Ads by Google X

رواية طائر النمنمة الفصل الاول 1 - بقلم ملك العارف

الصفحة الرئيسية
الحجم

 رواية طائر النمنمة (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر دليل الروايات بقلم ملك العارف

رواية طائر النمنمة الفصل الاول 1 - بقلم ملك العارف 

"صمت دائم"

تيك تيك تيك
"إشارات ضبط الوقت و قد أعلنت منتصف ليل القاهرة" 

جملة نطقها مذيع راديو إذاعة القرآن الكريم صدحت من الراديو الأنيق المعلق فوق الحائط، تلك الجملة التي اعتادت سماعها وهي تجلس بمفردها في منزلها تنتظر زوجها الذي لا يعود إلا بعد ساعة أو ساعتين من الأن

تنهدت بثقل وهي تشعر وكأن الملل قد مل منها، حدثت نفسها بشرود قائلة: 
أنا مش فاهمة مستنية إيه قومي نامي، متخلية لو جه هيقعد معاكِ وتتكلموا مع بعض شوية زي أي اتنين متجوزين لا سمح الله مثلا، ولا هتتعشوا سوا ويحكيلك يومه كان عامل إزاي؟ 
متبقيش موهومة وتحاولي تغيري وضع أنتِ عارفة إنه مش هيتغير. 

لكنها هتفت من جديد: 
بس زي ما هو كان مُجبر علي الوضع ده أنا كمان كنت مُجبرة، فلو مش هنكون زوج وزوجة طبيعيين علي الأقل نتعامل مع بعض كـ اتنين كبار ناضجين، لكن جو يعتبرني شماعة ولا كرسي ده مش نافع أنا تعبت، ده حتي مش بيخليني أخرج وحدي! 

مرت ساعة أخري قد أوشك سلطان النوم أن يجذبها لـعالم الأحلام لكنه هرب حينما انفتح باب الشقة و طل زوجها من خلف الباب  ببذلته الميري، حمحم بخشونة حتي تستيقظ 
فركت عيناها بِنعاس وهي تلقي بنظرها نحو الساعة التي أشارت عقاربها للساعة الواحدة و النصف استقبلته وهي تتجه خلفه للداخل قائلة بصوت هادئ: 
حمد الله علي السلامة. 
هز رأسه دون إجابة وهو يفك أزرار بذلته بهدوء

اتجهت للخارج وهي تخبره
هسخن الأكل علشان تتعشي. 
ولكنه كالعادة خيب آمالها قائلًا:  
مش عايز
زفرت بضيق وقد طفح منها الكيل وعادت له برأسها
اسمع بقي أنا هسخن الأكل و أنت هتاكل معايا، أضعف الإيمان يا أخي. 
ظل يرمقها مطولًا دون رد تنهد وهو يجلس فوق الكرسي خلفه قائلًا باستسلام: 
يا ريت بسرعة عايز أنام. 

غادرت وعلي وجهها ابتسامة منتصرة، دخلت للمطبخ وأشعلت الموقد أسفل أواني الطهي 
نظرت من النافذة أمامها وهي تتحدث بخفوت: 
الله يسامحك يا ماما أنتِ اللي أكلتي بعقلي الحلاوة بكلامك اللي خططتم ليه أنتِ وسيادة اللوا أبويا، هقول إيه بقي.

قامت بتقليب الوعاء الحاوي لحساء الفاصولياء وهي تشم رائحته التي انبثقت منه بتلذذ وعادت تكمل: 
معرفش جبت عقل منين علشان اتجوز حد مش بحبه ولا بيحبني لاء و كمان رافض مبدأ الجواز و إيـ… 
قطع استرسالها في الحديث، سماعها لصوت تأوه خافت مكتوم صدر منه، أتجهت للغرفة بقلبٍ وجل، وجدته يحاول ارتداء قميصه ولكن حال جرح كتفه دون ذلك شهقت بفزع لرؤيته مصابً بهذا الشكل تقدمت منه مسرعة بلهفة
_سلامتك، إيه اللي عورك كده، أنت أتخانقت مع حد ولا إيه؟ 

رد بهدوء ولكن بان الألم في نبرته يخبر بأن حركته تركت أثرًا في جرحه: 
أنا كويس مفيش حاجة. 
لكنها أصرت: 
ايوة برضو من إيه، وسطحي ولا كبير، فهمني! 

قالتها وهي تحاول استكشاف كتفه من أسفل الضمادة الطبية لكن لم يفلح معها وطال صمته حتي تحدثت من جديد بضيق 
يابني رد عليا، الجرح كبير؟ و مين عمل فيك كده؟ 

جذبها بذراعه السليم لتجلس أمامه فوق الفراش قائلًا بنفاذ صبر: 
ممكن تهدي شوية، دي مش أول مرة أتصاب، عادي كنت بتدرب وكان في مسمار في الحيط خبطت فيه. 
انسكب القلق من عيناها دمعة سقطت فوق وجنتها وسألته
_هي كبيرة طيب؟ بتوجعك؟حاسس بإيه؟ 
أجابها بالنفي: 
مش بتوجعني لاء، والجرح سطحي، وفيه ألم بسيط هاخد مسكن و أنام وهبقي كويس. 
لازال القلق مرسومًا فوق ملامحها فقال: 
في عشا ولا أنام. 
أجابت وهي تجذب منه قميصه 
لاء خلاص هغرف علطول. 

وضعته في رقبته وهي تسأل بضيق
لما أنت متعور وعارف مش هتعرف تلبس وحدك، قولي اساعدك. 

جلست أمامه وهي تنزله علي جسده خاتمة حديثها بسخرية: 
اعتبرني مراتك يعني و اسمحلي أساعدك، مش هعضك! 
كان متعجبًا من غضبها المبالغ فيه _من وجهة نظره _ هذه الليلة، ولكنه رجح الأمر لقلقها أن تكون إصابته كبيرة

وضعت الأطباق وقبل أن تناديه كان قد خرج للأنصمام إليها، جذب الكرسي وقد جلس كليهما في صمت سألت وقد اشتاق عقلها لتبادل الحديث مع أي بشر: 
هو أنت قايل إيه لوالدتك عننا؟ 
نظر لها وقد ضاق ما بين حاجبيه، فأوضحت
أصلها كلمتني الصبح، وكانت بتسأل أسئلة كتير، عننا وعن حياتنا سوا، فقولت أسألك لو قولتلها حاجة 
هز رأسه بالنفي وهو يرفع لفمه ملعقة الأرز، ضاقت منه ذرعًا فعادت تسأل
أنت لما كنت صغير كنت بتتعاقب لما تفتح بوقك؟ 
نظر لها دون استيعاب في البداية حتي فهم مقصدها فتنهد وهو يرفع حاجبيه دون اهتمام و هو يواصل طعامه 
يابني استعمل الكلمات، سيب حواجبك في حالهم شوية، ثبتهم مكانهم، أنت حرفيًا أخترعت أسلوب إشارة جديد
نظر لها بغضب وهي تكمل قائلة أثناء تحريكها لحاجبيها بسخرية: 
إشارات الحواجب، دي بتتعلموها في الجيش دلوقتي؟ طب أفرض المكان ضلمة هتشوفوا بعض إزاي! أو مثلا بعيد عن بعض، بس ممكن تحطوا عليها مادة فسفورية هتنور…

شعر بالغضب من طريقتها، كان يمسك بالشوكة في يده يحركها وكأنه سوف يغرزها في عنقها، حينما جال هذا الخاطر بعقلها لم تمسك ضحكتها وهي تضع يدها فوق فمها، تعجب وهو يسألها بضيق: 
بتضحكي علي إيه؟ 
أجابت ولازالت تضحك: 
تخيلتك بتدب الشوكة في رقبتي و تفصل دماغي عن جسمي. 
قالتها وعادت تضحك وهي تضرب بيدها فوق السفرة ما جعله يدير وجهه عنها يداري بسمته لم يمنع نفسه من قول: 
عرفتي منين إني عايز أعمل كده؟ 
نظرت له لبرهة ومن ثم ضحكت مجددًا وهي تسأله بذات البسمة: 
طب و إيه اللي مانعك يا حضرة الظابط! 
هز رأسه بقلة حيلة قائلًا: 
سيادة اللواء أبوكِ طبعا، اصله موصيني عليكِ. 
ردت بسخرية: 
أه قول كده. 
مسح فمه بالمنديل الذي أمامه وهو يمدحها بقوله: 
تسلم إيدك، الأكل طعمه حلو، تصبحي علي خير. 
ردت عليه 
بالهنا و الشفا، و أنت من أهل الخير 
غاب عنها للداخل تنهدت مبتسمة ومن ثم استقامت واقفة وهي تنطق بتعجب: 
هو كان قاعد بيتكلم معايا دلوقتي بجد! كان بيضحك، وقالي تسلم إيدك الأكل حلو كمان؟ 
أرخت جسدها فوق الكرسي من جديد: 
أه مش مصدقة بجد! 
جمعت الأطباق  ودلفت للمطبخ، أنهت عملها فيه و اتجهت للغرفة وجدته وقد أخذ أقراص المسكن ورفع الغطاء ليتدثر أسفله، ما كاد كتفه المصاب يلام س الفراش حتي تأوه وهو يعتدل، رأته من المرأة فهمست بنبرة ساخرة قصدت جعله يسمعها لتثير غضبه: 
العقل زينة صحيح! 
زفر بضيق وهو يعتدل للجهة الأخري التي تجعله يطل فيها عليها هي، انتهت من فك شعرها وتمشيطه استعدادًا للنوم، توجهت نحو الفراش تدثرت أسفل الغطاء وقد أولته ظهرها، تنهد براحة لم تدم طويلًا حيث وجدها تعتدل ليصبح وجهها موازيًا لوجهه، بقي كلاهما علي هذه الحالة حتي غلبهما النعاس
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
في الصباح
جلس كليهما علي المائدة الصغيرة التي تتوسط المطبخ أمام النافذة الصغيرة التي أنارت المكان بنور الصباح ونسيمه البارد 
كان الصمت يجلس فوق الكرسي الثالث بينهما. 
لا يعلوا سوي صوت "الشيخ نصر الدين طوبار" في المذياع وهو يبتهل بإبتهاله الشهير، نظرت له كيف يتناول طعامه بهدوء، تذكرت يوم إلتقته أول مرة في عيد مولد اخته كانت في طريقها للدخول من الباب الذي خرج منه هو مسرعًا فصدمها بكتفه دون أن ينتبه وهو يتحدث في الهاتف ولم يلتفت ولو للحظة، انتقلت بذاكرتها يوم علمت من والدها أنه تقدم لخطبتها، لم يكن يعرفها، هو لم ينظر لوجهها حتي، لكن والده هو الذي قرر و أختارها له بعد أن طفح كيله من ابنه الذي يرفض الزواج. 
وبحكم الصداقة بين الأباء وافق كل منهما علي أن يتم هذا اللقاء، تذكرت حديثه الجاف، جمله الصلبة، وكأن فمه رشاش و كلماته رصاص حيّ، تذكرت قوله الخشن: 
"شوفي بما إن مفيش حد في حياتك هتضطري تفترقي عنه بإرتباطنا و أنا كذلك الأمر فمفيش مشكلة ندي بعض فرصة، وارد نقدر نتعود علي بعض و الحياة تمشي، لو لاء فربنا شرع الطلاق، و أكيد مش هجبرك تعيشي معايا" 
بعد تلك الجملة كانت قد نوت أن ترفضه، لكن مع إصرار الجميع و قبوله هو بها، رضخت، لا يمكنها أن تنكر أن جزءًا داخلها اقتنع بحديثه، بالإضافة إلي كونه مقبول شكليًا لا ليس مقبولًا فقط، لا يمكنها الإنكار كونه وسيمًا من وجهة نظرها، كانت تظنه سيكون ودودًا لطيفًا معها وسيأتي الحب بعد أن يعتادا علي بعضهما البعض لكنه لم يحدث، هو لا يوجه لها كلمة، لا يبارد بأي حديث، بعد 5 أشهر من زواجهما أدركت أنها مجرد "كوبري" 
يتزوجها حتي يستقل بعيدًا عن والديه و عن إزعاجهما له بتكرار أمر الزواج أكملت ما تفكر به بصوت سمعه هو دون إدراك منها: 
و أهو خدامة في البيت تطبخ وتغسل و تنضف. 
فهم مقصدها و استنتج ما تفكر به لكنه أثر التظاهر بأنه لم يفهم، رفع رأسه لها يسألها بعينيه، ضحكت بغيظ: 
انسي اقسم بالله ما هقولك غير لو سألت بلسانك، أنا بعد كده لما أكلمك مش هبص في وشك يا طه علشان تبقي تتكلم. 
تحولت نبرتها للجدية وسألت بحزن: 
أنت شايفني مش مهمة للدرجة دي!، مستخسر حتي تتكلم معايا! 
لم تنتظر منه رد بل نهضت مسرعة تتجه للغرفة مغلقةً الباب خلفها، ضرب بقبضته فوق الطاولة وهو ينظر أمامه بضيق شديد لقد تعكر مزاجه كليًا، ارتفع صوت بكائها في الداخل ما جعله ينهض متجهًا إليها، فتح الباب وجدها وقد جلست فوق الأريكة الموضوعة بزاوية الغرفة وانكمشت فوق نفسها تبكي 
جلس أمامها يتحدث بهدوء: 
ممكن افهم أنتِ مكبرة الموضوع ليه؟ 
عادي أنا مبحبش اتكلم، المفروض تحترمي رغبتي دي
زي ما أنتِ بتحبي تتكلمي و تسألي، و أنا احترمت رغبتك دي، أنا من وقت جوازنا مفيش مرة قولتلك اسكتي أو صدعتيني أو بتتكلمي كتير، بالعكس أنا بسمعك
أجابت من بين دموعها
كوني بكلمك و أنت مش عايز ترد عليا يا طه يعتبر عدم احترام ليا، وعدم تقدير منك لكلامي، أنت بترد علي اسئلتي لما يكون إجابة السؤال محتاجة كلام، و أشك إن دي كمان هتوقفها بعد شوية ما أنت كل فترة بتطور لغة الإشارة بتاعتك. 
حافظ علي هدوئه وهو يجيب: 
ممكن لو سمحتي تبطلي عياط. 
جذب منديلًا من الكومودينو جواره ومد لها يده، يقول: 
امسكي امسحي دموعك. 
نظرت له فحثها بنظرات، فتنهدت وهي تأخذه، و واصل هو: 
كوني بسمعك فده إهتمام علي فكرة، و علي فكرة أنا بحترمك، وبقدرك، وتهميني؛ لأنك مراتي يا آية. 
رفعت عيناها له وهي تنزل قدميها للأرض  فركت كفيها وهي تحدثه: 
أنت مش عايز تتكلم طيب وبعدين، أنت قولت ندي بعض فرصة نتعرف علي بعض وناخد علي طباع بعض، طب ازاى وانت هتقوم تلبس وتنزل شغلك وترجع بعد نص الليل تدخل تنام يا إما تتعشي في جو صامت، أنا امبارح مكنتش مصدقة إنك أتكلمت معايا! 
هتف يتهرب: 
دي ظروف شغلي و أنتِ عارفاها و أكيد من زمان لأن شغلي نفس شغل والدك. 
هزت رأسها برفض: 
لاء، ده مبرر خايب، بابا كان بيتكلم، ايوة هو شديد شوية لكنه كان صاحب لينا برضو بيتكلم ويهزر و يهتم بينا، كنا بنسمع صوته في البيت علي الأقل! 
بان البكاء في نبرتها وعادت الدموع لعيناها وهي تكمل: 
أنت حتي مش بتتصل تطمئن عليا لما بتغيب بالأسبوع في شغلك، وعارف إني وحدي وممكن يحصلي حاجة أو أكون خايفة من القعدة وحدي ومحتاجة حد بس يقولي متقلقيش، طب ليه كل ده؟ أنا عملتلك إيه علشان تعاملني كده يا طه؟ 
نهض يوليها ظهره: 
معملتيش حاجة يا آية، أنا بس مش واخد علي الوضع ده لسه،  قلة الكلام ده طبع فيا صعب أغيره بسهولة، مش متعود اتكلم و أحكي يومي أو اتصل بحد اطمئن عليه، مش بيجي في بالي. 
ألمتها جملته الأخيرة، نهضت تقف أمامه وهي تنظر في عيناه
بحزن جعله يندم: 
مش بيجي في بالك أصلا؟ يعني مش فاكرني، طب كويس إنك لما بترجع بتفتكر إني مراتك مش الشغالة! 
رفع رأسه ينظر للسقف بتعب سمعها وهي تنهي الحديث وترحل
عمومًا أنت حر، أنا تعبت خلاص. 
ذهب نحو دولابه يخرج منه ثوبه ويتجه للحمام خرج فوجدها وقد إرتدت ثياب خروج وتنتظره بالغرفة، نظر لها بتساؤل، بينما رأي في عيناها تحدي، تنتظر أن يسألها بلسانه، ضحك داخله علي تصرفاتها الطفولية ألقي المنشفة من يده علي الكرسي وقف يمشط شعره وهو ينظر لها من خلال المرأة: 
خير رأيحة فين كده؟ 
أجابته بهدوء: 
عايزة أروح أقعد مع ماما شوية. 
ترك الفرشاة وهو يتجه لجذب حذائه
خليها وقت تاني أنا أتأخرت مش هلحق أوصلك. 
ولكنها أصرت: 
مش مشكلة هاخد تاكسي
ترك الحذاء وهو ينظر لها
و أنا قولت مفيش خروج وحد. 
ربعت يديها أمام صدرها قائلة: 
هكلم بابا يبعتلي السواق طالما حضرتك مشغول للدرجة دي! 
أنهي غلق ازرار بذلته وهو يجيبها
برضو لاء. 
وقفت بغضب صائحة
هو إيه اللي لاء، أنا أتخنقت من قعدة البيت، عايزة أخرج. 
وقف أمامها محذرًا: 
و أنا قولت مش فاضي، و وطي صوتك إحنا مش في خناقة! 
ضربته في كتفه السليم
لاء هي خناقة، وهتاخدني في طريقك يا إما هنزل بعد ما أنت تنزل، فبلاش ندخل للسكة دي مع بعض. 
جذب متعلقتاته وهو يتجه للخارج: 
أنا قولت اللي عندي، و منصحكيش تعملي اللي قولتيه ده علشان رد فعلي مش هيعجبك. 
خرج من الغرفة فجذبت هاتفها وهي تهمس
ماشي يا طه هنشوف كلام مين اللي هيمشي
انهت ما تفعله وخرجت خلفه كان بالمطبخ يشرب الماء
يعني ده أخر كلام عندك، مش هتاخدني معاك. 
أكد: 
أيوة مش هاخدك، ريحي نفسك، يوم تاني إن شاء الله. ★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
كانت تجلس جواره في السيارة وتعلوا وجهها ابتسامة لا تقوي علي محوها منذ نزلت من البيت برفقته بعد أن هاتفه والدها يطلب منه أن يجلبها للبيت و قد رضخ هو رغم تقديمه لمبرراته، إلا أنه في النهاية يصطحبها الأن لبيت و الدها
كان ينفخ بضيق بين كل ثانية و الأخرى ما يقرب من عشر مرات، ومع كل مرة تتسع بسمتها اكثر 
نظر لها بطرف عيناه فرأي بسمتها التي جعلته يقطم شفته بغضب، سألها بضيق: 
هتقضي اليوم كله مع والدتك في البيت؟ 
نظرت له وقبل أن تفتح فمها تراجعت وهي تكتفي وهي تهز رأسها بالإيجاب رفع حاجبيه بتعجب بينما هي لم تهتم و نظرت من النافذة جوارها، صف سيارته أمام الفيلا المملوكة لوالدها وهو يخبرها: 
احتمال أتأخر باتي هنا و الصبح هاجي أخدك. 
نظرت له تهز رأسها بالرفض فرد: 
بقولك هخلص متأخر، هتفضلي صاحية لحد ما أجي؟ 
هزت رأسها بالأيجاب فهتف بغيظ: 
طب مش جاي غير تاني يوم وخليك سهرانة. 
هنا تخلت عن صمتها وهزت كتفيها بلامبالاة: 
عادي، هاخد تاكسي و قبل ما توصل هتلاقيني في البيت. 
قبض فوق المقوض بغضب وقرب وجهه وهو يصيح: 
يابنتي اصطبحي و قولي يا صبح بقي في إيه؟ 
قربت وجهها منه بالمثل ولم تتحدث بقيت تنظر له بغضب ومن ثم أخرجت له لسانها وهي وترفع حاجبيها معا بغيظ وتخرج من السيارة بعد أن اخذت حقيبتها وتوجهت للداخل، بينما بقي هو علي حاله لا يصدق أن تلك التصرفات الصبيانية تخرج منها، أدار المقود وهو يكمل طريقه لعمله ومن ثم وعلي حين غرة أنفجر ضاحكًا علي فعلتها. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
وصلت للباب الذي كانت تقف فيه والدتها تنتظرها بشوق، ولكنها تعجبت وهي تراها قادمة بمفردها
أومال فين جوزك. 
احتضنتها وهي تخبرها: 
مشي علطول، اصل عنده شغل و جابني معاه بالعافية. 
لم تقتنع والدتها بهذا المبرر، فخمس دقائق لإلقاء التحية عليهم لم تكن لتؤخره ولكنها جذبتها للداخل وهي تسألها: 
انتو متخانقين يا آية؟ 
أجابت بموافقة وهي تجلس أمامها فوق الأريكة، لا تريد أن تكذب عليها، جائت من الأساس لتسرد لها كل شيء وتأخذ
منها النصيح. 
إحنا مش بنعمل حاجة غير الخناق، ماما طه صعب أوي، أنا مش عارفة أوصل معاه لمنطقة آمان نتفاهم فيها، ساكت، مش بيشاركني أي حاجة، بيتكلم بالقطارة، مقعدني في البيت ومفيش خروج غير وهو معايا، وطبعا علشان مشغول طول الوقت فـ أنا مُجبرة أفضل قاعدة في البيت لحد ما ظروف شغله تسمح. 
كانت والدتها تسمع باهتمام، بقيت صامتة ترتب كلماتها حتي لا تخرب علي ابنتها حياتها الزوجية 
حبيبتي ده طبيعي في أول الجواز، مع الوقت هتفهموا بعض
اسندت ظهرها للخلف وهي تكتف يديها أمامها مصححة لها: 
قصدك مع الوقت هبقي مجرد قطعة أساس في البيت.
رفضت وهي تنظر لها: 
متقوليش كده هو مع الوقت هتلاقيه بيقرب حتي لو إيه هيرجع
نظرت لها بضيق وهي تسأل: 
يرجع فين؟ 
اكملت تفهمها: 
يرجع لحضنك يا آية. 
حضني إيه يا ماما بقولك مش بنبطل خناق؟ 
ضيقت عيناها وهي تسأل بصوت منخفض: 
أنتو محصلش بينكم حاجة لحد دلوقتي غير الخناق؟ 
اغمضت عيناها بضيق، لا تريد أن تتحدث بهذا الأمر ولكنها بحماقتها سقطت فريسة والدتها. 
ماما خلاص مش عايزة اتكلم. 
ماشي يا آية، بس لازم تعرفي إن الامور مش بتمشي بالخناق، وكده هتكرهوا بعض، خلي فيه ولو نقطة تبنوا عليها حوار، هو مش بيهتم اهتمي أنتِ، كلميه في التليفون اطمني أنتِ عليه، ده طول اليوم وسط عساكر و ظباط ومجرمين، أكيد مش عايز يرجع يلاقي عسكري في البيت يزعق و يتخانق معاه، أرجعي آية أم دم خفيف اللي محدش بيقعد معاها و يبقي عايز يقوم
مش العصبية اللي بتتخانق، قومي يلا أطلعي اوضتك غيري هدومك وكلميه شوفيه وصل ولا لسه، و اطمني عليه، لو مش بيتكلم في البيت غير بالإشارة في التليفون مش هيعرف، ولازم يتكلم و أنتِ وشطارتك بقي. 
اقتنعت بحديثها نوعًا ما، لم تتهكم سوي علي قولها بأن تحادثه علي الهاتف
ماما إحنا دابين خناقة علي غيار الريق كده أكلمه إيه بس! 
أكدت والدتها: 
وماله كلميه برضو حسسيه إنك مهتمة بيه يا آية علشان هو كمان يرد الإهتمام ده، يلا ولما يرجع أبوكي علي الغداء هبعتلك. 
تنهدت وهي تنهض لأعلي
أستلقت فوق فراشها وهي تنظر للسقف ومن ثم أعتدلت تنظر لغرفتها بحنينٍ لكل ما فيها جذبت هاتفها و بعد تردد طويل ضغطت زر الأتصال عليه، وضعت الهاتف فوق أذنها وهي تهمس: 
يا رب ما يرد. 
وبالفعل لم يجبها انتهت المكالمة دون استجابة ألقت الهاتف جوارها بضيث نادمة علي اتصالها، مرت خمس دقائق ابدلت فيها ثيابها وفكت قيد شعرها حينها علا رنين هاتفها وكان المتصل هو، أجابت بتوتر هاتفة
ألو، السلام عليكم 
وعليكم السلام ورحمة الله،مشوفتش أتصالك غير دلوقتي خير محتاجة حاجة؟ 
نبرته الجافة هذه تقتلها: 
لا، أنا بس كنت بطمن عليك وصلت ولا لسه. 
وصلت من شوية أه
صمت كليهما، هرب الحديث منها حتي سألت بهمس وهي تجلس في طرف الفراش
كتفك عامل إيه، لسه بيوجعك؟ 
كويس الحمد لله، ومش بيوجعني لا. 
طب الحمد لله، طه كنت عايزة أعتذرلك علي إني يعني… عليت صوتي عليك الصبح و …وضربتك علي كتفتك، أنا مكنتش عايزة أعمل كده بس لما بتعصب مش بركز في اللي بعمله. 
وصلته نبرة الندم في صوتها، يدرك أنها تتحمل الكثير أجابها بهدوء: 
مش مضطرة تعتذري علي حاجة يا آية عادي، مفيش اتنين مش بيتخانقوا وطالما حسيتي إنك غلطتي لما عليتي صوتك وندمتي خلاص، أنا مش زعلان، وبعدين أنتِ بتسمي خبطتك دي ضربة، دي كنا بنصبح بيها علي بعض في الكلية 
عقب جملته صوت ضحكتها التي رنت بأذنيه جعلته يبتسم وهو ينظر للقلم أمامه، أمسكه يدق به فوق سطح المكتب ولم يستطع منع نفسه من قول: 
آية، هو اللي أنتِ عملتيه قبل ما تنزلي من العربية الصبح ده كان بجد؟ 
رنت ضحكتها من جديد وهي تضع أصابعها بين شعرها وتلقي بجسدها فوق الفراش
متفكرنيش بقي، ولعلمك دي خطة تكنيكية للأنسحاب بأقل الخسائر. 
ضحك بخفوت وهو يصحح لها: 
اسمها تكتيكية مش تكنيكية يا هانم. 
كلها مسميات المهم إنها نجحت؟ 
ابتسم وهو يجيبها: 
ايوة نجحت، لسه مصممة إني أجي أخدك. 
سألت بضيق: 
أنت عايز تسيبني هنا ليه مش فاهمة، أصلا البيت مش هيبقي ليه طعم منغيري لمعلوماتك. 
كاد يخبرها بأنها علي صواب ولكنه لم يفعل بقي صامتًا، واكملت هي: 
طه أنا هستناك بالليل، فلو سمحت متتأخرش، ممكن؟ 
هحاول حاضر، بس برضو لو أتأخرت بلاش تستني. 
هزت رأسها بنفي: 
لا هستني وهتيجي، مهما تتأخر أعرف إني مستنياك. 
دق فؤاده لكلماتها وسألها: 
بجد؟ 
سألته: 
هو إيه اللي بجد! 
وضح لها: 
هتفضلي تستنيني مهما أتأخر؟ 
فهمت أنه يرمي لشيءٍ أخر ولكنهأ أكدت قولها مبتسمة بخجل و كأنه أمامها: 
هفضل مستنياك مهما تتأخر يا طه. 
عقب جملتها أغلقت الاتصال وبقي هو ينظر لأسمها أمامه دون فعل أي شيء  ★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
أعلمتها الخادمة بمجيئ والدها فنزلت مسرعة لتراه، فتح ذراعيه لها يستقبلها بترحاب شديد، قبَّلَ شعرها وهو يخبرها: 
وحشتيني يا حبيبتي. 
و أنت كمان يا بابا وحشتني أوي، بقي كده تديني لـ أبو رجل مسلوخة كده منغير ما أصعب عليك. 
ضحك والدها علي قولها بينما أتت والدته من خلفها موبخة: 
وبعدين يا آية عيب كده ده جوزك يا حبيبتي. 
ربت والدها فوق رأسها بحنان: 
نتغدي وندخل المكتب نتكلم علي اللي مزعلك ولو عايزة أقرصلك ودنه معنديش مانع. 
هزت رأسها ضاحكة وهي تذهب خلفه لمائدة الطعام 
أكلك وحشني يا ماما، أنتِ و دادة كوثر. 
بالهناء و الشفاء يا حبيبتي. 
أنهت طعامها و ذهبت لمكتب والدها الذي سبقها للداخل، جلست أمامه وقبل أي حديث، دخلت والدتها تحمل قهوتهما حينما وقفت أمامه هتف يسأل: 
إيه الفستان الحلو ده، مش بشوف الحاجات الحلوة ديه ليه، ولا علشان آية هنا؟
نظرت له والدتها بغيظ ومن ثم سألتها وهي تشير نحوه
شايفة أبوكي! 
وفعل هو بالمثل: 
شايفة أمك! 
ضحكت وهي تسند رأسها لذراعها الممدود فوق المكتب وتنظر لهما بحب كبير، ذهب عقلها لتخيل أنها مكان والدتها وطه مكان والدها، بالتأكيد كان سيرمي بالقهوة في وجهها عند هذه النقطة أمتعضت ملامحها ولاحظ أبويها هذا، فأشار والدها لأمها كي تخرج و جذبها هي من طور أفكارها: 
ها يا آية مالك، وليه طلبتي أكلم طه و أصمم إنه يجيبك، هو مانعك تيجي ولا إيه؟! 
ردت تنفي عنه التهمة: 
لا يا بابا مش اللي حضرتك فهمته. 
قصت له ما حدث فهز رأسه موافقًا وابتسم: 
بنت أبوكي بصحيح، طيب وبعدين عايزة إيه، عايزة تسيبيه؟ 
شعرت بشيء غريب داخلها شعور بالضيق ربما، وشعور بالرفض الشديد، لاحظ والدها حيرتها تركها حتي تصل لما يريحها، و ااذي قالته بهدوء: 
لا يا بابا مش عايزة أسيبه، ومش علشان حبيته مفيش حب بيتولد وسط الجفاء، لكن علشان ولا أنا ولا هو أخدنا فرصتنا نعرف بعض، أنا ضيقي وخنقتي من تصرفاته، هو كويس، ومش كويس في نفس الوقت. 
ابتسم والدها لنضجها و عقلانيتها في حساب الأمور
مش بقولك بنت أبوكي، بتحسبيها بعقلك، لو عايزاني اتدخل و اتكلم معاه معنديش مانع علي فكرة. 
استحسنت الفكرة لبرهة ولكنها رفضت: 
لا برضو، هو محافظ علي اللي بينا، بينا وبس، مش بيقول لحد من أهله حاجة عننا علشان محدش يتدخل، و أنا برضو مش حابة حضرتك تكلمه، أنا جيت بس علشان افضفض و أخد من حضرتك ومن ماما النصيحة. 
نهض والدها يجلس فوق الأريكة ف أنتقلت هي لجواره ولكنه أوقفها: 
هاتي قهوتك معاكي علشان هتبرد. 
ابتسمت وعادت تلتقطها، ارتشف القليل وفعلت هي المثل تنتظر منه أن يتحدث، تدرك أن ما سيقوله الأن سيكون من الأقوال التي لا تخرج كثيرًا، كان هو بارعًا في قراءة الفضول و الترقب من فوق ملامحها، و تعمد أن يطيل حتي وضع فنجانه فوق الطاولة واسترخي في جلسته ينظر لها: 
شوفي يا آية، أنا هكلمك كـ راجل طبيعي، مش أبوكي، وهحط نفسي مكان جوزك اللي أنا عارفه بقالي سنين ويمكن اعرف عنه أكتر منك، أنا كراجل في شغلي ومركزي ده، محطوط في ضغط و توتر و ترقب و شد وجذب عايز أخر يومي أرجع البيت ألاقي حاجة حلوة تطري علي قلبي بعد كل الجفاف اللي كنت فيه، أكلة حلوة، زوجة حلوة زي القمر كده شبهك مستنياني تساعدني في لبسي وتقف علي دماغي لحد ما تاخد عني كل أفكار الشغل اللي بتطاردني وتجردني من كل اللي شاغل بالي غيرها هي، وعلي فكرة ده من الست نفسها، محدش بيوقف دماغه عن التفكير بسهولة، أنتِ بإيدك تاخديه من الزحمة دي للهدوء. 
هزت رأسها بموافقة وقد عاد يجذب قهوته من جديد مكملًا
مفيش راجل في الدنيا يقدر يقاوم حسن و جمال الست اللي معاه طالما هي عايزة تظهر الحسن ده وتقربه منها، بس الرجالة درجات منهم اللي بيقع علي بوزه ومنهم اللي عايش في بر. جه وعايز اللي تطلع لحد عنده وبين الاتنين بتختلف الرجالة
تحدثت برفض
بس لو هو في برج عالي أنا مش هطلعله، هو مين اللي بيسعي الراجل ولا الست يا بابا؟! 
نظر لها بخبث: 
يبقي خليه ينزلك من البرج ده، لو علاقة غير الجواز،او قبل الجواز مثلًا، الست لازم تعزز نفسها لأبعد حد، حتي لو هي عمرها كله ذليلة، لازم تعلي من قدرها علشان الراجل يحس بقيمتها، لكن دلوقتي أنتو زوج وزوجة، السعي علشان العلاقة دي تنجح واجب علي الاتنين. 
صمتت تقلب حديثه في رأسها، ولكنه اكمل: 
آية حبيبتي، أنا بنصحك لأنك طلبتي النصيحة، لكن أنا مش عايزك تبذلي طاقة ومشاعر في علاقة أنتِ مش متقبلاها، لو عايزة تبعدي قوليلي، أنا يمكن اصريت توافقي، بس ده لأني شايفه مناسب وعارف إنكم هتحبوا بعض، لكن جايز أكون غلط، ولو عايزة تبعدي أنا في ضهرك، بس ادي الموضوع فرصة تانية. 
هزت رأسها وهي تكرر بخفوت: 
أخليه ينزلي من البرج بتاعه! 
نظرت له ورأي السؤال في عيناها قبل أن تفصح عنه: 
إزاي أخليه ينزل من البرج ده طيب، أنا مش عارفة أعمل إيه
غمز لها وهو يبتسم: 
ديه بقي هتلاقيها عند والدتك. 
ابتسمت بخجل وهي تنهض للخارج وقفت أمام الباب و استدارت له: 
خليكم كده حدفوني لبعض أنتو الاتنين لحد ما تدخلوني أنا وهو محاكم الأسرة. 
قالتها بنبرة مازحة جعلته يضحك مجددًا. 
ضحكات قلت منذ زواجها ورحيلها للعيش ببيت زوجها، كانت تضفي للبيت بهجة ليس لها مثيل، عادت بعودتها اليوم، ألقت له قُبلة في الهواء وهي تغلق الباب خلفها، وقفت بمنتصف المنزل تنظر حولها بحثًا عن والدتها، تشعر كأنها ضابط تحقيقات يحقق في قضية. 
همست ساخرة: 
قضية الغرام ياختي. 
اتجهت نحو السلم تبحث عن والدتها بالاعلي وهي تدندن: 
أول معرفت إنك عايزني جيت قوام، مقدرش استغني عنك يامعلمني الغرام. 
فتحت الباب وهي تدخل غرفة والديها صائحة: 
وكله كله كوم وزعلك أنت كوم أنا عندي الدنيا تزعل ولا تزعل مني يوم يلا. 
اخذت تدور وتتمخطر وكأن الموسيقي تعمل في اذنيها حتي قفزت فوق الفراش جوار والدتها وتعالت ضحكاتهما سويًا: 
بصي يا ست أنتِ جوزك قالي لازم أعمل للوحش اللي متجوزاه ده حاجة تطري علي قلبه و تخفف عنه جفاف اليوم، أعمله أيه يعني؟ 
سألتها بغيظ: 
أنتِ بجد مش عارفة تعملي إيه
مفهمتش قصده والله، أعمله كنافة ولا أم على مثلا. 
نهرتها بغيظ: 
قومي من وشي يابت. 
ياماما بجد بقي، قالي كمان لازم تخليه ينزل من البرج بتاعه بشطارتي باين ولا مش فاكرة، بس قالي التفاصيل عندك. 
انقضي اليوم وهي جوار والدتها تستمع لها وسط اعتراضاتها علي ما تقوله والدتها ولكنها كانت تصغي، ربما طريقتها لا تجدي نفعًا وهذه الطريقة قد تنجح. اقتربت الساعة من الحادية عشر و النصف، كان والديها قررا النوم ولكن هي بقيت تنتظره رغم إصرار كليهما علي أن تبقي هذه الليلة لكنها صممت أن ترحل، كان داخلها يتمني مئة مرة أن يأتي، خرجت تجلس في حديقة المنزل جلست فوق العشب ورفعت رأسها للسماء تنظر للبدر و النجوم التي ملاءتها، وبخها عقلها بأنه لن يأتي أن تكف عن انتظاره لكنها همست: 
هو هيجي، هو قال جاي، ايوة هيتأخر بس جاي، و أنا قولتله هستناه.
عقب جملتها وجدت سيارته تقف أمام باب المنزل وهو يترجل منها، أصبحت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولكن لا يهم المهم أنه أتي وقف أمام السيارة لا يدري هل يدخل أم أنها ملت الإنتظار ونامت، ربما لو طرق الباب لاستيقظ كل من في البيت و أثار هو بفعلته هذه جلبة ليس منها داعي، قاطع هذه الأفكار صوتها وهي تناد:
أنا هنا يا طه. 
نظر لها وهي تجلس أرضًا تلوح له بذراعها، لم يدرك متي جائت تلك البسمة لشفتيه وهو يتجه نحوها، وقف أمامها فأشارت بيدها للأرض جوارها حتي يجلس، تردد كثيرًا حتي أمسكت بيده تحثه: 
أقعد ارتاح شوية من الطريق، الجو حلو أوي النهاردة. 
نظر ليدها التي غابت بداخل كفه جذبته أكثر ما جعله ينصاع لها جلس وقد أسند ذراعيه للخلف ينظر نحوها وهي تخبره: 
أتأخرت علي فكرة. 
تنهد وهو يخبرها: 
كنت هاجي بدري، بس حصلت مشكلة هي اللي اخرتني، متزعليش. 
ابتسمت 
مش زعلانة المهم إنك جيت. 
اشارت للداخل تقترح عليه: 
جعان؟ تيجي ندخل أحطلك تتعشي. 
هز رأسه بالنفي وهو يمدد جسده فوق العشب و وضع يده خلف رأسه: 
أنا جعان نوم. 
ظلت تنظر له ولا تدري من أين أتتها الجرأة لتستلقي جواره، فرد ذراعه لها بتلقائية تعجب منها بقي كليهما ينظران للسماء بأنفاس مضطربة همست تخبره: 
تعرف نفسي في إيه دلوقتي؟ 
همهم وكأنه يسألها ماذا
فأكملت: 
نقفل كل النور بتاع الجنينة، الجو بيكون أحلي وهو منور بنور البدر و النجوم بس، زمان أنا وماما كنا ننزل سكينة الكهرباء فـ بابا يعرف ويخرج متعصب علشان هو بيحب يقعد يقراء في مكتبه فماما تشده بالعافية يقعد معانا كنا نسهر هنا لقرب الفجر. 
كان قد أدار رأسه لها وهي تتحدث ناظرةً للنجوم كان لمعان عيناها لا يوصف أنعكاس القمر فيهما يسرد قصصًا لم تكتب بعد، نهض يجذبها من يدها لتنهض معه
هنروح فين؟ 
أجابها بتردد: 
هنزل سكينة الكهرباء، تعالي وريني مكانها. 
ضحكت وهي تجذبه وتهرول للجانب الخلفي من المنزل وقفت تسترد أنفاسها وهي تشير له: 
اهي بس أنا معرفش بتتعمل إزاي ماما اللي كانت تعملها دايمًا
فتحها ومن ثم ضغط الزر المسؤل عن كل الأضواء فأظلم المكان حولهما وزاد ضوء عيناها لمعانًا وهي تنظر للسماء بعيني طفلة. 
جذبته للعودة وهي تهمس: 
تعالي يلا نرجع مكان ما كنا علشان اللي فوقينا دي بلكونة بابا وممكن ينزل يحبسنا. 
جلست و عاد هو يستلقي كمان كان 
تعلق بصره عليها وهي تنظر للسماء ولكنها عادت تنظر له لم يحد ببصره عنها
كانت بداخلها رغبة مُلحة أن تعود وتستلقي فوق ذراعه بالقرب منه، ذراعه الممدود وكأنه ينتظر منها أن تعود كما كانت، ولم ترفض هي طلبه الذي لم يطلبه قولًا و أستلقت جواره مجددًا بل و اقتربت حتي التصقت به و وضعت رأسها فوق كتفه، رفعت نظرها له تستكشف ما إن كان منزعجًا من إقترابها أم مُرحبًا أم لا يبالي، ولكنها رأت في عينيه الكثير من الأسئلة أثرت آلا تجيب عنها وعات تنظر للقمر، تردع نفسها ردعًا عن العودة و النظر إليه، أغمض عيناه وراح في نومٍ عميق وفعلت هي بالمثل. 
لم يشعر إلا و نور خفيف يداعب جفنيه ففتح عينيه، خمن أن الساعة الخامسة بعد الفجر حيث لم تشرق الشمس بعد همس يوقظها: 
آية، آية اصحي. 
همهمت وهي تفرد ذراعها فوق صدره: 
لازم ينزل من البرج بتاعه. 
نومها ثقيل لن تستيقظ، بقي كما هو لا يدري ماذا يفعل حتي وجد باب المنزل يُفتح وقد خرجت والدتها نحوهم، ظنته نائم ولكن كان فتح عينيه مجددا ينظر لها، ابتسمت: 
اكيد طبعا سهرتك معاها وهي بترغي ونمتوا من التعب منغير ما تحسوا. 
لم يستطع النهوض حتي لا يزعجها ولكنه يريد الأعتدال ليحادث والدتها التي اخبرته؛ 
شيلها يلا وتعالوا كملوا نومكم فوق بدل نومة الأرض ديه. 
نهض بالفعل وحملها برفق بين يديه ولكنه رفض الدخول، بقوله: 
لا مالوش لزوم أنا هاخدها و امشي. 
ولكنها أصرت: 
تمشي إزاي يعني، أنت منمتش كويس مينفعش تسوق كده ياحبيبي، هاتها يلا وتعالي أوضتها. 
سار خلفها مغلوبًا علي أمره وتعلقت هي بعنقه وأرأحت رأسها فوق كتفه، صعد بها السلم وفتحت له والدتها الباب وما أن دخل حتي أغلقته خلفه، و ضعها بالفراش و و ضع فوقها الغطاء، جذب أنظاره الدبابيس التي ثبتت بها حجابها خشي أن يؤذيها فشرع في نزعه عنها حتي سحبه من رأسها و وضعه فوق طاولة الزينة، نزع بذلته وحذائه و استلقي جوارها، تقلبت هي مرارًا حتي وصلت له و وضعت رأسها من جديد فوق كتفه، ابتسم و هذه المرة أحاط كتفها بذراعه، و أغمض عينيه و راح في النوم. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
استيقظت علي صوت أحدهم يطرق الباب ويناديها، رفعت رأسها وبرقت عيناها عندما فتحتهما و وجدت نفسها بين ذراعيه بهذا الشكل، كيف وصل كليهما إلي هنا؟ 
عاد الطرق من جديد ولكنها والدتها تدعوها للفطور وزوجها
ورحلت، شكرت صنيع والدتها التي لم تنتظر منها جواب وذهبت. 
عادت تنظر له من جديد تحادثه في سرها: 
أنا متأكدة إن في حاجة مستخبية ورا صمتك الدائم ده، متأكدة إنك كنت حد تاني بس في ظروف أجبرتك تبقي كده، و أتمني مكنش أنا الظروف ديه. 
رفعت كفها تمرره فوق وجهه وقف أحد أصابعها فوق حاجبه الأيمن همست مازحة ولم تدرك أنه يسمعها: 
أنت لو صحيت في يوم ولقيت حواجبك دول اختفوا، هتفقد سبل التواصل مع العالم. 
انهت جملتها وجلجلت ضحكتها دون وعيٍ منها ما جعله يفتح عيناه يطالعها وقد زام ما بين حاجبيه فـ ابتعدت عنه ولكن لم تتوقف عن الضحك، ولم تصدق نفسها وهي تراه يشاركها الضحك صمت وهو يتمتم مبتسمًا قبل أن ينهض: 
أنتِ بجد مش طبيعية. 
اتجه للحمام يغسل وجهه استعدادًا للنزول، خرج وهي لازالت مكانها فوق الفراش فحثها: 
قومي يلا علشان نمشي. 
إحنا جينا هنا إزاي أنا مش فاكرة حاجة. 
سألته وهي تعرف أن الجواب سيجعله يتحدث ولو قليلًا
شرع في ارتداء ما خلعه مسبقًا وهو يخبرها: 
عادي نمنا تحت والدتك الصبح نزلت و صممت نطلع ننام هنا لحد ما تصحي علشان نمشي، فشيلتك وطلعنا هنا، وبس
هزت رأسها وهي تنهض لتبديل ثيابها بأخري، دخلت الحمام ولكنها قبل أن تغلق الباب نظرت له محذرة وهو يربط ساعته حول معصمه: 
أوعي تنزل منغيري. 
دار ببصره حوله يستكشف الغرفة التي طغي عليها اللون البرتقالي بدرجاته، غرفة دافئة، مثلها.
خرجت بعد نصف الساعة  تجفف شعرها و من ثم ربطته للخلف قائلة: 
يلا أنا جهزت
بقي ينظر لها حتي شعرت بالتوتر، نظرت لما ترتديه ظنته متسخًا او فيه عيب فلم تجد ولكنه قال سائلًا: 
جهزتي إزاي يعني مش فاهم؟ فين طرحتك، بقولك هنمشي، حتي لو قعدنا نفطر هنمشي علطول. 
اقتربت منه: 
فين المشكلة يا طه، نفطر وهطلع البسه و أنزل علطول، مش هياخد 5 دقايق. 
سأل: 
طب ما تعمليه دلوقتي! هتفرق؟ 
هزت رأسها مؤكدة: 
ايوة مش بعرف اقعد بيه، صدقني مش هأخرك يلا بس علشان أكيد الكل مستني تحت. 
فتح لها باب الغرفة خرجت أمامه و أغلق هو الباب خلفه امسك بيدها وهو يهبط السلم، تعجبت من فعلته، نظرت له لم يظهر علي ملامحه شيء، ما إن دخل غرفة الطعام، رحب بهما والدها جلس فوق الكرسي المجاور لوالدها وهي جواره دارت بينهم أحاديث عامة كان يبادر فيها بجمل مقتضبة، حتي سأله والد زوجته: 
أنت مانع آية تيجي عندنا ليه يا طه؟ 
سؤال انتبه له الجميع بينما هي برقت عيناها من قول والدها، فهي أوضحت له الأمور، نظر هو لها بطرف عيناه فنظرت تخبره بأنها لم تقل هذا، عاد ينظر به وهو يجيبه بثبات: 
مين قال كده، أومال إحنا بنعمل إيه هنا؟ 
جادله برده: 
اومال مش بتسيبها تخرج وحدها ليه، علي الأقل لو جاية هنا هبعتلها السواق يجيبها ويرجعها، وده راجل ثقة وشغال بقاله سنين معانا؟ 
ترك ملعقته من يده: 
و ليه حضرتك فسرت ده علي إني بمنعها، مش يمكن بخاف عليها؟ 
أكد والدها: 
أكيد بتخاف عليها و أنا لو شكيت لحظة إنك مش هتخاف عليها مكنتش جوزتها ليك، لكن خوفك مبالغ فيه، و أنت مش هتربط نفسك بكل تحركاتها أكيد! 
سأله من جديد: 
هي آية أشتكت لحضرتك؟ 
نظر لها يسألها من جديد بعيناه: 
فهتفت هي بنبرة مازحة للتخفيف من حدة الأجواء
إيه يا بابا أنت عايز تخرب عليا و لا إيه، ما أنا فهمت حضرتك الموضوع لما سألتني أمبارح! 
ابتسمت والدتها وهي تحدثها: 
بعد الشر يا حبيبتي يخرب عليكِ ده إيه، هو بس عايز يحل الخلاف اللي بينكم في الموضوع ده. 
هزت رأسها بإحترام: 
ماشي علي عيني يا حبيبي لكن إحنا موصلش بينا الأمر لخلاف الموضوع عادي، و امبارح كنت مخنوقة ولما شدينا سوا اتصلت ببابا، وحتي لو وصلت لـ خلاف بينا مع احترامي لحضرتك يا بابا وحضرتك يا ماما، أنا أفضل إنه اللي يحله يكون إحنا الاتنين بس برضو. 
كان قد توقف عن تناول الطعام منذ بداية الحديث في الأمر لكنه الأن هز رأسه باستحسان وعاد يكمله حتي فرغ الجميع من طعامه، نظر لها بعيناه أن ترتدي حجابها ليرحل كليهما و بالفعل اتجهت لغرفتها، ناداه والد زوجته مجددًا لتناول القهوة، لكنه رفض بأدب
معلش مرة تانية أنا أتأخرت ولسه هوصل آية البيت. 
نظر له بمكر: 
خلاص روحت أنت و أنا هخلي السواق يوصلها أخر اليوم. 
ابتسم وهو يراها تنزل من فوق السلم، فأجابه: 
أنا مش هقول حاجة، اللي هي تقوله هعمله إيه رأيك؟ 
وقفت أمامهما قائلة: 
يلا بينا. 
ولكن والدها هتف: 
لا خلاص خليكِ و السواق هيروحك أخر النهار، مش عايزين طه يتأخر علي شغله. 
مطت شفتيها بضيق وهي تنظر له: 
علي فكرة أنا مكملتش خمس دقايق فوق، مش معقول شغلك أهم من إنك توصلني البيت؟ 
سأل والدها: 
يعني مش عايزة تقعدي النهاردة كمان؟ 
هزت رأسها بالنفي: 
لا، عايزة أمشي. 
نادي والدها الخادمة وهو يخبرها: 
خلاص سليمان هيوصلك. 
لكنها نظرت لوالدها وهي تزم شفتيها: 
يا بابا جوزي موجود وهيوصلني. 
عادت له ببصرها تسأله: 
أنت مش عايز توصلني البيت بجد؟ 
نظر لوالدها يبتسم بإنتصار و أمسك كفها وهو يسير للخارج: 
اكيد طبعا هوصلك، بباكي بس كان فاكر إني واخدك إجباري. 
اوقفته قائلة: 
استني طيب هسلم عليه و أسلم علي ماما. 
عادت لأبيها تحتضنه فهمس لها: 
علي فكرة هو متمسك بيكِ زيك بالظبط، بس هو متكتف، فكي أنتِ اللي مكتفه ده بطريقتك. 
خرجت من بين يديه تقبل وجنته: 
شكرًا يا بابا، ربنا ما يحرمني منك. 
اتجهت للمطبخ تودع والدتها التي خرجت معها حتي الباب و ودعته هو أيضًا، أغلق خلفها باب السيارة ودار يركب جوارها 
بقيت صامتة حتي  خرج من منزلهم، فركت كفيها بتوتر وهي تسأله: 
طه، أنت متضايق من كلام بابا؟ 
هز رأسه بالنفي: 
لاء مش متضايق، هو أكيد عايز يطمئن عليكِ. 
صمتت قليلًا وعادت تسأل: 
طب أنت مصدق إني فعلًا مقولتش إنك مانعني أزورهم صح؟ 
نظر لها ولعيناها الخائفتان من أن يكون قد صدق ما قالته
تذكر عيناها بالأمس كيف كانت تتطلع إليه ابتسامتها وضحكتها التي كانت تزيد لمعان عيناها أكثر و أكثر، فاق من خيالاته قائلًا: 
لا يا آية مش مصدق. 
عادت تسأل: 
ليه، مش جايز أكون قولت كده؟ 
هز رأسه يرفض قولها: 
علشان أنتِ مش كذابة لو قولتي كده فعلا كنت اعترفتي بده عادي وطلبتي إنهم يشوفولك حل، وعلشان أنا عارف إن والدك عايز يوصل لحاجة تانية بسؤاله. 
لم ترغب في سؤاله عن ما يقصده بجملته الأخير ولكنها سألت تتأكد: 
يعني أنت مصدقني صح! 
نظر لها بتعجب: 
أكيد يابنتي مصدقك في إيه مالك؟ هو أنا أمتي قولتي حاجة وكذبتك فيها! 
ابتسمت وهي تهز رأسهابإطمئان تسندها للنافذة:
وصل أمام البيت نزلت منه ونظرت له من النافذة تمازحه: 
مش هتطلع معايا؟ وارد يكون في عصابة علي السلم تخطفي ولا حاجة! 
ظهر الضيق فوق ملامحه وهو ينزل معها، جذبها من يدها نحو مدخل البناية
يا ساتر عليك وعلي ألفاظك بجد! 
رددت خلفه: 
ألفاظي، مالها! هو أنا شتمتك؟ 
أدخلها المصعد ودخل خلفها موضحًا: 
الصبح تقولي لأهلك هتخربوا عليا و دلوقتي عصابة هتخطفك، مش كده يعني.. 
فهمت مقصده وصمتت
تشعر بالسعادة؟ نعم لا تصدق أنه يتحدث معها، ربما لكونهما قاما بقضاء بعض الوقت معًا، نعم بالتأكيد لقد أعتاد أن يحادثها ولو بشكل مختصر، وهذا أفضل من صمته الدائم، عليها أن تحافظ علي ما وصلت إليه و ألا تجعله يعود ويغلق نافذة البرج، يجب عليه أن يظل ينظر لها من برجه حتي يغلبه الفضول وينزل إليها، وكأنه ينفذ أفكارها فكانت عيناه لا تحيد عنها بجواره يراقب بسمته التي تتسع وتضيق كل ثانية 
انفتح باب المصعد وخرجت فمرت من بين قدميها قطة جعلتها تصرخ وتحتمي به خلفها، ابتسم بخفة
إيه ياعم فاندام، اومال هتعملي إيه مع العصابة اللي مستنية جوا! 
قلدته قائلة جملته السابقة: 
يا ساتر عليك وعلي ألفاظك بجد. 
مما جعله يبتسم بإتساع وهو يفتح باب الشقة و يفسح لها حتي تدخل، أشعلت الضوء وهي تبتسم،ثم  اتجهت نحو النوافذ تفتحها ليملأها الضوء وهتفت له: 
أطفي النور تاني، نور الصبح مفيش أحلي منه
فعل ما طلبته وهو يتجه لغرفة النوم ذهبت خلفه تسأله: 
أنت هتنزل تاني؟ ما تقعد معايا النهاردة، كده كده عدي ٣ ساعات علي ميعاد نزولك، إيه رأيك تنام شوية و اصحيك علي الغدا تتغدي معايا و…
ولكنه اوقفها بهدوء: 
حيلك حيلك، أنا يادوب اغير و انزل، وبعدين مبعرفش أنام بالنهار. 
اصرت علي قولها لعله يقبل: 
يا طه بقي مجاتش من يوم، مفي كتير في الداخلية غيرك هو أنت مفيش غيرك يعني؟ 
هز رأسه بالنفي: 
تؤ، إزاي طبعا في غيري كتير، بس مفيش زيي
ابتسمت بغيظ
ماشي ياعم المغرور، خليك النهاردة، مش أنت جامد في الداخلية، عادي تغيب يوم يعني. 
نظر في دولابه يبحث عن بذلته الأخري فوجدها منذ أخر مرة خلعها لم يحركها أحد، ابتسمت حينما وجدتها متسخة 
أهو شوفت دي إشارة، هتنزل بإيه؟ 
تعجب من إصرارها و ابتسم داخله علي رغبتها في وجوده معها، ولكن لا يمكنه عدم الذهاب لعمله، الواجب يوضع فوق كل الإعتبارات، أخرج بنطالًا باللون الأسود و قميصًا بنفس اللون و ألقاهم فوق الفراش وشرع في خلع ما يرتديه
رأي الضيق في عينيها فأشار لها أن تقترب فوقفت أمامه: 
بصي مش عايزك تزعلي، لكن مينفعش الفترة دي بالذات مروحش في قضية شغالين عليها مهمة ومحتاجة كل وقتي وتركيزي فيها، إن شاء الله لما تخلص و أقعدلك يومين في البيت هتزهقي مني وتبقي عايزاني ارجع للشغل. 
لمعت عيناها بالدموع: 
أكيد مش هزهق منك في يومين يا طه! 
مسح الدمعة التي سقطت من عينها بإبهامه: 
طيب خليكِ قد كلامك ده، شوفيلي بقي جاكت ألبسه علي الهدوم دي عقبال ما أخد دش. 
هزت رأسها موافقة و ذهب هو نحو الحمام. 
بعد قليل من الوقت خرج وقد شرع في إرتداء ثيابه تعجب من عدم وجودها بالغرفة هل حقًا لازالت غاضبة لأنه لن يبقي، نظر للفراش فلم يجد ما طلبه منها قبل قليل زام ما بين حاجبيه وهو ينهي غلق أزرار قميصه و يربط حزامه الجلدي، حينها جائت هي من الخارج وهي تخبره: 
البليزر ده لونه حلو أوي، هيليق عليك. 
تعجب وهو يسألها: 
هو كان بيعمل إيه بره؟ 
أوضحت له: 
أنا لقيته مش مكوي كويس، فكويته تاني 
نظر لها بإمتنان إلتقطه منها ولم يستطع منع نفسه من قول
تسلم إيدك، تعبتي نفسك. 
ابتسمت بالمثل: 
تعبك راحة، وبعدين يمكن تمسكوا المجرم اللي محيركم النهاردة، فلازم تكون بشياكتك كاملة علشان لما يجي مشهد النهاية و الجملة الوطنية اللي ييقولها البطل يكون شكلك أمور. 
ابتسم باستهزاء وهو ينظر لها في المرأة: 
أفلام أحمد عز اللي كلت دماغكم ديه. 
اقتربت تقف أمامه وهي تعدل من ياقة الجاكت ذو اللون اللبني  رفعت عيناها له وقالت بتوتر وخجل: 
بس أنت أحلي من أحمد عز بكتير. 
نظر لها لوقت طويل وكذلك فعلت هي، يشعر بأنها أصبحت مصدر خطر عليه، عيناها هذه التي تنظر له بهما سيسقط صريعًا لهما في يوم من الأيام، ملامحها البريئة و شخصيتها المشاغبة، إنها تتشعب داخله دون وعي منه ولا إرادة، يغرق دون أن يشعر ، عند هذه النقطة، حمحم وهو يلتقط الفرشاة ليمشط بها شعره كانت تنظر له بإعجاب، تلك البذلة الميري التي يرتديها تجعله وسميًا لكنه في هذا الثوب أكثر جاذبية، كل شيء يليق به، كانت تستند علي جانب طاولة الزينة وهي تتأمله، ترك الفرشاة ونثر القليل من عطره و أقترب منها يقف أمامها فتغلغلت رائحته لرئتيها فأغمضت عيناها وهي تبتسم، حمحم بخشونة وهو يوقظها من أحلام اليقظة قبل أن تسقط فيها نظرت له بإستفهام فـ أشار للدرج خلفها
أنت شغال في الدرج يعني؟ 
هتف يضايقها: 
أكيد لاء، عايز الساعة بتاعتي من الدرج
تنحت جانبًا وتركت له الغرفة أنهي كل شيء وخرج لها وقف بالردهة وغير وجهته حينما رأها بالمطبخ
دخل إليها و وقف خلفها، استدارت له تسأله:
إيه حاطط الشرابات مع المعالق؟ 
ابتسم و هز رأسه بنفي يخبرها بعد تردد طويل: 
علي فكرة أنا مبحبش ألبس الألوان الفاتحة دي في الشغل، عمومًا مش بحبها، بس لبست ده النهاردة علشان أنتِ اختارتيه و كويتيه بنفسك. 
انقشع ضيقها و اتسعت ابتسامتها وهي تنظر له بسعادة، لم يستطع مقاومة تلك الرغبة المُلحة التي تجذبه نحوها و بشدة، اقترب خطوةً أخري فرفعت عيناها إليه لفارق الطول بينهما، وضع يده خلف رأسها وهو يخفض رأسه يطبع قبلة فوق جبينها، تنهدت بطمأنينة وهي تمسك بطرف ثوبه بيديها بتوتر
نظرت له: 
خلي بالك من نفسك، هستناك بالليل متتأخرش
هز رأسه بموافقة وهو يرحل وقد ترك كل منهما بأفعاله إضطرابًا كبيرًا داخل الأخر. 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
أعلنت إشارات ضبط الوقت تمام الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، لازال حتي الأن لم يعد من العمل، ولازالت هي تنتظره فوق كرسيها ولكن غلبها النعاس، مرت نصف ساعة حتي عاد، فتح الباب برفق ظنًا منه بأنها نائمة بالداخل ولكنه وجدها فوق الكرسي وضع مفاتيحه فوق الطاولة جوار الباب وتقدم منها أنحني بجسده لمستواها يزيح شعرها عن وجهها، همس: 
آية، نايمة هنا ليه؟ 
فتحت عيناها وهي تعتدل تلقي بجسدها بين ذراعيه تخبره بنبرة ناعسة: 
قولتلك هستناك مهما تتأخر. 
أسندت رأسها فوق كتفه وراحت في النوم من جديد
وضع يده أسفل قدميها ونهض يحملها للداخل، وضعها بالفراش وهو يعدل من وضعية رأسها فوق الوسادة، ما كاد أن ينهض حتي تمسكت به بكلتا يديها: 
رايح فين تاني، أنت ليه مش عايز تقعد معايا؟ 
أمسك يدها ينزلها برفق يخبرها: 
هغير هدومي و جاي علطول، مش هروح في حتة. 
تركته وعادت تضع يدها اسفل رأسها رفع تلك الخصلة المتمردة التي تهوي السقوط فوق وجهها، بقي علي حاله هذا كثيرًا، يتطلع لها وحسب، تنهد بضيق وقد أدرك بأنه يتعلق بها، كلما أقتربت منه كلما تعلق أكثر بوجودها، وكلما جعلها هذا تشكل خطرًا عليه، ولا يزيده هذا الشعور سوي اقترابًا منها دون قدرة علي الرفض.
نزع نفسه من جوارها انتزاعًا، أخرج ثياب النوم ودخل للحمام غاب قليلًا بالداخل، طار النوم من عينيها فنهضت تجلس فوق الفراش حتي خرج يلف رأسه بالمنشفة لم يتنبه لها وهو يجلس فوق الأريكة ينظر للسقف مطولًا حتي تنهد بثقل، همست تجذبه من افكاره: 
كل ده شايله جواك. 
نقل بصره لها وهو ينهض متجهًا للفراش لينام، سألته بلين
جعان أحطلك تتعشي؟ ولا جعان نوم؟ 
رفع الغطاء وتدثر أسفله
جعان نوم طبعًا
استلقي فوق ظهره و وضع يده أسفل رأسه وقد أغمض عيناه بقيت تنظر له حتي قال: 
أطفي النور بقي و نامي. 
أطفأت الضوء و استلقت دون أي قول، يوم طويل حافل بكل ما هو يدخل علي الأعصاب إضطرابًا
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
مر يومان عاد فيهما كل شيء لما كان عليه، يستيقظ صباحًا يتناول فطوره ويذهب ويعود متأخرًا علي موعد النوم، حتي أنه لا يتناول أي طعام، تعجبت هي من هذا الصمت الذي إحتمي به عنها، فما عادت تملك الرغبة لتحاول من جديد، تركته يغلق نافذة برجه بل و إن تركه ورحل لا يهم، هي الأن تريد أن تري أخر ما عنده، إلي متي سيدوم هذا الأنعزال، رجحت الأمر لتلك القضية للتي يعمل عليها، قررت تركه حتي ينتهي منها، حتي لا تشتت تركيزه. 
جلست في الصباح تتناول معه طعام الفطور، كان يتطلع إليها بين الثانية و الأخري يتعجب من صمتها، وهو الذي أصيب بشهوة الأستماع إلي حديثها و أسئلتِها التي لا تتوقف عن طرحها، صباحه ناقص دون ثرثرتها، بينما هي علي الجانب الأخر كانت تتذكر حينما رأته بزيه الميري خاصته أول مرة هيئته كانت مخيفة ملامحه المكتظة وحاجبيه الكثيفان، بالإضافة لملامحه السمراء، ظنته يتناول في فطوره عجلًا كاملًا بينما غدائه رجحت أنه يكتفي بفخذ ديناصور، و علي العشاء لا يكثر ربما ديكًا روميًا سيفي بالغرض، لكنه ليس كذلك، انظروا إليه كيف يدهن خبز التوست بالجبن الأبيض ويتناولها بهدوء
لاحظ شرودها، قرر أن يبادر هذه المرة، أن يدق بابها ويستمتع ببعض الحديث قبل رحيله، جذبها من أفكارها وهو يحمحم، رفعت
عيناها إليه فسألها: 
أنتِ كويسة؟ 
هزت رأسها بالإيجاب: 
أه، ليه؟ 
جذب قطعة خبز أخري وهو يخبرها: 
حاسك متغيرة، ساكتة و سرحانة علطول مش بعادتك! 
كانت ستبتسم لإهتمامه، سعدت لكونه يلاحظها، ولكنها وأدت هذه البسمة وهي تقطم شرائح الخيار المخلل وتجيبه بسخرية: 
من عاشر القوم بقي هنقول إيه. 
ضحك بخفة علي قولها، وقد فهم ما ترمي إليه، فهمهم قائلًا: 
بقيتِ مش بتحبي الكلام يعني؟ 
نفت برأسها وهي توضح له: 
مفيش حد مبيحبش الكلام، بس الإهمال وعدم الاهتمام بيقتلوا الحماس
صمتت قليلًا ثم عادت تقول: 
علي فكرة شهد أختك قالتلي إنك عادي يعني كنت بتتكلم بتفتح حوار مع اللي قدامك، بس أتغيرت فجأة، هي قالت من قبل ما نتجوز بس أنا متأكدة إنها قالت كده علشان أنا مزعلش. 
سأل وهويرفع حاجبه الأيسر: 
هو مش المفروض إننا مش بنحكي حاجة بينا لأي حد؟ 
أكدت: 
ايوة، أنا مقولتش ليها حاجة، لكن الكلام جاب بعضه عادي يعني. 
هز رأسه بموافقة، نهضت تغسل يدها وتعد لها قهوة فطلب منها: 
أعمليلي معاكِ قهوة. 
تعجبت وهي تستدير تنظر له: 
هتقعد تشرب قهوة؟ معقولة! 
هز كتفيه و رد ببساطة: 
اه إيه الغريب في كده؟ 
يعني أنت علطول بتفطر وتنزل بسرعة، فعلشان كده استغربت
عادي. 
أجاب بهدوء:
مش مستعجل النهاردة. 
اعطته ظهرها وهي تفتح علبة البُن تأخذ منها وتضعه بالكنكة، استدارت له مجددًا و هي تكمل الحديث الذي بدأته: 
مقولتليش بقي.
أنهي طعامه ف استدار لها بجسده يوليها أهتمامه وهو يضيق ما بين حاجبيه بتساؤل فأكملت هي تسأل: 
أنت بقيت تتكلم بالقطارة كده من قبل جوازنا ولا من بعده، وبلاش تكذب عليا. 
اتجهت للموقد علي يمينه تضع القهوة فوقه وتنظر له منتظره جوابه، حتي سألها: 
أنتِ ليه مهتمة أوي كده؟ 
أوضحت له: 
علشان عايزة أعرف يا طه. 
سألها مجددًا: 
تعرفي إيه؟ 
نظرت بعيناه وهي تجيبه: 
أعرف أنا شخص مرغوب فيه و في وجوده ولا لاء يا طه
تنهد وهو ينهض متجهًا نحوها قائلًا: 
وهو وجودي هنا معاكِ، و استمرار جوازنا المدة دي كلها مجاوبش علي السؤال ده يا آية! 
هزت رأسها بنفي: 
لا، حتي لو وضح، فهو مش كفاية، مش كفاية يطمئني. 
أمسكت كفه تخبره: 
أنت ليه كده؟ ليه أوقات بحسك بتتعامل طبيعي، بتتكلم وتضحك وترد عليا، و أوقات تانية بتبعد تمامًا بتهرب مني، ليه كل ده، ليه تاعبني وتاعب نفسك، متهدمش الجسر اللي بينا من قبل ما يتبني يا طه لو سمحت. 
انبثقت دموعها عقب جملتها كان سيجيبها ولكن قطع هذا فوران القهوة التي لم تستطع إنقاذها فنظرت لها بضيق لما خلفته من اثر فوق الموقد تحرك للحوض ليغسل يده، مسحت هي القهوة المسكوبة وأخبرته: 
ثواني و هعمل غيرها. 
لكنه رفض و ألتقط هاتفه راحلًا
مالوش لزوم خلاص، اشوفك بالليل. 
رحل وتركها هي و سؤالها خلفه. 
مر يومها كما يمر غيره تقضي مهامها من تنظيف و قراءة أحد الكتب، مشاهدة التلفاز و تصفح هاتفها، مهام يغلفها الانتظار. 
أنهت صلاة المغرب و نهضت تطبق سجادة الصلاة تفاجئت به يفتح باب المنزل يطل منه، صُدمت من عودته مبكرًا و تداركت هذا وهي تتجه نحوه بقلق: 
أنت كويس، إيه اللي رجعك بدري؟ 
تفحصت بيدها وعيناه كل جزء فيه، ما جعله يمسك بيديها يوقفها: 
عادي يعني إيه الغريب في كده؟ 
نظرت له بضجر: 
والله! أنت مش عارف إيه الغريب في كده، دي أول مرة أشوفك فيها في الوقت ده من وقت ما اتجوزنا اصلا. 
ألقي مفاتيحه فوق الطاولة كما أعتاد وهو يتوجه لغرفة النوم ولازال يمسك بيدها أشعل الضوء وتركها وشرع في خلع ثوبه 
عادي برضو، شغلي ملهوش مواعيد ثابت مهما كان. 

أخذت منه ما خلعه تضعه فوق الشماعة و أعطته غيرها ليرتديه لاحظت جرح كتفه السابق وقد خلع عنه ضمادته شهقت وهي تضع أصابعها فوقه: 
كل ده يا طه و تقولي جرح بسيط! 
ابتعد وهو يكمل لبس قميصه قائلًا: 
خف خلاص متشغليش بالك، المهم العشا أو الغداء خلص؟ أنا جعان. 
نظرت له وهتفت بتقطع: 
مهو…مهو أصل أنا معملتش غداء و لسه برضو معملتش عشا
نظر لها بتفحص: 
ليه؟ أنتِ تعبانة ولا إيه، فيكي حاجة؟ 
ابتسمت نافية وهي تخلع عنها إسدال الصلاة
لا، أنا مش بتغدا فمعملتش، و العشا المفروض أبداء فيه دلوقتي بما إنك كده كده بتيجي متأخر. 
اكملت تقترح عليه: 
بص ناملك ساعة ساعتين أكون خلصت و هصحيك علطول 
نظر لها وهو يكرر ما أخبرها به سابقًا: 
ما قولنا مش بعرف أنام بالنهار. 
جادلته: 
نهار إيه، المغرب أذن خلاص، بص لو مش هتنام تعال ساعدني، و أهو تبقي بتعمل حاجة مفيدة. 
أمسك هاتفه وهو يقترح: 
أو ممكن نعمل حاجة تالتة. 
سألته: 
إيه هي؟ 
★***★***★***★***★***★***★***★***★***★
بعد ما يقارب الساعة كان يقف مع عامل توصيل البيتزا يأخذ منه ما طلبه و يدفعُ له ما أن أغلق الباب و استدار للدخول حتي وجدها أمامه 
أمسكت بالعلبتين وهي تخبره: 
هناكل في البلكونة، الجو حلو و السما شكلها جميل. 
رضخ لقولها و سار خلفها دون أي أعتراض، أخذت خاصتها و كذلك هو، وصل إلي أنفها رائحة السجق الشهية الموضع فوق خاصته ما جعلها تأخذ القطعة التي بيده وهي تقول ضاحكة: 
تصدق السجق ريحته تجنن، ما تيجي نبدل! 
ابتسم وهو يهز رأسه رافضًا، ولكنه عرض عليها: 
ممكن تاكلي معايا عادي، مش هخلصها. 
ابتسمت وهي تغلق خاصتها و تنهض جالسة جواره فوق الأريكة الصغيرة التي جلس عليها هو
أخذت العلبة بين يديها و ألتصقت به تحتمي من نسمات البرد الخفيفة، كل هذا وهو ينظر لها يتابع همساتها حتي نظرت له وهي تلك اللقمة بفمها وتضحك: 
كل يا طه متتكسفش دي حتي العلبة بتاعتك. 
ابتسم ومد يده يأخد التي بيدها يأكل منها، ابتسمت بخجل و وضعت وجهها بالعلبة تتحاشي النظر له حتي عادت تتحدث سائلة: 
مامتك اتصلت بيا، بتقولي إن تليفونك مغلق وهي كانت عايزاك في حاجة مهمة، كلمتها؟ 
هز رأسه بالإيجاب 
أيوة و أنا في الطريق اتصلت بيها
همست ولكنه سمعها: 
عقبال ما تغلط في مرة وتتصل بيا. 
رفعت صوتها تسأل: 
كانت عايزة إيه؟ 
التقط قطعة أخري وقطم منها ولازالت هي تنظر له تنتظر الإجابة، هتف: 
عاملين عزومة لأهل أمير خطيب شهد علشان يحددوا ميعاد الفرح، و طلبت أبقي مع بابا. 
هزت رأسها بموافقة، وسألت: 
هتروح أمتي؟ 
صحح لها: 
هنروح، هتيجي معايا. 
عارضته: 
أيوة يا طه بس أنتو عيلة مع بعض هاجي اعمل إيه؟ 
كانت تتحاذق عليه تود أن تسمع جوابه الذي قاله: 
و أنتِ من عيلة الجيران ولا إيه، أنتِ مراتي يعني إحنا الاتنين واحد و أي مكان  ليا فيه أنتِ ليكي فيه أكتر مني، فاهمة؟ 
ظلت تنظر له مبتسمة، هزت رأسها بالإيجاب، وهي تسأل بخفوت: 
هنروح أمتي؟ 
يوم الخميس إن شاء الله، علي أخر النهار هنتحرك من هنا 
أومأت بموافقة وهي تضع العلبة فوق الطاولة بعد أن لاحظت أنه توقف عن تناول الطعام، عادت تسترخي في جلستها جواره و هي تضع رأسها فوق كتفه وتمسك بذراعه صمتت قليلًا فظن أنها أنهت مخزونها من الكلمات ولكن ظنه خاب حينما رفعت عيناها إليه تسأله: 
تفتكر لو كنت حاجة تانية غير إنسان كنت هبقي إيه
ضاق ما بين حاجبيه لهذا السؤال الغير متوقع نظر لها بتفكير و من ثم أجابها: 
النمنمة. 
تعحبت و بان تعجبها وهي تردد: 
النمنمة؟ ده من الزواحف ده ولا أيه
ابتسم وهو ينفي: 
لا، ده طائر مُغرد، أسمه طائر النمنمة. 
ابتسمت: 
ده بجد؟ أول مرة أسمع عنه، اشمعنا بقي النمنمة؟ إيه المشترك بيني وبينه؟ وشكله إيه؟ 
وصف لها الطائر قائلًا: 
لونه بُني ومنقاره صغير و جسمه واخد شكل مدور شوية وديله قصير ورفيع. 
وتابع وهو ينظر لعيناها: 
من أشهر أنواع الطيور المغردة، و تغريداته مبهجة وحيوية و رغم إن حجمه صغير بس صوته صاخب تقريبًا بيصنف من الطيور اللي بتملك أعلي تغريدة. 
ضيقت عيناها وهي تسأله بشك: 
أنت بتتنمر عليا صح، قصدك إني قصيرة و مدورة و صوتي عالي؟ 
رفع حاجبيه بغيظ وهو يجيب بتهكم: 
هو ده بس اللي لقت نظرك، قومي من وشي. 
ضحكت وهي تنهض بالفعل قائلة: 
هروح أعمل حاجة نشربها يا بتاع النمنمة أنت. 
استدارت للداخل ولم تستطع منع تلك البسمة التي زينت ثغرها. 

★***★***★***★***★***★***★***★***★***★

جاء صباح الخميس وكالعادة نهضت مبكرًا لإعداد الفطور، قررت أن تصنع لهما كوبين من القهوة مع الفطور عوضًا عن تلك التي لم يُكتب لهما شربها في الصباح الماضي
وضعت الأطباق و القهوة و انتظرت حضوره مرت خمس دقائق ولم يأت، ما جعلها تتعجب وتذهب نحو الغرفة تبحث عنه فتحت الباب فوجدته لازال نائمًا، اتجهت نحو النافذة الموازية للفراش فتحتها، انكمشت تعابير وجهه بسبب الضوء، ما لبث أن يغطي وجهه بالوسادة حتي صاحت به: 
أنت لسه هتنام تاني،مش عندك شغل؟ 
اعتدل قليلًا وهو يسألها ولازال النُعاس يُمسك جفنيه: 
الساعة كام؟ 
اجابته وهي تعدل الفراش مكانها
الساعة 8 ونص، أنت مش متعود تنام كل ده
نهض ببطء يتجه نحو المرحاض: 
عادي سهرت كتير بالليل. 
تعجبت وهي تسأله: 
سهرت إزاي مش إحنا دخلنا ننام 12؟
ابتسم: 
أنتِ بس اللي نمتي. 
اغلق الباب خلفه وجلست هي فوق الفراش تحلل ما قاله
(معقول يكون خدني علي قد عقلي لحد ما نمت وصحي يقعد وحده؟ يكونش كان بيخلص مني؟ مش هنقول خاين كان بان عليه أبو كلمة و التانية ناقصة ده، يعني معقول هو بيزهق مني لما أتكلم كتير؟ ولا إيه أنا مش فاهمة حاجة؟) 
فاقت من شرودها علي سؤاله: 
بتكلمي نفسك ولا إيه؟ 
نظرت له بطرف عيناها بضيق ونهضت للخارج بعد أن قالت: 
لسه متجننتش اطمئن. 

بعد قليل من الوقت أنضم لها علي طاولة الفطور، سألته: 
هتتحرك من شغلك الساعة كام علشان اجهز نفسي؟ 
أجابها: 
ممكن علي العصر كده. 
هزت رأسها بالإيجاب وصمتت، أنهي طعامه ونهض يلتقط معطفه من فوق الكرسي وهو يخبرها: 
يلا أنا همشي ولو أحتاجتي حاجة اجيبها و أنا جاي اتصلي بيا، سلام. 
همست له وهي لازالت شاردة: 
مع السلامة. 

★***★***★***★***★***★***★***★***★***★

ألقت ما بيدها من ثياب أرضًا بضيق ، تشعر أن لا شيء منهم يليق بها، لا تدر ماذا ترتدي هذه الليلة، هي ليست من النوع الذي يقضي وقتًا طويلًا في التفكير فيما يود إرتدائه ولكنها لا تعلم لما هذه المرة تهتم بشدة، تهتم أن تكون بشكل مميز فوق المعتاد، طرقت فكرة باب العقل فنهضت تمسك هاتفها، لقد مر علي آذان الظهر ما يقارب الساعة، عبثت في الهاتف حتي وصلت لرقمه وضغطت زر الاتصال، أجابها قبل أن تنتهي المكالمة: 
ألو، السلام عليكم. 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا طه. 
صمتت فسألها: 
في حاجة، عايزة تقولي إيه. 
جلست فوق الكرسي أمام طاولة الزينة: 
هو يعني…لو ينفع…اقصد…
جلس هو الأخر فوق مكتبه بعد أن عاد من الخارج: 
إيه كل ده، قولي علطول. 
شجعها لذا قالت: 
كنت عايزة تيجي بدري شوية علشان توصلني للبيوتي سنتر. 
كرر بتعجب: 
بيوتي سنتر! ليه؟ 
بررت بخفوت: 
أصل حاسة إني باهتة الفترة دي و بشرتي بايظة خالص، فقولت اروح يحاولوا ينقذوا ما يمكن إنقاذه، لو مش هتقدر أنا ممكن أطلب أوبر و بعدين هو قريب من البيت وهكلمك لحد ما أوصل هناك والله. 
سمعها حتي انهت حديثها و أجاب: 
أنسي حكاية اوبر دي خالص، و بعدين أنتِ مش محتاجة حاجة من اللي بيعملوها ديه، أنتِ لو غسلتي وشك بس هتبقي أحلي من أي واحدة. 
ارتسمت بسمة خجولة فوق شفتيها وكأنه أمامها همست: 
شكرًا يا طه. 
استرخي في جلسته: 
مش بجاملك علي فكرة، لكن شوفي لو مصممة هاجي أوصلك
هتفت برفض: 
لاء خلاص مش عايزة، طب بص…أنا مش عارفة ألبس إيه خالص حاسة اللبس كله مش حلو. 
عاد يهتف: 
أي حاجة بتلبسيها بتكون حلوة عليكِ يا آية. 
ضحكت بغيظ وهي تهتف: 
وبعدين بقي شكلي وقعت في واحد بخيل، يعني ولا بيوتي سنتر ولا فستان أنا اتضحك عليا. 
ابتسم وهو يسألها: 
أنتِ عايزة إيه دلوقتي؟ 
مش عايزة حاجة، أقفل سلام. 
ولكنها انتظرت حينما سمعته يهتف بأسمها فردت: 
نعم عايز إيه؟ 
أجابها: 
ياريت لو تجهزيلي أي حاجة البسها أنا كمان. 
طرقت فكرة أخري بعقلها فسألته بحماس: 
إحنا نعمل ماتشينج فكرة حلوة أوي، تحب تلبس لون إيه؟ 
أضطر لغلق الهاتف للعودة لعمله وهو يخبرها: 
أي حاجة، سلام دلوقتي. 

 •تابع الفصل التالي "رواية طائر النمنمة" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent