Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل العشرون 20 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

 رواية رحماء بينهم الفصل العشرون 20 - بقلم علياء شعبان 

رُحماءٌ_بينهم
                       "كمثلِ الأُترُجَّةِ".
]]الفصل العشرون]]
••••••••••
»لقاءٌ.. قتلهُ الشغف إليه».
اليومٌ سيشهد نقلة غريبة في حياتها جعلت عقلها يتوقف أمام هيبة الأمر لأيام ولحظات، هل ستُصبح زوجةً لرجلِ لا تعرفه جيدًا في غضون سويعات قليلة؟! كما أن عليها أن تتأقلم وتتعايش وهي لا تعرف جيدًا إن كان خيرًا لها أو كابوسًا جاء كي يقض مضجعها ويقضي على أحلامها!!.. حاولت أن تستجمع شتات نفسها التائهة وأن تثق في الله أولًا ثم رؤية والدها المُستقبلية والدقيقة تجاه "تليد" وأكثر ما جعلها تهدأ وتتقبل ما هي آتية عليه ذلك الشعور الذي يخالجها في كُل مرة تهم فيها بالتحدث إليه ومدى الرصانة والهيبة التي تغلب شخصيته الهادئة بشكل مهيبٍ، تنهدت بتعجب من تحول الأقدار إلى أحداث لم تطرأ قط إلى عقلها؛ هل تخيلت يومًا أن تتزوج من غريب لم يجمعهما سوى موقفين فحسب؟! ليس هذا فحسب إنه شخص لا يتناسب مع شخصيتها المُتهورة والمجنونة؟! إنهما نقيضان كاختلاط قطرات الزيت بالماء؛ فلا يمكن أن تتغلغل جزيئاتهما معًا، أدركت تمامًا أن أقدار الله لا تأتي كما نخطط دومًا بل هناك حسبة غيبية أُخرى لا يعلمها المرء؛ ولكنها حتمًا الأفضل والأكثر تناسبًا مع أقدارنا.
تبنت هذه الأفكار مذ أن طلب منها والدها أن تواظب على أداء فروضها حتى يلهمها الله السكينة قبل عقد القرآن واعدًا إياها أن يتراجع عن قرار زواجها إن شعرت بالسوء والخوف في لحظة من اللحظات التي تخص زواجها من تليد وفي الحقيقة هي لم تشعر سوى بالسكينة والهدوء.

عضت شفتها السُفلى وهي تلتفت حولها بحرص شديد، كان يجب عليها الذهاب إلى منزل صديقتها بعد أن قدمت شروق وزوجها عرضًا لطيفًا بشأن إقامة الحفل في حديقة بيتهما الجديد وتجهيز الحديقة على أكمل وجه وتخصيص رقعة منها وتزيينها لإخضاع العروسين إلى جلسة تصوير قيمة ومميزة عقب إتمام المراسم؛ سَعد "تليد" بالعرض ورحب به كثيرًا فهذا سيجعل "وَميض" في حالة جيدة وهي موجودة في مكان تحبه وحولها أشخاصها المفضلين.

اتصلت "شروق" بها تستعجلها بشأن الإتيان في الحال لأن الفتاة المسؤولة عن تزيين العروس ووضع مساحيق التجميل لها قد أتت وفي الانتظار، استعدت "وَميض" وقررت الذهاب على الفور ولكن قبل خروجها أرادت أن تُشبع فضولها حول هذه الغرفة التي أخبرهم "تليد" ألا يدخلوها لأنها تحتوي على أشيائه الخاصة، مشت على أطراف أصابعها حتى لمست مقبض الباب بهدوء، همَّت أن تفتحه ولكنها وجدته موصدًا تمامًا فاشتد غيظها منه حتى قررت أن تخطط جيدًا لاختراق هذه الغرفة في أقرب فرصة وقبل الانتقال إلى شقتهما الجديدة.
-وَميض!!!

انتفض قلبها مفزوعًا فالتفتت برأسها نحو والدتها التي زوت ما بين عينيها ثم تابعت بشك:
-واقفة هنا ليه؟! بتدوري على حاجة؟!!

ابتلعت ريقها على مهلٍ ثم قالت متدبرةً ابتسامة باهتة:
-لا ولا حاجة.. أنا ماشية علشان الميك آب أرتيست وصلت عند شروق.
أومأت "سهير" وهي تبادلها ابتسامة مثيلة وراحت تقول:
-خلي بالك من نفسك وإحنا ساعتين وهنحصلك.

غادرت بعد أن ودعت أمها التي ما أن أُغلق الباب حتى التفتت تنظر إلى باب الغرفة باهتمام وفضول لا يقل عما تشعر به الأخير بل يتقد شغف "سُهير" لمعرفة ما يوجد بالغرفة من خبايا علها تتمكن من الإمساك بشيءٍ ما لا يصطف في صالحه وتساومه به لتضمن صمته حول حقيقة ابنتها التي وُصدت فور استلامها في تلك الليلة.

نبشت "سهير" مُقدمة رأسها إلى أن لمعت فكرة ما في عقلها فهرولت إلى المطبخ للعثور على آلة حادة تُمكنها من إنجاز خطتها قبل عودة زوجها من الصلاة في المسجد المجاور للبناية التي تقبع فيها الشقة.
••••••••••••••••••••••••••
-أيه العظمة دي يا فنان، تسلم إيدك يا هندسة.

أردفت "شروق" بمرحٍ وهي تتجول بنظراتها في المكان بكُل معاني الاعجاب والسرور، ابتسم بدوره وهو يقول مُهتمًا:
-عجبك ديكور المكان بجد ولا بتجامليني؟!!

عبرت عن انبهارها في بضع كلمات أُخرى فقالت بسعادة تنبعث من دواخلها وتغمر عينيها اللامعتين:
-أنا حقيقي فخورة بيك ودي مش مُجاملة، دا جزء بسيط بشكر فيه ذوقك وضميرك وتفانيك في شغلك.

ظهرت ابتسامة مسرورة على ثغره وقبل أن يرد على كلماتها المُشجعة له وجدها تهرول نحو الأرجوحة التي صنعها ثم زينها بورود مختلف ألوانها، لحظات وكانت تعتلي الأرجوحة بروح طفلة صغيرة وبنبرة مُنشرحة تابعت:
-أنا أكتر حاجة عجباني في الديكور هي المُرجيحة دي، ممكن تخليها ليا بعد الحفلة!!!

بادلها ابتسامة عريضة ثم تحرك نحوها ودون أن تطلب كان واقفًا أمامها يدفع الأرجوحة للوراء ثم يبتعد عدة خطوات تاركًا مسافة للأرجوحة كي تتقدم للأمام وبهدوء قال:
-هي لكِ.
تهللت أسارير وجهها تبدي له مدى امتنانها باستغلال كُل فُرصة تُسعدها، اندمجت مع لهفة قلبها وجسدها اللذان يحلقان بأجنحة هفافة فوق الأرجوحة إلى أن وقع بصرها على "تماضر" التي تُتابعهما من خلال وقوفها أمام نافذة غرفتها، تحولت بنظراتها إلى زوجها على الفور ثم تكلمت بصوت خافتٍ حينما اقتربت الأرجوحة نحوه:
-مامتك مركزة معانا.
وبسرعة تابعت:
-أوعى تبص وإلا هتاخد بالها.
في تلك اللحظة، أسرع بالقبض على الأرجوحة ثم جذبها إليه حتى اقترب بجبهته من خاصتها وقال:
-تاخد بالها وماله، راجل وبيلعب مع مراته، بس مقولتليش رأيك في تغيير الحاجة معاكِ!

قال عبارته وهو يُقبل وِجنتها فيما أردفت بمرحٍ:
-أفضل بكتير طبعًا.
دفع الأرجوحة مرة أخرى مُضيفًا:
-وإن شاء الله مع الوقت مش هيكون في أي خلافات خالص.
شروق بأمل يخالطهُ شعور بالراحة:
-أتمنى.
تذكر "عِمران" أن الضيفة تنتظر بالداخل منذ زمن والعروس لم تحضر بعد فقال متبرمًا:
-صاحبتك مش ناوية تيجي ولا أيه؟! الكوافيرة زمانها اتحنطت وهي مُنتظراها!!.

التوى شدقها مُضيفةً باستنكار:
-كوافيرة؟! إنتَ لسه موجود في التسعينات معبرتش معانا بوابة الزمن لـ2021!!

رفع أحد حاجبيه ثم قال بلهجة غاضبة في ظاهرها ولكنها تميل بين الجدية والهزل:
-بتتريقي على جوزك يا زوجة ناشز!!!

زوت ما بين عينيها وقبل أن تسأل عن معنى الكلمة الأخيرة وجدته يدفع الأرجوحة بقوة فراحت تصرخ وصوت قهقهتها يتردد في المكان وهي تصيح بغيظ:
-وقف المُرجيحة دي لمَّا نشوف حوار ناشز دا.. وقف يا جدع إنتَ بقول لك!!

عِمران قائلًا بمكر:
-بشرط!!
ضغطت بغيظ شديد على أنيابها وراحت تنصاع قائلةً بكلمات متوعدة:
-اصبر عليا لمَّا أنزل.. اتفضل قول شرطك؟
عِمران يرد بنشوة واستمتاع هادئ:
-قولي «بحبك» بس بصوت عالي!!

شروق بضحكة خجِلة ترد:
-إحنا مراهقين ولا أيه يا عِمران، نزلني ولاحظ إن الست الوالدة زمانها بتقول عليه العوض ومنه العوض في ابني.
عِمران بإصرار يقول:
-ننجز لأن كل دا من وقتنا؟!
أنهى كلامه ثم فاجأها بدفعة أقوى من سابقتها جعلتها تصرخ عاليًا تنفيذًا لطلبه وتفاديًا للعواقب الوخيمة التي قد تنتج عن عناد كل منهما بالآخر.
»بحبــــــــــــــك».

استنشق الهواء في شيءٍ من الانتصار وراح يجذب الأرجوحة إليه عدة مرات حتى توقفت.
]]على الجانب الآخر]]

التوى شدق "تماضر" وهي تضرب كفًا بالآخر قبل أن تتحرك مُبتعدةً عن النافذة والتوجه لخارج الغرفة، هبطت الدرج ثم توجهت إلى غُرفة الضيافة ولكنها تفاجأت بوجود فتاة ما تجلس على إحدى الأرائك، انبسطت عقدة حاجبيها بدهشة وعتب على زوجة ابنها التي تترك ضيوفها وحدهم، تنحنحت بهدوء قبل أن تمد يدها لمُصافحة الفتاة وهي تقول بتساؤل مُهتم:
-أهلًا يا بنتي.. إنتِ صاحبة شروق مرات ابني؟!!

أومأت الفتاة سلبًا وراحت تصحح الأمور لها فقالت:
-أنا الميك آب أرتيست الخاصة بالعروسة، هي هتتأخر؟

تماضر وهي تضيق عينيها ثم تقول بنفي وحيرة:
-لا والله يا بنتي ما أعرف العروسة اسمها أيه بالظبط، أرتيسا ولا اسم تاني، بس هي اسمها مفيهوش سين، شكلك كدا جيتي عنوان غلط!!!
فغرت الفتاة شفتيها بعدم فهم فيما أكملت "تماضر" بلومٍ وتأثر:
-بس أنا عندي عتاب عليكِ يا بنتي، إزاي يعني منتيش عارفة اسم صاحبتك؟؟ أمال إنتوا صحاب إزاي يخربيت دا زمن!!

الفتاة وهي تتابع بنفي قاطعٍ:
-العروسة مش صاحبتي يا طنط والله.

تماضر وهي تكشر بوجهها ثم تقول بانفعال خفيف:
-أمال إنتِ مين يا بنت وعايزة أيه؟!

تنهدت الفتاة تنهيدة عميقة قبل أن تقول مرة أخرى:
-أنا الميك آب أرتيست يا طنط.. قصدي يعني أنا اللي هذوق العروسة.

لمعت عينا "تماضر" وهي تفهم أخيرًا شيئًا مما تقوله الأخيرة، وضعت كفها أسفل ذقنها ثم قالت بهدوء:
-أيوة أيوة أيوة.. مش تقولي من بدري إنك المزينة؟!!

صُدمت الفتاة من تداول هذا المُصطلح في الوقت الحالي ولكنها قدرت أن السيدة التي تجلس أمامها كبيرة جدًا تتحدث وفق مُصطلحات جيلها، تدبرت ابتسامة هادئة ثم أومأت تقول بإيجاز:
-أه مزينة.

في تلك اللحظة، رفعت "تماضر" أحد حاجبيها ثم تساءلت باهتمام:
-وهو الأرسست بتاعكم ديه يناسب ست مقامها عالي وكُبرة زيّ كدا؟!!

حاولت الفتاة ألا تخرج عن إطار الجدية في حديثها مع الأخيرة إلا أن ثمة ضحكة صاخبة تود أن تتحرك من بين شفتيها، جاهدت أن تبدو هادئة إلى أن قالت:
-إنتِ حلوة من غير أي حاجة يا طنط والله، ما شاء الله عليكِ.

انشرح صدرها جراء كلمات الأخيرة وما هي إلا لحظات حتى هبت من مكانها واقفةً ثم قالت بحزم:
-تشربي أيه بقى يا ضيفتنا أحسن مرات ابني مش فاضية، أصلها بتتمرجح.
انطلقت ضحكة قصيرة من فمها وهي تقول بصوت هادئ مُتحكمة في نفسها:
-فرابتشينو.
تماضر وهي تلوي شدقها مُضيفةً باستنكار:
-أيه؟!
الفتاة بتراجع تقول:
-حلبة يا طنط.. حلبة حصى.
••••••••••
-إزيك يا عم صالح يا طيب!
أردف نوح وهو يتحرك لداخل المزرعة بعد أن فتح "صالح" الأبواب له، أجابه الأخير بابتسامة ودودة:
-بخير يا دكتورنا.
أسرع "نوح" بالطرق على كتف الأخير ثم أضاف بنبرة مازحة:
-دكتورك أيه بس يا عم صالح.. متقولش كدا!!

انطلقت ضحكة مرحة من فم الأخير الذي فهم مُزحة "نوح"؛ فهما صديقين يتمازحان فيما بينهما بين الحين والآخر وقبل أن يتحرك "نوح" مُغادرًا إياه قال "صالح" بحزن:
-يعني خلاص مبقيتش زعلان مني يا دكترة!!

نوح بابتسامة ودودة يطمئنه:
-قولت لك مليون مرة إن ملكش ذنب في كل اللي حصل من يومين، متشيلش نفسك فوق طاقتها يا طيب.

ابتسم له ثم غادر على الفور، همَّ أن يتوجه إلى غرفة صديقه الذي يستعد للحفل ولكنه غيَّرَ وِجهته يتجول في المزرعة باحثًا عنها؛ فهو يعلم أنها في إجازة لحضور عقد قران الشيخ "تليد" ولكنه ليس مُتأكدًا إن كانت في المزرعة أو ذهبت للمنزل كي تستعد للحفل!
لم يفقد الأمل في العثور عليها فراح يتجول باحثًا عنها في كل زاوية ممكنة بالمكان حتى لاح طيفها أمامه قبل أن تقع عينيه عليها وتراهن أمام نفسه على أن هذا الطيف يخصها وما هي إلا لحظات حتى تجاوز المهجع الخاص بنوم العمال فوجدها بالفعل تجلس على الدكاك وتستظل تحت شجرة ويجلس معها طفل مؤكد أنه ابن أحد العمال وأنها تستذكر له بعض الدروس، مشى إليهما حتى وقف قبالتها مُباشرة وقال ببسمة هادئة:
-ممكن أزعجكم شوية؟!

رفعت بصرها إليه ثم بادلته ابتسامة ناعمة وقالت:
-اتفضل ازعجنا ومن غيغ ما تستأذن.

همَّ جالسًا بجوارها من الناحية الأخرى ثم نظر إلى ذراعها المجبور بعد أن تعرض لكسر عميقٍ إثر الدفعة التي تعرضت لها من قِبل أحد رجال عثمان قبل يومين، تنهد بحرارة وهو يقول راغبًا في الاطمئنان:
-لسه حاسة بدرجة الوجع اللي كُنتِ بتشتكي منها؟!

مُهرة تومىء برأسها سلبًا:
-أنا تمام بالعلاج والمُسكنات حاسة إني أفضل بس مش طايقة الجبيغة ومش عاغفة إزاي هستحملها 15 يوم.. دا أنا ما بعغفش أعمل أي حاجة لنفسي حتى باجي الشغل في المزغعة على الفاضي.

نوح بابتسامة هادئة:
-إن شاء الله هتخفي وتبقي حصان يا دكتوغة.

اِفتر ثغرها عن ابتسامة عريضة قبل أن تتجه بعينيها إلى كفه الملفوف بالضمادة ثم تابعت بتأنيب ضميرٍ:
-أنا آسفة إني السبب في الجغح اللي في إيدك!.. مكنتش أتمنى كل اللي حصل دا.

نوح بابتسامة عبثية:
-كُنتِ مستنياني أقف أتفرج عليه وهو بيتعرض لك والناس تقول نوح اللي فرط في اللي يخصه أهو!!
مُهرة بمشاعرٍ مختلطة تقول:
-أكيد لأ.. حاسة شوية بالذنب!

رفع "نوح" أحد حاجبيه ثم قال بمكر ومراوغة:
-طيب أنا عندي حل تكفري بيه عن ذنبك دا.

رمقتهُ بنظرات مُستفهمةً دون أن تنبس ببنت شفةٍ في انتظار استكماله للحل الذي أفصح عنه وبدوره تابع يقول بنبرة ثابتة بعد أن أصاب قلبها بغمزة من عينيه:
-تركبي معايا العربية ونروح الفرح سوى وتفضلي معايا طول اليوم.. معايا أنا وبس!

مُهرة وهي تزوي ما بين عينيها ثم تقول بحيرة:
-بس دا مش هينفع لأن إبغاهيم هيوصلنا بعغبيته!

نوح وهو يصيح مُتأففًا:
-يوووووووه إبغاهيم تاني يا مُهغة !.. أنا جبت آخري وفاض بالعبد لله.. بصي اركبي مع إبغاهيم براحتك وهيفضل ذنبي في رقبتك وقلبي غضبان عليكِ. 

أشاحت "مُهرة" بوجهها للجهة الأخرى ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وراحت تقول بتذمر طفولي:
-إبغاهيم دا يبقى ابن خالتي وقريب هيبقى خطيبي.. إنتَ بقى مين؟!!

هبَّ "نوح" من مكانه ثائرًا ثم اقترب أكثر منها وهو يصك أسنانه ببعضها ويكور قبضة يده ثم يقربها من عنقها مُضيفًا بزمجرة وغيظ:
-أنا اللي ربنا ياخدني علشان اتصيت في نظري وحبيت دكتوغة حيوانات راضعة معاهم.. منك لله يا شيخة.. حرقتي دمي.

انكمشت على نفسها تتفادى زمجرته فخبأت وجهها بذراعيها حتى غادر من أمامها مُباشرةً بينما خفق قلبها خفقًا لا يخمد مُطلقًا وبرزت ابتسامة النصر على شفتيها ورغم اعترافه لها في غفلة ومدة لا تتجاوز الثانية إلا أن مذاق المشاعر منه لا يُضاهيه كل اللحظات الجميلة التي عاشتها في عمرها كله، أسرعت بوضع كفها أعلى يسار صدرها فوجدت أن الأمر يزداد سوءًا وأن قلبها أعلن عن مراسم تتويجه الرجل الأكثر تأثيرًا عليه وجذبًا له.
•••••••••••

ألقى بالسيجارة أيضًا ثم دعسها بقدمه وهو ينتظر قدومها وقد تأخرت عليه كثيرًا هذه المرة؛ كلما استقرت أمواج هذه العلاقة وهدأت كلما فعلت هي ما يدفع الأمواج للهياج مرة أخرى؛ فقد أخبرها سابقًا أنه جاء لتأمينها وقيادة السيارة من أجلها وهذا ليس معناه أن يكون شيئًا آخر كخادمٍ أو طوع أمرها وعليها أن تحترم شخصه الذي لا يتقبل المساس بكبريائه وأن احترام المواعيد أمر لا يستهان به بالنسبة إليه.

زفر متأففًا حتى وقعت عيناه على أعواد الثقاب المُلقاة تحت أقدامه وكذلك عدد السجائر التي استهلكها وهو ينتظر مجيئها فزاد غضبه الضعفين، لحظات ولمحها تأتي من بعيد ولكنها ليست بمُفردها؛ فقد جاء معها شقيقها الذي يسمع عنه كثيرًا ولم يره من قبل، سارت تدفع مقعد شقيقها أمامها إلى أن وصلت إليه وبنبرة هادئة قالت:
-آسفة على التأخير يا كاسب.. عُمر أخويا هنوصله في طريقنا للمطعم اللي هيتقابل فيه مع أصحابه.

أمد "كاسب" كفه نحو الأخير وقال بابتسامة ودودة:
-إزيك يا عمر؟!
صافحهُ "عُمر" مبادلًا إياه ابتسامة مثيلة وقال:
-الحمد لله.
كاسب بملامح لينة:
-يارب دايمًا.

استدار كاسب حتى قبض على الكرسي من الخلف ثم دفعه نحو الباب بينما أسرعت "سكون" بفتح الباب، انحنى "كاسب" إلى الأخير ثم قام بحمله بين ذراعيه حتى أجلسه داخل السيارة وبعد ذلك قام بطيَّ الكرسي حتى تضاءل حجمه وتمكن من وضعه على المقعد المجاور لمقعد القيادة. صعدت "سكون" إلى السيارة جالسةً بجوار شقيقها وهي في طريقها لإنجاز مشوار تأجل لعدة مرات وحان الوقت للقيام به.
-عُمر؟.. علشان خاطري متتهورش وفكر مليون مرة في اللي قولته لك.

تنهد بحرارة ثم قال بحزم:
-ممكن تبطلي خوف ملوش داعي، أنا مش طفل يا بنتي.
سكون وهي ترد بتذمر واحتجاج:
-يعني أشوفك بترمي نفسك في الخطر وأقف أتفرج وأقول دا مش طفل!!.. مش كل اللي بيرموا نفسهم في المخاطر أطفال، في ناس بتكون واعية كفاية وكل خطواتها بحساب وبتقع يا عُمر!!.

عُمر بابتسامة مُتهكمة يرد:
-أنا كدا كدا واقع يا بنتي، إنتِ شيفاني واقف مثلًا!.

تنهدت تنهيدة ممدودة بعُمقٍ قبل أن تقول باستسلام:
-ربنا يهديك يا عُمر وتبطل تحطيم لمقاديف نفسك.

أشاحت بوجهها للنافذة وعلامات الضيق تكسو وجهها الحزين، كان يتابعهما عبر مرآة السيارة القابعة أمام عينيه ولأول مرة يأخذه الفضول نحو معرفة الأمر وهو الذي لا يُبالي بشؤون الناس على الإطلاق.

ساد الصمت المكانَ حتى تابعت هي بهدوء:
-لحظة هنا يا كاسب.

توقف "كاسب" على الفور أمام مطعمًا شهيرًا لتقديم المشاوي، نزل من السيارة وعاونته "سكون" على إخراج المقعد فيما حمل الأخير "عُمر" وأجلسه في مكانه وما هي إلا لحظات حتى جاء "غسان" الذي تولى مهمة دفع مقعد صديقه والتوجه داخل المطعم، لم يشعر "كاسب" بنفسه إلا والأخيرة تدفع كتفه برفق بعد أن فشل في سماع كلماتها وهي تطلب منه أن يركب كي تتمكن من اللحاق بالموعد الخاص بها ولكنها تعجبت من وقوفه مُتسمرًا ينظر إلى أخيها في حالة من التركيز والصمت الغريب، لكزته في كتفه مرة أخرى وقالت:
-كاسب؟ إنتَ روحت فين؟؟

حرك أهدابه لعدة مرات قبل أن يستدير برأسه لها ويقول باستيقاظ:
-معلش.. سرحت شوية.
أومأت برأسها تصعد إلى المقعد الأمامي فيما لحق بها هو وقاد السيارة مُنطلقًا على الفور ومازال الحوار الذي دار بينهما مُرابطًا داخل رأسه لم ينفك عنها حتى قال بفضول جامح:
-هو أيه الخطر اللي قولتي عليه دا؟؟ هو عُمر واقع في مشكلة؟!

سكون بابتسامة هادئة:
-إنتَ ليه مُهتم أوي كدا؟! متقلقش أخويا في أمان طول ما أنا جنبه ومقدرة جدًا رغبتك في مساعدتك له.

كاسب بإيماءة بسيطة ونبرة هادئة:
-مش عارف ليه حسيت للحظة بالمسؤولية ناحيته!

اخترقت قلبها بؤرة منيرة من السعادة فتابعت برقة:
-مُمتنة جدًا على شعورك النبيل ناحية أخويا.. إنتَ متعرفش كبرت في نظري أد أيه.. أنا اللي يحب أخواتي يكسبني للنهاية.
كاسب بهدوء:
-ربنا يديم الحب والخير بينكم.
••••••••••
وقف بشموخه المُعتاد أمام المرآة التي عكست له مظهره الأنيق بداية من لحيته المشذبة اللامعة مرورًا بربطة عنقه والدبوس القابع على صدره على هيئة ثمرة ما وكذلك أزرار سترته ذات الذوق الرفيع المُطعمة بماء الفضة الذي يتلاءم مع لون البذلة الرمادي والقميص الأبيض، اِفتر ثغرهُ عن ابتسامة ساحرة وهو يطالع هيئته في المرآة ويجد السعادة المهللة على وجه صديقه تغمر الغرفة بأكملها، استدار "نوح" حتى وقف قبالته مباشرةً ثم قال بإعجاب كبيرٍ:
-عريس زيّ الكتاب ما قال، مُبارك يا رفيقي.

أسرع بالارتماء بين ذراعي "تليد" الذي شدَّ على ظهره بامتنان كبير وتطايرت السعادة من حولهما إلى أن تنحنح "نوح" وهو يبتعد قليلًا مُضيفًا باهتمام:
-مبسوط إنك بتحقق حلم طفولتك!!
تليد وهو يرد بتيه وهُيام:
-مش مُتخيل إن كلها كام ساعة وهتبقى حرمي.. حلالي.. مش هعمل حساب لكل نظرة مني ليها أو أخاف ألمس إيديها فأكون آثم، دي كانت حلم وكنت شايف مستحيل في تحقيقه بس ربنا مهانش عليه  حلمي وشوقي ليها وأنا بألح كل يوم وادعي له.. الإلحاح في الدعاء بيغير الأقدار يا نوح.. خليك لحوح.

نوح وهو يطبطب على ظهر صديقه مرة أخرى ثم يقول:
-أنتَ نبتة الأمل ليا.. كُل ما بشوف صدقك مع ربنا بسعى أكون عندي جزء ولو بسيط من الرضا اللي جواك.. أنا سعيد لأنك وصلت لبر الأمان مع اللي قلبك اختارها.

تليد وهو يبتعد قليلًا ثم يقول بحبورٍ:
-العقبى لك، المحبوبة موجودة وبرا الأمان مستني.
نوح بابتسامة ودودة:
-قريب يا صاحبي.. قريب أوي.
سكت هنيهة ثم أضاف متذكرًا:
-أنا دلوقتي هكون موجود في الحفلة إمتى؟!!
تليد بتفهم:
-هنروح مع بعض بس مش هتظهر في الصورة إلا بعد كتب الكتاب علشان متشوش عليها.
نوح مومئًا بحسم:
-عُلم ويُنفذ.
•••••••••••
-مش عايز أشوف حد يا نبيلة، محتاج أقعد مع نفسي شوية!
صاح بصوت هادرٍ يمنعها من اختراق خصوصيته والابتعاد عن الغرفة تمامًا فهو في حالة تمنعه من الاحتكاك بالآخرين، ابتلعت غِصَّة مريرة في حلقها وهي تقول بنبرة مُرتجفة من خلف الباب الموصد:
-عثمان، إنتَ مأكلتش حاجة من يومين؟؟.. علشان خاطري.. بلاش تقعد على السفرة أنا هجيب لك أكلك في المكتب!!!

عثمان بانفعال عظيمٍ:
-قولت لأ.
انتفض جسدها ذُعرًا وأثرت الابتعاد عن الغرفة فضلًا عن إثارة حنقه، سارت مُبتعدةً عن الغرفة في إذعان، فيما تحرك نحو النافذة وراح ينظر من خلالها ولا يرى أمامه سوى ذلك المشهد في تلك الليلة حينما هاجم مزرعة الشيخ "سليمان" عندما عَلِمَ برغبة تليد السروجي من الزواج بابنة خادم قصره؛ فقد ظن عثمان أن تليد فعل ذلك رغبةً في الاتفاق عليه مع هذه الفتاة وأهلها كما اتفق مع حمدي زهران على الإيقاع بشركته ومصانعه والنيل منه، هذه الظنون هي التي يتبناها دون أن يتأكد حتى من صحتها أو خطئها.
فار فائرهُ كلما تخيل أن ابنة علام ستُصبح فردًا من هذه العائلة الكبيرة وسيكون لها إرثًا من أملاك أبيه وأجداده وتتساوى الرؤوس التي كانت محال أن تلتقي يومًا، ضغط على أنيابه بحنق وهو يتذكر كُل تفصيلة بذلك اليوم والسبب الذي أدى إلى وجود ندوب خفيفة على وجهه.

-الشيخ سليمان مش موجود يا أستاذ.

أردفت "مُهرة" بثبات فيما أسرع أحد رجاله بدفعها بقوة حتى سقطت على ذراعها أرضًا، صرخت "مُهرة" بألم جامحٍ وصل إلى مسامع الأخير الذي هرول بنيران مُشتعلة في داخله قبل عينيه، صرخ "نوح" عاليًا باسمها حينما وجدها مُلقاة بالأرض ورجال عثمان يلتفون حولها غير عابئين بما فعلوه من كارثة:
-مُهررررررررة!!

هرع إليها فورًا بعينين يتطاير الشرر منهما وما أن وصل إليها حتى قبض على ذراعها أن تنهض بينما أجهشت بالبكاء وهي تشكي ألمًا في ذراعها بصرخات مكتومة، تركها مهرولًا إليهم حتى أنه بدأ يضرب بقبضته كل من يعترض طريقه ولكنه هيهات أن ينتصر على عُصبة، أسرع أحد الرجال بتقييد ذراعيه ثم قاده نحو سيارة عثمان الذي راح ينظر إليه بكُره من خلف الزجاج بينما سأله الرجل بلهجة صارمة:
-فين مكان الشيخ سليمان؟!! 

هدر "نوح" قائلًا بحدة:
-ابعد إيدك الأول واتكلم معايا راجل لراجل.

أشار له "عثمان" أن يتركه ففعل الرجل وكانت هذه الضربة القاضية بالنسبة لعثمان الذي لم يتخيل تجرؤ شاب عليه أو ترك بصمته على وجه "عثمان السروجي"، انتهز "نوح" التحرر من قبضة رجال عثمان وقام بتوجيه ضربة ضارية نحو زجاج النافذة التي يجلس عثمان وراءها مما أدى إلى تهشم الزجاج إلى شظايا أصابت وجه عثمان الذي حدق مذهولًا وقد كان لكف "نوح" حِصة من هذه الشظايا.

صرخ "عثمان" مُتألمًا وهو يتوعد للأخير بالقتل والانتقام فأمر رجاله أن ينهالون عليه بالضرب حتى تنقطع أنفاسه، ظلت "مُهرة" تصرخ بانهيار حينما تجمع الرجال حوله وبدأوا يكيلون له لكمات ضارية ومُميتة وما كان منها إلا أن هرولت تصرخ في أرجاء المزرعة وتجمع العمال لنجدة "نوح" وبالفعل تجمع عمال المزرعة وفي أيديهم عُصيان غليظة وما أن رأى رجال عثمان هذا المشهد حتى ركبوا سياراتهم ورحلوا في الحال.

لا يستطيع "عثمان" أن ينسى وجه "نوح" وهو يرمقهُ بكُره ويقذف شظايا الزجاج في وجهه ولم يكتفِ بما أصابهُ بل يريد أن يحقق عليه انتصارًا أكبر؛ فما فعله لم يكُن كافيًا لإشباع غريزة الانتقام داخله.
••••••••••

وقفت تحبس غضبها داخلها حينما طلبت منها السكرتيرة أن تتجه إلى مكتب مديرتها التي علمت بقدومها وتنتظرها، أومأت "سكون" إيماءة خفيفة قبل أن تسير بشموخٍ إلى غرفة المكتب، طرقت الباب بهدوء ثم فتحته مُتجهةً داخل الغرفة، حدقت "سكون" في الجالسة أمامها بانبهار ودهشة لا تُنكر أنها تقف أمام أيقونة من الرقة والأنوثة.. أيقونة لا يليق بها حرب عالم الأعمال والتجارة.. أطالت التحديق فيها إلى أن سمعت صوت نجلا يقول بثبات:
-اتفضلي يا آنسة سكون!!

أومأت بهدوء وهي تتجه كي تجلس على الكرسي المقابل لها، لم تكن "سكون" تقل عنها ثقة بالنفس بل إنهما في نفس الدرجة تقريبًا، تنحنحت "سكون" بهدوء قبل أن تقول بلهجة ثابتة:
-أنا سكون عثمان السروجي.. أعتقد سمعتي اسم والدي قبل كدا؟؟؟

في لحظة سريعة من هذا الاعتراف تغيرت معالم وجهها في الحال، رمقتها "نجلا" ببضع نظرات غريبة لا تفسير لها؛ ولكنها تداركت هذا فورًا وراحت تشبُك يديها ثم تقول بهدوء:
-عثمان السروجي عدو زوجي اللدود واللي نهايته هتكون على إيدي أنا!.

حدقت فيها "سكون" بصدمة كبيرة وعينان تقدحان بالشرر ثم قالت بنبرة حادة لا تقبل من خلالها التجاوز في حق شخص والدها:
-جايبة الثقة دي منين يا مدام نجلا؟!! وليه متكونش نهايتك إنتِ على إيدينا؟؟؟

اِفتر ثغر "نجلا" عن ابتسامة ساخرة ثم أردفت بثقة:
-والله الساحة قدامنا والعِبرة بالنهاية وجود لاك!.

استنشقت "سكون" الهواء داخلها في محاولة منها لكظم غيظها والتريث حتى تستطيع قراءة ما تسعى له الأخيرة فقالت ببرود:
-إنتِ عايزة أيه من الآخر؟!!
نجلا بابتسامة صفراء:
-روح أبوكِ.

وسرعان ما ارتفعت ضحكتها وهي تقول بتصحيح طفيف:
-روحه في عالم التجارة لو فاهمة غلط يعني!!

سكون وهي ترمقها بنظرات مُتفحصةً ثم تحاول كسبها لصالحها:
-أيه رأيك نسعى لإذابة الجليد بينا ونحسن العلاقات ودا هيكون أفضل لينا وليكِ!!!

نجلا وهي تقف في مكانها ثم تقول بلهجة صارمة توجز بها الكثير من العبارات التي يمكن أن تُقال:
-أنا كويسة طول ما عثمان السروجي مش كويس.. مع السلامة.

سكون وهي تقف في شموخٍ ثم تجابهها بنظرات متحدية:
-الحرب بينا هتكلفك خساير كبيرة أوي يا مدام نجلا.. حاولي وإنتِ في حربك معانا تكوني رقيقة زيّ هيئتك علشان لمَّا تقعي نعاملك برحمة.. بدل ما ندبحك بسكين تلم يكون حامي علشان متحسيش بالألم وتتعذبي موتًا!

حدجتها "نجلا" بحدة دون أن تنبس ببنت شفةٍ لتنطلق الأخيرة خارج المكتب فيما ارتمت "نجلا" على كرسيها مرة أخرى وراحت تطبق أسنانها وهي تردد باختناق وعينين دامعتين:
-نهايتك قربت يا ابن السروجي.. مبقاش نجلا زهران لو ممحيتش اسمك من على وش الدنيا.
•••••••
-عثمان.. عثمان.. اهدا يا عثمان وقول لي واخد السلاح دا ورايح على فين؟!

صرخت "نبيلة" فيه بنبرة باكية مُتقطعة وهي تتشبث بذراعه فيما يقبض هو على سلاحه ويتجه خارج بوابة القصر، لم تتوقف "نبيلة" عن الصراخ خاصة بعد أن دفعها بقوة نارية لتسقط على الأرض بينما تابع هو مُرددًا بلهجة انتقامية:
-هخليه مأتم مش فرح.. نهايته هتكون دم!!!!!!!!!!!!
يتبع


 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent