رواية حب رحيم الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم سمر عمر
المشهد 21 " ذهاب.. وعودة.. "
" فيلا رحيم.."
دلف إلى المرحاض ثم وضع جسده أسفل الماء الساخن مستند بيديه على الحائط المقابل له واغلق عيناه يشعر وكأن الماء يتساقط عليه كالرصاص فيضرب على الحائط بقبضة يديه يجز على أضراسه بشدة حتى تحرك صدغاه.. ثم رفع رأسه إلى الماء ومسح على شعره المبلل من الأمام إلى الخلف عدة مرات ثم مسح على وجهه ..بعد دقائق ليست قليلة خرج من المرحاض مرتدي سروال قطني أسود وكنزة قطنية بذات اللون ..كانت المياه تسقط ببطء من بين خصلات شعره الكثيف على كنزته ومسح على شعره من الخلف متجه نحو الفراش.. اراح بدنه عليه ينظر إلى السقف بعينين ذابلتين من الألم والندم.. رفع يده وتشبث في كنزته من الأمام هامسًا :
-مفتقدك
دق الباب نظر إليه ليجد علاء يدخل مغلقًا الباب خلفه ثم جلس إلى جواره وقال :
-المحامي كلمني وقالي أن رؤوف الشاذلي اتقبض عليه ولما انكل مختار عرف راح يقدم بلاغ أن هو اللي قتل بابا الله يرحمه
-كان المفروض يتقبص عليه من زمان.. لكن هو هرب الجبان
نظر علاء إلى الأمام وتساءل بنبرة عتاب :
-ندى ذنبها إيه يا رحيم ؟
ليغلق عينيه بقوة ثم ادار رأسه إلى الاتجاه الأخر وقال بحنق :
-ممكن مانتكلمش في الموضوع ده دلوقت
نظر إليه بتأثر ثم ربت على كتفه و وجد نفسه يقبله على رأسه بحنان ثم نهض عن الفراش متجه نحو الباب ومن ثم خرج مغلقًا الباب خلفه.. تناول رحيم الهاتف من أعلى المنضدة وفتحه ليرى صور ندى وبعض الصور التي تجمع بينهم ..مسح بإبهامه على شفتيها المبتسمة.. واخذ يسأل نفسه بعتاب ودهشة كيف كان السبب في سعادتها والأن هو السبب في تعاستها ؟!.. كيف له أن يقسو عليها لهذه الدرجة ؟!.. ليتذكر كلماته التي قذفها في وجهها أثناء موجة غضبه ليلعن نفسه وقلبه على كل كلمة خرجت من فمه جرحتها.. رفع جذعه عن الفراش وتناول علبة السجائر وأخذ سيجارة ليدخن بعصبية وقال بندم قاتل :
-هانت عليك ازاي ؟! ..أه يا قلبي
..بعد مرور عدة أيام وصل إلى ندى خبر وفاة والدها بأزمة قلبية حادة أثناء التحقيق معه ..لتذهب إلى المنزل وكانت تجلس على المقعد ترتدي سروال أسود وستره فضفاضة بذات اللون ..و حولها الكثير من سيدات العائلة كانت تنظر إليهم ودموعها تهبط على وجنتيها ببطء فلم تتعافى بعد من جرح رحيم ليأتي خبر وفاة والدها ليزداد الوضع سوء ..أيًا كان ما فعله معها لكنها تحب والدها وأخذت تدعو له كثيرًا..
جاءت السيدة وفيه لتقدم التعازي إلى جدة ندى بينما نهضت ندى عن المقعد لتحتضنها فبادلتها وفيه بالعناق القوي لتبكي ندى في أحضانها فقالت بحزن :
-شدي حيلك يا بنتي وادعيله
ابتعدت عنها وهي تومئ بالموافقة ثم أشارت إلى الأريكة عازمة عليها بالجلوس لتجلس بجوار الجدة فيما جلست ندى تنظر إلى الأرض واضعة يدها على صدرها الذي يؤلمها ثم احتضنت نفسها بعد ذلك ..بعد دقائق وقف علاء أمامها يمد يده إليها فرفعت رأسها لتنظر إليه ثم صافحته متمتمه بالشكر على وجوده فربت على ظهر يدها وقال بهدوء :
-البقاء لله يا ندى ..شدي حيلك
قالت بنبرة بكاء :
-ونعم بالله ..متشكره
ثم سحب يده من يدها وطلب من وفيه أن تأتي معه فنهضت ندى لتودعها بالعناق القوي ثم تركتها وغادرت برفقة علاء ..جلست ندى تنظر إلى الفراغ في دهشة من عدم وجود رحيم ..كيف له أن يعلم ولا يأتي ليكون بجانبها و يواسيها على الأقل؟!.. وجدت نفسها تبكي مغلقة عينيها وهمست بألم :
-ربنا يسامحك يا رحيم
ما أن أنهت حديثها ورن هاتفها فأخذته من أعلى المنضدة ونظرت إلى شاشته التي تضئ باسمه فحدقت بها للحظات ثم فصلت صوت رنين الهاتف ووضعته كما كان لتستند برأسها إلى المقعد تبكي قهرًا على ما حل بها
***
" فيلا رحيم.."
كان ينظر إلى المكالمة التي تنتهي دون أن تجيب عليه واتصل عليها لثالث مرة لكن بلا جدوى ..فوضع الهاتف جانبًا ثم استند بمرفقيه على المكتب ليستند بجبينه على قبضتي يديه ..ظل على هذا الحال لمدة من الزمن و مازال يلعن قلبه على ما فعله بها ..دخلت السيدة وفيه المكتب ليشعر بوجودها ورفع رأسه إليها وتساءل باهتمام :
-ندى عاملة إيه ؟
قالت بحزن واضح :
-مقهورة ..ربنا يعينها..
ثم تابعت بتأكيد :
-بس هتتقهر اكتر لو أنت مروحتش
ضرب على المكتب بقبضة يده وقال بحده :
-لأ.. مستحيل أروح اعزي فيه
-مش علشانه دا علشان ندى
جز على أضراسه ونهض عن المقعد وهو يقول بعصبية :
-قلت لاء
قالت بهدوء :
-طيب براحتك ..على الأقل كلمها
لينظر إلى الهاتف قاطبًا حاجبية بحزن وقال بصوت مبحوح :
-بس هي ترد ..ندى مش عايزة ترد عليا
-أبوها اللي أنت سبتها بسببه مات ..الدنيا دي يا بني ولا حاجة ..حاول مع ندى تاني واتمنى ترجعلك
أنهت حديثها وخرجت مغلقة الباب خلفها فجلس على المقعد وتناول الهاتف ليتصل عليها ثانيةً لكنها لم تجيب عليه فقبض على الهاتف بقوة ثم ألقى به على المكتب بعصبية..
بعد لحظات نهض عن المقعد ثم خرج من المكتب متجه نحو الغرفة التي كانت تجلس بها ..و دلف إلى الداخل مغلقًا الباب خلفه اضاء المصباح الكبير ليرى كل شيء بوضوح ثم أقترب من الفراش وتحسسه بيديه ليرى على الوسادة البيضاء خصله سمراء من شعرها فوضع يده عليها ثم تركها بهدوء واتجه نحو المرآة.. وقف ينظر إلى أغراضها بابتسامة حزينة ظهرت على شفتيه وحمل زجاجة عطرها وضعه بالقرب من أنفه يستنشق عطرها بعمق مغلقا عيناه ليشعر بها كأنها أمامه وهو يدفن وجهه بين ثنايا عنقها البراق ..ثم تنهد بهدوء تام فقد شعر بالسكينة بمجرد أن استنشق القليل من عطرها فماذا عن وجودها ؟!..
" دعيني أقترب منكِ واشق اضلعي من شدة عناقي لكِ كي أخبرك كم أنا مشتاق ..دعيني أضع يدك على قلبي مباشرةً لتشعري بدقاته التي تؤلمني في كل لحظة وأنتِ بعيدة عن ذلك القلب المسكين.. عطرك جعل قلبي يهدأ من ألم الاشتياق وكأن اضلعه تعانقك لم يعلم أنه مجرد جزء بسيط منكِ .."
لمس بأنامله كل شيء يخصها ثم اتجه نحو الخزانة وقام بفتحها وتناول كنزة بيضاء سبق وارتدتها من قبل ..دفن وجهه بها يستنشق عطرها بشق الأنفس ثم هبط بتلك الكنزة إلى صدره ليحتضنها بشدة وهو يلهث بصوت مسموع ثم أغلق الخزانة واتجه نحو الفراش ليأخذ خصلة شعرها ثم خرج مغلقًا الباب خلفه بهدوء..
صعد إلى غرفته و وضع زجاجة العطر أعلى الفراش وبجوارها الكنزة ثم دلف إلى الخزانة وتناول علبة مكعبة كان داخلها ساعة ..حمل الساعة وضعها جانبا ليضع خصلة شعرها في العلبة ثم خرج ليغرق العلبة من الداخل والخارج بعطرها وجلس على حافة الفراش ينظر إلى خصلة شعرها بابتسامة باهته ثم رفع مقلتيه لينظر إلى الأمام
***
"بعد مرور عدة أيام.."
وصلت ندى إلى الفيلا بعد أن علمت بخروج رحيم و وقفت تدق جرس الباب وبعد لحظات فتحت وفية الباب فابتسمت ندى بينما هي شهقت بسعادة ثم احتضنتها بشدة معبره لها عن مدى اشتياقها لها ثم أدخلتها وأغلقت الباب وأخذت تنادي كلًا من ريان وأشرقت ..دخلا من باب الحديقة ثم ركضا إليها فاحتضنتهم بقوة ثم قبلت كلًا منهم على وجنته ونظرت إليهم بابتسامة واسعة متسائلة :
-أخباركم أي يا حلوين؟!
-مش كويسين من غيرك
قالتها أشرقت بتذمر طفولي فزمت ندى شفتيها بحزن طفولي فيما قال ريان بجدية :
-وأنا بلعب ساعة واحده بس بلاي ستيشن
قبلته ندى على وجنته وقالت بمرح :
-أنت حبيبي وشاطر علشان بتسمع الكلام..
ثم صفقت بيدها متابعة :
-يلا اسبقوني على الجنينة علشان هلعب معاكم
رفعا أيديهما إلى الأعلى بسعادة ثم ركضا إلى الحديقة ..فنهضت ندى ونظرت إلى السيدة وفيه وقد اختفت ابتسامتها وقالت بحزن :
-أنا جاية اخد حاجتي و أقعد معاهم شوية بعدين امشي
-يعني خلاص يا ندى هتسبينا بالسهولة دي
عضت على شفاها السفلية من الداخل وقالت بنبرة مؤلمة :
-أسفه ..غصب عني
ثم تركتها واتجهت نحو الغرفة لتحضر امتعتها ولفت نظرها عدم وجود تلك الكنزة وزجاجة العطر لتعلم أن رحيم قد دخل إلى هنا وأخذهم كما أخذت هي زجاجة عطره وقميصه من قبل.. بعد أن أخذت كل شيء يخصها خرجت لتضع الحقيبة في السيارة ثم عادت إلى الأولاد لتقضي معهم وقت ممتع دون أن تشعر بعقارب الساعة التي تتحرك ..كانت تمارس معهما لعبة كرة السلة وحملت أشرقت لتضع الكورة في السلة دون أن تنتبه من العيون التي تراقبها بحب واشتياق ويتقدم نحوها بخطوات بطيئة.. بينما هي أنزلت أشرقت ثم حملت ريان ليضع الكورة في السلة فصفق بيديه ثم أنزلته وهو يقول :
-يلا الدور عليكِ يا ندى
انحنت بجذعها لتحمل الكورة و وقفت على أصابع قدميها رافعه يديها لعلها تصل إلى السلة لكنها لن تستطيع وتفاجأت بيديه على خصرها رافعًا إياها عن الأرض فالتفتت برأسها تنظر إليه في دهشة.. ليرفع رأسه وينظر إليها بلمعة الاشتياق المنبعثة من القلب.. لتفيق من شرودها على صوت أشرقت التي تطلب منها أن تضع الكورة في السلة لكنها لم تفعل.. فتركت الكورة تسقط من بين يديها وحاولت التحرر من قبضته لينزلها برفق.. ابتعدت عنه فورًا وشعرت بالتوتر فقال بصوته الرجولي :
-نورتي البيت وفتحت الورود بوجودك
ابتلعت لعابها بتوتر بمجرد أن سمعت صوته الذي اشتاقت إليه كثيرًا لكنها تماسكت أمامه وقالت بحده :
-أنا جايه اخد حاجتي وامشي
ضيق عيناه قليلًا وقال بنبرة ترجي :
-من فضلك ممكن نتكلم لوحدنا شوية
شعرت بالحنين له لكنها أخفت هذا وراء حدتها وقسوتها المصطنعة :
-مش فاضيه أتكلم مع حد
ثم اقتربت من ريان لتحتضنه وقبلته على رأسه و ودعت أشرقت بذات الطريقة بعد ذلك تحدثت بنبرة ضيق :
-هكلمكم كل يوم ها ..متزعلوش بقى
لتنظر أشرقت إليها بحزن فصعب عليها نظراتها تلك واحتضنتها بشدة وأشارت إلى ريان ليركض إليها واحتضنته هو الأخير تحت أنظار رحيم الذي يبدو عليه الحزن الشديد والندم معًا ..ثم تركتهم وغادرت بخطوات سريعة وبمجرد أن دخلت الفيلا ركضت إلى الخارج دون أن تودع وفيه حتى لا يلحق رحيم بها ..لكنه أتبع خطواتها بخطوات واسعة ودخل ليراها تخرج من الباب فركض مسرعًا وخرج ليفتح باب السيارة وسحب المفتاح من المحرك كي يجبرها أن تتحدث معه ..فمدت يدها إليه دون أن تنظر إليه وقالت بحده بالغة :
-هات المفتاح
-مش قبل ما أتكلم معاكِ..
دفنت وجهها في كفيها فقال بقهرة الندم :
-ندى أنا هموت ونرجع لو ليوم واحد
جزت على أسنانها وضربت على المقود بعصبية وقالت بدفعه بالغة :
-وأنا مستحيل أرجع مستحيل.. مستحيل أثق فيك تاني..
وجدت نفسها تبكي وتابعت بألم حاد :
-أنت خلتني اخاف من كل حاجة حلوه حواليا ..خلتني أبطل اثق في نفسي..
شهقت شهقات متقاطعة ومدت يدها إليه متابعة بنبرة اهلكها ألم البكاء :
-هات المفتاح خليني امشي أرجوك
مسك بيدها وضعها على قلبه مباشرةً وقال بألم :
-ندى أنا قلبي بيوجعني من الندم ..أرجوكِ يا ندى ارجعيلي وانا اوعدك بأيام تنسيكي كل ده
أدارت رأسها إلى الاتجاه الأخر وابتلعت لعابها بصعوبة وقالت بصوت مبحوح :
-هات المفتاح عايزة امشي
تنهد بعمق ليشعر بألم حاد في صدره ثم مسك بيدها ورفع إياها إلى حيث شفتيه يقبلها برقة.. فحاولت سحبها لكنه شدد عليها ثم وضع المفتاح في راحة يدها.. فأغلقت يدها عليه ثم أغلقت الباب وضعت المفتاح في المحرك لتشغل السيارة ثم رفعت زجاج النافذة ليضع يده عليها وتحركت بالسيارة فنظر إليها حتى اختفت من أمام عيناه وتأوه بخفة ثم فرد ذراعيه وقال بصوت عالي :
-يا رب
***
..عند وصولها إلى المنزل دلفت إلى غرفتها مباشرةً وألقت بنفسها على الفراش تبكي متأوه بصوت عالي حتى جرح حلقها من الصراخ ثم احتضنت الوسادة الصغيرة إليها وأخذت تنادي ربها مرارًا وتكرارًا وتترجى في الدعاء أن يعفُ عنها ويداوي قلبها المجروح ..وبعد دقائق هدأت تدريجيًا ثم دلفت إلى المرحاض لتتوضأ وخرجت ترتدي جلباب فضفاض وحجاب و وقفت تصلي فرضها والدموع تهبط على وجنتيها ببطء ..بعد أن انتهت جلست على السجادة تذكر ربها وتلح في الدعاء لمدة نصف ساعة تقريبًا ..ثم نهضت لترتاح على الفراش..
"بعد مدة من الزمن.. "
رن هاتفها فأخذته لترى أسم صديقتها فأجابت عليها فورًا وأخذت تتحدث معها كثيرًا حتى أخبرتها بمنحة في أكاديمية معروفة في أطاليا ..فتحت ندى الحاسوب ودخلت على الموقع الذي أخذته من صديقتها وقامت بتسجيل بياناتها بالكامل وارسلتها لترى أن الرد سيصل لها غدا سواء بالموافقة أو الرفض ..ثم أغلقت الحاسوب وانهت المكالمة مع صديقتها لتخرج بعد ذلك من غرفتها وجلست مع جدتها في الصالة..
أنهت قراءتها للقرآن بـ " صدق الله العظيم " ثم أغلقت الكتاب و وضعته أعلى المنضدة ونظرت إليها باهتمام قائلة :
-ناوية تعملي إيه بعد كده ؟..
تنهدت بعمق وقصت عليها ما حدث فقالت في دهشة :
-عايزة تسافري وتسبيني يا ندى
مسكت بيدها لتقبلها ثم نظرت إليها بمرح قائلة :
-نانا كلهم معاكِ ..انا محتاجة أسافر علشان ادرس
-يا بنتي ما أنتِ معاكِ شهادة
لتقول بحزن طفولي :
-نانا أنتِ عارفه ان الشهادة دي اخدتها غصب عني ..وكنت بعدي بالعافية
قالت مضطرة :
-براحتك يا ندى ..المهم عندي سعادتك
اتسعت ابتسامتها وقالت بسعادة :
-حبيبتي يا نانا ادعيلي بقى يوافقوا عليا..
ثم نهضت من مكانها وتخيلت لنفسها حياة جديدة بعد السفر متابعة بحماس :
-الاكاديمية دي فيها أقسام كتيرة جدًا هقعد شهر أتعلم الأقسام دي كلها والقسم اللي هنجح فيه هدرسه..
ثم جلست على ركبتيها أمام جدتها وتابعت بحنين :
-سنتين بالظبط وارجعلك يا أجمل نانا في الدنيا
..في المساء كانت تعبث في حاسوبها حتى غلبها النوم وسقطت رأسها على الوسادة ..ليذهب الليل سريعًا ويأتي النهار فاستيقظت بوجه عابس على صوت رسائل تصل إليها عن طريق الحاسوب ..نظرت إليه بنصف عين وضغطت على زر عشوائي لتضيء شاشته واقتربت برأسها من الشاشة لترى رساله من الأكاديمية بالموافقة على انضمامها ..دعكت عينيها بيديها ونظرت إلى الرسالة ثانيةً بعدم تصديق ثم رفعت ذراعيها للأعلى تصرخ بسعادة ونهضت عن الفراش وخرجت تستدير حول نفسها تنادي جدتها لتخبرها بأنها في غرفتها فدخلت الغرفة وجلست على حافة الفراش واحتضنتها لتخبرها بذلك الخبر السعيد.. فقالت بحزن :
-مبروك يا ندى
ابتعدت عنها ونظرت إليها بحزن قائلة :
-متزعليش بقى لسه قدامي على الأقل أسبوعين على ما اجهز للسفر
-المهم تاخدي بالك من نفسك
لاحت ابتسامة بسيطة على ثغرها وقالت بصوت منخفض :
-متقلقيش عليا هبقى بخير بس ادعيلي
..كانت تمضي الأيام وندى تستعد للسفر بمساعدة صديقتها المقربة وقامت بنسخة ورقة المحنة كي تسافر بها ..حتى جاء موعد السفر لتودع جدتها بالعناق والقبلات ثم غادرت بسيارة صديقتها في طريقها إلى منزل رحيم بعد أن هاتفت السيدة وفيه لتخبرها بأن رحيم ليس في المنزل..
عند وصولها ترجلت و وقفت تدق الباب لتفتح وفيه بعد لحظات قابلت الطفلان بالعناق القوي ثم انتقلت ببصرها بين كلًا من ريان وأشرقت باشتياق واضح واضطرت للكذب عليهما بأنها ستسافر من أجل العلاج لأنها مريضة وانهت حديثها بقولها :
-هتكلم معاكم كل يوم وأنا جاية هجيب لكم حاجات كتير جدًا
تساءلت وفيه باهتمام :
-مسافرة فين؟!
أجابت بعفوية :
-أطاليا..
ثم نظرت إلى ريان وقالت بمزح :
-وأنت هراقب ساعات لعبك برضو
أبتسم بحزن فزمت شفتيها مانعه دموعها من الهبوط فلابد أن تتماسك أمامهم ثم ودعتهما بالعناق والقبلات ثم ودعت السيدة وفيه التي تعلم جيدًا سبب سفر ندى ..بعد ذلك خرجت واستقلت السيارة وبمجرد أن تحركت صديقتها بدأت ندى بالبكاء واضعة يدها على قلبها مباشرةً ثم أخذت الهاتف ونظرت إلى صورة رحيم ثم ضمت الصورة إليها وتتحدث مع نفسها بألم :
-أنت اللي عملت فينا كده ..بحبك وهفضل أحبك
بعد مدة من الزمن وصلت إلى المطار واحتضنت صديقتها بشدة ثم ودعتها ودلفت إلى المطار ساحبه الحقيبة خلفها..
أما عن رحيم فبعد أن أنهى الاجتماع فتح الهاتف ليرى الكثير من المكالمات التي لم تصل من السيدة وفيه ..فاتصل عليها لتجيب عليه فورًا وأخبرته بسفر ندى ثم تحدثت :
-لو لسه بتحبها فعلًا الحقها وامنعها من السفر
شعر بجبل من الثلج انزلق فوق جسده بالكامل ثم أنهى معها المكالمة وركض إلى الخارج ثم وقف أمام المصعد الكهربائي وأخذ يضغط على زر الفتح ليجد أحدهم استقله قبله وهبط به ..فلم ينتظره وهبط الدرج سريعًا ثم خرج من الشركة وهو يركض متجه نحو السيارة كان يضغط على جهاز التحكم الخاص بها لفتحها.. وجلس أمام المقود وغادر بسرعة فائقة وهو يدعو الله أن يلحقها وسوف يمنعها من السفر بقوة ورغما عنها..
كان يضرب على المقود ويتخطى السيارات التي أمامه بطريقة جنونية كي يصل أسرع ..عند وصوله صف السيارة بدفعه حتى أصدرت صوت صرير عالي أنتبه إليه بعض المارة ثم ترجل وركض إلى الداخل ووقف يستدير حول نفسه حتى رأى واحدًا من الأمن فقبض على مرفقه وتساءل عن رحلة أطاليا وهو يلهث بشدة وقبل أن يجيب عليه استمع الإثنان إلى صوت إقلاع الطائرة ليخبره بأن هذه هي الرحلة الذي يسأل عنها ثم تركه ليكمل عمله ..مسح على شعره من الأمام إلى الخلف ثم خرج على وجه السرعة و وقف ينظر إلى الطائرة رافعًا كف يده وكأنه يودع قلبه و روحه التي صعدت منذ لحظات ..أخذ ينظر إلى الطائرة بصدمة حتى اختفت من أمام عيناه ثم استقل السيارة واضعًا جبينه على محرك السيارة يضرب بقبضة يده على ركبته قائلًا :
-ليه يا ندى ..ليه عملتي فيا كده ؟ ..ليه يا ندى ؟
رفع رأسه للأعلى يتأوه بصوت خشن ثم ضرب بقبضته على قلبه مباشرةً وأخذ ينادي ربه بأعلى طبقات صوته ويلح بالدعاء أن يصبر قلبه على فراقها وبعد دقائق من العذاب تحرك بالسيارة عائدًا إلى المنزل مهزوم ..فقد هُزم حقًا عندما تركها ترحل بسهوله وأخذ يلوم نفسه وقلبه ينبض بشدة ليست كأي نبضات ..بل نبضات تشبه قطع زجاجات صغيرة تقذفها في صدره وأيضًا أسهم تخترق جسده بالكامل حتى انكسر ظهره وشعر بالألم في جميع مفاصل جسده..
***
..بعد عامين ونصف ومع ظهور شمس جديدة حاملة معها رائحة الربيع وعطر الزهور والورود الرائعة ..دق جرس باب الشقة فنهضت الجدة عن المقعد متجه نحو الباب وفتحته فتفاجأت بندى التي لم يتغير بها شيئًا سوى شعرها الذي أصبح يصل إلى نصف ظهرها وترتدي نظارة ذات حواف سوداء ..اتسعت ابتسامة ندى ثم صرخت بسعادة قائلة :
-وحشتيني يا نانا
ثم احتضنتها بشدة وبادلتها بالعناق القوي و وجدت نفسها تبكي وهي تقول :
-يا حبيبة قلب نانا وحشتيني يا ندى ..وحشتيني أوي
ابتعدت ندى لتمسح دموعها ثم أدخلت الحقائب ودخلت مغلقة الباب خلفها ثم جلسا على أقرب أريكة ومسكت بيدي جدتها التي تتأمل ملامحها باشتياق فقالت ندى بسعادة :
-ماتعرفيش أنا انبسطت قد أي في الرحلة دي واتعلمت كتير اوي.. وطلعت الأولى على الأكاديمية وكمان رئيس الأكاديمية بعت أوراقي لشركة علشان اتعين بقى..
ثم أخرجت الهاتف من حقيبة يدها لترى جدتها صور تجمع بينها وبين زملائها الجدد و صور وقت التخرج ومعها رئيس الأكاديمية وهو يسلم لها الشهادة ..لتقلب أخر صورة فتظهر صورة رحيم بعدها فجحظت عيني جدتها بينما توترت ندى وأغلقت الهاتف سريعًا فنظرت إليها وقالت بحده :
-أنتِ لسه بتحبيه يا ندى ؟!
***
.......يتبع
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية حب رحيم) اسم الرواية