رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الثاني والعشرون 22 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل الثاني والعشرون»
***
"علي"
نطق بها يوسف مذهولاً، لا تصدق عينيه أنه بالفعل يقف أمامه، وقع إسمه على مسامع لينة التي استنكرت أنه علي نفسه شقيقها، نهضت من مكانها لكي تستطيع رؤيته بوضوح فكان يوسف حاجباً للرؤية.
تقدمت نحوهما وقلبها تتسارع نبضاته، وقفت بجوار يوسف لتتأكد من هوية الآخر، اتسعت مقلتيها بذهول شديد، فكان هو حقاً، لم يتغير كثيراً بل نبتت لحيته وشاربه فقط، اجتاحها مشاعر عديدة حينها.
تريد ضمه بكل قوتها لأنها افتقدت إليه كثيراً، وأيضاً تريد صفعه لغيابه عنها طيلة تلك الأعوام الماضية، يزداد حنينها نحوه وكذلك نفورها منه.
خرجت من شرودها على صوته التي بات أكثر خشونة وهو يبتسم بحنين:
_ لينة!!
يشع من عينيه شوق كبير، اقترب منها ليتحلى بعناقاً حاراً يداوي أعوام الفراق التي مرت عليهما، لكنه تفاجئ بتراجعها رافضة قربه، خفق قلبه بحزن وردد:
_ دا أنا علي يا لينة، علي أخوكي، بتبعدي عني؟!
لم تنتظر دقيقة أخرى أمامه، وهرولت إلى غرفتها وما أن أوصدت بابها سرعان ما انفجرت باكية، كيف استطاعت الهروب من أمامه ورفضه بتلك السهولة؟ أليست هي من بحثت عنه طوال الوقت، لكنه هو لم يبحث عنها وتلك هي المشكلة.
استمعت لطرق الباب ثم صدر صوت أنثوي قال:
_ افتحي يا لينة أنا شهد
لم تكترث لمحاولاتها واستمرت في البكاء لاعنة لقائهم الذي أعاد إليها ذكريات مؤلمة قد عاشتها بمفردها.
في الخارج، لم يرفع علي عينيه من مكان اختفائها، كان مصدوماً من ردة فعلها، لم يتوقع ذلك قط، شعر بيد قد وُضعت على كتفه تأزره:
_ حمد لله على السلامة يا علي
انتبه "علي" على كلمات يوسف وطالعه بحزن يتجلى في عينيه، ابتسم له يوسف وقال بنبرة رخيمة:
_ معلش أعذرها، هي دورت عليك كتير أوي، هتهدى وهتكون كويسة
أشار "علي" على صدره وهتف بمزاج غير سوى:
_ كان غصب عني، هي متعرفش أنا اتعرضت لإيه عشان أعرف بس أعيش..
ربت يوسف على كتفه وأردف برزانة:
_ أتكلم معاها وفهمها وهي هتقدر ظروفك أكيد..
تدخل زياد بسؤاله وهو يطالع "علي" بغرابة:
_ مين دا يا يوسف؟
تقوس ثغر علي بإبتسامة حينما عرف هوية زياد وردد بسعادة:
_ زياد، صح؟
أكد يوسف بإيماءة من رأسه ثم أجاب أخيه:
_ دا علي يا زياد مش فاكره؟
تفاجئ زياد به ثم مد يده وصافحه مرحباً بوصوله:
_ حمد لله على السلامة
باختصار رد الآخر:
_ الله يسلمك
أنهى جملته وعينيه صُوبت تلقائياً على غرفة لينة التي اختفت خلف بابها، تنهد يوسف وقال:
_ تعالى معايا
نظر إلى أخيه وأمره قائلاً:
_ اعتذر من الناس على التأخير واحنا هنيجي أهو
توجه يوسف إلى غرفة لينة الماكثة بها برفقة علي، تنحت شهد جانباً فور رؤيتها لهما وعادت إلى مكانها، بينما طرق يوسف الباب وأردف بأمر:
_ افتحي لو سمحتي يا لينة
بعد ثوانٍ فتحت له بعينان لا تتوقف منهما الدموع، أولاتهما ظهرها وتوجهت نحو الفراش وجلست أعلاه، ولج يوسف أولاً وتبعه علي بحرج بائن لمعاملة شقيقته له، كاد يوسف أن يحادثها إلا أنها أسبقت بسؤالها:
_ رجعت ليه؟
تفاجئ علي بسؤالها ووزع نظريه بين يوسف ولينة بحرج، تدخل يوسف قائلاً عند وقوفه:
_ طب أنا هسيبكم لوحدكم
انتفضت لينة من مكانها وأسرعت نحوه ثم وقفت خلفه محتمية به وتوسلته قائلة:
_ لا يا يوسف متسبنيش معاه لوحدي..
مال يوسف برأسه للجانب ناظراً إليها، فهي وضعته في موقف لا يحسد عليه، فأسرعت هي بمحاوطة ذراعه بيدها وتوسلته مرة أخرى:
_ عشان خاطري يا يوسف
حمحم علي وأيد طلب لينة ليطمئن جوفها:
_ خليك يا يوسف أنت في مكانة أحمد أخونا
بسخرية هتفت لينة:
_ كويس إنك لسه فاكره
فغر علي فاهه ليخبرها بكل ما مر به لكن دخول زياد منعه، بينما تفاجئ زياد بوضع لينة التي تحاوط ذراع أخيه في وضع حميمي، كز أسنانه وحاول عدم إظهار رفضه للأمر وقال بنبرة جامدة:
_ المأذون عايز يكتب الكتاب عشان يمشي..
"كتب كتاب مين؟"
تسائل علي بفضول فالتفت زياد إليه وبثقة أجابه:
_ كتب كتابي أنا ولينة؟
وكأن دلو مملوء بالثلج قد سكب أعلاه، حتماً يمازحه، وجه نظره تلقائياً نحو يوسف وسأله بعدم تصديق:
_ الكلام دا حقيقي؟
الحرج دون غيره قد سيطر على خلاياه، فكيف يجيبه الآن؟ حتماً يظن أنهما يستغلان شقيقته، أخفض رأسه دون تعقيب فكانت حالته خير إجابة على سؤال علي الذي صاح رافضاً للأمر:
_ مفيش كتب كتاب ولا غيره، أنت إزاي يا يوسف توافق على التهريج دا؟ هي دي الأمانة اللي صاحبك سايبهالك!
خرجت لينة عن صمتها ونهرته معنفه:
_ متتكلمش معاه كدا تاني أنت فاهم، الأمانة اللي انت بتتكلم عنها دي هو صانها وحماها وراعى ربنا فيها، أنا واقفة قدامك دلوقتي بفضله هو، كان معايا في كل لحظة ضعف وحزن، عمره ما حسسني إني ناقصني حاجة، دا كرس حياته كلها عشاني ومشوفتوش مضايقة لحظة، أنت بقا يا أخويا كنت فين من كل دا؟
محاولتش حتى تدور عليا ولا تسأل عليا ولا تطمن خوفي عليك، بأي حق جاي دلوقتي تقول مفيش كتب كتاب؟
كلماتها ألجمت لسانه، فشل فى الرد عليها والدفاع عن نفسه، فكان متفاجئاً بهجومها الشديد، ظل يطالعها دون تصديق، كلماتها تتردد في عقله وتؤلمه كثيراً، هي لا تعرف شيئاً، لا تعرف ما مر به حتى ينال كل ذلك الإيلام.
شعر يوسف أنه أخطأ عندما اتخذ قراراً متهوراً كالذي أخذه، شعر أن وصول علي في تلك الأثناء رسالة موحية إليه بأن يتراجع، تنهد قبل أن يعيد تفكيره في الأمر:
_ فكري تاني يا لينة، أخوكي خلاص وصل يعني معتش فيه داعي لكتب الكتاب..
استدارت لينة نحوه وحدجته بذهول، بينما هدر زياد بحنق وعدم تصديق لقرارات يوسف الذي يتخذها فجاءةً دون العودة إليهم:
_ هو إيه اللي خلاص يا يوسف؟ إيه السهولة اللي بتاخد بيها قراراتك دي؟
حك يوسف مؤخرة رأسه فكان مشتتاً للغاية، لم يعد يعلم ما الصواب، تدخلت لينة حاسمة أمرها بقولها:
_ أنا هكتب الكتاب يا يوسف واللي واقف ورايا دا ملوش علاقة بيا ولا له يدخل في قرارتي..
لم يتحمل علي المزيد من الإيلام والإهانة منها، فتوجه نحو الباب هارباً من بينهم فصاحت لينة ساخرة:
_ دا اللي أنت بتعرف تعمله..
التفت إليها علي وعينيه يشع منهما المعاتبة فتابعت هي بإقتضاب:
_ شاطر أوي في إنك تبعد وتسيبني..
تبادلا النظرات ثم تابع علي سيره مغادراً المنزل، فأعاد يوسف تنبيه لينة:
_ مش مضطرة تعملي كدا يا لينة..
صاح زياد بحنق فلقد بلغ ذروة تحمله من سخافات أخيه:
_ برده هيقول مش مضطرة، والناس اللي برا دي والمأذون كل دول هنقولهم إيه؟
أجابه يوسف وعينيه مصوبة على لينة يتوسلها في نظراته أن توافقه الرأي:
_ مش مهم كل دا قصاد رأيها هي..
فرت دمعة على مقلتيها وهتفت بنبرة متحشرجة وهي تطالعه بندم:
_ صدقني معدتش فارقة يا يوسف..
تركتهما وخرجت من الغرفة، تبعها زياد الذي كان يتأفف بضجر وضيق، وبعد مدة تحرك يوسف للخارج وقلبه يكاد يقتلع من مكانه، كان متأملاً أن تعيد النظر في تلك المسألة، لكنها لم تفعل!!
حضر بلال وإيمان برفقة عائلتهما، جلس الجميع في هدوء مستمعين لخطبة المأذون الذي يليقها قبل أن يبدأ في إجراءات عقد القِران.
انتهى المأذون من خطبته ثم تسائل بجدية:
_ أين ولي العروسة؟
تبادلا الجميع النظرات في حيرة من أمرهم، فلم يرتب أحدهما لذلك، صُوبت نظراتهم تلقائياً على الباب حيث صدر منه الصوت:
_ أنا وليها يا مولانا
عاد علي ليكون بجوارها، فكيف يتركها في يوم هكذا؟ هو عاد فقط من أجلها وعليه أن يتحمل مسؤوليتها وتنفيذ كل متطلباتها لعلها تسامحه.
نظر المأذون إلى علي وسأله مستفسراً:
_ حضرتك مين؟
بهدوءٍ أجاب:
_ أخوها
أماء المأذون بتفهم قبل أن يتسائل مرة أخرى:
_ وأين الشهود؟
كان بلال أول من هتف لكي لا يضطر يوسف على شهد زيجة حبيبته:
_ أنا يا مولانا
وتلاه تلقائياً صوت السيد رمضان:
_ وأنا الشاهد التاني يا مولانا
بدأت مراسم عقد القِران، حيث جلس علي وزياد على جانبي المأذون وتصافحا وظل يرددا ما يمليه عليهم.
"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير إن شاء الله"
هكذا نهى المأذون المراسم بدعوته لهما، تعالت الزغاريد في المكان، وحلت المباركات من الجميع على تلك المناسبة.
في زاوية قريبة وقف يطالعها بقلبٍ يتألم، وعقلٍ يحترق، جوفه يؤلمه للغاية، لم يشعر بتلك الدمعة التي فرت على مقلتيه، صعق حينما شعر بضعفه وقلة حيلته.
لم يكن أمامه سوى الهروب من المكان الذي يطبق على صدره، حتماً إن أنتظر لدقيقة آخرى ستنشب كارثة.
لمحت لينة طيفه الهارب وتعجبت من أمره، توجهت تلقائياً خلفه ونادته لكنه لم يرد بل كان يسرع من خطاه حتى اختفى من أمامها، عادت هي للداخل وقلبها يخفق بقوة، تشعر بالقلق والخوف حياله.
توجهت نحو بلال ورددت كلماتها بتوجس بتوجس:
_ يوسف نزل وكان باين عليه إنه بيجري، نديت عليه مردش عليا، أنا قلقانة عليه أوي، ممكن تشوفه راح فين؟
تغلغل القلق داخل بلال، اكتفى بإيماءة من رأسه وأسرع إلى الأسفل لعله يلحقه، لمح طيف سيارته التي تخرج من المنطقة فلم يتردد في لحاقه بالسيارة خاصته.
كان يعطيه إشارات من آن لآخر حتى يتوقف لكنه لم يكترث له، مما ضاعف القلق في قلب بلال، وظل يقود بأقصى سرعة لديه حتى لا يفقده.
وأخيراً أوقف يوسف السيارة أمام المعرض الجديد، فتحه ودلف راكضاً، جاب المكان ذهاباً وجيئا، سيجن عقله، كيف فعل ذلك، كيف أخذ قراراً متهوراً كهذا، كيف لم يمنع حدوثه بكل قوته؟
أسرع بلال ناحيته وأجبره على التوقف:
_ في إيه يا يوسف؟ إيه الحالة دي؟
رفع يوسف يده وحاوط عنقه، يشعر بالاختناق، فك رابطة عنقه وألقاه بعيداً عنه، كان بلال متأثراً من وضعه المجهول، وحاول مساعدته على الجلوس:
_ طيب تعالى أقعد واهدى
استلقى يوسف على إحدى الأرائك الجلدية، ثم انفجر باكياً كـطفل رضيع لا يعلم ماذا يريد، كانت مفاجئة كبيرة لم يستوعبها بلال فلم يرى صديقه يبكي منذ معرفته به.
اقترب منه وجلس القرفصاء بجواره وحاول معرفة مابه:
_ أنت بتعيط يا يوسف؟ إيه اللي حصل عشان توصل للحالة دي؟
اعتدل يوسف في جلسته وظل يبكي ويشهق بقوة، ارتجفت شفتيه من شدة بكائه وكذلك يديه ثم جسده، استقام بلال ثم جلس بجانبه، حاوطه بذراعيه فلم يجد منه سوى الرضوخ، مال يوسف على كتفه وهتف بصوت باكي حزين:
_ أنا طلعت بحبها يا بلال!!
فغر بلال فاهه، لوهلة لم يستوعب عقله من تلك المقصودة، طالع الفراغ أمامه لبرهة قبل أن يسأله مستفسراً:
_ هي مين؟
ازداد نحيبه وهو ينطق حروف إسمها:
_ لينة!
اعتدل في جلسته ومال برأسه لليمين حيث يجلس بلال ثم واصل تحت نظرات صديقه المذهولة مما سمعه:
_ معقول كل اللي كنت بعمله دا مش عشان هي أمانة صاحبي؟ معقول كل دا كنت بحبها ومش عارف!!
بس بحبها إزاي يعني؟
بحبها إزاي يا بلال؟
دا أنا عرفتها وهي عيلة ولسه عيلة في نظري، لحقت حبيتها امتى وإزاي؟
يعني إيه حب أصلا؟
بس آه، كل حاجة مكنش عندي تفسير ليها وضحت الوقتي، دا أنا عمري ما بصيت لواحدة غيرها، عمري ما لمست إيد واحدة حتى بالغلط غيرها، دي كانت بتحضني بعفوية ومكنتش بضايق كنت بسيبها تقرب مني عشان كدا كنت حابب كدا
كنت بتعمد أخد شاور وأمشي قدامها عشان أشوف نظراتها عليا..
تقوس ثغره ببسمة عذبة متذكراً دلالها عليه:
_ كنت بحب دلعها بس معايا بس، مكنتش بخلي حد يمسك حتى الكوباية اللي بتشرب منها أنا بس اللي كنت بشرب من وراها عادي
تجهمت تعابيره وهدر بغضب:
_ كنت أطيق العمى ولا أطيق دمعة من عيونها تنزل
نهض عن مكانه وجاب المكان من حوله مسترسلاً بحدة:
_ عشان كدا لما سمعت الكلام اللي دار لما نزلت الصور مستحملتش، لأنه صح، أنا استحليت قربها، كنت مبسوط وأنا معاها وكل ما عقلي يقولي يا يوسف اللي بتعمله غلط، أقوله وماله ما أنت طول عمرك ماشي صح، خدت إيه يعني؟ دا أنت مفرحتش إلا في وجودها، فيها إيه لما أعيش لي يومين مبسوط!
توقف يوسف عن السير ووضع يديه في منتصف خصره، وحدج صديقه لوقت، لا يصدق ما فصح عنه للتو، كيف قاله وصرح به بتلك السهولة لا يدري؟
وقف بلال وكلمات يوسف لا تريد التحليق، تنهد ثم أردف:
_ دا أنت طلعت عاشقها يا يوسف، يخرب عقلك يا جدع!! كل دا مداريه!
مسح يوسف عبراته ثم وضع إصبعيه أمام عينيه محاولاً استيعاب مشاعره، أخرج زفيراً وردد بهدوء:
_ أنا بس عايز أفهم ليه دلوقتي؟ ليه بعد ما كتبت كتابها بإيدي أحس بكدا دلوقتي؟
توجه نحو الأريكة وجلس أعلاها، طالع الفارغ أمامه في محاولة منه على فهم تلك العقلية لكنه لم يصل لشيئ، بعد تفكيرٍ طال هتف بلال:
_ مش يمكن حصل كدا عشان تتأكد من مشاعرك، يمكن لو فضلتوا مكملين بنفس طريقتكم كنت هتفضل فاهم إنك بتحبها زي أختك
فرت دمعة أخرى من عينيه، كان صوته متشحرج حينما قال:
_ وأديني عرفت، بس بعد إيه؟ بعد ما راحت مني!
تساقطت عبراته دون توقف، وكلما قام بمسحهم يعودون من جديد، تنهد بلال وحاول إيجاد حلاً لكي يهدئه قليلاً:
_ مش أنت قولت دا وضع مؤقت، يعني مفيش مشكلة الوضع يتغير..
رمقه يوسف بنظرات جامدة وصاح به شزراً:
_ هي لعبة يا بلال؟ هلعب بيها أنا وأخويا؟ أنت مشوفتش أخوها كان بيبصلي إزاي النهاردة كأنه بيقولي أنتوا بتستغلوا أختي، تخيل لو عملنا اللي بتقوله!
وبعدين دا مستحيل أصلاً، إزاي أقول لاخويا سيبها عشاني؟ أنت مستوعب أنت بتقول إيه؟
دا حتى لو أنا اللي خدت القرار والاتنين مش موافقين ورضخوا بس عشاني، مينفعش
دي مش رواية بنقرأها ولا هي لعبة بنتسلى بيها عشان الوضع يكون بالسهولة دي
رفع يوسف أنامله ومسح عبراته بعنف، أجبر عينيه على التوقف وعدم البكاء مرةٍ أخرى، نهض عن مكانه فنهض بلال تلقائياً معه ثم أردف يوسف بجدية:
_ أنا ماشي، وياريت تنسى كل اللي قولته
لحق به بلال وأمسك بذراعه وقال:
_ فهمني طيب أنت هتروح فين؟
حرر يوسف ذراعه من بين قبضة صديقه وأجابه مختصراً:
_ معرفش هلف شوية بالعربية وبعدين أروح
سحب بلال مفتاح سيارته من على الطاولة الخشبية وهلل قائلاً:
_ طيب استناني أجي...
منعه يوسف من اللحاق به بقوله:
_ عايز أكون لوحدي يا بلال، هكون كويس بس سيبني لوحدي
أردف جملته وانطلق بالسيارة بعيداً، بينما ظن الآخر أن تركه بمفرده في تلك الحالة لربما يفيده، أخذ نفساً عميق وهو يتابع تحرك سيارة يوسف حتى اختفت عن نظريه، فاستقل هو سيارته ليعود إلى منطقته.
***
ذهب الجميع إلا من السيد رمضان وزوجته وإيمان، وعلي الذي يجاور لينة في الشرفة وكذلك زياد يتسامران
في الخارج، اقتربت هادية من السيدة ميمي المنشغل عقلها باختفاء يوسف المفاجئ وسألتها بفضول أنثوي:
_ إلا قوليلي يا ميمي هو إيه موضوع كتب الكتاب اللي طلع فجاءة دا، عمرك يختي ما لمحتي حتى إن زياد عايز لينة..
تنهدت ميمي بنفاذ صبر وقالت بهدوء:
_ الموضوع مش زي ما أنتِ فاهمة يا هادية، الموضوع كله عشان نحلل قاعدة لينة في البيت
قطبت الأخرى جبينها بغرابة ولم تكتفي بتلك الإجابة لأنها لم ترضي فضولها فتسائلت بخبث:
_ وإيه اللي جد يعني؟ ما هي طول عمرها عايشة معاكم ومحدش قال حاجة
تأففت ميمي دون إظهار ضجرها من أسئلتها وردت عليها بجمود:
_ أهم قالوا يا هادية واللي كان كان، ودا الحل اللي كان قدامنا، بعد اذنك هقوم أشوف لينة فين
هربت ميمي بعيداً عنها، فلم يكن مزاجها في محله، ولجت الشرفة وتسائلت بقلبٍ قلق:
_ يوسف لسه مظهرش يا ولاد؟
نفى زياد بحركة من رأسه بينما لم تبعد لينة نظريها عن الشارع على أمل وصوله، صدر صوت علي حينما شعر بالحرج من الجميع وخصيصاً أن الوقت بات متأخراً وقال:
_ طيب أنا همشي أنا هبقى هكلمك بكرة يا لينة
لم تعطيه اهتمام فزداد خجله، تدخلت السيدة ميمي متسائلة باهتمام لكي تمحي حرجه:
_ أنت هتنام فين يا حبيبي؟
أجابها بود:
_ حاجز في فندق
بادلته إبتسامة فأستاذن منهم وغادر، بعد مدة ليست بقصيرة انتبهت لينة على سيارة بلال التي ترجل منها وأسرعت نحو الباب لكي تسأله عن يوسف.
"يوسف فين، هو كويس؟"
تسائلت بنبرة يكسوها الخوف والقلق، طالعها بلال لثوانٍ واعترافات يوسف تتردد في ذهنه، مما أثار الذعر في قلبها فتدخل زياد الذي جاء للتو متسائلاً:
_ لقيته ولا لأ؟
خرج بلال من شروده وأجابه بتردد:
_ أيوة، طلع عنده شغل ضروري كان ناسيه وكان لازم يعمله
لم تقتنع لينة بتلك الإجابة فصاحت بعدم تصديق:
_ شغل! شغل إيه النهاردة وفي الوقت دا بالذات؟
ظهور إيمان ووالديها كان طوق نجاة لبلال من أسئلة لينة التي ليس لديه إجابات لها، أنتبه الجميع على حديث رمضان الذي صاح:
_ بلال وصل أهو، يلا إحنا عشان نمشي بقى
غادر أربعتهم ولم يلتفت بلال، فكان يريد الهروب من لينة بأي طريقة، بينما عادت الأخرى إلى غرفتها بقلب يعتصر حزناً، وعقلاً مشغولاً بمن تركها وغادر دون أن يلتفت
أخبر زياد والدته بأمر العمل الذي طرأ ليوسف فشعرت ببعض الراحة وقالت:
_ طيب يا حبيبي الله يطمنك، أنا هدخل أوضتي أرتاح شوية على لما يوسف يرجع
أيدها الرأى وانتظر حتى اختفت من أمامه ثم وجه نظراته على باب لينة، تشكلت بسمة خبيثة على محياه وفضل أن ينتظر قليلاً حتى تهدأ الأجواء تماماً ثم يتودد إليها.
كان يجوب الردهة على أحر من الجمر، لا يطيق الانتظار، يريد التريث حتى لا يفضح أمره، كان ينتظر بفروغ صبر نوم والدته، فكان صوتها يصدر من الغرفة وهي تتلوا بعض الآيات حتى اختفى الصوت تماماً.
وقف أمام بابها وبهدوء حذر أدار مقبضه، أصاب حدسه لقد غفت وهي جالسة، أعاد غلق الباب ثم توجه إلى غرفة لينة بدون تردد، طرق بابها ففتحت هي بعد أن بدلت ثيابها بأخرى وسألته مستفسرة:
_ عايز حاجة؟
ما كان منه إلا أن دفع الباب ودلف دون إكتراث لنظراتها المذهولة، كانت تتابع خطواته بضجر لاقتحامه الغرفة بتلك الجرأة، لم تنتظر طويلاً واندفعت به:
_ إيه اللي أنت بتعمله دا؟ أنت عايز إيه؟
التفت إليها وبإبتسامة هادئة أردف:
_ بشوف أوضة مراتي
شهقت الأخرى وطالعته بعينيان جاحظتين ثم أعادت ما تفوهه بنفور شديد:
_ مراتك! أنا مش مرات حد، إياك تنطق الكلمة دي على لسانك مرة تانية، أنت فاهم
اقترب بخطاه منها ثم رفع إبهامه أمام عينيها وهتف مستاءً:
_ أومال اللون الازرق دا بيعمل إيه في صوباعي لما أنتِ مش مرات حد؟!
تأففت لينة بضجر بائن قبل أن تعيد هتافها بحنق:
_ زياد لو سمحت أطلع برا أنا بجد مش فايقة
لم يهتم لطلبها كثيراً، تابع سيره نحوها تحت إصرارها بخروجه لكن دون جدوى فما كان منها إلا أن تتراجع للخلف متوسلة إياه:
_ لو سمحت يا زياد أخرج، بلاش كدا
وقف مقابلها فلم يكن أمامها مفر تلجأ إليه، مال هو بقرب أذنها وهمس بوقاحة:
_ خلاص مفيش هروب تاني، أنتِ بقيتي بتاعتي وعايزك تتعودي على كدا بسرعة
أعدل رأسه متفحصاً تعابيرها، فدفعته هي بكل ما أوتيت من قوة محاولة إخراجه من الغرفة:
_ لو مخرجتش هصوت وألم عليك البيت
في تلك الأثناء قد عاد يوسف من الخارج مهوماً، غارقاً بين أفكاره، انتبه على صوت لينة لكنه لم يفهم كلماتها فى البداية، تابع سيره باتجاه غرفتها حتى وقعت تحذيراتها على مسامعه، تجمع غضب الكون بأكلمه داخله، لم يعد يرى أمامه من خلف الشر الذي ينطق من عينيه.
أسرع من خطاه ثم اقتحم الغرفة ولم يكن هناك داعٍ للنقاش، جلب أخيه من تلابيب قميصه وجره خلفه مخرجه من الغرفة، كانت مفاجأة لكليهما وجود يوسف في تلك الأثناء.
دفعه يوسف أرضاً هاتفاً بعنف:
_ أنت كنت بتعمل إيه يا حيوان؟
لم يعطيه فرصة الرد، فكانت ركلات قدمه قوية وعنيفة، لا يرى أين يضرب أخيه، فقط يفرغ شحنة غضبه على جسد أخيه الذي صرخ عالياً من شدة الألم، كذلك ارتفع صراخ لينة وهي تتوسله أن يتركه:
_ سيبه يا يوسف، هيموت في ايدك، حرام عليك
لا يسمع ولا يرى سوى أنه تعدى على ملكية خاصة ولابد من أن ينال جزاءه، خرجت السيدة ميمي على الضجة الحادثة وصعقت حينما رأت زياد أسفل قدمي يوسف، لا يرحمه ولا يتوقف عن الركل والضرب المبرح.
خفق قلبها بقوة وهرولت نحوهم، حاولت مراراً منع يوسف مما يفعله متوسلة إياه بقلب يعتصر ألماً على ما يفعله في صغيرها:
_ بس يا يوسف، أبعد عنه، أنت حصلك إيه، إيه اللي بتعمله دا
كان يبعدها عنه ويتابع لكمه العنيف دون شفقة، وما كان من زياد إلا أنه وضع كلتى ذراعيه أمام وجهه محتماً فيهما، صراخ لينة والسيدة ميمي لا يتوقف وكذلك يوسف أيضاً لا يتوقف عما يفعله.
عادت ميمي إليه ورفعت ذراعها للأعلى وبكل ما أوتيت من قوة انسدلت على وجه يوسف صافعة إياه بقسوة هاتفة بنفاذ صبر:
_ فوق بقى فوق
توقف يوسف وكذلك هدأ صراخ لينة وأخذت موضعاً بعيد واضعة يدها على فمها بصدمة جلية لا تصدق ما حدث للتو، بينما توجهت السيدة ميمي إلى صغيرها وساعدته على الوقوف، تألم قلبها حينما قابل صعوبة في وقوفه، حدجت جسده بآسى وسألته بنبرة تكاد تسمع:
_ إيه اللي بيوجعك يا حبيبي؟
انهمرت دموع زياد وهو يطالع أخيه بعدم تصديق، مسح عبراته وفر هارباً من أمامهم، لحقت به والدته محاولة إيقافه:
_ استنى يا زياد أنت رايح فين الساعة دي
لم يكترث لسؤالها وفي خلال ثانيتين كان قد اختفى من أمامها، التفت حيث يقف يوسف منكس الرأس، تجهمت تعابيرها وباتت قاسية حادة وهدرت به معنفة:
_ ممكن أعرف إزاي تمد ايدك على اخوك بالشكل دا؟ انت كنت هتموته في ايدك؟
إزاي تعمل كدا؟ وليه أصلا؟ حصل إيه عشان أخوك يهون عليك كدا؟
لم يتجرأ يوسف على رفع عينيه والنظر في عيناي والدته، كذلك لم يستطيع الرد على أياً من أسئلتها، أولاها ظهره وهرول مسرعاً إلى غرفته ثم أوصد بابه لكي لا يستطيع أحد الدخول.
"استغفر الله العظيم يارب، إيه اللي جراله دا؟"
أردفتهم ميمي وعقلها يكاد يجن، فلا يوجد سبب لتصرف يوسف، لم تعد قدميها تنجح في حملها، فاستندت على الجدران حتى ولجت غرفتها، انفطر قلبها على والديها، يصعب عليها تخيل صغيرها يهان وخصيصاً من كبيرها العاقل الرزين.
نظرت إلى الأعلى بقلب حزين وعقلاً مهموم ورددت:
_ يارب اهديلي عيالي يارب ومدخلش الشيطان بينهم
***
أنتبه بلال على رنين هاتف إيمان الموضوع داخل حقيبتها التي تركتها على الطاولة للمرة الثالثة على التوالي، اضطر إلى أخذه حينما لم تنتبه له، فكانت المتصلة والدتها، تردد في إجابتها لكن إصرارها أجبره على الإيجاب فصاحت هي بقلق:
_ أنتِ مش بتردي ليه، قلقتيني عليكي
حمحم وأجاب بصوت خشن:
_ أنا بلال، إيمان سايبة موبايلها برا
احتدت نبرة هادية وحادثته بجمود:
_ أنا عايزة أكلمها ضروري
تنهد بلال فلا يريد الإلتقاء والتحاور معها لكنه مضطر لفعل ذلك فقال:
_ طيب ثواني
توجه إلى غرفتها الكائنة بها ثم طرق بابها فلم يسمع رد، أعاد طرقه على الباب والنتيجة واحدة، فتح الباب بهدوء فكانت مستلقية على الفراش تطالع السقف، تعجب من عدم ردها لقد ظن أنها غفت.
وما أثار غرابته أنها لم تنتبه لدخوله، يا ترى هي متعمدة تجاهله أم عقلها مشغول بأمرٍ ما؟، أصدر صوتاً فانتبهت له، ناولها هاتفها موضحاً الأمر:
_ مامتك على الخط
أخذته منه ثم أجابت بنبرة هادئة للغاية:
_ إيه يا ماما
قطب الآخر جبينه وهو يشاهدها، فكانت مريبة وهدوئها مبالغ، لم ينتظر وغادر محاولاً عدم التفكير بها بينما تابعت إيمان محادثتها مع والدتها التي قالت:
_ صوتك ماله؟ وأنتِ كان مالك وإحنا في كتب الكتاب؟
أجابت مختصرة:
_ مالي؟ ما أنا كويسة أهو
لم تقتنع والدتها وهدرت بغيظ:
_ اللي عندك دا عملك حاجة تانية؟ اوعى يكون مد ايده عليكي
"تؤتؤ، محصلش حاجة بس أنا مصدعة شوية وعايزة أنام، هكلمك بكرة، تصبحي على خير"
كانت تلك جملتها الأخيرة قبل أن تغلق، حتى لم تدع فرصة لوالدتها بالرد، وضعت هاتفها أعلى الكومود ثم سحبت وسادتها وعانقتها بقوة وفي خلال ثوانٍ كانت في ثُبات عميق.
***
يجلس على الفراش بعدما خلع سترته وفك أزرار قميصه لعله يشعر بالراحة، فشل في تمالك أعصابه التالفة، كلما تذكر ضربه المبرح لأخيه يعود غضبه إليه من جديد، كيف استطاع فعل ذلك؟ لكنه هو من بدأ هو من كان وقحاً وتعدى على ملكيته!
لكن كيف؟ وهي باتت امرأة أخيه، كيف تكون ملكاً له إذاً؟
قطع حبال أفكاره طرقات أحدهم على الباب، بعد تردد نهض وتوجه إلى الباب وفتحه، فكانت لينة من تقف أمامه، خفق قلبه فور رؤيتها واقفة أمامه، تلك المرة كان يعلم جيداً بأمر خفقان قلبه، لكن ماذا ستفيد معرفته؟
تجدد غضبه داخله فأولاها ظهره وعاد للداخل، ولجت هي خلفه وعاتبته:
_ مكنش لازم تعمل كدا
استدار بسرعة البرق نحوها، طالعها بعينان متسعتان وردد ساخراً:
إيه صعبان عليكي؟
استنكرت رده وهتفت بهجوم:
_ دا أخوك على فكرة ومكنش ينفع أبداً تمد إيدك عليه، أنت كدا ممكن تخسره
اقترب منها يوسف وبتهكم قال:
_ ولا كنتي عايزاه يكمل في اللي كان عايزه؟
اتسعت مقلتيها بذهول، كيف تجرأ ونطق كلماته الوقحة؟ كزت أسنانها بغضب شديد وصاحت معنفة:
_ أنت بتعمل كل دا ليه؟ مش دي كانت فكرتك؟
مال يوسف برأسه قليلاً واسترسل ببرود:
_ وأنتِ مرفضتيش كأنك ما صدقتي
صعقت مما وقع على مسامعها، فكيف يلقي عليها اللوم وهو المتسبب الرئيسي فيما حدث، لم تستطيع التغاضي بسهولة عن إيلامه واقتربت منه ثم ضربته بقوة في صدره وهي تصيح بقلب يتألم:
_ أنت واحد معندكش قلب ولا بتحس، أنت لو بتحس كنت فهمت إني بـ.....
صمتت ولم تواصل، وضعت راحتى يدها أعلى وجهها وانهمرت بالبكاء، كان يريد محاوطتها وضمها لصدره، فلم يكن بينهما مسافة، كانت قريبة للغاية، فقط يريد استعادتها من جديد.
رفع يده وأزاح يديها الصغيرة عن وجهها فنظرت إليه بعينين حمراوتين من شدة البكاء، مال برأسه فبات أقرب لوجها وسألها بهدوء:
_ كنت فهمت إنك إيه؟
ابتلعت ريقها، وازدادت وتيرة أنفاسها حتى شعرت أنها لم تعد تستطيع التنفس، لم يرفع يوسف نظريه عن نقطة تركيزه إلا وهي شفتيها، كان عقله ثملاً ويريد الارتواء لعله يعود لرشده، اقترب أكثر منها فشعر بحرارة أنفاسها و.....
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية