Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

 رواية رحماء بينهم الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم علياء شعبان 

رُحماء_بينهم
                  "كمثلِ الأُترُجَّةِ".
]]الفصل الثاني والعشرون]]
•~•~•~•~•
دخلت إلى مكتبها بانفعالات مُتأججة، أطاحت المنديل المربوط حول عنقها بعيدًا بعد أن فكته وهي تتجه نحو النافذة، ظلت تُزمجر بأنفاس لاهثة تروح وتأتي في المكان بلا هوادة، ترى الوجه الآخر من شخصيتها لا يتناسب مع نظيره المُسالم، هيئتها رقيقة وراقية ذات رأس شامخٍ وعينين مسحوبتين كإحدى ملكات العصر الفرعوني كما زادها ملبسها أناقة وبروز حيث ارتدت فستان يضيق على جسدها بأكمله من اللون الأحمر القاني وطلاء شفاه بنفس اللون وانتعلت صندلًا عاليًا للغاية بذات اللون وتركت الحرية لخصلاتها التي تهفو خلف ظهرها بجنون يضاهي صاحبته.
عبست خطوط وجهها وراحت تدق على الأرض بصندلها عدة مرات وكأنما لا تطيق الاستمرار في هذا الهدوء بعد الآن؛ يجب أن تنفجر حممها البركانية والآن!
صوبت سهام نظراتها النارية إلى حديقة القصر وبعدها سمعت صوت صرير الباب الخافت يأتي من خلفها، كان عنقها يتنافس مع الطير أيهما يصل إلى السماء أولًا، تنشقت الهواء داخلها بتروٍ ثم قالت دون أن تلتفت أو تفور حممها:
-إنتَ بتشتغل لصالح مين يا ماكسيم؟!
تنهد الأخير ببطء قبل أن يقف خلفها ويطرق برأسها ضامًا كفيه إلى بعضهما أمامه:
-لصالحك يا نجلا طبعًا.
رفعت حاجبها ثم استدارت إليه بثبات وبنبرة تعبق بالقوة والصرامة قالت:
-يعني مش بتاخد الأوامر من حد تاني غيري!
أومأ بالسلب فورًا ومازال مُطرقًا برأسه أمامها، وسرعان من تخلت عن هدوئها وصاحت بصوت ثائر:
-وهل أوامري كانت ضرب نار على حد غير عثمان!!
رفع "ماكسيم" بصره إليها محاولًا شرح وجهة نظره له؛ فقال بتوترٍ:
-هم اللي ظهروا قدامنا فجأة.
زفرت بقوة قبل أن تقترب منه ثم تضع سبابتها بالقُرب من رأسه وتقول:
-كتير قولت لك متشغلش دماغك يا ماكسيم، نفذ اللي بقوله بحذافيره من غير زيادة ولا نقص.
تنحنح الأخير ثم أضاف بنبرة مذعنة:
-كُنت فاكر إن موت أو إصابة أي حد من طرف عثمان هيكون نقطة في صالحي وحاجة تسعدك خاصةً لو كانوا أولاده ومعتقدش في وجع في الدنيا أد فقد الابن أو البنت!!.
ضحكت "نجلا" بفتورٍ ثم نزلت بكفها حتى ربتت على كتفه وقالت:
-أنا مقدرة رغبتك إنك تطفي ناري وترجع حق حمدي منه بس إنتَ باين فاتك حاجة!
رمقها بتيقظ وتركيز؛ فيما أردفت بنبرة أكثر لينًا:
-نسيت إني مباخدش حد بذنب حد، نسيت إني ست عادلة ومحبش الظُلم وبعدين أنا هعمل أيه بشاب عاجز ولا بنت طايشة، أنا مش ناوية أوجعه على عياله، أنا هوجعه على اسمه وسمعته وشغله هخليه يعلن إفلاسه قريب، أنا ناري هتطفي لمَّا أشوفه شحات ومذلول تحت رجلي.
ماكسيم بهدوء:
-هيحصل، أنا معاكِ لآخر نفس فيا.
تبدلت نظراتها إليه إلى أُخرى مُمتنة، ربتت على كتفه بود فيما أطال هو التحديق في عينيها ببريقٍ لا يبهت أبدًا، ماكسيم الاسم الحركي لهذا الرجل الذي قارب على توديع عامه الأربعين؛ هو صديق "حمدي" الصدوق وحارسها الشخصي مذ أن قدمت إلى القصر وتزوجت من حمدي؛ ولكنه لسوء الحظ وقع في عشق زوجة صديقه وحتى لا يكون خائنًا له اكتفى بوصد أبواب قلبه وسَجن هذه المشاعر في مكمنها إلى أن يجد حُبًا جديدًا يخلصه من هذا الإثم، حاول دومًا ألا ينظر إليها إلا بعين صديقة وزوجة لصديقه وكان لا يترك بابًا بينهما فتدخل منه الخيانة، ظل وفيًا لصديقه للنهاية حتى أنه لم يستغل وفاة "حمدي" ويفصح عما بداخله لها.
-طيب دلوقتي أنا عايزة أعرف البنت والولد حصل لهم أيه؟!
تكلمت بنبرة مترددة قليلًا وراحت تتقي نظراته الجامدة من تصرفها إلا إنه لم يستغرب ما تحاول فعله؛ فهي حنونٌ لأبعد درجة خاصةً أنها تشعر بفراغ خلفه شعور الأمومة الذي لم تحظى به مع زوجها، حاولت جاهدةً أن تواري ضعفها عنه إلا أنه يفهمها جيدًا وتعلم هي ذلك، زفرت بضيق ثم صاحت بإحراج:
-خلاص يا ماكسيم، مفيش داعي تحرجني أكتر من كدا، عايزة أطمن إني متسببتش في أذى حد مالوش ذنب مش أكتر.
ماكسيم بهدوء:
-وإحنا مالنا يا نجلا، ما اللي يموت يموت واللي يغور في داهية!!
ارتفع صوتها قليلًا في حدة:
-ماكسيم!!.. نفذ أوامري بس من فضلك!
أومأ بثبات ثم قال:
-عمومًا البنت سليمة تمامًا، السواق اتصاب في ضهره ومعرفش حاجة عن حالته، وعثمان للأسف الرصاصة جت في دراعه.
نجلا بابتسامة صفراء:
-مش في قلبه يعني!!
غمز لها "ماكسيم" مُضيفًا بابتسامة هادئة:
-أوعدك المرة الجاية.
أومأت "نجلا" ثم تابعت بنبرة منهكة:
-تمام.
ماكسيم بحسم:
-إنتِ لازم تنامي فورًا علشان عندك اجتماع بكرا في الشركة مع المُستثمر التركي.
فتحت عينيها على وسعهما وراحت تضرب جبهتها مُضيفةً بتذكر:
-أوبسسسسس، المُستثمر التركي!!، أنا ناسية خالص وحتى مدبرتش حوار المُترجمة دا!
عقد "ماكسيم" حاجبيه ثم قال بتساؤل:
-مش المفروض بيكون معاه مُترجم؟!!
نجلا بنفي:
-لأ مش المفروض لأن دي أول زيارة له لمصر وأكيد معتمد اعتماد كلي علينا من حُسن استقبال وضيافة!
ماكسيم بتفهم يرد:
-خلاص سيبي لي أنا حوار المُترجمة دا، نامي إنتِ دلوقتي وأنا هحله.
تبادلا سويًا نظرات تتأرجح بين الامتنان والود وسرعان ما خرج فورًا كي يتدبر أمر المُترجمة التي ستتولى مقاليد اجتماع الغد.
انتظرته حتى خرج من المكتب ثم توجهت إلى غُرفة نومها المجاور للمكتب، دخلت إلى الغرفة وعقلها بقى شاردًا في مخططاتها وما تعزم النية عليه، أخذت نفسًا عميقًا عززته بزفرة مرتاحة قبل أن ترمي جسدها على الفراش قبل أن يفر النوم من مصيدة جفنيها.
•~•~•~•~•~•~•
فرَّت دموعها ما أن وقعت عيناها على والدها الذي يجلس أمام حجرة العمليات وكأنها أبقت أنفاسها مكتومة حتى حررتها برؤيته سالمًا، هرولت "شروق" إليه وما أن رآها تهرع نحوه حتى وقف وفرد ذراعيه لترتمي داخلهما.
-بابا، الحمد لله إنك كويس وبخير، الحمد لله يارب.
ربت "عثمان" على ظهرها ثم قال بهدوء:
-أنا كويس متخافيش.
التفتت "شروق" إلى شقيقتها التي تستند برأسها على باب الحجرة وتنسكب دموعها في صمت، توجهت إليها وما أن رأتها "سكون" حتى ارتمت بين ذراعيها وهي تقول بصوت مخنوقٍ:
-ادعي له يخرج بالسلامة يا شروق، أنا مش حِمل إن حد يموت بسببي!!
شروق وهي تُقبل رأس شقيقتها:
-هيخرج بالسلامة إن شاء الله.
لحظات وجاء "سليمان" مهرولًا يتعكز على ذراع ابنه، توجها معًا حيث يتجمع الآخرين وما أن وصل حتى تابع بلهفة وهي ينظر إلى شقيقه:
-عثمان إنتَ كويس يا خويا!!!.
رمقه "عثمان" شزرًا ولم يرد، زمجر "تليد" في نفسه إلا أن "سليمان" أصر على الجلوس بجوار شقيقه ومعرفة ما حصل بالضبط، أجلسه "تليد" ثم تحرك إلى "سكون" ليطمئن عليها؛ فيما تابع "سليمان" بنبرة وادعة:
-أيه اللي حصل معاك يا عثمان؟! إنتَ كُنت جاي تحضر فرح ابن أخوك فعلًا!!!
حدق فيه "عثمان" بنظرات عدوانية ناقمة وقال:
-كُنت جاي اخلص منه ومن بنت علام واستريح من النسب اللي فتنجسوا بيه اسم العيلة.
لمعت الدموع في عيني "سليمان" ولكنه ابتسم بعدم تصديق وقال:
-أنا عارف إنك بتهزر معايا وكُنت جاي تشاركني فرحتي وتقف جنب أخوك.
سكت هنيهة ثم أضاف:
-أيه اللي حصل يا عثمان، مين الناس دول أنا مش فاهم حاجة؟!!
عثمان وهو يقول بنبرة مرتفعة قليلًا بينما عيناه تتحركان بينهما:
-أنا اللي المفروض أسألكم مين الناس دي؟! جايب ناس يقتلوني يا سليمان إنتَ وابنك؟!!
سليمان وهو يحدق فيه مذهولًا ثم يقول باستنكار:
-استغفر ربك يا عثمان، أوعى تسلم دماغك ونفسك للشيطان، أنا هجيب ناس يقتلوك!
تدخل "تليد" فورًا ثم قال بنبرة جامدة:
-أولًا يا عمي إحنا منعرفش مين الناس دي.. ثانيًا أنا لسه مفهمتش بردو كُنت جاي الفرح تعمل أيه بسلاحك ورجالتك!!!
عثمان وهي يبتسم بخبث:
-كُنت جاي اقتلك إنتَ وبنت علام.
انتبهت "شروق" لما يتفوه به والدها فصاحت باستنكار:
-أيه اللي إنتَ بتقوله دا يا بابا.. مستحيل الكلام دا.
تليد وهو يبتسم مُضيفًا بنبرة مُزدرية:
-مستبعدش منك أي حاجة.
في تلك اللحظة، نهض "عثمان" من مكانه ثم حدق في "تليد" بنظرات انتقامية وأردف بصوت حادٍ:
-اتجوزت بنت علام عناد فيا.. اتفقتوا عليا كلكم علشان توقعوني.. اتجرأت بما فيه الكفاية علشان تتجوز واحدة جربوعة وخدامة زيّ دي وتساويها بينا وتدخلها عيلة السروجي بعد ما كانت تتمنى تخدم فرد مننا.

قدح الشرر من عينيه فورًا وراح يقترب من عمه ويصيح بانفعال حادٍ:
-اللي بتتكلم عنها دي مراتي، الزم حدك قبل ما تفكر تيجي على اللي ليا، أفهم كويس أوي إني لحد دلوقتي بحترم صلة الدم اللي ما بينا ومش عاوز أهدر تربية أبويا ليا وأخرج عن طوعه، بس صدقني لو قلبت على الوِش التاني وهان عليا تربية الشيخ "سليمان" هتكون إنتَ أول ضحية لطغياني يا عمي العزيز.
عثمان وهو يقبض على قميصه ويصيح مُحتدًا بالغضب:
-أوعى تكون فاكر يا ابن سليمان  إني عامل على صلة الدم زيك، أنا أصلًا متبري منك ومن أبوك من زمان.
حاول "عِمران" التدخل وفض هذا الاشتباك؛ فيما تابع "سليمان" بنبرة مضطربة مخنوقة:
-تُشكر يا عثمان.. تُشكر يا ابن أمي وأبويا.
أنهى كلامه وراح يقبض على ذراع ابنه مرددًا بتعب:
-يلا يا تليد.. يلا يابني كفاية.
سكون وهي تقبض على ذراع "تليد" الآخر ثم تقول بترجي:
-لو سمحت يا تليد بابا أعصابه تعبانة.. علشان خاطري امشي.
تليد وهو يضحك ببرود:
-أعصابه تعبانة علشان خطته باءت بالفشل!!.. انقلب السحر على الساحر يا عمي.
 رمقهما "تليد" شزرًا قبل أن يقبض على ذراع والده ويتحرك به مُغادرين المشفى، وضعت "سكون" وجهها بين ذراعيها وراحت تجهش بالبكاء وهي تقول بعتاب واختناقٍ:
-ليه كدا يا بابا.. عمي ميستاهلش منك القسوة دي.
اِغرورقت عينا "شروق" بالدموع وراحت تقترب من والدها ثم أردفت بنبرة متهدجة:
-إنتَ بجد كُنت جاي تقتل تليد ووَميض!!
ظل مُحدقًا بها في صمتٍ بينما لم تعد تحتمل أكثر من ذلك فانهمرت دموعها وهي تلتفت إلى زوجها ثم تقول شاهقة بالبكاء:
-روحني دلوقتي يا عِمران.. عايزة أرجع البيت!!!.
سكون وهي تكفكف دموعها ثم تقول بثبات:
-وإنتَ كمان يا بابا روح، أنا هفضل مع كاسب لحد ما يخرج من العمليات ويفوق.
حاول عِمران أن يتكلم فأوقفته بإصرار وترجي:
-بعد إذنك يا عِمران، أنا فعلًا حابه أكون لوحدي.
عِمران مومئًا بمراعاة:
-تمام، بكرا الصبح هكون عندك.
•~•~•~•~•~•
أسندت ظهرها إلى ظهر السرير بإنهاك شديدٍ، زفرت بضيق وفتور وهي ترى انقلاب الحفل رأسًا على عقبٍ وهل هذه إشارة لها أن توقف هذه المهزلة، لم يكتمل الحفل كما دبر له "تليد" من تلبيس الدبل ثم اصطحابها لرؤية هدية عقد القران كما أخبرها، أطرقت برأسها قليلًا في حيرة؛ هل تختار كفته التي حسبما ترى ستمنعها عن مواصلة علاقتها مع آخرين مثل وِسام الذي تخلف عن حضور الحفل من البداية وهذا ما توقعته فعلًا.
هل تقبل خسارتها أمامه أم تخسره في مقابل إحياء علاقتها ببعض الناس؟!، تأففت وهي لا تجد من يعينها على اتخاذ القرار بعد ولا يمكنها أن تشرك والدتها في هذا؛ فهي ترى بوضوح أن والدتها لا تتكلم عنه سوى بالذم والسلب ولا تتكلم بموضوعية حتى أنها لا تعلم سبب كرهها الشديد له وهو لم يقدم لها وعائلتها سوى الخير والدعم!
حسمت أمرها أن تتصل بصديقها من أجل مُعاتبته عله يُدرك حجم الجرم الذي ارتكبه في حق صداقتهما؛ فلقد تأثرت كثيرًا من غيابه:
-وِسام!!.
أجابها بهدوء:
-العروسة الحلوة، عاملة أيه؟!!
زمت شفتيها باستنكار وردت:
-إحنا فعلًا صحاب؟! وهل الصحاب بيتخلوا عن بعض في الأوقات اللي زي دي؟!
تنهد مُضيفًا بتوضيحٍ:
-إنتِ عارفة غلاوتك عندي ومش بالسهل عليا مكونش معاكِ في اليوم دا بس مش عايز أضايق عمي علام وجوزك بوجودي!
صاحت بحدة واستغراب:
-جوزي!!!
وِسام بتأكيد وتعجب:
-أه جوزك، مش كتبتوا الكتاب بردو!!
تنهدت تنهيدة عميقة ثم ردت بفتورٍ:
-كتبنا.. مستغربة الكلمة شوية بس.
سكتت هُنيهة ثم أضافت:
-وبعدين مين قال لك إن بابا هيزعل لمَّا يشوفك؟! وحوار إنك خايف تليد يزعل فهو مش فارق معايا أصلًا، خليه يزعل ونتطلق وتبقى جت منه، أصلًا ماما خوفتني منه بما فيه الكفاية.
وِسام بدهشة:
-خوفتك منه إزاي؟!!
دعكت جبينها وهي تقول بقلقٍ:
-خايفة يكون شخص مُتزمت أو مُتطرف وحياتي معاه تبقى جحيم، فاهمني!
وِسام بثبات:
-وليه مسمعتيش كلام أمك؟ أكيد ليها وجهة نظر إنتِ مش شيفاها!
وَميض بهدوء:
-ما دا بالظبط اللي فكرت فيه بخصوص بابا، أنا قولت بابا له نظرة أنا مش شيفاها في تليد، متعرفش بابا بيحبه إزاي.
وِسام باستكمال يقترح:
-أنا بقول إنك ترخمي عليه وتطولي المدة اللي قبل الفرح على أد ما تقدري بحجة إنك لسه متعودتيش عليه وبكدا تقدري تتعرفي على أغلب طباعه.
التوى شدقها مُضيفةً باختناق:
-وإنتَ فاكر إن بابا هيسيبني أعمل كدا؟ هم أصلًا بيحددوا مع نفسهم ومش بياخدوا رأيّ في حاجة، تحسني ِ كنبة في البيت دا، دا غير إن احتمال كبير أوي الفترة اللي إنتَ بتتكلم عنها دي تكون أقل من شهر، يادوب هيعدل شوية حاجات في الشقة وأنا هنزل أجيب اللي ناقصني وهيعملوا الفرح.
تركت طرف هذا الحديث وانتقلت إلى آخر، تابعت بنبرة حماسية ومتوعدة:
-صحيح يا وِسام، مش إحنا قاعدين في شقته حاليًا!
وِسام بترقب يرد:
-تمام وبعدين؟؟؟
تابعت بإصرار:
-دلوقتي في أوضة قافلها وحرج علينا نفكر ندخلها ومن وقتها الفضول قاتلني، تفتكر لو قدرت أدخلها هلاقي أوراق أو أدلة تثبت مثلًا إنه شخص مش كويس إرهابي مثلًا ولا نصاب ولا بتاع بنات مش زيّ ما ظاهر عليه؟! أكيد الأوضة دي فيها كارت لصالحي ووقتها لا هيكون في فرح ولا غيره!
انطلقت ضحكة خفيفة من بين شفتيه وعلق بسخرية:
-أكيد الحس الصحافي عندك مصطبح، واحد في ذكاء تليد السروجي لو عنده أسرار وخبايا هيحطها قدام أي كائن بشري بالسهولة دي؟؟
وقبل أن تتكلم أضاف بثبات:
-إنتِ بتحلمي.
وَميض بتحدٍ:
-بكرا هثبت لك.
وِسام بضحكة بسيطة:
-خلي بالك وإنتِ بتثبتي لي لتتقفشي.
•~•~•~•~•~•~•
-إنتِ ناوية تجننيني؟ ركبتي مع نوح العربية ليه يا مُهرة؟! أنا ربيتك على كدا؟!!
صاحت "رابعة" باحتجاج على تصرف ابنتها النزق والطائش، نكست "مُهرة" رأسها في خجل ثم حاولت أن تستجمع أحرف عبارتها وبالكاد قالت:
-ماما؟! اسمعيني!
رمقتها "رابعة" بحدة وردت:
-اسمع أيه؟!! وأنا شايفة بنتي بتستغنى عن كرامتها وبتحب واحد لحد دلوقتي مأخدش خطوة إيجابية معاها!!!
مُهرة بحُزن طغى على صوتها المتهدج في كسرة:
-متظلميش نوح يا أمي، أنا كغامتي محفوظة والحمد لله، الجدع اللي أنا بحبه هو كمان بيحبني وعلشان أنا مختاغة غاجل وواثقة فيه هو اعتغف لي بحبه وعايز ييجي يتقدم!.
انفكت عقد حاجبيها قليلًا وتابعت بنبرة أقل حدةً:
-هو قال لك كدا؟!!
أومأ "مُهرة" إيجابًا ثم قالت:
-ما هو دا السبب اللي خلاني غكبت معاه.
شردت "رابعة" قليلًا بعد أن تصبغ وجهها بمشاعر الحماس ولكن قطع شرودها كلمات ابنتها الصريحة رغم اختناق نبرتها:
-ماما أنا بحب نوح، علشان خاطغي متخليش خالي يدوس عليه في الاتفاقات، نوح كبغ لوحده من غير أم وأب ورغم وقفة الشيخ سليمان وتليد جنبه إلا إنه دايمًا بيرفض أي مساعدة مادية منهم، متقسوش عليه بعد إذنك!.
لم تتحمل "رابعة" نبرة ابنتها التي كادت أن تنخرط في البكاء وتصبغ لون وجهها بحُمرة الخجل من اعتراف كهذا، حاولت أن ترفع عنها حرج ما تفوهت به فأسرعت بضمها إلى جنباتها وقالت وهي تربت برفق على ظهرها:
-لو عليا مش عايزة حاجة منه غير سعادتك، بس إنتِ عارفة خالك وشدته مع أي عريس!
مُهرة بنبرة متوجسة:
-طفش كل العغسان بسبب تزمته وطلباته اللي متطاقش ووقتها أنا متدخلتش لأن مكنش يهمني أي حد فيهم، بس نوح فاغق لي أوي!.
تشبثت بوالدتها ثم تابعت باستجداء:
-اقفي جنبنا لو سمحتي يا أمي، لو كُنت غالية عندك!!
رابعة وهي تطقطق على ظهرها بودٍ:
-سيبيها لله، النصيب مش بيعجزه أفعال يا حبيبة قلب أمك.. أنا هستنى لمَّا يفتح معايا الموضوع وبعدين هكلم خالك.
مُهرة بتمرد ضاحك:
-أهو خالي دا اللي هيجيب لي ذبحة صدرية قريب، أنا عارفة.
رابعة بضحكة متوارية:
-خلينا نعرف غلاوتك عنده ونفسه طويل هيستحمل ولا لأ.
مُهرة بضحكة خفيفة:
-مفيش دكتوغ نفسه قصيغ، دول بيشوفوا بلاوي والله.
رابعة باستسلام:
-لمَّا نشوف.
•~•~•~•~•
)في صبيحة اليوم الموالي)
تسللت أشعة الشمس الساطعة عبر النوافذ الزجاجية؛ فاليوم تسطع الشمس بدرجة كبيرة وتشتد حرارتها وتلتهب، تقلبت في فراشها بانزعاج وسرعان ما تداركت أنها لم تُغلق الستائر بالأمس من شدة شعورها بالإرهاق والتعب، رمشت بأهدابها في ضيق واستسلمت في النهاية للأمر؛ فيجب عليها أن تستيقظ من نومها المريح كي تُغلق الستائر وتحظى ببعض الراحة حينما تعود للنوم، اعتدلت من نومتها جالسةً وقبل أن تنهض من الفراش سمعت غمغمة عالية تأتي من الحديقة، زوت ما بين عينيها وتدلت من الفراش سيرًا إلى النافذة وما لبست تنظر منها حتى انبسطت خطوط وجهها وتهللت وارتسمت ابتسامة عريضة على ثغرها، وفي هذه اللحظة هرولت فورًا نحو الباب وقبل أن تخرج منه تداركت أنها ترتدي ملابس النوم؛ فتوجهت مرة أخرى نحو الدولاب وأخرجت منه جلباب يصل إلى نهاية ساقها ويوجد به طاقية استعملتها لتغطية شعرها.

سبقتها الطفلة التي تقبع داخلها إلى الحديقة بينما هرولت "شروق" تهبط الدرج حتى وصلت إليهم، وما أن رآها الأطفال حتى هرولوا مسرعين من بوابة الحديقة ظنًا منهم بأن صاحبة المنزل جاءت لمعاقبتهم عدا اثنين منهم ظلا ماكثين بجوار الأرجوحة وتابعت الفتاة الصغيرة تستجديها بصوت ناعم:
-ممكن أركب المُرجيحة شوية يا طنط!
تابع الولد أيضًا بابتسامة جذابة:
-شوية صغيرين بس!
كانت تتجول بينهما بنظرات مُعجبة ورقيقة، لمعت العبرات في عينيها وسرعان ما تراجعت عن إبداء تأثرها بوجودهما والبكاء، تنشقت الهواء بهدوء ثم بادلتهما ابتسامة عريضة وقالت:
-موافقة طبعًا وكمان هلعب معاكم.
انشرح صدر الصغيرين فاقتربت الصغيرة من الأُرجوحة أكثر لتجد "شروق" تقترب منها ثم ترفعها حتى أجلستها على الأرجوحة وبدأت في دفع الأرجوحة بتريث وحيطة فيما تابع الصغير باهتمام:
-فين ولادك يا طنط علشان نلعب سوى!

توقفت "شروق" عن دفع الأرجوحة وراحت تنظر إليه بودٍ ثم قالت:
-لسه مش عندي بس أوعدك أول ما أجيب نونو هخليه يلعب معاكم طول الوقت.
الفتاة الصغيرة ببراءة:
-إحنا هنكون أكبر منه بس هنساعده يركب المُرجيحة زيّ حضرتك ما بتعملي.
اِفتر ثغر "شروق" عن ابتسامة عريضة، مالت على الصغيرة ثم تابعت بمشاعر سعيدة وهي تقبل وِجنتها:
-يا روحي على الطعامة، اسمك أيه؟!
الفتاة الصغيرة بضحكة سعيدة:
-تيتي.
الولد بضحكة عالية:
-تيتي دا الدلع.. هي اسمها تيا.
رفعت بصرها إليه ثم تابعت بسعادة تتأجج داخل نفسها التي تاقت لمخاطبة أرواح سالمة تشبه لسلامها الروحي كثيرًا:
-وإنتَ اسمك أيه؟
الولد بثبات وثقة:
-أنا سُفيان أخو تيا الكبير، وحضرتك اسمك أيه؟!
أجابته بمرح وطفولة:
-وأنا شروق ودي جنينتي ومن النهاردة هنكون صُحاب وهتيجوا تزوروني دايمًا وتلعبوا بالمُرجيحة.
سُفيان بحسم:
-تمام يا صديقتي الجديدة.
مد يدهُ يصافحها تحيةً لصداقتهما؛ فصافحته باستمتاع كبيرٍ وقررت أن تستمتع بهذه اللحظة معهما، كانت "تماضر" تراقب ما يجري من خلال نافذة غرفتها تبدو وكأنها تنظر إلى شروق من منظور مُختلف؛ فهي لم تعد تغضب عند رؤيتها ولا تفتعل معها المُشكلات بل أصبحت تقرأ داخلها الطيب والرفيق خاصةً بعد ما فعلته مع ابنها وكتمانها لأمر تأخر خلفته والآن تراها نعم الزوجة وأن ابنها قد أصاب الاختيار.
من النافذة الأخرى، تنطلق ضحكاته السعيدة وهو يرى طفولتها المُطلقة مع هذين الطفلين وكيف أن زوجته نست شبابها وعادت سنوات كثيرة للوراء كي تستمتع بطفولتها من جديدٍ، لمعت عيناه بحماس وهو يراقبها بمزيج من الحب والتمني؛ كم يتمنى أن يرزقهما الله بطفل يغدق البهجة على روح زوجته فهي ستكون أمًا رائعة ورقيقة القلب.
صدح هاتفه في هذه اللحظة؛ فرد:
-أيوة يا عمي عثمان ، حاولت اتصل بيك كتير ومكنتش بترد، إنتَ بخير وسكون!
أجابه عثمان بثبات:
-إحنا بخير والسواق نقلوه لأوضة عادية وحالته بقيت أفضل.
عِمران بهدوء:
-الحمد لله.
•~•~•~•~•~•~•
تأففت من صوت الهاتف القريب من أذنها والذي قطع عليها نومها المريح بعد ليلة شاقة عليها، زفرت بحنق ثم استدارت تنظر إلى شاشة الهاتف فوجدته رقمًا غير مُسجلٌ لديها باسم، زوت ما بين عينيها وقررت تجاهله إلا إنه لم يكف عن الصدوح وكان عليها الاستسلام والرد.
-ألو!
جاءها صوته يقول بثبات:
-اسمها السلام عليكم.
برقت بعينيها مصدومةً وفورًا اعتدلت جالسةً ثم تابعت بنبرة متوترة:
-خير يا أستاذ تليد!
تليد بضحكة مرحة يقول مُستنكرًا:
-أستاذ!!..أهي دي بقى أجدد نُكتة.
رفعت حاجبها باستغراب، أبعدت الهاتف قليلًا تنظر بدهشة إلى شاشته ثم قربته إلى أذنها مرة أخرى وهي تتساءل في نفسها ما هذا التحول الغريب في شخصيته؟! هل يضحك كشخصٍ طبيعي ويتكلم بمزاح!.. ابتلعت ريقها بالكاد ثم ردت:
-أيه المُضحك؟!
تليد بهدوء:
-ولا حاجة، واحدة بتنادي جوزها بأستاذ، متشغليش بالك.
زمت شفتيها وهي تستنكر هذه الكلمة التي سمعتها للمرة الثانية، فيبدو أنها واقع وعليها أن تتقبله، صمتت لثواني فوجدته يقول بلهجة ثابتة:
-هاتي رقم عِمران.
وَميض باستفسار:
-ليه؟!
تليد يرد:
-هعزمه على الغدا عندنا في المزرعة النهاردة تعبيرًا عن شكري بخصوص الحفلة وعلشان نكمل المراسم، صحيح أنا بلغت عمي علام بخصوص الغدا وهو أكيد مستني لمَّا تصحي علشان يبلغك، يلا فوقي يا كسولة يادوب تستعدي.
رفعت حاجبها ثم قالت بترقب وحيرة:
-عيشت وشوفتك بتضحك زينا يا أبو التلاليد!!
تليد بابتسامة يشوبها السخرية:
-شلاليط؟! بتحبي الشلاليط، دا عِز الطلب يا روحي.
تنحنحت بفزع من نبرته التي تخفي في طياتها الحدة رغم أسلوبه المازح، شعرت لأول مرة بالحيرة حول شخصيته وخمنت صفة جديدة به؛ ربما يكون عنيفًا ويحبذ أسلوب الترهيب والضرب المُبرح كما أشار في كلامه، ابتلع ريقها بصعوبة بالغة ولكنها فضلت أن تعطي له الرقم ثم تُنهى المكالمة فورًا.
•~•~•~•~•~•
-متعرفش أنا فرحتي إزاي دلوقتي وأنا شيفاك كويس!!!
أردفت "سكون" بتلك الكلمات وهي ترمقه بوجه مُنشرحٍ؛ فهي لم تكُن تقوى على حمل ذنبه إن أصابه مكروه بسببها، اِفتر ثغره عن ابتسامة رتيبة ورد بهدوء:
-أكيد مش حُبًا في واحد متعرفيهوش، إنتِ خايفة تشيلي ذنبي، مش كدا؟!
أومأت "سكون" سلبًا وأكملت برزانة:
-تخمينك صح ولكن إنتَ عملت علشان كتير أوي يا كاسب في وقت قصير، إنتَ أثبت وجودك في حياتي أكتر ألف مرة من ناس موجودة معايا من زمان، أنا مش بس خوفت أشيل ذنبك، أنا كمان خوفت أخسرك.

صمتت لوهلة تراقب لمعة عينيه ثم أومأت تقول بابتسامة هادئة:
-أيوة خوفت أخسر صديق زيك، قدر في فترة قصيرة يخليني أحط ثقتي كلها فيه.. إنتَ اسم على مُسمى فعلًا.. مكسب لأي حد تدخل حياته.
بادلها ابتسامة بسيطة لم تصل إلى عينيه وقال:
-شُكرًا يا ستي على المدح اللطيف دا.
انطلقت ضحكة خفيفة من بين شفتيها ثم أردفت بنبرة مازحة:
-وبعدين إنتَ عاوز مني أيه؟! مش هعرف أخلص من ديوني ليك؟! أنا كُنت ما صدقت اتعادلنا بس إنتَ كدا رجعت كسبتني واحد.
رفع "كاسب" أحد حاجبيه ثم قال بثقة مُنقطعة النظير:
-مش هتعرفي تسددي ديونك ليا مهما عملتي، لأنك هتبقي زيّ اللي بتجري في سباق، أصل أنا بحب الخير أوي.
باغتتهُ بابتسامة هادئة أظهرت فيها مدى إعجابها بثقته وكذلك ما يضمر في نفسها من شن تحدٍ حامي الوطيس بينهما، في هذه اللحظة دخلت الممرضة ومعها الطعام، توجهت إليه ثم تابعت بابتسامة رقيقة:
-وقت الغدا.
أومأ لها فجلست على الكرسي أمامه ووضعت صينية الطعام على فخذيها وبدأت تُطعمه في صمت، كانت "سكون" تراقب من بعيدٍ وتنتظر لحين انتهاء غدائه إلا أنها لاحظت تبادل نظرات غريبة بينهما وما أكد لها ذلك المُمرضة حينما خرجت ضحكة بسيطة من بين شفتيها وأطرقت في خجل.
عبست "سكون" فورًا من تصرفها المُتبجح مع مرضاها التي تخصصت في الاعتناء بهم وليس مغازلتهم، تنحنحت "سكون" بغيظٍ قبل أن تقترب منها ثم تقول بنبرة صارمة:
-سيبي الأكل واخرجي!.
المُمرضة بثبات ومُجابهة:
-أنا بقوم بشغلي يا أستاذة.
سكون وهي تردف بنبرة أكثر حِدةً:
-شُغلك اللي هو أنهي بالظبط؟! إنك تعتني بالمريض ولا يعتني هو بالجفاف العاطفي اللي عندك!!!
أطرق "كاسب" برأسه وكادت أن تنطلق ضحكة من بين شفتيها ولكنه جاهد في سجنها، رفعت "سكون" حاجبها ثم صاحت بتهديد:
-اخرجي برا فورًا وإلا تصرفي هيكون قاسي عليكِ.
قررت المُمرضة أن تنسحب تفاديًا لانقطاع لقمة عيشها، انتظرتها الأخيرة حتى خرجت ثم التفتت إليه وأردفت بنبرة مُنفعلة قليلًا:
-أيه اللي إنتَ بتعمله دا؟!!
كاسب بوداعة:
-بتشقط.
التوى شدقها ثم أردفت باستنكار:
-بتشقط؟ أيه الكلمة المُقرفة دي؟!.
كاسب بابتسامة مراوغة:
-بتشقط يعني بيتم استدراجي علشان أنا وسيم وبسمسم وبعدين تاخد مني اللي هي عايزاه وترميني في الشارع.
سكون بغيظٍ:
-يعني إنتَ المفعول به؟!
كاسب بضحكة لم يستطع إخفائها:
-عندك، أنا طول عُمري فاعل بس في الحالات اللي زيّ دي مدة صمودي قدام الكُتلة الأنثوية المتفجرة لا يتعدى ال3 ثواني.. نفس الإنسان دعيييييييييفة بالدال.
ضربت كفًا بالآخر ثم تخصرت أمامه وراحت تهز رأسها وهي تقول بابتسامة هادئة:
-مُستفز.
لحظات ودخل "عثمان" يدفع مقعد ابنه أمامه والذي أصر على زيارة كاسب والاطمئنان عليه، تحركت "سكون" إليه بسعادة كبيرة عند رؤيته وسحبت الكرسي من يد والدها ثم أوصلته إلى الفراش، نظر "عُمر" إلى كاسب نظرات يُغلفها الامتنان لمَّا فعله من أجل شقيقته، بادلهُ الأخير نظرات ودودة وشق ثغره ابتسامة حانية ليرفعا كفيهما في نفس الوقت ثم يقبض كُلًا منهما على قبضة الآخر في اتحادٍ وعلاقة أوشكت على البدء.
 

 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent