رواية عشقك لعنتي (2) الفصل الثاني عشر 12 - بقلم شروق مجدي
الفصل الثاني عشر
احتضنته هي بقوة وهمست:
"أنا واثقة فيك لآخر نفس فيّا يا يحيى."
ابتسم بشوي وهو يأخذ مريم في أحضانه، ونظر إليهم بفرح، هو وعيسى أيضاً. أما عمران، فكان يوجه عيونه إلى ليان بعتاب على ما تفعله به، وهي تتظاهر بالبرود.
صاح عيسى:
"يبقى كده فاضل والد نور، المواجهة اللي لازم تحصل."
اقترحت ليان قائلة:
"بص، أنا بابا عامل لي بكرة عيد ميلادي، وكلنا هنكون موجودين. مش هيبقى فاضل غيرك انت وعيسى. إيه رأيك لو تيجوا بكرة بما إنك حابب نكون جنبك؟"
قال يحيى بتفكير وهو يحتضن نور:
"أيوه، بس إحنا كده هنبوظ لك عيد ميلادك، ومش هيبقى عيد ميلاد خالص يعني."
ردت ليان بعدم اهتمام:
"لا، عادي عادي، ما تاخذش في بالك. يعني بابا بيعمل كده عشان يبسطني ويفرحني، وأنا مبسوطة يا سيدي وفرحانة لوحدي. وبعدين، دي أنسب فرصة ليك، يكون رايق فيها ومبسوط."
أيدتها نور مؤكدة:
"دي أنسب فرصة. ما أعتقدش هتلاقي فرصة أحسن من كده."
وفعلًا، اتفقوا على هذا وانسحب الجميع، وتبقت ليان وحدها.
بعد أن تأكدت من خروجهم جميعًا، اقتربت من مكتبه وجلست أمامه. لكنه، بمجرد خروج الجميع، فتح ملفًا أمامه وبدأ يعمل عليه متجاهلًا وجودها.
وبعد أقل من دقيقة، تحدثت بغيظ:
"على فكرة، أنا قاعدة."
قال عمران دون أن ينظر لها:
"وأخذ بالي. في حاجة؟ ولا قاعدة عادي يعني؟ عشان بس معي شغل مهم."
عضت على شفتيها بخجل وهي تقول:
"أنا آسفة."
ابتسم ببرود وهو ما زال على وضعه، :
"آسفة على إيه بالضبط؟ معلش، على اللي حصل الصبح؟ ولا على ردودك عليّ دلوقتي قدامهم؟ ولا على إني مستنيك بقى لي سنة؟ وعمري ما زهقت، ولا قلت مش هتفوق؟"
رفع عيونه نحوها وأكمل:
"ولا فكرت أخونك؟ حتى الفكرة نفسها ما جتش على بالي. ولما فوقتي، قلتي لي سوري، أصل أنا فجأة افتكرت إنك كنت خاطب نيار، وفجأة افتكرت المشاكل اللي حصلت قبل كده، وفجأة افتكرت إنك اعتديت عليّ، ومعلش بقى عايزة آخد حقي.
على أساس إن كل اللي فات ده ما أخدتيش حقك؟ على أساس تعبي ووجع قلبي واللي حصل لي لما عرفت إني عملت فيك كده ما كانش حقك؟ خوفك مني وإحنا تحت سقف بيت واحد؟ وخوفي إني أقرب لك فأذيكي؟ واستنيت إنك تكوني عايزة ده بنفسك؟ ده ما كانش حقك؟
لما ركبتي مع ياسين العربية عشان تعانديني وإنتِ مراتي؟ تركبي مع راجل غريب وتروحي معاه مشوار أياً كان إيه، من غير ما تعرفيني؟ وأنا عديت وسكت. ده برضو ما كانش حقك؟
وجع قلبي وأنا شايفك لما تعبتي وما كنتيش قادرة تتكلمي ودخلتي في صدمة، وأنا بموت قدامك عشان عارف إني السبب في كل اللي إنتِ فيه؟ ده برضو ما كانش حقك؟"
ظلت تستمع له وهي تذرف الدموع.
بقلم شروق مجدي
تنهد بتعب وأكمل:
"يمكن أكون قصرت معك، بس هو ده أنا. دي طريقة حبي، وده طبعي. فكرة إن أنا بشوي لفت نظري لحاجة وعملتها ده شيء طبيعي. مريم نفسها أكيد لفتت نظرك لحاجات كتير وانتِ عملتيها. في ظل المشاكل اللي كنا فيها وظروفنا، ممكن الواحد ما ياخذش باله من حاجات بيعملها عادي.
وكمل وهو يتنهد بقوه : بصي يا بنت الناس، أنا تعبت، وده آخر كلام معاكي. أنا تعبت يا ليان."
فتحت عيونها بذهول من كلماته الأخيرة.
حقًا تعب؟ حقًا تعب من حبها الآن؟ وهذا ما كان يخشاه والدها... أهذه النهاية الآن؟
حاولت أن تتمالك نفسها، وتحدثت بهدوء وكبرياء وسط دموعها التي انهمرت رغماً عنها:
"يعني إيه؟ مش فاهمة. بابا مصر على السنة، وأنا اتكلمت معاه وهو رافض. فلو انت عايز تنفصل ده شيء..."
ولكنها انتفضت برعب من طرقه على المكتب بكف يده بحزم، وهو يصرخ بها:
"ما تخرررررسي بقى! انتي آآآآآي!"
وقف بغضب شديد واقترب منها، وصرخ وهو يجذبها من معصمها لتقف أمامه بخوف وهي ترتعش:
"هو انتِ أسهل حاجة عندك الانفصال؟ أنا قلت لك إن أنا مستعد أسيبك أو أبعد عنك. انت ليه مش متمسكة بيا؟ ليه أسهل حاجة عندك 'يلا نبعد، يلا ننسى، كل واحد يروح لحاله'؟ ليه بتحاولي تستفزيني لحد لما فعلاً أقولها وأخلص؟ عايزة تنفصلي؟ أنا موافق. بس لو قلتِ لي حالاً إنك مش عايزاني."
ظلت ترتعش بخوف من هجومه المفاجئ عليها، وهي تضع يدها عند وجهها بخوف. فصرخ بها مرة أخرى:
"انتي خايفة ليه؟ هو أنا هضربك؟ انطقي! عايزة تطلقي؟"
بكت بخوف وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا. فأكمل بغضب:
"طب بتعملي معايا كده ليه؟ أنا فاهم موقف أبوكِ. لكن اللي مش قادر أفهمه موقفك أنتِ. أنتِ اللي عشتي معايا، مش أبوك. معقول ما حسيتكيش بحبي؟ حسّة إن أنا مش متمسك بيكِ للدرجة دي؟ اللي أنا شايفه إن انتِ اللي مش متمسكة بيا أصلاً. وإن أنا اللي عمال أمسك فيكِ، وانتِ في أي مشكلة ما بينا بتختاري تبعدي. بطلي ززززفت عياط وكلِّميني زي ما بكلمك!"
تحدثت بخوف وهي ترتعش:
"اااااانت واجعني... سيب إيدي... مش قادرة."
نظر لمعصمها الذي يضغط عليه بقوة دون أن يلاحظ، ثم أبعد يده وهو يركل المقعد بقدمه بقوة، ويصرخ بها:
"انت بتعقدي الأمور بينا أكتر! مش بتحاولي أبدًا تبني. لا، انت بتبني أسوار ما بينا، مش بتبني حياتنا. مش واخدة بالك إن كل ما أحاول أقرب منكِ، بتبعدي أكتر. انتِ مش فاهمة أنا استحملت معاملة من أبوكِ السنة دي عاملة إزاي عشانك. واستحملت طريقة خالتي وأسلوبها معايا اللي حسسني إن أنا بني آدم قذر وخاين للأمانة، برضو عشانك. بس آخر حاجة كنت أتوقعها إنك تعملي معايا كده، وانتِ عارفة اللي حصل كويس."
ظلت تفرك معصمها وتبكي بقهر، إلى أن وضع يده أسفل رأسه وأكمل وهو يتنهد بتعب:
"خلاص... تمام. بس ما تستنيش مني إن أنا أعمل أكتر من كده. أبوك عايز سنة، وأنا بحاول أقلل، لكن انتِ لا او بتحاولي. من ورايا وهو رافض، يبقى خليها بقى بعد السنة وربنا يسهل. ومش هضغط عليكِ خالص في أي حاجة. أنا أساسًا مسافر فترة ألمانيا، لأني بفكر أبيع القصر بتاع عمي اللي هناك عشان في مشروع جديد ندخله. كده كده هو مالوش لازمة. فتقريبًا هقعد كام شهر هناك. يبقى كده خلاص... عايزة أي حاجة تاني مني؟ أعتقد كده سهَّلت عليكي نص الم..."
ولكن قطع حديثه عندما احتضنته بقوة، وهي تشهق من كثرة بكائها، وتتمسك بملابسه من الخلف بقبضة يدها.
تنهد بتعب، ورفع يده ليحيط خصرها بتمهل، حتى لا يصطدم برفضها له مرة أخرى.
ولكن فاجأته هي باقترابها من شف. تيه، وقبّ. لته بعشق وسط دموعها.
اتصدم في البداية، لكن بدلها القب. لة بقوة وهو يحتضنها بتملك أكثر. ظل معها هكذا، لا يعلم الوقت ولا يمل منها، إلى أن فاق عندما وضعت يدها على قميصه لتحرره من عليه.
زاد توتره وهو ينظر لها وهي تائهة بين يديه، إلى أن ابتعد عن شف. تيها، وأبعد يده عن خصرها ووضعها على خصلات شعرها الناعمة وهمس:
"لولي... ششششش. إحنا في المكتب، مش هينفع."
فتحت عيونها بعدم استيعاب. أكمل بهمس وحنان حتى لا يحرجها، وهو يداعب خصلات شعرها بيده:
"في كاميرات... مش هينفع، أوكي؟"
رمشت بعيونها وهي تنظر حولها بخجل، وعضت على شفتيها وهي تبتعد قليلاً.
تنهد بتعب، لأنه توقع اعتذارها علي قربها، ولكن فتح عيونه بصدمة عندما قالت ببساطة وهي ترفع كتفيها:
"اممممم... طيب، تعال نروح البيت."
قال عمران بعدم فهم:
"بيت مين؟ مش فاهم."
وضعت يدها في خصرها بغيظ وقالت:
"إحنا هنستعبط بقى؟"
ضحك بقوة وهو يخبط يده على جبهته:
"أنا اللي بستعبط؟ يا بنتي، انتِ ملبوسة، ولا الغيبوبة عملت لك تخلف عقلي؟ يعني فجأة كده عايزة تروحي البيت؟ وبابا والجو ده إيه؟"
تحدثت بلا مبالاة:
"ما أعرفش بقى، بس يعني هحاول أضغط عليه تاني وأتكلم معاه. وهعمل زي نور وأحاول أزوغ. هو أنا ما قلت لكش؟ مش هي ويحيى اتجوزوا رسمي خلاص؟ ما بقاش الموضوع على الورق بس. وبابا ولا يعرف أصلاً."
تنهد هو بتعب:
"امممم... أصلها بتحبه بجد، فما فرقش معاها لا بابا ولا غيره."
صرخت بغيظ:
"وليه ما تقولش إن الموضوع مختلف؟ خذ بالك، في اختلاف ما بين أنا وأنت، وما بين نور ويحيى في كل حاجة. هي كانت مراته رسمي، ومكتوبة على اسمه، وكانوا في بيت واحد، ومع ذلك ما قربلهاش عشان عايز يعمل لها فرح كبير وعايز يخليها ليلة يفتكروها طول العمر. لكن انت بقى عملت إيه؟ انت..."
فتح عيونه بذهول وقاطعها بحزم:
"ببببببس! اسكتي خااااالص! هو انتي آآآي؟ أنا آآآي؟ أنا آآآي يا ليان؟ آآآي؟ اعتديت عليكي بمزاجي؟ قربت منك وأنا عايز أعمل كده؟ انتي ليه مفكرتيش مرة تحسبيها إن الحمد لله إن ده حصل أصلاً؟!
انتِ عارفة الحي. وان ده كان ناوي يعمل إيه؟ كان منزّل مين مكانك؟ انتِ عارفة كان زماني دلوقتي أنا فين؟ ومريم مصيرها إيه؟ وأبوها وأهلها اللي كانوا هيكرهوكم طول العمر؟ عارفة الموضوع كان واصل لفين؟ ووصل لفين ليه؟ ما قلتيش إن الحمد لله إنها جات في أنا؟ ليه ما قلتيش إنها تدابير ربنا؟ كان زمانك دلوقتي متجوزة ياسين. ياسين اللي كان عايز يخطفك لسه من فترة قليلة عشان يصفرك معاه وتشتغلي تبع اللي شبهه. كان زمانك مراته. أنا مش فاهم أصلاً إحنا بنتناقش في إيه!
بقولك إيه... اطلعي برا!"
شهقت بذهول، ولكنه صرخ في وجهها بقوة مرة أخرى:
"قلت براااااااااا!"
ركضت للخارج بخوف منه، وهو يلعن غبائها هذا.
.......................................
كان يقيم حفلاً بسيطًا يجمع فيه بعض أحبائه فقط.
كانت هي تجلس، وتفرق بغيظ.
تحدثت مريم بمرح:
– ولِمَ أنتِ عمالة تاكلي وتنقطي في نفسك؟ وهتموتي عليه، عاملة في الواد كده ليه؟ حد يقول اللي أنتِ قلتيه ده! أهو طفش من خلقتك، ابقي قابليني لو عبرك وجيه.
شهقت بتوتر:
– ده لو ما جاش يبقى فعلاً عايز يبعد بجد، يا مريم، هو عارف إن بابا بيتلكك له أصلاً. وكمان النهارده يحيى هييجي، يعني هو كان بيبعد نفسه بجد عن كل حاجة تخصني. بس نور أكيد هتفرق معاه. يعني تفتكري لو جه النهارده، هيجي عشاني ولا عشان نور؟
ردت مريم بغيظ:
– يا أختي تلهي على عينك. بس هو يجي أصلاً! أي حجة والسلام عشان تصالحي اللي أنتِ هببتيه ده، وكلمتين حلوين، واشكريه على الهدية اللي كان جايبها لكِ امبارح، والتورتة اللي عملها لكِ، اللي أنا أكلتها أنا وبشوي أصلاً. يعني بس اشكري برضو. ليان، هقولها لكِ نصيحةر اهدي شوية على عمران، عشان هو فعلاً بيجيب آخره. بلاش تختبريه بالشكل ده؛ لأنه قربت طاقته تفرقع في وشك، وحقه بجد.
ابتسمت بفرح بمجرد أن شعرت به وهمست:
– طالع... جيه جيه... هييييي.
مريم بمرح:
– ليه؟ أنتِ مخاوية ولا إيه؟
ضحكت وقالت:
– لا، بحس بيه.
وفعلاً رن جرس الباب، واقتربت نور وهي ترحب به.
مريم بصدمة:
– إيه ده؟ باسم الصليب! أنتِ ملبوسة يا بت؟
ليان بمرح:
– مش قلت لكِ love يا بنتي؟
اقتربت منه وهي ترحب به بفرح، لكن تحول فرحها لحزن حين قال:
– والله يا نور ما كنت جاي أصلاً، بس جيت عشان خاطرك وعشان موضوعك.
مريم وهي تقترب بمرح:
– يا راجل، ما تقولش كده. ده عيونك بتقول إنك كذاب، والثانية شكلها لابساها عفريته اسمه عمران. لا، ومش أول مرة. الصراحة دائمًا بتحس بيك قبل وجودك في المكان. مش فاهمة إزاي.
نظر لها عمران ببرود وهو يقترب منها ويعطيها علبة مغلفة وهمس في أذنها:
– معلش بقى، استحملي البني آدم الهمجي ده النهارده عشان أختك.
تعصبت هي، لكنه تركها واتجه لصديقه وعمه وجدي.
---
بعد قليل، اقتربت ليان من الباب لتفتح. كان الطارق يحيى وبشوي، واتجه كل منهما للداخل بتوتر.
صدم محمود وهو يقف وينفعل عليهم:
– أأأنت؟ إيه جابك هنا؟ ليك عين تيجي لحد هنا كمان؟
اقترب منه أكثر، لكن وجدي وقف في وجهه وقال:
– بس... بس، يا محمود، اهدي. الكلام بالعقل.
اقترب يحيى محاولاً إظهار الثبات وقال:
– عمي، أنا جيت آخد مراتي. أنا واحد كان مخطوف عشان خاطر البلد. ساعد في القبض على أكبر شبكة دولية. يعني المفروض يتقال له شكرًا، مش يتطرد، يا عمي.
رد محمود بحزم:
– اسمع يا ابني، الكلام ده البلد اللي تكافئك عليه مش أنا. أنا راجل طول عمري ماشي بحالي، وكل أمنيتي في الدنيا أن أربي بناتي وأحافظ عليهم لحد ما أوصلهم لبيتهم بأمان. أنام في تربتي وأنا مرتاح ومطمن على عيالي. وطول ما أنت معاهم، أنا لا هبقى مطمن ولا هبقى مرتاح.
اقترب يحيى أكثر وأكمل:
– أولاً بعد الشر على حضرتك. ثانيًا، أقسم لك إن بناتك أحافظ عليهم أكثر من روحي. ربنا يعلم نور عندي إيه. وليان دي أختي، يعني في عيني. من فضلك، يا عمي، بلاش تصعب الأمور علينا أكثر من كده.
تكلم محمود بحزم:
– لا هي صعبة أصلاً، ومافيش كلام في الموضوع ده.
حاول وجدي أن يتحدث، لكن قاطعه محمود قائلاً:
– أي حد هيتكلم في الموضوع ده يخرج أحسن من الباب، عشان ما أخسروش للأبد، حتى لو أنت. كله إلا بناتي. أنا ماعنديش غيرهم، والموضوع مقفول بالنسبة لي. يا يحيى، ولا زيدان، ولا مش عارف اسمك إيه أو نسلك حتى إيه. هكتب أحفادي على يحيى هارون اللي هو أصلاً مش يحيى هارون، واللي المفروض إنه زيدان أو zee، ولا ياسر، ولا ابن أصلاً أندرو الأجنبي ده.
نور:
– بابا، أنا كل ده مش فارق معايا. بابا، أنت راجل بتصلي وعارف ربنا وقريب من ربنا يمكن أكثر مننا كلنا. وعارف كويس قوي في الدين، إذا كان ربنا بيسامح، إحنا مش هنسامح؟
قاطعها بحزم:
– وأنا مش نبي ولا ملاك عشان أسامح. لو عايزاه، اتفضلي روحي معاه، بس انسي إن ليكِ أب وأم واعتبرينا متنا. عايزانا إحنا يبقى ينتهي هو، وده قراري النهائي. يا نور، أنت مش صغيرة وتقدري تقرري وتختاري براحتك.
نور بصدمه ودموع:
– حضرتك بتقول إيه؟ ده اختيار مش عادل أبدًا، ما فيش أي رحمة فيه. أنا لا أقدر أستغنى عنكم ولا عنه!
صرخ به محمود بغضب:
– براااااا... مالكش بنات عندي... براااااا.
ثم وضع يده على قلبه بتعب، تحت نظراتهم القلقة عليه.
اقتربت نور بقوة تساعده على الجلوس:
– بابا، حبيبي، مالك؟ سلامتك يا بابا.
محمود بتعب:
– لو حصل لي حاجة، يا نور، ورجعتي له، اعرفي إن عمري ما هكون راضٍ عنك، فاهمة؟
جذب بشوي يد يحيى للخارج ومعه عيسى وقال:
– أنتم شايفين هو تعبان إزاي؟ بلاش كلام في الموضوع تاني الفترة دي. إحنا مهدنا له، نهدى شوية وبعد كده نتكلم تاني عشان حالته دي.
.......................................
بعد يومين، في مبنى المخابرات، كان يحيى يجلس ببرود أمام أدريان، الذي بدا جالسًا بثقة وثبات شديد.
تحدث يحيى وهو يحرك عينيه عليه باحتقار:
– استفدت إيه بقى؟ استفدت إيه وأنت قاعد قدامي كده؟ لفيت ورُحت وجيت، وعملت أقذر حاجات ممكن البني آدم يعملها. ودلوقتي عمرك خلاص بينتهي، مجرد أيام معدودة. أوعى تفتكر اللي وراك يعرف يخرجك من هنا. انسى! أنت قاعد تحت إيد الصخر، وأعتقد إنك عارفه كويس.
رد أدريان ببرود، وهو يرفع يده بحركة مسرحية:
– أيامي معدودة؟ تك تك تك...
ثم ضحك بقوة وأكمل:
– جدًا... عارف جدًا... أنا مع مين!
وأكمل وهو يحرك كتفه بلا مبالاة:
– بس عادي يعني... أنا عارف إن وجودي هنا يعني النهاية، وأنا اكتفيت. تصدق لو قلت لك ما بقاش عندي شغف لشغلنا؟ أصل أنا كنت واخد الموضوع هواية، والهواية دي بقى... هتعمل بيها إيه؟ وأنت أصلاً عملت كل حاجة في الشغلانة دي. ما بقاش عندي حاجة أديها. مافيش حاجة تجدد شغفي، يا أخي. باستثناء البِت أخت مراتك الحلوة دي، كانت عجباني. بس يلا... جي تحت إيدي منها كتير قبل كده.
نظر إليه يحيى بجمود وقال:
– أنتظر منك إيه؟ الندم؟ ما أفتكرش. اللي زيك أصلاً ما يعرفش يعني إيه ندم. يعني أنت ما عندكش مشكلة تموت عشان فقدت شغفك في الشغلانة؟ لا، حقيقي أحييك. سبب منطقي طبعًا.
ثم أكمل وهو يسند يده على الطاولة أمامه:
– أنا عملت تحليل DNA، وكان عندي أمل لآخر لحظة إنك تكون مش أبويا. بس للأسف... مع إني كنت متأكد لأن انا وسيليا إخوات. هو أنت... يعني... ما حسيتش في يوم إنك ندمت إنك اشتغلت الشغلانة دي؟ ما حسيتش في يوم إنك عايز ترجع؟ عايز تشوفني؟ أي حاجة عن الض...
قاطعه أدريان بضحكة قوية وهو يقول:
– عن الضمير؟ زيدان، حبيبي، الضمير عندنا بح. أنا بستمتع وأنا بأذي الناس، بستمتع وأنا بدمر حياة أشخاص. بحب اللعبة دي. هواية، تسلية، فلوس... وأنت بتستمتع في حاجة أكتر من كده؟ طب بذمتك... عمرك شفت حد بيحب هوايته وفي نفس الوقت بيقبض منها فلوس كويسة؟
ظل يحيى يحدق فيه باحتقار، ثم قاطعه بعدم استيعاب:
– حقيقي أنت أوسخ شخص أنا قابلته في حياتي. عمري ما هقابل في حياتي حد زيك، ودائمًا هدعي ربنا إني ما أشوفش في حياتي تاني حد زيك.
ضحك أدريان بشدة، وهو يخبط يده على الطاولة وينطق من بين ضحكاته:
– طب إزاي؟ قول لي أنت إزاي؟ وسيليا... اللي فيها كتير مني! وبعدين أنت مش متجوز وعايز تكمل حياتك مع حبيبة القلب؟ طب إزاي بقى؟ مش في أولاد هييجوا؟ يبقى هتشوفني. بيقولوا إيه في المصري؟ آه آه... العرق يمد لي seven جد!
وأطلق ضحكة أخرى ساخرة.
وقف يحيى، واتجه نحو الخارج وقال بجمود:
– أوعدك إني أعمل كل اللي أقدر عليه عشان أخلي أولادي مش زيك... ولا زي أختي.
التفت له أدريان بتعاطف مصطنع وقال:
– أووووه، زيزو، حبيبي... هقول لك نصيحة قبل ما أموت. أنت غبي عشان صحّيت ضميرك تاني وجريت ورا قلبك مع اللي اسمها نور. وهتفضل طول عمرك فقران ومش مبسوط. ومش هتحس بالشغف... عشان أنت زيي كنت بتعمل المطلوب وأنت مستمتع.
رد يحيى بسخرية:
– أوعدك مش هندم. ومش متضايق من حياتي اللي أنا اخترتها وأنا مبسوط. أما الشغف ده بقى... خليه للّي زيك. هينفعهم كتير قوي. سلام يا...... أدريان.
ثم اتجه للخارج.
قابل أدهم، الذي كان ينتظره، ووضع يده عليه بسخرية:
– إيه؟ كنت مستنيه يتوب أو كده؟ مش أدريان يا يحيى!
ابتسم الآخر بتعب واتجه للخارج.
أما الصخر، ففتح الباب مرة أخرى وهو يتجه نحو أدريان، ممسكًا بيده ملفًا. بمجرد أن التفت له أدريان، ضحك بقوة ورفع يده للأعلى قائلًا:
– الصخر، هات الملف، أنا أمضي لك عليه. ما عنديش طاقة ولا مجهود لك، كبرت الصراحة. وبعدين عايزين نخلص بدري بسرعة، أنت عندك شغل وأنا عندي شغل.
رد الصخر بسخرية وهو يضع الملف أمامه:
– طب أنا عندي شغل، ومعروفة... أنت بقى شغلك إيه؟
ضحك الآخر بقوة وأكمل:
– اللي زيي وهو عايش بيشتغل، وهو ميت برضو بيشتغل. هو أنت فاكرني لما أنتقل للعالم الآخر مش هشتغل برضو؟ يعني لو اتكلمنا عنكم، المفروض إني هروح النار بقى وكده... هلقط برضو رزقي هناك. أما لو عني أنا، فبالنسبة لي مدة صلاحيتي بتنتهي، وخلاص رحلتي انتهت ممكن امممم اطلع عفريتي يقرفقكم .
ثم فتح الملف ووقع عليه دون أن ينظر فيه، وهو يقول:
– أنا أعرف إنك ما بتحبش حد يبص على الملف وهو بيوقع. شفت أنا كويس إزاي؟ محتاج حاجة تاني مني قبل ما ترحلني للإنتربول؟
فرق أدهم يده بأنفه وهو يبتسم بسخرية قائلاً:
– حقيقي نفسي أعرف... أنت ملتك إيه؟ ما شفتش كده. بس أنا أعمل لك surprise مافيش إنتربول. أصل أنا قلت لهم إنه حصل هجوم واضطرينا نصفيك، والمكان كله بوووووم... انفجر بيك.
تصدم أدريان، بينما ضحك أدهم بقوة وأكمل:
– كنت مصمم أنا اللي أقول لك الخبر الجميل ده.
ثم نظر إلى عينيه بتهكم وقال:
– عشان أشوف الرياكشن الحلو ده على وشك. أصل أنا كان لازم أشوف رياكشنك وأنت بتترحل لعشماوي!
ضحك بسخرية من ذهول أدريان وأكمل:
– كان مين الضابط اللي هيساعدك هناك؟ أمممم... آه، راشيل بمساعدة دولة مش حابب أقول اسمها، عشان بيجي لي كرشه نفس. يعني أنت دلوقتي بالنسبة للناس كلها بخ.
اقترب منه، ووضع يده على وجنته وأكمل بسخرية:
– إيه رأيك في المفاجأة دي؟ بذمتك مش جامدة؟
ظل الآخر يغلق كف يده ويضغط عليها بقوة.
ضحك أدهم وقال:
– معلش، بس أنت ما أخدتش بالك من حاجة مهمة، إنك مع الصخر... اللي ما بيحبش أبدًا يرحل حبايبه لحد تاني.
ثم وضع إبهامه أمام أعين أدريان وأكمل بتهكم:
– طب بذمتك... أنت سمعت إني رحلت حد قبل كده؟ تؤ... صح . وأنت مضيت على اللي أنا عايزه بالضبط، على أساس طبعًا إنك هتترحل وترجع تلف تاني وتقرفنا. حبيبي يا دودو والله.
ثم قال:
– إيه رأيك؟ أنا لأول مرة في حياتي هخيّر الضحية بتاعتي... انهي موتة هتعجبها أكتر؟
أغمض الآخر عينيه بغضب، بينما ضحك أدهم بقوة وأكمل:
– ما تحسسنيش إني عملت لك surprise هتعجبك قوي كده. يلا، حبيبي... تموت مشنوق، وده الطبيعي يعني، أو اللي بيحصل. ولا تموت محروق؟ ولا أكسر لك عمودك الفقري؟ ولا... لا، استنى كده... إيه رأيك لو أعلقك في إيدك ورجلك على حبل زي الخروف، وأحط النار تحتك، وأنت وحظك بقى تموت إمتى؟
اقترب من أذنه وهمس:
– هو أنا ما قلت لكش أصل أنا كمان متعتي في الحياة أقتل الأو. ساخ اللي زيك وبتلزز في تعذيبهم .
ثم ابتعد وأكمل:
– معاد ترحيلك لجهنم بُكرة... أو آآآآي... انتهاء صلاحيتك صح. أنا أديتك كذا موتة، بس نسيت أقول لك الشرط عشان أخيّرك: أنت هتختار أصعب موتة، مش أسهلها. لو اخترت الأسهل، هزعل منك قوي، وهختار أنا اللي على مزاجي. خسارة... عهد الشبح هينتهي. سلام ياااا... آه، شبح.
فتح الباب واتجه للخارج.
طرق أدريان الطاولة بقوة وغضب. لقد فشل مخطط هروبه وبات حبيسًا تحت يد الصخر. والأصعب، أنه الآن ميت بنظر الجميع، ومع ذلك موعد إعدامه غدًا. لا يوجد وقت لفعل شيء.
ابتسم بتهكم وهو يقول:
– لقد انتهت رحلتك، مستر أدريان. ولكن هذا ليس الأصعب. الأصعب هو موتي هنا، في تلك البلد اللعينة، بعد أن كنت حديث جميع البلاد... ينتهي بي الحال هنا، في مصر. اللعنة عليكم!
.......................................
مرّ أكثر من شهر، وبدأ والد نور يتحسن بعد معاناته من أزمة قلبية نتيجة الانفعال. كان الجميع هادئًا، يحاولون تجنب أي شيء قد يزعجه.
في منزل يحيى وعيسى، كانت نور ترقد بين أحض. ان يحيى، الذي يحتضن خصرها بتملك وهمس لها بصوت متعب:
– أنا تعبت يا نور، بجد تعبت. لحد إمتى هنفضل نسرق لحظات نقضيها سوا كأننا حرامية؟ أنا بقيت أحس إنك مش مراتي. إحنا لازم نرجع نتكلم مع باباكي تاني. ما بقيتش قادر، أنا عشت طول حياتي لوحدي، كفاية بقى... عايزك معايا.
وجهت نور عينيها إليه بتوتر، ثم ابتعدت عنه وجلست على الفراش وهي تفكر. اقترب هو منها، و جلس بجوارها، ووضع خصلاتها خلف أذنها وهمس:
– أنتِ زعلتي؟ مالك؟ بتفكري في إيه؟ لو في حاجة في دماغك، قولي لي، ونفكر فيها سوا.
نظرت نور داخل عينيه وقالت بصوت حاسم:
– إحنا فعلاً لازم نحاول نقنع بابا عشان يسيبنا نكمل مع بعض. ما بقاش في وقت...
ثم أكملت بصوت منخفض تحت نظرات استغرابه:
– يحيى، أنا حامل.
فتح عينيه بذهول، يحاول استيعاب ما سمعه، وتحدث بعدم فهم:
– أنتي قلتي إيه؟
نقلت نور عيونها بين تعابير وجهه محاولةً فهم مشاعره، وقالت بتردد:
– بقولك... حامل يا يحيى. إيه اللي مش مفهوم في كلامي؟ أنا حامل في شهر... مالك؟
وقف من جانبها واتجه إلى المقعد، جلس عليه، ووضع يده في خصلات شعره بتعب. في تلك اللحظة، عاد إلى ذاكرته حديث أدريان:
(إزاي بقى؟ مش في أولاد هيجوا؟ يبقى هتشوفني، بيقولوا إيه في المصري؟ آه آه... العرق يمد seven جد.)
تنهد بتعب شديد، يحاول استيعاب ما ينتظره. لاحظت نور توتره، فقامت واقتربت منه، وركعت أمامه وهي تقول بعدم استيعاب:
– هو أنت مش مبسوط؟ رد فعلك مش مفهوم، الصراحة. مش عارفة أفهم... أنت مبسوط ولا زعلان؟
نطق بعد أن تنهد بقوة، وهو ينظر إلى الفراغ:
– تفتكري هكون أب كويس؟ تفتكري هو هيكون ابن كويس؟ تفتكري هعرف أعلمه كويس؟
ثم ابتسم بسخرية وهو ينظر إليها:
– صعب... مش كده؟ تفتكري مش بنظلمه لو جبناه للحياة وإحنا كده؟ أنا ما عرفتش أنجح إني أكون أخ لحد الآن... مش عارف حتى أسافر لأختي وأجيبها. تفتكري يا نور؟
وضعت نور يدها على وجنتيه وهمست له بعشق:
– أنت أحسن زوج في الدنيا، ومتاكدة إنك هتكون أحسن أخ في الدنيا، وهتعرف ترجع سيليا تاني. زي ما أنا متأكدة إنك هتكون أحن وأحسن أب. أما بقى الطفل ده، في علم الغيب. بس أنا وأنت هنحاول نخليه أحسن حاجة في الدنيا، وهننجح... صدقني.
احتضنها بقوة وهو يبكي من الفرح والخوف، وهمس لها بعشق:
– مبروك... مبروك يا نوري. أوعدك... عشانك وعشانه، هصلح كل حاجة. أوعدك. أنا مبسوط والله... أوي، بس خايف أوي... آسف.
ظلت نور تحتضن ظهره بعشق، ليستمد منها القوة للقادم.
.......................................
أدهم: خير، إيه اللي جابك عندي؟ أنا ما بقيتش أرتاح لك خالص، الصراحة.
يحيى: أدهم، اتصرف. أنا عايز أرجع أختي. أنت وعدتني إنك هتحاول ترجعها لي. عايز أطمن عليها، أنا عرفت إنها بقت تشرب، وأنا خايف عليها يا أدهم. مش معقول بعد ما عملت عشانها كل ده تضيع مني كده، عادي!
أدهم: أنا مراقب سيليا من أول ما مشيت من مصر. الفكرة يا يحيى إن سيليا هترفض ترجع معاك. هتعمل إيه بقى؟ وأنتم أصلاً أساميكم مش مع بعض وما لكش أي حق ترجع بيها... إلا لو...
يحيى (بلهفة): إلا لو إيه؟
أدهم: لو خطفناها. وقتها هترجع، تحبسها بقى هنا وتشوف هتعمل معاها إيه.
يحيى: طبعًا موافق. أنا مستعد أعمل أي حاجة عشان ترجع هنا. أنا مش عارف هي إزاي تعمل كده؟ بس اللي عرفته منهم إنها كانت وصلت لحالة اكتئاب شديدة.
أدهم: مروان حاول معاها كذا مرة، وهي رفضت. سافر عشانها مخصوص كذا مرة. هو وعيسى ونور كلموها كتير، وهي برضه رفضت. على فكرة، أنا مراقبها كويس... اطمن.
يحيى: آه؟ بأمارة إنها بتشرب؟ والله أعلم، هي virgin ولا لأ؟ هي دي الأمانة اللي لو كنت موت كنت هتاخد بالك منها؟
أدهم: يحيى، أنت عارف كويس إنت اختفيت إزاي، ومحدش كان عارف اللي حصل ده. وفي فرق كبير. المرة اللي فاتت، سيليا كانت هتسمع الكلام وكانت هتفضل معانا. إنما اللي حصل ده خلانا كلنا كنا في حالة صدمة وتوهان، وما حدش كان عارف يسيطر على التاني. على العموم، اطمن، هي virgin وما عملتش كده. مع إنها، ما أنكرش، مرة كانت هتعمل كده، وأنا كنت هتدخل، بس هي اللي رفضت لوحدها وبعدت. مش عارف ليه.
يحيى: تمام... بس، أدهم، اتصرف. أنت لازم تساعدني. وكمان، موضوع أبو نور ده أعمل فيه إيه؟
أدهم (وهو يشرب فنجان القهوة): أنا شايف إن أنا بقيت المصلح الاجتماعي بتاع حضرتك! بقول لك إيه، أنا هرجع لك سيليا، آه... لكن موضوع أبو نور ده... اتصرف أنت بقى، دي مشاكل عائلية.
يحيى (بتوتر): أيوه، بس نور حامل.
(بثق أدهم القهوة من فمه بصدمه، ثم انفجر من الضحك):
– يخرب عقلك! انت لحقت؟ هو أبوها طيَّقك؟
(كان يحيى ينظر له بغيظ، إلى أن أكمل أدهم وهو يحمحم):
– عندك حق، مش وقت ضحك خالص... أنت في مصايب. طيب، بص، سافر بس لأختك، ولما ترجع نشوف موضوع أبو نور ده. استعد إنك هتشوف سيليا غير اللي أنت تعرفها يا يحيى. أنا حذرتك.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية عشقك لعنتي ) اسم الرواية