رواية حب رحيم الفصل العشرون 20 - بقلم سمر عمر
المشهد 20 " إتهام.. "
وضعته أعلى المنضدة ثم جلست على الفراش و رحيم مستحوذًا على عقلها وقلبها بالكامل.. تتذكر له كل شيء جميل فقط لم يخيل لها يومًا أن قلبه قاسي لهذه الدرجة..
استندت برأسها إلى السرير مغلقة عيناها وبعد دقائق دق الباب لتنظر إليه بوهن وفتحت جدتها الباب ليدخل كلا من ريان وأشرقت فاتسع فاها بسعادة وفردت ذراعيها إليهم.. فصعد الإثنان إلى الفراش لتحتضنهم ندى بشدة وقبلت كلًا منهم على وجنته.. تنهدت جدتها بضجر بينما دخلت السيدة وفيه وجلست عند نهاية الفراش وتبادل الإثنان الحديث ثم تحدثت ندى مع الطفلان كثيرًا وتناقشت معهما.. عادت جدتها حاملة صينية العصير فنهضت السيدة وفيه لتأخذها منها وهي تقول :
-مكنش في داعي تتعبي نفسك
لتقول بحزن :
-تعبك راحة
ثم جلست على مقعد خشبي بينما وضعت وفيه الصينية أعلى المنضدة المجاورة إلى الفراش وناولت كوب إلى أشرقت ثم إلى ريان ثم أخذت كوب وجلست مكانها تتناول العصير وتتحدث مع جدة ندى ..بعد أن انتهت أشرقت من نصف كوب العصير وضعته أعلى الصينية ثم نظرت إلى ندى وتساءلت بحزن :
-مش هتيجي تاني ؟
مسحت على شعرها وابتسمت باضطراب وهي تقول :
-بس أخف وهرجعلكم تاني.. وبعدين احتمال أسافر اتعالج بره
اضطرت للكذب عليهم حتى لا تبقى في نظرهم مثل والدتهم التي تركتهم دون سابق إنذار ..قال ريان بحزن طفولي :
-يعني مش هنشوفك تاني
-هكلمكم كل يوم فيديو ..و أول ما اخف هجيلكم على طول
عقد بين حاجبيه بحزن ومد يده بكوب العصير الذي لم يأخذ منه سوى القليل فطلبت ندى أن يكمل شربه لكنه رفض ..فأخذت الكوب وضعته أعلى المنضدة ثم ضمتهم إليها وقبلت كلًا من ريان وأشرقت على رأسهم ..بعد نصف ساعة تقريبًا استأذنت السيدة وفيه فتشبثت أشرقت في ذراع ندى وقالت بحزن :
-أنا هقعد مع ندى
احتضنتها ندى بشدة وقالت بنبرة هادئة لتخبئ الحزن خلفها :
-حبيبتي أنا هكلمكم كل يوم
قالت السيدة وفيه مبتسمة :
-يلا عشان بابا رحيم زمانه وصل
انتفض بدنها بمجرد أن سمعت أسمه ونظرت إليها بلهفة وتساءلت بتوتر شديد :
-هو ..ر رحيم هيجي هنا ؟
لتنظر جدتها إليها بحده فيما أجابت وفيه ببساطة :
-أه ما هو اللي جايبنا ..وقالي نص ساعة وهاجي و..
قاطع حديثها رنة هاتفها فأخرجته من حقيبة يدها الصغيرة لترى أسم رحيم فأغلقت المكالمة وقالت :
-اهو وصل
تجمعت الدموع حول مقلتيها وقبلت كلًا من ريان وأشرقت واحتضنتهم لتودعهما ثم تساءلت :
-هو عرف اني تعبانه ؟
كادت أن تجيب عليها ألا أن جدتها قالت بعصبية :
-يهمك في إيه إجابة السؤال ده ..أنتِ لسه بتسألي بعد اللي عمله فيكِ
جحظت عيناها في دهشة فنظرت السيدة وفيه إليها بدهشة لا تقل عن دهشة ندى وتساءلت بعدم فهم :
-هو عمل إيه ؟! ..أنا مش فاهمة حاجة
لتقول ندى مسرعة :
-ولا حاجة ..اختلفت معاه بس على موضوع الشغل وإني هسيبه لحد ما اتعالج
لتنظر وفيه إليها بعدم تصديق ثم تحدثت بصوت منخفض :
-الف سلامة عليكِ يا حبيبتي
ثم استعجلت الأولاد بعد أن رن رحيم عليها ثانية لتودعهم ندى بالعناق والقبلات ثم تركتهم يرحلون وذهبت الجدة معهم حتى خرجوا من الشقة ثم أغلقت الباب وعادت إلى ندى.. فقالت بعتاب :
-ليه كده يا نانا ..أنا مش عايزة حد يعرف حاجة
-ماشي يا ندى ..وأنا عايزاكِ تبطلي تفكير فيه وتفكري في نفسك
انتهت من حديثها وخرجت مغلقة الباب خلفها.. تنهدت بعمق ثم تناولت الهاتف واتصلت على صديقتها لتتحدث معها لعلها تتوقف عن التفكير في رحيم.. طالت المكالمة بينهم حتى مضت ربع ساعة دون أن يشعرون لتستمع بعدها إلى جرس الباب ..وبعد لحظات دق الباب ثم دخل والدها فتفاجأت به ثم أنهت المكالمة مع صديقتها ونظرت إليه في توجس ..جلس على حافة الفراش وقال بحنان مصطنع :
-أنا أسف يا ندى ..أنا غلطت في حقك كتير..
عقدت بين حاجبيها تتأمله في تعجب وهو متابع بهدوء :
-اتمنى تيجي تقعدي معايا لو يومين بس يا ندى ..أعوضك فيهم عن كل حاجة
اومأت بالنفي عدة مرات ثم تحدثت بهدوء :
-أنا أسفه يا بابا أنا مرتاحه هنا
لينظر إليها بحزن واضعًا يده على ذراعها بحنان وقال بترجي :
-طب النهاردة بس يا ندى.. تعالي أقعدي معايا أنا مريض وأيامي بقت معدودة
رفعت مقلتيها للأعلى تتنهد بسأم وقالت من بين أسنانها :
-بعيد الشر على حضرتك
ابتسمت شفتيه وقال :
-هتيجي معايا.. النهاردة بس
نظرت إلى عيناه بترقب باحثة عن الأمان داخلهما لكنها لم تجد أبدًا لكنه والدها ولابد أن ترضى بهذا الأمر.. أومأت بالموافقة وطلبت منه ينتظرها في الخارج فنهض عن الفراش وقبلها على رأسها ثم خرج مغلقًا الباب خلفه.. أزاحت الغطاء عنها بسأم ثم نهضت لتبدل ثيابها وخرجت.. ودعت جدتها ثم ذهبت برفقة أبيها وهي تشعر بالخوف لكنها لا تود أن تظلمه فكان حنين معها للغاية
***
عند وصوله صف السيارة أمام باب الفيلا وقال مبتسمًا :
-نورت بيتك يا بنتي
أدارت رأسها ناحيته ببطء لتنظر إليه في دهشة ثم رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها فربت على وجنتها برفق ثم ترجل من السيارة واتجه نحو الباب ..وقف يفتح الباب والتفت إلى ندى ليراها مازالت داخل السيارة تنهد بعمق ثم نادى عليها لتفيق من شرودها على صوته وترجلت ودلفت إلى المنزل تنظر حولها لتشعر بذلك الاختناق الذي يصيبها دائمًا بمجرد أن تدخل هذا المنزل..
التفتت إلى والدها تنظر إليه بتمعن ثم تساءلت بفضول :
-حضرتك قتلت والد رحيم ازاي ؟
عقد ذراعيه أمام صدره وقال بصدق :
-مكنش قصدي ..ولا كان في نيتي اقتله
ميلت بشفتيها جانبًا ثم طرحت عليه السؤال ثانية ليجيب عليها بوضوح :
-كان بينا شغل ..لما لقيت المصنع بتاعه بيجيب فلوس فتحت أنا كمان مصنع ازاز وهو بصراحة ساعدني كتير لكن قي يوم اختلفت معاه في بعض الأمور.. وطبعا علشان هو قديم في السوق كان بيشتغل أكتر مني..
مسح على جبينه وتنحنح بخفه ثم تابع بسأم :
-عرفت بالصدفة أنه هيصدر كمية ازاز بمبلغ خمستاشر مليون جنيه.. العربية اللي كانت بتنقل الازاز بعتلها ناس بعربية أكبر وقعتها وكل الازاز اتكسر..
حدقت ندى به بينما هو زم شفتيه وتحدث بحده :
-الغريبة أنه متهزش وأستعوضهم عند ربنا ..جت فترة هو تعب اوي وبطل يجي المصنع وكل يوم اسأل جه النهار ده ولا لاء ..لحد ما وصل المصنع أخيرًا دخلت المكتب واتكلمت معا كان فعلًا باين عليه التعب ..طلبت منه شحنة ازاز رفض علشان طلع عارف إني أنا السبب في شحنة الازاز اللي اتكسرت ..حسيت إني مضايق وأنه ازاي ناجح في شغله كده وأنا مش عارف محستش بنفسي غير وأنا قايم ومسكت رقبته جامد و زعقت وقلتله هتديني الشحنة غصب عنك.. لقيته بيطلع في الروح وفجأة لقيت مختار دخل المكتب و جري عليه وأنا سبتهم ومشيت
أبتلعت لعابها بصوت مسموع وقالت بألم :
-قتلت ماما من غير قصد وقتلت صاحبك من غير قصد ..خايفة يجي يوم تقول للناس قتلت بنتي غصب عني
أقترب منها ومسك بذراعيها وقال بحزن :
-ندى أنتِ بنتي اللي طلعت بيها من الدنيا ..متقوليش كده تاني
ثم أحاط كتفها بذراعه وأصطحابها إلى الطابق العلوي ثم فتح غرفتها وقال بهدوء :
-وحشتي أوضتك
نظرت إليه بعدم ارتياح لتضع يدها على مقدمة صدرها وقالت بهدوء :
-بابا أنا هقضي اليوم دا بس معاك و أمشي..
قبض على مرفقها لتنظر إلى يده متأوه بخفة ثم دخل الغرفة ساحبا إياها خلفه.. تفاجأت بإثنان من الممرضين وحارس فأخذت تنقل ببصرها بينهم وتساءلت بنبرة مرتعشة :
-في أي يا بابا ؟ ..مين دول ؟..
أشار إلى الحرس يقترب لينفذ رغبته فورًا ومسك بذراعيها وضعهما خلف ظهرها فأخذت تلتوي لعلها تحرر نفسها لكنه كان أقوى منها.. تقدمت إحدى الممرضات نحوها وهي تفرغ القليل من الحقنه فاتسعت عيني ندى وتساءلت بصراخ هستيري :
-انتوا هتعملوا فيا إيه ؟! ..في إيه يا بابا ؟
طعنتها الممرضة في كتفها فصرخت ندى ببكاء وبعد لحظات هدأت تدريجيًا وأصبحت الرؤية مشوهه أمامها فحملها ذلك الحرس و وضعها على الفراش ثم خرج مغلقًا الباب خلفه.. أقترب منها و وقف جوار الفراش ينظر إليها رآها تحرك رأسها في كلا الاتجاهين وتهمس بكلمات غير مفهومة ثم أنتقل ببصره بين الممرضتين قائلًا :
-أنا عايزها كده وفي حالة من الفوضى لما الظابط يجي
لتقول أحدهما :
-متقلقش يا بيه الحقنه دي مخدر هتخليها كده على طول
***
" فيلا رحيم.."
جلس أمام المكتب وقام بفتح شاشة الحاسوب لينظر إلى صورة ندى وأخذ يمرر أنامله عليها وتتحرك شفتيه فقط دون صوت بكلمة " وحشتيني " رفع عيناه عن الحاسوب ليرى باب المكتب الذي كانت تدخل من خلاله تحمل فنجان القهوة بإبتسامتها الرقيقة فيضرب على المكتب بقبضة يده بقوة وحمل مستند عشوائي وقذف به جانبًا من كثرة غضبه.. فحقًا تركت فراغ كبير وذلك الفراغ حقا سيجعله يجن..
استند بجبينه على قبضة يده ويده الأخرى على صدره يومئ بالنفي بخفة ..أخذ يحدث نفسه عن ذلك الفراغ الحاد الذي تركته فكان يستمع إلى صوت ضحكاتها كل فنينه وأخرى ..فاق من شروده على صوت دقات الباب فأذن بالدخول بصوت مهلك لتدخل السيدة وفيه حاملة فنجان القهوة فقام بإغلاق شاشة الحاسوب حتى لا ترى الصورة.. وضعت صينية القهوة أعلى المكتب ثم نظرت إليه بحزن وتساءلت دون مقدمات :
-أنت عملت إيه في ندى يا بني ؟..
رفع رأسه إليها فحدقت به في صدمة عندما رأت وجنتيه ممتلئة بدموع الألم فتساءلت بهلع :
-مالك يا بني فيك إيه ؟
نهض واقفًا وهو يلهث بقوة وقال بعصبية مفرطة :
-فيا جحيم الدنيا والآخرة ..مكنتش متخيل أنها هتسيب فراغ كبير بالشكل ده
قالت بتوتر :
-طب اهدى واحكيلي على اللي حصل وممكن اروحلها
ضرب على صدره الصلب بقوة وهو يقول بنبرة مؤلمة تخرج بدماء قلبه :
-اللي كسرته في ندى عمره ما هيتصلح ..أنا بجد مش قادر أعيش كل ثانية بتعدي عليا بحس بوجع طلوع الروح من الجسد..
وجدت نفسها تبكي على حاله وهو يجز على أضراسه بقوة وأخذ يضرب على المكتب بقبضتي يديه وهو يصرخ بنبرة خشنة رجولية لعل الألم يخرج من جسده ولو لدقائق.. ثم حمل فنجان القهوة وقذف به في الحائط وازاح كل شيء أعلى المكتب ليسقط على الأرض ثم غادر الغرفة بخطوات سريعة وصعد إلى غرفته مغلقًا الباب خلفه بقوة..
وقف أمام الشرفة واضعًا يديه على رأسه من الخلف ويلهث بصوت مسموع ثم رفع رأسه للأعلى وقال بنبرة اهلكتها الألم :
-أه يا ندى..
ثم أغمض عينيه يجز أضراسه ويحرك رأسه في كلا الاتجاهين بعدم استيعاب لفكرة بعدها عن قلبه.. ليتذكر حينما دخلت إلى الغرفة واحتضنته من الخلف لتهون عليه غضبه من شقيقه ..وأخذ يتذكر كل شيء حدث بينهم ليعصر قبضته والندم يشبه أسهم آتيه من نيران الجحيم تخترق هدفها جيدًا وهو القلب ليشعر بألم حاد في جسده بالكامل وجلس على حافة الفراش واضعًا رأسه بين يديه مغلقا عيناه بقوة..
بعد لحظات دق الباب فأذن بالدخول لتفتح السيدة وفيه الباب وقالت بقلق :
-في ظابط تحت عايزك
عقد بين حاجبيه في دهشة ثم زفر بهدوء ونهض متجه نحو الباب من ثم هبط إلى الطابق السفلي واتجه نحو الباب وخرج ليجد الضابط في انتظاره وتساءل بصوت مبحوح :
-خير ؟
-خير يا مستر رحيم.. حضرتك مطلوب في القسم ..ولما تيجي معانا هتعرف كل حاجة
مسح على شعره من الأمام إلى الخلف و ذهب معه فقام الضابط بفتح الباب الخلفي لسيارة الشرطة الملاكي ليدخل ثم جلس بجواره وغادرت السيارة.. خرجت السيدة وفيه تنظر إلى السيارات في دهشة ثم دخلت مغلقة الباب خلفها وهي تقول بتوجس :
-استرها معانا يا رب
ثم أتصلت على علاء وأخبرته بما حدث الأن ..كان سيذهب إلى المطار لكنه تراجع وغير مساره من أجل شقيقه.. وبعد نصف ساعة تقريبًا رن جرس الباب فركضت إليه وقامت بفتحه لتجد الأمن ومعه شاب فتساءلت :
-أنت مين ؟
قال بثبات :
-أنا شريف بعتني مستر رحيم اجيبله ورقة مهمة من مكتبه عشان هتفيده في التحقيق
أذنت له بالدخول وأخذته إلى المكتب فدخل وبدأ يبحث في ادراج المكتب ويفحص جميع المستندات حتى وجد ورقة الزواج والطلاق ثم وضعهما في جيبي سرواله فتساءلت بلهفة :
-لقيت الورقة ؟
-أيوه لقيتها ..همشي بقى علشان متأخرش عليه
خرج على وجه السرعة بينما هي جلست على الأريكة تدعو له وقالت ببكاء :
-يا رب ..يا رب
***
" في القسم.."
دخل رحيم وصافح الضابط ثم جلس على المقعد المجاور للمكتب وتفاجأ بوالد ندى الذي يجلس على المقعد المقابل له وينظر إليه بلؤم ..بينما قال المحقق :
-الاستاذ رؤوف الشاذلي بيقول أنك قمت بالاعتداء على بنته وانك كنت بتحطلها مخدر عشان تعمل ده بدون مقاومة منها..
حملق به في دهشة وهو متابع :
-وآخر مره قمت بالاعتداء عليها كانت في وعيها وحاولت تقاومك
تحدث في حده مفرطة :
-ماحصلش ..أنا وندى كنا متجوزين وممكن تسألها بنفسك
-طبعا أنا طلبت شهادة أستاذة ندى و روحت بنفسي لقيتها في حالة من الصدمة..
ثم تناول ورقة ومد يده بها ليأخذها رحيم يفحصها وهو متابع :
-ودا تصريح من الدكتور المعالج بيثبت أن الكلام دا صح وان هي كانت فعلًا في المستشفى
وضع الورقة لينظر إلى والدها بنظرات من نار الجحيم وقال بصوت عنيف :
-أنا و ندى كنا متجوزين ..و قسيمة الجواز في البيت
-قسيمة الجواز الوحيدة اللي هتثبت براءتك
زفر رحيم بهدوء وهو ينظر إلى الفراغ بينما كان الضابط سيقوم بإرسال من يفتش منزل رحيم لينظر إليه وقال بحنق :
-لو سمحت مفيش داعي أنا عندي أولاد ممكن يخافوا ..أنا عارف مكانها وهكلم أخويا يجبها بنفسه
وافق على رغبته فأخرج رحيم الهاتف من جيب سرواله واتصل على شقيقه فأجاب عليه فورًا وطلب رحيم منه قسيمة الجواز.. لينظر علاء إلى السيدة وفيه في دهشة متسائلًا :
-أنت اتجوزت ندى ؟
جز على أسنانه وقال بحده :
-بعدين يا علاء ..لازم تجيب قسيمة الجواز أو الطلاق
ثم أخبره بمكانهم ودخل علاء المكتب يبحث عنهم في كل مكان وليس لهم أي أثر ليهاتف رحيم ثانية ويخبره بعدم وجودهم لتخبره السيدة وفيه عن ذلك الشاب الذي جاء إلى هنا.. فنظر رحيم إلى ذلك الشيطان الجالس أمامه ليرى ابتسامة خبيثة على ثغرة وعلم أنه وراء اختفاء الأوراق.. أنهى معه المكالمة بعد أن طلب منه أن يأتي ومعه المحامي ..ثم أخبره رحيم بمكان المأذون الذي كتب عنده الكتاب ليرسل الضابط قوة إليه
..بعد نصف ساعة تقريبا عاد الضابط ومعه مستند كبير وضعه أمامه ثم تحدث :
-المأذون اتوفى امبارح..
لينظر رحيم إلى الضابط في دهشة وهو متابع :
-دورنا عن نسخة من قسيمة الجواز ملقناش ودا ملف في جميع الجوازات اللي تمت
وأخذ يفحص الملف لعله يجد شيء يثبت أن حديث رحيم صحيحًا لكنه لم يجد فنظر إليه بأسف وقال :
-للأسف مستر رحيم لازم نقفل المحضر وحضرتك تتعرض على النيابة بعدين المحكمة
قال والدها بتأكيد :
-وأنا بطلب أن الجلسة تبقى علنية علشان يبقى عبره للي زيه
جحظت عيني رحيم وقال في ذهول :
-أنا في حياتي عمري ما شفت أبشع منك ..أنت قبل ما تسوء سمعتي بتسوء سمعة بنتك
تنحنح بخفة ثم نهض وقال بحده :
-اتمنى القانون يجيب حق بنتي
ثم استأذن وغادر لينظر رحيم إلى الضابط وقال بتأكيد :
-صدقني الراجل دا كداب ..ندى كانت بتشتغل عندي مربية للأولاد وعلاقتنا كانت كويسه جدًا ..وأنا مستحيل أعمل كده.. حضرتك عارف إني راجل أعمال معروف وليا سمعتي
-مفيش حاجة تثبت كلامك وشاهد واحد مش كفاية يا مستر رحيم ..دا غير أن البنت فعلًا في حالة صعبه جدا وأثار العنف على رقبتها وجسمها و وشها
نظر إلى الأمام في ذهول وهمس في توجس :
-القذر دا عمل فيها إيه ؟
بعد دقائق وصل علاء برفقة المحامي ودخل يطمئن على شقيقه.. بينما صافح المحامي الضابط وطلب أن يعطيهم بعض من الخصوصية وافق فورًا وخرج من الغرفة مغلقَا الباب خلفه ..جلس المحامي على المقعد المقابل لرحيم فقال رحيم بعصبية :
-لازم تشوف حل ..دي سمعة ندى
قال علاء متعجبًا :
-فكر في نفسك الأول أنت ممكن تتأذي في شغلك
ليقول بحده مفرطة :
-أنا متهمنيش سمعتي المهم عندي ندى
أخرج المحامي ملف وضعه أعلى المنضدة الصغيرة التي بينهم وقال :
-الحقير بعتلي الأوراق دي وقالي عايزني أتنازل عن القضية رحيم يمضي على الأوراق دي..
تناول الملف وفحص أوراقه سريعًا والمحامي متابع :
-دي أوراق تثبت إنك بتاجر في المخدرات وتجارة الاعضاء ..شكله عارف أنت بتحب ندى قد إيه وأنك هدافع عن شرفها
تناول القلم دون تفكير وكاد أن يمضي على الأوراق ألا أن المحامي سحب تلك الأوراق وتساءل في دهشة :
-هتمضي يا رحيم ؟
لينظر إليه مقطب جبينه وقال ببحة صوته الرجولية :
-طبعًا همضي ..أنا مستعد أعمل أي حاجة علشان ندى ..مستعد أمضي على إني موافق اترمي في النار بس محدش يهنها أو ينطق أسمها على لسانه.. حتى لو كان أبوها القذر
-بس أنت كده هتروح في داهية
أومأ على أنه يعلم هذا جيدًا ثم تحدث بصوت مبحوح :
-دي ندى.. اروح في داهية بس هي تبقى في أمان..
ثم مضى على الأوراق دون تردد وحملها ليمد يده بها إلى المحامي وقال بتأكيد :
-أنا أنقذت شرف ندى ومتأكد أن هي اللي هتنقذني
أخذ الملف وضعه في الحقيبة ثم ربت على ركبته وقال :
-متقلقش الموضوع ده مش هيطول
ثم نهض عن المقعد واتجه نحو الباب فيما شدد علاء على كتف شقيقه فنهض رحيم ليحتضنه فبادله علاء بالعناق وقال رحيم بهدوء :
-شكرًا علشان لغيت سفرك وجيت
-مهما يحصل بينا أحنا أخوات
ثم ربت على ظهره وتركه ليغادر وبعد دقائق دخل رحيم زنزانة خاصة على ذمة التحقيق..
***
في اليوم الثاني ارسل شاب مجهول تلك الأوراق إلى الضابط ليتم فحصها في ذهول.. وجاء والد ندى كي يتنازل عن المحضر فتساءل بشك :
-اشمعنا ؟ ..أنت كنت متمسك بالقضية دي
قال بحزن مصطنع :
-أنا فكرت وقلت إن دي سمعة بنتي ..ومش عايز من رحيم غير أنه يتجوزها وبعد كده يطلقها
-تمام هنقفل المحضر ونجبره يتجوزها ويطلقها
اخذ يشكره بامتنان ثم صافحة وقال :
-شكرا لحضرتك ولمجهودك
ثم استأذن ليغادر القسم وهو يشعر بالارتياح فرحيم سيحكم عليه بالمؤبد وهذا ما يريده ..قام أحد العساكر بإحضار رحيم وجلس على المقعد المجاور للمكتب وتحدث الضابط عن هذه الأوراق ليتنهد رحيم بعمق وقال بنبرة رجولية دون أن ينظر إليه :
-أنا مضيت على الأوراق دي علشان رؤف الشاذلي يتنازل عن المحضر ..عشان ندى وبس
وضع الضابط رأسه بين يديه يزفر بهدوء ثم رفع رأسه يستند بذقنه على قبضتي يديه وقال بعدم فهم :
-ممكن تفهمني أكتر
-حضرتك ممكن تروح لجدة ندى وخالها هتعرف منهم كل حاجة.. أبوها دا راجل معندوش ذمة وعمل كل ده علشان يدخلني السجن..
ثم ادار رأسه ناحيته وتابع بثقة وثبات :
-أنا راجل معروف عني اني مليش في الشمال
***
ذهب علاء إلى منزل رؤوف الشاذلي كي يقابل ندى بعد أن ذهب إلى جدتها وأخبرته بأن والدها جاء ليأخذها وطلبت منه أن يطمئنها عليها.. فتحت له الخادمة الأجنبية وطلب مقابلة ندى لتأخذه إلى الطابق العلوي ثم أشارت إلى غرفة ندى فوقف يدق الباب فأذنت الممرضة بالدخول على أنه رؤوف.. فتح الباب ودخل تفاجأت به الممرضة لكنه تفاجئ أكثر عندما رأى أحدهم تقيد يديها ولاصقه على فاها ..نظرت ندى إليه بدموع تغطي وجهها بالكامل.. تقدم نحوها وقبض على ذراع تلك الممرضة ودفعها للخلف ثم سحب اللاصقة عن ندى فقالت بترجي هستيري :
-أرجوك خرجني من هنا
قالت أحدهم بحده :
-أنت مين وازاي تدخل هنا
ساعد ندى على النهوض عن الفراش وهو يقول بعنف :
-أنا ممكن اوديكم في ستين داهيه
ثم تقدم نحو تلك التي تحدثت منذ لحظات وأخذ الحقنه من يدها بينما تناولت ندى حقيبتها ثم خرجت مع علاء فقالت بوهن :
-هنعدي ازاي من الحرس
كادت أن تتعثر في الدرج لكنه لحق بها بالقبض على ذراعها وقال بهدوء :
-مفيش غير أمن على البوابة..
بعد أن هبط إلى الطابق السفلي نظر إليها وقال :
-ندى احنا محتاجين قسيمة طلاقك أنتِ و رحيم
نظرت إليه في دهشة ثم ابتلعت لعابها بصوت مسموع بينما هو لفت انتباهه أثار أظافر على عنقها و وجنتها بينما هي تساءلت بصوت مهلك :
-ليه ؟ ومين اللي محتاجها
-هقولك على كل حاجة بعدين علشان مفيش وقت
نظرت حولها ثم أشارت إلى مكتب والدها فدخل علاء ولحقت به لتجده يفتش في كل شيء وبدأت تساعده حتى حصل عليهم أخيرًا ..ثم أخذها وخرجا من المكتب بل من المنزل بأكمله واستقلت معه السيارة وأخذ يقص عليها ما حدث وهو في طريقة إلى القسم.. هبطت دموعها على وجنتيها وتحسست الخربشة التي على عنقها وقالت بفهم :
-دلوقت فهمت هما ليه عملوا فيا كده
..عند وصوله إلى القسم ترجلت ندى راكضة إلى الداخل ولحق علاء بها.. وطلب من العسكري أن يستأذن من الضابط ليدخلا فدخل وبعد لحظات خرج ليأذن لهم بالدخول.. فدخلت ندى وتلاها علاء لكنها حافظت على ألا تنظر إلى رحيم الذي يتفحصها بعمق اشتياقا لها ..وضع علاء القسيمة أمام الضابط ليقوم بفحصها سريعًا ثم نظر إلى ندى وتساءل بعدم فهم :
-طب ليه لما جيت البـ..
قاطعت سؤاله بحديثها الهادئ :
-بابا خطفني وكان بيديني حقن مخدره والممرضين هما اللي عملوا فيا كده..
شعر بالحنين عندما أستمع إلى صوتها لكنه شعر بالندم المؤلم عندما أستمع إلى حديثها وهي تشرح للضابط ماذا حدث معها ..فتساءل عن وجودها في المستشفى فرمقت رحيم بنظرة سريعة ثم تحدثت بنبرة مهزوزة :
-أنا جالي نزيف و روحت المستشفى وعملت عملية إجهاض
اتسعت عيني رحيم فكلماتها كانت بمثابة قنبلة انفجرت في وجهه لتدمره بالكامل ونهض عن المقعد محدقًا بها في ذهول ..وبعد حديث طال بينهم ظهرت براءة رحيم فرفع رأسه إلى الأعلى يزفر بهدوء وكان قد حضر المحامي في نهاية التحقيق وبارك لرحيم على البراءة وأمر الضابط بإحضار رؤوف الشاذلي..
خرجت ندى من الغرفة بعد أن استأذنت علاء في مفتاح سيارته لتغادر بها واعطاها المفتاح بترحاب ..نظر رحيم إليها بلهفة ثم لحق بها بينما هي خرجت من القسم واتجهت نحو السيارة وفتحت الباب كادت أن تجلس أمام المقود لكنها تفاجأت بيده تقبض على مرفقها وادارها إليه وباليد الأخرى أغلق الباب ..أطرقت عينيها لا تود أن ترى فيكفي سماعها لصوته فقط..
ترك مرفقها وتساءل بحده :
-ليه مقلتليش إنك كنتي حامل ؟
لاحت ابتسامة ساخرة على ثغرها وقالت بألم :
-و دا كان هيمنعك عن الانتقام ؟! ..أنت بعتني بسهولة لدرجة إنك بعتلي ورقة الطلاق بكل سهوله
كلماتها كانت تشبه سيوف سامة تخترق قلبه لتجعله ينزف دم ثم تنهد بعمق ليشعر بشيء ما يؤلمه في صدرة يشبه قطع زجاجات صغيرة وقال بحنق :
-أنتِ عارفه كان نفسي في الطفل ده قد إيه.. وأنا استعجلت في ورقة الطلاق علشان ابعتلك معاها ورقة ملكية البيت
ابتلعت لعابها بصعوبة واغمضت عيناها وهي تقول بصوت مكسور :
-أنا مش عايزة منك حاجة
ثم التفتت وجاءت تفتح باب السيارة منعها بوضع يده على الباب وقال بترجي :
-بصيلي يا ندى ..لو لأخر مرة
نظرت إلى يده التي على الباب لتجد نفسها تنزف دموع من قلبها قبل عينيها وقالت بضيق حاد :
-صوتك لوحده بيزعج قلبي و بيقتله ..يا ترى لو شوفتك إيه اللي هيحصل
عقد بين حاجبية وتساءل بنبرة مهلكه :
-للدرجة دي يا ندى ؟
التفتت إليه قاصده ألا تنظر إليه وقالت بثبات تخفي وراءه اشتياقها وحبها له :
-على قد ما حبيتك على قد ما كرهتك.. وشكرًا على اللي عملته علشاني
قبض على ذراعها بقوة فأغمضت عينيها تتأوه داخليًا من قبضته وهو يقول بحده بالغة :
-أنتِ كدابة علشان لسه بتحبيني ..ندى أنا بحبك وهفضل أحبك طول عمري..
تنهد بعمق وأخذ يلهث وهو يقول كلمات منبعثة من القلب :
-أنتِ سايبه فراغ هيقتلني ..بسمع صوت ضحكتك في كل مكان.. وصوتك انفاسك بتونسني وأنا نايم..
بلل شفتيه بلسانه وترك ذراعها ليمسك بيدها و وضعها على صدره الصلب الذي يعلو ويهبط وتابع بنبرة مؤلمة :
-في هنا جرح مستحيل يطيب إلا بحنيتك ورقتك والأهم وجودك
سحبت يدها من أسفل راحته الممسكة بها وقالت بأنفاس متقاطعة :
-وأنت جرحتني جرح عمره ما هيطيب أبدًا ..كل ما افتكرك كل ما الجرح دا يكبر جوايا ..أنت حبك وجع
جز على أضراسه وقال بحده :
-أنا قلتلك حبي جحيم أنتِ وافقتي
-أتضح أن حبك مش بس جحيم ..دا كمان وجع.. وجع في قلبي زي السرطان ومش هلاقي علاج
تنهد بإرهاق وكأن الحديث اهلكه حقًا ثم تحدث بنبرة مكسورة :
-أنا انتقمت من قلبي يا ندى
التفتت بهدوء ثم استقلت السيارة وشغلت المحرك لتغادر تاركه روحها وقلبها بين يديه بينما التفت رحيم لينظر إلى السيارة ليشعر بعدم وجود قلبه في مكانه ..فقد انتزع قلبه من بين ضلوعه حقًا وتركه وحيدًا جسد دون روح.. وتمنى الموت قبل أن يسمع كلماتها تلك التي دفنته حي ..رفع يده ببطء ليضعها على صدره محدقًا في الفراغ بعدم استيعاب لِمَ يدور حوله ..ولم يفيق سوى على احتضان شقيقه له ليبادله بالعناق القوي ثم استقل الإثنان سيارة المحامي وذهب في طريقة إلى منزل رحيم..
***يتبع
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية حب رحيم) اسم الرواية