Ads by Google X

رواية آصرة العزايزه الجزء الثاني 2 الفصل الرابع 4 - بقلم نهال مصطفى

الصفحة الرئيسية

 رواية آصرة العزايزه الجزء الثاني 2 الفصل الرابع 4 - بقلم نهال مصطفى 

(4) 
"ألاَّ رُبَّ خَصْـمٍ فِيْـكِ أَلْـوَى رَدَدْتُهُ "💥

‏اعتدتُ أن أعطي الفرص الأخيرة ، لا انسحب من أول صفعة قلم ، من أول جولة ؛ الحيـاة بالنسبة لي فُرص ولكنها محدودة للغايـة حتى لا يتحول العطاء لاستغلال !! أن أمنح لمن خذلني فرصة والثانيـة والثالثة فحسب لأنني ببساطة لم أخشى فقدانه بل لأنني أعلم جيدًا إذا رحلت لن أعود مهما حدث ! أدفع الثمن كبريائي  لتبقى ، لنطوي صفحات الخطأ لـ تكون بنظري آمنًا دون تشويه صورتك في خيالي .. لتختار أنتَ بنفسك النهايـة وأبتـر بنفسي ساق الحنين كي لا يطأ عتباتي مرة آخرى … 

_نهال مصطفى .

•••••••••••

-"فين العروسـة يا عـم حسن ؟!"

أردف المأذون هذه العبـارة بعد ما ترك كاسـة الصودا التي قدمتها هيام ورحلت ، تأرجحت عيني هارون بقلق لتلتقي بعيني العم حسـن ، وسرعان ما ظهرت أخته من باب الغرفة التي تختبئ فيها العروس الرافضة له بإصرارٍ ، خيم فطر اليائس على ملامح هيام فتفهـم هارون الأمر سريعًا ووثـب مستئذنـًا :

-هشـوفها حالًا يا مولانـا .. 

مر بجانب أخته التي ترتعد من الخوف طالبًا منها كي لا تتبع خُطاه للداخل :
-هيـام شوفي قهوة مولانا عيشربهـا ايه .

ثم تقدم بخطواته الثابتـة للداخل وقفل الباب خلفه فوجدها تجوب خطاوي الأرض كالنحلة التي تفتش عن مأوى ولم تجـد، ما رأته دارت نحوه محذره وبوجهها الشاحب أمرته:

-أنتَ تخرج من هنا تمشي عمو المأذون من بره ، قوله العروسة مش موافقة .. ومفيش جواز ولا كتب كتاب ، مفيش حـاجة خالص. 

ثم اندفعت بجنون متأهبـة لمغادرة الغرفة فكان ذراعه كالحصن المنيـع أمامها ليلتقطها قائلًا :

-اهدي اهدي !! مالك بس ؟مزرزرة ليـه ؟!  

وقفت تحت مظلة أهدابه وكفها مُعلقًا بمعصمه لتقول برجفة :
-مش عايزة اتجوزك !

رفع حاجبه مسايسًا الابتسامة الخفيفة تجتاح وجهه :
-ليـه !! خايفـة مني؟!

ثم كفكف دمعة متمردة مثلها من فوق وجنتها وأتبع :
-بصي في عيني وقوليها .. خايفة مني ولا مش واثقـة فيّ ؟

انتابتها رعشة مباغتـة وهي تتطلع لشمسه المضيئة :
-هتفرق!!

-آكيد! لو إنك خايفـة هطمنك بطريقتي .. مش واثقـة دي عاد فيها حديت تاني !! 

أومأت رأسه بالإيجاب وخرج صوتها المذبوح وهي تتعلق بحبل نظراته الممتدة :
-أنا خايفة .. كل حاجة حوليا تخوف .. أنا لو في غابة لوحدي مش هكون خايفة كده ! كل الناس وحشة بشكل مرعب ؛ كفاية مش عايزة اتصدم في حد تاني .. 

-بس أنتِ مش في غابة ومش لوحدك عشان أنا چمبك ومش هسيبك مهمـا حُصل.. غصب عنك أنا چمبك . 

ثم أرجع خُصلة من شعرها وراء آذانها وأتبع :
-بطلي چلع عيال ويلا المأذون مستني ..

بللت حلقها الذي جف وهي تبتعد عنه خطوة وتقف أمامه :
-طيب ما تيجي نفكر في حل تاني غير الجواز ده ..

-زي أيه مثلًا !! 

-يعني سيبني أروح لمامي وأقنعها أنك معملتش كده وهي هتسحب المحضر وبس .. وأنت مش هتتسجن . 

تلعثم لسانه باختناق من براءتها المتزايدة :
-ولو مرضيتش !! وحكمت راسها .. هيكون أيه الحل ؟ 

فكرت لبـرهة :
-مش عارفة بس أنا هقنعها والله .. طب قول لي انت لو اتحبست هتاخد كام سنـة !! عشان لو مدة صغيرة ..

قطعها بخطوة منه كانت كافية أن تبتلع بقية كلامها :
-وههون عليكِ تسبيني اتحبس حتى ولو يوم وأنتِ في يدك الحل !!

توترت:
-اه عادي ، السجن للجدعان .

استغرب أمرها قائلًا :
-دا أنتِ مكنتيش تعرفيني وكنتِ هتلبسي في جريمة آثار !! 

لكت الكلمات بفمها مع ارتعاشة تلك الشفاة التي يود قطمها بفكيه وهي تقول بعبرات منسابة :
-أنا مابقتش فاهمة حاجة وكل حياتي بقيت كئيبة ومملـة .. قول لي أعمل أيه !! أنا خلاص ضعت .. والدنيا كلها بقيت عارفة إني بتعالج .

-دي حاچة متعبكيش يا ليلة ، وأنتِ زي الفل ، مسألة وقت وهتبطليها .. يلا عاد.

-طب استنى ، لو اتجوزنا دلوقتي هنطلق أمتى!

رد هارون بمسايسة:
-بكرة أخر النهار .

طوت شعرها للوراء وتقدمت مرتدية " بيجامتها " القطنيـة وقالت بفتور :
-تمام . 

-استنى هنه ، كيف طالعة بالبيچامة دي!!روحي شوفيلك هِدمة عِدلة . 

-مالها ماهي بكم وواسعة !! ولو مش عاجباك خلاص كنسل الموضوع ومش هطلع .

تأفف بضيق:
-ليــلة .. قولت غيري لبسـك .

" أضيـعُ من قمـر الشتاء "
هكذا كان الوصف الكافي والوافي لحال قلبـه الذي عاش طويلًا يستنكر الحُب ، بعيدًا عن سماءه ، لا أحد يقترب من قلبه المجحف لأنه كثير البرودة ، مخيف ، الجميع يفر منه ..

هل تعلم أن :
للنجوم  طريقةٌ في النوم دونَ إساءةٍ لليل تسهر نجمةٌ وتنامُ أخرى
كي يظلَّ الضوءُ في ميزانه تجري الملائكةُ الصغارُ وتفتح الآفاقَ ثمةَ سهرةٌ تضفي على نوم النجوم ، هكذا هو حال القلوب العاشقة تمامًا .

تأرجحت عيني  "هارون"  النائم والذي يتذكر تفاصيل ليلة الأمس وكيف أقنعها كي تكف تمرداً على طلبه .. كانت نائمة ورأسها تقطن بقاع صدره وبالأخص فوق قلبه تحديدًا للحد الذي جعل قلبه يتنهد قائلا :

-أدركت أن القلب لا يُسمى فؤادًا إلا عندما يسكنه الحب ورأس من تحب !!

كان كفه الأيسر مندساً بين خصلات شعرها .. والأيمن يضم على كفها الصغير الراسي فوق بطنه .. تغلغلت رائحتها لأنفاسه وهو يتأمل روعة شعور أن تنام بحضنه إمراة تمناها من صميم قلبه .. تأمل تفاصيل ملامحها المقفولة والنائمة كالملائكة وهي تنعم بنوم هادئ بين يديه .. مما جعل قلبه يخلق العديد والعديد من الاسئله .. أي قدر ألقى بك لقلبي يا فتاة ؟! ماذا فعلتي ليخضع لك الجبل ويتمنى الموت بين يديك ؟ أي قدر هذا الذي جمعني بك تحديدا ولِمَ أنا بالأخص ؟! ما هو سره وماهي هي خبايا الزمن !!وما هو الحد لتلك المشاعر التي خانت صاحبها وتمكنت من قلبه على سهوة ؟! 

شد رأسه ليطبع قبلة خفيفة على رأسها متأوهاً بمرارة:

-عملتي أي في حياتك عشان تقعي في جُحر تعابين زي ديه ؟! طيرة عمية زيك هتعمل أيه بروحها في الغابة دي !! 

راق الأمر لكفه أن يداعب خصلات شعرها بحنان واجتاحته ابتسامة نعيم الحب في ظل حبيبك وهو يتنفس بارتياح :

-يا أبوي لو تعرفي أنا حاسس بأيه دلوق طلع عندِكِ حق يا أحلام وأنا اللي كُنت مغفل !! أحساس أني عاوز أخدك من الدنيا كلها ونهربوا لبعيد .. لأجل عينك ما تشوف وجع الكسرة تاني !! 

تنهد واعدًا :
-واللي خلق الخلق لأعيشك في چنة هارون العزايزي للدرجة اللي تنسي فيها كل اللي فاتك !! 

ثم زفر بحزن بالغ :
-كُنت مفكر أني هتچوز عشان أخلف لي عيليـن ، بس ربنا رزقني بعيلة متشعبطة في قلبـي وأنا المسؤل عنها كأنها مني !! شوف ياخي الزمن !! ملهوش مسكة ولا كبير .. لوى دراعي وقلبي !! 

أحس بحركتها وهي تتململ ببطء بحضنه كطفل يمرح بأمان أمه فقل جفونه بحرص كي يهرب من سطو تمردها على الريح التي جمعتهما في فراش واحد وفوق قلبه النابض بحبها .. تحركت جفونها المستيقظة على صوت ضربات قلبه الهادئة واحتوائه كلها ولأوجاعها .. تأرجحت عينيها بتيه في حقل الشعور الغريب الذي يسكنها .. رغم كل المصائب المتكدسة فوق رأسها ألا أن شعور ليلة العيد كان يهلل بقلبها .. 

ملأت جيوب صدرها من رائحته ثم ألقت نظرة على كفها الصغيرة المختبئ بقوقعة كفه .. الدفء الرهيب الذي يغمرها بدلاً من برودة الوحدة .. رمت كل خيباتها من سنوات العمر وراء ظهرها وظلت تتأمل تفاصيل حضن ذلك الرجل الذي آمنت بداخله .. رفعت جفونها ببطء لتلقى نظرة على تفاصيل وجهه النائم .. فوجدت نفسها كمن ألقى نظرة على الجنة من نافذة قريبة جدًا :

-‏قلبي لا يتذكر شيئًا سوى أنه فتحت الباب فدخلت كل هذه الأيام غير المفهومة وتُهت بين دروبها .. أي مسار اتبعه القدر ليكون صدرك وسادتي يا رجل !! 

لطخت حمرة الخجل وجهها فكانت أول مرة ترافق رجل في مرقده بعد أبيها وجدها .. ولكن ماذا عن كم المشاعر المتدفقة إليه ؟ انعقد حاجبيها بذهول حول أمرها لأنها بالفعل لا تود التزحزح إنشا عنه .. قفلت جفنيها ثم فتحتهما مرة آخرى وهي تتسائل :

-هو أزاي حلمي اتحقق بالسرعة دي!! هو أنا بحبك ولا بكرهك ؟! طيب أزاى أنا مستسلمة لحضنك كده أنت عملت فيا أيه بس ! أنا مش خايفة ليه !!

ثم أطلقت تنهيدة خفيفة داعبت ملامحه النائمة بتصنع وغمغمت لنفسها وهي تتجاهل صدح قلبها :

-جرالك أيه بس يا ليلة فوقي !! ياريتني ما حبيتك بجد !! عمري ما اتخيلت أن الحب ده بيوجع أوي كده .

ثم نفت اللوم على قلبها سريعاً :
-لا لا ده يا بختي بحب رجل زيك .. أنا أصلا عمري ما هقابل راجل يملا قلبي زيك بعد ما نطلق !!خلاص أنا اكتفيت بيك لآخر عمري يا هارون يا عزايزي أنتَ . 

ثم جحظت عينيها بخوف لتتذكر أمر طلاقهما المفروغة منه :
-نطلق !!!

فزعت من حضنه ملدوغة بسُم الحقيقة ففتح عيونه للتو فتلاقت الأعين المغرمة والذائبة ببعضها ليزيد من حد توترها وهي تتساءل :

-أنت مين نيمك هنا ؟! ده مش اتفاقنـا!! 

ثم أرجعت خصلة متطايرة من شعرها وراء اذنها وأتبعت متمردة :

-مين سمح لك بده !! ولا أنت فاكر عشان كتبنا الكتاب بقيت متاح ليك في أي وقت خلاص !! لا انسى وانسى كمان ليلة بتاعت زمان .. أنا مابقتش هبلة خلاص .. بقيت عارفة كل حاجة وبعرف اتصرف .

فبللت شفتيها اللاتي جفت من حرارة نظراته إليها ليزيده الرغبة في تقبليهما وهو يعتدل من نومته منصتاً لثرثرتها المحببة لقلبه  .. فأتبعت مبررة :

-أنا مش فاكرة حصل أيه أمبارح عشان أنام جمبك بس اسمعنى ومش عايزاك تجادلنني أنت فاهم !! تنزل دلوقتي تقدم ورقة جوازنا دي في القسم وبعدين ترجع تطلقني !! أهو هبقى مطلقة بسببك عشان ترتاح .. وبعدين يا دار ما دخلك شر .. أنت من طريق وأنا من طريق .. وكفاية لحد كده. 

ثم توترت شفتيها متأهبة للرحيل من جواره :
-وبلاش تبص لي كدة عشان بتوتر ونفذ كل الكلام اللي قولته لو سمحت  ..وو 

صبت بقية كلماتها بصدره الذي جذبها إليه عنوة لترتطم بصخرة ضلوعه التي تفتك بمشاعر أنثى رقيقة مثلها .. تأملها ملياً وهو يداعب أطراف شعرها بابتسامة لا تتناسب مع لهب تمردها وثرثرتها :

-صباح الخير ..

تمتمت ببلاهة وهي تغرق به وبنظراته وبأنفاسه التي تشعلها نارًا ونورًا  :
-صباح النور ..

أتبع هارون متسائلا بحـبٍ :
-نمتي زين ؟؟

أومأت بخفوت وهي تستلذ النظر لملامحه الهادئة التي لم تراها من قبل وقالت :
-أيوة نمت .. حضنك حنين أوي على فكرة .

تذبذبت ضربات قلبها كما بد صداهم على شفتها وهي تبرر بسرعة :
-حنين زي حضن بابا بالظبط .

دارت لتفر من سطو تجردها وسذاجتها أمامه فأمسك بها ليمنع رحليها لتعود لصدره مرة ثانية وهو يرمقها بلهفة الشوق .. فغمغمت خائفة :

-في أيه تاني !!

جلى حلقه فتحركت تفاحة آدم برقبته ونظراته تتلألأ قائلاً :
-مكانك ودايما مفتوح لك ..

برقت عينيها بدهشة :
-لا مش عايزة !! قصدي يعني ممكن تسيبني عايزة أقوم ..

رفع حاجبه ذائبًا في شربات ملامحها التي يود ترجعها دفعة واحدة :
-ليه !!رايحة فيـن ؟ 

-عايزة أروح الحمام ... لو مفيش مانع يعني .. ولا فيه !

رُسمت ضحكة ساحرة على معالمه وهو يحرر معصمها من قبضته مشيراً بيده أن تذهب ..ولكنها لم تتزحزح أنشا واحدا من جواره .. تمنت ولو يقف بهما الزمان والمكان على حدود نظراته ودقات قلبه .. فخلقت حوارا عبثيا معه :

-هتنزل النهاردة تروح القسم وتقولهم أحنا اتجوزنا !!

رد ببرود :
-ليه !! أنا ما عروحش لحد !! واللي عاوزني يجيلي لغاية عندي وهرزع ورقة چوازنا فـ عينه .

فأتبعت بارتباك:
-أحم !! قصدي يعني عشان هتطلقني أمتى !وأرتب أموري وكده .

حك ذقنه متجاهلاً عبثها وقال :
-أعملي حسابك هننزلوا في تصوير حلقة ليكِ .. وهتنزلي معاي العزايزة آخر النهار ..

زام ثغرها بصدمة :
-نعم وانت عرفت ازاي !! قصدي مستحيل !! لالا أنا مش هروح هناك تاني أبدا .. عمري .

-دي بلد چوزك يعني بلدك !بالعربي مطرح ما چوزك يروح رچلك على رچله . 

وقفت مدارك عقلها على حد الجملة وهي تتسائل بحماقة :
-مين جوزي !! 

تعلقت بحد أهدابه المشدودة فلحقت نفسها :
-أه أنت صح نسيت معلش مش متعودة !!

أردف بصرامة :
-تتعودي !!

-هاه لا أنت مش جوزي .. أحنا هنطلق بعد تصوير الحلقة على طول صح!

-ديه مين اللي قال كِده ؟!

-انا قلت ؟؟ قصدي أن ده اتفاقنا ولا انت نسيت ولا أيه !! أف متوترنيش لو سمحت .. أنتَ نسيت؟! 

اتكئ على راحة معصمه ومرفقه مستندا على ركبته الثنية وهو يغازل أطراف شعرها بهدوء :

-ومين قال لك أني ناوي أطلقك ؟

رُدت الكلمة كالرصاصة بقلب ليلة  :

-أحيــــه !! يعني أيه ؟

غمز بطرف عينه معلنا ملكيتها لأخر عمره :
-هو انا نسيت أقول لك أن في عرفنا مفيش طلاق !! 

-يعني أيه مفيش طلاق ؟!أنت بتقول أيه !! 

كرر " هارون" جُملته بهمـلٍ حاسمًا أمره معها :
-يعني أنا مش هطلقك .. و أنسى الحديت ديه من راسك .

-ومين  قال لك أني هسمح بالجنان ده !! عرفكم ده في بلدكـم مش عليا .. 

-تؤ انسي !!

قاسم الرعب ملامحها وهي تنتفض وتتراجع للوراء لتتخذ نفسها بصعوبة بعيدًا عنه من وقع الصدمة :
-انسى أيه بالظبط  !؟

-أنسي الدِنيا كلها ومتفتكريش غير حاچة واحدة وبس .. هي أنك مراة هارون العزايزي .

••••••••••••••

~العزايـزة .

تكـدسـت المشاكل بالعزايزة لتتحول لكرة ملتهبة تحاصرها النيران من كل صوب وحدب ، كل بيت يخفي تحت سقفـه دخان حرائقـه من جُملة الكوارث المُحيطة .. أشعـل خبـر هروب " نجاة " البلدة بأكملها ، وأعلن أهلها وأولاد عمومتها قتـلتها هي ورؤف وانتشروا في ربوع البلدة يبحثون عنها .. وتضاعفت الأحداث بشكوى زينـة التي فجرت بقلب المجلس وقدمت الفيديو التسجيلي الخاص بحلقـة " ليلة " للمجلـس وترجت شيوخه بألا يكشفون أمرها .. فهي كل ما تُريـده عودة زوجها لبيتـه بعيدًا عن سُم هذه الحيـة ..

خرجت " صفيـة " من غُرفـة المخزن بعد ما حسبت قدر المحصول الذي يحتاجه البيت من القمح .. ألتقـت "بهلال" الذي يحمل بين يـده مائدة الفطار لزوجتـه ، فعلى صوت اعتراضها :

-خُد خُد .. أنتَ واخد الوكـل ديـه ورايح بيه على فين يا هلال ! 

رد بهدوئه الذي لم يخلٌ من ابتسامته التي لم تتناسب مع شرارة المواقف دائمًا :

-ديـه فطوري أنا ومرتي يامـا ..في أيه ؟!

صاحت بوجهه متمردة :
-وأنا معنديش حريم يطلع لها الفطور لغاية سريرها يا هلال !! والچلع ديـه مايلدش عليّ .. دي مش قِناية حريم تعيش في بيـوت . 

-دي مريضـة يا ما ، ولازمًا تتغذى زين !! أيه نچوعوها !! 

لوحت بكفها بضيق:
-مريضة وعيانة وميتانة منچلعوهاش يا ولدي ، يا وِلد بطني !! نغيروها .. المراة الصُح ما تستموتش قصاد چوزها .

ثم وشوشت له بنصـح :
-أسمع كلام أمك ، سيبك من السهتانـة دي وأچيب لك واحدة عفيـة تملي عيـنك وتشد حيلك .. تصـدق غوث بت النچعاوي برقبتها . 

تنهد دافنًا إهانة أمه بحق زوجتـه قائلًا بنبرته الاستفزازية :
-وأن چاءت من تملأ العين !! من أين نأتي بمن تملأ القلب يا صفيـة ؟! 

-سهله ، أچوزك التالتة والرابعة .. أهي واحدة تملى القلب والتانية تملا العقل واللي تملي العين .. ولدي قدها ، وسيبك من اللي مفهاش حيـل تملا كوباية ميـة دي ! 

هز رأسه مقتنعًا :
-رقيـة ماليـة حياتي كُلها ياما ، وفكك منها لوچه الله ، دي غلبانة ويتيمـة .

-والله ما حـد غلبان غيرك !بلفت عقلك. 

ثم شدت منه مائدة الطعام :
-وهات الوكل ديه ! مش هنچلعـوا الحريم أحنا ونمرعوها علينـا .. قولها تندلى تاكل وسطينا . 

-ما نچلعوهم ياما !! أحنا چايبينهم من بيت ناسهم نعذبوهم يعني !!

أبى أن يعطي له المائدة متقبلًا الأمر بمزاح ؛ فغير مجرى الحديث :
-وأنتِ مزعلة روحك ليه !! هو أبوي عمره ما چابلك وكل لغاية السرير ولا أيه !

رفعت أصبعيها بوجهه مستنكرة وهي تبث شكواها :
-ولا عمره عملها في حياته ، كنش يعملها غير لأحلام على طول سايقة العيا ، أما أنا كنت قوية ومش مستنية حاچة من حد !! لكن مش عارفة أبقى حما قوية للحريم المچلعة دي!! 

انضم " هيثم " لهما وهو يعبث بمفاتيـحه :
-حسكم عالي ليـه !! مالك بمولانا يا صفيـة .. ما تسيبي العريس في حاله . 

ثم تفقد الطعام وهو يلتهم قطعة من الخيار :
-لمين الوكل ديه !! ليّ ؟! 

حدجه هلال :
-خليـك في حالك أنتَ كمان مش ناقصاك !كفاية أمك .

-أنتوا عتقولوا أيه ؟! 
تدخلت صفية لتشكو لهيثم :
-احضرنا يا عاقل أنتَ يرضيك أخوك القيمة والسيما ديـه يطلع الوكل لغاية فوق لمرته !! ما تقول حاچة يا هيثم !! عقله ووعيه !! قوله مش عاوزين الحريم تركب وتدلدل فوق رووسنا . 

فأعقب هلال ليهرب من حصار أمه :
-وأنتَ يرضيك يا هيثـم أبوك ولا مرة عملها لأمك وكان تملي يعملها مع أحلام !!

ثم غمزه له وهو يتأهب للذهاب :
-شوف الموضوع ديه ولازمًا تحله .. 

عادت "زينة" من الباب ، ما رأها هلال انقلبت ملامح وجهه بامتعاض وولى ظهره مستغفرًا ربه كمـن رأي جنيـة .. دارت صفية إليها :

-يشندلك !! كُنتِ فين يا بت من صباحيـة ربنـا ومن غير ما تقولي لحد !

ارتبكت لتخفي سرها:
-كنت في الأجزخانة عچيب حاچة .. هطلع فوق بالأذن ياعمتي .

تسللت زينة بهدوء لتختفي من ساحة البيت بعد ما فجرت قنبلتـها بقلب المجلس ، نظر هيثم لأمه قائلًا :
-البت دي مالها !! وش الملايكـة دي مش لايق عليها !دي في مصيبة من تحت راسها!! 

-دي غلبـانة .. الدور والباقي على العقارب اللي چايبينهم أخواتك اللي چايين بالخراب !! ولما نشوفوا وقعتك أنتَ يا موكوس.. 

هز رأسه فارحًا :
-وقعتي چميـلة بأمر الله يا صفية ولون عينيها أخضر وهي اللي هتچيب لك من الآخر .. 

-والنعمة ما خايفة غير منك .. يابختك المايل في عيالك يا صفيـة . 

رن هاتف " هيثم " في هذه اللحظة ليجيب على الفور:
-قول يا مرسي !!

-ألحق يا سي هيثم ، وِلد الفاو متقدم للست چميلة وچايين يقروا الفاتحة الليلة … 

جحظت عينيه بتوعـد  :
-چيه لقضاه .

فصاحت صفية باختناق:
-كلم أخوك قوله يعاود يا هيثم ، أنا خلاص تعبت منيكم يا ولاد بطني . 

هتف هيثم مستنكرًا :
-ولا أعرف طريقه ياما .. 

~بغُرفـة هلال .

-مـاله هيثـم ، حـِسه عالي ليـه تحت ! 
اعتدلت رقية في نومتها وهي ترفع القربة الطبية عن بطنها والتي ابتاعها خصيصًا لها هلال بعد أداء صلاة الفجر ، قفل الباب خلفـه وهو يقول بمزاح :

-عاوز يبقـى عم ، معرفش مستعچل على أيه !! الواد ديه من يومه وهو متسربع حتى اتولد على ٧ شهور من السربعة بتاعته .. اتولد ناقص نمو وعقل .. 

قال جملته وهو يترك المائدة على الطاولـة الصغيره فصعقته بالجواب :
-كلها كام شهر وهيبقى عم ، هو نسى مراة أخوكم ولا أيه ! 

تجمدت ملامحـه :
-ااه مراة هاشم!! صح !! شكله نسى .. المهم يلا قـومي افطري قبل الوكل ما يُبـرد . 

ثم أتبع محذرًا :
-رقية ، زينة متعرفش حاچة عن مراة هاشم ، دول قالولها قريبة ليلة لغاية أبوي ما يشوف حل .

-ماليش حديت معاها ، دي بت تعبانة في راسها . 
وقفت بجسدها الهزل أمامه بحزن :
-وأنت معندكش حـل لأخوك ، حرام والله حالتهم تقطع القلب. 

تنهد بكلل :
-هاشم صعبهـا على روحه يا رقية ، متقفلة معاه من كُل ناحية ، بس آكيد هتتحل بس يعاود هارون وهنقعدوا نحلوها . 

بللت حلقهـا متفهمـة:
-أن شاء الله تلاقوا الحـل .. بس أنتَ چايب الوكـل بنفسك ليه تعبت بس. 

قسم الخبر بينهما ليأخذ نصفه ويمد لها النصف الأخر :
-تعبـك راحـة للقلب يا رقيـة .. اشربي اللبـن الأول يدفيكي . 

امتد كفها المرتجف من حِدة نظراتـه وهي تهز رأسها بالإيجاب فوقع عنها حجاب رأسها ،فلكت اللقمة بفمـه متفوهًا :

-يالله !! 

كان الكوب سيقع من يدها من شدة الارتباك ولكنه تلقاه بيده ليقول معاتبًا وهو يتأمل خصلاتها الحريرية المتدلية على وجهها :
-انتبهِ .. 

توقفت عن محاولة تغطية رأسها بدون خجل أمامه وتركته كما هو لتقول بحماس:

-النهاردة هعملك كيكة هتحبها قوي .. دي عشان أنتَ مسبتنيش طول الليل وفضلت قاعد چاري لغاية ما نمت .. يعني هقولك شكرًا بس بطريقتي . 

أشرق الفرح من وجهه:
-يابركة دعواتك يا صفية !

-عمتي صفية !! ليه قالت لك أيه عني ..

ارتشف رشفة صغيرة من الماء مستغفرًا بسره لكذبه الأبيض المتكرر  :
-قالت لي يا زين ما اخترت يا ولدي .

~بالحديقـة .

-مالها عمالة تتقفـل من كُل حِتة كِده يا أبو هارون!! قول لي ناوي تعمـل أيه مع هارون وهاشم وكملت بالبت نجاة ، وكمان البت نغم اللي راحت بيت الچباس دي  !!

أردفت " أحلام " جملتهـا بحيرة على مسامع خليفـة الذي أجرى مكالمة مع شخص مجهول بالنسـبة لمسامعها ، فتنهد مشتتًا :

-صديق مصمم يخلص على البت والواد .. وربنا يسـتر وما يلاقوهاش .. المهم طمنيني مراة هاشم عاملة ايه !!هي  اسمها ايه يا احلام !!

-اسمها رغد يا حچ ، والبت حالتها عدم ومسكينة وفضلت طول الليل تحكي لي عن حال ناس في البدو .. بس ما قولتليـش .. هتعمل معاها أيه ومع ولدك .. دي مش طايقاه وراسها وألف سيف يطلقها.

حملق النظـر بزوجته مُعلنًا :
-قبل أي شيء مچلس العزايزة لازمًا يتشال .

ضربت أحلام على صدرها بخوف:
-وديه هيتشال كيف!! دي الناس روحها في المچلس اللي فاتح بيوتهم يا حچ .. ولما يتشال مين يتولى أمر الناس اللي معندهاش لقمة عيش دي. 

-مفيش حد في العزايزة معندهوش اللي يكفيـه هو وعياله يا أحلام !! المچلس بيدوهم اللقمـة عشان يكونوا تحت طوعهم .. 

تشبثت بيد زوجها :
-في أيه في راسك يا حبيبي .. 

رفع جفونه إليـه :
-لازمًا نتصالحـوا مع بيت الچباس .. وبالخصوص بعد ما البت نغم قادت النار في قلوب عمامها وناويين على الشر .

فأردفت أحلام متوترة:
-دول واعرين و مقاطعين البلد بمچلسها ومعروفين أنهم متمردين على العزايزة كُلاً وو 

فتمتم بحسـم :
-يرچع هارون وهقوله نعمـلوا أيـه … 

أخرجت أحلام زفيـر الهم من صدرها :
-لازمًا تتحل قبل ما يعتروا على نچاة وولدها .. وقبل ما مراة ولدك تولد يا حچ ، والغلبان الطايح في بحري ديه ورا قلبه مش ناوي يرجع !!

وقف الحج خليفة مستندًا على عكازه وهو يقول آمرًا :
-أحلام ، كل البنات اللي عيشتغلوا هِنه مشيهم ، متخليش غير فردوس ، مش عاوزين سرنا حد يعرفوا .. 

~بغُرفـة أحلام . 

اقتحمت صفية حصون الغرفة بعد ما تأكدت من خلائها من أحلام لتغتنـم الفرصـة وهي تقفل الباب خلفـها ، اعتدلت رغد في جلستـها ؛ حتى انفجرت صفية قائلة :

-اسمعي يا بت أنتِ ، الحال المايل ديه ما يعچبنيش ، أنتِ من بكرة تاخدي بعضك وتروحي تشوفيكي مكان تاني بعيد عنينا ..

تركت رغد الريموت من يدها بصدمة :
-يعني أيه الكلام ده يا طنت ؟! أنا قاعدة هنا بأمر عمو الحج وو

قبضت صفية على معصمها وهي ترجها بعنفوان :
-شوية السهوكة دول ياكلوا مع هاشم اللي ضحكتي عليه وياكلوا مع ابوه كمنه قلبه طيب ، لكنهم مش عليّ .. سمعتي قولت لك أيه !! أنتِ لا من توبنا ولا شبهنا ولا عاوزين عيال منك … 

شدت رغد ذراعها بصعوبة وهي تتأوهه معارضة :
-ده حتى حفيدك !! أنتِ عايزاني أوديه فين وباباه عايش .. أموته !! ولا اكتبه باسم راجل تاني؟! 

-ماهو زي ما أنتِ خايفة على ولدك، أنا كمان خايفة على ولدي .. وحفيدي ديه هيچي ويچيب في رچليه الخراب .. أنا اخنقك بيدي أنتِ وولدك ولا أن ولدي يچراله حاچة من تحت راسك .. 

ثم أخذت تنزع في أساور يدها وتصبهم بكفوف رغد :
-عاوزة فلوس ودهب ، خدي .. خدي كل دول ، بس بعدي عن ولدي .. أنا معنديش استعداد أخسره ، انا چاية اكلمك بالمعروف قبل ما تشوفي الوش التاني لصفية ..

ألقت رغد الأساور على السرير بملل وهي ترمقها بنظرات الخِسة :
-وأنا مش جاية عشان فلوس ، أنا چاية عشان جوه بطني في دم ولحم جاي بارادة أبوه ، أنا محملتش من ورا ابنك ، هو بنفسه اللي كان عايز الولد ده .. وأنا مش هضحى بابني ولا هروح حتـه ، عشان أنا معملتش حاجة غلط اخاف منها ..

ثم تحدتها بجراءة وهي تضع كفها على بطنها  :
-اللي غلط ومحتاج يتعاقب بجد هو ابنك هاشم بيه .. مش أنا .. مش هلومك عشان أنتِ أم وأنا بدأت أحس بيكي وبمشاعرك واللي هيفكر يقرب من ابني أنا هقتله . 

قفل هاشم المكالمـة مع رؤوف بعد ما أبلغه عن أوضاع البلدة الثائرة ، فاقترب من " هاجر" التي كانت تكتب لشريف المختفي من ليلة أمس على الواتساب وما رأت أخيها فزعت قائلة :

-أنتَ زين يا أخوي وريني دراعك .. 

تجاهل اهتمامها وقال بعجـل :
-خليكِ هنهِ هخش لرغد وو 

وقفت أخته أمامه لتعترض طريقه :
-أمك عنديها چوة وقالت لي مخشش وو 

زاح أختـه من أمامه واندفع نحو الغرفة التي فتح بابها بدون استئذان، فوجد ثورة النيران متقدة بين الاثنيـن ، تأرجحت عينيه بقلق :
-في أيه ياما !! مالك بيها !

لملمت أساورها المرمية بعجلٍ وهي تقترب منه مختنقة :
-خلصنا من التُهمة دي قبل ما ريحتها تفوح ، محناش ناقصين هم يا ولدي .. 

أوقف أمه التي كادت أن تفارق الغرفة قائلًا بحسـم :
-رغد مرتي ياما ، غصبٍ عن عين أي حد .. خدي الباب في يدك وأنتِ طالعـة وحسابنا بعدين.  

دارت " رغـد " بوجهها عنه وهي تحملق بالسقف لتبتلع عِبراتها ، كي لا ينكشف ضعفهـا أمامه ، تأكد من إغلاق الباب ثم خطى بمهـلٍ لعندها مردفًا :

-رغـد .. بصي لي .. 

احتدت نبرتها وهي تصرخ عليـه :
-أطلع بره يا هاشم مش طايقاك ولا طايقة حتى ريحتك .. ولا جاي تكمل كلام مامتك !! عايزني أمشي مش كده !! 

‏لكل إنسان مهما بلغ من الحُب فله طاقة محدودة من تحمل الأذى -بمعناه الواسع- وقد يأسرك فيه تغافله، فهو لم يعد محملا تجاهك بالودّ والشوق ككل مرة، لكنك ستبحث يومًا ما خلفك، وستجده أيضًا بقدر حبه إلا أنه يتحاشاك، وهذا هو ردّه .. خطى ليقف أمامها متغاضيًا عن طردها :

-وحشتيني …. 

تراجعت للوراء رافضة أن يلمسها:
-متلمسنيش ، ولو سمحت كلامنا منتهي ، كفاية ، كفايـة يا هاشـم لحد كده.

-هو أيه اللي كفاية !! ما تحطي نفسك مكاني يا رغد !! عايزاني أعمل أيه؟ 

صرخت عليه بحرقه وخيبة الأمل تحرق قلبها :
-تعمـل أي حاجة إلا أنك كنت تستغنى عني وتسيبني ، إلا أنك تتجي وتتجوز عليا وترميني بالرخص ده .. عايز تعرف كان لازم تعمل ايه !! كان لازم تواجهني ونتملم ونشوف حل ، مش يمكن أنا اللي انسحب واعفيك وقتها !! أهون من أنك تسيبني !! 

ثم ضربته بقبضتها المغلولة منه والبكاء يسيل من عيونها :
-أنتَ محبتنيش يا هاشم ، أنا كُنت بالنسبـة لك ساعتين حلال على السرير بتقضيهم وتختفي بالشهور .. أنت لو حبتني مكنتش هتخليني اشوف الإهانة دي كلها .. انا لولا اللي في بطني كنت هموت نفسي عشان ارتاح من الدنيا دي وارتاح منك وارتاح من قلبي اللي في يوم حـب واحد أناني زيك .. هاه عايز أيه مني !! بص في عيني وقول لي مستني أيه !! 

حرقت قلبـه بحالتها المحزنة وهي تشكو منه إليه :
-رغد بلاش تعملي في روحك كِده كله هيتحل بس أهدي ونتكلمو بالعقل !! 

حاول أن يضمها لصدرها ولكنها أعلنت رفضها له صارخة :
-بقول لك متلمسنيش يا هاشم ، أنا بكرهك ، ولعلمـك البيبي اللي جاي ده أنتَ علاقتك بيـه هتكون مجرد اسم في شهادة ميلاد ، لكن أنت مش هتشوفه ولا هتربيه ، أنا هفهمه أن باباه مات من اليوم اللي قتلني فيه .. مش عايز تروح تتجوز روح اتجوز وانسانا ، انسانا واطلع من حياتنا يا هاشم . 

حك جدائل شعره متأففًا ومندفعًا بلهجته الصعيديـة :
-يعني أيه اللي عتقوليه ديه !! أنتِ لساتك مرتي واللي في بطنك ديه ولدي .. 

حدجته بآهات موجعـة :
-والله !! مراتك !! لسه فاكر ؟! ويا ترى مراتك حبيبتك أم ابنك .. ولا راجع لمراتك اللي تنام في حضنها كام ساعة وتختفي تاني !! قولي !! أنا أيه واحدة فيهم !! 

ثم أطلقت ضحكـة ساخرة :
-ماتبصليش كده، الإجابة باينة زي الشمس يا حضرة الظابط .. عايزة أقولك أنسى أنا أه مراتك بس ده في خيالك وبس يا هاشم .. اللي بيني وبينك ابني وبس غير كده أنا مش عايزة أشوفك ، اطلع برة ومتحاولش تكلمني تاني .. عشان كل ما بشوفك بشوف خيبة أملى وكسرة قلبي فيك!! يا خسارة يا هاشم .. 

•••••••••••

~القـاهــرة . 

-ده بيهددني يا رشيدي !! الولد ده مش سهل وأحنا لازم نقف له !! أنا مش هستنى لما يروح يبلغ عني!!

انفجرت " ناديـة " بجملتها الآخيرة والرعب يتقاذف من عينيها، فتدخل رشدي معاتبًا :

-تقومي تسحبي البلاغ يا ناديه !! ليـه ؟! ليـه تعمـلي كده !! خوفتي من تهديده !!معقولـة !! 

فأعقب شريف الذي قطع المسافات على وجهه ليلحق جملة المصائب الغارق فيها كل من أبيه ونادية :

-هو الجدع ده عايـز مننا أيه ولا وقع في طريقنا من أي مصيبة !! على فكرة اللي عملته طنت نادية صح !! ده دماغه داهية وأحنا مش عارفين ممكن يكون بيفكر ازاي دلوقتي!! كده أحنـا كسبنـا وقت . 

رفع رشدي أصبعـه مؤيدًا حديث ابنه :
-أحنا لازم نكون سابقين بخـطوة ، ولازم نقفـل في وشـه كل السكك اللي تمكنـه من ليلة !!

توقفت نادية والرعب يتقاذف من ملامحها :
-بتفكر في ايه يا رشدي!!

فأتبع شريف والغضب يتطاير من مُقلتيـه :
-أنا هوديه في ستيـن داهية .. وهفضحهم كلهم .. وهخلي سمعة العزايزة في الأرض .

حرك رشدي أصبع سيجارته مُشيرًا نحو هدفه :
-يبقى الاول لازم يبقى في عقد جواز بينك وبين ليـلة بتاريخ قـديم ، وبناءً عليـه أحنا هننسف اللي اسمه هارون ده من على وش الأرض ….. للأسف هو اللي اختار اللعب مع اللي مش أده . 

~بشقـة العـم حسـن .

-تعالــى ألحقي يا هيام ، وشوفي أخوكِ ده بيقول أيه!

فرت " ليلة" من الغرفة لتقتحـم المطبخ الذي تقف به هيام تعد وجبة الفطار لهم ، فتركت عُلبة الحليب المغلفة من يدها تتساءل :

-ماله هارون !! حصل أيه ؟! 

تابع هارون خُطاها وهو يقتحم المطبـخ متجاهلًا ثرثرتها ليعد فنجـان قهوتـه ، فوقفت ليلة على مراجـل من نار تشكو لها بنبرة موشكة على البكـاء :

-بيقـول لي أنه مش هيطلقني ، عشان عندكم مفيش طلاق..

أتبع هارون من الجهة الأخرى وهو يحضر قهوته :
-قوليـلها يا هيام مفيش عندينا طلاق .. يكش تهدى . 

ردت هيام مغلوبة على أمرها :
-والله يا أخوي لا في عندنا چواز ولا طلاق في حالتك دي.. 

اتسعت عيني ليـلة :
-يعني أيـه يا هيام !! ده ضحك عليـا واستغلني ، هو ده جزاتي عشان مرضتش أخليه يتحبس ، بليـز قوليـلو يطلقني . 

ألقت نظرة حائرة على أخيها الذي وضع قهوته على النار وقالت متحيرة إثر تظرة أخيها القاطعـة :

-مش هو قال لك مفيش طلاق عندينا ..اسمعي الكلام. 

زفرت بضـيقٍ : 
-لو طبقنا قانونكم بقا وانتِ أهو قولتـي مفيش جواز ، يعني جوازنا باطل يعني أنا أصلا كده مش مراته ، يعني أنا مطلقة !! أنتوا عايزين تجننوني صح !! ما تقول حاجة أنتَ محامي أزاي !! 

تدخل هارون بعد ما أعد لها فنجان من القهوة معه وقال ساخرًا :
-أنتِ اللي عاوزة تچنني روحك. 

رفعت كفها بوجهه كي تضع له حدًا :
-أنا كلامي مع هيام ، هيام من فضلك قوليلو ملهوش دعوة بيا ولو مطلقنيش أنا هنزل بنفسي ابلغ عنه وأقول أنه خطفني ومضاني بالقوة على ورقة الجواز دي .

تحمحم بحزم وهو يراقب فوران قهوته :
-هيام فهميها معندناش حريم تنزل من غير إذن چوزاتها .. وخليها تلم دورها . 

صرخت عليه ليلة :
-هيام أنتِ ساكتة ليه !! ما تتكلمي مع أخوكي ده اللي محدش بيعرف بتفاهم معاه أبدًا.

وجدت هيام نفسها بالمنتصف بين الثنائي لتصيح شاكية :
-بالحال ديه أنتـوا اللي هتچننوني معاكم .. چرالكم أيه !! في أيه يا أخوي .. 

ثم انقذها صوت الهاتف :
-يا فرچ الله محمولي بيرن هشوف مين !!

هتف هارون مؤكدًا:
-لو حد من البيت ردي عليه و قوليلو راچعين الليلة .. متزوديش يا هيام . 

ركضت هيام من المطبخ فوجدت ليلة بمفردها في مواجـهة الأسد ، اقتربت منه بخطوات سُحلفية :
-أنت بتقول كده عشان بتهزر معايـا وبس ! لكن أنتَ عادي هتطلقني أول ما المشكلة تخلص . 

ألقى نظرة على الفقاقيع الصغيرة المحيطة بوجه القهوة ومثلها عينيها المقمرة التي تحدثه بهما ليقول :

-أنا مابحبش الست اللي تچادلني .. قولت مفيش طلاق .. وشيلي الفكرة من راسك .

تمسكت بشعرها مغلولـة :
-بطل بقا الاسلوب الاستفزازي ده !! فهمني ليه مش عايز تطلقني يعني؟! أيه غير رأيك من امبارح للنهـاردة! 

دنى منها آخر خطوة فاصلة بينهما ليقول بخفوت وعينيه تنيرين صدرها :
-اكتشفت أن ‏في حاچات كِدِه  اتخلقت مع الحياة عشان تحيينا معاها ، شمس هوا ميـه .. حضنك مثلًا .

بللت حلقها :
-أنتَ مجاوبتش على فكرة !! ليه مش عايزة تطلقني!

تدلت جفونه لمستواها متهامسًا :
-عچبتني النـومة في حضنك .. 

اهتزت أمامه باضطرابٍ:
-حضن مين !! حضني أنا عجبك !!

اسلوبها الطفولي أشعل لهيب العشق بقلب رجل يتوق لفض غشاء البراءة عن وجهها وليحولها من طفلة مدللة لأنثى مجرمـة في ساحة حـبه ، مط شفته وهو يطوق خصرها بلهفة هادئة :

-ولساتك كمان قايـلة أن حضني طلع حنيـن وو

أومأت بتيه في سماء قربه :
-زي حضن بابا بالظبط… 

-أديكي قولتيـها ، يبقى ليه نطلقـوا ؟!

-وليه ما نطلقش ؟!

روض ثغرها على رائحة القُبـل وهو يعلنـها صراحة :
-عشان نويت من الحضن ديه مش هخلف غيـر عيالي ..   

فتاة لا تعرف الكثير عن الحب ، مصدرها الوحيد كان أفلام أبيض وأسود ، لِمَ لم يخبرها أحد من قبل بأنه عبارة عن دينامو كهربي يتوصل بأطراف القلب ليمد الجسد بأكمله بطاقات عجيبـة، عاد لها رشدها فجاة وهي تتحرر من يده مع ضربة قوية على صدره وتتهمه قائلة  :

-على فكرة أنتَ طلعت قليل الأدب .. عيب اللي أنت بتقـوله ده .

فارت قهوته وفرت قطته من بين يده ، فلم يطل بلح البُن ولا عنب الحُب ..  قفل المقود مناديًا على أخته:
-تعالي يا هيام ألحقي….. 

تحرك متبعًا خُطى ليلة نحو الغرفة التي توارت بالحمام وصفعت الباب خلفها بقوة ، تمتم لنفسه :
-وماله !! خبطي ورزعي براحتك هو مال أبونا ..

ثم التفت لرنيـن هاتفه ، فكان من أخد الخفر اعينه الخفية بالمجلس ليخبره قائلًا: 

-ألحق يا عُمـدة ؛ الست زينة چات المچلس واشتكت عليـك وقالت أنك لامؤاخذة لايفـة عليك بت من بتوع بحـري …..البلد قايدة حريقة يا عمدة لازمًا تاچي. 

••••••••••• 

 •تابع الفصل التالي "رواية آصرة العزايزه الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent