Ads by Google X

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم شمس حسين

الصفحة الرئيسية

    

 رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم شمس حسين

   أحمد نجم
أول يوم شوفتها فيه، كان بدايته عادي، يوم مليان ضغوطات كالعادة، كنت حاسس إن دماغي مش قادرة تهدى، وقررت أهرب للكورنيش، المكان ده كان دايمًا مصدر راحة غريبة بالنسبالي، كأن النيل بياخد من همومك ويدفنها جوا أمواجه، قعدت في الجزء الهادي اللي متعود عليه، وعم محمد، الراجل اللي بيبيع شاي هناك، جابلي كوباية الشاي اللي بحبها، بدأت اشرب وكنت بحاول أهدى، لكن فجأة عيني وقعت عليها.
كانت جاية من بعيد، ماشية بخطوات هادية، وكأنها شايلة حاجة تقيلة جدًا على كتافها، قعدت على كرسي علي بعد بسيط من مكانى، وكانت ساكتة تمامًا، ملامحها كانت جامدة بشكل غريب، زي ما تكون تمثال مصنوع من حزن، ومشاعرها كانت باينة من غير ما تتحرك، فضلت باصة قدامها، وكأنها بتحاول تهرب من حاجة، وفجأة… الدموع بدأت تنزل.


مش دموع عادية، لا، دي دموع صامتة، بتنزل بهدوء وكأنها بتحكي حكاية طويلة، كانت بتحاول تمسحها، وتوقف دموعها، لكن عيونها كانت متمردة عليها و بتزيد في الدموع، كنت عايز أقوم أسألها: “مالك؟” بس معرفتش أتحرك، حسيت إن سؤالي ممكن يكون عبء جديد عليها، فضلت في مكاني، ب أراقبها، وأحس بكل شهقة مختنقة بتحاول تكتمها، بعد شوية، جه عم محمد عندها، وأداها كوباية شاي بلبن وطبطب عليها، وهي بصت له وابتسمت… كانت ابتسامة صغيرة جدًا، لكن فيها شكر كبير، شربت الشاي، وقعدت شوية، وبعدها قامت ومشيت، من اللحظة دي، بقت هي سري الغريب، كل أسبوع كنت بروح نفس المكان في نفس الوقت، وكأني متأكد إني هلاقيها، وفعلاً، كانت بتجي كتير، كل مرة كنت بشوفها بنفس الحالة… ملامحها جامدة، لكنها مليانة حزن.


لكن في مرة من المرات، غابت…. غابت لشهور، كنت كل ما أروح وأدور، ألاقي مكانها فاضي، والغياب ده كان بيخليني أحس إن في حاجة ناقصة، كأن المكان نفسه فقد روحه، بس فضلت اروح علي أمل انها ترجع تيجي تاني علشان اطمن أنها موجودة، لحد ما في يوم، وأنا قاعد في مكاني المعتاد، فجأة لقيتها جت، فرحت بشكل غريب، كأني كنت مستنيها من سنين، لكنها المرة دي كانت مختلفة، ملامحها مكانتش متجمدة زي الأول، كانت قاعدة و باصة للبحر، هادية، ومش مبسوطة ولا حزينة، لكن هدوئها كان مختلف، وفجأة، قامت بسرعة، وبدأت تجري، أنا استغربت، وفضلت متابعها بعيني، كانت رايحة تجاه راجل بيبيع غزل البنات، أول ما وصلت، وقفت قدامه، وابتسمت كأنها طفلة صغيرة، اشترت غزل البنات ورجعت وبدأت تاكل منه، والابتسامة مالية وشها بطريقة غريبة، وأنا مكنتش قادر أشيل عيني عنها، كنت بحاول أفهم… مين البنت دي؟ وليه كل حاجة فيها مميزة بالشكل ده؟.


بعد شوية، مشيت، قررت أمشي وراها من بعيد، كنت عايز أعرف أكتر عنها، لقيتها دخلت عمارة على الكورنيش، استغربت، وفضلت مستني اشوفها هي طالعة لمين، لقيتها داخلة عيادة نفسية، بعد وقت قررت أدخل وأشوف الوضع بنفسي، فكرة أن العيادة دي بتاعة اشرف ابن عمي سهلت الوضع شوية بالنسبة لي، قلت ادخل بحجة إني أسلم عليه بما إني كنت معدي، دخلت وهي كانت قاعدة في الركن البعيد، كانت باصة حواليها بتوتر واضح، وكل شوية بتبص على الباب، كأنها مش مرتاحة، لما جه دورها، السكرتيرة منعتها من الدخول علشان ادخل أنا، ساعتها سمعت صوتها لأول مرة، صوتها كان مزيج بين العصبية والخوف، قربت تجاها وطلبت من السكرتيرة تسيبها تدخل، وفعلاً دخلت، بعد ما خرجت دخلت ل أشرف، وأنا قاعد معاه، حاولت أسأله عنها بطريقة غير مباشرة، لكنه كان حاسم جدًا وقال إنها حالة ومينفعش يتكلم عنها.
من يومها، وهي بقت فكرة مش بتفارقني، كنت بروح الكورنيش كل مرة، مستني أشوفها، ومستني أفهم أكتر عنها، وكل مرة أقول لنفسي، يمكن المرة الجاية أقدر أتكلم معاها، وعدّى شهر تقريبًا من غير ما أشوفها تاني، كنت بدأت أقنع نفسي إن اللي حصل مجرد صدفة، وإنها مش هترجع تاني تظهر في حياتي، بس الدنيا دايمًا ليها مفاجآتها، في يوم كان عندنا اجتماع كبير في الشركة، يومها كنا بنقيم فيه مشروعات الفروع المختلفة، كان يوم طويل وممل، والمستوى كان سيئ بشكل مش طبيعي، قررت أخرج أشم شوية هوا برا القاعة، وانا واقف بحاول أهدى، لقيتها…. هي…. كانت قاعدة مع شخص واضح إنه زميل ليها، كانوا بيتكلموا، وكان القلق باين على ملامحهم، معرفش إزاي، بس قلبي بدأ يدق بسرعة، سألت المساعدة بتاعتي عنهم من بعيد، وعرفت إنها مهندسة من فرع تبع الشركة، وجاية علشان تعرض المشروع بدل المدير بتاعها، فضلت أراقبها وهي قاعدة، ملامحها فيها نفس الهدوء اللي شوفته أول مرة، لكن في نفس الوقت حسيت بثقة مختلفة، لما جت السكرتيرة تبلغهم إنهم مش هيقدروا يدخلوا لأنهم متأخرين على الميعاد، حسيت بغصة غريبة في ملامحها، وقتها اتدخلت فورًا، وأقنعت باقي أعضاء مجلس الإدارة إننا لازم نسمح ليهم بعرض مشروعهم، خاصة إن المشاريع اللي شفناها طول اليوم كانت مخيبة جدًا، اقتنعوا وقرروا نديهم فرصة، وبعد ما دخلت و قبل ما تبدأ دخلت قاعة الاجتماعات، كانت بتبص عليا بنظرات مستغربة، كأنها بتحاول تفتكرني أو يمكن كانت فاكراني بالفعل ومستغربة من وجودي.


وبعدها بدأت تعرض مشروعها، وبهرتنا كلنا، صوتها كان واثق، شرحها كان منظم، والتصميمات اللي قدمتها كانت عبقرية، كانت مختلفة تمامًا عن أي حد شفته قبل كده، لما خلصت عرضها، كان القرار بالإجماع إن مشروعها هو الأفضل وإنها تستحق فرصة تكون في الفرع الرئيسي، أنا مكنتش مصدق فرحتي، وفضلت أسأل نفسي… ليه؟ ليه حسيت بكل الفخر ده وكأنها حاجة تخصني أنا؟ يمكن علشان شفتها وهي في أضعف حالاتها، ودلوقتي شايفها وهي في أقوى صورة ممكنة؟ أو يمكن… لأن جزء مني بقى متعلق بيها من غير ما أعرف؟،
المهم إني في اليوم ده، روحت وأنا مقتنع بحاجة واحدة… لازم أعرف قصتها.
وبعد يومين….كنت مستني اليوم ده بفارغ الصبر، كانت جايّة النهارده للشركة علشان تقابل عمي أيمن، وتسمع عرضه إنها تشتغل في الفرع الرئيسي، كنت متشوق أشوفها قدام عيني هنا، في مكاني، وأراقبها وهي بتاخد خطوة جديدة في حياتها، أول ما شفتها داخلة الشركة، حسيت بدقات قلبي بتزيد، كانت ماشية بخطوات هادية وواثقة، لكنها مش خالية من التوتر، حركة إيديها وهي بتعدل شنطتها، النظرات السريعة حواليها، التفاصيل الصغيرة دي كانت كفاية إني أقعد أتابعها من بعيد، كأن الزمن وقف للحظات، بعدها دخلت لمكتب عمي، وأنا فضلت مستني في مكتبي، مكنتش قادر أركز في حاجة، كنت عايز أعرف رد فعلها، وبعد شوية، شفتها خارجة من عنده، وكانت بتبص حواليها بطريقة واضحة إنها بتدور على حد، لحظتها، حسيت بشيء داخلي بيقول لي إنها بتدور عليا، مش عارف ليه كنت متأكد، لكن الابتسامة اللي ارتسمت على وشي كانت لا إرادية.
بعد ما مشيت، قررت أروح لعمي علشان أسمع منه اللي حصل، لما دخلت مكتبه، استقبلني بإبتسامة، وقعد يحكي لي عن اللي حصل في المقابلة، قال إنها موافقتش على الشغل علطول، وطلبت وقت علشان تستأذن والدتها ومدير فرعها وزمايلها، الطريقة اللي اتكلم عنها عمي بيها زودت إعجابي بيها، قال لي:

” البنت دي مختلفة، شايف فيها شخصية قوية ومسؤولة جدًا، عارفة هي عايزة إيه وبتفكر كويس قبل أي خطوة”، الكلام ده كان كفاية إني أحترمها أكتر، لكن الجملة اللي قالها عمي بعدها هزّتني فعلاً قال: “سألتها عن باباها، وردت عليا بكل بساطة: “مش موجود”، الجملة دي كانت تقيلة، مش عارف ليه حسيت كأنها بتخبّي وراها جبال من الألم، عمي كمل بحذر: “شكلها وراها قصة حزينة، مفيش حد بيقول جملة زي دي كده من غير ما يكون شال حمل كبير”، الكلام ده خلاني أفكر فيها أكتر، كنت حاسس إنها شخصية مش عادية، وراها كتير من التفاصيل اللي محدش يعرفها.
في اليوم التالي وأنا داخل الشركة، شفتها قاعدة في الاستقبال، قلبي فرح لما حسيت إنها كدا قررت تيجي وتشتغل معانا، عدّيت من قدامها، وسألت السكرتيرة عن عمي أيمن كحركة مقصودة، كان نفسي أشوف نظرة الاستغراب اللي في عينيها تاني، وكأنها بتسأل نفسها “هو ده نفس الشخص اللي شفته قبل كده؟”، لما دخلت عليها وهي عند عمي، كنت قاصد أعملها مفاجأة، في اللحظة دي عيوننا اتقابلت وكان فيها شيء غريب، نظرتها كانت بتقول إنها عرفتني، بس مش متأكدة، وبعد ما خلصت يومي في الشركة، وصلتني رسالة من أشرف، وطلب يقابلني في العيادة، رحتله وقعدنا نتكلم شوية، فجأة وأنا خارج من العيادة شفتها، كانت هناك، كانت واقفة علي باب العيادة، لما عيوننا اتقابلت، حسيت بالدهشة في ملامحها، في اللحظة دي أكدت لي إنها افتكرتني.
كل اللي حصل كان بيتجمع في مخي كأنها قطع بازل بتكمل صورة كبيرة، كنت متأكد إن فيه حاجة خاصة بينا، حاجة بدأت من أول مرة شفتها على الكورنيش، ولسه بتكبر يوم بعد يوم، وكنت عارف إن الحكاية لسه مخلصتش، هي مش مجرد شخص عابر في حياتي، لأ، هي حاجة أكبر من كده بكتير، علطول بفتكر كل تفاصيلها: دموعها الأولى اللي شفتها على الكورنيش، لحظة فرحتها بغزل البنات، وهدوئها المربك في العيادة، وثقتها الكبيرة وهي بتعرض مشروعها، كل حاجة فيها كانت لغز، وكل تفصيلة فيها كانت بتشدني أكتر، لسه معرفش إيه اللي بيجمعني بيها، أو إيه اللي بيخليني مهتم بيها بالشكل ده، بس اللي متأكد منه إن حياتي من ساعة ما شفتها مابقاش فيها حاجة عادية، وكأنها حطت علامة في طريقي، علامة بتقول: «هنا هتبدأ القصة».

يتبع…. 
google-playkhamsatmostaqltradent