رواية رحماء بينهم الفصل السابع عشر 17 - بقلم علياء شعبان
رُحماءٌ_بينهم
"كمثلِ الأُترُجَّةِ".
]]الفصل السابع عشر]]
•~•~•~•~•~•
استطاعت "سكون" إخماد ثورة العمال بالمزرعة والمصنع بتذكيرهم بكافة أنواع المساعدات التي قدمتها لهم كي يتلقون معاملة آدمية داخل المكان كما زادت من راتبهم الشهري وقتها؛ فكانت النتيجة أن لان لها بعض العمال بينما أبى البعض الآخر استكمال عمله، فبدأوا يتوافدون عليها بالأوراق الخاصة باستقالتهم؛ فشممت هي رائحة المنافسة التي جعلت المصنع ينقلب رأسًا على عقبٍ دون مبررٍ واضحٍ!
عاشت يومين من أصعب ما يكون وقد كابدت خسائر فادحة فيهما بداية من استقالة العامل يليه الآخر وحتى التراخي في أعمالهم قبل حدوث هذه الثورة مما جعل انتاج هذا الشهر غير مُربحٍ بالمرة ولكنها في النهاية استطاعت أن ترضي المتمسكون من العمال بالعمل معها فصرفت لهم مكافأة من حزنة المصنع وأوضحت بأنها مكافأة لولائهم الذي تقدره بشكلٍ كبيرٍ.
توجهت إلى غرفة مكتب والدها بخطوات سريعة وسرعان ما دخلت إلى المكتب وراحت تستند على الباب ثم تزفر بأنفاسٍ مُحملة بالغضب والاختناق، فلما رآها والدها تابع بصرامة أثناء حديثه مع زوجته عبر الهاتف:
-خلاص يا نبيلة، قولت لك متدوريش على حد، وأنا هعرف بطريقتي أرجعهم.
قام بإغلاق المكالمة دون توضيح لخططه بشأن علام وعائلته، ألقى الهاتف فورًا ثم حثها على الجلوس وهو يقول بترقب:
-أتمنى تكوني قدرتي تقنعيهم وإلا الخسارة في المصنع والمزرعة هتتضاعف، إنتِ عارفة يعني أيه مصنع بيعتمد على عِمالة فوق ال5000 عامل وفجأة يستقيل منهم 2000؟؟؟؟.
انصاعت له جالسةً ولكنها تابعت بوجه شاحبٍ:
-معناه كارثة طبعًا والحل الوحيد دلوقتي إني أعلن عن وظائف خالية في شركتنا وأحدد أقرب يومين للمقابلة ونحاول نقبل أعداد كبيرة وننقذ ما يمكن إنقاذه.
كور "عثمان" قبضة يده في اختناق قبل أن يُضيق عينيه مُحاولًا عصر عقله وانتقاء أكثر أعدائه كُرهًا ممن لهم قدرة على الانتقام منه ولكنه لم يستطع حصدهم لكثرتهم، تنهد تنهيدًا حارًا قبل أن يُفكر بصوت عالٍ ويُشارك ابنته ما يعصف بعقله:
-تفتكري مين له مصلحة في فشلي؟!..أنا عارف إن وضعنا كمصنع إنتاجي ناجح ومحتل مركز أول في الشرق الأوسط يخلي أعدائنا في كل مكان بس كمنافسين مفيش غير حمدي زهران وحمدي مات!!
كانت "سكون" تنظر أمامها في تشكك قبل أن تلتفت ناظرة في عينيه ثم تقول بفضولٍ كبيرٍ:
-أمال مين اللي مسك الشركة من بعده؟!!
مط "عثمان" شفتيه ثم أردف بجهل حول إجابة سؤالها:
-مش عارف بس الأكيد إن الشركة هتتباع لحد تاني يديرها ماديًا ودا معناه أننا مبقاش لينا منافسين في السوق لأن أي حد هييجي بعد حمدي، هيقع.
تنهدت بهدوء ثم سألته بجدية:
-صحيح، ماما كانت عايزة أيه؟!
ابتسم "عثمان" من جانب شفتيه مردفًا بنبرة ساخرة:
-قال عايزة تعمل مُقابلة لمجموعة رجالة وستات علشان تختار منهم حد يدير القصر.
أومأت "سكون" بهدوء ولكنها عقدت حاجبيها ثم تابعت بترقب:
-وليه رفضت؟!
عثمان بنبرة ثابتة يخالطها العناد:
-علشان علام ومراته هيرجعوا القصر تاني.
انبسطت عُقدة حاجبيها وهي تقول بدهشةً:
-إزاي؟!
عثمان بابتسامة هادئة:
-مش مهم إزاي بس هيحصل.
أومأت برأسها في استسلام ثم وقفت على الفور وهي تقول بحسم:
-تمام، أروح أنا بقى البيت لأني محتاجة أنام نوم عميق.
استدارت حتى وصلت إلى مقعده وبسرعة قامت بطبع قبلة على خده ثم تابعت:
-متضغطش على أعصابك، أنا ميهمنيش في الدنيا دي غير سلامتك.
أجابها بابتسامة ممتنة:
-متقلقيش عليا.
سارت نحو الباب ثم خرجت منه على عجلة من أمرها وتوجهت مُباشرة إلى البوابة الخارجية للمصنع، وقفت على الدرج تنظر حولها حتى تتمكن من رصد مكانه وما هي إلا ثوان حتى وجدتهُ يصطف بالسيارة أمامها، رفعت رأسها بشموخٍ ثم نزلت الدرج وقامت بالصعود إلى متن السيارة دون أن تنتظر قدومه لفتح الباب من أجلها، افتر ثغره عن ابتسامة ماكرة وراح يتابع ركوبها من خلال المرآة فيما زوت ما بين عينيها وهي تقول باستنكار:
-الابتسامة دي سرها أيه؟!
مط شفتيه مردفًا ببرود:
-أنا شخص بشوش، دا يضايقك في حاجة؟!!!
رمقته بحدة من جانب عينيها قبل أن تشيح برأسها ناظرة من زجاج السيارة:
-خدني على البيت.
تحرك بالسيارة فورًا وبدأ يتابعها بعينيه بين الفينة والأُخرى فيجدها تختلس النظرات إليه أيضًا، تنحنح "كاسب" بخشونة مُقررًا نبش صمتها وبداية مشادة جديدة:
-آنسة سكون، أنا ملاحظ إنك مش في الموود، لو في مشكلة أنا ممكن أساعدك فيها؟!!
رفعت أحد حاجبيها بعد أن عقدت ذراعيها أمام صدرها ثم أردفت باستخفاف:
-لا ما إنتَ مش هتعرف تساعدني anyway
كاسب بثبات:
-مين قال لك؟!!!
سكون وهي تتأفف بحنقٍ:
-أعتقد إنك مش بتفهم حاجة إلا في السواقة!!
أطلق "كاسب" ضحكة صغيرة لم تدم سوى لثانيتين وكأنه يستخف من كلماتها المُحقرة لشخصه ثم تنحنح بثبات وقال:
-حد قال لك إنك مغرورة قبل كدا، لأ وسطحية وتافهة!!
سكون وهي تحدق فيه ثم تصرخ بغيظ:
-حد قال لك إنك حثالة وقليل الأدب!
تنهد "كاسب" تنهيدًا ممدودًا بعُمقٍ قبل أن يقف بالسيارة فجأة ثم يترجل منها دون أن ينبس ببنت شفةٍ فيما تابعت هي بتوتر وضيق:
-إنتَ رايح فين؟!!
في تلك اللحظة، مال على النافذة التي تجاور مقعدها ثم رمقها بعينين حمراوين تقدحان بالشرر وقال بصوت حاد:
-ماشي وإنتِ اللي هتسوقي لحد بيتكم يا حلوة.
جحظت عيناها في صدمةً ثم قالت يفزع:
-بس أنا مبعرفش أسوق!!
افتر ثغره عن ابتسامة مُتشفية ثم أردف:
-السواقة دي أسهل من سهولة إهانتك للناس، والمسافة أعتقد مش هتكون أطول من طولة لسانك، يلا جود لاك!
ضغطت على أسنانها بانفعال ثم صاحت:
-إنتَ أكيد مش طبيعي وصدقني لأخليك تندم على كُل الهبل دا، دا غير إن بابي هيوديك في ستين داهية لو عرف.
كاسب وهو يستقيم في وقفته ثم يقول بحسم:
-تمام.. متنسيش تقولي له بقى، سلام.
غادر من أمامها ببرود شديد فيما ظلت تفرك في مقعدها في شيء من العجز والحيرة، فكيف تقود سيارة كُل هذه المسافة لأول مرة؟! حتى أنها لا يمكنها أن تستأمن أحدًا على قيادة السيارة حيث البيت فلربما قتلها واستولى على السيارة، استدارت بجسدها ووجها حتى تتمكن من رؤيته وحينما وجدته يسير مُبتعدًا أمدت رأسها خارج النافذة ولكنها قبل أن تنادي عليه شعرت بضرورة التوقف وعدم إشعاره بحاجتها إليه، ابتلعت الكلمات مرة ثم عادت تجلس في مكانها وهي تقول بصوت مخنوق ومنفعل:
-حيوان.. ربنا ياخدك.
•~•~•~•~•~•~•
مسحت جبينها بطرف سترتها بإرهاق وأسرعت تجلس على الأريكة قبل أن تسقط أرضًا بعد أن صمدت قدماها على يوم شاقٍ وصعبٍ، مددت ساقيها واسندت رأسها على الوسادة ثم صاحت بأرق:
-ماما الأكل بسغعة من فضلك!
-حالًا يا حبيبتي.
أردفت "رابعة" من داخل المطبخ وما هي إلا لحظات حتى خرجت وفي يدها صينيه الطعام التي وضعتها على الطاولة القابعة أمام الأريكة، تحولت "مهرة" بنظراتها إلى الصينية ثم تابعت بفرحة:
-طاجن لحمة يا جماله.
ابتسم لها الأخيرة بحب ثم سحبت مقعدًا وألصقته بالطاولة فيما بقيت "مهرة" تجلس على الأريكة وبدأتا في تناول الطعام، لم تمر دقيقة على الأغلب حينما سمعتا طرقًا على الباب فقررت "مهرة" أن تتعرف على ماهية الطارق وطلبت من والدتها أن تجلس في مكانها، أسرعت نحو الباب وما أن فتحته حتى رأت خيال شخصًا ما يختبىء خلف الحائط وأمامها يقف الجرو الرمادي مرة أخرى.
عضت شفتها السُفلى بتوترٍ مُقررةً أن تمد عنقها قليلًا لرؤية المختبيء خلف الجدار وما أن وقعت عيناها عليه حتى وجدته يغمز لها بمشاكسة، همَّت أن تحدثه مُعترضةً على ما يفعله ولكنها سمعت صوت والدتها يأتي من خلفها:
-مين اللي جاب الكلب دا تاني؟!
تحشرجت الكلمات في حلقها ولكنها جاهدت في أن تنطق الأحرف ثابتة:
-مفيش حد بغا، أكيد جه لوحده يا ماما.
ابتلعت ريقها على مضض ثم دفعت أمها برفق للداخل وأغلقت الباب فورًا، ضربت "رابعة" كفًا بالآخر ثم تابعت بغيظٍ:
-مبحبش تربية الكلاب في البيوت، بتنجس البيت يا بنتي!
مهرة بهدوءٍ:
-بس أنا حبيته!
رفعت "رابعة" أحد حاجبيها ثم قالت بنبرة ذات مغزى:
-حبيتي أيه؟! الكلب!!!!
تنحنحت "مهرة" بتوتر ثم ردت:
-أه الكلب طبعًا.
تحولت بنظراتها إلى الجرو وبدأت تداعب فرائه هربًا من نظرات والدتها.
•~•~•~•~•
-آسف يا عثمان بيه، بس أنا مش ناوي أرجع القصر ولا أنا ولا مراتي.
أردف "علام" بتلك الكلمات أثناء حديثه مع الأخير عبر الهاتف والذي ما أن سمع بقراره وإصراره على رفض العودة حتى تابع بصوت مُتشنجٍ صارمٍ:
-اللي تشوفه، ياريت بقى تخلي الشقة في ظرف يومين علشان عايزها للشغالين الجُدد.
ظن "عثمان" أن هذه العبارات هي ما ستجعل الأخير يتراجع فورًا ويخشى البقاء مع سيدتين في الشارع ولكنه لا يعلم بالجديد الذي طرأ على حياة "علام" وأنه في القريب العاجل سوف يكون صاحب شقة مِلك له وسوف تنضم ابنته إلى أفراد عائلة السروجي العريقة وهكذا تتساوى الرؤوس، ابتسم "علام" بهدوءٍ عندما حاول تخمين ملامح وجه الأخير إذا وقعت عليه صاعقة سماع هذه الأخبار التي ستظهر للنور قريبًا.
-في ظرف يومين تقدر تستلم الشقة مني.
قطب "عثمان" ما بين عينيه بدهشة ممزوجة بالغيظ فأردف يقول بلهجة حادة:
-وناوي تقعد فين بعد كدا؟!
علام بإيجاز:
-ربنا خيره مش بيخلص يا عثمان.
اندهش "عثمان" من نطقه للاسم دون لقبٍ فتابع مُستنكرًا بلهجة صارمة:
-عثمان!!!
علام بتأكيد وتحدٍ:
-عثمان.. عثمان وبس.
قام "علام" بإغلاق المكالمة فورًا وسرعان ما انقبضت معالم وجهه في حزن دفين وهو ينتقل بنظراته إلى "تليد" الذي يجلس أمامه يتابع ما يجري بينهما أثناء المحادثة الهاتفية، تنهد تنهيدة خفيفة قبل أن يتابع بتريثٍ:
-دا العادي من عمي.. لوي الدراع عنده أسلوب حياة.
علام بابتسامة خفيفة:
-كله خير بأمر الله، أنا هنزل أدور على شقة إيجار، يا دوب نلحق نلم حاجتنا.
تليد بهدوءٍ:
-شقة إيجار؟؟؟ إنتوا هتقعدوا في شقتي لحد ما شقة أُترج تخلص.
علام باعتراض:
-لا يا بني، مش حابين نتقل عليك ومكنش له داعي حكاية الشقة من أساسه، لمَّا تبقى مراتك أبقى هاديها زيّ ما إنتَ عاوز بس إنتَ مش مُلزم تجيب لنا مكان نعيش فيه!!
تليد وهو يربت على كفيه ثم يقول بنبرة وَدودة:
-إحنا بقينا أهل والشقة دي مهر بنتك اللي ربيتها بعرق جبينك وكل حاجة تملكها ليك؛ فأنت ومالك لأبيك.
ابتسم "علام" في شيء من الخجل ثم قال بهدوءٍ:
-ربنا يتمم على خير يا بني، إنتَ بوجودك في حياتنا حسستني إني خلفت ابن اتسند عليه وأقوى بيه، يا بختنا بيك يا شيخ تليد وأتمنى من ربنا إن بنتي تقدر وتفهم إن ربنا أنعم عليها بيك.
تمكنت من سماع آخر عبارة قالها؛ فتوترت بتأثر ثم تنحنحت وهي تنضم إليهما وتقول بهدوءٍ:
-الشاي!
نهض "علام" من مكانه ثم قال بحسم:
-اشربيه إنتِ يا بنتي واقعدي مع خطيبك وأنا هعمل مكالمة سريعة وأجي.
هزت رأسها بهدوءٍ وبعد ذلك جلست حيث كان يجلس والدها فراح "تليد" يبتعد قليلًا حفاظًا على المسافة الواجبة بينهما، زمت شفتيها باستنكار ولكنها لم تُعلق على تصرفه ورأت ذلك بأنها حرية شخصية، أسرعت بالتقاط كوب الشاي الخاص بها وقبل أن ترفعه إلى فمها وجدته يقول بنبرة متشككة:
-لسه بردو مش عايزة تجاوبي على سؤالي!
رمقته بطرف عينها قبل أن ترفع الكوب إلى فمها ثم ترتشف منه بضع قطرات، أنزلت الكوب عن فمها مرة أخرى ثم تابعت بوجه مُتجهم ونبرة باردة:
-وأيه هو سؤالك؟!!!
تليد وهو يومىء بثبات مكررًا سؤاله:
-أيه اللي ضايقك في عزومة مدام نجلا ومخليكِ رافضة تروحي الشغل؟!
أسرعت بوضع الكوب على الطاولة ثم قالت بتأفف:
-أقول لك على حاجة، نجلا دي مش مُريحة ومفيش حد في العيلة دي كلها مُريح أصلًا خاصةً البتاعة اللي اسمها آيلين دي.
رفع أحد حاجبيه ثم تساؤل بترقب:
-هو دا اللي مضايقك؟!!
ردت بإيجاز:
-يعني، تقدر تقول كدا.
رفضت أن تُصرح له حول عرض الأخيرة مقدرةً حالتها بعد موت زوجها واضعة في الاعتبار العداوة التي كانت تجمع الطرفين وربما حمي الوطيس بينهما لدرجة أن تقرر الانتقام لزوجها بعد مماته، واعتبرت أن هذه الكلمات قيلت تحت تأثير الألم ولن يتم تقديم هذا العرض عليها مرة أخرى.
أومأ مُضيفًا:
-تمام.
سكت لبُرهة ثم استطرد بهدوءٍ:
-بما إننا بنرتب لعقد قران كمان كام يوم، فمش حابه تعرفي عني حاجة أو تسأليني أي سؤال؟؟، أيه مفيش أي فضول ناحية الحياة اللي إنتِ مُقبلة عليها والشخص اللي هيكون شريك حياتك!
رمقته بنظرة سريعة تحمل القليل من العتاب واللوم على تجاوز رغبتها في عدم الزواج منه وقراره بالزواج منها دون إرادتها حسبما فسر والدها بأنه الأفضل والأنسب لها، رفعت "وَميض" أحد حاجبيها ثم تابعت بثبات ورغبة عارمة في ريّ بذور فضولها:
-طبعًا عندي أسئلة.
سكتت للحظات ثم استأنفت:
-فرضًا تعرضت لحادثة لا قدر الله وأثناء ما إنتَ جوا الحادثة دي والصدمة واخداك أدركت إنك مش هتنجو منها والمفروض إن دي آخر لحظات ليك على الأرض وفجأة تروح في غيبوبة قصيرة أوي وتفتح عينك تلاقي نفسك لسه عايش والنفس داخل طالع منك فبتبدأ تلمس كُل حاجة حوليك علشان تصدق إنك حي ورغم كرم ربنا بتفضل تسأل نفسك أنا عايش إزاي؟! دا مكنش فيه شك واحد في المية إني ميت!!!.
تليد مُجيبًا بثبات وتأنٍ:
-لسه باقي لك رصيد عند ربنا وعمرك مخلصش.
وَميض وهي تومىء بتفهم:
-ونعم بالله، بس في بديهيات مينفعش نتجاوز عنها، هل ينفع صاروخ يقع على بيتي وأطلع من تحته عايشة؟!!
تنهد تنهيدة طويلة ثم قال باختصار:
-مش أنا.
وَميض وهي تبتسم بخذلان ثم تقول بإصرار مُنقطع النظير:
-إنتَ.
هبت من مكانها واقفة ثم هرولت إلى الطاولة والتقطت مُصحفًا وعادت تجلس على ركبتيها بالأرض أمامه مُباشرة ثم وضعت المُصحف بين راحتيها، امتلأت عيناها بالدموع وتحشرج صوتها وهي تقول بعناد كبيرٍ:
-والله العظيم كُنت إنتَ.
سكتت هُنيهة قبل أن تمسك كفه بين راحتها ثم تقربه من المُصحف، فيما ارتجف كفه وأسرع بثبط محاولتها التي أدركها للتو، فسحب كفه فورًا فيما تجهمت صفحة وجهها وهي تقول باختناق:
-علشان أصدقك لازم تحلف وكتاب ربنا بين ايديك!
تليد بامتعاض:
-ربنا كتب لك عُمر تاني، ليه بتدوري عن سبب نجاتك وإنتِ عارفة إن السبب دا جُند من جنود ربنا!
زوت ما بين عينيها ثم قالت:
-يعني إنتَ!
تليد بنفي قاطع:
-مش أنا يا أُترُج.
أومأت برأسها في صبرٍ وراحت تتدبر ابتسامة ثابتة ثم تنهض للجلوس في مكانها مرة أخرى ونبرة هادئة أكملت:
-بلاش السؤال دا، خليني أسألك عرفت اسم أُترُج منين؟. . وحوار العرايس اللي في صندوقي منين؟!.
تنحنح مُجيبًا بثباته المعهود:
-مِن والدك.
افتر ثغرها عن ابتسامة مستخفة فتابعت:
-وبابا بردو اللي قال لك إن عندي حسنة كبيرة جنب ودني الشمال!
هذه المرة ابتسم جديًا وهو يتكلم بوضوحٍ:
-إنتِ فاكرة إن اللي إنتِ لابساه دا حجاب؟!!.. إنتِ سهل جدًا بالمنظر دا تتوصفي حتة حتة.
نبج صوتها بانفعال ثم ردت في اختناق:
-سهل أتوصف لمَّا يكون اللي قدامي دا عينه زايغة وشهواني؛ لكن المُحترم مش مضطر يفحصني لأنه مُحترم.
شبك "تليد" أصابعه ببعضها ثم مال بجذعه العلوي قليلًا وراح يرد مُتهكمًا بنبرة ثابتة:
-عرفتي منين إنه مُحترم؟!.. أيه المقياس اللي بتقيسي بيه أخلاق راجل واقف قدامك؟!!
وَميض ببرود:
-بيبان.
تليد متناولًا طرف الحديث منها:
-بيبان!.. طيب بصي يا ست البنات.. مفيش راجل مش شهواني بس في راجل قادر يتحكم فيها.. دا أولًا.. أما ثانيًا.. إنتِ كأُنثى قادرة ترسمي صورتك في نظر الناس وبناءً على الصورة دي حياتك هتكون.. متلبسيش عريان وتقولي أنا حُرة.. لأ.. حريتك ليها حدود وحدودها بتقف عند أذية حد تاني.. إنتِ مش عايشة في المدينة الفاضلة.. دي الدنيا.. اللي كلنا فيها موضع اختبارات.. فاجتهدي تنجحي فيها قبل الفاينل.. علشان تاخدي الدرجة النهائية في أعمال السنة.. أقصد أعمال الدنيا.
باغتها بابتسامة عريضة وهو يمازحها في عباراته الأخيرة، أوشكت على الابتسام ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وقررت أن تظل عابسةً الوجه كلما يتقابلان عله يصرف النظر عن هذه الزيجة، تنحنحت في هذه اللحظة ثم كررت أن تسأله تلك الأسئلة التقليدية بين شخصين يتعارفا حديثًا:
-ويا ترى عندك كام سنة؟!
تليد بابتسامة وَدودة:
-32
توقعت هذه الإجابة فأومأت ثم تابعت بتذكر وعينان تلمعان بإعجاب:
-إلا صحيح، القصة اللي قولتها لمدام نجلا عننا، لحقت تألفها إمتى؟!!.. بصراحة اللي يشوفك يقول ملكش في التأليف والتحوير أصلًا.
تليد بترقب واهتمامٍ يسألها:
-عجبتك القصة؟!!
أومأت برأسها إيجابًا ثم تابعت بتمني:
-الصراحة إتمنيت لو كانت قصة حقيقية، وشخص يهتم بيا من طفولتي ويفضل يحبني لآخر لحظة في عمري.. يخاف عليا من كُل حاجة وأكون دلوعته.. نخرج ويفسحني وأحس معاه إني بنته الصغيرة اللي شايف إن مفيش حد في الدنيا يعوضه عنها ومفيش مجال يعيش حياته وهي مش فيها.
تنهدت بعُمقٍ ثم تحولت بنظراتها إليه وراحت تقول بخجل وتوترٍ:
-طبعًا أنا عارفة إني عايشة في عالم الأحلام الوردية الخاص بالمراهقات ومفيش الكلام دا على أرض الواقع!.
تليد بابتسامة عذبة يُصرح:
-على فكرة، القصة اللي حكيتها لمدام نجلا، هي بالفعل قصتي الحقيقية.
انفتحت عيناها على وسعهما ثم تابعت بدهشة واستنكار:
-وهي فين؟! سبتها بعد كُل اللي حكيته عنها؟!!!!!
ثبت عينيه نحو خاصتها وراح يحتويها بنظرات ملهوفة من فرط الشوق ثم قال بلهجة حاسمة تذوب أحرفها بين ثنايا نبرته:
-قررت أتجوزها.
!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع
علياء شعبان
التفااااااااااعل 🔥🔥♥️
•تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية