رواية لخبطيطا الجزء الثاني 2 الفصل التاسع عشر 19 - بقلم عبد الرحمن الرداد
الفصل التاسع عشر
عبد الرحمن الرداد
ضيقت ما بين حاجبيها وأسرعت لتدافع عن نفسها قائلة:
- ايه اللي بتقوله ده! أنا عمري ما اقتل نملة حتى، وبعدين مركزي ومركز بابي ميخلينيش افكر فيه أصلا
- متقتليش نملة بس ممكن تدفعي لقاتل يقتلها
شعرت بالاستياء مما يُلمح له وقالت بغضب شديد:
- لاحظ أنت بتكلم مين، أنا بنت ناس مش قاتلة
نهض من مكانه وتقدم خطوة تجاهها ليصرخ في وجهها بغضب:
- لاحظي أنتي بتكلمي مين يا إما اقسم بالله هندمك على اليوم اللي فكرتي فيه إنك بني آدمة!
شعرت بالخوف من نبرته ونهضت هي الأخرى لتقول:
- آسفة بس أنا مش قاتلة، إحنا انفصلنا وخلاص هفكر في قتله ليه؟
ابتسم وتقدم تجاهها خطوة وهو يقول بنبرة هادئة:
- تمام
ترك المنزل في الحال ثم اتجه إلى سيارته التي قادها إلى القسم وما إن وصل حتى صعد إلى الأعلى متوجهًا إلى مكتبه لكنه قبل دخوله دلف إلى داخل مكتب «يوسف» ليجده يقوم بالتحقيق مع حارس الفيلا «عبد التواب» فابتسم وجلس على المقعد المقابل له ووجه بصره إليه قائلًا:
- تعرف يا عبد التواب أنا شاكك في مين
صمت «يوسف» ونظر إلى صديقه بتعجب بينما تحدث «عبد التواب» قائلًا:
- شاكك في مين يا بيه؟
أجابه على الفور وهو ينظر إلى عينيه:
- شاكك في مدام ريهام مراته السابقة اللي اكتشفت صدفة انه مطلقهاش زي ما قولت أنت ومريم، يا دوب انفصلوا ظاهريًا، أنا شاكك فيها وهحطها تحت المراقبة لأني متأكد مليون في المية إنها اللي عملت كدا، تقدر أنت تمشي
وقبل أن يعترض «يوسف» رفع يده أمام وجهه بمعنى "انتظر" وما إن رحل «عبد التواب» حتى قال الآخر:
- ايه يا كرم أنت مالك؟ مشيته ليه لسة مخلصتش تحقيق معاه
ابتسم ووضع قدمًا فوق الأخرى وهو يقول:
- أنا فعلا شاكك في ريهام بس شاكك في عبد التواب اكتر، بنسبة كبيرة ريهام اتفقت معاه يقتله وهو دلوقتي دماغه بتودي وتجيب، ياترا يكلمها ولا يروحلها! إحنا بقى هنراقبه ونركب موبايله وموبايلها
صمت الآخر للحظات قبل أن يقول بجدية:
- واثق من اللي هتعمله ده
نهض من مكانه وقال بجدية:
- واثق ونص، يلا هروح اظبط الحوار ده
***
وصل «عبد التواب» إلى المنزل وجلس على فراشه ليفكر في ما سمعه اليوم من الضابط، بدأ التوتر والخوف يسيطران عليه بشكل كبير وتذكر ما حدث قبل يومين.
«قبل يومين»
وضعت قدمًا فوق الأخرى وقالت بجدية:
- أنت الكسبان
ضيق ما بين حاجبيه وقال بخوف شديد:
- بس يا هانم ده فيه خطر ولو اتكشفت هيبقى فيها موتي
ابتسمت قبل أن تُخرج شيك من حقيبتها ووضعته أمامه وهي تقول:
- أنا مش هقولك 100 ألف جنيه والشغل ده، هديلك مليون جنيه، طالما مش راضي يطلق وشايف نفسه وكمان بيهددني ببنتي يبقى لازم يموت، فكر يا عبد التواب كويس دول مليون جنيه وبعدين أنت بعيد عن الشبهات، هتقتله ولما يكتشفوا ده هتيجي وكأنك متعرفش حاجة
نظر إلى الشيك الموضوع أمامه بحيرة كبيرة لكن ضخامة المبلغ جعله يقبل
سحب الشيك من أمامه ووضعه بجيبه قبل أن يقول بجدية:
- تمام يا ريهام هانم هنفذ
"عودة للوقت الحالي"
سحب هاتفه ونقر على رقمها ثم وضع الهاتف على أذنه وانتظر للحظات قبل أن يقول:
- أيوة يا ريهام هانم
أجابته بغضب شديد بعد أن نهضت من مكانها:
- أيوة يا زفت مش قولتلك متكلمنيش الفترة دي خالص غير بعد ما الأمور تهدى
- آسف يا ريهام هانم، أنا عارف إن دور حضرتك خلص وادتيني الشيك علشان اقتل بشمهندس أحمد لكن لما كنت في القسم علشان التحقيق الظابط قال إنه شاكك فيكي وإنه هيراقبك
اتسعت حدقتاها بخوف وصمتت للحظات قبل أن تقول:
- يبقى يثبت بقى، على كلامنا، أوعى تتصل بيا تاني أو حتى تهوب ناحية الفيلا وكمان الشيك متصرفهوش غير بعد شهرين
- تمام يا ريهام هانم أنا قولت انبهك بس، سلام
أنهى المكالمة ثم وضع يده أسفل وسادته وسحب الشيك ورفعه أمامه عينيه وهو يقول:
- أخيرا الدنيا ضحكتلي وهصرف زي ما البهوات دي بتصرف
***
بعد مرور ساعتين وصلت قوات الشرطة إلى الفيلا مرة أخرى فخرج «عبد التواب» وهو يقول بقلق شديد:
- فيه ايه يا باشا
تقدم «يوسف» ووضع الكلبش في كلتا يديه قبل أن يقول بجدية:
- غبائك وقعك، أنت مقبوض عليك بتهمة القتل وكل حاجة متسجلة
على الجانب الآخر وصلت قوة الشرطة إلى فيلا «ريهام» بقيادة «كرم» فخرج والدها ليصرخ بهم قائلًا:
- أنتوا اتجننتوا؟ أنتوا مش عارفين أنا مين؟
تقدم «كرم» ووقف أمامه مباشرةً ليقول:
- عارفين أنت مين بالظبط، إحنا جايين نقبض على بنتك بتهمة التحريض على قتل جوزها
حاول الإعتراض لكن القوة تحركت إلى داخل المنزل لإلقاء القبض عليها وما هي إلا دقائق قليلة حتى خرجت القوة بها وتوجه «كرم» إليها ليقول بابتسامة:
- كدا الصورة وضحت، دفعتي مبلغ محترم لـ عبد التواب علشان يقتل جوزك وفعلا عمل كدا ونط من الشباك علشان تفتح مريم الباب تلاقيه مقتول فتصرخ وهو يجي جري علشان يعرف فيه ايه، فيلم كويس بس غبي حبتين، قدامي يا قطة
***
توجه إلى غرفة شقيقته ليطلب منها اللعب معه لكنه وجدها فارغة مما جعله يتجه إلى الأسفل ليجدها تلعب بابتسامة فاقترب منها وقال بجدية:
- بقى أنتي هنا بتلعبي من غير أخوكي؟
رفعت بصرها قبل أن تعود لتلعب مرة أخرى وهي تقول:
- ما أنت كنت نايم يا مراد وبعدين أنا بلعب المزرعة السعيدة مش ببجي، ثواني هأكل البقر ونخش ببجي
- تأكلي البقر؟ وبعدين مزرعة سعيدة ايه يا هاجر هي لسة موجودة
هزت رأسها بابتسامة عريضة لتقول:
- شوور، أومال بلعبها إزاي، الله شايف المعزة الأمورة دي
اقترب ونظر إلى شاشة هاتفها ثم نظر إليها بتعجب قائلًا:
- معزة أمورة؟ طيب أنا هطلع افتح اللعبة عقبال ما تأكلي الأمامير بتوعك
***
أنهى عمله وقاد سيارته إلى منزل «اسماء» وما إن وصل حتى سحب هاتفه وضغط على زر الإتصال قبل أن يرفعه على أذنه، ظل لدقائق على هذا الوضع يحاول الإتصال بها بينما كانت هي لا ترد على مكالماته فشعر بالغضب الشديد وترجل من سيارته. اتجه إلى الأعلى حيث شقتها ثم ضغط على زر الجرس لكن لا يوجد رد، عقد ما بين حاجبيه بحيرة شديدة وقرر الرحيل لكنه قبل أن يتحرك لاحظ أن الباب ليس مُغلقًا فدفعه بهدوء شديد وهو يقول بصوت مرتفع:
- السلام عليكم، حد هنا؟
لم يجيب أحد فتقدم إلى الداخل بتردد شديد وسرعان ما اتسعت حدقتاه بصدمة عندما وجد الأم على الأرض وغارقة في دمائها. أسرع إليها بقلق شديد ورفع رأسها وهو يقول:
- مين اللي عمل فيكي كدا؟
فتحت «ناهد» عينيها بصعوبة وأصدرت صوتًا يدل على احتضارها بينما كانت الدماء تخرج من فمها بشكل مخيف فهزها بهدوء وهو يعيد سؤاله:
- مين عمل كدا يا مدام ناهد؟
أصدرت هذا الصوت مرة أخرى وقالت بصوت ضعيف للغاية:
- اسـ..ماء، احمـ..د، اسمـ..اء الحقها
وفي تلك اللحظة خرجت أنفاسها الأخيرة ومالت برأسها معلنة رحيلها.
شعر بالحزن كثيرًا على موتها ومرر يده على عينيها ليغلقهما قبل أن يضع رأسها على الأرض ويقوم. سار في الشقة بحثًا عن البقية ووصل إلى غرفة «احمد» وما إن دلف إلى الداخل حتى وجده على الأرض وهناك رصاصة بجسده وكانت الدماء في كل مكان فأسرع إليه وهزه وهو يقول:
- احمد! احمد؟
لم يتلقى أي إجابة فمال برأسه على صدره ليتأكد أنه على قيد الحياة وبالفعل وجد قلبه ينبض فحمله بين ذراعيه وأسرع إلى الأسفل راكضًا.
وضع الطفل في المقعد الأمامي ثم التف حول سيارته بسرعة قبل أن يستقل مقعده خلف المقود وينطلق بها بسرعة كبيرة. رفع هاتفه أثناء قيادته وهاتف صديقه «يوسف» الذي رد عليه على الفور فصرخ هو فيه:
- هات قوة وتعالى على بيت اسماء بسرعة يا يوسف
نهض من مكانه بقلق شديد وردد بتساؤل:
- حصل ايه يا كرم؟
نظر إلى الطفل المصاب بطلق ناري بجواره وأجاب عليه:
- أسماء اتخطفت وأمها واخوها اتضربوا بالرصاص، أمها ماتت لكن احمد لسة عايش وخدته ورايح بيه على المستشفى
- طيب طيب أنا جاي
***
وصل إلى المستشفى وحمل الطفل بين ذراعيه قبل أن يركض إلى الداخل وما إن وصل الاستقبال حتى صرخ بصوت مرتفع:
- دكتور بسرعة
جاء طبيب على الفور وحمل الطفل ووضعه على عربة وجرها إلى غرفة العمليات وسرعان ما حضر الكثير من الأطباء الآخرين ودلفوا إلى داخل غرفة العمليات بينما جلس «كرم» على المقعد المقابل للغرفة ثم عاد بظهره إلى الخلف ورفع رأسه للأعلى بإرهاق فهو قد تعب من المطاردة والغموض، كان يعتاد على وجود «كريم» بحياته فكان دائما ما يقص عليه ما يحدث ويطلب منه المساعدة ويزيح الحمل الثقيل من على عاتقه.
زفر وأغلق عينيه وهو يقول بصوت غير مسموع:
- ااااه تعبت أوي، كل اللي حواليا صعب، شخصيتي اتغيرت 180 درجة، ياااارب ساعدني
مر من الوقت ثلاث ساعات قبل أن يخرج الطبيب من غرفة العمليات فأسرع «كرم» تجاهه وهو يقول بتساؤل:
- احمد عامل ايه يا دكتور
ابتسم الطبيب وقال بهدوء:
- الحمدلله أنقذناه بمعجزة، هننقله العناية المركزة وهنتابع حالته ان شاء الله
هز رأسه بالإيجاب وقال بجدية:
- تمام يا دكتور
تابع الأطباء وهم ينقلونه إلى الغرفة الأخرى وفكر في تركه وحده، هو الآن وحده تمامًا ولا يوجد من يبقى بجواره وعمله لن يسمح له بالبقاء فزفر بضيق قبل أن يقرر الرحيل لمتابعة الأمر.
***
كانت تجلس بغرفة شديدة الظلام بينما ضمت قدميها إلى صدرها ودفنت وجهها لتبكي بصوت مرتفع على والدتها وشقيقها الأصغر فما حدث كان بمثابة الكابوس الذي تنتظر الاستيقاظ منه، تذكرت تلك اللحظات المرعبة قبل مجيئها إلى هنا.
"قبل ساعات"
تحركت في غرفتها ذهابًا وإيابًا بتوتر شديد فهي قد أخبرت «كرم» بالأمس أنها ستخبره بكل شيء في اليوم التالي وها هو قد جاء اليوم، شعرت بالخوف كثيرًا فهؤلاء الرجال هم الشر بعينه. جلست على فراشها وزفرت بقوة ثم نظرت إلى هاتفها فهي كانت تتوقع مكالمته في أي لحظة وأثناء نظرها لهاتفها استمعت لرنين الجرس فتحركت إلى الخارج ورددت من خلف الباب:
- مين؟
تفاجئت بمن ركل الباب بقدمه ليقع أمامها وهي في حالة صدمة تامة مما ترى، تقدم إلى الداخل خمسة مسلحين ومعهم أسلحة مزودة بكاتم للصوت.
تقدم أحدهم وقيد «اسماء» فحاولت التخلص من قبضته لكنه أحكم قبضته عليها وجائت الأم من الداخل وهي تصرخ:
- اسماء بنتي فيه ايه
فرفع أحدهم سلاحه وأطلق رصاصة استقرت بجسد «ناهد» فصرخت «اسماء» لكن أحدهم كتم فمها لكي لا تصدر صوت ثم أشار بإصبعه إلى الداخل ليذهب أحد المسلحين إلى غرفة «احمد» الذي استيقظ من النوم على صوت صراخ اخته بالخارج لكنه قبل أن يفتح الباب فتح المسلح هو الباب ورفع سلاحه ليطلق رصاصته على جسده.
حاولت التخلص من قبضتهم وظلت تتحرك بقوة وهي تحاول الصراخ بعد ما شاهدته بعينيها لكن جاء أحدهم وضربها على مؤخرة رأسها بقوة لتفقد الوعي في الحال
"عودة إلى الوقت الحالي"
ارتفع صوت بكائها بشدة وزاد نحيبها لكنها استمعت لصوت يتحرك تجاهها فرفعت رأسها وظلت تنظر إلى الظلام بخوف شديد في انتظار قدوم هذا الشخص وفجأة صرخت عندما وُضعت يد على يدها فجاء صوت أنثوي:
- اهدي اهدي أنا مخطوفة زيي زيك، أنا مش هأذيكي
تنفست بسرعة كبيرة وقالت بخوف شديد:
- أنتي مين وأنا فين؟
جاء الرد من تلك الخفية:
- أنا اسمي حور من سنة 2047 والمكان ده اسمه الملتقى ده زي مكان بيجتمع فيه الماضي والحاضر والمستقبل
اتسعت حدقتاها بصدمة وعدم تصديق مما تسمعه وهتفت:
- نعم! هو أنتي موجودة هنا من زمان؟
- ليه؟
- علشان شكل الضلمة جننتك، إحنا فين؟
ضيقت حاجبيها بتعجب شديد قبل أن تقول:
- ضلمة! المكان منور ومفيش ضلمة!!!
إلى اللقاء في الفصل القادم
عبد الرحمن الرداد
•تابع الفصل التالي "رواية لخبطيطا الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية