج الباقي، المهم أن كلامي صح..
تمتم نضال بهدوء عجيب ولا يظهر في حديثه أي توتر قط:
-والله استنتاج يحترم بس للأسف شغلتي دماغك زيادة عن اللزوم؛ اسمحيلي أقولك أن خيالك واسع أوي لأن اللي بتقوليه ده مجرد وهم في دماغك وبس.
لم تقبل سلمى كلماته لذلك غمغمت بنبرة جادة:
-أنا مش بقول أوهام، أنا بقول الشيء الواضح وبعدين طريقة عم زهران كانت واضحة أوي يوم قراءة الفاتحة ودي حاجة مش محتاجة ذكاء يعني.

كانت محقه ولكنه استمر في نفيه لما تقوله مغمغمًا فهو يعلم بأن ذكاء المرأة هو شيء متعبًا في بعض الأحيان:


-بابا متعود يكلم أي واحدة معدية قدامه حلو، وبعدين طنط يسرا كانت قدامه من سنين طويلة من واحنا عيال صغيرين لو كان عايز يتجوزها كان اتقدملها من زمان مش هيجي دلوقتي ويعملها، بلاش تحليلات غريبة وفي يوم زي ده.
قلب الطاولة عليها وهو يتحدث ناظرًا لها بدهشة:
-أنا بصراحة مش فاهم أنتِ عماله تدوري في إيه؟! وعماله تلفي وتدوري على حاجة مش محتاجة كل ده أصلا إيه المشكلة إني اتقدمت ليكي؟! إيه الصعب في ده؟!!!!!!!!!…..
هو رجل ويستطيع قلب الطاولة لكنها عنيدة وسليطة اللسان، والجراءة تتخذها عنوان وهي تخبره:


-يمكن صعبة علشان من فترة قريبة جدًا الناس كلها كانت عارفة أنك هتخطب بنت عمك.
نظر لها مدهوشًا حقًا…
تلك الفتاة غريبة ومريبة جدًا…
يبدو أنه يتعرف عليها للتو…
عقب نضال وهو يحاول الحديث بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-اعتقد أننا جينا يوم قراءة الفاتحة ومن قبلها شوفتك عند بيت دياب قدام شقة بهية واتكلمنا مع بعض، وخلال الأسبوعين اللي فاتو ليه مجتيش تقولي كل تحليلاتك العظيمة دي يوم تاني، بدل ما تأجليها لليوم اللي المفروض أحنا نازلين نجيب فيه الشبكة؟!.

تمتمت سلمى بنبرة واضحة وهي تتجاهل هذا كله:
-تنكر؟!..
صدقًا هي على وشك أن تجعل صبره ينفد..
هو غاضبًا بما يكفي أساسًا…
يشعر وكأنها تحاسبه أو كانت في حياته قديمًا لتلك الأسئلة كلها..
هتف نضال بنبرة جادة حتى ينهي هذا الأمر:
-سلمي، اسمعيني كويس أنا مش بنكر حاجة ولا بقول حاجة بس أسئلتك غريبة وخصوصًا أنها تتقال في يوم زي ده، بس هجاوبك برضو، سامية بنت عمي، واه كنت عايز اتجوزها من سنين…
ابتلع ريقه ثم غمغم بوضوح وشفافية:
-لكن خلاص مبقناش ننفع بعض، هي دلوقتي بنت عمي وأخت ليا لا أكتر ولا أقل، ومكنش له لزوم أبدًا نتكلم في مواضيع زي دي النهاردة كان عندك وقت لده، وأنا اتقدمت ليكي وحابب أننا نتعرف على بعض أكتر، لو أنتِ عندك مشكلة أو اعتراض حابة تقوليه اتفضلي أنا سامعك.
صدمها بكلماته، حتى طريقته بأنه يحاسبها على اختيار الوقت، كانت طوال حديثه عن سامية تحديدًا ترغب في أن تشعر بتوتره أو ضيقه أو أي شيء تستطيع أن تتحدث فيه لكن حديثه كان بَيِّن…..

جاءت من الداخل يسرا مبتسمة:
-ازيك يا نضال يا ابني عامل إيه؟!.
رد عليها نضال مبادلًا أياها البسمة متمتمًا:
-الحمدلله بخير، حضرتك عاملة إيه دلوقتي؟!.
عقبت يسرا على حديثه بنبرة حنونة:
-الحمدلله بخير..
ثم أسترسلت موجهه حديثها إلى ابنتها:
-وبعدين موقفاه برا كده ليه؟! وواقفين على الباب مدخلتهوش ليه؟!.
قال نضال ببساطة:
-هي عرضت عليا بس أنا مرضتش…
نظرت له سلمى بغيظٍ ثم وجدته يستكمل حديثه:
-لو خلاص جاهزين يلا ننزل زمان جهاد وسلامة قربوا يوصلوا أو وصلوا أساسًا.
بعد مرور نصف ساعة….

كان نضال يفتح باب المتجر
“مـجـوهـرات شعبان”
فتح نضال الباب حتى تدخل سلمى ووالدتها، وما أن ولجوا كان زهران يجلس على المقعد مع شعبان وأمامه قهوته هاتفًا:
-اتأخرتوا ليه كده يا ولاد؟!.
عقب نضال رغمًا عنه:
-أنتَ بتعمل إيه هنا يا بابا؟!.
ثم تعجب وهو ينظر على ملابسه ويتفحصه باستغراب، فنهض زهران هاتفًا بنبرة جادة:
-هو ينفع برضو مجيش يوم شراء شبكة ابني البكري وحبيب قلبي..


في ذات الوقت ولجت جهاد وسلامة من الباب ومعهما انتصار التي ألقت التحية على الجميع وتحدثت جهاد بنبرة مرحة:
-بس إيه الشياكة دي يا عمو زهران؟!.
تمتم زهران بهدوء وغرور لا يليق إلا به:
-أقل حاجة عندي يا جهاد والله، وبعدين أنا بموت في اللون الأسود؛ الواد نضال طالع ليا بيحب اللون الأسود زيي حتى أول ما شاف أنا لابس إيه راح لبس أسود زيي مفيش فائدة فيه..

كاد نضال أن يتحدث تحت ضحكات الجميع سوى سلمى التي كانت صامتة تمامًا وأنقذ زهران الأمر وهو يوجه حديثه إلى شعبان:


-عايزك بقا تجيب لينا كل الجديد اللي عندك لعروستنا وتفرجها على كل حاجة عندك.
تمتم شعبان بنبرة هادئة وابتسامة مرسومة على ثغره:
-عيوني ألف مبروك وربنا يتمم بخير…
بعد مرور بضعة دقائق..
كانت تقف سلمى وسط والدتها وشقيقتها تشاهد الأشكال المختلفة من الأساور، الخواتم، والكثير من المشغولات الذهبية…
هتفت سلمى باختصار:
-أنا عايزة دبلة مسح مربعة وخلاص ومحبس فوقيها يكون مربع برضو.
قال الشاب:
-دقيقة وهجيب ليكي مقاس إيدك من جوا.
وبعد رحيله جاء زهران ووقف بجوارهم مغمغمًا:
-اختاري حاجات تاني، احنا مش هنجيب دبلة ومحبس بس طبعا، اختاري اللي أنتِ عايزاه، اختاري ليكي كام غويشهة حلوين كده، ولا الحاجات اللي اللي طالعة جديد كده..

تمتمت سلمى بتردد شديد:
-ملهوش لازمة، كفاية الدبلة والمحبس.
هتف زهران برفض تام:
-هو إيه اللي كفايا؟! لا اختاري حاجات تاني شوفي نفسك في إيه بس وشاوري عليه وأنا هاخد البت جهاد في طقم عاجبني ليها تعالى يا جهاد اوريهولك لو عجبك تمام معجبكيش تشوفي غيره دي بقا هدية عمك زهران علشان الفرح.
قالت جهاد بامتنان وحرج كبير:
-ملهوش لازمة يا عمو والله كفايا أوي….
قاطعها زهران بحنان حقيقي:
-ملهوش لازمة إيه، أنتِ بنتي وبكرا تكوني أم احفادي ان شاء الله وتكبريني اوعي تعملي زي أختك…
بينما كان هذا يحدث كان نضال وسلامة يقفا بجوار بعضهما..
تمتم نضال بنبرة منخفضة:
-قولت لأبوك ميقعدش يكلم الست ويبطل يعمل حركاته الغريبة دي؟!.
رد سلامة عليه بخفوت:

-أيوة لما طلعنا برا قولتله وهو قال ماشي أحمد ربنا لو مكنتش قولتله كان زمانه جايب الدبلة وبيحطها في صوباعها.
تمتمت يسرا بنبرة عالية بعض الشيء و ودٍ:
-تعالى يا حجة انتصار اختاري معاها وبصي على الدبلة شوفيها في ايديها..
نهضت انتصار واقتربت منهم ثم نظرت على يد سلمى هاتفة بنبرة هادئة:
-حلوة جدا ما شاء الله..
اقترب منهما نضال رغم أنه لم يدعوه أحد ونظر على أصابعها النحيلة مغمغمًا بجدية وعفوية في الوقت ذاته:
-حلوة في إيدك يا سلمى.
كانت جملته هو مختلفة جدًا..
أو بمعنى أصح كان أثرها مختلفًا…
بعد دقيقة تقريبًا أردف زهران بنبرة عالية:
-أنا ورايا مشوار كده فأنا مضطر أمشي، كلكم بقا اختاروا مع عروستنا اللي هي عايزاه ونضال وسلامة معاكم، يلا مع السلامة.
قال الجميع في نفس واحد تقريبًا.
“مع السلامة”.

خرج زهران من المتجر وكان يتبعه سلامة الذي هتف باستغراب:
-إيه يا بابا أنتَ زعلت وماشي ولا إيه؟!..
غمغم زهران نافيًا وساخرًا:
-زعلت إيه يا أهبل، أنا اصلا كده كده كُنت ماشي ورايا مشوار هو أنتم هتخوفوني لو عايز أقعد كنت قعدت وعملت اللي أنا عايزه.
سأله سلامة بدهشة وفضول:
-مشوار إيه ده ورايح فين؟!.
رد زهران عليه بنبرة جادة:
– هخرج مع صاحب عمري..
هتف سلامة بعدم فهم وهو يطالعه:
-مين صاحب عمرك ده؟! اللي ملهوش اسم ومنعرفهوش ده..
صاح زهران مستنكرًا قبل أن يرحل بشموخ وعزة نفس:
-وأنتَ مالك؟! واحد أنتم متعرفهوش هو أنا عيل صغير يعني؟!، ما أنتم رايحين جايين ولما أسألكم رايحين فين بتزعلوا، وبعدين أنا ماشي رايح للي يقدرني ويفهمني بدل عيالي اللي بيقولولي أحاسب على كلامي مع السلامة قول للبيه أخوك أني مش هنسي قلة ادبكم دي، وكنت أصيل معاكم ومعملتش حاجة جوا.

_____________
في اليوم التالي…
هبط جزاد من الغرفة الخاصة به من أجل أن يذهب إلى المستشفى، تأخر اليوم في الذهاب عن كل يومٍ بسبب عودته فجرًا من المستشفى بسبب أحدى العمليات التي كانت تتواجد لديه في وقتٍ متأخر.
تحدث جواد ملقيًا التحية الصباحية رغم أن الساعة تجاوزت الواحد بعد الظهر:
-صباح الخير..
لم ترد عليه نسمة التي كانت جالسة وعاقدة ساعديها بضيقٍ، لكن ردت عليه منيرة التي تأتي من المطبخ وهي تحمل أطباق الطعام وخلفها فتاة تحمل هي الأخرى الأطباق.
-صباح النور يا ابني أو مساء الظهر أذن من بدري.
أقترب جواد من نسمة تاركًا قُبلة فوق رأسها هاتفًا بحنان بالغ وهو ينظر لها مبتسمًا:
-مالك يا نسمة ساكتة ليه كده؟! شكلك مضايقة في حد زعلك أو ضايقك؟!
ردت عليه نسمة وهي تخبره سبب انزعاجها دون مرواغة:
-كنت بكلم هايدي وعرفت أن رجلها اتكسرت وأنا عايزة أروح اشوفها، وديني أشوفها.

تمتم جواد بتردد:
-طب نخليها يوم تاني أفضل.
قالت نسمة بجدية وعفوية وهي تتحدث بكلمات متقطعة:
-لا أنا عايزة أروح أشوفها النهاردة، هي كل يوم بتيجي تسأل عليا فلازم أنا كمان أروح اسأل عليها.
بعد إصرار طويل…
بعدما تناول جواد قهوته قرر أن يأخذها هي ومنيرة لزيارة هايدي في منزلها الذي لا يبتعد كثيرًا عن الفيلا التي يقطنا بها….
لم يكن لديه مواعيد…
فـ وجد نفسه ينفذ رغبة شقيقته التي كانت حزينة بشكل كبير من أجل هايدي، كل يوم يمر يكتشف بالفعل أن شقيقته متعلقة بها إلى حدٍ كبير…
دخل جزاد من البوابة الخارجية بسيارته ثم توقف أمام باب الفيلا الداخلي ليهبط من السيارة وساعد شقيقته في الهبوط، كما هبطت منيرة…
فتح البوابة رجل في الستينات من عمره، ولم يكن سوى فريد والد هايدي، وصديق قديم لوالده.
ثم هبط الثلاث درجات وأصبح عنده، فهو خرج لاستقباله بعدما أخبره الأمن في الخارج بدخوله..
صافحه جواد واحتضنه مبتسمًا وما أن ابتعد عنه هتف فريد وهو يعاتبه:
-إيه يا جواد لازم يحصل لحد فينا حاجة علشان نشوفك يعني؟!..

رد جواد عليه بنبرة هادئة:
-لا بعد الشر عليكم طبعًا، وألف سلامة على هايدي يارب تكون كويسة..
غمغم فريد بهدوء:
-الحمدلله كويسة، الله يسلمك..
ثم وجه حديثه إلى نسمة وهو يقترب منها واضعًا قُبلة على رأسها بحنان أبوي هاتفًا:
-ازيك يا نسمة يا حبيبتي عاملة إيه يا بنتي؟!
ردت عليه نسمة مبتسمة:
-الحمدلله.
ثم سرعان ما سألته بلهفة:
-هي هايدي فين؟!..
جاءهم صوت حماسي من الدرجة الأولى ولم يكن سوى صوت هايدي التي خرجت من المنزل:
-أنا أهو….
كانت هايدي تسير على عكازها لتركض نسمة إليها فاحتضنتها هايدي بحب كبير وقبلت وجنتيها متمتمة بجدية:

-على فكرة أنا كنت بفكر أجيلك أصلا عادي.
تمتم فريد بنبرة هادئة ومُرحبة:
-طب يلا ندخل كلنا جوا ونتغدى مع بعض.
هتف جواد رافضًا بحرج:
-مش هينفع للأسف رايح المستشفى مرة تانية ويدوبك أوصل نسمة البيت وامشي.
قال فريد بعتاب واضح وهو يناظره بانزعاج:
-يعني معقول تيجي لغايت هنا وتمشي؟! مينفعش طبعا لازم تدخل…
تمتم جواد بنبرة جادة وحرج واضح:
-لو كان ينفع كنت قعدت…
ثم وجه حديثه إلى هايدي بنبرة هادئة:
-ألف سلامة عليكي يا هايدي، وياريت ترتاحي أول كام يوم متحاوليش تدوسي على رجلك بالشكل ده في أول خمسة عشر يوم..
قال فريد بجدية وهو يوبخ ابنته:
-قولها يا جواد عماله تدوس عليها وطالعه نازلة على السلم ولا كأن رجلها متجبسة.

هتفت هايدي بحرج موضحة الأمر:
-مش واخدة إني افضل قاعدة كده.
قاطع جواد هذا كله متمتمًا:
-يلا يا نسمة؟! مش شوفتي هايدي واطمنتي عليها يلا اروحك بقا.
تمتمت هايدي برفض:
-سيب نسمة تتغدى معايا وتقعد معايا شوية، لو أنتَ وراك شغل هي مش لازم تمشي هي وطنط منيرة يقعدوا معايا.
تحدث فريد بجدية مقدرًا حالة نسمة وخوف جواد الواضح ولأنه كان يعلم خوف عز الدين أيضًا على ابنته:
-متقلقش أنا هوصلهم بنفسي للبيت سيب البنات مع بعض.
سأل جواد نسمة بطريقة مباشرة هو يعلم بأنها إذا كانت ترغب في العودة سوف تخبره ولن تتردد:
-أنتِ عايزة تقعدي؟!
قالت نسمة بنبرة هادئة:
-ايوة عايزة اقعد مع هايدي ممكن؟!.
تنهد جواد ثم أردف بهدوء:

-ماشي براحتك وعموما أنا النهاردة مش هتأخر هبقى اعدي عليهم اخدكم لو فضلتوا لغايت ما أخلص.
كانت تلك الكلمات أخر ما قاله جواد قبل أن يُلقي عليهم التحية ويودع فريد ثم رحل….
بعد مرور ساعة تقريبًا….
كان فريد يقف في المطبخ مع زوجته “والدة هايدي” وهي تصنع الغداء وتساعدها العاملة الأجنبية، أما هايدي ومنيرة ونسمة كانوا بالخارج.
تحدثت والدة هايدي مبتسمة:
-مش جواد طلق رانيا..
تمتم فريد بهدوء وهو يجلس على الطاولة التي تتوسط المطبخ ويتناول قهوته:
-اه عرفت، وكان شيء متوقع يعني هما مكنوش ينفعوا بعض من البداية وكل سنة كانت بتعدي المشاكل بينهم بتزيد أكتر ربنا يعوضه جواد يستاهل حد كويس.
ضحكت والدة هايدي هاتفة بهدوء:
-هايدي طبعا…
توقف فريد عن شُرب قهوته متمتمًا بعدم فهم:
-أنتِ بتقولي إيه؟!.

توقفت زوجته هي الأخرى عن تقطيع الخضروات متمتمة:
-بقول إيه يعني يا فريد؟+ يعني أنتَ مش ملاحظ اهتمام هايدي بيه، بعيدًا عن نسمة، وبعدين خلاص هو بقى مطلق وبصراحة جواد حد كويس..
سألها فريد بوضوح:
-بنتك قالت ليكي حاجة؟!.
تحدثت زوجته بنبرة جادة:
-لا طبعا مقالتش حاجة بس أنا بحس بيها، وبعدين مالك مضايق كده ليه يعني أول ما قولتلك؟!!..
رفض فريد الأمر متمتمًا:
-علشان مينفعش اللي بتقوليه ده، وبعدين بنتنا لسه صغيرة ومتجوزتش قبل كده، والفرق بينها وبين جواد كبير، أنتِ متهايقلك بس…
-مش كبير ولا حاجة، جواد حد كويس وأنا بحبه لله في لله واتظلم في جوازته ولو حصل اللي في بالي أنا هكون سعيدة جدًا…
تغيرت ملامح وجه فريد من حديثه زوجته متحدثًا بانزعاج:
-متتكلميش في الموضوع ده تاني أحسن علشان متخلنيش اضايق، واخلي بنتك متشوفش نسمة خالص، دي تخيلات في دماغك وبس أكيد مفيش حاجة.
قالت زوجته مسرعة:
-أحنا بنتكلم مع بعض ومفيش حاجة ما بينهم أكيد، لو في بنتي مش هتخبي عليا أنا بس بقولك اللي حاساه يا فريد وبتكلم معاك.

-لا متحسيش أحسن.
________________
تنهيدة طويلة خرجت منها وهي تقلب في حسابه للمرة التي لا تعرف عددها…
لكنها لا تجد أي شيء….
يجب عليها فعل شيء، تحاول أن تفكر في أي شيء قد يمكنها من معرفة سبب اختفائه الغريب والذي طال عن أي مرة، تحديدًا في تلك المرة الأهم بالنسبة لها….
شهقت سامية حينما خطر في عقلها شيئًا ما وهي تتذكر بأنها تحدثت مع شقيقته عبر الصفحة الخاصة بعملها، حينما أرسلت لها شكر خاص وبعض الصور من أجل أن تستخدمهم في الدعايا على صفحتها…
كيف نست هذا الأمر؟!!!
كم أنتِ حمقاء يا سامية!!
هكذا خاطبت نفسها بعدما ذهبت إلى الرسائل الخاصة بالصفحة وأخذت تبحث عنها بسرعة من أمرها، وما إن وجدتها حتى ضغطت لترى حسابها على الفور…
لحسن الحظ كانت شقيقته لديها بعض المرونة فأنت تستطيع معرفة بعض التفاصيل عنها رغم أنها ليست صديقه عندها…
بمجرد أن رأت أول منشور قابلته كانت صورة تجمع ياسمين شقيقة حمزة مع والدتها وتركت تعليقًا فوقها.

“أكتر من أسبوع عدى عليا يا حبيبتي وأنا لسه مش مصدقة أنك مبقتيش معايا، ربنا يرحمك يا قلبي ويصبر قلبي على فراقك”..
شعرت سامية بالذهول الشديد..
حتى أنها فتحت التعليقات لتجد الجميع يدعو إلى والدتها بالرحمة….
لقد توفيت والدته!!
لذلك اختفى……
وهي من ظنت به سوءًا….
تألمت من أجله ومن دون تفكير أغلقت التطبيق ثم توجهت إلى جهات الاتصال تبحث عنه وتقوم بالاتصال به بلا وعي ضغطت على اسمه…
لكن ما حصلت عليه هو أن هاتفه كان مغلقًا.
-وأنتِ اللي شكيتي فيه….
كانت تعاتب نفسها بصوتٍ مسموع غير مدركة بأن والدتها أتت من المطبخ هاتفة باستغراب:
-مين ده اللي شكيتي فيه؟!
أردفت سامية بانزعاج جلي:
-شكيت في حمزة بسببك أنتِ وعمي والواد أمه ماتت علشان كده اختفى ومتصلش، علشان أنا منحوسة وفقر حصل كل ده علشان جاي يخطبني..

سألتها انتصار وهي تجلس على المقعد باستغراب:
-وأنتِ عرفتي منين هو كلمك؟!!.
قالت سامية بقلق شديد عليه:
-هكون عرفت منين يعني من اكونت اخته على الفيس كاتبة ان امها ماتت، ياريته كلمني، اختفائه ده قالقني أصلا، هتلاقيه مصدوم..
تفهمت انتصار الأمر ثم تحدثت بنبرة منطقية:
-ربنا يرحمها ويقويهم أهم حاجة متقعديش تكلميه ولا تعملي حاجة سبيه يعدي من اللي هو فيه ولو عايزك أكيد هيفوق وهيكلم عمك لما تعدي فترة مناسبة أدينا عرفنا إيه اللي خلاه ميتصلش.
صمتت سامية وتصنعت بأنها توافق حديثها…
لكنها تفكر في شيء تفعله، هل تذهب إلى مكان عمله؟!!
لعلها تتمكن من الوصول له..
نهضت سامية ثم توجهت صوب غرفتها تحاول التفكير فيما تفعل، يجب عليها الوقوف بجانبه في موقف هكذا….
تتمنى أن يكون بخير….
__________

بعد مرور عدة أيام…
أتى يوم الخطبة…
في منزل زهران..
كان نضال يرتدي سترة بدلته السوداء وأسفلها القميص الأبيض والبنطال الأسود، ويرتدي ساعته الفضية…
خرج من الغرفة ليجد سلامة وزهران جالسين على الأريكة، والأول خرطوم الأرجيلة في فمه لا يرغب في تركها حتى أخر لحظة.
كان سلامة يرتدي بدلة من اللون الكحلي مع قميص أبيض، بينما زهران يرتدي بدلة سوداء وقميص أسود أيضًا وكان رده على سلامة حينما سأله لما لم يرتدي القميص الأبيض الذي قام بشرائه معه أخبره بأنه لا يرغب بأن يكون مشابهًا لملابس نضال حتى لا يقوم بالتغطية عليه وتذهب الانظار إليه تحديدًا لأن الجميع أعجب باللون الأسود عليه.
هبطت دمعة من عين زهران هاتفًا بنبرة متأثرة:
-أخيرًا شوفتك عريس يا نضال يا ابني.
تمتم سلامة باستغراب وهو يوجه حديثه إلى والده:
-إيه التأثر الغريب ده والدموع دي؟! ده أنتَ معيطش يوم خطوبتي..
هتف زهران بنبرة خافتة هو يلكزه في كتفه:

-يا غبي بحاول ألهيه..
كان رد سلامة عليه بسيطًا:
-إذا كان كده ماشي.
تحدث نضال مستنكرًا وهو يعقد ساعديه:
-أنا سامعكم على فكرة..
أردف زهران بإعجاب واضح:
-سيبك من ده كله شكلك زي القمر ده يا بختها سلمى بيك والله.
تمتم نضال ساخرًا من حاله:
-والله هي خطوبة مش مفهومة العروسة فهمت أنك كنت رايح تتجوز أمها، وأنا مدبس واحنا مش عارفين احنا مكملين ليه أساسًا جوازة غريبة وخطوبة أعجب.
قال زهران بمزاج رائق كعادته:
-ده مفيش أحسن من الحاجات الغريبة دي بتكون في حتة تانية يا غبي، وبعدين طول ما الحاجة متيسرة يبقى متقلقش وهي جوازتكم متيسرة الحمدلله.
صمت نضال لأنه لم يعد هناك وقت للحديث أو حتى الاعتراض، المزعج بأنه ليس غاضبًا…
لكنه لا يمتلك شعور رجل ذاهب لخطبة فتاة.

هو لا يشعر بأي شيء هو مشوش إلى حدٍ كبير.
تحدث نضال بتحذير واضح:
-ياريت بلاش حركات غريبة منك يا بابا تحرجني مع سلمى أكتر وأبعد عن طنط يسرا خالص..
رد زهران عليه بنبرة هادئة:
-أنا يا ابني؟! من امته أنا بعمل حاجة بس…
على الجانب الأخر..
في بناية أخرى من شارع خطاب كانت تجلس سلمى على المقعد وتضع جهاد بعض اللمسات على وجهها مما جعل سلمى تهتف غاضبة:
-عارفة لو طلعت من تحت ايدك زي البلايتشو ومحطتيش حاجة خفيفة زي ما قولتلك مش هيحصل كويس..
أردفت جهاد بثقة:
-والله بعملك حاجة عظمة..
تمتمت سلمى بقلقٍ:
-خليني طيب أبص في المرايا أتأكد أن الدنيا تمام علشان أنا قلقانة منك مش عايزة حاجة تبان أوفر ولا كتير، حاجات بسيطة جدا جدا كأني مش حاطة..
هتفت جهاد وهي تحاول بث الطمأنينة فيها:

-هو ده اللي بعمله والله سبيني أكمل بقا أحنا متأخرين أصلا وبعدين مش هتشوفي في المرايا إلا لما أخلص خالص.
صاحت سلمى مستنكرة وبغضبٍ:
-فاكرة نفسك ميكب أرتست أنتِ؟!، ده أنا مرضتش أجيب حد علشان متقولش ليت الكلمتين بتوعك دول ولا تقعد تلعب في وشي وأنا مش شايفة..
ابتعدت جهاد عنها بعد دقائق..
لتنظر سلمى إلى المرأة، كانت جميلة حقًا؛ ورائعة لم تبالغ جهاد كما وعدتها..
تحديدًا وهي مازالت خصلاتها حرة، أعجبتها هيئتها لا تنكر؛ وبسبب صمتها الذي طال تحدثت جهاد بحماس شديد لمعرفة رأيها:
-ها إيه رأيك؟!.
جذبت سلمى فرشاة كانت أمامها حتى تصفف خصلاتها وتقوم بعقدها قائلة بتكبر:
-يعني شغالة يجي منك.
-قولي الصراحة وبطلي بواخة بقا..
قالت سلمى بصدقٍ وعفوية:
-حلو يا جهاد لو مش حلو كان زمان صوتي جاب الشارع كله أنتِ عارفاني، يلا بقا علشان ألبس الفستان وتقفليلي السوستة وبعدها ألف الخمار..
وحدث ما قالته ارتدت فستانها من اللون الكشميري، كان لا يصف جسدها بشكل مبالغ فيه، محتشم إلى حدٍ كبير لا يظهر مفاتنها، به بعض التطريزات والنقوش المحفورة بعناية وأرتدت خِمار من اللون نفسه..

فتحت باب الغرفة يسرا في تلك اللحظة وقالت بحنان أمومي وحب كبير وقد لمعت عيناها من الدموع وهي تضع الطبق الذي يتواجد به الشطائر:
-بسم الله ما شاء الله شكلك زي القمر يا سلمى.
ثم أقتربت منها تاركة قُبلة فوق رأسها وأمسكت كفيها هاتفة:
-ايدك متلجة كده ليه يا سلمى؟! كلي أي حاجة يا بنتي أنتِ مكلتيش من الصبح وبقالك فترة مهملة في نفسك ومش بتأكلي زي الأول وخسيتي خالص.
غمغمت سلمى بنبرة هادئة:
-ايدي ساقعة من البرد الجو ساقعة يا ماما وبعدين متقلقيش عليا مفيش حاجة يعني أنا بس مليش نفس مش أكتر..
تمتمت يسرا رافضة:
-لا..
ثم نظرت إلى جهاد متمتمة بجدية:
-خليكي مع أختك وخليها تأكل أي لقمة بسيطة كده، وأنا برا بستقبل الناس، وعلى فكرة الست بهية وحفيدتها جم كمان والجيران كلها جت تقريبًا.
تمتمت جهاد بهدوء وهي تضع بعض اللمسات على وجهها بعدما أرتدت فستان من اللون الأزرق القاتم.
-متقلقيش أنا هخليها تأكل اخرجي أنتِ استقبلي الناس بس.
خرجت بالفعل يسرا وهنا هتفت جهاد بنبرة جادة:

-كلي بقا يا سلمى حاجة مش كده.
تمتمت سلمى برفض واضح:
-مش عايزة أكل هو بالعافية، لو كلت وأنا مش عايزة هرجع…..
…بعد مرور ساعة ونصف…
كانت سلمى تجلس على المقعد بجوار المقعد الخاص بـ نضال، وكانت جهاد استعانت بأحدى صديقاتها التي تعمل بتزيين المنزل عند المناسبات…
كان الجميع يلتقط الصور معهم، سلمى كادت أن تصرخ هي لا تحب التصوير من الأساس لكنها تحاول أن تجاري هوس ريناد صديقتها الجديدة، وشقيقتها جهاد المهووسة هي الأخرى بالأمر..فـكان الجميع يلتقط معهم الصور..
أردف نضال غير مجاملًا بل كان صادقًا:
-شكلك حلو في اللون ده.
ردت عليه سلمى بهدوء وخجل طفيف:
-شكرًا.
للحق يقال أنها كانت ترغب في أن تعطيه إطراء واضح على هيئته لكنها صمتت وعادت تخشب ملامحها مرة أخرى وهي تفكر في الأمر، لم يأتي أحد من عائلة والدها، كما لم يأتِ والدها نفسه، لأول مرة تشعر بالضيق بهذا الشكل لأنه لم يأتِ وعلى ما يبدو لن يفعل…

صدع صوت الأغنية الشهيرة…
يا دبلة الخطوبه عقبالنا كلنا
و نبنى طوبه طوبه ف عش حبنا
نتهنا بالخطوبه و نقول من قلبنا
يا دبلة الخطوبه عقبالنا كلنا
…..
يا صوره ف الخيال ما تغبش عننا
بداية الآمال و عز فرحنا
يا صوره ف الخيال ما تغبش عننا
بداية الآمال و عز فرحنا
…..
شبكنا بدبلته و قرينا فتحته
و عرفنا نيته و غلاوته عندنا

يا دبلة الخطوبه عقبالنا كلنا
جاءت والدتها وهي تحمل الصينية التي تزين اسم سلمى ونضال عليها باللغة الإنجليزية وفوقها المشغولات الذهبية والخاتم الخاص بسلمى وخاتم نضال أيضًا.
جاءت جهاد أيضًا ووقفت ناحية نضال هاتفة بحماس شديد وكأنها خطبتها هي:
-لبس العروسة الشبكة يا عريس…
جاء زهران أيضًا ووقف بسعادة حقيقية بجوار جهاد، بينما نضال مد يده ليأخذ خاتم الخطبة…
هتفت سلمى بحرج كبير:
-مش هينفع هو اللي يلبسها ليا.
قبل أن يعقب نضال، تحدث زهران مستنكرًا:
-أومال هنجيب راجل من الشارع يمسك إيدك ويلبسها ليكي وابني موجود قُرني لا مؤاخذة؟!..
ضحكت جهاد رغمًا عنها وأنظار الجميع تحلق بهم بحماس لكن لا أحد يستمع إلى كلماتهم بسبب الأغنية…
قالت يسرا متفهمة اعتراض ابنتها وعقلها:
-علشان الحرمانية.

قاطعها زهران ببساطة والابتسامة مرسومة على ثغره:
-ربنا يثبتك ويحفظك يا سلمى يا بنتي…
ثم أسترسل حديثه بجدية وهو يأخذ الخاتم:
-خلاص البسها أنا ابوه مش حد غريب، وزي أبوها.
هنا تحدث نضال بنفاذ صبر:
-اه هو حرام على نضال لوحده بس اللي يلبسها لكن حلال ليك…..
أشار زهران إلى زوجة شقيقه بأن تأتي ثم غمغم بهدوء:
-خلاص مرات عمه زي أمه وهي اللي تلبسها الشبكة ولا تزعلوا نفسكم جيبت ليكم الست اللي في عيلتنا اعتقد كده مفيهاش حرمانية يا ست سلمى.
بعد مرور ربع ساعة..
وبعدما انطلقت الزغاريط معلنة عن سعادتهما…
كان الجميع يتناول الكعك ويشرب المشروبات الغازية…
أما ريناد كانت تقف في الشرفة هاتفة وهي تضع الهاتف على أذنيها وتستند بنصف جسدها على السور الخاص بالشرفة:
-مش عارفة أنا خلاص فاضلي يومين واخلص الامتحانات ومش عارفة بابي هيوافق ولا لا.

ردت عليها صديقتها بشيء مما جعلها تهتف بجدية:
-مش عارفة مهوا لو جيت معاكم الحفلة ملهاش حل غير إني أجي من وراه هي شكلها هترسى على كده.
كانت ريناد ترتدي فستان من اللون الأسود يصل لما بعد ركبتيها وحذاء ذو كعب عالي أسود، أستعانت بالمرأة التي تعمل في منزلهما أن تأتي بهم…
كانت تاركة خصلاتها حرة ووضعت مساحيق التجميل التي تبرز جمالها، ولم تكن تدرك بأنها تتحدث وهناك من يستمع إلى حديثها..
-هشوف وأقولك..
ثم توقفت عن الحديث حينما شعرت بأنفاس شخص أخر معها في تلك الشرفة الصغيرة جدًا فاعتدلت لتجد دياب التي أتى من أجل أن شرب أحدى سجائره على انفراد…
فحاولت أن تنهي الاتصال سريعًا مع صديقتها:
-يلا باي هكلمك وقت تاني.
أغلقت المكالمة ثم تحدثت بانفعال وارتباك مبالغ فيه:
-أنتَ واقف بقالك كتير؟!.
هز رأسه بإيجاب مما جعلها تتحدث بغضب:
-وأنتَ ازاي تقف كل ده وأنا هنا؟!.

قال دياب ببساطة:
-محدش قالي أنه ممنوع..
-يوووه كده كتير أوي بجد ورايا في كل حتة، مش معقول يعني أنا زهقت منك بجد.
تحدث دياب مصححًا لها الأمر:
-حقك على اللي خلفوني بس معلومة بسيطة بس أنا مش في بلكونة جنابك ولا في بيتك..
سألته ريناد بحماقة شديدة:
-طب وبتعمل إيه هنا ان شاء الله؟! وإيه اللي جابك النهاردة وأنا هنا أصلا.
هتف دياب ببساطة:
-علشان دي خطوبة صاحبي مش جاي اتأمل جمالك يعني….
-والله أنتَ قليل الأدب..
عقب دياب بغضب واضح في البداية ثم أنهى حديثه باستفزاز واضح:
-احترمي نفسك ولمي لسانك أحسن ليكي وبعدين أنا سمعت اللي كنت بتقوليه لصاحبتك وأنا اللي هعرف ابوكي…
تحدثت ريناد بعد ضحكة ساخرة خرجت منها:

-وأنتَ تعرفه منين ان شاء الله؟!!.
-إلا أعرفه، ده أنا اعرفه واعرفه أوي كمان ده أنا معايا رقمه.
ثم أخرج هاتفه باحثًا عن اسمه وحينما أتى بجهة اتصاله وضعه أمام عيناها لتهتف بتردد:
-لو قولت له حاجة أنا هقول لمامتك أنتَ كمان على اللي عملته معايا.
هنا جاء صوت حُسنية التي لاحظت اختفاء ولدها فعلمت بأنه رُبما ولج ليتحدث في الهاتف أو من أجل أن يدخن.
-هتقوليلي إيه يا ريناد الواد ده عمل إيه معاكي؟!!..
ردت ريناد عليها بلا تردد:
-ابنك يا طنط حُسنية كان عايز يدخلني الشقة عندكم وهو قاعد لوحده وحضرتك مش موجودة.
أتسعت عين حُسنية تحدث دياب غاضبًا:
-أنتِ عبيطة ولا مجنونة ولا شكلك الاتنين مع بعض؟!!! إيه اللي عايز ادخلك الشقة أنتِ كدابة كدب وعايزة تلبسيني مصيبة وخلاص، أنتِ من يوم ما شوفتك جلابة مصايب..
قالت ريناد بهدوء كبير:
-والله ده اللي حصل أنا مش بكدب في حاجة.

هتف دياب وهو يكز على أسنانه:
-أنتِ نهايتك على إيدي…
ضحكت حُسنية بهدوء ثم أردفت بثقة في ابنها وهي تضع يدها على ذراعه الأيمن:
-في سوء تفاهم أكيد ابني دياب عمره ما يعمل كده، أكيد أنتِ اللي فهمتي غلط…
قالت ريناد بحرج ولكنها حاولت قول أي شيء:
-ممكن يكون في سوء تفاهم أه بس هو دايما بيعاملني زي ما حضرتك شايفة كده ويتعصب عليا من غير ما اعمله حاجة….
ردت عليها حسنية بنبرة جادة:
-دياب ابني مفيش أطيب منه ولو عمل حاجة بتكون غصب عنه ولو زعلك يا ستي علشان عيونك وعيون بهية يعتذرلك دلوقتي…
جحظت عين دياب بسبب حديث والدته..
لمن يعتذر؟!
إلى تلك الفتاة؟!!..
لن يفعل أبدًا…
شعرت ريناد بغضبه ونظراته الحارقة لذلك تحدثت قبل أن تخرج شبة راكضة من الشرفة:

-لا ملهوش لزوم يعتذر حصل خير…..
“بعد مرور ساعة أخرى”
وبدأ المدعويين في الرحيل تحدث زهران وهو ينظر إلى نضال وسلمى:
-ربنا يتمم ليكم بخير يا ولاد وبمناسبة الخطوبة واليوم الحلو ده، نضال ابني ياخد عروسته وصاحبه واخته، وجهاد وسلامة وبنت، والشباب كلهم ويروحوا يتعشوا برا طبعا بعد ما الست يسرا توافق طبعًا..
قالت يسرا بعدم اعتراض تحت نظرات سلمى التي تترجاها أن ترفض:
-خليهم ينبسطوا ويخرجوا….
أشار زهران ناحية ريناد هاتفًا:
-وخدوا البت الحلوة قريبة الست بهية دي معاكم تحلي القعدة..
ردت ريناد عليه:
-شكرًا يا اونكل، لو نينا بهية وافقت أنا معنديش مشكلة.
هتفت بهية وهي جالسة في مكانها:
-هتصل بابوكي لو وافق روحي.

أما دياب غمغم وهو يقف بجوار نضال:
-أما بت ملزقة صحيح…
ثم وجه حديثه إلى نضال هاتفًا:
-ما تشوف ابوك اللي في الكبير شغال وفي الصغير شغال ده…
تمتم نضال وهو يكز على أسنانه:
-اسكت أنتَ، وبعدين إيه اللي نضال عازمكم هو نضال فتح بوقه أساسًا؟!..
غمغمت سامية برفضٍ وهي توجه حديثها إلى عمها:
-لا خليهم يروحوا هما و…
قاطعها زهران بجدية:
-لا اخرجي وفكي عن نفسك معاهم..
ثم وجه حديثه بفخر:
-الليلة كلها عند نضال ابني يروحوا يجيبوا العربيات وياخدوكم وتروحوا مع بعض وتنبسطوا شباب مع بعض.
هتف سلامة بنبرة مرحة:

-هو جلسة الشباب تحلى من غيرك يا زهران برضو؟!..
تحدث زهران بنبرة عقلانية لا تليق به:
-اه هنعمل إيه هأخد زمني وزمن غيري يعني.
تمتم نضال بنبرة ساخرة وهو مازال يقف بجوار دياب:
-أبويا اتقن الدور أكتر ما كنت عايزه يتقنه ما شاء الله عليه يعني.
_____________
امتنعت ايناس عن الذهاب إلى الخطبة..
رغم إصرار حور حتى تذهب معهم وحتى كلمات والدتها لم تستمع إليها، أبت ورفضت الذهاب، هي لا تشعر حتى الآن أن لديها ما يؤلها حقًا للخروج أو حضور المناسبات تلك، كيف تحضر المناسبات السعيدة وهي مازالت تتألم من الداخل؟!
تحاول أن تفكر متى التعافي؟!..
هل سوف تظل طوال عمرها تفكر فيما مضى وما حدث….
خلعت والدتها ملابسها ثم جاءت من الغرفة وهي تجد إيناس تحمل أحدى أطفالها في أحضانها نائمًا بينما ابنتها جنى تشاهد التلفاز وتضع رأسها على فخذ والدتها وتمرر إيناس يدها على خصلاتها…

غمغمت حُسنية وهي تجلس على المقعد بوهن وضعف بدأت تشعر به لكنها تكابر بسبب جرعات الكيماوي التي تتلقاها:
-مش كنتي جيتي يا بنتي معانا، وغيرتي جو والله كان يوم حلو ونضال وسلمى كانوا لايقين على بعض.
هتفت إيناس بصوت هادئ:
-ربنا يتمم ليهم بخير يارب، أنا مخنوقة يا ماما ومضايقة شوية ولو روحت هبقى مكشرة ومكنش له لزوم أهم حاجة أنتم انبسطوا..
شعرت حُسنية بالضيق من أجلها ثم أردفت:
-يا بنتي فكيها على نفسك، وعيشي اليوم بيوم وبطلي تفكري.
ثم حاولت تغيير الموضوع فهي تتحدث معها كل يوم ولكن ليس هناك أية نتيجة:
-حور لما صدقت مشيت وراحت مع دياب..
ضيقت إيناس عيناها بعدم فهم ثم تحدثت باستغراب فمن كثرة ضيقها لم تفكر سؤال والدتها حينما أتت أين شقيقها وشقيقتها:
-هما صحيح راحوا فين؟!.
عقبت حُسنية بهدوء:
-الحاج زهران قال لنضال يأخدهم والشباب كلهم يخرجوا ويتعشوا برا..
عقبت إيناس بنبرة جادة:

-طب كويس جدًا…
تمتمت حُسنية بسخرية وهي حانقة تشتكي إلى إيناس من شقيقها:
-واخوكي مكنش راضي يروح لولا البت حور صعبت عليه ؤاح وافق وأنا قولتله يروح هو كمان يغير جو.
تنهدت إيناس ثم غمغمت:
-اه يروحوا يغيروا جو، دياب بقاله فترة مطحون ربنا يرزقه بشغلانة كويسة ويخلص جامعته بقا ويشتغل حاجة مناسبة ليه وتريحه…
هتفت حُسنية بتمني حقيقي:
-يارب يا بنتي..
ثم أسترسلت حديثها بإرهاق واضح:
-أنا هروح بقا أنام علشان صاحية من بدري ونعسانة، يلا تصبحي على خير..
-وأنتِ من أهله يا حبيبتي.
رحلت والدتها وهنا أمسكت إيناس هاتفها ونظرت على الرسائل تحاول إيجاد رد من هدير، فهي اتصلت بها في الصباح وكان هاتفها مغلق، وكتبت لها رسالة.
“ازيك يا هدير، عاملة إيه يا حبيبتي؟! اتصلت بيكي الصبح كان موبايلك مقفول قولت يمكن تكوني في الدرس لأنك متعودة تقفليه لما تكوني في الدرس، طمنيني عنك يا حبيبتي”…

أرسلتها وهي تنتظر منها رد..
تشعر بالضيق الكبير من أجل هذه الفتاة، وكان هذا جانب من الجوانب التي سببت في أن تسوء حالتها النفسية بسبب صدمتها في صديقتها وبالأحرى صديقة عمرها كما كانت تظن…..
____________
بداخل المطاعم الفاخرة…
في أحد الأماكن التي تعد راقية نوعًا ما، كان نضال يجلس يتوسط الطاولة وبجواره تجلس سلمى بجانبها جهاد وسلامة…
في الناحية الأخرى دياب الذي جلس في المنتصف بين حور وريناد، أما سامية تتوسط الطاولة من الجهة الأخرى.
كان الجميع صامتًا بشكل مخيف..
حتى حاول نضال سؤالهم بهدوء:
-ها هتأكلوا إيه؟!..
قال سلامة بنبرة هادئة وجهاد تنظر معه في الهاتف:
-ادينا عملنا Qr code وبنشوف.
تمتمت سلمى بنبرة جادة وهي عاقدة ساعديها:

-أنا مليش نفس ممكن اشرب حاجة…
عقب دياب على حديث نضال هو الأخر:
-أنا مش جعان برضو…
بينما عين حور وريناد كانت في الهاتف تقرأ كلاهما قائمة الطعام، وتحدث نضال رافضًا الأمر:
-اللي مش جعان هيأكل برضو..
عقب سلامة بعده بهدوء:
-اه كلنا هنأكل العزومة على حساب نضال ولو محدش كل الحاج زهران هيأكل وشه أنه كان بيبخل علينا ومش راضي يصرف…
تحدثت جهاد بحنقٍ واضح وهي تميل على سلمى قليلًا التي كانت تجلس بجوارها، وكان صوتها مسموعًا بعض الشيء:
-في إيه يا سلمى اللي مش عايزة تأكلي ده كمان، أنتِ بقالك كام يوم مش بتأكلي كويس، وبعدين مكلتيش الصبح برضو وزعقتي في وشي استحالة متكنيش جعانة….
-إيه اللي مخلكيش تأكلي؟!.
صوت رجولي جعلها تنتفض في مكانها بشكل غير ملحوظ وهي تنظر ناحيته ولم يكن الصوت سوى نضال، فنظرت سلمى بعدها ناحية جهاد هاتفة بنبرة مرتفعة رغمًا عنها:

-نفسي في مرة تمسكي لسانك..
لا يدري لما ضحك نضال وعقب بجدية:
-أنا اتأكدت أنهم لايقين على بعض فعلا حلة ولقت غطاها…
تمتم سلامة بانزعاج وهو ينظر له:
-بتجيب سيرتي ليه طيب أنا اتكلمت ولا فتحت بوقي؟! ولا هو جر شكل وخلاص سيبني علشان أنا دلوقتي بحضر الأكل اللي هطلبه وهلفه وأنا ماشي مدام مش هدفع حاجة هجيب أكل الأسبوع كله.
قال نضال بنبرة هادئة:
-ماشي اتعلموا من سلامة واطلبوا لأني مش هسمح حد يقولي مش هأكل.
بعد وقت طلب الجميع طلباتهم وكانوا في انتظارنا…..
عــنــد سامـيـة…
كانت تحمل الهاتف بين أصابعها ترسل له العديد من الرسائل تعزيه فيها، تخبره كم تفتقده، وكم ترغب في أن تكون بجواره الأن والوقوف معه..
“البقاء لله”
“رد عليا وطمني عليك علشان خاطري، رد عليا بأي حاجة تخليني أطمن عليك”

“كلمني في أي وقت أو اتصل بيا هرد عليك مهما كانت الساعة، أهم حاجة أطمن عليك”
“فترة وهتعدي ان شاء الله”
ثم وضعت هاتفها على الطاولة بعصبية وقلق بعض الشيء حتى أنه لم يكن لديها نفس أو وقت لرؤية ومراقبة نضال وسلمى كما كانت تظن، هي فقط تشعر بالقلق من أجل حمزة الآن.
عــنــد جــهــاد…
كانت تراسل صديقتها المُقربة ميار في انتظار الطعام، ترى الصورة التي أرسلتها لها صورة أنفها، وهي تخبرها بالإجراء الجديد التي فعلته، في الوقت ذاته كان سلامة في المرحاض..
“البيرسينج خطير يا ميار تحفة بجد، كنت بفكر قبل الفرح اروح اعمل واحد في ودني”.
أرسلت لها صديقتها بتشجيع واضح:
“ايوة وتعملي واحد زيي مش في ودنك بس، نروح مع بعض بقا”
“تمام”.
جاء سلامة وجلس بجوارها على المقعد هاتفًا بنبرة جادة:
-المكان هنا دافي شوية الجو ثلج.

هتفت جهاد بنبرة هادئة:
-فعلا ياريتني كنت غيرت الفستان ولبست حاجة اتقل.
ثم نظرت إلى سلامة نظرة ذات معنى مما جعله يهتف بتردد:
-لا مهوا أنا مش لابس إلا جاكت البدلة متحلميش إني أقلعه أنا هنشف لوحدي أصلا..
تمتمت جهاد بنبرة ساخرة:
-عمرك ما خيبت ظني فيك أنتَ راجل مش رومانسي على فكرة، ما تيجي تأخد……..
قاطعها سلامة بنبرة متهكمة:
-مفيش شبكة هاخدها، مش هاخدها إلا على بيتي هي وصاحبتها غير كده لا واتبطي بقا واتهدي.
أشارت جهاد ناحية نضال الذي كان واقفًا وهو يمد السترة الخاصة به ناحية سلمى التي أخذتها منه بحرج كبير:
-اتعلم من اخوك الكبير اتعلم.
تمتم سلامة ببساطة:
-لا مبتعلمش، شوية كده وهتشربي شوربة المشروم وهتدفي.
عند نضال وسلمى..

أخذت سلمى منه السترة على مضض هاتفة بحرج كبير:
-أنا مش سقعانة على فكرة ليه فاكر كده؟!.
جلس نضال على المقعد متمتمًا بنبرة جادة وهو يراقب ارتعاشة جسدها الغير محسوسة ويدها التي أقتربت أن تصبح زرقاء، كان هناك شيء غريب بها وهو لا يرغب في قوله صراحًا:
-مفيش حسيتك سقعانة ويعتبر لابسة خفيف كمان.
وضعت سلمى السترة على أكتفاها رغمًا عنها فهي تشعر بالبرد الشديد، وتشعر بأعراض غريبة في الوقت ذاته، لا تعلم ما الذي يحدث لها…
سمعته يهتف بنبرة جادة ومهتمة:
-أنتِ كويسة يا سلمى؟!.
رفعت رأسها ونظرت له قائلة بنبرة هادئة وهي تكابر وتنظر له بأعين قوية:
-اه كويسة مفيش حاجة.
كان نضال ينظر لها باستغراب..
لا يعلم لما يشعر بأن سلمى التي خطبها غير سلمى التي كانت يراها دومًا، وشقيقة خطيبة أخيه، كأنها فتاة أخرى لم يتوقع بأنها تمتلك هذا القدر من القوة في الردود، والمشاعر الغير مفهومة هي تثير ريبته، وفضوله في الوقت ذاته…

هي تلاحظ نظراته وتحاول أن تتجاهلها إلا أن سمعته يهتف بهدوء:
-ألف مبروك بما إني تقريبًا مقولتهاش عندكم..
ردت عليه مختصرة وهي تضم السترة عليها بشكل عفوي:
-الله يبارك فيك.
ثم نظرت ناحية سامية التي لم تكن تعطيهم انتباه لكنها لأول مرة تشعر بعدم الارتياح من وجودها، لا تدري لما؟!!
لكنها ليست سعيدة بوجودها في ليلة كهذه.
جاء النادل وأخذ يضع الأطباق أمام الجميع وهنا غمغم دياب بحنقٍ:
-أنا هقوم اشوف حور علشان اتأخرت برا..
“خارج المطعم”
كانت تقوم حور بتصوير ريناد بهاتفها..
الغريب أن حور كانت تمتلك هاتف يبدو حديثًا نوعًا ما مقارنة بالهاتف الذي يتواجد في يد ريناد.
ريناد سعيدة جدًا لأول مرة بعد عدة أسابيع تتوا في مكان يشبه الأماكن التي كانت تحب الجلوس فيها وتناول الطعام فيها، لذلك هي كانت سعيدة جدًا…
تحمد ربها بأن والدها وافق بعد إلحاح بهية، وإلا كانت ستفوت سهرة كهذه.

كان المكان جميلًا وفخمًا، هناك أماكن في الخارج تبدو لطيفة جدًا من أجل التصوير لذلك خرجت برفقة حور…….
أقتربت حور من ريناد حتى تجعلها تشاهد الصور التي التقطتها من أجلها..
تحدثت ريناد باعجاب واضح:
-بجد الصور تحفة يا حور..
عقبت حور على كلماتها بنبرة جادة:
-اومال لو شوفتي تصوير دياب أخويا بقا، يمسك أي تليفون مهما كانت كاميرته معدومة يطلع منه صور حلوة معرفش ليه ولا كأنه ساحر.
قالت ريناد بغضب واضح وهي تتذكر ما فعله معها:
-هو اللي اخوكي اللي علطول مش طايق نفسه ده بيعرف يصور؟!
قاطعتها حور بتلقائية شديدة وهي تدافع عن شقيقها:
-يمكن هو مبيحبش يتصور نهائي بس بيحب يصور أي حاجة يشوفها، اصلا كنت متوقعة أنه ممكن يشتغل فوتوجرافر في يوم من الأيام، تعرفي أنه من كام سنة كان عنده كاميرا حلوة جدًا وغالية كان بيصورنا طول الوقت وبيصور أي حاجة وهو ماشي في الشارع، بس باعها علشان يكمل فلوس شبكة ليلى وأهم سابوا بعض.
قالت كلماتها الأخيرة بصوتٍ باهت وكئيب بسبب حزنها على شقيقها، وكادت أن تتحدث لولا رؤيتها أياه وهو يأتي من الداخل بمعطفه من اللون البني الداكن……

توقف أمامهم ثم غمغم بنفاذ صبر:
-كل ده بتتصوروا؟!!! يلا الأكل جه…
هتفت حور بـ رجاء حقيقي ورغبة في أن تثبت إلى ريناد بأن شقيقها بارع في التصوير في الوقت نفسه:
-طيب لو سمحت صورني أنا وريناد صورة الأول بعدين ندخل.
كان يعلم دياب بأن شقيقته تعاني من كبت رهيب بسبب الدروس والحالة النفسية السيئة وما يدور حولها، لذلك هي سعيدة بأنها تنزهت وفي الوقت نفسه ذهبت إلى مكان لا تستطع الذهاب إليها كثيرًا لذلك رضخ لمطلبها حتى لا يكسر فرحتها بتلك الليلة فأخذ منها الهاتف وأشار لها بهدوء..
-اقفوا علشان نخلص.
ابتسمت حور ووقفت بجانب ريناد وكلاهما حاول أخذ وضعية التصوير المناسبة وألتقط لهم أكثر من ثلاث صور وكاد أن يتفوه بشيء أو يخبرهم بالدخول من أجل الطعام مرة أخرى لكن جاء صوت غير مألوفًا أو معروفًا بالنسبة إليه…..
-ريناد مش معقول.
أستدارت ريناد لتجد أحد أصدقائها والذي مد يد لتصافحه بتردد تحت نظرات دياب، وأكثر ما كان يقلقها هو تفسير غيابها له
هتف الشاب بنبرة جادة:
-مش معقول الاختفاء ده وبقالك فترة موبايلك مقفول ولا حد يعرف عنك حاجة وحتى الجامعة سألنا عليكي هناك…

تحدث دياب هنا ساخرًا وخرج صوته تحت نظرات شقيقته التي تشعر بالاستغراب مما يفعله:
-عقبال عندك بتتعاقب….
سأل الشاب بنبرة هادئة:
-مين ده أنا أول مرة أشوفه معاكي؟!.
رد دياب عليه قبل أن يأخذ شقيقته وينسحب:
– وأنتَ هتشوفني فين معاها أنا مالي بيها….
رحل دياب بخطوات سريعة وهنا عقب الشاب بعدم فهم:
-مين ده وبيتكلم كده ليه؟!!!!…
بداخل المطعم…
سقطت الملعقة من يد سلمى التي كانت تقاوم وتقاوم شعورها بأنها على وشك أن تفقد وعيها ولم تستطع أكثر حتى مالت برأسها للخلف فاقدة وعيها تمامًا….
وأخر شيء سمعته هو صوت نضال بجانب أذنيها وتداخل صوته مع صراخات جهاد التي نهضت هي الأخرى:
-سلمي، سلمى…….
 

   •تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent