رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثامن عشر 18 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل الثامن عشر»
***
سكون حل للحظات، لا عقل يستوعب ما قيل ولا أذن تصدق أن ذاك الإسم قد وقع على مسامعه، ماهي إلا لحظات قليلة من الهدوء قبل أن يتحول تدريجياً إلى بركان غاضب على وشك الثوران.
تلون وجهه وبات قاتماً إثر غضبه المتأجج داخله، تجهمت تعابيره واحتدت بصورة مخيفة، ارتفعت وتيرة أنفاسه وهو يطالعها بعينين حمراوتين.
بتلعثم حاولت نفي ما قالته:
_ أنا مقولتش.......
ارتعدت إيمان فور صياحه بنبرة اهتزت لها جدران الغرفة:
_ ششششش، اخرسي مش عايز أسمع صوتك
خفق قلبها بقوة وتسارعت نبضاته، تعالت أنفاسها بخوف بالغ، فلم تراه غاضباً هكذا من قبل، لوهلة ظنت أنه يحتفظ بوحش داخله يخرجه وقت غضبه.
تسابقت عبراتها في السقوط بغزارة كالسد الذي فتحت بوابته للتو، تمنت لو كانت تحلم وتستيقظ من ذاك الكابوس المزعج.
ابتعد بلال عن الفراش مثل المجنون الذي فقد عقله، تصرفاته كانت مريبة وتبث الرعب داخل إيمان، كان يجوب الغرفة بخطوات سريعة ثم أمسك بتلك الفازة وألقاها أرضاً مطلقاً "ااااه" قوية من داخله.
كور يده وظل يضرب الحائط حتى جرحت أصابعه وانفجرت منها الدماء تاركة بصماتها على الحائط، حتماً سيصاب عقله بالجنون، نظر إلى المرآة التي كانت على يمينه ولم يتردد في تحطيهما بيده فتضاعفت الجروح في يده.
بينما كانت تجلس إيمان واضعة راحتى يديها على أذنيها تبكي بخوف شديد خشية أن يمسها جنونه، كان بلال كالثور الهائج الذي يبحث عن ضحيته ليفتك بها وهذا آخر ما يتمنى حدوثه.
أجبر قدميه على الخروج من الغرفة قبل أن يقع حادث يندم على فعله طوال حياته، هرولت إيمان نحو الباب وقامت بتوصيده، وقفت خلفه تحاول كتم شهقاتها بيدين مرتجفتين، كان جسدها ينتفض بقوة إثر ذعرها من هول ما عاشته قبل ثوانٍ.
انهارت ساقيها التي ترتجف ووقعت بإهمال على الأرض، وضعت يدها على صدرها شاعرة بعلوه وهبوطة بصورة مضطربة ولم تحرك بؤبؤتيها قط وهي تعيد في ذاكرتها ردة فعله المرعبة.
في الخارج،
جاب بلال الردهة وهو يكاد يرى، رؤيته كانت ضعيفة مشوشة، يصغى لضربات قلبه المتزايدة، ناهيك عن شعوره بالإختناق الذي يراوده تدريجياً، لم يعد يستطيع التنفس وفشل في أخذ أكسجين لتمتلئ به رئتيه.
ألقى بجسده على الأريكة مستنداً بظهره على جدارها وطالع السقف محاولاً استنشاق الهواء لعله يعود إلى رشده، شعور مخيف كلما فشل في استنشاق الأكسجين، تعالت أنفاسه مستنجدة بأي شئ يمكنه إعادته للحياة مرة أخرى.
وقع صوته على أذني إيمان فتضاعف خوفها خشية أن يحدث مكروه له، لم تتردد ونهضت إلى الخارج بخطوات متعرقلة، شهقت بذعر حينما رأته يفشل في التنفس، اقتربت منه فنهض هو هارباً منها لكنها أوقفته حين أمسكت يديه وأردفت بنبرة متوسلة:
_ خليني أساعدك..
لم يتابع هروبه فهو بالفعل بحاجة إلى المساعدة، سيفقد حياته إن استمر ثانية أخرى على ذاك الوضع، حاوطته إيمان من ظهره عاقدة ذراعيها عند بطنه وبدأت تضغط عليها بقوة وحينما تفشل في استعادة أنفاسه تضغط بقوة أكبر، أعادت تكرار فعلتها عدة مرات حتى استعاد بلال أنفاسه.
سحبت يديها على الفور وانتظرت منه رد فعل تجاهها لكنه تابع سيره إلى الأمام ودلف الشرفة ثم أوصدها جيداً لكي لا تأتي خلفه، جلس على أحد المقاعد مستنشقاً الهواء العليل الذي فقده لعدة ثوانٍ وكادت أن تنتهي حياته اليوم!!
اليوم الذي تمناه ولطالما كانت حلمه منذ زمن، اليوم الذي رتب له بعناية وحيوية، اليوم الذي خطط لأقل التفاصيل به، ورسم له مواقف حميمية لكليهما إلا أنه يجلس في الشرفة هارباً مما تمنى قربه طوال حياته!
"يوسف، يوسف، يوسف"
رددها بلال غاضباً متذكراً همسها بإسم رجلاً غيره، تخطأ في إسمه وهي بين ذراعيه إلا إذا كانت تتخيل يوسف من معها، تضاعف غضبه وكرهه لها، شعر بالتقزز والنفور منها.
عقله لا يتوقف عن التفكير، ذاكرته تعيد له همساتها بإسم غير إسمه، كلما تجددت الحادثة في ذاكرته كلما شعر بشعور آخر نحوها، لكن الشعور المسيطر الآن هو الكُره الشديد لها، فهي نجحت في تعكير أجمل ليلة كانت ينتظرها بفروغ صبر.
شعر بلال أنه سيصاب بالجنون إن ظل يفكر فيما حدث، وخشى أن يعود لحالته مرة أخرى ففضل الهروب من الواقع، اختلس نظرة للخارج فلم يجدها واقفة، نهض وعاد إلى الردهة ثم توجه إلى الأريكة واستلقى بجسده عليها مرغماً عقله وعينيه على أخذ قيلولة، بعد محاولاتٍ فاشلة قد نجح أخيراً في ذهاب عقله.
في الغرفة، عقلها كان منشغلاً به، لم يرف لها جفن قبل أن تطمئن عليه، تخشى حدوث مكروه له، وما يثير قلقها هدوئه منذ وقت، عقلها يحثها على الخروج والإطمئنان عليه وداخلها يرفض تخطي خطوة خارج الغرفة خشية أن تنال نصيباً من بطشه إن أجبرت نفسها عليه.
لكن لا يهم، فما عاشه بسببها منذ قليل يستحق الإهتمام به حتى وإن قابلها بالرفض، وقفت أمام الباب وزفرت أنفاسها عدة مرات قبل أن تدير مقبضه وتخطوا للخارج، تقدمت باتجاه الردهة بتهمل شديد وقلبها يخفق بقوة.
هدأت نبضاتها حين رأته غافياً على الأريكة، اقتربت منه بحذر ومالت عليه تستمع لأنفاسه، فتنهدت براحة حينما شعرت بحرارتها ترتطم في وجهها.
عادت إلى الغرفة أخذه غطاء من خزانتها، ثم دسرته أعلاه برفق لكي لا يستيقظ، هرولت إلى غرفتها وتوسطت الفراش ثم ضمت ساقيها بذراعيها مستندة برأسها عليهم.
لم تكف عن إيلام نفسها، كيف تفعل ذلك؟ كيف تهمس بإسم يوسف في ليلة زفافها؟!
كيف لم تكن حريصة وتمتنع عن تخيله في ذاك اليوم؟
كيف قللت من شأن الرجل الذي يحقق أحلامها قبل أن تخبره بها، لقد أساءت له وأهانت كرامته.
رفعت رأسها وطالعت الفراغ أمامها لاعنة عقلها الذي لم يفكر لثانية قبل أن تتفوه بإسم رجل غيره وهي بين ذراعيه، لكمت رأسها مرات عديدة وهي تردد:
_ غبية، غبية
لقد انتقى من أجلها أجمل الأثاث وكان حريصاً على اختيار جميع ما تقع عينيها عليه، تعيش في منزل كالقصر، لم ينقص لها شيء، أختار من الحُلى أجملهم وأغلاهم ثمناً، كان يتودد إليها بعينيه وكلماته الحنونة، وهي ماذا فعلت له؟
لقد ردت الحُسنة بالإساءة!
استلقت على الفراش وتكورت في نفسها حتى باتت صغيرة الجسد، محاولة النوم لعلها تهرب مما اقترفته، لكن كيف ينام المرء وهو متسبب في حزن قلب أحدهم؟!
لم تجف عينيها قط فعبراتها تتساقط في صمت، عاكسة تلك الضجة الحادثة داخلها، كيف تسببت في هدم سعادته في لحظة؟
كيف تحولت تلك الليلة التي كان ينتظرها بفروغ صبر إلى ليلة تعيسة وحزينة؟!
العديد والعديد من الأفكار التي تتخبط بينهم ناهيك عن ضميرها الذي لا يكف عن تأنيب ذاته، إلى أن شعرت بالتعب ينهال عليها وخصيصاً عينيها التي أرهقتها الدموع حتى سقطت على الفراش فاقدة وعييها.
***
في الصباح، فتح بلال جفنيه بتمهل، لوهلة لم يلاحظ مكان نومه، تدفقت الدماء سارية في شريان قلبه فأدت إلى تسارع نبضاته حينما تنشطت ذاكرته بما حدث أمس.
شعر بدفء يعلوه فتفحص ذاته وتفاجئ بذاك الغطاء، أبعده سريعاً عنه ثم ألقاه بعيداً، اعتدل في جلسته خافياً وجهه براحتي يده، يشعر بالتعاسة التي ملئت قلبه، شعور النفور المختلط بالندم يرافقه، كم كان أبله حينما ظن أن بإستطاعته سلب عقلها وكسب حبها بشراء بعض الحُلي الثمين والأثاث الحديث.
نهض عن الأريكة وتوجه إلى غرفته التي بات لا يكره سواها، يكره تلك الذكرى التي عاشها بها، يكره رائحتها آنذاك، يكره لهفته على التودد إليها على فراشهم الجديد.
وقف أمام باب الغرفة ثم فتحه وطالع جسدها المتكور في نفسه وظل يردد أنه يكرهها، اختفى ذاك الحب الذي كان يكنه لها وتحول إلى بغض وكره شديدان.
تقدم بخطاه للداخل ناظراً إلى الخسائر الذي تسبب بها، تعجب من غضبه الذي ظهر البارحة، فلم يثور يوماً مثلما كان أمس، يتسائل كيف نجت تلك الفتاة بحياتها ولم يفتك بها لحظتها؟
تابع سيره متجهاً إلى غرفة الملابس، وقام بتبديل بيجامته إلى بنطال جينز أسود وقميص أبيض ثم خرج من الغرفة وغادر المنزل، ترجل إلى الطابق الأول حيث منزل والديه، تردد كثيراً في قرع الجرس لكن في النهاية خضع لما يحثه عقله على فعله.
جائه الرد بعد ثوانٍ، لم تتوقع والدته قط زيارته لها المبكرة، لوهلة طالعته بذهول ثم تقوس ثغرها للجانب مبتسمة في سعادة ثم صاحت مهللة:
_ يا صباح الهنا يا أحلى عريس في الدنيا، صباحية مباركة يا حبيبي
تردد صدى زغاريدها في السُلم فأسرع بلال في إيقافها:
_ بس يا ماما هتلمي علينا الناس
هدأت زغاريدها تدريجياً حتى اختفت ثم رحبت به بحفاوة كأنه غائب عن المنزل منذ أشهر فتعجب بلال من استقبالها الحافل وهتف ساخراً:
_ إيه كل دا، دا أنا لسه سايبك بليل
ربتت على يديه والسعادة ظاهرة في عينيها ثم قالت موضحة:
_ فرحانة بيك يا حبيبي..
اقتربت ثم لكزته في كتفه غامزة إليه بعينيها اليمنى:
_ طمني عليك يا حبيبي وعلى إيمان، هي كويسة؟
حاول بلال جاهداً بألا يكون بارداً في رده لكي لا تشعر بشيء وأجابها مختصراً:
_ كويسين، كويسين يا حبيبتي
جاب المكان من حوله بنظراته هارباً من أسئلتها التي لن تكف عن سؤالها بقوله:
_ بابا فين؟
أجابته بلهفة:
_ نزل من شوية..
هز بلال رأسه ثم توجه إلى غرفته معللاً ذهابه إليها:
_ ياااه أوضتي وحشتني أوي
قفز على الفراش فتشكل الذهول على تقاسيم والدته، وضعت يديها في منتصف خِصرها قبل أن تهتف بعدم تصديق:
_ أوضة إيه اللي واحشتك يا بكاش دا اللي يشوف لهفتك على الجواز يفكر إنك هتنسانا!
تشكلت بسمة متهمكة على شفتي بلال لا إرادياً فاستشفتها والدته وشعرت بثمة أمراً به، حتماً هناك ما يوجد خلفه.
طالعته بأعين ضائقة وسألته مستفسرة بقلق:
_ أنت متأكد إنكم كويسين؟
أكد بلال أنهما بخير بإيماءة من رأسه ورسمه لإبتسامة زائفة قبل أن يردف:
_ أيوة كويسين..
تنهد قبل أن يواصل استرساله:
_ ما تعملي فنجان قهوة بإيديكي الحلوين دول أصل أنا مصدع أوي
تفاجئت شهيرة بطلبه، فمن التي في خدمته الآن حتى يطالبها بذلك وليست زوجته، كانت متأكدة أن هناك ما حدث وعكر صفوه وبالتأكيد لن يخبرها إذا سألته مرة أخرى، لكنها تعلم جيداً من الذي يمكنه معرفة ماذا به.
انسحبت بهدوء إلى الخارج فتجهمت تعابيره تلقائياً فور خروجها، همسها بإسم "يوسف" لازال يتردد في أذنه وكأنها إلى جانبه تعيد وقاحتها.
ازداد غضبه ونفوره منها، لم يعد يريدها، لكن كيف سيحدث ذلك؟ بالتأكيد لن يرسلها إلى عائلتها ثاني يوم لها معه، عليه إخماد غضبه والتفكير بذهن صافِ لكي لا يقع وزر على عاتقه ويكون المخطئ في نظر الجميع.
في الخارج، وقفت شهيرة على باب المطبخ بعد أن وضعت القهوة لتُطهى، تراقب المكان خشية خروج بلال في أي لحظة ثم قامت بعمل مكالمة هاتفية.
"السلام عليكم، مين معايا؟"
أردفهم بصوته الأجش فأجابت هي مع مراعاة هدوء نبرتها:
_ وعليكم السلام، أنا أم بلال يا يوسف، إزيك
أجابها يوسف بغرابة لإتصالها الذي أثار القلق فيه:
_ الحمدلله..
حمحمت وقالت وعينيها مصوبة على غرفة بلال:
_ معلش يا يوسف إني بكلمك بدري كدا بس بلال هنا وأنا حاسة إن فيه حاجة وبيحاول يخبي عني، ممكن تيجي تشوفه وتتكلم معاه يمكن يحكي لك، أنا عارفة إنه مش بيخبي حاجة عنك
أثارت كلماتها القلق داخله، تفقد ساعة الحائط فالوقت مازال باكراً للغاية، لماذا قد يعود بلال لبيت والديه في تلك الساعة المبكرة؟
أخرج زفيراً قبل أن يخبرها:
_ حاضر جاي..
أغلق الهاتف وأعاد وضعه في جيبه ثم هز رأسه باستنكار شديد، فتلك عواقب تحذيراته لطالما حذر بها بلال وهو لم يصغي إليه.
خرج من غرفته فقابلته مشاكسته بإبتسامتها المعهودة وأردفت برقة:
_ Gün adın سوفي
رد عليه يوسف وعقله مشغولاً فيما أخبرته به والدة بلال:
_ صباح الخير، قولي لميمي إني مستعجل أفطروا أنتوا
غادر المنزل تحت نظراتها المتابعة له، ارتخت ملامحها وبدت متملقة فلم ينتظر حتى تخبره بما لديها، نفخت بضيق ثم ولجت المطبخ لتخبر السيدة ميمي بذهاب يوسف.
***
بعد مرور دقائق قليلة، سمعت شهيرة طرق باب منزلها، أسرعت في فتح الباب واستقبلت يوسف بترحاب شديد، فسألها هو مستفسراً:
_ بلال فين؟
أشارت بيدها على غرفته قائلة:
_ في أوضته من وقت ما نزل وهو قاعد فيها وآخر مرة دخلت له القهوة اللي طلبها قالي سبيني لوحدي
الأن تأكد يوسف أن هناك ما حدث بينهما أو ربما لم يحدث وذلك ما يضايقه، أخرج زفيراً قبل أن يدلف غرفة بلال بعد أن طرق الباب وسمح الآخر له بالدخول ظناً أنها والدته، فتفاجئ بدخول يوسف.
لوهلة شعر بالغضب يتأجج داخله، طالعه ببرود دون ترحيب، بينما بادله يوسف ابتسامة عريضة مشاكساً إياه:
_ لا لا متوقعتش أنك تورينا وشك قبل شهرين تلاتة كدا
لم تتغير ملامح بلال بل كانت جامدة تثبت ليوسف أن هناك مصيبة قد وقعت، اقترب منه وسحب كرسي وجلس أمامه قبل أن يسأله باهتمام:
_ عامل ايه؟
ببرودٍ أردف بلال سؤاله:
_ أنت إيه اللي جابك؟
رمقه يوسف بنظرات احتقاريه ثم لكزه في صدره بعنف قبل أن يردف مستاءً:
_ إيه المقابلة دي وأنا كنت نايم في حضنك طول الليل؟
شعر بلال بفظاظة أسلوبه فرقق من تعامله:
_ لا بجد عرفت منين إني هنا؟
فكر يوسف لثوانٍ قبل أن يخبره:
_ حسيت..
رمقه بلال بطرف عينيه ثم ظهرت إبتسامة على محياه، اعتدل في جلوسه حيث يكون قريباً منه وقال بهدوء:
_ مش فايق لرخامتك يالا، جاي تعمل إيه؟
لم يطيل يوسف وأوضح سبب وجوده:
_ جاي أشوفك بتعمل هنا إيه ماهو مش طبيعي يعني تبقى قاعد في أوضتك الساعة ٩ الصبح وسايب بيتك ومراتك..
تجهمت تعابير بلال ولم ينجح في إخفاء غضبه الواضح، استشف يوسف ملامحه المشدودة وأردف سؤاله مهتماً لأمره:
_ هو حصل حاجة؟
عاد بلال بأنظاره عليه قبل أن يسأله بتردد:
_ حاجة إيه؟
رفع يوسف كتفيه مبدي عدم معرفته، تنهد وقال عدة إقتراحات:
_ مش عارف، مثلاً شديتوا مع بعض، محصلش اللي...
قاطعه بلال ناهياً الحوار بينهما:
_ مفيش حاجة حصلت يا يوسف إحنا كويسين، ارتاح
"متأكد؟"
سأله للمرة الأخيرة فأكد بلال عدم وجود شيء بقوله:
_ يابني مفيش حاجة، يلا قوم امشي
اتسعت مقلتي يوسف بدهشة ومازحه:
_ أنت بتطردني؟!
نهض بلال عن الفراش وهتف مسايراً إياه في مزاحه:
_ أنا كدا كدا طالع أنت هتقعد تعمل إيه، تطبخ مع أمي؟
طالعه يوسف باحتقار زائف ثم نهض وتقدم عنه بضعة خطوات قبل أن يلتفت برأسه متسائلاً باهتمام:
_ يعني كله تمام؟
قلب بلال عينيه ثم صاح:
_ يابني كله تمام أعمل إيه عشان تصدق
تنهد يوسف ثم حاول تصديقه:
_ حاول أصدقك
أجبره بلال على الخروج بوضع يديه على ظهره دافعاً إياه للخارج وهو يردد:
_ طب يلا برا
ارتفعت ضحكاتهم فوقعت على مسامع شهيرة وسببت لها السعادة، انضمت إليهما وطالعت بلال بعينين لامعة وهي تراه يضحك ببشاشة، وجهت بصريها على يوسف وأرسلت إليه بعض الإشارات المتسائلة من خلال عينيها فهتف يوسف بمرح:
_ زي القرد أهو مفيهوش حاجة
تفاجئ بلال بكلمات يوسف ثم عاتب والدته ممازحاً:
_ يعني أنتِ اللي بلتيني بيه على الصبح كدا؟
لم تستطيع شهير إخفاء ضحكاتها التي أثبتت له حدسه، فهز بلال رأسه مستنكراً تصرفها لكنه لم يعقب، فلا يمتلك القوة لخلق أحاديث ولوم، هو فقط يريد الهروب من الجميع، وكانت فكرة نزوله غير موفقة بالمرة.
غادر يوسف بينما صعد بلال للأعلى جاهلاً مستقبله مع تلك الفتاة.
في تلك الأثناء استيقظت إيمان من نومها، جابت الغرفة بنظريها، لا تتذكر متى غابت عن الوعي، نهضت ثم ولجت المرحاض وغسلت وجهها وعادت للغرفة، نظرت للباب بتعجب فهي لم تتركه مفتوحاً.
تقدمت نحوه وكادت أن تعيد غلقه لكنها تراجعت وتابعت سيرها للخارج لترى إن كان لازال نائماً ام استقيظ فهي مدينة له باعتذار.
انقعد حاجبيها فور عدم رؤيتها له، استدارت بجسدها لتعود إلى الغرفة إلا أن انتبهت لفتح الباب، خفق قلبها بذعر حين وقعت عينيها عليه.
لم يعطيها بلال أي اهتمام وكأنها نكرة، استلقى على الأريكة ثم دعس على جهاز التحكم وظل ينتقل بين القنوات.
شهيقاً وزفيراً فعلت إيمان وسارت نحوه بخطى متهملة، وقفت أمامه فحجبت عنه الرؤية، أخفض الآخر بصره بهدوء دون تعقيب.
عضت إيمان على شفتيها شاعرة بحرج شديد يشوبه الندم على ما فعلته، جاهدت على كسب بعض القوة لكي تعتذر منه وتنهي ذاك الخلاف.
حمحمت قبل أن تردف بخفوت:
_ أنا آسفة..
تشكلت ابتسامة ساخرة على شفتي بلال، صوب بصره عليها وردد بذهول:
_ آسفة! بس كدا؟
لم تستطيع النظر في عينيه الذي يلومها من خلالهما وحاولت وضع بعض التبريرات:
_ مكنش قصدي معرفش أنا قولت كدا إزاي ااا...
لم يعد في استطاعتها مواصلة حديثها بينما نهض بلال وظل يقترب منها بخطوات رزينة وهو يردد كلماتها:
_ أنا آسفة، مكنش قصدي، معرفش أنا قولت كدا إزاي!!
وقف قبالتها وانحنى برأسه ليكون في نفس مستوى طولها وصاح منفعلاً:
_ دا أنا كنت هخسر صاحبي بسببك!! وأنتِ تقوليلي آسفة!! دا أنا اول ما شوفته كنت هرمي اللوم عليه وأقوله مراتي نطقت باسمك أنت مش بإسمي!
كنت هخسر عشرة ٢٥سنة بسببك أنتِ!
أجبرها على النظر إليه برفعه لوجهها، ظل ممسكاً بذقنها وواصل هتافه من بين أسنانه المتلاحمة:
_ عارفة اللي بتنطق إسم راجل تاني غير جوزها وهي في حضنه دي بيتقال عليها إيه؟
بيتقال عليها وسـ...
قاطعته إيمان بإبتعادها عنه ثم توسلته قائلة:
_ لو سمحت يا بلال بلاش غلط
قهقه بلال قبل أن يصرخ عالياً:
_ غلط؟ هو أنا لسه قولت غلط؟ دا أنا هعـ...
خرجت إيمان عن صمتها وانفجرت به بكل ما أوتي من قوة:
_ كفاية بقا كفاية، أنا مغطلتش، مش أنا السبب في اللي إحنا فيه دا، أنت السبب، أنت اللي مشيت كل حاجة بسرعة، أنت اللي أناني ومفكرتش غير في نفسك وبس، مكنتش بتفكر غير في اللي أنت عايز توصله وبس، وهو أديك وصلت برافوا
صفقت له أيمان ثم اقتربت منه وهي تشير على نفسها:
_ ومفكرتش مرة فيا، مفكرتش أنا عايزة كدا ولا لأ، مفكرتش تديني حتى مهلة أخد عليك، أنت قولت نمشي كل حاجة بسرعة وبعدين نتعرف على بعض براحتنا، بحييك على تعارفنا ببعض، باللي عملته دا خليتنا أتعس اتنين في الدنيا
أولاته ظهرها لتعود إلى غرفتها فهدر هو شزراً:
_ أنا اللي غلطان فعلاً، بس غلطان إني حبيتك!
اهتزت إيمان من اعترافه الصريح، هرولت إلى الغرفة وأوصدت بابها، جلست أرضاً وجهشت باكية بحزن شديد تحول بعد لحظاتٍ إلى غضب وكره.
نهضت عن الأرضية واتجهت إلى أحد الأدراج والتقطت منه مقص ثم أسرعت باتجاه فستان زفافها ولم تتردد في خرق كل ثغره به لاعنة ذاك اليوم الذي استسلمت به ولم تبدي رفضها لتلك الزيجة.
ألقت المقص بعيداً عنها وتكورت في نفسها تبكي بغزارة، كانت تضرب رأسها من آن لآخر كلما تذكرت ما اقترفته في حق نفسها.
انتبهت على رنين الهاتف، فمسحت على أنفها الذي سالت مائه وأجابت على هاتفها بنبرة مهزوزة:
_ الو
استشعرت والدتها نبرتها الغريبة وسألتها بقلق:
_ مالك يا إيمان أنتِ كويسة؟
أحقاً تسألها إن كانت بخير أم لا؟! هل استطاعت نطقها وهي على علم بحقيقة الأمور؟ لم تستطيع تمالك صمودها وانفجرت باكية وهي تخبرها أنها ليست بخير:
_ مش كويسة خالص يا ماما..
أصاب الذعر هادية ثم هتفت بالعديد من الأسئلة:
_ حصل ايه بس؟ أنتِ بتعيطي كدا ليه؟ طمنيني عليكي
أجابت إيمان من بين بكائها بتلعثم لعدم تمكنها من الحديث:
_ محتاجة لك اوي، ينفع تيجي؟
"أيوة طبعاً هاجي، مسافة الطريق وهكون عندك"
هتفت بهم هادية ثم أسرعت نحو غرفتها لتبدل ثيابها حتى تذهب إلى ابنتها، فلقد انفطر قلبها حزناً على صوتها الباكي وحالتها المذرية بينما وقعت إيمان على الفراش وظلت تبكي دون توقف.
***
كانت لينة تجلس برفقة السيدة ميمي عابسة، عقلها مشغول في أمراً ما، لاحظت صمتها طيلة فترة مرافقتها لها وسألتها بفضول لمعرفة ما يشغل بالها:
_ مالك يا لينة بتفكري في إيه كدا من وقت ما قعدتي معايا؟
تنهدت لينة بملل ممزوج بالحزن قبل أن تجيبها:
_ يوسف شكله نسى عيد ميلادي!
حاولت ميمي تبرئته بقولها:
_ يمكن الوقتي يفتكر ويكلمك، أنتِ عارفة يوسف مشغول إزاي الفترة دي
عارضتها بعدم اقتناع:
_ يوسف على طول مشغول وعمره ما نسى عيد ميلادي وكان أول واحد بيفتكره ويقولي كل سنة وأنتِ طيبة
زمت شفتيها بحزن قبل أن تتابع مستاءة:
_ بس شكله كدا شافني كبرت ومعتش هيهتم بحاجة تخصني
لم تعلق ميمي بل تركتها تخرج ما في جوفها، بينما شعرت الأخرى بالملل يجتاحها حينما لم تبادلها ميمي الحوار، استأذنت منها ودلفت غرفتها تفكر في عمل أشياء تشغل عقلها عن يوسف، بينما ظهرت إبتسامة على شفتي ميمي لتصرفاتها الطفولية، ثم تابعت طهيها للطعام.
***
"أستاذ يوسف، استنى"
هتف بهم أحد الشباب منادياً على يوسف فتوقف الآخر وأردف بلطف:
_ إزيك يا طارق؟
وقف طارق يلتقط أنفاسه وأجاب:
_ بخير الحمدلله، كنت حابب أوريك حاجة شوفتها وأنا براجع الكاميرات عندي في المحل
رمقه يوسف بطرف عينيه قبل أن يسأله مستفسراً:
_ حاجة إيه؟
تنهد طارق وقال مختصراً:
_ تعالى وشوف بنفسك
سار يوسف برفقته حتى دلف كليهما لمكان عمل الشاب، جلس طارق أمام شاشة الكمبيوتر ثم أعاد تشغيل الفيديو الذي أوقفه قبل قليل.
انحنى يوسف بقرب الشاشة ليرى ما الأمر، اتسعت مقلتيه تلقائياً فور رؤيته لذاك الرجل الملثم الذي قطع له الفرامل.
ابتلع ريقه وتحدث بلهفة وهو يشير إلى السيارة التي خرج منها الرجل:
_ أعمل زوم يا طارق على رقم العربية لو سمحت
ضاعف له طارق حجم الصورة فظهرت أرقام السيارة بوضوح، استعار يوسف ورقة وقلم منه ثم دون بها أرقام السيارة لكي يبحث عن أولئك الأوغاد، وتوعد لهم بأشر انتقام.
شكر الشاب لتعاونه ثم هاتف أحد معارفه في إدارة المرور وأعطاه الرقم ثم أنهى المكالمة قائلاً:
_ حبيبي يا مراد باشا، هستنى منك مكالمة
وضع الهاتف أمامه في السيارة ثم تحرك بها بعيداً قاصدا مكان عمله لينهي بعض الأعمال سريعاً.
***
قرع الجرس أخرجه من شروده، توجه نحو الباب وفتحه فإذا بها والدة إيمان، قابلها بملامح جامدة فلم ينجح في تصنع سعادته تلك المرة، تعجبت هادية من مقابلة بلال الجامدة فلم يكن يوماً هكذا.
حمحمت بحرج شديد ثم تسائلت باهتمام:
_ إزيك يا بلال؟
باختصار أجاب:
_ كويس
لاحظ عينيها الباحثة عن ابنتها فأردف بنبرة خشنة:
_ إيمان في الأوضة، أنا هنزل عشان تكونوا على راحتكم
لم ينتظر ردها بل غادر على الفور، ازدادت حيرة وقلق هادية من أمرهما، دعت داخلها بأن تجد عاقبة الأمور هينة، توجهت نحو غرفة ابنتها وقلبها يكاد يقتلع من مكانه لشدة تدفقه خشية وقوع ماهو سيء.
أمسكت مقبض الباب وحاولت فتحه لكنه كان موصداً من الداخل، طرقت عليه برفق معلنة عن مجيئها:
_ إيمان افتحي الباب..
في غضون ثوانٍ كانت قد فتحت لها الباب، صعقت هادية من تورم جفنيها وحالتها المذرية، ألقت إيمان نفسها بين ذراعي والدتها وانهمرت باكية، فبثت الخوف في قلب والدتها التي انهالت عليها بالأسئلة:
_ أنتِ عاملة في نفسك كدا ليه؟ وبلال ماله مقابلني وهو مش طايق نفسه؟ حصل إيه لكل دا احكي لي
ازداد نحيب إيمان فصاحت والدتها بتوجس شديد:
_ بطلي عياط وفهميني إيه اللي حصل، انطقي يا إيمان قلبي هيقف من كتر الخوف
أولاتها إيمان ظهرها وعادت إلى الغرفة، حاولت السيطرة على بكائها، تبعتها شهيرة وقد وقعت عينيها على الزجاج المتناثر، فوقع قلبها رعباً، وتسائلت ما الذي أدى لذاك الجنون؟
بعد مرور بضعة دقائق استطاعت إيمان تمالك نفسها واستعادة جزء من رونقها.
تنهدت هادية وهي تربت على ظهرها بحنو ثم قالت:
_ أحكي بقا إيه اللي حصل؟
أخبرتها إيمان ما عاشته منذ ليلة أمس إلى الوقت الحالي أسفل ذهول هادية التي وقعت بين طياته، هزت رأسها رافضة تصديق ما وقع على مسامعها.
خرجت من صمتها مرددة ما يدور في عقلها:
_ أنا مش قادرة أستوعب إنك عملتي كدا؟ أنتِ نطقتي بإسم يوسف يوم فرحك يا إيمان؟
توسلتها إيمان أن تتوقف عن المعاتبة فهي لم تعد تتحمل سماع المزيد:
_ أبوس ايدك مش عايزة لوم، اللي أنا عيشته من امبارح للنهاردة بعمري كله، معتش قادرة أسمع كلمة زيادة
طالعت أمامها لبرهة قبل أن تسترسل:
_ هو السبب في اللي إحنا دا، وأنتِ كمان السبب..
بكت وهي تتابع تحت نظرات والدتها المصدومة:
_ وأنا كمان السبب!
يعني إيه نجيب اتنين ملهمش علاقة ببعض نحطهم في بيت واحد والمفروض يتعاملوا مع بعض عادي؟!
ما طبيعي يفشلوا من أول دقيقة، مش عارفة إزاي سمعت كلامك وكملت من غير ما أرفض، مش عارفة إزاي كنت مغيبة بالشكل دا؟
أنا غبية واستاهل كل اللي يجرالي
لكمت إيمان رأسها بقوة، فأسرعت والدتها في منعها من مواصلة ما تفعله، ثم قامت باحتضانها، سقطت عبراتها بسبب إيلام إيمان لها، لم يكن في مقدرتها سوى مأزرتها بالمشاعر فقط، فلم يكن لديها كلمات لتطيب بها جرحها وأي كلمات ستطيبه بعد ما مرت به؟
***
بعد مرور ثلاثون دقيقة من السكون، لا تشعرن إحداهن إلا بأنفاسهن، تنهدت هادية قبل أن تسألها بخفوت:
_ بقيتي أحسن الوقتي؟
أماءت إيمان بتأكيد وابتعدت عنها، ابتسمت لها والدتها ثم أردفت ما توصلت إليه:
_ أنا مش هعاتب ولا هدي نصيحة لأن الاتنين ملهمش لازمة خلاص، بس أنا عايزة أقولك إني معاكي في أي قرار هتاخديه، سواء حاولتي تحافظي على بيتك وتظبطي علاقتك مع جوزك أو...
باتت الكلمات أكثر ثقلاً على لسان هادية، زفرت بعض الأنفاس وعادت لمواصلة حديثها:
_ أو تطلقي.. أنا معاكي في أي قرار المهم إنه يكون في مصلحتك، بس ليا طلب عندك
نظرت إليها إيمان باهتمام وآذان صاغية فتابعت والدتها:
_ لو قررتي تطلقي، استنى على الأقل فترة، لأن طلاقك في الوقت دا هينعكس عليكي بالسوء، والكلام عليكي هيكتر وأنا مش عايزاكي تعيشي الحاجات دي عشان متتعبيش
اكتفت إيمان بإيماءة من رأسها فنهضت هادية مبتعدة عنها ثم لقِفت حقيبتها وقالت مودعة بآسى:
_ أنا مش هينفع أقعد أكتر من كدا لأني مقولتش لابوكي إني هخرج، ابقي كلميني طمنيني عليكي على طول
اقتربت منها ثم طبعت قُبلة على جبينها وغادرت المنزل، عادت إيمان إلى الغرفة وبدلت قميصها التي باتت عليه منذ البارحة بثياب أخرى محتشمة.
***
تابعها بنظراته حتى اختفت من المنطقة، فترجل إلى المنزل، لم يفضل مكوثة فترة وجودها عند والدته لكي لا يثير قلقها مرة أخرى ففضل الصعود لسطح البناية.
صغت إيمان إلى صوت إغلاق الباب، خرجت من الغرفة بعد أن قامت بجمع خصلاتها على شكل ذيل حصان، وقفت في المرر الذي يفصل بين الغرف ووجهت حديثها له بجمود:
_ أنا من حقي أعرف إحنا هنتعامل إزاي مع بعض؟
ببرود تام أجاب بلال بعدما وقف على بعد مسافة منها:
_ مش هنتعامل!
اغتاظت إيمان من رده البارد وصاحت بإقتضاب:
_ يعني اتنين في بيت واحد مش هيصدف إننا نتعامل مع بعض؟
هز رأسه مراراً ثم اقترب منها فتراجعت هي للخلف خشية أن يتطاول عليها، مر بلال من جوارها ثم دلف غرفته ومنها إلى غرفة الملابس، جمع ثيابه وخرج من الغرفة تحت نظرات إيمان التي سألته بفضول:
_ أنت بتعمل إيه؟
لم يجيبها وتابع سيره إلى غرفة الأطفال خاصتهم، وضع ثيابه على أحد الأفرشة الكائنة في الغرفة ثم عاد إليها وقال بلهجة مقتضبة:
_ من هنا ورايح أنا في أوضة وأنتِ في أوضة، بيتك مليان بكل اللي تحتاجيه، ولو احتجتي لحاجة اكتبيها في ورقة وسبيها على التلاجة، عايزة تروحي زيارة لأهلك معنديش مانع، وفيه يوم إخواتي بيجوا تحت هننزل نقضي اليوم معاهم وهنبقى أسعد زوجين قدام أي حد، غير كدا ملكيش عندي حاجة، تمام؟!
تخطاها بخطواته وجلس في الردهة ينتقل بين القنوات ليشاهد أحد الأفلام، بينما كانت تقف إيمان على جمر متقد لقد خطط لحياتهم القادمة واتخذ موقفاً بالفعل، نفخت بضيق ثم شعرت بالجوع الشديد فهي لم تتناول شيء منذ صباح اليوم الماضي.
ولجت المطبخ وبحثت عن أشياء للأكل، أعدت بعض الشطائر لها وله، خرجت من المطبخ وتوجهت إليه ثم تركت ما معها على الطاولة فتفاجئت به يبعد الطبق بيده متمرداً على ما أحضرته.
لم تصمت تلك المرة وصاحت هاتفة بحنق:
_ زي ما أنت خططت ورتبت لدورك هنا في البيت سبيني أنا كمان أقوم دوري ماهو مش هقعد زي الأباجورة طول اليوم لغاية ما انفجر من الزهق!!
طالعها بلال لثوانٍ كانت كفيلة لإرهابها، لم تزيد حرفاً وهرولت عائدة إلى غرفتها، بينما مال الآخر برأسه متفحصاً المكان فلم يجدها، أسرع في أخذ الشطائر وبدأ يتناولها بشراهة فلقد تضور جوعاً لكن سرعان ما أعاده ما تناوله فور تذكره لهمساتها، أبعد الطبق بيده ثم نهض وتوجه إلى المطبخ لكي يعد له طعام آخر.
في الغرفة، توسطت إيمان الأريكة وهتفت بغيظ:
_ مياكلش، أنا هاكل
رفعت يدها بالشطيرة وقضمتها بشهية حتى أنهتها وقامت بتناول الاخرى في محاولة منها على تصنع اللامبالاة.
***
حل المساء، ولم يعود يوسف، كانت لينة تقف في نافذتها تشاهد النجوم بملل، انطفأت جميع المصابيح فجاءة، فخفق قلب لينة رعباً فهي لا تكره سوى الظلام وتخشاه للغاية.
خرجت من غرفتها راكضة بعد أن وضعت حجاب رأسها فكان المكان مظلم للغاية، شعرت بوجود أحدهم خلفها فتسارعت نبضاتها بقوة من فرط الخوف، استدارت بجسدها وارتفعت وتيرة أنفاسها، جحظت عينيها حينما رأت ذاك الجسد العريض يتقدم نحوها فصرخت عالياً بذعر:
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية