Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل التاسع عشر 19 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

 رواية رحماء بينهم الفصل التاسع عشر 19 - بقلم علياء شعبان 

رُحماءٌ_بينهم
                         "كمثلِ الأُترُجَّةِ".
الفصل التاسع عشر
••••••••••
نفس المرء آمارة بالسوء ولا يمكن لكَ أن ترى الخير وقلبك عامرًا بالانتقام؛ فكلنا ينال ما يعمل داخل صدره ويستقر في سجيته".
•••••••••••••
أمعنت النظر في العمل القابع بين يديها تتابع وتهندم كُل تفصيلة به كي يخرج للناس في أبهى صوره وكانت الابتسامة لا تفارق مَبسمها حتى أنها قررت تغيير الأطعمة التقليدية التي يتناولها العُمال كُل يومٍ وقررت أن تقوم بهذه المهمة بدلًا عن أمها المسؤولة عن إعداد وجبات العمال داخل المزرعة كُل يومٍ.
قررت أن يكون طعام اليوم هو البرجر فقامت بجلب الخبز الخاص به ثم بدأت في إعداد الشطائر بهمة ونشاط وهي تتخيل سعادة العُمال باقتراحها الجديد وأنها شعرت بمدى حاجتهم لوجبة مُختلفة، كانت تضع شطيرتين من البرجر داخل علبة بلاستيكية ومعهما أصابع البطاطا المحمرة ثم تبدأ في إغلاق العلب بإحكام، في هذه الأثناء سمعت صفيرًا عاليًا يأتي من الخارج وما هي إلا لحظات حتى رأته يقف أمامها مستندًا بذراعه على الباب، انتظرته أن يتكلم ولكنه بقى مُحدقًا فيها ملتزمًا الصمت.
-في أيه؟! إنتَ مينفعش تتواجد في مكان من غير دوشة!

قالت متذمرةً؛ فيما تحرك إليها بخطوات متأدة وبدأ بتفحص ما تفعل في فضولٍ كبيرٍ خاصةً بعدما علم من والدتها بتطوعها لإنجاز طعام اليوم، جال بنظراته لدقيقة قبل أن يتنهد بهدوء ثم يقول:
-إنتِ بتعملي أيه؟!!!.
تلألأ البريق داخل عينيها وراحت تجيبه بحماس مُفرط:
-سندوتشات بــ….
توقفت فورًا والتصقت شفتيها ببعضهما فيما قطب ما بين عينيه وراح يستفسر باستغراب:
-سندوتشات أيه؟! ما تنطقي؟ 
أومأت سلبًا وبقيت مُقفلة الفم مما جعله يقول بلهجة مازحة:
-سندوتشات سد الحنك دي ولا أيه؟؟؟
أومأت سلبًا مرة أخرى وهي تحتضن العلبة البلاستيكية وتتشبث بها بقوة، رفع "نوح" أحد حاجبيه بمكر مُقررًا استكشاف ما بالعلبة فقال بهدوء:
-لو جالك خرس مؤقت فدا عادي بس اللي مش عادي إنه بييجي للشخص اللي اتصدم فجأة وأنا خايف افتح العلبة فأحصلك، دي أرواح ناس يا دكتوغة.

أسرع بالقبض على العلبة فيما تشبثت بها فيجذبها إليه بإصرار وفي المقابل تشد "مُهرة" العلبة نحوها وبقى الموقف هكذا لثواني حتى تابع نوح بانتصار في النهاية وهو يلتقط العلبة كلها بين راحتيه:
-واقفة قدام الأسد وبتنافسيه، إنتِ مجنونة!!

ابتلعت "مُهرة" ريقها على مهل وراحت ترمقهُ بوجه عابسٍ فيما فتح هو العلبة بفضول يقتله وما أن وقعت عيناه على الشطيرتين حتي اتسعتا بدهشة وما هي إلا ثوانٍ وكانت قهقهاته تنفجر بين جدران الحجرة حتى دمعت عيناه وراح يجلس على كرسي مجاور له.

التوى شدقها بانفعال مكتومٍ؛ فصاحت بغيظ:
-إنتَ بتضحك على أيه يا نوح!!!

ضرب كفًا بالآخر وراح يضع يده على صدره وهو يقول باختناق من شدة الضحك:
-هموت الله يخربيتك.. اسمه أيه اللي إنتِ عملتيه دا؟؟؟

رمقتهُ شزرًا قبل أن تضرب قدمها بالأرض ثم تضغط أسنانها وهي تقول بثورة قبل أن تنصرف من أمامه:
-حسبي الله والله.
خرجت من أمامه بخطوات ثائرة إلا أنه لم يتمكن من إنهاء نوبة الضحك التي أصابته حتى وجد "رابعة" تأتي إلى الغرفة ثم تقول باهتمامٍ:
-مُهرة راحت تشتكيك للشيخ، عملت لها أيه؟
نوح وهو يهدأ أولًا ثم يجيبها:
-والله ما كلمتها، أنا سألتها عملتي لنا أيه النهاردة على الغدا، فمرضيتش تقول لي وزعلت ومشيت.

زوت "رابعة" ما بين عينيها ثم تساءلت بفضول:
-صحيح أنا معرفش لحد دلوقتي هي عملت أيه، لتكون بوظت الأكل ومنلاقيش حاجة نأكلها للعمال!!!

هرعت إلى العلب ثم كشفت إحداهم وراحت تقول بإعجاب:
-الله.. دا بُرجر؟؟؟؟

انطلقت قهقهاته مرة أخرى كلما يتخيلها وهي تنطق الكلمة، رفعت "رابعة" أحد حاجبيها ثم تابعت بتساؤل:
-بتضحك على أيه؟؟؟
نوح بضحكة واسعة يقول:
-بغجغ!
الآن فهمت الأخيرة سر انفراط ضحكه الغير طبيعي؛ ولكنها في الحقيقة لم تتمكن من السيطرة على كوميدية الموقف وراحت تتخيل ابنتها وهي تنطق الكلمة واندمجت معه في الضحك.

في نفس اللحظة كانت خطواتها نحو غرفة إعداد الطعام قريبة بعد أن اشتكته إلى الشيخ "سليمان" الذي طلب منها أن تخبره بضرورة حضوره أمام الشيخ؛ ولكنها تفاجأت بالهيستيرية التي أصابت والدتها معه، تحركت نحو باب الحجرة بفم مفتوحٍ وبصوت مشدوه تابعت:
-هو أيه اللي بيضحك، أنا عايزة أفهم!!

توقفت "رابعة" فورًا؛ فيما قال هو مراوغًا:
-البغجغ طعمه فظيييييع يا دكتوغة مُهغة.

ضغطت أسنانها بغيظٍ وراحت تقول بنفاد صبر:
-يعني إنتَ مش ناوي تبطل تنمغ!!
نوح وهو يغمز لها بعينيه متابعًا باغترار:
-هتنمغ لحد ما يبان لك صاحب.

أومأت برأسها عدة إيماءات متتالية قبل أن تتجه صوب الطاولة التي أعدت عليها الوجبات، أسرعت بالتقاط مسدسين من البلاستيك ثم شهرتهما نحوه، فيما وضع قدمًا فوق الأخرى وقال بثقة:
-حاسبي السلاح يطول وتقتليني بمسدس الماية دا يا دكتوغة!!

اِفتر ثغرها عن ابتسامة ماكرة وراحت تقول بنبرة مُتأنية:
-بس دا مش مُسدس ماية!!
نوح بسخرية:
-مسدس حقيقي مثلًا!!!
اتسعت ضحكتها بنشوة وهي تبدأ في إطلاق السائل الموجود داخل المسدس وسرعان ما وجد وجهه وملابسه قد تلطخا بمزيج من اللونين الأبيض والأحمر، انطلقت ضحكاتها وهي تقول بنشوة انتصار كبيرٍ:
-مُسدسات كاتشب ومايونيز يا مُتنمغ.

امتلأ وجهه باللونين حتى رأت إحمرار عينيه وهو ينظر إلى نفسه تارة في صدمة وأخرى يأكلها غيظًا بعينيه، توترت بفزع ثم ألقت المسدسين بالأرض وهرولت خارج الحجرة، ضربت "رابعة" كفًا بالآخر وراحت تقول بضحكة واسعة:
-نهاركم ألوان إنتوا الاتنين، أهبل وهبلة اتلموا على بعض.

نوح وهو يكز على أسنانه بتوعدٍ:
-وربنا لأروق لك عليها دكتوغة البقع دي.
رابع بغيظٍ:
-اللي يشوف هيئتكم ميشوفش تصرفاتكم العيالية، قال دكاترة قال.
تنهدت لوهلة ثم تابعت وهي تتحدث إلى نفسها بصوت مسموعٍ:
-هي الهبلة هتجيب أيه بس!.
نوح بضحكة بلهاء يشير إلى الباب الذي خرجت منه مُهرة ثم يقول:
-دكتوغة.

زوت "رابعة" ما بين عينيها بغيظٍ شديدٍ ثم صاحت فيه باستنكار:
-قصدك أنا الهبلة!!!!

في تلك اللحظة، مال بجذعها العلوي حتى لمست حذائها وما أن رأها حتى هرول مسرعًا للخارج وهو يقول مستسمحًا إياها:
-مقصدش.. ميقصدش.. هو المثل بيقول كدا.. إنما إنتِ ست العاقلين.
رابعة وهي تتنهد بعُمقٍ ثم تقول:
-الله يعين العيل اللي هييجي من اتنين زيّ دول.. هيكون عيّل معوق ذهنيًا.
••••••••••••
عكفت على جمع أشيائهم الخاصة من ملابس وغيرها ووضعهم داخل الحقائب استعدادًا لمُغادرة الشقة التي عاشوا فيها لأكثر خمسة عشر عامًا والتي تختبىء الكثير من ذكرياتهم بين جدرانها، تنهدت "سُهير" بضيق وهي تضع الحقيبة بجوار الأخرى لقد تمنت أن تمتلك بيتًا خاصًا بأسرتها الصغيرة وأن يكسب زوجها الكثير من المال فترتقي عيشتهم ويصبحون من ذوي الأموال والثراء وكانت تتطلع لتحقيق هذا الهدف بطريقتين إما مجاورة عثمان السروجي وكسب ثقته حتى النهاية حتى لو كان على حساب كرامتها وكبريائها؛ أو تزويج ابنتها من شخص ينتمي للطبقة الأرستقراطية كما أنها سعدت من تقرب "عُمر" لابنتها في فترة من الأوقات ورأت مدى إعجابه بها يتجلى في لمعة عينيه أثناء النظر إليها خلسة وكم تمنت أن تخبره بحبه لابنتها بعد أن فقد ذاكرته ولكنها خشيت أن تلقى غضب سيدها وتُحرم من قربه الذي يجعلهم في عيشة ميسورة.

دعت كثيرًا أن تتزوج ابنتها من هذه العائلة الثرية وكان المقصود في دعائها "عُمر"؛ ولكنها لم تتخيل أن يُستجاب دعائها باختلاف الشخص ومن هو ذاك الشخص؟ هو أكثر شخصًا جاهدت في إبقاء ابنتها بعيدًا عن مرأى عينيه ومسمع أذنيه، الذي يمتلك حصة كبيرة من البغض والكره داخلها لأنها ترى دومًا محاولة قربه من ابنتها منذ صِغرهما ورغبته في استعادتها وإصراره على ذلك وحينما اختفى من حياتها فجأة ظنت أنها انتصرت عليه ولن يعود الماضي كي يلاحقها من جديد ولكن الأمر كان مُختلفًا بالنسبة له، فهي لا تعلم أن في أحيان كثيرة تكمن الحياة في ماضينا فلا يفارق عقولنا وأثره يحتل القلوب وأبد الدهر لا ننسى حلاوة أيامه وإذا أُتيحت لنا الفرصة أن نجعله حاضرًا ومُستقبلًا لفعلنا.. ليس كُل الماضي موصومًا بالخزي والأسى فثمة ماضيٌ نتمنى أن يطرق أبواب حاضرنا مرة أخرى وأن نجني ثماره في فصول مُستقبلنا الأربعة.

-كدا لميتي كُل حاجة؟!
سألها "علام" باهتمام فأومأت إيجابًا دون أن تنبس ببنتٍ شفةٍ، أدرك "علام" جيدًا أن زوجته ستبقى على هذه الحالة طويلًا فلا تتحدث إليه ولا تتعامل معه بطبيعة الحال فهي تخشى أن يأتي ذلك اليوم الذي يعترف فيه "تليد" لابنتها بأنها ليست ابنة هذه العائلة ووقتها تخسر "وَميض" إلى الأبد ولكنه يعلم أن "تليد" لن يفعل خوفًا على حبيبته من ماضٍ مؤلمٍ وغامضٍ يقض مضجعها ويسرق أحلامها ورغم محاولاته لإيضاح هذه الأمور لها إلا أنها لا تطيق فكرة وجوده في حياتهم.. يعلم "علام" أن الخير يكمن في مجاورة ابنته لهذا الشاب السمح؛ لقد شقى كثيرًا عليها وجاهد أن يزرع فيها الخير والأخلاق وكُل ما هو حسن من فضائل ولكنه لن يظل متفرجًا حينما يراها تكبر وتتلاشى هذه البذور من داخلها؛ فكان عليه أن يجد لها أرضًا خصبةً وصالحةً لاستكمال ما بدأه ولم يجد خيرًا منه لصونها والحفاظ عليها، فكان ينبغي عليه أن يعيد الأمانة إلى صاحبها بعد أن تأكد من أنه خير من يؤتمن على أُنثى ومال وعِرض.

ارتدت "وَميض" فستانًا من اللون الأزرق يضيق بحزام عريض عند الخصر وارتدت معه حجابًا بمزيج من اللونين الأبيض والأسود، لم تكُن في حالة جيدة وهي تُخطب وستتزوج وتحمل مسؤولية وكل ذلك في غضون أيام أو وربما أشهر قليلة، لم يكن يصيبها الحماس أو النشاط تجاه الأمر فبدت تتعامل مع الجميع بفتورٍ وحُزنٍ؛ ولكن ما يجعلها تشعر بالغرابة تجاه نفسها؛ أنها لا تشعر برفضها التام له بل ثمة شيءٌ يدفعها لقصد الطريق الذي يمشي إليها من خلاله، خرجت ألى غرفة الاستقبال وهي تودع كُل ذرة بالمكان وما أن نظرت للغرفة حتى قفزت إلى عقلها تلك الأُمسية التي جمعته بها حينما سألته بفضول عن حبيبته في صِغره وما دار بينهما.
-جاهز يا عمي؟!!
أومأ علام إيجابًا، فطلب "تليد" من السائق أن يحمل الحقائب إلى السيارة، كسر شرودها صوته حينما كلم والدها فأيقنت بقرب الخطوة الأولى لا مفر وبعد قليل سترتدي خاتمه وتُصبح بين يومٍ وليلة زوجة له، ابتلعت غِصَّة مريرة في حلقها وهي تغلق عينيها تتخيل كيف تكون زوجته وهي لا تكن له أية مشاعر؟!!! لا يمكنها أن تتعامل بطبيعية حينما لا يكون هناك مشاعر بالمنتصف!!.. كيف تكون له زوجة وهي لا تعرفه بعد ولا يدق قلبها له!

لحظات وشعرت باقتراب أقدام نحوها فأدركت مجيئه ما أن فاح عطره حولها، نظر "تليد" حيث تنظر هي وراح يتذكر نفس الأُمسية التي أوشك أن يعترف لها بأن حب طفولته (هي) حتى أنه تخيل نفسه يعترف لها ولكنه فاق بسرعة وبدل حديثه لذلك السيناريو الذي لاقى نجاحًا حينما اقتنعت به.
-يلا بينا!!

تنهدت تنهيدة طويلة قبل أن تلتفت نحوه ثم تقول بفتورٍ:
-تمام.
ركب الجميع سيارته متوجهين إلى محل الذهب بعد أن علم بوصول والده وابنة عمه وزوجها إلى هناك ويجلسون في انتظارهم.. جلس "علام" بجواره فيما جلست هي ووالدتها بالمقعد الخلفي وفضلت "وَميض" الشرود على الاستماع إلى أحاديثه مع والدها حتى أنها خسرت رؤية لمعة عينيه وهو يرمقها من خلال مرآة السيارة حينما تخيل رؤية خاتمة في أصبعها الناعم ورؤية إطلالتها الملائكة في زيها الأبيض يوم زفافهما؛ لم يكف عن إشباع نظراته منها حتى فاق بسرعة من سُكره وهو يُبعد بصره عنها مُتحدثًا إلى نفسه في خفوت:
-أستغفر الله العظيم.. اصبر يا تليد.

وصلت السيارة إلى وجهتها، رفع بصره نحوها ثم قال بهدوء:
-وصلنا إن شاء الله.

استفاقت من شروده على كلماته القليلة، تبادلت النظرات بينها وبين والدتها قبل أن تترجل من السيارة على مضض بوجه شاحبٍ مخطوفٍ ما لبث أن تبدل إلى آخر مُطمئن وهي تجد صديقتها تقف أمامها قائلاً بسعادة:
-مستنينكم من بدري.

أسرعت "شروق" بضم راحتي صديقتها فوجدتهما دافئتين، رمقتها بنظرات مطمئنة قبل أن تسحبها داخل المحل ثم يتبعهما البقية، وفي هذه اللحظة بدأت "سهير" في لعبتها التي رتبت لها قبل أيامٍ حيث قررت أن تحمله فوق طاقته فيختلفون وربما تتمكن من إفساد الأجواء بين زوجها والأخير، وقفت "وَميض" أمام الجواهرجي الذي وضع أمامها مجموعة مختلفة ورقيقة من الخواتم الذهبية وطلب منها أن تختار منهم ما يجوز على إعجابها، نظرت إليهم بدون رغبة وكانت "شروق" تشاركها الاختيار وقبل أن تشير نحو واحد منهم وجدوا "سهير" تقول بلهجة حادة:
-أنا بنتي مش هتلبس دهب، بنتي قيمتها ألماز.

اندهش الجميع من كلامها فرمقها "علام" بحدة وغضب مستتر إلا أنها نظرت إليه بثبات وتحدٍ، تقدم "تليد" للأمام ثم قال حاسمًا لتلك النظرات والمناوشات التي أوشكت أن تندلع في المكان:
-عايزين نشوف كوليكشن ألماز وبلاش دهب.

نظرت "شروق" إلى صديقتها بصدمة كبيرة فوجدت أن الأخيرة تبادلها الملامح المصدومة ذاتها حتى تكلمت برفض:
-لأ مفيش داعي للألماز، الدهب تمام!
تليد بابتسامة وَدودة:
-والدتك عندها حق، إنتِ قيمتك مش دهب وكمان مش ألماز، وأنا فخور لأنك هتكوني شريكة حياتي وقيمتك بالنسبة لي إني شايف كُل حاجة في الدنيا ملهاش قيمة جنبك يعني أنا مش متضايق سواء كان دهب ولا ألماز.

تطلعت إليه بعينين لامعتين من تقديره لها، ابتسمت له بهدوء قبل أن تبدأ في اختيار خاتمها الماسي الذي لم تحتج الكثير من الوقت للاقتناع به.
-حلو دا.
شروق بإعجاب كبير:
-يجنن في إيدك.
تكلمت "سهير" بوجه مُقتضب تقول مستنكرةً:
-هي مش هتختار حاجة تاني ولا أيه؟!.. الشبكة عبارة عن خاتم بس!!!
علام وهو يخرج عن هدوءه قائلًا بحدة:
-لما يكون خاتم ألماز.. يبقى أه خاتم بس.

كشرت في ضيق وراحت تقول بانفعال وغيظٍ:
-وأنا مش موافقة على الكلام دا، بنتي مش قُليلة واللي عايزها لازم يقدر قيمتها.
كان "سليمان" يتابع ما يجري في صمتٍ وقد فهم رغبتها في إفساد الأمر كما أنه يفهمها جيدًا مذ أن غيرت اسم الفتاة وكانت تمنع "تليد" من رؤيتها؛ وكذلك إقناع زوجها بضرورة نسب الفتاة لهما رغم اتفاقه مع الشيخ على احتضان الطفلة فقط وليس تبنيها إلا أن"سهير" رفضت علم الفتاة بأنها تنتمي لأمٍ أخرى غيرها وانصاع "علام" تحت تأثير إصرارها وتوسلها إليه.
-اختاري يا بنتي كل اللي نفسك فيه.
تكلم "سليمان" بهدوء، إلا أنها التفتت له ثم تابعت بثبات:
-أنا مش هاخد غير الخاتم لأني أصلًا لا بحب الدهب ولا الألماز.
سهير بغيظٍ وهي تزجرها بعينيها:
-أيه الهبل دا؟!!
وَميض بإصرار:
-كلمة كمان يا أمي وهخلي الشبكة فضة!!!
ابتسم "تليد" قبل أن يقول بحسمٍ:
-يعني الخاتم خلاص عاجبك؟؟؟
أومأت فطلب من الرجل أن يضعه في صندوق رقيق ويضع بجواره خاتمًا له؛ فتابع الرجل قبل أن يفعل:
-حابين تكتبوا أسامي بعض على الدبل؟؟؟

توجه بنظراته إليها فوجدها تنظر إليه نظرة هادئة لا تحمل قبولًا أو رفضًا وكانت هذه فرصة جيدة كي يلتفت إلى الرجل ويقول بسرعة:
-ياريت.
أسرع الرجل بإنجاز عمله فدون اسمه على خاتمها والعكس ثم وضع الخاتمين داخل الصندوق وراح يهنئ العروسين بودٍ:
-ألف مبروك.

تصافح كُلًا من علام والشيخ سليمان بحرارة وحماس خاصةً علام الذي اطمئن قلبه بهذه الخطوة وسيبقى شاعرًا بالطمأنينة مادامت ابنته في كنف هذا الشيخ وابنه؛ فهما خير من يحافظ عليها ولا يمكن لصاحب أمانة أم يضل طريقه عن أمانته بعد ردها!!
بقيت "سهير" تنظر للجميع شزرًا وقد قدح الشرر والمقت من عينيها، على عكس بهجة الكل وخاصةً شروق التي رأت الحيرة تلمع في عيني صديقتها، أسرعت بضمها إلى صدرها ثم همسات لها أن تستمع بهذه اللحظات السعيدة الآن وإلا لن تكون قادرة على استرجاعها في وقت لاحق ووقتها ستندم ولن يغير ذلك في الأمر شيئًا.

جاء "عِمران" لأخذ شروق وكذلك ذهب الشيخ سليمان إلى مزرعته بينما اصطحب "تليد" أسرة خطيبته إلى شقته القريبة من عمله والتي يمكث بها لحظة تراكم الأعمال عليه حتى ينتهي العمال من تجهيز الشقة الجديدة كي ينتقلون إليها كما اتفقوا.
تم الاتفاق على موعد عقد القرآن والذي سوف يكون بعد يومين من هذه اللحظة، لم تكن تشعر بالغرابة تجاه الأمر ولكن قلبها ينتفض حالما تتذكر أنها في غضون أيام أو ربما أشهر ستكون زوجة له وعليها أن تتعامل على هذا الأساس من إعطاء حقوق وتحمل مسؤولية وغيرهما!

تنهدت تنهيدة عميقة حينما رأته يطالعها بنظرات يلمع بريقها بوضوحٍ فما كان منها إلا أن هدأت وهي ترى بشاشة وجهه ورصانة شخصيته وأن والدها وصديقتها ربما يكونان على حقٍ!!!
•••••••••
-أيه يا روحي، فونك غير متاح من الصبح!!!

أردفت سكون بنبرة خملة وهي تجلس على الأريكة المقابلة للتلفاز بعد يوم عمل شاقٍ، أرجعت جسدها على ظهر الأريكة واحتضنت وسادة ما واختارت أن تُرخي أعصابها وتمنع جسدها وعقلها بعض الاسترخاء، تكلمت شروق بمرح:
-أكيد الشبكة.
سكون بتفهم:
-طيب يلا تعالي علشان ماما مستنياكم على الغدا ومكانتش عارفة توصل لك علشان تبلغك.
شروق بحماس مُفرط:
-تمام تمام.
رفعت سكون أحد حاجبيها ثم تابعت بترقب:
-أيه الفرحة الغريبة اللي في صوتك دي، في حاجة حصلت معاكِ؟؟؟
شروق بسعادة غامرة:
-أيوة، تليد ووميض هيتجوزوا وكُنا بنجيب الدبل النهاردة.

هبت مفزوعًا من نومها تجلس على الأريكة ثم أردفت بدهشة ممزوجة بالصدمة:
-نعم؟؟؟ تليد ابن عمي؟ ووميض علام؟
شروق وقد خفتت نبرة صوتها بتوجسٍ من رد فعل شقيقتها وقالت:
-أه، مالك مصدومة؟؟؟
سكون وهي تصيح بانفعال مكتومٍ:
-لازم أتصدم طبعًا يعني دي هتكون واحدة من عيلتنا وتتساوى بينا؟ وهو يعرفها منين علشان يدخل على كتب الكتاب على طول؟؟؟
توترت "شروق" فتابعت بصوت هادئ:
-سكون أنا في الطريق، نتكلم لما أجي، سلام.

حكت جبينها باستغراب وصدمة، هل يتزوج الشيخ تليد السروجي من هذه؟! كيف كانت شروطه ومعايير اختيار شريكة حياته؟! لقد ظنته لا يتزوج إلا من هؤلاء اللواتي يرتدين الأسود الفضفاض دائمًا ويغطين وجوههن حتى لا يطلع أحد على مفاتنهن كما ينادي في خطبه دائمًا، لقد عانت طويلًا وهي تحاول لفت انتباهه إليها حتى فقدت الأمل في شعوره بما يضمر له داخل قلبها وعللت ذلك بأنها لا تناسبه لاختلاف شخصياتهما وأسلوب الحياة كذلك؛ فهي تعشق الموضة وهو لا يقبل سوى ما يراه صحيحًا في ملابس زوجته وهكذا.. تعجبت من هذا الخبر الذي أجج نيران غيظها الكامن وفي هذه اللحظة انتبهت إلى صوت والدها الذي نادى عليها عدة مرات:
-سكون!!!
تنهدت باختناق قبل أن ترفع عينيها إليه ثم تقول باختناق:
-وَميض!
قطب "عثمان" ما بين عينيه ثم تابع بتوجس:
-مالها؟ هببت أيه تاني؟؟
افتر ثغرها عن ابتسامة فاترة يغلفها الصدمة ثم قالت:
-تليد ووَميض هيتجوزوا!!!
اتسعت حدقتاه وهو يصيح بغير استيعاب:
-نعم؟؟؟ أيه الهبل ده؟
سكون وهي تومئ سلبًا وتقول:
-دي الحقيقة ومفيش هزار خالص في الموضوع.

ألقى بجسده جالسًا على الأريكة ثم تكلم بنبرة نارية:
-سليمان أخويا شكله اتجنن، سايب بنات الحسب والنسب وهيتجوز بنت الخدامين ويخليها تتساوى بينا وتبقى واحدة مننا.
سكت لوهلة ثم تنهد وقد انطلق من بين شفتيه زفيرًا حارًا وراح يقول باختناق:
-هلاقيها من سليمان وابنه ولا مرات حمدي زهران!

رفعت رأسها فورًا وراحت تزوي ما بين عينيها وهي تقول بتوجس:
-مرات حمدي زهران!!!.. ودي عايزة أيه مننا بعد ما جوزها مات؟؟؟
عثمان بابتسامة ساخرة:
-عايزة تكمل منافسته لينا طبعًا.
سكون بسخرية واضحة:
-هتكمل مسيرته المهنية ولا أيه؟ دي طموحها عالي بقى؟؟؟

في تلك اللحظة انتصب "عثمان" واقفًا في مكانه ثم غادر خارج المنزل على الفور ولا يمكنها أن تتوقع ما يخطط والدها ويعزم على فعله؛ ولكنها قررت أن تذهب إلى هذه السيدة وأن تتكلما كسيدتين؛ فعليها أن تُسدي لها نصيحة مهمة؛ألا وهي أن النساء ذوات نفس قصير في مجال الأعمال والتجارة وأن سقوطها آت لا محال فيجب أن تعمل لمثل هذه اللحظة قبل أن تُسن السكاكين ويتجمع الجزارون حول الشاة بعدما تسقط.
•••••••••••
-إنتَ ليه عملت كدا؟؟؟
هتفت به في استنكار وضيق ثم أشاحت بعيدًا عنه، تنهد "عِمران" بثبات ثم قال وهو يتودد إليها أن تنظر إليه:
-عملت كدا علشان الاقي حل لعلاقتك بأمي وهي مكانتش هتوقف اللي بتعمله إلا بالطريقة دي.

أنهى عرض وجهة نظره ثم التقط راحتها بكفه ثم قال بنبرة ودودة:
-شروق، بصي لي!!!
شروق وهي تلتفت له على مضض ثم تتابع:
-تقوم تقول لها إن عندك مشاكل ودا مش حقيقي بدل ما تطمنها إن إحنا الاتنين كويسين زيّ ما الدكتور قال!!

عِمران بابتسامة هادئة:
-ما هو أنا لو قولت كدا مكنش في حاجة هتتغير، هتفضل تسأل وتقطم فيكِ فكان لازم أديها سبب يخليها تبطل تلومك لحد ما ربنا يرزقنا.
أطرقت "شروق" برأسها ثم تابعت بهدوء:
-وهي رد فعلها أيه؟؟؟
عِمران بتنهيدة بسيطة:
-زعلت زيّ أي أم ولقيتها ندمانة بعد ما حسستها بالذنب من ناحيتك وكمان عرضت عليها تيجي تشوف بيتنا الجديد وتفتحوا مع بعض صفحة جديدة وياريت متعرفش غير اللي أنا مفهمه ليها وبس، تمام؟؟؟.

شروق بإدراك:
-تمام.
••••••••••••••
جاءهُ اتصالًا من الشيخ سليمان يطلب بقائه بالمزرعة حتى عودته من مشوار طرأ له فجأة فقبل فورًا خاصةً أن مخططه مع صديقه ألا يظهر أمام "وَميض" إلا أن يتم عقد القرآن مخافةً أن تتذكره وينهدم كُل شيءٍ، قرر "نوح" الاستلقاء قليلًا داخل غرفة صديقه حتى ينتهي العُمال من الحصاد فيما قصدت رابعة الحظيرة وبدأت متابعة العاملات اللواتي يحلبن المواشي أو ينظفن المكان من الروث بينما جلست "مُهرة" على أريكة خشبية تقترب على بُعد خطوات من باب المزرعة حتى إن جاء أحد تفتح له الباب لأن حارسه قد ذهب لشراء بعض الحاجيات لوالدتها.

شرعت تقرأ كتابًا يخص مجال عملها وكانت تحمل كوبًا ساخنًا من الشاي الأخضر وهي في حالة استجمام مُلهمة بالنسبة لها حتى عكر صفوها مداهمة بوابة المزرعة عن طريق طرق قوي وهمجية عليها، زوت ما بين عينيها دهشةً ثم تركت ما في يدها جانبًا وراحت تفهم ما يجري في الحال، وصلت إلى البوابة ثم فتحتها بتوجسٍ لتجد مجموعة من الرجال قد كسا الغضب وجوههم وهنا تكلم واحد من بينهم:
-افتحي الباب دا، علشان البيه يعدي.

رمقته شزرًا ثم أردفت بنفي قاطعٍ:
-مفيش حد هيدخل لأن صاحب المكان مش موجود، اتفضل لو سمحت!.

همَّت أن تغلق الباب ولكنه أوقفه بذراعه ثم صاح بها بقوة:
-ابعدي.
في هذه اللحظة قام بوضع كفه على كتفها ثم دفعها بقوة قاسية جعلتها ترتد عدة خطوات للوراء ثم سقطت على ظهرها في الحال، صرخت بألمٍ أسمع كُل ذرة بجسدها ليخرج صوتًا من بعيد يصيح بنيران مستعرة ومميتة:
-مُهرررررررة!!!!!

 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent