رواية الوشم السائر الفصل التاسع عشر 19 - بقلم اسماعيل موسى
شروق وقفت في منتصف الغرفة، نظرتها كانت مزيجًا بين التراخي والاستفزاز، الوشم الذي لمحت جزءًا منه كان كافيًا ليشعل كل إنذارات الخطر في رأسي، لكنني تظاهرت بالهدوء.
“شروق، الوشم اللي عندك… شكله حلو قلت بنبرة عابرة وأنا أنفث دخان سيجارتى
ممكن أشوفه؟
أطلقت شروق ابتسامه عريضه والتمعت عينيها ببريق من الجمال الاخاذ
بزمتك عايز تشوف الوشم ولا حاجه تانيه؟
ثم رفعت شروق حاجبها بدهشة مصطنعة الوشم؟ ، ده قديم جدًا، من أيام الجامعة. مجرد ذكرى غبية.”
ابتسمت بخفة. “غريب إنه يكون نفس الوشم اللي بنلاقيه على جسم المقتولين؟
شروق تجمدت لجزء من الثانية، أطلقت نظرة خاطفة نحو نيرة، ثم ضحكت
“بجد؟ طيب ده معناه إن اللي بيقتلهم عنده ذوق فني زيي
“أو يمكن أكتر من مجرد ذوق؟ قلت وأنا أحدق في عينيها المتحديتين
عينيها التى ارغب فى التهامها مثل سمك البربونى المقرمش
شروق اقتربت وجلست على طرف الطاولة أمامي، متكئة بيدها على الطاولة، مانحه اياى اطلاله فاخره على مؤخرت_ها، تنظر إلي كأنها تتحداني “إنت بتحاول تقول اية يا عوني؟”
همست، أنا مش بحاول أقول… أنا بحاول أفهم.”
“تفهم إيه؟”
” كل اللي حوالينك بيموتوا بنفس الطريقة، زوجك، عشيقك وعندك نفس الوشم المصادفة دي غريبة جدًا، مش كده؟”
شروق لم تفقد هدوءها، بل انحنت للأمام قليلاً وقالت بصوت ناعم لكنه مفعم بالتحدي: “إنت شاكك فيا، يا عوني؟”
ثم مدحت مش عشيقى دا اكان مجرد تجربه اعترضت طريقى
لكن انتى قولتى انه عشيقك يا شروق
كان بيعشقنى لكن عمره ما لمسنى، يمكن اكون غلطانه لكن الست بتحب تكون مرغوبه
ولما مش بتلاقى كده من جوزها بتحبث عنه فى اى حته
عارف يا عونى ثم صمتت شروق، لكن انت مش متجوز هتفهم ازاى؟
كل زى بعضه فى الآخر خدها منى حكمه يا عونى تختلف أشكال الفاكهه وطعمها لكن التأثير يظل واحد
ابتسمت بتركيز “أنا ما بشكش… أنا بحاول أجمع الأدلة.”
ضحكت شروق بصوت مرتفع، ثم قالت: “يا سلام! ومين اللي قال إنك محقق ولا قاضي؟”
“أنا مش محقق… أنا مجرد واحد بيكره يشوف الدم حوالينه.”
شروق وقفت فجأة، نظرتها كانت مزيجًا بين الضيق والتهكم، “طيب، طالما الدم بيزعجك، ليه مش تسيب القصة دي وتعيش حياتك؟”
“لأن القصة دي ما بتسيبنيش، يا شروق. والدم دايمًا ليه ثمن.”
شروق تقدمت نحوي بخطوات بطيئة، حتى وقفت أمامي مباشرة، ثم انحنت قليلًا، وجهها قريب من وجهي. “طيب اسمعني، يا عونى فرضا مثلا لو أنا لو قتلتهم، هيكون عندك دليل؟”
نبرة صوتها جعلت شعري يقف، لكنها لم تمنعني من الرد، “الدليل ممكن يكون موجود، وممكن يظهر في أي لحظة، القتلة دايمًا بيتركوا أثر.”
ابتسمت، ابتسامة مليئة بالثقة والغموض، ثم قالت بنبره مزاحيه “أنا مش زي القتلة اللي تعرفهم، يا عوني لو عايز تلعب، العب، بس خلي بالك… مش كل الألعاب ليها نهاية سعيدة.”
ثم استدارت وغادرت الصالة، تاركة وراءها هدوءًا ثقيلًا كأنه ينذر بعاصفة قادمة.
نظرت إلى نيرة التي كانت قد انكمشت على نفسها في زاوية الغرفة، وجهها شاحب كأنها شاهدت شبحًا.
“شايفه؟” سألتها بهدوء.
“شايفه، يا عوني… شروق مش إنسانة عادية.”
نهضت من مكاني وأطفأت السيجارة في المنفضة. “وأنا مش ناوي أتعامل معاها كإنسانة عادية.”
أدركت أن الليلة لم تعد مجرد مواجهة مع شروق، بل كانت بداية حرب… حرب لا أملك فيها رفاهية الخسارة.
الحيرة تلد الغموض، والغموض يلد أسئلة، والأسئلة تلد الشك، والشك… هو بداية السقوط في الهاوية.
…
كانت الغرفة تشبه فخًا شُدّت حباله للتو، الهواء كان أثقل مما ينبغي، كأن الأنفاس تتعلق به دون أن تجد طريقها للخروج، نيرة ظلت في زاويتها، وعيناها متعلقتان بي وكأنها تنتظر مني تفسيرًا لكل ما يحدث، لكنني كنت أحتاج التفسير بنفسي.
أشعلت سيجارة جديدة، ووقفت أمام النافذة المفتوحة. نظرت إلى المدينة الممتدة تحتنا، أنوارها تلمع كأنها وشم آخر، محفور على وجه الليل
“نيرة، الوشم اللي على صدر الضحايا… شكله نفسه اللي على شروق؟ بالضبط؟”
هزّت رأسها بتردد، ثم قالت: “مش عارفه، بس اللي شفته عندها نفس الثعبان المجنح، وأعتقد إنه بنفس التفاصيل.”
“تفاصيل زي إيه؟”
“الأجنحة… طويلة ومفتوحة بالكامل، والثعبان ملفوف حول وردة وكأنه بيحميها أو… بيختنق بيها.”
توقفت عن الكلام، وكأنها تخاف أن تضيف شيئًا آخر قد يثقل كاهل الغموض الذي يحيط بنا.
“غريب.” قلت وأنا أنفث الدخان ببطء. “الأجنحة مفتوحة بالكامل، والثعبان بيختنق؟ شكلها مش مجرد وشم عشوائي.”
“تفتكر ليه؟” سألت نيرة بصوت ضعيف.
ابتسمت، نصف ابتسامة تشبه خدعة أكثر مما تشبه راحة، “الرموز، يا نيرة. الوشوم دي نادرًا ما تكون زينة بس. دايمًا بتخبّي حاجة.”
“زي إيه؟”
“زي رسالة… أو توقيع.”
نيرة تقدمت نحوي، وكأنها تخشى أن تقترب أكثر من هذه الأسرار “يعني شروق… ليها علاقة بكل ده؟”
“مش مجرد علاقة، يا نيرة. شروق ممكن تكون المفتاح أو الباب.،السؤال هو… الباب ده بيفتح على إيه؟”
صمتت نيرة للحظات، ثم قالت: “بس… لو كانت شروق فعلاً ورا كل حاجة، ليه هي لسه هنا؟ ليه ما هربتش؟”
“سؤال جميل.” التفتُ نحوها وابتسمت بخفة “ليه يهرب حد لما يكون هو اللي ماسك الخيوط كلها؟ الهروب للضعفاء، لكن شروق… شروق امرأه قوية جدا، امرأه قادره على الفتك بأى متطفل او وسكت افكر، او اى شخص يدخل حصنها
نيرة جلست على الأريكة، واضعة يديها على رأسها “عوني، الموضوع ده أكبر مننا، إحنا لازم نهرب… شروق مش بني آدم طبيعي.”
ابتسمت ببرود وأنا أطفئ السيجارة. “الهروب مش في قاموسي، يا نيرة، بعدين انتى هتخافى من اختك؟
رفعت عيني نحو باب الغرفة التي دخلتها شروق، خلف هذا الباب، كانت هناك أسرار تتربص، وأسئلة تحتاج إجابات. لكن السؤال الأكبر كان يضغط على عقلي بثقل.
هل شروق هي الحية؟ أم مجرد زهرة يلتف حولها الثعبان؟
الغموض لا يحتاج إلى أدلة مادية بقدر ما يحتاج إلى كلمات تنساب كالماء وتلتف حول العقل كالأفعى حين خرجت شروق من غرفتها، كان الجو مشحونًا، كأنها كانت تحمل معها شيئًا غير مرئي، ثقيلًا لدرجة أن الغرفة بدت وكأنها ضاقت بنا.
“سهرتك حلوة، عوني؟” قالتها وهي تسير ببطء، حافية القدمين، صوت خطواتها على الأرضية يشبه دقات قلب بالكاد يسمع
تبهرنى شروق مع كل افتعاله حركيه تصنعها كان لها قدمين بالغتى الدقه مثل المعادلات الرياضيه
“الليلة طويلة، وشروقها غريب ” أجبت وأنا أتابع خطواتها بعينين يقظتين.
جلست على طرف الأريكة، تقلب كوبًا فارغًا بين يديها وكأنها تبحث فيه عن إجابة لسؤال لم يُطرح بعد “الطول مش في الوقت، يا عوني. الطول بيكون في اللي بنشيله جواه.”
رفعت حاجبي قليلًا. “وده تفسير من واحد عارف؟”
ابتسمت، ابتسامة بطيئة كأنها تتذوقها قبل أن تظهر. “مش شرط أكون عارفة كل حاجة، بس أكيد فاهمة اللي محتاج تفهمه.”
أشعلت سيجارة ببطء، محاولًا كسر هالة الثقل التي خلقتها كلماتها. “فهمي بيبدأ لما ألاقي اللي بدور عليه.”
“واللي بتدور عليه… هو إيه بالظبط؟”
نظرت إليها، عيناي تتفحصان وجهها بعناية. “إجابات.”
“إجابات؟” ضحكت، ضحكة قصيرة خالية من الفرح. “الإجابات يا عوني مالهاش قيمة من غير الأسئلة الصح.”
“طيب، هسألك سؤال صح، قلت وأنا أنفث الدخان ببطء،ليه كل الضحايا كان عندهم نفس الوشم؟ الثعبان المجنح؟”
لم ترد على الفور، بدت وكأنها تفكر في صياغة كلماتها بعناية، ثم قالت بهدوء: “يمكن لأنهم كانوا جزء من نفس الحكاية.”
“وحكايتك إيه فيها، شروق؟”
ابتسمت مرة أخرى، لكنها لم تكن ابتسامة مريحة. “أنا؟ أنا مجرد شاهد. وبالمناسبة، الشاهد دايمًا بيشوف أكتر من اللي بيسأل.”
“أكتر؟ زي إيه مثلًا؟”
وضعت الكوب الفارغ على الطاولة، وقربت وجهها مني قليلًا. “زي إنك مش بتدور على وشم، ولا ضحايا، أنت بتدور على حاجة جوه نفسك، عوني. حاجة مش عارف هي إيه، بس أنا عارفة.”
طبعا انت عارف انى بهزر معاك يا عونى مش كده؟
انا بس بحاول ارد على تلمحياتك
شعرت ببرودة تسري في عروقي، لكنني لم أظهر ذلك. “وأنا هدور لحد ما أعرف.”
“هتعرف… بس مش من المكان اللي متوقعه قامت واقفة بخفة، ثم استدارت نحو الباب، “الليل لسه طويل، يا عونى، وكل ما تعتقد إنك قريب، هتلاقي نفسك أعمق في المتاهة.”
“وشروقها غريب، صح؟” سألتها بنبرة ساخرة.
التفتت نحوي، وعيناها تلتمعان كأنهما تحملان أضواء مدينة كاملة. “شروقها مش غريب… شروقها دايمًا بييجي متأخر.”
ثم غادرت الصاله تاركة وراءها صمتًا ثقيلًا… وكلمات عالقة في الهواء، مثل دخان سيجارة لم تُطفأ بعد
وقبل ان تصل الباب وقفت واستدارات نحوى وكانت عينيها تبحث عن نيره
هى نيرة فين؟ مش شايفاها
_قلت يمكن فى غرفتها
هى نيرة مش عجباك؟ ثم رفعت حاجبها بأستنكار خالقه ابتسامه
انا الشريرة فى قصة أحدهم يا عونى
وانا الورده الزابله التى قطعها أحدهم قبل الآوان
ثم تراجعت خطوات وهى تمشى ببطيء حتى لامست يدها خدى، لمسه بارده طاغية الانوثه وعندما سعلت نيره من بعيد
رفعت شروق يدها بسرعه ودخلت غرفتها واحكمت غلقه خلفها.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الوشم السائر) اسم الرواية