Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل العشرون 20 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل العشرون 20 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل العشرون»

***
"معرفش هو فين وقافل موبايله" 
أردفتهم بحنق فبادلتها والدتها الحوار:
_ هتعملي إيه بس غير إنك تستني على لما يرجع وتشوفي كان فين

تأففت بضجر بائن، فلم يعد لديها القدرة على التحمل، فقط يومان وحدث فيهما كل ذلك، ماذا سيحدث إن مر أسبوعان أو أكثر، حتماً إن استمر الوضع كهذا ستصاب بالجنون أو ربما التوحد. 

نهضت مسرعة حينما صغت إلى قرع الجرس ناهية حوراها مع والدتها قائلة:
_ شكله رجع، هكلمك تاني

هرولت إلى الخارج وفتحت للطارق الباب، ارتخت ملامحها فور رؤيتها للسيدة شهيرة، شكلت بسمة لم تتعدى شفتيها ورحبت بها: 
_ اتفضلي يا طنط..

وجلت شهيرة باحثة عن بلال، فلم تجده، استدارت إليها وسألتها بفضول: 
_ بلال فين، نايم؟

طالعتها إيمان لبرهة لا تدري بماذا تجيبها، ابتلعت ريقها وبتردد أردفت: 
_ مش عارفة، هو نزل من فترة ولسه مرجعش..

قطبت شهيرة جبينها بغرابة وهتفت مستاءة: 
_ ولما مراته متعرفش مكانه مين اللي هيعرف؟!

تهكمت تعابير إيمان شاعرة بحرارة وجهها، لعنت بلال داخلها لأنه من وضعها في ذلك المأزق، بينما تأكدت شهيرة أنهما على خلاف، أو ربما يكون شيئاً أكبر من ذلك، فلما سيهرب ولدها من منزله لطالما كان أمنيته بناء عشاً معها؟ 

تنهدت وحدجت ثيابها المحتشمة أكثر من اللازم بنفور، أجبرت شفتيها على التبسم وقالت: 
_ ما تيجي يا إيمان تفرجيني هدومك..

تعجبت الأخرى من طلبها فوضحت شهيرة قصدها: 
_ أنا مشوفتش حاجة لما كنتوا بتفرشو، تعالي فرجيني 

تقدمت شهيرة نحوها وحاوطت ذراعها مرددة بحماس لكي تمحي الحرج منها:
_ يلا يا مونة، أهو نتسلى شوية على لما بلال يرجع 

دلفن الغرفة ومنها إلى غرفة الملابس، أشارت إيمان إلى إحدى الزوايا وقالت بهدوء مخالط بالغرابة لذاك الوضع المريب: 
_ دي هدومي..

حركت شهيرة رأسها يميناً ويساراً قبل أن تسترسل:
_ لا يا حبيبتي مقصدش هدوم خروجك، فين الحاجات التانية، المدلعة دي 

قهقهت شهيرة بخجل وهي تضربها بخفة في ذراعها: 
_ أكيد فاهماني.. 

ازدادت ريبة إيمان من جرأة طلبها، رمقتها لبعض الوقت فشجعتها الأخرى ببسمة عريضة، اضطرت إيمان إلى امتثال طلبها، اقتربت من إحدى الخزانات وفتحتها فبادرت شهيرة نحوها وظلت تتنتقل بين الثياب متفحصة إياهم باهتمام.  

التقطت قيمصاً لونه أخضر من قماش الستان الناعم وكان معه روب ساتر للجسد، التفتت إليها مبدية مدى إعجابها به: 
_ حلو اوي دا ولونه رايق وجميل، إلبسيه..

تفاجئت إيمان من طلبها، فكان وقح للغاية، إلى ماذا تريد الوصول تلك المرأة؟ انتبهت على تشجيعها حينما هتفت: 
_ أنا عارفة إني حشرية شوية، بس يا حبيبتي اللي انتِ لابساه دا مش هدوم عروسة، دي هدوم واحدة متجوزة من ١٥سنة، بصي أنا بعتبر نفسي زي مامتك يعني لو بنتي شوفتها بالمنظر دا في تالت يوم جواز كنت بهدلتها، الراجل لازم تملي عينه بكل الحلو اللي فيكي عشان يوم ما تهملي غضب عنك يحط لك ١٠٠ عذر ويقول دي عمرها ما قصرت معايا لكن لما تبدأي حياتكم بالشكل دا هيقول دا طبع ومع أول مشكلة هيرمي كلام يجرحك، الراجل قلبه في عينه، كل ما كنتي حلوة ولبستي على كيفه يحبك أكتر، يلا خدي البسي وأنا هستناكي برا على لما تخلصي

تركتها شهيرة وانسحبت للخارج، بينما ظلت الأخرى تحدج أمامها بذهول، لا تصدق نصيحتها التي ليست في وقتها بالمرة، كيف ستفعل ذلك وعلاقتهما متوترة، لكنها لا تملك الرفض حتماً ستسوء الظن بها. 

أوصدت عينيها لبرهة في محاولة منها على استيعاب الأحداث الأخيرة ثم بدأت في تغير ثيابها إلى ذاك القميص التي أختارته شهيرة، انتهت بعد مدة قصيرة، كانت الأخرى تطالع المرآة المكسورة ويقينها يزداد داخلها أن ثمة شيء بينهما، لكنها لم تعقب لكي لا تسبب لها الحرج، خرجت إيمان فابتسمت الأخرى برضاء تام، اقتربت منها وسألتها مستفسرة:
_ فين البرفانات بتاعتك؟

أشارت إيمان إلى الداخل وأجابت بنفاذ صبر: 
_ جوا..

عادت شهيرة إلى الداخل مرة أخرى وكذلك تبعتها إيمان، اقتربت من القناني وبدأت تختبر رائحتهم ثم انتقت منهما رائحة مثيرة هادئة، التفتت إلى إيمان ودعست على القنينه فتناثرت الرائحة على قميصها. 

رفعت نظريها على خصلاتها وأمرتها بلطف: 
_ أعملي أنتِ تسريحة قمر زيك وتعالي نخرج نحضر عشا حلو 

خرجت شهيرة فور انتهاء جملتها بينما نظرت إيمان إلى المرآة وتأففت بضيق، وضعت يدها على عنقها عندما شعرت بالإختناق ورددت بخفوت:
_ أوف أوف

بعد لحظات خرجت وكانت قد تركت خصلاتها محررة، قابلتها شهيرة بإبتسامة عريضة قبل أن تردف:
_ تعالي بقا وريني عندك إيه نعمله عشا 

اصطحبتها شهيرة إلى المطبخ ورفضت أن تضع إيمان يدها في الطعام خشية أن تتلوث ثيابها، وبدأت هي في تحضير وجبة عشاء لكليهما متبادلات الأحاديث معاً. 

***

لم تتوقف عن رمقه بنظرات اشمئزاز، قلب الآخر عينيه بضجر بائن لنظراتها وهلل منفعلاً: 
_ معتيش تبصيلي كدا يابت 

عاتبه يوسف بحنق: 
_ إيه بت دي ما تحترم نفسك 

تأفف بلال وصاح عالياً: 
_ أنت مش شايف بتبصلي إزاي 

هتفت هي بإقتضاب يشوبه الإشمئزاز: 
_ أنت ليك عين تتكلم بعد اللي عملته؟

حرك بلال رأسه مستنكراً هرائها الأحمق وردد بعصبية:
_ أنتِ هبلة صح؟ دا أنتِ لميتي الناس علينا بصويتك وكل دا عشان صرصار!! 

حاولت لينة وضع مبررات واهية: 
_ أنا خوفت وصرخت لكن أنت تفعصه برجليك ليه؟ 

تأفف بلال بحنق ووجه حديثه ليوسف:
_ ما تشوف يابني التفاهة دي

صاح يوسف ناهياً سخافتهما: 
_'ما تحاسب على كلامك يا بلال، وأنتِ يا لينة شوفي أنتِ هتعملي إيه عشان نمشي..

هتف بلال كلماته وهو يوليهم ظهره:
_ أنا هقف برا

غادر بلال بينما تقدمت لينة بخطاها، على الرغم من رائحة الغبار التي تسيطر على المنزل إلا أن رائحة عائلتها تنبعث من ثغرة ما من وسط ذاك الغبار. 

ابتسمت بشغف معانق للافتقاد الشديد، تقدمت نحو الصورة الفوتوغرافية المعلقة على الحائط، مدت يدها وأزالت الغبار الذي أخفى معالم الصورة فظهرت وجوههم تدريجياً حتى باتت الصورة واضحة.

فرت دمعة على مقلتي لينة ورددت بصوت متحشرج:
_ وحشتوني أوي 

تحسست الصورة بأناملها وملست على وجوهم، كم تمنت أن تحظى بلقاء معهم حتى وإن كان لمدة دقيقة واحدة. 

التفتت تطالع بقية المنزل فرأته يعطيها منديلاً ورقياً، ابتسمت له وأخذته ثم مسحت عبراتها وتابعت تجولها في المنزل، لم تجد شيئاً مهماً، لكنها احتفظت بعباءة من والدتها. 

عادت إلى يوسف وأردفت:
_ خلصت..

هز رأسه بتفهم وقال بنبرته الرخيمة: 
_ تمام، يلا عشان نرجع 

أولاها ظهره ليسبقها للخارج فنادته هي برقة: 
_ يوسف..

استدار نحوها فتفاجئ بها لم تبرح مكانها فتسائل بفضول:
_ نعم؟

جائته على استحياء وتردد واضحان، أخفضت رأسها وقالت وهي تفرك أصابعها:
_ عايزة أطلب طلب تاني..

ردد بدون تفكير: 
_ قولي..

رفعت بصرها عليه وحمحمت قبل أن تخبره بمرادها:
_ عايزة أشوف خالي..

ويحك يا فتاة، بالطبع لن يقبل بذلك، فتح فاهه ورفض طلبها بنبرة لا تسمح بالنقاش:
_ لأ ومش عايز محايلات عشان دا بالذات مش موافق، لو خلصتي يلا عشان نمشي.. 

لم تستسلم بسهولة وأعادت محاولاتها معه بلطف ودلال:
_ عشان خاطري يا يوسف...

قاطعها بانفعاله:
_ قولت لأ، ومش عشانك عشاني أنا، أنا مش عارف لو شوفت البني آدم دا قدامي ممكن أعمل فيه إيه 

تجهم وجهها وحزنت لكنه لم يبالي فهذا آخر ما سوف يقبل به، أولاها ظهره وعاد إلى السيارة مرافقاً صديقه بينما تحركت هي ببطئ وأغلقت المنزل ثم توجهت نحو السيارة واستقلت المقعد الأمامي.

كاد يوسف أن يعارضها إلا أن بلال قد لحق به بقوله: 
_ سيبها سبيها..

استقلا كليهما السيارة وتحرك يوسف من المكان وسار في طريق العودة، ساد الصمت لوقت قبل أن يقطعه بلال بطلبه: 
_ ما تشغل حاجة يابني بدل الصمت دا 

أبدى يوسف رفضه بذوق: 
_ لا معلش مش بشغل حاجة وإحنا على طريق سفر عشان نوصل بخير 

قلب بلال عينيه وهتف ساخراً: 
_ يا متقي أنت

أفحمه يوسف برده:
_ على الأقل بجاهد مع نفسي مش زيك يا فاسق 

لم يعقب بلال واكتفى بتقلب وجهه بسخرية، عاد الصمت مرةٍ أخرى، حتى صدح صوتها مغردة أغنية للسيدة أم كلثوم: 
عن العشاق سألوني 
وأنا في العشق لا أفهم

ذُهل بلال من صوتها، وظل يمرق نظريه بينها وبين يوسف بعدم تصديق، ثم هتف بالأخير:
_ إيه دا؟ إيه اللي سمعته دا؟ صوتك طلع جامد 

قهقت لينة وبعجرفة أردفت:
_ أقل حاجة عندي 

لم يلاحظ أحدهما تعابير يوسف التي تجهمت، كان يكز أسنانه بغضب يتأجج داخله، نظرات بلال المذهولة وإعجابه بصوتها كان يشعره بالضيق، نيران تتقد في قلبه كلما طالع صديقه من خلال المرآة ورأى معالم الإعجاب على وجهه. 

واصلت لينة غنائها بصوت عذب: 
سمعناهم يقولوا العشق
حلو حلو وأخره علقم

فهتف بلال من الخلف متحسراً على عشقه الفاشل: 
_ علقم والله علقم 

تبادلا يوسف ولينة النظرات لكن كليهما كان بمشاعر مختلفة، فكانت لينة شاعرة بتحسر بلال بينما كان يوسف يتوسلها في نظراته أن تكف عن الغناء حتى تختفي حالة الإعجاب البادية على صديقه. 

عادت بنظريها متابعة الخارج مواصلة: 
سهاد في الليل ووليل على ويل
وشيء منه العذاب أرحم
ومن أعلن هواه يتعب
ومن خبا هواه يعرم
قولوا قولوا مين من العاشقين
وهب قلبه ولم يندم
عن العشاق سألوني
وأنا في العشق لا أفهم
عن العشاق لا نسأل
وخلينا بعيد بعيد اسلم

استند بلال برأسه على النافذة واطلق إبتسامة متهمكة وهتف ساخراً من تسرعه في إتمام زيجته: 
_ مين بس اللي يفهم كدا!! 

أخرج تنهيدة مهمومة فأثار الفضول حوله، لكن لم يعقب أحدهما على وضعه المريب والتزما الصمت مدة عودتهم، كما لم تترك لينة الهاتف من يدها طوال الطريق، كانت تشاهد بعض الصور لها وليوسف وتطلق إبتسامة مزيج من العشق والألم. 

وصلا إلى منطقتهم فترجل بلال أولاً والإرهاق كان واضحاً على تقاسيمه، توجه إلى النافذة المجاورة ليوسف وأردف:
_ تصبح على خير يا متقي 

"وأنت من أهله يا فاسق"
هتف بها يوسف فبادله بلال ابتسامة سمجة ثم غادر، كادت لينة أن تترجل إلا أن هتاف يوسف أجبرها على الالتفاف إليه والإصغاء لما يردفه:
_ معتيش تغني تاني قدام حد، مفهوم؟!

عقدت حاجبيها بغرابة من أمره وتسائلت بفضول:
_ ودا عشان إيه؟

ضرب يوسف الطارة بعصبية عندما تذكر نظرات الإعجاب في عيناي بلال وهدر بها شزراً:
_ عشان أنا طلبت كدا، اتعلمي تقولي حاضر من غير مقاوحة 

رمقته لينة بنظرات معاتبة، فنبرة صوته كانت مرتفعة حادة، شعر يوسف بمبالغته في رد فعله، أوصد عينيه لبرهة يهدئ من غضبه الجامح، زفر أنفاسه وعاد بأنظاره إليها ثم بدأ يوضح لها وجهة نظره: 
_ يا لينة أنا بخاف عليكي ومش بحب حد يبصلك بصة كدا ولا كدا، المفروض أنتِ أول ما شوفتي بلال متفاجئ بصوتك وبيمجد فيه كنتي تسكتي على طول 

قطبت جبينها فازدادت غربتنها من كلماته المبهمة ورددت قائلة:
_ أنت قصدك إن بلال مش كويس...

قاطعها يوسف بنفيه لحدسها: 
_ لا طبعاً، بلال دا كأنه أنا ولا يمكن كنت أخليه يجي معانا مشوار زي دا لو عندي ذرة شك فيه، كل الموضوع إن مش لازم نبين كل المميزات اللي عندنا لأي حد، مينفعش نشوف نظرة إعجاب من راجل حتى لو كانت عفوية ونكمل ونقوله شوف إحنا جامدين أوي 

أخفضت لينة بصرها بحياء وندم شديدان، مرت فترة تحاول فيها التحلي بالقوة لكي تعتذر منه فقالت في النهاية: 
_ أنا مفكرتش في كدة، أنا آسفة

تنهد قبل أن يسترسل بصوته الرخيم: 
_ المهم إنك متكرريهاش تاني..

أومأت برأسها ثم قالت عندما تذكرت حالة بلال المثيرة للشفقة: 
_ كنت عايزة أقول حاجة بخصوص بلال، واضح أوي أنه جاي معانا هربان من إيمان

مرر يوسف أصابعة على الطارة بحركة دائرية وهتف مستاءً: 
_ متشغليش نفسك أنتِ، يلا عشان ننزل.. 

ترجلا من السيارة وقد لاحظت لينة بعض النظرات المريبة من قِبل بعض الجيران، كذلك لفت انتباه يوسف لنفور بعض الرجال منه كلما اقترب من أحدهم.

اقتربت منه لينة متسائلة وعينيها مصوبة على الجميع: 
_ هو أنت ملاحظ اللي أنا اللي ملاحظاه؟

أماء يوسف بتأكيد قبل أن يجيبها بغرابة: 
_ هما بيبصوا لنا كدا ليه؟

رفعت لينة كتفيها مبدية عدم معرفتها بحقيقة ما يحدث، صعدا كليهما درجات السُلم فتقابلا مع جارتهم السيدة عزيزة التي توقفت ورمقت يوسف بنظرات مليئة بالإشمئزاز ثم مرت بجوارهما دون إلقاء التحية. 

حرك يوسف رأسه يتابع هبوطها بريبة من أمرها، عاد بنظريه إلى لينة التي كانت مذهولة مما يحدث للآخرين فجاءة.

تابعا صعودها للأعلى حتى وصل الطابق الكائن به شقتهم، فتح يوسف الباب وتفاجئ باستقبال والدته لهما على الرغم من تأخر الوقت فهي تنام باكراً. 

"السلام عليكم ورحمه الله وبركاته يا أمي"
ألقى يوسف التحية عليها فأجابته بإقتضاب، تعجبت لينة من ردها وسألتها بقلق: 
_ هو فيه حاجة حصلت يا ماما؟

بجمودٍ أمرتها: 
_ ادخلي أوضتك يا لينة عايزة أتكلم مع يوسف شوية 

على الرغم من فضولها لمعرفة ما يحدث إلا أنها امتثلت لأمرها في هدوء ظناً أن الأمر كارثياً فهي لم تكن على تلك الحالة من قبل. 

ولجت غرفتها وحاولت الإستماع إلى ما يتحاوران به لكن صوتهما لم يصل إلى آذانها، في الخارج انفعلت السيدة ميمي على ولدها بحدة: 
_ أنت إزاي تسمح لنفسك إنك متحطش حدود بينك وبين لينة؟ سيرتنا بقت على كل لسان، وبيتهموك إنك مش أمين وبتستغل عيلة صغيرة، دا غير الكلام الكتير اللي خافوا يقولوه قدامي، الله أعلم فاكرين إيه اللي بيحصل هنا كمان!

لم يستطيع فهم ما ترمي إليه، لم يتحمل عقله استيعاب كلماتها الجارحة وسألها مستفسراً:
_ أنتِ بتقولي إيه يا أمي، هو إيه اللي حصل مش فاهم حاجة؟

زفرت السيدة ميمي أنفاسها ووضحت له ما تقصد:
_ لينة منزلة صور ليكم والصور كلها متلقش أبدا بشاب عاقل ومحترم من المفروض أنه بيراعي أمانة صاحبة! 

فارت الدماء في عروق يوسف ثم تفحص صفحة لينة الإلكترونية فتفاجئ بالصور التي التقطتها لكليهما وقامت بنشرها، توجه نحو غرفتها بخطى سريعة مهرولة وطرق بابها بقوة فافتحت هي بذعر:
_ في إيه يا يوسف؟

وضع الهاتف مقابل وجهها ثم هتف بحنق: 
_ إيه دا؟ 

أجابته بتوجس: 
_ صورنا! 

أطلق تنهيدة تهدد بثورته القادمه ثم صاح عالياً: 
_ وادإزاي تنزلي حاجة زي دي على النت؟

توجست لينة خيفة من هجومه وأردفت بعفوية: 
_ الصور مفيهاش حاجه، صور عادية 

لم يستطيع يوسف تمالك أعصابه وخرج عن السيطرة، صاح بغضب لم يستطيع كبحه: 
_ صور عادية دا بالنسبة ليا وليكي، لكن للناس لأ مش صور عادية، أنتِ بالنسبة ليهم واحدة غريبة قاعدة مع شابين في البيت، محدش بيتكلم عشان أنا فضلت طول السنين دي محافظ على شكلك وشكلنا وعمري ما تعديت حدودي معاكي، لكن أنتِ جيتي في لحظة بوظتي كل حاجة، خليتي الكل يتكلم عننا، خليتهم يفكروا إننا بنستغلك، والله أعلم إيه اللي بيدور في عقولهم، تخيلي أنتِ بقا إيه اللي ممكن يفكروا فيه وأنتِ مع شابين في بيت واحد!! 
طيشك بوظ سمعتك وقلل مني ومن كرامتي، وأنا اللي عمر ما حد قدر بس يبص في عيني النهاردة الكل بيبص لي كأني مذنب، كأني عملت مصيبة، كل دا بسببك وبسبب إنك مش بتفكري في الحاجة قبل ما تعمليها!.

كور يوسف يده وضرب الباب بكل ما أوتي من قوة، ثم أولاها ظهره وفر هارباً من المنزل، يريد أن يختلي بنفسه قليلاً لعله يعود إلى رشده.

وقفت لينة تطالع السيدة ميمي بصدمة شديدة، قلبها يخفق بشدة، لم تشعر بالعبرات التي تسابقت في السقوط، أطلقت عدة شهقات بسبب بكائها الغزير فلم تتحمل ميمي رؤية دموعها الغالية وعانقتها بقوة وهي تردد بإيلام: 
_ ليه بس عملتي كدا يا لينة؟ 

ازداد نحيبها ولم تستطيع إعطائها إجابة، فلم يوجد أمام السيدة ميمي سوى تهدئتها وإخراجها من حالتها المذرية. 

***

انتبهن لصوت المفتاح الذي وُضع في الباب، فنهضت شهيرة أولاً ثم أشارت لإيمان بالنهوض فامتثلت هي في هدوء، اقتربن من الباب فاستقبلته شهيرة معاتبة إياه: 
_ أهلاً وسهلاً باللي غايب بقاله ساعات ومقالش لمراته رايح فين، أنا طلعت أسليها على لما ترجع، بس متتعودش على كدا 

التفتت إلى إيمان وبحركة لم تنتبه لها إيمان فكت عقدة روبها ليتطاير كل جانب إلى جهة وقالت:
_ تصبحي على خير يا حبيبتي

تفاجئت إيمان بفعلتها ورمقتها بعينين حاجظين فلم تترك لها مجالاً لإخفاء ما قامت بإظهاره، غادرت شهيرة تاركة إياهم ليقضيان وقتاً حميمياً معاً.

طالعته إيمان بحياء شديد وقد كست الحمرة وجهها، بينما خفق قلب بلال من تلك الطلة الأنثوية الصارخة، ابتلع ريقه ورمقها لوقت ثم تقدم نحوها فتسارعت نبضات قلبها بقوة، لم تستطيع تحريك قدميها من هول الصدمة التي لم تخرج منها بعد. 

التصق بها ثم مال بقرب أذنها وهمس بخفوت:-
_ متفكريش إنك هتأثري عليا بالطريقة دي، أنا مش دلدول عشان أجي بالأسلوب الرخيص دا! 

اتسعت مقلتسها بذهول، بكلماتها كانت فاظة ومهينة، ابتعد عنها وتخطاها بخطواته فهتفت هي بحنق: 
_ مامتك اللي خلتني ألبس واعمل كل دا، دا غير النصايح اللي قالتهالي، الله أعلم أنت مفهمها إيه عشان تتكلم معايا كدا 

لم يعطيها بلال اهتمام لثرثرتها فأثار جموده غضبها، هرولت خلفه وصاحت بانفعال شديد: 
_ أنت مش بترد عليا ليه، هو أنا كلبة بهوهو قدامك؟ ثم أنت كنت فين؟ وإزاي تخرج من غير ما تقولي، أنت حطتني في موقف وحش جدا مع مامتك، ومكنتش مصدقة إني معرفش أنت روحت فين، أنا مراتك وأنت مجبر تعرفني كل حاجة عنك طلاما إحنا في بيت واحد 

توقف بلال عن سيره، واستدار إليها وببرودٍ حاد ردد:
_ مراتي! 
مراتي اللي نطقت إسم حبيبها وهي حضني! 
مفتكرش إن ليكي أي حقوق عندي ولا ليكي تعرفي عني أي حاجة ودا مش لأني مش هامك، لأ عشان أنا اتقفلت منك، أنا كل ما أبصلك بقرف من نفسي أوي إني حبيت في واحدة زيك!

اقترب بضعة خطوات منها وواصل استرساله بتوعد:
_ مكنش أنا لو معيشتكيش اللي أنتِ عيشتهولي وحسستك إنك قليلة أوي 

تركها وعاد إلى غرفته القاطن بها، على الجانب الآخر، لم تستطيع إيمان السيطرة على عبراتها وجهشت باكية، فكم باتت تعيسة، وحزينة، قلبها محطم وتتمنى الموت بدلاً عن تلك الحياة الظالمة. 

حركت قدميها ودلفت غرفتها، لم يكن بوسعها سوى الإستلقاء على الفراش ومواصلة بكائها الذي لن يغير شيئاً لكنه كان كل ما تملك. 

***
يقود السيارة متنقلاً بين الطرقات، يزداد همه كلما تذكر نظرات جيرانهم، لا يصل إلى حل، لا يعلم ما الذي عليه فعله، عقله مشتت وأفكاره تشابكت من كثرة التفكير.

صدح آذان الفجر فصف سيارته عند أحد المساجد ليؤديها، شرع في الصلاة وناجى ربه أن يدله على طريق الصواب، كان هناك شيخاً معروفاً يصلي معهم فلم يتردد يوسف في مصافحته والترحيب به. 

" إزيك يا مولانا"
_ أردفها يوسف فأجاب الشيخ عندما تفحص ملامحه: 
_ إزيك يا يوسف، من زمان مشوفتكش 

ابتسم له يوسف ورد عليه بنبرة مرهقة: 
_ الحمدلله يا مولانا

استشعر الشيخ ضيق يوسف وسأله باهتمام:
_ مالك يايوسف أنت كويس؟

تنهد الآخر قبل يردف بعبوس: 
_ مش كويس يا مولانا، وكويس إني شوفتك عشان عايز أستشيرك في حاجة 

تفحص الشيخ المكان من حولهما ثم أشار إلى إحدى الزوايا الفارغة وقال: 
_ تعالى هناك المكان فاضي 

جلس كليهما مقابل بعضهما البعض، ثم بدأ يوسف يقص عليه من بداية الأمر:
_ وقت ما كنت في الجيش كان ليا واحد زميلي استشهد، ولفظ أنفاسه الأخيرة وهو بيوصيني على أهله، روحت تاني يوم معاهم وهما بيسلموا جثته، ووالدته أول ما عرفت توفت على طول 

تأثر الآخر بما يرويه يوسف وردد بحزن: 
_ لا إله إلا الله

تابع يوسف استرساله: 
_ كان عنده أخ وأخت تؤام عندهم ١٠سنين، والدهم متوفي فبدأنا ندور على أهالهيم تستلمهم، وطلع عندهم عم مسافر برا، وخال رفض في الأول ياخدهم لأنه كان على مشاكل بوالدتهم، وفجاءة وافق ياخدهم بعد ما غلط فينا وكان أسلوبه وقح معانا، فأنا مطمنتش، وفضلت قاعد جنب البيت لغاية ما شوفته وهو أخدهم وخارج بيهم بليل، مشيت وراهم ولقيته بيرميهم قدام ملجأ وسابهم ومشى، تخيل سابهم بليل في مكان مقطوع ومهتمش يحصلهم حاجة، كل اللي عملته إني أخدتهم عندي البيت وبدأت أدور على عمهم، وعلى لما وصلت له شرط عليا إنه هياخد واحد منهم بس عشان ظروف الحياة ووقتها حصل مشادة بينا لأن الكلام لا يعقل، واضطريت أوافق أهو أوصله أي حد، بس اتفاجئت أنه طلب ياخد الولد مش البنت، وبعد محاولات معاه مقدرتش أقنعه وفعلاً الولد سافرله، ومن يومها يا شيخ اعتبرنا البنت دي اختنا التالتة، وعاملناها أحسن معاملة ورعينها بما يرضي الله وكنت حريص على تعليمها أمور دينها وأجبرتها تلبس الحجاب قدامي أنا وأخويا وقت ما بلغت، وربنا يعلم إني عمري ما رفضت ليها طلب، ويمكن بسبب إني راعيتها ربنا وفقني وكرمني كرم كبير أوي، وقدرت أشتغل في مكان كويس واشتري شقة وعربية، أنا متأكد إن كل دا بسبب وقفتي جنبها وإني حافظت عليها..

زفر أنفاسه فباتت الكلمات أكثر صعوبة لكنه جاهد وتابع بنبرة مختنقة: 
_ هي كبرت وبقا عندها ١٨ سنة، بس عملت تصرف صغير خلى سيرتنا كلها على لسان الجيران، عمر ما حد بصلي وحش، بس النهاردة الكل كان بيبصلي كأني متهم 

سأله الشيخ بفضول:
_ ليه هي عملت إيه؟

أخبره يوسف بفعلتها: 
_ هي مغرمة تصوير، وبتحب توثق أي لحظة، وأغلبية الصور معايا بس والله صور عادية جداً، بس أغلبيتهم  في البيت وفي وأوضة والدتي، وغيرها وإحنا في العربية، طبعاً إحنا بنتصورها بعفوية لأننا في نفس البيت وخلاص اتعودنا على بعض، بس الناس معرفش ليه فكرو إني بستغلها بعد ما شافوا الصور دي؟ قاعدين في بيت واحد وبنتعامل كأننا عيلة واحدة منتظرين مننا إيه؟ 

ابتسم له الشيخ وأخذ نفساً عميق قبل أن يهتف: 
_ طبعاً يا يوسف أنت لك الأجر والثواب إنك راعيت أطفال يتامى، بس جلوس البنت في بيت في شابين دا اللي غلط وكمان حرام..

قاطعه يوسف مبرراً: 
_ والله أنا محافظ عليها وحاطط حدود بينا عشان عارف إن حرام 

لم تختفي ابتسامة الشيح وشرح له مقصده بنبرة هادئة: 
_ طيب أنا هسألك شوية أسئلة ومش مهم تجاوبني، جاوب جواك

أجبر يوسف أذنيه على الإصغاء جيداً فتابع الآخر: 
_ طول الـ ٨ أعوام اللي مرت دي محصلش بينكم تلامس حتى لو بالغلط؟ مشوفتش مرة خصله من شعرها؟ مهزروتوش بالإيد؟ مختلتش بيها في مرة لوحدكم؟ مدتش نفسك الأحقية إنك تنظر لجسمها بنية إنك بتتفحص ملابسها ضيقة ولا واسعة؟ 

صمت يوسف فكل هذا قد حدث بالفعل، شعر بالحرج الشديدة وأخفض نظريه في حياء، فعلم الشيخ أن كل ما طرحه عليه قد حدث، تنهد وقال بحكمة:
_ يمكن نيتك حسنة يا يوسف ودا حصل بسبب إنكم في بيت واحد وبتعتبروا نفسكم عيلة زي ما قولت، بس منقدرش نقول إنه مش حرام؟ 
البنت لسه أجنبية عنك وعن أخوك وطبعا إحنا اتكلمنا عنك بس، دا غير أخوك وأكيد الطباع مش واحدة والله أعلم تعامله معاها إزاي؟!

عارضه يوسف ونفى ظنونه: 
_ أنا حاطط حدود بينهم ولا يمكن يكون اتخطاها

استنكر الشيخ محاولات يوسف في إظهار نيته الحسنة وسيطرته على كافة الأمور:
_ يا يوسف أنت مش طول الوقت في البيت ومش مُلم بكل اللي بيحصل، أنا متفهم إن نيتك خير بس لازم تقتنع إنك واقع في غلط ومتقاوحش عشان دا هيجر رجليك لغلط أكبر 
ومننساش قوله تعالى 
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}
تخيل تبقى فاكر إنك بتعمل خير وأنك صح وتيجي في الآخر تقف قدام ربنا ويحاسبك على نفس الحاجة اللي كنت فاكر أنها صح وتبقى من الخاسرين؟ 
متقاوحش يا يوسف الحرام حرام ومنحاولش أبدا نحلله بحجة إن نيتنا الحسنة

ازداد اختناق يوسف، فهو كان يعتقد أنه سوف يشعر بالراحة لو تحدث معه، لكن الوضع انعكس تماماً، استنشق بعض الهواء قبل أن يطرح سؤاله: 
_ طيب والعمل يا مولانا، ما أنا أكيد مش هروح أطردها من البيت! 

أسرع الشيخ في الإجابة عليه: 
_ لا يابني أنا مقولتش تعمل كدا، الحل في تزويجها لشاب صالح

تفاجئ يوسف بما وقع على مسامعه وردد بعدم استيعاب: 
_ جواز إيه بس يا شيخ؟ بقولك عندها ١٨سنة ولسه بتدرس أنا كدا بقتل طموحها وبهد مستقبلها! 

"بس دا الحل الوحيد يا يوسف"
كانت آخر ما قاله الشيخ، استأذن يوسف للمغادرة وعقله مشغولاً في حوارهما وخصيصاً ما أمره الشيخ بفعله. 

لم يريد العودة قبل إيجاد حل لتلك المشكلة، ظل يسير بسيارته في طرقات مختلفة حتى بزغت الشمس ومعها فكرة تترددت في عقله، لا يدري إن كانت صائبة أم لا، لكن لم يجد سواها! 

عزم على أخذ الآراء حول فكرته وإن وافقوه سيبدأ في تنفيذها على الفور، عاد إلى المنزل وقد امتلئت الشوارع بالأناس، صف السيارة أسفل البناية، رفع رأسه وتفحص بنايتهم جيداً وعقله لا يتوقف عن التفكير عن فكرته، لم يكن أمامه سوى صعود السُلم حتى دلف المنزل، فكانت والدته وأخيه في استقباله. 

ركضت نحوه بخوف بادي على تقاسيمها وهتفت بتوجس: 
_ أنت كويس يا حبيبي، قلقتني عليك يا يوسف، كنت فين وقافل موبايلك ليه 

تدخل زياد مبدياً استيائه من اختفاء أخيه:
_ أنتِ تختفي وأنا ألبس في التدوير عليك على أساس إنك عيل صغير 

لم يعقب يوسف وكأنه لم يسمع ما قالاه، تنهد وسألهم بهدوء مخيف: 
_ لينة فين؟

تعجبت والدته من عدم إجابته على أسألتها لكنها أجابته وهي تشير بعينها على غرفتها: 
_ في أوضتها، مبطلتش عياط من امبارح 

بنبرته الهادئة أمرها:
_ طيب نادي عليها..

رمقته والدته بعينين ضائقتين قبل أن تهتف متسائلة:
_ هو فيه حاجة يا يوسف؟

نفى بإيماءة من رأسه وقال: 
_ نادى عليها بس..

أولاته ميمي ظهرها وتوجهت نحو غرفة لينة، تركت بابها ثم دلفت وأخبرتها بأمر يوسف، نهضت الأخرى وحاولت مسح آثار عبراتها قدر المستطاع ثم وضعت حجابها وخرجت خلف السيدة ميمي. 

جلس الجميع، في انتظار ما سيخبرهم به يوسف، أخذ نفساً عميق ومرر أنظاره على الجميع ثم هتف بجمود:
_ أنا فكرت في حل يحلل قعاد لينة هنا، مش عشان كلام الناس لأ أنا عمري ما بصيت لكلامهم أينعم أنا تضايقت امبارح بس لقيت إني المفروض أخاف من ربنا مش من كلام الناس، كنت فاكر إني لما ألبس لينة الطرحة في البيت أكون صونتها، بس اكتشفت إني غلط، وقعادي أنا وزياد معاها في نفس البيت حرام لأن النظرة نفسها حرام ما بالكم إننا عايشين كل حاجة عادي وأنا مهما حطيت حدود بنتخطاها...

صمت لثوانٍ ثم عاد ليواصل حديثه بجدية:
_ عشان كدا فكرت في حل 

الجميع ينظر نحوه باهتمام وأذنيهم في إستعداد لسماع ذاك الحل، مرر يوسف نظراته بينهم قبل أن يقول: 
_ هنكتب كتاب لينة وزياد!!

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent