Ads by Google X

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم شمس حسين

الصفحة الرئيسية

    

 رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم شمس حسين

بين احتواء وجفاء
وأخيرًا…. افتكرت الشخص المجهول، هو نفسه اللي شفته أول مرة هنا في العيادة، أول ما شوفته خارج من عند الدكتور، قلبي اتنفض وعيوني لمعت، وبقيت أسأل نفسي معقول هو؟، فضلنا وقتها واقفين بنبص لبعض لثواني معدودة، وبعدها خرج وكأنه مش شايفني أصلاً، و دخلت عند دكتور أشرف وأنا لسه مش عارفة اصدق الموقف و الصدفة العجيبة دي، اول ما قعدت قدامه، كان باين عليا إني مش على بعضي، وهو لاحظ وقالي: “مالك يا استاذه شمس؟ إنتي كويسة؟ في حاجة حصلت؟”، لكن مردتش علي سؤاله وقلت علطول: “مين الشخص اللي كان خارج من هنا دلوقتي ده؟”، رفع حاجبه كأنه مستغرب سؤالي وقالي: “أحمد؟ ده ابن عمي، ليه في حاجة حصلت هو قالك اي حاجة؟”، اول ما عرفت أنه ابنه عمه اتصدمت اكتر، وقلت له: “هو… آه، لاء اقصد يعني شوفته”، وسكت، مبقتش عارفه أقوله أي، سألني تاني و قالي: “انتوا تعرفوا بعض؟”، هزيت دماغي وبعدها حكيت له كل اللي حصل من البداية، لما خلصت بص لي وهو متكئ على مكتبه وقالي: “طيب مالك ليه مستغربة كده؟، عادي دي صدفة بتحصل كتير مع أي حد”، سكت شوية وأنا بحاول أختار كلامي وقلت: “هي فعلا صدفة بس غريبة شوية، بس الفكرة إنه بيتعامل كأنه ميعرفنيش”، رد عليا و قال: “ما يمكن فعلا ميعرفكيش أو مش واخد باله”، رديت عليه بسرعة وقلت: “إزاي يعني ميعرفنيش بقولك وقفت قدامه و قدمت العرض و شافني اكتر من مرة في الشركة و كمان لما شافني دلوقتي مداش اي ردة فعلا، ليه يعني أنا أفضل فاكراه وهو لا”، قلت كلامي كله مرة و احدة و بعدين سكت، لكن هو ابتسم ابتسامة خفيفة وقال: “بصي يا شمس، أحيانًا المواقف اللي بتأثر فينا مش بتكون بنفس التأثير عند الطرف التاني، يمكن بالنسباله كانت لحظة عابرة، ويمكن هو كمان مش فاكر فعلاً اول مرة اتقابلته فيها هنا، ولما شافك انهاردة عرف أن إنتي المهندسة الجديدة في الشركة عنده، فمحبش أنه يحرجك يعني وعمل نفسه ماخدش باله”، حسيت إن كلامه منطقي، و سكت و غيرت الموضوع وقلت له: ” طيب يعني أنا كدا دلوقتي شغالة في الشركة عندكم، و بتعالج عندك هنا، اي الصدف الغريبة دي بجد”، ضحك بعد اللي قلته وقالي: ” دي فعلاً اللي صدفة بجد غريبة”، قلت له بفضول:” بس غريبة يعني، اللي اعرفه ان كل عيلتكم مهندسين، ومش اي مهندسين دول اكبر ناس في المجال، ليه انت مش زيهم؟”، أشرف ضحك ضحكة خفيفة وقال: “ايوا فعلاً كلهم مهندسين، أنا طلعت العاق اللي فيهم، و خيبت امل بابا فيا و طلعت دكتور”، مقدرتش أقاوم طريقته وضحكت وقلت:” ايوا يعني انت كنت حابب الطب النفسي علشان كدا اخترته”، قالي: “طبعاً، لأ أنا مكنتش اعرف عنه أي حاجة، هو اللي جيه في طريقي”، بصيت له باستغراب وقلت له: “ازاي”، قالي: “دي حكاية طويلة اووي عندك وقت تسمعيها؟”، حسيته عايز يحكي فهزيت دماغي بموافقة وقلت له: “لو تحب”.

لقيته رجع بضهره علي الكرسي و بدأ يحكي: “أنا أول ما خلصت ثانوي بابا كان قراره واضح ومفيهوش مجال للنقاش وهو إني ادخل هندسة زيه و زي باقي العيلة، و فعلاً دخلت هندسة وعدت أول سنة عليا وأنا مش فاهم حاجة خالص، ولا لاقي نفسي في أي حاجة بدرسها، المجال مكنش ليا، كنت حاسس إني غريب جوه الكلية دي، علشان كدا مبقتش اذكر خالص، كنت بعمل حاجة واحدة بس، وهي اني أقرأ، أنا طول عمري بحب القراءة، قرأت كتب كتير منها عن علم النفس، كنت بفهم نفسي واللي حواليا لما أقرأها، ومن هنا بدأت أميل للطب النفسي”.


“لما سقطت في أول سنة هندسة، لقيتها فرصة و قلت ل بابا أنا مش هكمل فيها و هدرس طب نفسي، بس بابا كان حاسم جدا و رفض، و بعد محاولات كتير معاه، فشلت إني أقنعه و فضل متمسك برأيه، وقتها حسيت إن مفيش فايدة، و روحت من وراه وبدأت دراسة في الحاجة اللي بحبها، لما عرف غضب جدا و طردني من البيت و منع أي حد من العيلة يتواصل معايا، كانت الفكرة عنده اكبر من نوع الحاجة اللي بدرسها، هو كان شايف إني بخرج من تحت طوعه و بعصي أوامره، مكنتش عارف وقتها اعمل اي، بس عمي ايمن ساعدني، سفرني برا مع أحمد نكمل تعليم هناك ومن وقتها بدأت رحلتي”.
“بعد ما خلصت دراسة رجعت هنا تاني، بس بابا كان لسه مقاطعني، وكانت كل العيلة مش بتكلمني خوفاً منه، إلا أحمد… هو الوحيد اللي بيتواصل معايا غصب عن أي حد، الوحيد اللي دايمًا كان مختلف، طول عمره شايف إن الصح صح، ولازم يتعمل، قدام أي حد وبأي شكل، عمره ما وافق على الغلط، حتى لو كل اللي حواليه شايفين غير كده، و بس ياستي جيت هنا مصر و بدأت شغلي لوحدي هنا”.


بصيت له و قلت له بتاثر من حكايته: “يعني أنت كدا عايش لوحدك هنا؟”، رد عليا بإبتسامة خفيفة: “لا، أنا عايش مع بنتي لينة، عندها خمس سنين”، استغربت شوية وقلت له: “طب وفين مامتها؟”، بص بعيد شوية وقال بصوت واطي: “مامتها توفت”، سكتت لحظة وحسيت إن الكلام عنده تقيل، كان واضح إنه مش عايز يقول تفاصيل أكتر دلوقتي، وبعدها قلت له: “أكيد الموضوع كان صعب عليك…”، بص لي بإبتسامة صغيرة مليانة حزن: “مش سهل أبدًا، بس بنتي لينة هي اللي مخلياني واقف على رجلي، هي اللي مالية عليا كل حياتي ومخلياني أكمل”، اتعلقت عيني بعينيه للحظة و بعدين قلت له:” ربنا يخليهالك”، المشهد وقتها كان مؤثر، علشان كدا أشرف حب يغير الوضع وبص لي وضحك ضحكة خفيفة وقال: “هو أنا اللي المفروض أكون الدكتور النفسي هنا ولا إنتي؟!”، ضحكت وقلت له: “مش عارفه والله، هي جت كدا”، قال لي بإبتسامة أوسع: “أنتي خدعتيني يا شمس، أنا اللي بقيت بحكي، مش إنتي، المفروض إنك جاية هنا تحكي فجأة بقيت أنا اللي قاعد بفضفض، بس بجد شكرا جدا إنك سمعتيني”، ضحكت وقلت له: “طيب خلاص… نعمل اتفاق”، رفع حاجبه وقال: “اتفاق؟!”، قلت له وأنا بحاول أتكلم بجدية: “أدفع لك نص الكشف، أنت تحكي وأنا أحكيلك”، ضحك من قلبه وقال: “دي أول مرة مريضة تفاوضني على كشف!”، قلت له: “أنا غير”.


بعد الضحك اللي حصل، رجع أشرف لوضعه الجدي وقال لي: “طيب، خلينا نرجع للجلسة، و نشوف وقفنا فين المرة اللي فاتت، و بعد دقائق قالي: “عايز أعرف يا شمس … إيه إحساسك دلوقتي تجاه والدك؟”، سكت شوية، بصيت للأرض كأن الإجابة مش واضحة قدامي، بعدين قلت له: “بصراحة؟ مفيش إحساس، يعني مبقيتش حاسة بحاجة خالص تجاهه، لا كره ولا حب، حتى الزعل اللي كان عندي زمان اختفى، كل حاجة ماتت بعد آخر مرة شوفته فيها”، رفع عينه وبص لي بتأمل: “وإيه اللي حصل في آخر مرة شوفتيه فيها؟”، تنهدت وحسيت بدمي بيتحرك فجأة كأني رجعت لليوم ده: “قالي إنه مبيحبنيش…بكل بساطة كده… بص لي وقالها، بس لما قالها… كأنه قطع حبل كان رابطني بيه”،


هز اشرف دماغه ببطء وقال: “الكلمة دي أثرت فيكي إزاي وقتها؟ مش أقصد تأثيرها عليكي كعلاقة بينك وبينه، لكن على نفسك إنتي؟”، قلت له: “كنت منهارة قدامه لما قالها مكنتش فاهمة أن إزاي بني آدم ممكن يقول كده لبنته، بعدها، حسيت إن كل حاجة جوايا تجاهه ماتت، كأنه بقى غريب”، بصلي بتعاطف وقال: “ودي كانت أول مرة يقول حاجة زي دي؟”، “لا…” رديت وأنا برجع بذاكرتي وكملت: “هو دايمًا كان بيقول كلام قاسي، حتي معاملته كانت قاسية جداً، بس المرة دي كانت مختلفة، كانت واضحة وصريحة، حسيت كأنها النهاية، كأن كل حاجة كنت متمسكة بيها خلاص وقعت”، سكت شوية وقال بهدوء: “إنتي شايفة نفسك كنتي متمسكة بإيه بالضبط؟”، حاولت أفكر وقلت: “يمكن… فكرة إنه ممكن يتغير، فكرة إنه ممكن في يوم يبقى أب زي أي أب، يحسسني بالأمان، أو على الأقل يبقى موجود في حياتي من غير ما يجرحني”، هز دماغه وقال: “وده طبيعي جدًا، إحنا كبشر بنحتاج وجود الأهل في حياتنا، الأمان اللي بيجي من الأب أو الأم حاجة أساسية، خصوصًا للأطفال، لما الحاجة دي متبقاش موجودة، بنحاول نتمسك بأي أمل إنها تيجي لاحقًا”، قلت له: “بس أنا خلاص، مش عايزة حاجة منه، مش عايزة أحس بحاجة تجاهه”، ابتسم بهدوء وقال: “وإنتي حرة تمامًا في اللي تختاريه، بس عايزك تفكري في حاجة: لما بنحاول ندفن مشاعرنا، ده أحيانًا بيأثر على حاجات تانية في حياتنا، هل فكرتي إذا كان ده ممكن يأثر على علاقاتك مع الناس اللي حواليك؟”، رفعت عيني له وقلت: “يعني إيه؟”، قال لي: “هل بتحسي إنك بتتعاملي مع الناس بحذر أو بتحطي حواجز بينهم وبينك؟ خصوصًا في العلاقات العاطفية أو حتى الصداقات القريبة”، ضحكت ضحكة خفيفة وقلت: “بصراحة، دايمًا بحط مسافة بيني وبين الناس، معنديش اي ثقة في الرجالة عموماً، دايما بكون واخدة حذر في التعامل، يمكن علشان محدش يوجعني زي ما هو عمل”، رد عليا وقالي: “وده شعور مفهوم، لكن المشكلة إن الحواجز دي ممكن تمنعك من إنك تلاقي العلاقات اللي تسعدك فعلاً، إنتي دلوقتي في مرحلة فهم، وده أول خطوة مهمة، مع الوقت، هتقدري تكتشفي الطريقة اللي تناسبك عشان تعيشي حياة متوازنة من غير خوف”، سكت شوية وبعدين قلت له: “بس أنا مش عايزة أفتح الباب ده تاني، مش مستعدة ادخل اي حد في حياتي تاني”، ابتسم وقال: “ده قرار مؤقت صدقيني، احنا هنا هنمشي خطوة خطوة علشان نمحي الأثر السيئ اللي جواكي، وأنا هساعدك تفهمي نفسك وتلاقي راحتك، بأي طريقة تناسبك”، هزيت دماغي وانا مبتسمة وقلت له: “ان شاء الله”، بعدها بص لي بإبتسامة خفيفة وقال: “طيب إحنا كده خلصنا الجلسة، لسه عندك حاجة عايزة تقوليها؟”، قلت له: “لا…. حالياً لا، قالي: “تمام يا شمس منتظرك المرة الجاية و خليها بدري شوية علشان ابدأ جلستي أنا الاول”، ضحكت وقلت له: “تمام”، وخرجت …. خرجت من عنده وأنا حاسة بحاجة مختلفة، كان واضح إن أشرف مش مجرد دكتور بيسمعني، كان فيه حاجة في طريقته، في كلامه، بتخلي الواحد يحس إنه مش لوحده، مش بس كدا، كلامه عن أحمد، وحياته، ورؤيته للأمور كان له تأثير غريب عليا، وفكرة أن الجلسة مكانتش بس عني خلتني احس ان اللي حصل ده بداية لفهم أعمق بينا، حسيت إن فيه حاجة بتكبر بينا، ممكن تكون بداية لصداقة حقيقية، مش مجرد علاقة مهنية.

تاني يوم صحيت الصبح وجهزت نفسي
و وصلت الشركة بدري، دخلت مكتبي وبدأت أراجع بعض المشاريع اللي كنت شغالة عليها، كان عندي طاقة كبيرة ودي لاني مقررة من بداية اليوم إني لازم اركز في شغلي وأكون على قد التوقعات، حتى لو كان في حاجة مش مريحة جوة دماغي وهي موضوع أحمد اللي كان عامل زي صوت في الخلفية، مزعج بس بحاول أسكته، مش عارفة ليه بس وجوده في نفس المكان كان مخليني حاسة بتوتر غريب.
وبعد وقت تقريباً عدي نص اليوم، لقيت سارة جات لي وقالت بصوت هادي: “بشمهندسه شمس، في اجتماع كمان نص ساعة، لازم تكوني موجودة، هيبقى مع الفريق الاداري كله”، “اجتماع؟!” قلت لها وأنا مستغربة: “مكانش فيه أي حاجة في الجدول عن اجتماع النهارده”، هزت كتافها وقالت: “شكله اجتماع مستعجل، بشمهندس أيمن طلب إن الكل يكون موجود”، ابتسمت إبتسامة مصطنعة وقلت: “تمام…. هكون هناك”، لما قرب وقت الاجتماع، جمعت الملفات اللي ممكن أحتاجها، ودخلت غرفة الاجتماعات قبل الكل، وبعد دقايق، بدأ الفريق يدخل واحد ورا التاني، كنت براقبهم من طرف عيني، لحد ما شفته…أحمد….كان داخل مع أيمن والباقيين، وماسك ملف في إيده، عينه عديت عليا للحظة، بس ولا كأنه شايفني، كأني مش موجودة أصلاً، كنت حاسة أنه قاصد يعمل كدا، علشان كدا أنا كمان قررت ألعب نفس اللعبة، وبدأ الاجتماع، و مسكت قلمي وبدأت أكتب شوية ملاحظات عشوائية على الورق قدامي، بشمهندس أيمن بدأ الاجتماع بصوته المعتاد، وكان بيتكلم عن خطة المشاريع الجديدة، كنت بحاول أركز في كل كلمة، بس كان صعب مع وجود أحمد، في لحظات، حسيت كأن عينه بتعدي عليا، بس كل مرة أرفع نظري ألاقيه مركز مع أيمن أو مع ملفاته، وعدي ساعة تقريباً، وبعد كدا بدأ بالكلام عن المؤتمرات والندوات اللي الشركة ناوية تعملها بخصوص المشاريع الجديدة و اللي من ضمنهم مشروعي، بشمهندس أيمن كان بيتكلم بحماس، وبيشرح أهمية البروباجندا اللي لازم تتعمل علشان المشروع يحقق نجاح كبير، كان من الواضح إن المشروع ده هيكون حاجة ضخمة، وأنا كنت بسمع وأحاول أستوعب كل حاجة، فجأة، بشمهندس أيمن بص ناحيتي وقال: “شمس، المشاريع دي هتبقي متواجدة فيها و تحديداً مشروعك، هتبقي متواجدة في كل خطوة فيه، وهتشرفي على التنفيذ بنفسك وهتكوني مسؤولة عن فريق الإنشاء”، هزيت دماغي بثقة و قلت له :” تمام”، بعدها كمل قال: “هتكوني مع أحمد وخالد” كان بيبص لأحمد اللي كان قاعد على الطرف بعيد عني، و رجع كمل: “أحمد كمان مسؤول عن المؤتمرات والندوات الخاصة بخطة المشاريع اللي بنجهز لها الفترة دي”، دخل في الحوار رامي مهندس تاني كان حاضر معانا، وقال: “على فكرة يا جماعة، أحمد عنده يوم طويل بكرا، كل المؤتمرات تم تحديدها في نفس اليوم، و ورا بعض في أماكن مختلفة”، أحمد رفع عينه من الورق اللي قدامه وقال بنبرة مستنكرة: “إزاي تحددوا كل ده من غير ما ترجعولي؟! المساعدة بتاعتي إجازة بكرا، عندها ظروف شخصية، وأنا مش هقدر أتعامل مع كل ده لوحدي”، أيمن رد عليه بحزم: “ده اليوم الوحيد يا أحمد اللي كان فيه وقت متاح لكل المؤتمرات، وبعدين، شمس هتروح معاك، و هتساعدك”، رفعت عيوني فجأة وبصيت لأيمن باستغراب وقلت في نفسي يعني إيه هروح معاه؟!، أيمن كمل كلامه: “شمس محتاجة تفهم إزاي بنوصل فكرة المشروع للناس خطوة بخطوة، وهتكون فرصة كويسة إنها تشوف إزاي المؤتمرات دي بتتدار”، نقلت نظراتي بين أيمن وأحمد، أحمد مقالش حاجة، بس كان واضح عليه إنه مش مبسوط، وأنا؟ أنا هزيت دماغي وسكتت، مكنتش عارفة أقول إيه، والاجتماع خلص وأنا كنت أول واحدة أخرج، كنت محتاجة أفكر في اللي حصل، يعني إيه أروح مع أحمد؟! حاولت أهدى نفسي: “كل ده مجرد شغل، ركزي على هدفك ياشمس، واكسبي الخبرة اللي هتساعدك في شغلك”.

اليوم التاني بدأت بدري زي عادتي، دخلت مكتبي وركزت في الشغل اللي كان مطلوب مني أخلصه قبل الساعة واحدة، علشان أبدأ أجهز للخروج مع أحمد للمؤتمرات، الوقت كان بيعدي ببطء، وبعد ما خلصت، قلت أطلع آخد حاجة أشربها مع البنات في الكافيتيريا، روحت و وقفنا بنتكلم، وكل واحدة فيهم بدأت تتكلم عن أهمية اليوم، فجأة، سما ودي أول واحدة اتعرفت عليها في الفرع الجديد وتقريباً بقينا صحاب سألتني: “هو إزاي أنتي اللي رايحة؟ مش المفروض بشمهندس أحمد وندي هما اللي بيحضروا كل مرة؟”، الكلام ده علق معايا، حسيت إني فعلاً دخيلة على الموضوع، و سألت :” مين ندي دي”، واحدة من البنات ردت: “دي المساعدة بتاعته”، دخلت في الحوار بنت تانية و قالت بخبث: “شكلهم كدا خلوكي تروحي بدل المساعدة بتاعته لأن اليوم بيبقي طويل جدا و لازم يكون في مساعدة”، أول ما سمعت اللي قالته، الشيطان لعب في دماغي، حسيت أن مش زي ما قالولي امبارح أن لازم اروح علشان اكسب خبرة اكتر، وأنه فعلا زي ما هي بتقول علشان ابقي مساعدته، وخرجت مني جملة بصوت عالي من غير ما أفكر: “إزاي يعني أنا أروح بدل ندي؟! أنا مش مساعدة حد! لو فعلا كدا هو يروح لوحده، أنا مش هروح مع حد!”، بعد ما خلصت الجملة، لقيت البنات ساكتين وعيونهم بتبص ورايا، لفيت ببطء، وكأن الزمن وقف فجأة …. كان أحمد واقف، حاطط إيده في جيبه، وبيبص لي بإبتسامة هادية، وواضح إنه سامع كل حاجة، وبكل برود قال: “بشمهندسة شمس، لو خلصتي ياريت تحصلين علي مكتبي”، في اللحظة دي كان نفسي الأرض تنشق وتبلعني، حسيت بسخونية في وشي، ورديت عليه بهدوء، وكأن اللي كان بيزعق من شوية مش أنا: “حاضر”، ومشى قدامي وأنا وراه، كل خطوة كنت بحس بإحراج أكتر، دخل مكتبه، واداني اللابتوب بتاعه و شنطته وقال لي بكل ثقة: “خلي ده معاكي، ممكن نحتاجه في اليوم و….” قاطعته قبل ما يخلص كلامه، وقلت له وأنا ماسكة أعصابي: “حضرتك جهز حاجتك براحتك، وأنا هستني تحت في العربية”، سبته ومشيت وأنا سايبة اللابتوب على مكتبه، كنت حاسة اني لازم اعمل كدا، كنت متعصبة منه أكتر من الاول بعد الموقف ده يعني هو بالرغم من أنه سمعني أنا بقول اي مع البنات، يجي دلوقتي و يخليني أشيل له حاجاته.

نزلت تحت للجراچ وأنا واقفة مش عارفة أي عربية المفروض أركبها، فضلت واقفة مستنياه لحد ما شفته نازل بكل برود، مشي بخطوات ثابتة من غير ما حتى يبص ناحيتي، وشايل اكتر من شنطة في أيده، مشيت وراه زي اللي ماشية في طابور الصباح، لحد أما لقيت راجل كبير لابس بدلة، تقريباً كان السواق و قرب عليه و أخد الشنط منه، و وصل لعربية كبيرة، وفتح له الباب، أحمد دخل العربية بكل هدوء، وأنا كنت لسه مستنية يشاورلي ولا يعمل أي حاجة، لكن مفيش اي رد فعل، لحظتها، قررت أتصرف لوحدي، وفتحت الباب جنب السواق، وركبت، اول ما قفلت الباب، سلمت علي عمو السواق بكل لطف وقلت: “إزيك يا عمو؟ أنا شمس”، رد بابتسامة وقال: “أهلاً بحضرتك، انتي المساعدة الجديدة”، بصيت لاحمد بغضب و بعدين قلت له:” لا يا عمو أنا المهندسة الجديدة”، قالي: بعتذر جداً تشرفنا يا بنتي، أنا فكري”، قلت له وأنا بحاول أبان لطيفة: “تشرفنا يا عمو فكري”، وقعدنا ساكتين طول الطريق، أحمد كان قاعد ورا بكل برود، وأنا ماسكة نفسي إني ما أعلقش على أي حاجة، وكان هدوء الطريق مريح شوية لحد ما وصلنا لأول مكان، أول ما نزل أحمد، الصحافة جريت عليه من كل اتجاه، الكاميرات والفلاشات شغالة، والأسئلة نازلة عليه زي المطر، وأنا كنت واقفة بعيد لحد ما يخلص، وبعد ما خلص كلامه مع الصحفيين ودخل المكان، دخلت وراه، و بعد دقائق بدأ المؤتمر، وأحمد كان واقف بيتكلم بكل ثقة وحضور رهيب، طريقة عرضه كانت مميزة جدًا، وكل الناس كانت قاعدة مركزه معاه، وأنا بصراحة كنت منبهره بيه، وبعد وقت خلص المؤتمر الأول، وطلعنا على التاني، وبقينا طول اليوم من مؤتمر لندوة ومن مكان لمكان، وكل ما الوقت يعدي، كنت بحس إني بفهم أكتر ليه أستاذ أيمن بعتني مع أحمد، في البداية كنت متضايقة وحاسة إنه بيعتبرني مجرد بديل لندي، لكن مع الوقت، بدأت أفهم إنه فعلاً كان عايزني أتعلم، أحمد كان مختلف جدًا في طريقته، وفعلاً مميز، بس برضو بالرغم من ده كله، كنت لسه مش طايقاه!.
وأخيراً وصلنا لآخر مؤتمر، كنت حاسة إن خلاص طاقتي بدأت تخلص، من مكان التاني ومش عارفه حتي اخد بريك أكل أو أشرب فيه اي حاجه، و دخلنا القاعة وأحمد بدأ العرض بكل ثقة كالعادة، وأنا قاعدة على الكرسي بحاول أركز في كل كلمة بيقولها، مش عايزة أي حاجة تفوتني، بس فجأة، وأنا سرحانة في الشرح، سمعت أسمي بيتقال بصوته، اتخضيت! بصيت حواليا كأني بدور على شمس تانية في القاعة، الناس كلها كانت بتبص لي، وأحمد واقف عادي كأنه معملش حاجة، وشاور لي إني أطلع على المنصة، كنت متوترة جدًا، قلبي بيخبط جامد، ومش عارفة أعمل إيه، قمت بخطوات بطيئة وأنا بحاول أهدي نفسي، وقفت على المنصة، وبصيت له كأن عيوني بتقول: “أية اللي انت عملته ده؟!”، لكنه بصلي بثبات ونظرة قوية كأنها بتقول: “ابدئي”، وبدأت الكلام بتوتر واضح، لكن بعد أول جملتين حسيت بثقة غريبة، فكرت في إن دي مش أول مرة أشرح فيها المشروع، وبدأت أركز على التفاصيل اللي اشتغلت عليها وبتكلم بحماس، كل الخوف اللي كان جوايا اختفى بالتدريج، وخلصت الشرح وسط تصفيق الحضور.

وخرجنا من المؤتمر، أحمد كان ماشي قدامي بخطوات سريعة كعادته، وأنا بجري وراه زي الهبلة علشان ألحقه، ولحقته أخيرًا، ووقفت قدامه وقلتله وأنا متعصبة: “إزاي يعني تحطني في الموقف ده من غير ما تقولي؟”، بص لي ببرود ورد بكل ثبات: “موقف إيه؟”، قلتله وأنا بحاول أسيطر على عصبيتي اللي مبقتش تطلع غير قدامه: “إني أطلع أنا وأقدم المشروع! إنت فاجأتني، أنا مكنتش عارفة إني هعمل كده”، رد بمنتهى الهدوء: “وإيه المشكلة؟”، قلتله وأنا صوتي بيعلى: “إيه المشكلة! المشكلة إن أنا دلوقتي مكنتش عارفة أقول إيه واتوترت!”، قال ببرود أكتر وهو بيقاطعني: “وأهو، متوترتيش، يبقى خلاص ملهوش داعي اللي بتقوليه وبعدين لازم تاخدي بالك من نبرة صوتك وإنتي بتتكلمي معايا”، كلامه زود غضبي أكتر، وقلتله بصوت مهزوز لكن كان فيه نوع من الشده وعيوني بتدمع: “لا، ليه داعي، مينفعش تحطني في موقف زي ده تاني من غير ما تقولي، وكل مرة هتتصرف بطريقتك دي هعلي صوتي اكتر”، وقتها نبرته اتغيرت، كانت أهدى بس حازمة: “شمس… إنتي مهندسة شغالة في مكان بيواجه مفاجآت كل يوم، لازم تكوني مستعدة لأي حاجة في أي وقت، اللي حصل النهارده كان تدريب بسيط، ده كانت أول مرة، ومش هتكون آخر مرة”، حاولت أرد، لكنه رفع إيده كأنه بيقفل الحوار: “لو مكنتش عارف إنك قدها، مكنتش خليتك تطلعي، لازم تثقي في نفسك زي ما كنتي أول مرة شوفتك فيها”، سكت لثواني، وبعدين لف ومشي بخطواته الواثقة، وأنا وقفت مكاني، وكل كلمة قالها كانت بتدور في دماغي.
وإحنا راجعين كان الوقت أتأخر، الجو ليل، و الزحمة خنقتنا، العربية كانت واقفة زي تمثال، كانت ماشية خطوة خطوة، لحد ما وصلنا في طريقنا جنب الكرونيش، كان الطريق لسة زحمة، العربية وقفت، أول ما بصيت من الشباك، لقيت منظر النيل قدامي، كان النور منعكس على المياة، وصوت خفيف من بعيد لطيور بتحلق كأنه بيحاول يسرقك من أي قلق، سرحت في المشهد، لحد ما حسيت بحركة جنب العربية، كان ولد صغير، شكله ميعديش عشر سنين، ماسك في إيده ورود حمرا بتلمع تحت نور الشارع، قرب مني ومد لي الوردة من شباك العربية، عيونه كانت واسعة وكأنها شايلة كل الحكايات اللي الشارع ممكن يحكيها، وقال وهو بيبتسم إبتسامة بريئه خطفت قلبي: “خديها يا آنسة، وردة حلوة زيك”، إبتسمت له تلقائيًا وطلعت فلوس من شنطتي، إديته وهو اخدها بكل امتنان، بس لما حاول يمد لي الوردة، قلت له بهدوء: “لا، دي ليك أنت”، وقف مذهول للحظة، وبعدين ضحك ضحكة طفولية دافية وقال: “أنا عمري ما شفت حد بيشتري ورد ومش بياخده، شكراً يا آنسة!”، مشي وانا لسه مبتسمة لكني حسيت بنظرات من على يميني، رفعت عيني ولقيت عمو فكري وأحمد بيراقبوا المشهد، عمو فكري ابتسم بخفة، لكن أحمد كأنه حجر، ولا كلمة ولا حتى حركة تعبر عن رأيه، وبعد دقائق الطريق بدأ يتحرك، في الوقت ده ماما اتصلت بيا رديت بسرعة: “أيوة يا ماما، لسه فاضلي شوية و أوصل، الطريق كان زحمة بس شوية، متقلقيش أنا بخير”، و كالعادة سألتها: “المهم بس دلوقتي عاملة أكل إيه؟”، في اللحظة دي عمو فكري ضحك وقال: “لو جعانة يا بنتي نقف عند اي سوبر ماركت نجيب اي حاجه؟ انتي طول اليوم شغالة ومأكلتيش اي حاجه”، قفلت مع ماما وبعدين ضحكت وأنا فعلاً حاسة بهبوط، وقلت: “لا يا عمو شكراً، أنا هستني لما اروح علشان بحب أكل مع ماما”، ولما قربنا من الشركة، عمو فكري فجأة سألني: “قوليلنا، بيتك فين يا بنتي؟ علشان اوصلك”، أنا بسرعة رديت: “لا يا عمو، خالو جاي ياخدني، مفيش داعي تتعب نفسك”، أحمد كان ساكت، لكن نظراته كانت عليا، معرفش إيه اللي بيدور في دماغه، لكنه فضل صامت كالعادة، وأخيرًا وصلنا قدام الشركة، نزلت بسرعة، و ودعت عمو فكري بإشارة خفيفة، وخالو وصل بعد دقايق، وركبت معاه، وطول الطريق كنت بفكر في اللي حصل طول اليوم.
 
google-playkhamsatmostaqltradent