Ads by Google X

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

 رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم تسنيم المرشدي 

«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل الحادي والعشرون»

***
سكون حل وطالت مدته، حاول الجميع استعياب ما أُلقي على مسامعهم، فلم يكن مرتب له ولم يكن في الحسبان، قرار مفاجئ سبب الصدمة على وجوههم. 

التعاسة دون غيرها تملكت قلب وتقاسيم لينة، فمن أحبته يريد تزويجها لرجل آخر، تشعر وكأن هناك ثقب في قلبها يؤلمها بشدة، عقلها لا يصدق أن يوسف من نطق كلماته التي قيلت للتو. 

عينيها لم تُرفع من عليه في محاولة منها على فهم ذاك الرجل، فلقد شعرت في الأوانة الأخيرة أن مشاعره قد مالت إليها، فماذا عن الآن؟ هل هو الكاذب في مشاعره أم هي من أخطأت في حدسها؟

على جانب آخر وضع زياد قدم على أخرى بعجرفة بعدما وزن الأمور وأصبحت في مصلحته، ظهرت عنه إبتسامة خبيثة وهو يطالع لينة بانتصار شديد، فكم امتنعت عنه وعارضته وفضلت أخيه دوماً عليه، لم ينسى رفضها الدائم له ولمساعدته البريئة. 

ها قد جائته فرصته وحتماً لن يضيعها دون إرضاء نفسه الأمارة، لم يأخذ الكثير من الوقت في التفكير وهتف وعينيه مصوبتان على لينة: 
_ أنا موافق 

صدمة أخرى تلقتها لينة، فمن هو ليبدي قبوله بالأمر قبل أن تبديه هي، وزعت نظريها بينهما على أملاٍ أن يكونان يمازحاها لكن وجوههم تعكس أمانيها، تدخلت السيدة ميمي حينما رأت حيرة لينة بقولها: 
_ هو مفيش حل تاني يا يوسف غير دا؟ 

حرك رأسه بالنفي ثم عاد بسودتاه إلى تلك الهادئة وسألها بجدية: 
_ اعتبريه وضع مؤقت، عشان الحرمانية بس.. 

ابتلعت ريقها، مذهولة من برودة رده، لا يمكن أن يكون يوسف نفسه، لو كان من اعتادته لكان قد استشف رفضها ولم يكن ليقرر من نفسه بتزويجها لآخر! ثمة تلاعب في إعدادات عقله وقلبه!

هتفت السيدة ميمي باعتراض لرؤيتها صمت لينة وعدم إبداء رأيها بعد:
_ بلاش الحل دا يا يوسف، ندور على غيره يابني..

لم تعطيه لينه فرصة المعارضة فكانت الإجابة من نصيبها هي: 
_ حل كويس يا ماما، كفاية إن يوسف موافق عليه! 

كانت تعاتبه في كلماتها، فأحس الآخر بريبة من أمرها وخصيصاً نظراتها، وكأنه قد خذلها لتطالعه بهذا الشكل، نهضت الآخرى وغادرتهم سريعاً.

ولجت غرفتها وما أن أغلقت بابها حتى راودها الاختناق، لم تعد تستطيع التنفس وأخذ القليل من الأكسجين لتكون بخير، وضعت يدها أعلى صدرها وطالعت السقف قبل أن تسقط بإهمال على الأرض.

عقارب الساعة قد توقفت، الكون بأكمله توقف عن الدوران لحظتها، صرير مرتفع في أذنيها لم تتحمله فوضعت راحتى يدها على أذنيها، لعلها تخفف من ذاك الصوت الذي يتردد صداه في عقلها. 

طرق أحدهم بابها فكان طوق نجاة لإعادتها لأرض الواقع، استعادت رشدها ونهضت لفتح الباب، فكان فارسها من يقف أمامها، أطالت النظر نحوه ثم أولاته ظهرها وتوجهت إلى الفراش، تبعها هو تاركاً باب الغرفة مفتوحاً. 

جذب يوسف كرسيها وجلس أعلاه قبل أن يسألها مستفسراً: 
_ ليه حاسس إن فيه حاجة مش عايزة تقوليها؟

بررودٍ أجابت: 
_ مفيش حاجة عايزة أقولها، أنت عرضت وأنا وافقت! 

وضع يوسف بعض التبريرات لعرضه: 
_ أنا طول الليل بحاول أوصل لحل مش لاقي، دا اللي جه على بالي وفكرت كتير أوي قبل ما أعرضه عليكم بس لقيت أنه أنسب حل و..

قاطعته لينة فلم تعد تستطيع سماع تراهات سخيفة: 
_ ممكن تسكت وتبطل توجعني، أنا وافقت وخلاص 

أي ألم تتحدث عنه، منذ متى وهو يؤلمها مثلما تدعي، لم يصمت وصاح بسؤاله: 
_ أنا بوجعك إزاي يا لينة؟ أنتِ لو مش موافقة الموضوع كأنه متعرضش أصلاً وننساه 

مسحت دمعتها التى فرت من عينها رغماً عنها وقالت بنبرة موجوعة وهي تفرك أصابعها: 
_ خلاص هو اتعرض، معتش هيتنسى! 

أخرج يوسف تنيهدة مطولة، فلم يعي ما يدور حول كلماتها الغامضة، قطع صمتهم سؤاله القلق: 
_ ليه مش فاهم من كلامك حاجة، أو مش قادر أفهم، كلامك عكس بعضه ولأول مرة معرفش أنتِ عايزة إيه! 

سقطت بعض العبرات التي تحاول جاهدة منعهم بشتى الطرق، وهتفت بلامبالاة مزيفة: 
_ أنت موافق ودا المهم!..

رفعت بصرها عليه وواصلت والدموع تتسابق في السقوط: 
_ مش أنت برده بتعمل كل حاجة لمصلحتي!! 

هربت بنظريها بعيداً، كرهت عدم تمالكها أمامه، نهضت قبل أن تردف متوسلة: 
_ لو سمحت عايزة أكون لوحدي..

لم يكف يوسف عن رمقها بنظرات متعجبة من أمرها، فكانت غريبة وكلماتها تحمل قدراً من اللوم لكن يجهل الوصول إلى نقطة يستشف من خلال ما يدور في عقلها. 

انسحب من الغرفة فألقت بجسدها على الفراش وجهشت باكية بحزن وألم شديدان. 

في الغرفة المجاورة، لم يستطيع يوسف النعاس على الرغم من جسده المنهك وحاجته الشديدة لأخذ قيلولة فهو لم ينم منذ البارحة، كلماتها أخذت حيزاً في عقله، دموعها تشعره أنه أخطأ في قراره لكنها لا ترفض، إذاً ما سبب حالتها تلك؟
هو فقط أخبرها أنه وضع لن يستمر فقط أضطر على أخذه لكي لا يقع وزر آخر على عاتقهم. 

خرج من غرفته وفضل الهروب من المنزل، استقل سيارته وانطلق بها مبتعداً عن منطقتهم. 

***

"حاضر، هجيبها وننزل" 
قالها قبل أن ينهي المكالمة، تثائب بكسل ونهض عن الفراش، خرج من الغرفة وطرق باب غرفتها، فسمحت له بالدخول. 

بوجه لا مبالي أردف: 
_ صباح الخير، البسي عشان اخواتي تحت هنقضي اليوم معاهم.

أماءت له بالقبول فغادر هو بينما ظلت هي عاقدة حاجبيها، فلقد ألقى التحية عليها وحادثها بنبرة خالية من الجمود والعصبية، تعجبت من حالته لكنها لم تصل إلى نقطة ترضيها، نهضت وبدلت ثيابها بأخرى تليق بمكثوها في الأسفل أمام أزواج شقيقاته ووالده ثم خرجت من غرفتها فكان هو في انتظارها. 

ترجل كليهما إلى الطابق الأول، كان بلال يسبقها ببعض الخطوات، أما هي كانت تقف خلفه، قرع بلال الجرس ثم أعاد ذراعه للخلف وأحاط به خصرها ليجذبها إلى جواره ولم يرفع يده عنها بل ظل مستكينا على هذا الوضع الذي سبب الجدل داخل إيمان. 

خفق قلبها بقوة فهي الآن بين ذراعيه برضاء تام منه، انتبهت على شقيقته الصغرى هدي التي استقبلتهما استقبالاً حار مهللة: 
_ ما شاء الله ربنا يحميكم، البيت نور 

داعب بلال أنفها بإصبعية وهو يردد:
_ يا بكاشة 

قهقهت هي وهتفت ممازحة: 
_ هو بصراحة نور بإيمان 

لكزها بلال بخفة في ذراعها فهتفت هدى بألم:
_ شوفتي جوزك أهو دا أقل حاجة عنده 

اكتفت إيمان ببسمة، رحب الجميع بهما، ثم جلس حول المائدة يتناولون وجبة الفطور في أجواء عائلية فكاهية.

اكتشفت إيمان جانب آخر لبلال إلا وهو لا يكف عن المزاح طيلة مكوثة مع عائلته، ليتها تنال جزءاً منه هي الأخرى، تعجبت من أمنيتها فهو إلى الأن لا يعنيها شيئ لماذ تريد أن تحظى بجانبه المرح إذاً؟ 

تنهدت وسايرت الأمور كما هي وما آثار تعجبها معاملة بلال لها، فكان رومنسياً للغاية، بل كان حميمياً في بعض الأوقات، لا يفوت فرصة إلا ويضع يده على جسدها تارة على كتفيها وتارة أخرى يحاوط خصرها، يمازحها ولا يكف عن وصف كل ماهو حلو بها على الرغم أنه لم ينال عيشه. 

كانت ممتنة له طيلة الوقت الذي يقضياه معهم، لم تشعر بأنها ضيفة بل شعرت أنها داخل العائلة لعفويتهم وتلقائية أسلوبهم.

أنتبه الجميع على حديث هدير حيث قالت:
_ شوفتو الصور اللي لينة منزلاها على الانستجرام، بجد صور جريئة ومتوقعتش أبداً أن يوسف يعمل كدا 

تدخلت هدى مستاءة من أمر الصور أيضاً:
_ فعلاً أنا استغربت يعني يوسف محترم وعمره ما بص لواحدة في عيونها، فالصور كانت غريبة بالنسبة لي 

مال بلال بجسده للأمام عاقداً حاجبيه بغرابة من أمر تلك الصور التي تحدثن عنها شقيقته وسألها بجدية:
_ صور إيه؟ وروني كدا 

أسرعت هدير في البحث في ألبوم الصور خاصتها ثم ناولت شقيقها الهاتف لكي يرى ما أخبرته عنه، فلم يجد بلال أن الأمر يستحق تلك الضجة، أعاد الهاتف لشقيقته وهتف مبرراً: 
_ مش شايف حاجة غريبة يعني، أنتوا مكبرين الموضوع أوي 

عارضته هدير بقولها: 
_ لا هو الموضوع كبير لوحده يعني دي واحدة غريبة عنه مهما كان المفروض يراعي دا، ولو مكنش كبير زي ما أنت بتقول مكنتش مسحت الصور بعدها

بحاجبان معقوادن سألها باستفسار:
_ أومال جبتي الصور منين؟

أطلقت هدير ضحكة خبيثة ثم أجابته بحرج: 
_ أنا حفظت الصور عشان أوريهالكم.. 

لم يعجب بلال ما يحدث، فهو لا يتحمل أي إساءة لصديقه حتى وإن جائت من شقيقاته، حمحم وبدأ يضع مبررات بناءً على ما رآه من صديقه منذ حضوره لتلك الفتاة: 
_ يوسف من يوم ما البنت دي جت هنا وهو مراعي ربنا فيها وبيخاف عليها جداً كأنها أخته بجد، وبعدين أنتوا فاكرين إيه يعني؟ دي بقالها معاهم ٨سنين في بيت واحد، عايشين زي الإخوات رغم إني عارف انها بتلبس الطرحة طول اليوم قدامهم، ويوسف محافظ عليها حتى في البيت، بس طبيعي ياخدوا صور مع بعض لأنهم عايشين في بيت واحد كأنهم أخوات وبينهم عشرة وذكريات ومواقف كتيرة أكبر بكتير من أنها أخت صاحبه وغريبة عنه زي ما أنتوا شايفين، أنتوا معشتوش اللي هما عاشوه مع بعض عشان تحكموا على حد بسبب صورتين! 

لم تستطيع إحداهن الإعتراض، ففضلن الصمت، بينما ابتعد عنهن بلال وهاتف صديقه ليطمئن عليه فأتاه صوته المرهق بعد مدة قليلة: 
_ إيه يا بلال؟ 

تعجب الآخر من نبرته وقال: 
_ صوتك ماله؟ وبعدين إيه الدوشة دي أنت فين؟ 

زفر يوسف أنفاسه وأجابه بإقتضاب: 
_ مفيش، بلف بالعربية

تدخل السيد سمير من على بعد بقوله: 
_ لو بتكلم يوسف يا بلال هات أكلمه 

توجه بلال نحوه بعد أن أخبر يوسف بطلب والده ثم وقف متابعاً لحديثهما الذي بدأه والده قائلاً:
_ أنت فين يا أستاذ يوسف؟ أومال لو مكنتش شريك! أنا عايز المعرض يكون خالص على آخر الأسبوع عشان الافتتاح يكون على أول الأسبوع

تنهد يوسف وأردف باختصار:
_ حاضر هروح هناك وأشوف الدنيا ماشية إزاي

"تمام يا حبيبي، ربنا يعينك، معاك بلال" 
أنهى سمير المكالمة بجملته ثم أعاد الهاتف لبلال الذي هتف: 
_ أنا هجيلك على المعرض نتكلم هناك..

أجابه يوسف مختصراً فلم يتحلى بروح المماطلة في الحوار آنذاك: 
_ ماشي.. 

خرج إلى الجميع وتوجه إلى زوجته ثم انحنى على رأسها وطبع قُبلة على رأسها مردداً بحنو: 
_ حبيبي هروح أقابل يوسف شوية وأرجع لو زهقتي اطلعي 

رفعت إيمان رأسها للأعلى وطالعته بأعين ضائقة، لا تصدق ما تسمعه، فهل ما يحدث حقيقة أم أنه مزيف وسينتهي فور انفرادهم؟
لا تعلم لكنها ليست مزعوجة فلقد خُلق آملاً داخلها من خلف أسلوبه الحنون، اكتفت بإيماءة من رأسها بينما استأذن بلال من الجميع وغادر. 

فصاحت هدير غير مصدقة: 
_ بصراحة متوقعتش إن بلال يكون رومانسي كدا 

أضافت هدى من وراء ضحكاتها الماكرة: 
_ أيوة الظاهر إيمان سحراله 

تفاجئت إيمان بما ترميه هدى عليها، طالعتها بأعين جاحظة فانفجرن الأخريات ضاحكين، تدخلت شهيرة معاتبة كلتاهن:
_ بس يابت منك ليها

عادت بأنظارها إلى إيمان وواصلت معتذرة: 
_ معلش يا مونة هما بيحبو يهزروا بس هزارهم تقيل حبتين..

حمحمت هدير ومازحتها قائلة:
_ خدي علينا بسرعة عشان نبقى الثلاثي المرح 

ابتسمت لها إيمان دون أن تنبس بشئ، بينما تحاورن الأخريات فيما بينهن وكانت إيمان تشاركهن الأحاديث من آن لآخر. 

***

"زياد ولينة!"
هتف بهم بلال متعجباً من قرار يوسف المفاجئ، تنهد يوسف قبل أن يردد بنفاذ صبر: 
_ أنتوا ليه كلكم بتحسسوني بردكم إني أجرمت وكأني مش مضطر لكدا؟ 
أنا مش هسمح لحد يتكلم لا عنها ولا عن عيلتي بكلمة وقبل دا كله ربنا، مش فاهم إزاي كنت غفلان بالشكل دا، وكنت فاكر إني بعمل الصح وطلعت ولابعمل الصح ولا حاجة..

بهدوءٍ مخالط للمعاتبة قال: 
_ وأنت شايف إنك كدا بتعمل الصح؟

عاد يوسف بظهره مستنداً على حائط الكرسي وطالع السقف مخرجاً تنهيدة حارة يملئها الفتور قبل أن يردف كلماته بقلة حيلة: 
_ مش قدامي غير كدا، قلبتها يمين وشمال إني ألاقي حلول تانية ملقتش غير إننا نسيب البيت ونمشي..

عاد بانظاره إلى صديقه وتابع:
_ بس هنمشي نروح فين؟ 

صمت لثوانٍ قبل أن يعاود حديثه من جديد:
_ قولي أنت، لو عندك حل قوله

مرت دقيقة تلتها أخرى فلم يجد بلال حلاً آخر، رفع كتفيه للأعلى مبدياً عدم تمكنه لوصوله لحلول فقال: 
_ طيب حددت امتى؟

ابتلع يوسف ريقه وأردف:
_ في أسرع وقت ممكن، هخليها تنزل تشتري حاجتها اللي بتحتاجها أي عروسة النهاردة ونحدد بعد كدا، يمكن بكرة أو بعده بالكتير..

أماء بلال بتفهم وقال: 
_ تمام أنا همشي لو احتجت حاجة كلمني 

اكتفى يوسف بتحريك رأسه بينما غادر بلال، نهض الآخر ليقف مع العمال حتى ينتهون من العمل سريعاً. 

عاد بلال إلى منزلهم، واصطحب زوجته إلى شقتهم فيكفي مدة مكثوهم إلى هذا الحد فهم في النهاية مازالا عروسين، كان ممسكاً بيدها حتى ولج المنزل فتركها بعنف. 

تفاجئت إيمان بتصرفه ولم يستطع عقلها تفسيره، أخرجت زفيراً ووزعت نظريها بينه وبين يدها التي تركها ثم صاحت متسائلة:
_ ليه كدا؟ 

كان قد أولاها ظهره وخطى للأمام عدة خطوات، أوقفه سؤالها واستدار إليها متصنعاً عدم الفهم مردداً بفتور: 
_ نعم؟ 

اقتربت منه وهي تشير بيدها التي تركها وأجابته:
ليه عملت كدا؟ أنا فكرت إن خلاص.. كل حاجة وحشة راحت بسبب معاملتك ليا بس اللي حصل غير كدا.. 

ظهرت إبتسامة ساخرة على شفتيه واقترب منها ماحياً أي مسافة بينهما حتى التصق بها ثم مال على أذنها وهمس أمامها:
_ دا بالظبط اللي أنتِ عملتيه فيا، أنا عشت على أمل إني أبدء حياة جديدة معاكي، قلبي كان ملهوف عليكي بس أنتِ جيتي وبوظتي كل حاجة، خليتيني أفقد شغفي وأكره حبي ليكي وأكره نفسي كمان، أنا وعدتك إني هردلك نفس اللي عملتيه وأديني وفيت! 

تراجع للخلف وحدجها بنظرات مشتعلة ثم ذهب إلى غرفته التي يمكث بها، لم تبرح هي مكانها، فالسير كان مستحيلاً حينها، لا تصدق أنه حقاً فعل ذلك بها، هي لم ترتب لتحطيم قلبه لكنه هو خطط ورتب وفي النهاية نفذ خطته دون رأفة لمشاعرها. 

ارتفعت وتيرة أنفاسها، تردد صداها داخلها محدثة ضجة عالية، عقلها متوقف لا ينجح في تمرير الأمر كأنه لم يكن كغيره، شعرت وكأنها ستصاب بالجنون لعدم قدرتها على العيش هكذا. 

فهما مازالا في البداية وحدث ما حدث، فكيف ستتحمل سخافات أخرى؟ 

حاولت البكاء لعل ضجة جوفها تهدأ قليلاً لكنها فشلت، بصعوبة بالغة استطاعت تحريك قدميها ودلفت غرفتها وهي تفكر في حلاً قطعياً ينهي تلك السخافة. 

تذكرت شيئاً ما فأسرعت نحو الهاتف وبحثت في الأرقام المسجلة لديها، ومن بينهم اختارت واحداً وهاتفته ثم أردفت حين أجاب: 
_ لو سمحت محتاجة مهدئ قوي وعايزاه دليفيري على العنوان دا

أخبرته بعنوانها وأغلقت الهاتف تعد الثوانِ حتى يصل المندوب وتأخذ منه طلبها لطالما اعتقدت أن هذا هو الحل. 

***

بذهولٍ رددت كلمات صديقتها: 
_ يعني إيه كتب كتابي أنا وزياد؟ ويوسف بسهولة كدا هيجوزك لأخوه؟ مش أنتِ كنتي بتقولي إنك حاسة بـ...

قاطعتها لينة من بين بكائها لاعنة سذاجة أفكارها المحدودة: 
_ طلعت غبية، وأنا اللي صدقت إحساس عبيط عشان موقفين كانوا جداد عليا..!

أخرجت شهد زفيراً وقالت بعدم استيعاب للأمر: 
_ وأنتِ وافقتي كدا بسهولة؟ 

لم يعد لديها القدرة على التفكير في الأمر فهتفت بقلة حيلة: 
_ مش هو موافق، أنا ليه موافقش؟ رفضي هيغير إيه يعني؟ هيحبني مثلاً؟

أخذت لينة نفساً عميق ثم انتبهت لاهتزازة الهاتف معلنة عن اتصال آخر، تفقدت الشاشة فإذا به يوسف، عادت إلى صديقتها ونهت معها المكالمة:
_ أنا هقفل يوسف بيرن.. 

أنهت على الفور وأجابت على مكالمته بصوت متحشرج بسبب البكاء: 
_ الو..

لاحظ صوتها الباكي لكنه لم يعقب، فليس بوقت أسئلة الآن، لكنه حتماً لن يمرق الأمر دون معرفة سبب ذاك البكاء، حمحم وأخبرها بسبب مهاتفته لها: 
_ عايزك تلبسي أنتِ وماما عشان تنزلوا تشتروا كل حاجة تخص كتب الكتاب، اجهزوا على لما أوصل.. 

ازداد نحيبها الذي آلام قلبه، أغلقت الهاتف سريعاً فلم تريده أن يسمعها، لكن هيهات لآذانه الصاغية التي وقع عليها بكائها، عزم بأن يحادثها لكي تكف عن البكاء لكن ليس الآن، عليهم الإنتهاء من شراء ما ستحتاجه أولاً. 

بعد وصول يوسف لمنطقتهم، هاتف والدته وأخبرها بوصوله، انتظر دقائق قليلة حتى ظهرن يتبعن بعضهن البعض، استقلت السيدة ميمي في المقعد الأمامي بينما جلست لينة في الخلف، كاد يوسف أن يتحرك بالسيارة إلا أنها منعته بقولها: 
_ متمشيش، شهد جاية معانا

لم يعلق يوسف فإن كان هذا سيخفف من حزنها الذي يجهل سببه، مرت بضعة دقائق حتى ظهرت شهد واستقلت بجوار لينة ثم انطلق بهم يوسف إلى أحد المولات التجارية. 

رفض مصاحبتهم وفضل الجلوس في السيارة، فلا يدري لماذا يهرب من لينة ولا يود مواجهتها وكأنه أخطأ في حقها، حاول إلهاء عقله عن التفكير بها لكنه دوماً يعود إليها. 

في الأعلى، وخصيصاً في أتيليه مخصص لبيع الفساتين، تقف لينة أمام المرآة تتفحص فستانها الرقيق ذو اللون الأبيض فكان اللون من اقتراح صديقتها. 

وقفت شهد في الخلف تطالعها بحب شديد ظاهراً في عينيها وهتفت بتلهف:
_ هياكل منك حتة، إيه الجمال دا؟ 

التفتت إليها لينة ورمقتها بنظرات باردة قبل أن تردف مستاءة: 
_ أنا بلبس فستان عشان زياد!! 
يعني اليوم اللي بحلم بيه من صغري لما يجي يكون مع واحد تاني! 
أنا مش مصدقة نفسي بجد، مش مصدقة إني مطاطية بالشكل دا، أنا مش عايزة فستان ولا غيره وهو لو عايز كتب كتاب هو حر بس أنا مش هلبس ولا هعمل حاجة، تعالي افتحي لي السوستة خليني أغير البتاع دا..

أسرعت شهد في تهدئتها حيث هتفت ببعض الكلمات الحكيمة:
_ اهدي بس يا لينة، هتقولي إيه لما يسألوكي مشترتيش ليه؟ 
ماهو مش طبيعي يعني ترفضي فستان وتوافقي على كتب الكتاب، أنتِ لا ترفضي كله لا توافقي على كله لكن حوار نص نص دا مينفعش

هدأت لينة قليلاً وطالعت صورتها المنعكسة مرة أخرى، تشبه أميرات ديزني في ذاك الثوب الأبيض الجميل، بل إنه رائع ومختلف تماماً عن غيره، كان له رسمة ساحرة تشبه فساتين الأميرات حقاً.

لكن سعادتها لن تكتمل وكيف تكتمل ومن أحبته وتمنت قربه نفسه من يريد تزويجها لآخر، كم بدت غبية حينما صدقت أنه يحبها، تساقطت عبراتها رغماً عنها وفشلت في السيطرة على إيقافهم.

اقتربت منها صديقتها وقامت بضمها بقوة مأزرة إياها، تنهدت شهد وقالت: 
_ يلا قبل ما طنط ميمي تستغيبنا وتيجي تلاقيكي بتعيطي.. 

مسحت الأخرى عبراتها قبل أن تخرج إلى السيدة ميمي لكي تريها فستانها، بعد مدة طويلة انتهوا من شراء كل ما ستحتجانه ذاك اليوم وعاد بهم يوسف في صمت متبادل. 

وصلا بعد ثلاثون دقيقة، عدل يوسف من المرآة العلوية حتى باتت على وجه لينة وحادثها بجدية:
_ خليكي يا لينة عايز أتكلم معاكي..

تبادلت شهد ولينة النظرات ثم استأذنت شهد وعادت إلى منزلها وكذلك السيدة ميمي، استدار يوسف بجسده ليراها بوضوح، أخذ نفساً عميق وبدأ حديثه:
_ أنا مش عارف إيه سبب العياط والزعل دا كله، أنا مش شايف إني أجبرتك على حاجة ولغاية الوقتي أنتِ مقولتيش حتى إنك مش موافقة وعشان كدا مش قادر أحدد نقطة زعلك، أنا مش عايز حد يضايقك بكلمة طلاما الناس خدت بالها مننا، وقبل منهم كلهم ربنا ورضاه الأهم، أنا والله مش حِمل أشيل ذنوب ولا أشيل عيلتي ولا حتى أنتِ، بس اللي أقدر أقولهولك واللي أنتِ مدتنيش فرصة أقوله أن كتب الكتاب مش هيغير أي حاجة، زياد هيفضل زي ماهو مش هيتخطى حدوده معاكي، كل حاجة زي ماهي بس هنعمله عشان نحلل قعادك في البيت، وأوعدك إن مفيش أي حاجة هتتغير إلا إذا أنتِ كنتي عايزة تغيير! 

"مش عايزة تغيير"
هتفت بهم لينة مسرعة فواصل هو بثقة:
_ يبقى خلاص مفيش أي حاجة هتتغير، أوعدك بكدا، وأنتِ عارفة كويس إني لما بوعد بوفي بوعدي

تنهد قبل أن يتابع استرساله: 
_ أنا عايزك تطمني ومتخافيش، كل حاجة هتمشي زي ما أنتِ عايزة، ها فين الضحكة بقى؟ 

بصعوبة قابلتها في البداية ابتسمت له فشعر هو بالراحة تجتاحه من خلف ابتسامتها، غمز إليها وشاكسها قائلاً:
_ جبتي فستان حلو؟

تغلغلت الحماسة داخلها وأومأت بتأكيد بينما هتف هو بنبرته الرخيمة: 
_ أنتِ اللي هتحليه! 

اتسع ثغرها ببسمة عذبة ثم ترجلت من السيارة حينما انتهى حديثهما، صعدت الأدراج سريعاً ومنه إلى غرفتها مباشرةً، أخرجت فستانها من حقيبته وارتدته ومشاعرها قد اختلفت كلياً. 

كلماته قد بثت فيها الطمأنينة، ومحت الخوف من قلبها، ظلت تدور حول نفسها سعيدة بفستانها الذي يحلق عالياً بسبب دورانها المستمر، أخذت تتفحص جميع ما قامت بشرائه بتهلف شديد حتى انغمرت بينهم دون الشعور بمرور الوقت. 

***

خرج بلال من القُن خاصته باحثاً عن طعام يتناوله فلقد طالبت معدته ببعض الأطعمة، كانت الأجواء هادئة أكثر من المعتاد، لا صوت تلفاز ولا أثر لها في المنزل، لكن غرفتها كانت مغلقة حتماً هي غافية.

دلف المطبخ وأعد له بعض الشطائر ثم خرج ليتناولها، لكن شعور ما قد منعه من قضم شيئاً قبل أن يطمئن عليها، تنهد بضيق فهو لا يريد التعلق بها بهذا الشكل ألم يخبرها أنه يشعر بالإشمئزاز نحوها لماذا إذاً تستحوذ أفكاره الآن؟ 

طرد أفكاره ونهض بهدوء متوجهاً نحو غرفتها، وضع أذنيه على الباب لعله يستمع لشيئ لكن لا يوجد سوى السكون، أمسك بالمقبض وبتردد شديد أداره حتى فتح الباب بضعة سنتيمترات، اكتفى بالنظر منهم عليها، فكانت غافية مثلما ظن، أعاد غلق الباب بحذر ثم عاد ليتناول طعامه مع مشاهدته للتلفاز. 

***

صباحاً، حيث يوم جديد حاملاً معه أقدار للجميع، هاتف يوسف بعض الجيران والأقارب ودعاهم لحضور عقد قِران أخيه ولينة، بينما لم تستطيع لينة النوم مطلقاً تلك الليلة، لقد مرت بصعوبة للغاية، تجتاحها مشاعر متناقضة، تخشى مرور الوقت والقدوم على خطوة كبيرة كالتي ستمر بها، لكنها كانت دوماً تردد كلمات يوسف حتى يطمئن قلبها ويهدأ روعها. 

رافقتها شهد منذ بداية اليوم لكي تساعدها أو ربما تأزرها، كان زياد الوحيد من بين الجميع متلهفاً لما هو مقدم عليه وأكثرهم حماساً، يتنقل من هنا إلى هناك، يتأكد أن جميع التجهيزات قد تمت.

وأخيراً استحوذ على غرفة والدته حتى يفاجئهم بطلته الفريدة من نوعها، كذلك يوسف قد قام بشراء حُلة سوداء، كانت المرة الأولى التي سيرتدي بها حُلة، فكان دوماً ينفر منها تاركها ليوم مميز. 

وقف أمام مرآته يضبط ربطة عنقه بقامة منتصبة شامخة، انتهى من عقد نهايتها عِند حلقه فبات وسيم المظهر أكثر جاذبية عن ثيابه المعتادة.

رفع أنامله وتخلل بها خصلات شعره السوداء الناعمة ليعيد انتصابها من جديد، مد يده والتقط قنينة عِطره، دعس على جزء منها فتناثر العطر على أشلاء متفرقة على حُلته السوداء. 

أعاد وضعها على "التسريحة" ثم اختلس النظر إلى مظهره للمرة الأخيرة قبل خروجه من الغرفة، أخرج تنهيدة قبل أن يولي صورته فى المرآة ظهره وتوجه نحو الباب، أدار مقبضه على مهلٍ فشيء ما يمنعه من الخروج وكأنه مقيد بالأصفاد. 

حرر أصفاده بفتحه للباب الذي أصدر صريراً عالياً فانتبهت له والدته وبخطوات راكضة توجهت ناحيته، اتسعت شفتيها مُشكلة ابتسامة عذبة حين رأته يطل عليها بتلك الجاذبية المبالغة.

رفعت ذراعها وملست على كتفه بكف يدها مبدية إعجابها الشديد به:
_ بسم الله ما شاءالله، ربنا يحميك من العين يا حبيبي 

تشدق فظهرت ابتسامته الهادئة التي أسرت قلب والدته من فرط جمالها، أراد مشاكستها فهتف:
_ دا أنا أتغر على كدا 

بنبرة سريعة عفوية ردت على كلماته بحُب:
_ ويليق بيك الغرور يا حبيبي، ويكون معاك الحق كمان، أنت مش شايف طلتك ولا إيه، شبه البدر في تمامه ربنا يسعد قلبك يارب

انحنى على يدها التي تناولها وطبع قُبلة عليها ثم عاد لفرد قامته، جاب المكان من حوله وعاد بأنظاره على والدته المنحنية لكِبر عمرها وبفضولٍ قام بسؤالها:
_ العريس فين؟

أشارت بعينيها إلى بابٍ ما وأردفت:
_ لسه مخرجش من أوضته، تحب أستعجله؟ 

أبدى رفضه بإيماءة من رأسه كما أوضح عِلته: 
_ لأ، سبيه على راحته، المأذون لسه موصلش 

أولاها ظهره وصوب بصره على باب غرفةٍ أخرى، حرك قدميه ناحيتها بخُطى مُتريثة، وقف أمام الباب ثم كور أصابعه فاختفت في كفه وبهدوءٍ طرقه ووقف في إنتظار فتحه.

تقوس ثغره بإبتسامة عذبة حين رآها تطل من خلف باب غرفتها بفستانها الأبيض الرقيق، اتسع ثغرها فور رؤيته وبحماس شديد إستدارت بجسدها حول نفسها لتريه معالم الفستان كاملاً متسائلة بتلهف لسماع رأيه:
_ إيه رأيك؟ 

وقف يتابع تصرفها وكأنه يراها بالتصوير البطيء، لمعت عيناه بوميض مختلف فـطلتها كانت مُزهرة تليق بكونها عروس.

حدجها بنظراته التي يشع منهما السعادة العارمة قبل أن يهتف بنبرته الرخيمة:
_ مكنتش عارف إن القمر هيزورنا النهاردة! 

عضت هي على شفاها السُفلى بحياء كما أخفضت رأسها راسمة بسمة لا تتعدى شفاها فجذب هو انتباهها بسؤاله: 
_ جاهزة؟

رفعت بصرها عليه وكأنه أسقط أعلاها حجارة هائلة الحجم، أخرجت زفيراً قبل أن تجيبه:
_ مش عارفة.. 

غمز إليها مع حركة سريعه من رأسه وهو يردد بعدم فِهم:
_ المأذون على وصول

خفق قلبها بتوجس، لم تشعر بذاك الخوف الذي اجتاحها من قبل فهي على حافة العزوبية، سوف تبدل حياتها السابقة كاملةً بحياة أخرى وهي حياة الزوجية!! 

شعرت بغصة مريرة في حلقها فابتلعت لعابها لعلها تتخلص منها، انتبهت على صوت من خلفها يهتف بحميمية: 
_ إزيك؟

غض بصره عنها ثم استأذن بلطافة وغادر بينما استدارت هي بجسدها ورمقت صديقتها بنظرات مشتعله وبإقتضاب هدرت بها:
_ أنتِ مالك بيه يا رخمة؟ بتحرجيه ليه؟ 

انفجرت الآخرى ضاحكة بميوعة وأجابتها مازحة:
_ بحب أشوفه وهو مكسوف 

احتقن وجهها بغيظ ولم تسمح لها بافتعال المزيد من السخافات حيث صاحت بها مندفعة:
_ ملكيش دعوة بيه، أنتِ فاهمة؟!

تشدقت الأخرى بفمها قبل أن تردف مستاءة:
_ في إيه؟ مغلطتش في البخاري يعني وبعدين دا بقى مجرد... 

قاطعتها محذرة إياها:
_ هااا

وضعت صديقتها راحة يدها على فمها مانعة لسانها من استرسال الحديث الذي يسلب رونقها فتوجهت الأخرى إلى مرآتها تتفحص فستانها ووجها الذي إزداد جمالاً بتلك الزينة التى لا تعتاد وضعها إلا لو استحق الأمر.

تجهمت تعابيرها ونظرت لنفسها مرة أخرى بتقزز يشوبه الإستياء، كيف رضخت لذلك؟ كيف قبلت وفعلت كل ذلك من أجل رجل آخر؟ 

لم تشعر بنفسها سوى وهي تخلع حجابها ومن ثم فستانها فصاحت شهد متسائلة بغرابة وذهول: 
_ أنتِ بتعملي إيه؟

هدرت الأخرى بها باندفاع: 
_ أنا عمري ما هلبس فستان غير ليوسف ولو نصيبنا مش لبعض يبقى مش هلبس خالص.. 

تابعت محي أي معالم لكونها عروس وبدلت فستانها بثياب أخرى قديمة، وقد أزالت المساحيق خاصتها حتى شعرت بالراحة، لم تستطيع شهد إبعاد عينيها عنها فكانت مذهولة من تصرفاتها المفاجأة لكنها لم تتحلى بالقوة حتى تعقب على ما تفعله وفضلت المتابعة في صمت. 

في الخارج، 
رحب يوسف بالمأذون بحفاوة وكذلك بعض الحضور الذي قام بدعوتهم، دعا المأذون لأريكة ما تتوسط الردهة، أشار لوالدته على باب إحدى الغرف فتفهمت ما يشير إليه وبخُطى متعرقلة سارت إليها، طرقت الباب قبل أن تدلف لغرفتها التي وضع ولدها يده عليها اليوم حتى يتجهز بحرية لتخبره بحضور المأذون: 
_ المأذون وصل يا حبيبي، يلا أخرج مش عايزينه يستنى كتير 

استدار زياد بجسده ليظهر مظهره الحسِن الذي خفق قلب والدته إثره، اقتربت منه وعينيها تلمع بمزيج من المشاعر المختلفة في تلك الأثناء، قامت بتقبيله وهي تردد بشجن: 
_ ربنا يحميك يابني، استنى لما أرقيك قبل ما تخرج 

وضعت كف يدها على رأسه وبدأت تتلوا بعض الآيات أسفل ضحكاته التي لا تتوقف على تصرفها، انتهت من تلاوة الآيات ثم تراجعت للخلف سامحه له بالذهاب:
_ والوقتي تقدر تخرج 

حرك زياد رأسه بإستنكار، ثم أخذ بيدها لترافقه للخارج، اقترب منه الجميع فور ظهوره حيث تلقى التهنيئات من الأصدقاء والأقارب وكذلك الجيران، نهض يوسف عن مقعده سامحاً له بالجلوس ثم توجه إلى باب غرفة العروس وطرقه فظهرت هي بعد ثوانٍ قليلة، لاحظ يوسف تبديل ثيابها وحالتها المنعسكة تماماً، لكن يكن هناك مجالاً للتعقيب فأخبرها قائلاً:
_ يلا إحنا مستنينك.. 

بوجهٍ جامد خالي من المشاعر أماءت له بقبول ثم إستدارت بجسدها مولياه ظهرها وأخذت شهيقاً أزفرته على مهلٍ، دنت منها صديقتها شهد وربتت على يدها داعمة لها: 
_ متخافيش، أنا جنبك 

تبادلن نظرات الإمتنان ثم خرجن كلتاهن برفقة بعضهن البعض، جلست هي إلى يسار المأذون تاركة مساحة بينهم بينما جلس زياد على يمينهما وعيناه لم تُرفع من عليها ناهيك عن ابتسامته التي لم تختفي من على محياه منذ ظهورها

لم يشعر أحدهم بالعيون التي تراقب ما يحدث على بُعد، شعور مقيت يليه شعور بالفقد وكأنهم يسلبون روحٍ من جسدها، العيون تبكي في صمت فلا لهما الحق في إظهار آلامهم وليس من حقهم فعل أي شيء سوى مراقبة الأجواء في صمت..

لا يدري حقاً ما الذي يحدث له، قلبه يؤلمه للغاية، يشعر بالغيرة الشديد كلما رأى نظرات أخيه المتلهفة، يريد اقتلاع عينيه حتى لا ينظر إليها ثانيةً، شعور قوي داخله يريدها أن تبدي رفضها بالأمر. 

يريد أن يخطو نحوهما وإحاطتها بين يديه وإنهاء تلك السخافة التي أحدثها. 

انتبه لتلك اليد التي وضعت على كتفه فاستدار بجسده ليعرف هويته، لوهلة جهل ملامحه لكنه تعرف عليه بعد تفصحه لوقت وصاح بعدم تصديق: 
.....

تخمينكم مين االي يوسف شافه؟ 
مستنية رأيكم وريفيوهاتكم🌸

 •تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent