Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل التاسع عشر 19 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل التاسع عشر 19 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل التاسع عشر»

***

"كل سنة وأنتِ طيبة يا لي لي" 
دوى صوته العذب ثم اشتعلت الأضواء من خلهما بواسطة السيدة ميمي، تفاجئت لينة بهما وقد تبخر ذعرها فور رؤيتهم لكنها مازالت أسفل تأثير الخوف، وضعت يدها على قلبها وحاولت ضبط أنفاسها المتزايدة ثم اقتربت من يوسف ولكمته بقوة في كتفه معاتبة إياه: 
_ حرام عليك يا يوسف، قلبي كان هيقف

بادلها الآخر إبتسامة فوجهت هي نظريها على السيدة ميمي ورفعت حاجبيها متعجبة من ابتسامتها وأردفت بدون تصديق: 
_ دا أنا قاعدة معاكي طول اليوم وأقولك يوسف نسى عيد ميلادي وأنتِ تقوليلي معلش تلاقيه مشغول!

قهقت ميمي عالياً ثم ردت عليها: 
_ يعني كنت أقولك وأبوظ المفاجأة؟ 

هزت لينة رأسها باستنكار وعادت بأنظارها إلى يوسف الذي قال: 
_ وأنا ينفع برده آنسى عيد ميلادك؟ 

أجبرها على الإبتسام وهي تطالعه، نظرت إلى الكعكة فهتف هو بسعادة:
_ كبرتي يا لي لي وبقا عندك ١٨ سنة!! 

ازدادت ابتسامتها ثم تحركت نحوه إلى أن وقفت مقابله لا يفصلهما سوى الكعكة، أوصدت عينيها لبرهة تتمنى أمنية قبل أن تطفئ الشمع. 

أثارت الفضول داخل يوسف حول أمنيتها فسألها: 
_ اتمنيتي إيه؟ 

اتسع ثغرها ببسمة رقيقة قبل أن تجيبه مختصرة: 
_ لما تتحقق  هقولك 

ارتخت ملامح يوسف بتهكم وأردف مستاءً: 
_ أنتِ كل سنة تقولي الجملة دي ومبتقوليش حاجة؟! 

عضت لينة على شفتيها وهتفت بحماس يشوبه الحياء: 
_ ماهي نفس الأمنية.. 

ازداد فضول يوسف حولها لكن ما باليد حيله سينتظر حتى تخبره بتحقيق أمنيتها، تنهد ثم أمرها بلطف:
_ روحي هاتي الأطباق والشوك من المطبخ

أماءت له بقبول ثم هرولت إلى المطبخ بينما استدار يوسف ونظر إلى والدته وسألها مستفسراً: 
_ كلمتيه؟

حركت رأسها بتأكيد وقالت: 
_ كلمته وقالي إنه جاي 

اكتفى يوسف بإيماءة من رأسه ثم توجه إلى الأريكة في انتظار عودة لينة لكي يبدأ في تقطيع الكعك. 

عادت لينة إليهما فبادر يوسف بتقطيع الكعكة ووضعها في الصحون، بعد دقائق عاد زياد من الخارج بوجه عابس كعادته منذ يومين، طالعهم من على بعد ثم أخذ شهيقاً وأخرجه على مهل وتابع تقدمه إليهم وخصيصاً من لينة. 

وقف مقابلها ثم ناولها هديته المغلفة بورق مزين وردد بحرج: 
_ كل سنة وأنتِ طيبة 

نهضت لينة وأخذت ما معه مجيبة إياه بإمتنان:
_ وأنت طيب يا زيزو، جبت لي إيه؟ 

أجابها وهو يفرك أصابعه بإرتباك: 
_ افتحي وشوفي 

لم تنتظر لينة لحظة وقامت بتفحص هديتها بلهفة، تفاجئت بالكوب المرسوم عليه شخصية كرتونية بارزة عن الكوب، اتسعت عينيها بعدم تصديق وهللت في سعادة: 
_ مارد وشوشني!

تقوس ثغرها للجانب مشكلة إبتسامة عريضة عاكسة سعادتها الداخلية، عادت بنظريها إليه وشكرته ممتنة: 
_ حلو أوي أوي، شكراً يا زيزو 

بادلها إبتسامة لم تتعدى شفتيه ثم تركهم ودلف غرفته، نهضت والدته لتلحق به فأسرع يوسف بمنعها: 
_ استني يا أمي، هدخل له أنا 

أخذ نفساً عميق وتوجه إلى غرفته، طرق بابها قبل دخوله فرأى أخيه يعتلي الفراش ممسكاً بهاتفه، وضع زياد الهاتف جانباً فهتف يوسف بنبرة خشنة: 
_ أنت عـ...

قاطعه زياد بترديده: 
_ أنا آسف 

ابتعد عن فراشه واقترب من يوسف الذي تملكته الحيرة من أمر اعتذاره وردد متسائلاً: 
_ بتتأسف على إيه؟

حمحم زياد وأخفض نظريه فلم يتحلى بالشجاعة ليواجه أخيه، تنهد قبل أن يجيبه: 
_ عشان كنت رزل معاك وقولت كلام مينفعش يتقال 

بهدوء قال يوسف: 
_ إذا كان كدا ماشي، أسفك مقبول 

انعقد حاجبي زياد تلقائياً، فلم يعتاد تلك السلاسة دون إيلام، رمق أخيه بطرف عينيه ثم صاح متعجباً: 
_ بس كدا؟!

حرك يوسف رأسه نافياً وجود حوار آخر: 
_ أيوة بس كدا أومال أنت عايز إيه؟

جاب زياد الغرفة بعينيه مبدي حيرته من حالة يوسف الهادئة ثم أردف: 
_ يعني مش متعود عليك سهل كدا، فين العصبية واللوم والخناق؟ 

أخرج يوسف تنيهدة ووضع يديه في جيبي بنطاله، وأجابه بصوته الأجش: 
_ أصلك كبرت! 

ظن زياد أنه يستهزأ به فهدر معاتباً: 
_ ما خلاص يا يوسف بقا انسى الكلام اللي قولته 

حاول يوسف توضيح اعتقادته له:
_ لا بجد مش بتريق، طريقتي كانت غلط معاك، كنت المفروض أخد بالي إنك كبرت وطريقتي معاك كانت لازم تتغير!! 

لا يستطيع تصديقه، ما الذي تغير فجاءة ليكون هادئاً ورزيناً بهذا الشكل، ظل يحرك رأسه مردداً بعدم تصديق: 
_ هو اللي بيحصل دا بجد؟ 

أماء له يوسف بتأكيد وقال: 
_ بجد 

ابتسم الأخوين تلقائياً، بينما رفع يوسف يده ولكزه في كتفه فأطلق زياد آنات موجوعة ثم هتف يوسف وهو يحاوط كتفيه بذراعه: 
_ يلا عشان تاكل تورتة مع إنها خسارة فيك 

قهقه زياد ثم سار معه مجبراً رأسه على الإنحناء بسبب يد يوسف المحاوطة لكتفيه، خرج كليهما وابتسامتهما تغزو وجهيهما، أسرت السعادة قلب السيدة ميمي لرؤيتهما في هذا الوضع الحميمي، تقوس ثغرها تلقائياً وابتسمت لهما ثم هللت بفرحة: 
_ ربنا يخليكم لبعض يارب ومايدخلش الشيطان بينكم أبدا 

اكتفت لينة برمقهما ببسمة سعيدة، جلس جميعهم يتناولون الكعكة والأحاديث، لم تخلوا جلستهم من الضحك و الكوميديا، ارتفع صوت زياد فأجبر الآخرين على الإصغاء حينما هدر:
_ ما حد يشغل لنا حاجة حلوة نسمعها 

وافقته لينة الرأي ونهضت هاتفة بحماس: 
_ هشغل أنا على ذوقي 

ثم قامت بتوصيل هاتفها بالسماعة عن طريق البلوتوث، أخذت دقيقتان حتى اختارت اغنيتها لشخصها المفضل حيث كانت كلماتها حنونة تمس القلب، كانت بدايتها عزف هادئ يدل على تصنفيها الرومانسي. 

فلم تعجب زياد الذي تذمر: 
_ إيه دا مُحن؟! لا الله يخليكي غيري بيقلب لي معدتي 

رمقته لينة بتقزز يشوبه الإستياء ثم هتفت: 
_ أسمعها الأول، هتعجبك 

بدأت كلمات الأغنية تقع على مسامعهم فنظرت لينة تلقائياً إلى حبيب فؤادها، وأسير قلبها بعينين لامعتان وهي تدندن مع الكلمات: 
أصابك عشق أم رميت بأسهم
فما هذه إلا سجية مغرم
ألا فاسقيني كاسات وغني لي
بذكر سليمة والكمان ونغمي

شعور مريب قد راود يوسف آنذاك، شعر لوهلة وكأن كلمات الأغنية رسالة موحية إليه من خلال نظراتها التي لم ترفعهم من عليه قط، ابتلع ريقه وحاول مسايرة الأمر وسماع بقية الأغنية وكأنه لا يوجد شئ.

:
أيا داعيا بذكر العامرية أنني
أغار عليها من فم المتكلم
أغار عليها من ثيابها
إذا لبستها فوق جسم منعم
ليل ياليل ليل الليل يا ليل يا ليل
يا ليل يا ليل يا ليل، يا يا يا ليل يا ليل
يا ليل يا ليل يا ليل، يا ليل

كلماتها أعجبته وخصيصاً ذاك المقطع الثاني، لمس شيء داخله يجهل حقيقته، لكنه كان مستمتعاً بما يقع على آذنيه، تدخل زياد مقاطعاً لحظتهما بسخريته: 
_ غيري يابنتي البتاعة اللي أنا مش فاهم منها حاجة دي 

أوقفت لينة تشغيل الأغنية ورمقته بغيظ شديد قبل أن تبدي تذمرها: 
_ يا باي ما تسمع وتستمتع بقا بلاش فصلان 

كاد زياد أن يتابع استهزائه من ذلك النوع الذي يتناقض مع شخصيته تماماً إلا أن يوسف تدخل بحسمه للأمر:
_ شغلي يا لينة وسيبك منه 

اتسع ثغرها بإبتسامة عريضة بينما تأفف زياد واضطر إلى الخضوع لكليهما حتى تنتهى تلك الأغنية المملة من وجهة نظره.

أعادت لينة تشغيل الأغنية وكانت متابعة إهتمام يوسف في مواصلة سماعها وكانت سعيدة للغاية بما يحدث. 

أغار عليها من أبيها وأمها
إذا حدثاها بالكلام المغمغم
وأحسد كاسات تقبلن ثغرها
إذا وضعتها موضع اللثم في الفم
أغار عليها من أبيها وأمها
إذا حدثاها بالكلام المغمغم
وأحسد كاسات تقبلن ثغرها
إذا وضعتها موضع اللثم في الفم
ليل يا ليل
يا ليل
يا ليل
يا ليل
يا يا ليل

أنتبه يوسف لقلبه الذي لم يتوقف عن الخفقان منذ سماعه لتلك الأغنية، أنتبه لصراخ لينة وهي تنظر لوجهة بحد عينها، فنظر تلقائياً في نفس وجهتها وإذا بأخيه يكاد يرتشف من كأسها. 

فأسرع في سرقة الكأس قبل وصوله لفم أخيه ونهره بعنف: 
_ قولتلك قبل كدا اشرب من كوبايتك 

قلب زياد عينيه مستاءً من تصرفه وردد ساخراً: 
_ هو أنا فيا جراثيم ولا إيه؟! 

أجابته لينة وهي في طريقها للجلوس: 
_ مش بحب حد يشرب من حاجتي، بقرف 

اكتفى زياد برمقها بطرف عينيه بتهكم، أخفض بصره على هاتفها الذي بيدها وأمرها بحنق: 
_ طب الغي الإقتران عشان هشغل من عندي 

أغلقت لينة تفعيل البلوتوث فاقترن هاتف زياد على الفور بالسماعة، نظر إليهما بعجرفة وأردف: 
_ شوفوا بقا اللي يتسمع مش تقولي ليلى العامرية وأغار عليها من أبيها وأمها

حرك رأسه مستنكراً وواصل استهزائه: 
_ مش فاهم يعني بيغير من أبوها وأمها ليه يعني ناقص يقولها متطبخيش أصل بغير عليكي من عيون البوتاجاز

لم يفشل في إضحاكهم بسخريته، شاركهم زياد الضحك أيضاً قبل أن يتابع:
_ عايزين تعرفوا الغيرة اللي بجد اسمعوا دي 

أنتبه جميعهم لما قام بتشغيله ذاك المشاكس وهو يشير بيديه على نفسه مطلقاً بعض الرقصات المجنونة:
غلطان فى غيرتى عارف
علشان عليكى خايف
وهواكى اقوى منى
ولا غيرك انتى شايف
غلطان فى غيرتى عارف
علشان عليكى خايف
وهواكى اقوى منى
ولا غيرك انتى شايف
لا داعى من وداعى
سامحينى فى اندفاعى
بهواكى يا ملاكى
ومنايا لو تراعى
لا داعى من وداعى
سامحينى فى اندفاعى
بهواكى يا ملاكى

دخل الجميع في نوبة ضحك شديدة على ما يفعله بعفويته، حتى شرقت السيدة ميمي فأسرع يوسف ليجلب لها بعض المياه وكذلك لينة التي وقفت بجوارها لتطمئن عليها. 

شعرت ميمي ببعض الراحة حينما ارتشفت القليل من المياه ثم هتفت موجهة حديثها إلى زياد: 
_ يخرب عقلك يا زياد معتش قادرة أخد نفسي من الضحك 

غمز إليها بثقة ثم قال: 
_ عشان تعرفوا قيمتي بس 

عادوا إلى أماكنهم، فشعر يوسف بالعطش، مد يده تلقائياً وأخذ كوباً مملوء بالمياه وارتشفه كاملاً، فتحولت نظراتهم عليه، تعجب من عينيهم المصوبة نحوه وسألهم بفضول: 
_ في إيه بتبصولي كدا ليه؟

أجابته لينة ناظرة للكوب الذي في يده: 
_ دي كوبايتي! 

أخفض يوسف بصره على الكوب فتفاجئ بكوبها، حمحم بحرج وأبدى جهله بكوبها: 
_ مختش بالي..

حاولت لينة تغير الحوار عندما رأت حرجه الظاهر، ونظرت إليه بأعين جاحدة فأثارت الرعب في قلبه وهتفت بتذمر: 
_ فين هديتك؟ 

بالتأكيد لن يمرق زياد ما قالته دون وضع بصمته فهتف مازحاً: 
_ عشان تعرفي بس إني أنا اللي فاكرك 

تشدق يوسف بفمه بتهكم لحديث أخيه وردد وعنفه: 
_ وأنا يعني عمري نسيتها؟

عاد بنظريه إليها وأوضح لها: 
_ أنتِ عارفة إني فاشل في اختيار الهدايا فأنا بسيب لك الحرية تختاري اللي تحبيه 

ابتسمت بعذوبة وحماس وهتفت: 
_ هديتي أنا عارفاها، عايزاك توديني البلد 

"البلد!'
رددها يوسف بتعجب فأوضحت هي ما تقصده:
_ أيوة بلدي، وحشتني أوي يا يوسف، نفسي أروح وأشوفها لسه زي ماهي ولا اتغيرت، نفسي أدخل بيتنا تاني، مش يمكن ألاقي فيه حاجة نسيت أخدها وقت ما جيت معاك من هناك؟ 

تجهمت تعابير يوسف وطالع أمامه دون إعطائها إجابة، لاحظت لينة تغيره بل استشف الجميع ذلك، فسألته متلهفة لسماع رده: 
_ أنت سكت ليه؟ 

نظر إليها مبدياً رأيه في طلبها:
_ عشان مش موافق

تفاجئت لينة برفضه فكان أول طلب يرفضه لها، استشف يوسف ذهولها فهدر بنبرة رخيمة:
_ هنروح هناك  يعني ذكريات هتتعاد ومواجع هتتقلب وأنا اللي هضايق عشان طاوعتك

حاولت لينة نفي ظنونه لكي تستطيع إقناعه:
_ مفيش الكلام دا، وبعدين حتى لو فرضنا إني اتاثرت فكونك أنت جنبي هفتكر على طول أنك كنت موجود معايا وقتها والسبب في سعادتي لغاية النهاردة، موافقتك هتفرق معايا أوي يا يوسف

ظل يرمقها دون إجابة، يدرس الأمر جيداً في عقله قبل إعطائها رد آخر، فلم تستطيع صبراً وهتفت متوسلة بدلال: 
_ عشان خاطري يا سوفي

أخرج تنهيدة بطيئة فواصلت هي بدلال مبالغ: 
_ عشاني، عشان لي لي وافق 

قلب عينيه وهو يتمتم بإقتضاب: 
_ ماشي 

صاحت لينة بسعادة عارمة فتدخلت السيدة ميمي قائلة: 
_ هتروحوا امتى؟ 

أجابها يوسف بحسم: 
لما أظبط اموري في الشغل الأول وبعدين نروح 

دقت طبول السعادة قلب لينة، فكانت سعادتها واضحة للجميع، وقعت عينيها على الكأس الذي أهداها زياد إياه، فالتقطته من على الطاولة مبدية إعجابها به: 
_ حلو أوي

صدح صوت يوسف حين قال: 
_ شبهك 

اتسعت مقلتي لينة بذهول ورددت بحنق: 
_ شبهي! ليه هو أنا بعين واحدة ومكعبرة كدا؟

قهقه يوسف وكذلك الآخرين ثم أوضح مقصده: 
_ أكيد مش قصدي كدا، قصدي يعني إنك طفولية زيه 

حدقته بعينين متسعتان غير مصدقة ما رمى إليه:
_ طفولية! أنت شايفني طفلة؟!

بتلقائية عابثة أجابها: 
_ أكيد

حاولت الإعتراض لتلك الرؤية الغبية: 
_ بس أنا مش صغيرة أنا تميت ١٨سنة ياسي يوسف!

لم يعرف ماهي نقطة اعتراضها بالضبط فأكد على رؤيته لها:
_ حتى لو بقيتي تميتي ٣٠سنة هتفضلي طفلة بالنسبة لي 

كان يردف كلماته ولا يدري ما يتسبب به، فكان هذا بمثابة اعتراف صريح لكونها صغيرة لا تصلح لأن تكون حبيبته يوماً. 

عبست تعابيرها ونهضت بهدوء وقالت: 
_ تصبحوا على خير 

غادرت المكان قبل أن تسمع لردهم مما أثار التعجب حولها وخصيصاً يوسف الذي لم يفهم سبب تحولها المفاجئ، نهض ثلاثتهم لكي يحظوا بثُبات هادئ عدا لينة التي لم يرف لها جفن، فكانت كلمات يوسف غير هينة بالمرة، شعرت بوخزة في صدرها ولم تختفي بسهولة. 
نهضت وتوجهت نحو خزانتها ثم أخذت منها دميتها التي أهداها إياها يوسف، فلقد تناستها تماماً، عادت إلى الفراش واحتضنتها بقوة فتساقطت  عبراتها أعلاها وظلت تبكي في صمت وكلماته لا تريد الاقلاع عن عقلها. 

هطلت دموعها كالمطر الغزير حزينة على مشاعره الجامدة التي لم تتغير قط، ألم يشعر بها ولو لمرة؟ ألم يلاحظ كلمات الغزل التي تخبره بهم من خلال نظراتها؟ 
ألا يقولون أن العاشق تفضحه عينيه؟ 
فلا يوجد تفسير لهذا الأمر إلا أنه جاهل لقراءة العيون..

لم تتوقف عن البكاء، فهذا كان حلمها الوحيد، ألن تحظى بتحقيقه؟
أرهقها التفكير فاستسلمت للنوم الذي سيطر عليها خلال ثوانٍ. 

***
في نهارٍ جديد، غازلت الشمس عينيها فتسببت في إيقاظها، فركت عينيها ثم استلقت على الجانب المعاكس للنافذة حتى تحجب الضوء عنها، فتحت عينيها بتهمل وراحت ببصرها على الغرفة، انتفضت بتوجس حينما رأت اثار تحطيم الزجاج مازال متناثراً في الأرجاء، فأعاد لها ذلك المشهد ثورة بلال. 

خفق قلبها بذعر ولكنها طردت أفكارها المخيفة ونهضت متوجهة للخارج، صغت إلى صوتٍ يصدر من المطبخ فلم تتردد في الدلوف. 

شاهدت قامته المنتصبة وهو يعد الفطور، زفيراً عميق أخذته ثم زفرته على مهل وتابعت تقدمها للداخل، لم يشعر بها فأرادت جذب انتباهه: 
_ أحضر لك الفطار؟ 

التفت برأسه وحدجها بنظراته الثاقبة التي بثت الرعب فيها ثم عاد ليواصل تحضيره دون تعقيب، تأففت إيمان لكنها لم تصدر صوتاً، فقد احتفظت بضيقها منه داخلها، اقتربت بعض الخطوات منه فوقعت عينيها على الشطائر التي أحضرتها بالأمس، وعلمت أنه لم يلمسها. 

تنهدت قبل أن تردف كلماتها بنبرة مختنقة:
_ إحنا مضطرين نتعامل مع بعض لأننا في بيت واحد، بلاش التجاهل دا أنا معملتش حاجة لكل دا! 

جائها رده الجامد وهو على نفس حالته لم يلتفت: 
_ لا مش مضطرة تتعاملي معايا ولا حاجة

فرت دمعة على مقلتيها فأسرعت في مسحها، أحضرت أدوات التنظيف وغادرت المطبخ سريعاً، عادت إلى غرفتها لتجمع حطام الزجاج المتناثر. 

أنهته بعد فترة قصيرة ثم بدلت ثيابها إلى أخرى، انتبهت على رنين الجرس فخرجت من غرفتها لتعلم من الطارق. 

"صباح الخير يا حبيبي"
ألقت شهيرة التحية على بلال فأجابها بلطف، رأتها شهيرة تقف في زواية بعيدة عنهم فابتسمت لها ثم أردفت: 
_ إزيك يا حبيبتي، جيت أطمن عليكم وأشوفكم لو محتاجين حاجة

جائتها إيمان على استحياء، فتعجبت شهيرة لثيابها التي لا تناسبها كـعروس، لم تطيل النظر وسألتها بنبرة حنونة: 
_ محتاجة حاجة مني؟

نفت إيمان بإيماءة من رأسها وشكرتها ممتنة: 
_ شكراً لحضرتك 

بادلتها شهيرة إبتسامة وعادت بنظريها إلى بلال وقلبها يخبرها أنهما ليسوا بخير، فهي لديها خبرة كافية في رؤية الأشخاص ومعرفة ما أن كانوا سعداء أم تعساء، ولم ترى فيهما سوى إخفاء تلك التعاسة عنها متصنعين السعادة. 

استأذنت منهما وغادرت، لم يتوقف عقلها عن التفكير فيما هو أسوء، كانت شاعرة بانطفاء ولدها الواضح، فهي شهدت حماسته قبل زواجه ولهفته على التودد من إيمان، فما الذي تغير الآن؟ 

عبست ملامحه وتجهمت فور ذهاب والدته، التفت حيث تقف إيمان، صوب نظره على جهة ما بها لبعض الوقت فأثار الفضول داخل إيمان ونظرت إلى ما ينظر فتفاجئت بالدماء تسيل من إصبعها، لقد جرحته دون أن تشعر. 

لم تطيل الوقوف مكانها وهرولت إلى المرحاض لكي تضمده على الفور، كان بلال مهتماً لأمر ذاك الجرح ويريد معرفة ما أن كان عميق أم أنه سطحي، لكن حتماً لن يسألها، فقط سينتظر إن كان الأمر عصيباً فحتماً ستأتي وتطلب مساعدته. 

لم يستطيع الجلوس، فجلس على حافة الأريكة حتى ظهرت هي، لمح يدها سريعاً فرأها قد ضمدت أحد أصابعها، وعلم أن الأمر لا يستحق فتوجه إلى الأريكة وجلس أعلاها وظل يتنقل في هاتفه بملل شديد. 

بينما عادت هي إلى غرفتها فلم يكن هناك ما تفعله، حتى تناولها للطعام لم يكن اقتراحاً جيداً فلقد فقدت شهيتها بعد حوارهما الأخير. 

***
خرج من المكان متعجباً من عدم وجود أحد وسأل رجل الأمن مستفسراً منه: 
_ الموظفين راحوا فين ياعم آمين؟ 

أخبره أمين بالأحداث التي جرت أخيراً: 
_ سمير بيه أعطاهم إجازة النهاردة، أنا فكرتك عارف 

حرك يوسف رأسه نافياً معرفته بقرار الإجازة وقال: 
_ لا معرفش حاجة، طيب أنت مختش إجازة معاهم ليه؟

ابتسم أمين بسخرية قبل أن يجيبه: 
_ يمكن لو مكنتش أمن كنت أخدت، كلك نظر يا أستاذ يوسف 

استاء يوسف من سذاجة سؤاله وهدر: 
_ متأخذنيش يا عم أمين

سكون ساد لثوانٍ قبل أن يأمره يوسف: 
_ طيب روح أنت يا عم أمين

قطب الرجل جبينه بغرابة ممزوجة بالحماس وسأله:
_ طب والمعرض؟

باختصار أجاب الأخير: 
_ أنا هتصرف 

تقوس ثغر الرجل ببسمة عريضة هاتفاً بإمتنان: 
_ شكراً يا أستاذ يوسف ربنا يجعله في ميزان حسناتك

بادله يوسف ابتسامة ثم هاتف أحد شركات الأمن حتى تؤمن المكان ليوم، جلس في مكتبه وقام بعمل مكالمة هاتفية أخرى، جائته الإجابة خلال ثوانٍ بصوتها الناعس: 
_ إيه يا يوسف

"أنتِ لسه نايمة؟ قومي البسي بسرعة"
أردفهم يوسف فاعتدلت لينة قليلاً وسألته بفضول: 
_ ألبس ليه؟ هنروح فين؟ 

أخبرها مختصراً: 
_ مش عايزة تروحي بلدك

اتسعت عينيها بذهول، قفزت مبتعدة عن الفراش ورددت بعدم تصديق: 
_ بتهزر صح؟

أكد نيته في الذهاب معها بقوله: 
_ لا مش بهزر بتكلم جد 

أخذت تتلفت حولها جاهلة ما عليها فعله، فجائها صوته الساخر حينما تأخرت عن الرد: 
_ لو بتلفي حوالين نفسك أوقفي وروحي البسي

توقفت لينة عن الدوران حول نفسها وسألته من بين ضحكها: 
_ أنت عرفت منين؟ 

بثقة أجابها: 
_ عرفت منين؟ دا أنا حافظك 

ازداد ضحكها وهتفت بحيوية: 
_ طيب سلام عشان أروح أجهز نفسي 

ألقت الهاتف على الفراش وهرولت لتتجهز، تشكلت إبتسامة على شفتي يوسف حينما رسم صورتها وهي تدور حول نفسها مضيفاً لخياله خصلاتها المموجة التي تحلق معها. 

وقعت عينيه على شاشة حاسوبه المحمول، فرأى انعكاسه، اختفت ابتسامته فجاءة وتمتم بينه وبين نفسه:
_ في إيه يا يوسف مالك؟! 

أغلق الحاسوب ثم نهض ليستقبل رجل الأمن الجديد حتى يغادر عائداً إلى منطقته، صف سيارته أسفل البناية وهاتف لينة يخبرها بعودته. 

في البنايات المجاورة، كان بلال يقف في شرفة منزله، فوقع نظريه على سيارة يوسف، لم يتردد في مهاتفته وما هي إلا لحظاتٍ حتى جائه صوت يوسف: 
_ صباح الخير يا عريس، عقبال ما تقولهالي

تقوس ثغر بلال بتهكم وهتف مستاءً: 
_ يلا ندورلك على عروسة وأنت تبقى زيي

بمشاكسة هدر يوسف: 
_ لا وقتها مش هبقى زيك، أنت هتكون راحت عليك خلاص 

قهقه بلال ثم سأله بفضول بعدما رأى لينة تستقل السيارة: 
_ أنتوا رايحين فين كدا على الصبح؟

أخبره يوسف بوجهتهم: 
_ رايحين بلد ست لينة 

أردف جملته وهو يطالعها فابتسمت هي بحماس، سرعان ما تحولت تعابير يوسف إلى التعجب عندما قال بلال: 
_ طب استناني هلبس وجاي معاكم 

أغلق الهاتف ولم يعطيه فرصة للتحدث، ظل يوسف مطالعاً الهاتف لثوانٍ، والكثير من الأسئلة قد راودته آنذاك، قطعت عليه حبال أفكاره بسؤال لها:
_ إحنا واقفين ليه؟

التفت برأسه إليها قبل أن يجيب بغرابة: 
_ بلال جاي!

انعقد حاجبيها تلقائياً مبدية غرابتها لمرافقة بلال لهما بقولها: 
_ بلال جاي يعمل إيه؟ 

رفع يوسف كتفيه معلن عدم معرفته، بعد مرور دقائق قليلة ظهر بلال أمام مرأى عيني يوسف في المرأة الخارجية فأمر لينة بحرج: 
_ معلش يا لينة انزلي واقعدي ورا 

تأففت بضيق ثم امتثلت لأمره، استقل بلال المقعد بجوار يوسف الذي طالعه وظل يحرك عينيه يميناً ويساراً متسائلاً عن وجوده فلم يريد إحراجه أمام لينة بسؤاله.

فاستشف الآخر حيرة يوسف وأجاب مازحاً: 
_ أصل أنا اكتشفت إني طلعت شوارعي جداً، قاعدة البيت دي مش كاري 

"يا سلام!"
هتف يوسف بها بعدم تصديق بينما تنهد بلال بملل قبل أن يردد: 
_ ما تطلع يابني هتفضل مبحلق لي كتير

لم يكن أمام يوسف سوى التحرك بالسيارة مبتعداً عن منطقتهم، قطع يوسف مسافة طويلة فشعرت لينة بالعطش فأخبرته بعفوية:
_ سوفي، أوقف عند أول سوبر ماركت تقابله نجيب مية

أماء بقبول ثم أنتبه على تمتمة بلال الساخرة:
_ سوفي!! 

رددها ثم انفجر ضاحكاً وهو ينظر إلى يوسف الذي نادته لينة بـ سوفي، كان يردد بسخرية من بين ضحكاته المدوية:
_ هموت مش قادر، بقا أنت طلع أسمك سوفي!

ثم يعود إلى قهقته مرةٍ أخرى، طالع يوسف لينة من خلال المرآة الأمامية ورمقها بغيظ قبل أن يهتف متذمراً: 
_ معتيش تنطقي حرف قدام الحيوان دا تاني 

لم تصمت لينة وأبدت زمجرتها من ضحكاته السمجة:
_ وأنت مش بتدلع ولا إيه ولا إيمان مش بتعرف تدلع؟! 

توقف بلال عن الضحك لكن مازال وجهه مبتسماً، فتابعت الأخرى بانتصار: 
_ أنا قولت كدا برده..

اختفت ابتسامته تماماً من على محياه ولم تترك أثراً، حاول بلال جاهداً أن يبدو طبيعياً إلا تعابيره قد خانته وتجهمت بشكل ملحوظ، هرب منهما بنظراته التي تابع بها الحركة في الخارج، لكنه كان ظاهراً لكليهما وضعه الذي انعكس كلياً. 

شعرت لينة لوهلة أنها كانت مخطئة في حقه، لا تعلم من أين أتى ذاك الشعور لكن عبوسه سبب لها الضيق، بينما لاحظ يوسف تحول حالته، وكان يزداد اليقين داخله أن صديقه ليس على ما يرام كما يدعي. 

توقف أمام إحدى الاستراحات على الطريق واصطحب لينة إلى الداخل لكي تشتري ما يحلو لها، في السيارة رفض بلال الترجل منها، جذب هاتفه ونظر إلى المحاولات التي قامت بها إيمان الإتصال به، فهو أغلق تفعيل خط هاتفه لكي لا يستطيع أحد الوصول إليه، أو ربما هي!

أعاد الهاتف في جيبه عندما لمح عودة يوسف ولينة، وضعت لينة الكيس البلاستيكي كبير الحجم بجوارها فخرج بلال عن صمته قائلاً: 
_ كل دي ازازة مية! 

قام يوسف بالرد عليه لكي لا تنشب بينهما مشادة كلامية: 
_ جبنا مية وحاجات تانية نتسلى فيها على لما نوصل 

مال بلال برأسه للجانب ناظراً إليه قبل أن يردف: 
_ قصدك على لما نوصل ونرجع 

لكزه يوسف في رأسه وردد مستاءً: 
_ ياعم أنت دافع حاجة من جيبك؟ 

تحرك يوسف بالسيارة بينما بدأت توزع لينة بعض التسالي عليهم بالتساوي، مرت ساعة تلتها أخرى حتى وصلا إلى مرادهم. 

ترجل الشابان من السيارة بينما ظلت لينة تطالع المنزل من نافذة السيارة وقد تجدد شعور الحنين إلى موطنها مرة أخرى، حجب يوسف رؤيتها بوقوفه أمامها فرأى لمعة عينيها، انحنى بجسده مستنداً بمرفقيه على سور النافذة مردداً: 
_ أنتِ وعدتيني يا لينة.. 

أومأت برأسها عدة ايماءات ففتح لها الباب وترجلت هي، وقفت أمام المنزل تطالعه كيف وضع الزمان بصمته عليه، لقد بات عتيقاً على الرغم من أنهما فقط ثمانِ سنوات إلا أنهما كانوا بمثابة قرون قد مروا عليه ليكون بهذا الشكل. 

"أنتوا مين؟"
أنتبه ثلاثتهم على سؤال تلك السيدة، فاستداورا إليها فعادت هي متسائلة: 
_ أنتوا عايزين مين؟ 

اقتربت منها لينة وأخبرته هن هويتها: 
_ أنا لينة نعمان فاضل والبيت دا بيتي..

اتسعت مقلتي السيدة، وكان الذهول يتأجج في عينيها قبل أن تهتف: 
_ يا حبيبتي يا حبيبتي، أنا خالتك سعاد

لم يكن هناك مجالاً لعدم معرفتها، فهي كانت آخر من رأتها ذلك اليوم المشؤوم، ضمتها سعاد بقوة وجهشت باكية، بادلتها لينة العناق فلقد رأت فيها والدتها وأحاديثهن سوياً.

ابتعدت سعاد عنها وحدجتها بتفحص لا تصدق أنها تراها أمامها مرة أخرى فلقد ظنت أنهما ذهبا مع الرياح بعد فعلة خالهما، ابتسمت بعفوية ورددت: 
_ يا عمري كبرتي وبقيتي عروسة إسم الله عليكي ربنا يحرسك 

انتبهت على يوسف وبلال وحدجتهما بنظرات مريبة فأثارت الريبة داخلها من أمرها، استشفت لينة ما وراء نظراتها، فاقتربت من يوسف وتخللت يده بأصابعها فتفاجئ يوسف بتصرفها وكذلك الآخرين قبل أن يصيبهم الذهول مما تفوهت به: 
_ دا يوسف، كاتبين كتابنا!!

تحولت نظرات يوسف وبلال المذهولة عليها، لم يتوقع يوسف رد كهذا، ظل يحدجها بنظرات مشتعلة فتوسلته هي بعينيها أن يجاري الأمر كما خططت له. 

تنهد ثم وجه أنظاره إلى السيدة سعاد وشكل بسمة لم تتعدى شفتيه وأردف: 
_ أهلاً بحضرتك 

ابتسمت له سعاد وتمتمت بشغف: 
_ ربنا يسعدكم يارب ويبارك لك على اللي عملتوا معاهم، أنا افتكرتك أنت اللي كنت جاي مع الحكومة يوم.. 

لم تستطيع مواصلة حديثها، حمحمت ثم وجهت نظريها على بلال وهتفت متسائلة: 
_ أكيد دا مش علي مش معقول كبر كدا

كاد بلال أن يعرف عن هويته لكن قاطعته لينة بقولها:
_ لا لا مش علي، دا بلال أخو يوسف 

مفاجأة أخرى تلقاها الشابان، وفي النهاية لم يكن أمامهما سوى مسايرة ما يحدث، ابتسم لها بلال وأكد على حديث لينة:
_ أيوة أنا أخوه..

التفت بجسده سريعاً قبل أن تلاحظ السيدة ضحكاته ويفضح أمرهم، بينما تسائلت سعادة بفضول: 
_ أومال علي فين مجاش معاكي ليه؟

عبست ملامح لينة وأخفضت رأسها بحزن تشكل على تعابيرها، زفرت أنفاسها ثم أجابتها: 
_ علي سـ..

"علي تعبان شوية ومقدرش يجي معانا، إن شاء الله يجي مرة تانية"
هتف بهم يوسف فازدادت ضحكات بلال على أكاذبيهم التي لا تنتهي، شعرت سعاد بالغرابة لقهقهته المفاجأة فاعتذر هو معللاً أسبابه: 
_ معلش أنا آسف بس أنا عندي مرض الضحك، بضحك في أي وقت غصب ومش بقدر أسيطر على نفسي..

انفجر ضاحكاً على ما اختلقه تحت نظرات يوسف ولينة المذهولة لما أردفه للتو، بينما تعجبت سعاد من مرضه فلم تسمع عنه من قبل، ورددت مستفسرة: 
_ ياعيني يابني ودا ملوش علاج دا؟

لم يستطيع بلال تمالك نفسه حينما رأى تعابيرها المتأثرة وانفجر ضاحكاً ولكن تلك المرة لم يستطيع السيطرة على نفسه فتولى يوسف الرد عليها: 
_ معلش اعذرينا، هو على طول زي ما أنتِ شايفة كدا 

تأثرت سعاد بحالة بلال المريبة ودعت له بحزن:
_ ولا يهمك يابني، ربنا يشفيه يارب 

تابعت حديثها الموجه إلى  لينة:
_ أنا موجودة يا حبيبتي لو احتجتي لأي حاجة تعالي خبطي عليا 

شكرتها لينة بإمتنان كبير ثم عادت سعاد إلى منزلها، سحب يوسف يديه فور ذهاب المرأة، وعاتب لينة على فعلتها: 
_ إيه اللي قولتيه للست دا؟

حاولت لينة شرح سبب تصرفها له: 
_ يا يوسف أنا كانوا بيمنعوني ألعب في الشارع وأنا عندي ٧سنين عشان عيب ومينفعش اختلط بولاد، عايزني أقولها جاية مع شابين ميقربوليش حاجة؟ متخيل كان موقفي هيكون إيه؟ 
وكان ممكن أوي تتكلم على تربية أهلي من ورايا وأنا مش هسمح إن حد يغلط في أهلي أبداً 

تدخل بلال مؤيداً تصرف لينة الحكيم:
_ بصراحة يا يوسف اللي لينة عملته عين العقل، أنت مشوفتش الست بصت لنا إزاي تخيل كانت تقولها الحقيقة وأنها قاعدة في بيتك؟! دي كانت أكلت وشنا 

شعر يوسف بغصة في حلقه، يتحدثان وكأنه المذنب، كأنه افتعل خطأً فادحاً في حق تلك الفتاة ولم يقصد مساعدتها، حاول طرد أفكاره التي عكرت صفوه ونظر إلى صديقه وصاح به:
_ طيب هي وفهمنا، أنت إيه مرض الضحك اللي ظهر فجأة دا؟ 

قهقه بلال وكذلك لينة شاركته الضحك، وزع يوسف أنظاره بينهما وهتف بعدم تصديق: 
_ بجد والله؟

هللت لينة من بين ضحكاتها: 
_ مش عارفة قدرت أمسك نفسي ومضحكش إزاي

طالعهما يوسف بغيظ شديد، فهتف بلال بقلة حيلة: 
_ كنت أعمل إيه يعني؟ دا اللي جه في دماغي وقتها فقولته 

حرك يوسف رأسه مستنكراً تصرفاتهما، ثم انتبه لسؤال لينة حينما قالت:
_ وبعدين أنت ليه قولت إن علي تعبان، ليه مقولتش إنه مسافر؟ 

تنهد يوسف وردد وهو لا يعي الإجابة الصريحة على سؤالها: 
_ معرفش، بس محبتش تعرف أنه بعيد عنك وأنتِ لوحدك من غيره وتفكر فيكي وحش 

تقوس ثغر لينة ببسمة عذبة وأردفت بإمتنان:
_ شكراً 

قاطعه بلال لحظتهما بقوله: 
_ ما تشوفوا هتعملوا إيه عشان نلحق نرجع 

رمقه يوسف بطرف عينيه وهتف ساخراً: 
_ لما أنت مش قادر تبعد عنها إيه اللي جابك معانا؟!

تأفف بلال وقلب عينيه بتزمجر قبل يهتف مستاءً: 
_ ياعم وأنت مالك، خلصوا بجد بقا فيه ناموس كتير اوي هنا آكل قفايا 

أنهى جملته ثم ضرب مؤخرة رأسه بعد أن لدغته بعوضة، قهقه يوسف على حالته المثيرة للشفقة فلم تقترب منه بعوضة منذ مجيئهم، فقط بلال من ينال لدغات البعوض. 

أخرجت لينة مفتاح المنزل من حقيبتها ثم قامت بفتح الباب، لم تمر ثانية حتى ارتفع صراخها الذي دوى في الأرجاء بذعر....

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent