رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الثالث و العشرون 23 - بقلم شمس حسين
أحمد وشمس
«أحمد نجم»
وصلت تانى يوم الشركة وانا متاكد خلاص انها افتكرتنى، مكنتش متخيل تعاملها معايا هيكون ازاى بعد كدا، لأن فكرة إن مديرها في الشغل شافها داخلة عيادة نفسية ممكن يكون موقف حساس بالنسبة لها، علشان كدا كنت مقرر اوصل لها إن الموضوع مش مهم، ولا فارق إذا كنت شفتها أو لأ، وإننا مجرد اتنين اتقابنا في نفس المكان، وان كل واحد عنده مشاكله الخاصة، كان هدفى أنى أتصرف كأن محصلش حاجة، وإن اللي حصل كان مجرد موقف عابر، ومش فاكره، وده علشان تكون مرتاحة في تعاملها في الشغل وتلغي أي توتر ممكن تحس بيه، أول ما طلعت كنت بدور عليها بعيني طول الوقت، بس هى كانت مختفية في مكتبها لحد ميعاد الاجتماع مع الفريق، أول ما دخلت غرفة الاجتماعات، كانت هي أول واحدة موجودة، بصيت لها بنظرة سريعة وعديت علطول، وقتها حسيت إنها اتوترت لما شافتني، وحاولت تشغل نفسها بالورق اللي قدامها بأي طريقة بس برضو كان باين عليها التوتر، لكن بعد ما الفريق كله حضر، وبدأ الاجتماع، فجأة لقيتها بقت واحدة تانية خالص، ملامحها كانت كلها تركيز في كل كلمة بتتقال، وتعليقاتها كانت بتثبت إنها مهندسة ممتازة بجد، ومع كل إجابة بتقولها كانت بتفاجئني أكتر و بشوف فيها حاجات مكنتش متخيلها.
طول الإجتماع من وقت للتاني كانت عيني بتقع عليها و بشيلها فوراً اول ما أحس انها ممكن تاخد بالها، كل نظراتي ليها وقتها كانت لاإرادية، ومكنش عندي أي تفسير أنا ليه بعمل كدا، وفى اليوم التالى وصلت الشركة وأنا مستعد ليوم طويل ومرهق شوية، بداية سنة جديدة يعني مؤتمرات وندوات لشرح خطة العمل، وده كان دايمًا يوم مكثف بالنسبة لي، خاصة إني متعود أكون فيه لوحدي، لكن السنة دي الوضع كان مختلف تمامًا، لأن شمس هتكون معايا طول اليوم، وده بناءً علي تعليمات عمي أيمن، كان لازم تفهم كل خطوة بتتم، وكل قرار بيتاخد في يوم زي ده، و علشان أسهل الأمر من البداية قررت قبل ما نبدأ اليوم أشرح لها كل حاجة بالتفصيل، و طلبت من سارة تبعتهالي المكتب بس قالت لي إنها في إستراحة الشركة، علشان كدا روحت لها هناك، أول ما وصلت الكافتيريا ومن اللحظة اللي شفتها فيها، أدركت إن اليوم ده مش بس مختلف… ده كمان هيكون غير متوقع، كانت واقفة ضهرها ليا، وصوتها كان غاضب شوية، نفس النبرة الحادة اللي سمعتها أول مرة في العيادة لما اتعصبت، فضلت واقف مكانى أسمعها بدون أي ردة فعل، كنت مستغرب نفسي… ليه عصبيتها دي بالذات بتشدني؟ يمكن لأنها بتحاول تبان قوية قدام الناس، رغم إن الظاهر من جواها إنها هشة.
لما فجأة لفت وشافتني واقف، كل حاجة فيها اتغيرت، التوتر بان عليها فورًا، عينيها بقت بتدور كأنها بتدور على طريقة تخفي بيها ارتباكها، كان واضح إنها اتلخبطت… و فوراً شاورت لها تيجي على مكتبي، كان هدفي إننا نراجع جدول اليوم، زي ما كنت عايز، لكن هي اتسرعت، و مدتليش فرصة أكلمها، وده بسبب إنها فاكرة إن وجودها معايا انهاردة كبديلة للمساعدة بتاعتي، مش كمهندسة لازم تكتسب خبرة، رد فعلها السريع والحكم المسبق خلاني مبقتش قادر أفسر شخصيتها نهائيا، وبعدها نزلت من المكتب وأنا بدور عليها، لقيتها واقفة لوحدها فى الجراچ، هيئتها كانت زى طفلة مش عارفة تعمل إيه، ملامحها وقتها أثرت فيا بشكل غريب، وأنا مش قادر أفهم ليه، كنت عايز أتعامل معاها بأسلوب مختلف، و أكون ألطف، بس لقيت نفسي متحفظ جدًا، يمكن لأني كنت خايف يحصل أي حاجة تعطلنا، اليوم كان طويل ومليان شغل، ومحتاج تركيزى كله ومفيهوش مجال لأى غلطة، لكن للاسف هي كانت سبب في لخبطة أفكاري بعض الوقت، كل حركة صغيرة منها كانت بتشدني طريقة عبوسها وهي بتركب العربية، أول لقاء لها مع عم فكري لما افتكرها المساعدة الجديدة، نظرة الدهشة في عينيها عند كل محطة من يومنا، ومع كل مؤتمر بنحضره كنت شايف تركيزها الشديد في كل كلمة بقولها، في كل عرض بقدمه، كانت عيونها بتلمع وكأنها بتحاول تستوعب كل شيء، كنت حاسس إنها بتستفيد من كل لحظة، على الرغم من إن في بعض الأوقات كان بيبقى واضح عليها الارهاق، بس كانت بتحاول تخفيه وده كان شيء عظيم في حد ذاته، علشان كدا مع اخر مؤتمر، قررت أديها فرصة إنها تعرض مشروعها.
كنت متأكد إنها اتعلمت من خلال تركيزها طول اليوم، وقلت إن دي الفرصة علشان تثبت إنها قد المسؤولية، لما طلعت على المنصة، عينيها كانت بتقول حاجات كتير: خوف، توتر، لكن وراهم حاجة بتقول إنها مستعدة، بصيت لها وكأني بقول: “أنا واثق فيكِ.. انتي قدها”، ولما بدأت تشرح؟ بصراحة، فاجئتني اكتر ما كنت متوقع كانت مبهرة، وقفتها، طريقة كلامها، ثقتها، كل حاجة كانت ممتازة، شمس في شغلها كانت شخصية تانية تمامًا، مختلفة عن شخصيتها العادية، كانت قوية، مركزة، و… جميلة.
لكن للأسف بعد ما خلصت عرضها، لامتني، كانت بتتكلم وكأنها بتفرغ كل ضغط اليوم فيا، نبرة صوتها كانت غاضبة بشكل مش عادي، لما سمعتها بتتكلم بالشكل ده، كنت متأكد من إن فى سبب تانى لغضبها غير ان فاجئتها و خلتها تطلع تعرض المشروع.
وإحنا راجعين في العربية، الطريق كان زحمة جدًا، والعربية كل شوية بتقف، كنت حاسس بشعور غريب، وكأني مش عايز اليوم يخلص، رغم كل المناوشات اللي حصلت بيني وبينها، ورغم نبرة صوتها الغاضبة أحيانًا، إلا أن اليوم كان مختلف، كنت مستمتع بالشغل معاها، ومبسوط إني اكتشفت جوانب جديدة عنها، كنت بسرح وأنا ببص عليها طول الوقت في المرايا، كانت ملامحها سرحانة و واضح عليها آثار التعب، بس في نفس الوقت كانت فيها لمعة غريبة، وكأنها بتستمتع بالإنجاز اللي حققته النهارده، لما العربية وقفت على الكورنيش، ولد صغير ظهر فجأة وجيه عندها، إدالها وردة، عيونها لمعت وقتها، شفت فرحة بسيطة لكنها جميلة، بس استغربت انها ماخدتهاش.
بعد وقت بسيط، عم فكري طلب منها يجيب لها أكل بعد ما خلصت مكالمتها مع والدتها، لكنها رفضت فكرة الأكل وقالت إنها هتاكل مع والدتها، فهمت وقتها قد إيه هي متعلقة بيها، صوتها كان فيه شوق وهي بتتكلم عنها، وده خلاني أتأكد إن فى علاقة مميزة بينها وبين والدتها، بس برضو حسيت بذنب غريب، وكأني السبب في تعبها وإرهاقها النهارده، لأني مفكرتش إنها ممكن تكون جاعت طول اليوم أو إنها مكانتش مرتاحة، مفكرتش انها بنت، لا كنت بتعامل معاها زى اى مهندس جديد لازم يتعود على ضغط الشغل معانا.
ولما ركبت العربية مع خالها ومشيت بعد ما وصلنا قدام الشركة، فضلت مكاني أبص عليها، عيوني متعلقة بأثرها، كنت حاسس بشيء غريب، كأن حاجة مني مشيت معاها، كان في إحساس جوة قلبي مش مفهوم، كل ما بيعدي وقت بكتشف أن جوايا من ناحيتها مزيج بين فضول وإعجاب بيشدني ليها بشكل مش قادر أشرحه.
«شمس»
وصلت البيت، وأول ما دخلت لقيت الجو عائلي، كان خالي مع مامتي، ومعاهم أولاد خالي، قعدنا سوا واتعشينا، والحديث كان دافئ جدآ، حسيت إن الجو معمول علشان يخفف عني، المهم ضحكنا وقعدنا شوية، بس أنا طول الوقت كان عقلي مشغول بحاجة تانية، علشان كدا استأذنت إني ادخل أنام بسبب إني عندي شغل الصبح ومش قادرة أسهر اكتر، ودخلت أوضتي، وحاولت أرتاح، بس كانت تفاصيل اليوم لسه مش راضية تخرج من دماغي، وخصوصاً لحظات التوتر اللي كانت بيني وبين أحمد طول اليوم، مكنتش لاقية تفسير لعصبيتي الزايدة في بعض المواقف طول اليوم و حكمي المسبق عليه، بالرغم من أنه كان كويس معايا و بيساعدني أتعلم و أداني فرصة كبيرة مكنتش اتخيلها، يمكن فكرة إنه لسه متجاهل مقابلتنا في العيادة هي اللي مخلياني أتصرف بالطريقة دي، مكنتش عارفة الصراحة بس هو كان فيه حاجة غريبة بتخليني اول ما بشوفه بتصرف تصرفات غريبة ومش من طبعي أساساً، فضلت افكر كتير وبرضو مكنتش فاهمة حاجة، وحسيت إني محتاجة نور جنبي أكتر من أي وقت فات، بس للأسف هي كمان كانت مش احسن حاجة، و ده بسبب إن ابن عمتها، واللي كان كمان خطيبها، توفى فجأة، علشان كدا سافرت السعودية عند عمتها فوراً، والمصيبة دي قلبت حياتها فوق تحت، نور كانت هناك عشان تقف مع عيلتها في اللحظة دي، وأنا هنا مش عارفة أمد لها إيدي أو أكون جنبها زي ما هي دايمًا جنبي، كنا بنتكلم في التليفون كل شوية آه، بس صوتها كان مليان حزن، حزن مش متعودة عليه، ومع كل مرة أقفل المكالمة أحس إن في حاجة ناقصة، حاجة تقيلة واقفة على قلبي، دي تقريبًا كانت أول مرة نفترق عن بعض بالشكل ده، من ساعة ما عرفنا بعض، دايمًا كنا سوا، في الحلوة والمرة، نضحك مع بعض ونمسح دموع بعض، غيابها حسسني إن الدنيا فضيت من الأمان اللي كنت بحسه معاها.
تاني يوم، وصلت الشركة وكان يوم مليان أكتر من أي يوم قبله، ضغط الشغل كان كبير، بس خلصت كل المطلوب مني، وبعد الشغل، رُحت الأكاديمية الأمريكية اللي الشركة سجلتني فيها كان الهدف منها إني أتعلم حاجات متطورة ومختلفة عن اللي درستها قبل كده، زي تصاميم جديدة وطرق شغل بعيدة تمامًا عن التقليدي، أول ما بدأت أول محاضرة، حسيت بصعوبة كبيرة، كل حاجة كانت جديدة وغريبة عليا ومش مفهومة، وأول ما خلصنا طلبوا مننا نبدأ نشتغل على تصاميم من فكرنا، بناءً على الشرح اللي أخدناه، رجعت البيت، ومن أول ما وصلت وأنا قاعدة على مكتبي، بذاكر بدور في اللي أخدته، كل ما أحاول أفهم أكتر، أحس إن الموضوع أكبر مني، وقتها حسيت بخيبة أمل، حسيت إني مش قد المسؤولية، وبدأت أفكار كتير تلعب في دماغي طول الليل، لحد ما نمت بصعوبة، وتاني يوم وأنا في الشركة، كان جوّايا حمل تقيل، أول ما وصلت، قررت أروح علطول لبشمهندس أيمن، يمكن ألاقي عنده حل، خبطت على بابه ودخلت، أول ما شافني رفع نظره وقال بابتسامة صغيرة: “صباح الخير، يا شمس… تعالي اتفضلي”، قعدت قدامه و فضلت محتفظة بسكوتي، لكنه لاحظ وقال: ” في إيه؟ شكلك مش طبيعي، في حاجة حصلت”، قلت وأنا باين عليا التوتر: “أنا… أنا محتاجة أتكلم مع حضرتك”، ضحك ضحكة صغيرة وقال: “خير، قولي، إيه اللي شاغل بالك؟”، اخدت نفس وحكيت له كل اللي حسيته من إمبارح، بداية من صعوبة الكورس، والضغط اللي كان عليا، لحد التصاميم اللي مش عارفة أبدأها ازاي، وأنا بتكلم كان وشي كله مشاعر خوف وقلق، وهو كان سامعني بتركيز شديد، ولما خلصت كلامي، سكت شوية وبعدين ضحك وقال: “بس كده … هي دي المشكلة اللي مخلياكي زعلانة بالشكل ده، أنا قلت في حاجة كبيرة حصلت، بصي يا شمس ده طبيعي جدًا، اي حاجه جديده بتكون دايمًا مخيفة ومربكة، مفيش حد بيبقى فاهم كل حاجة من أول مرة، وده مش معناه إنك مش شاطرة أو مش قد المكان، ده معناه إنك خارجة من منطقة الراحة بتاعتك، ودي أول خطوة للنجاح”، هزيت دماغي وأنا باين عليا إني اقتنعت شوية، بس لسه برضو كان في توتر جوايا، قلت له: “طب أنا حتى مش عارفة أبدأ التصاميم المطلوبة مني، حاسة إني تايهة، يا بشمهندس”، هز دماغه وقال بابتسامة هادية:”دي بسيطة جدًا، التصاميم اللي مطلوبة منك مش حاجة مستحيلة، إنتي شاطرة وعندك موهبة، لكن دلوقتي، علشان الموضوع يبقى أسهل عليكي، روحي لأحمد”، وقفت مكاني فجأة وسألته: “أحمد؟”.
———
وقفت مكاني فجأة وسألته: “أحمد؟” قال بثقة: “أيوة، أحمد …. هو المشرف بتاعك هنا، هو صحيح ممكن يكون مش سهل في التعامل، لكنه موهوب جدًا، وهيعرف يساعدك تفهمي كل حاجة، إنتي محتاجة خبرته، وهو مش هيتأخر عليكي صدقيني”، اتوترت أكتر لما سمعت اسمه، حاولت أخفي توتري، لكن أيمن لاحظ وقال: “بصي يا شمس، أنا عارف إن أحمد ممكن يبقى صعب شوية، وده لأنه مهني جدًا، وبيحب الشغل يكون مثالي، لكن صدقيني، لما تتعاملي معاه، هتلاقيه أكتر حد ممكن يفيدك، هو مش بيهزر في شغله، وده شيء لازم تقدريه، خدي منه كل اللي تقدري عليه، وهتشوفي الفرق بنفسك”، رغم كلامه اللي كان فيه طمأنينة، كان قلبي بيدق بسرعة، فكرت إني أقول له عايزة حد تاني، بس لقيته مكمل كلامه: “وأنا متأكد إنك هتعرفي تتعاملي معاه، إنتي شخصية قوية، وشاطرة، ومش أي حاجة تهزك، خلي ثقتك في نفسك هي أول خطوة”، بصيت له وحاولت أتمالك نفسي وقلت بهدوء: “ماشي، يا بشمهندس هروح له”، رد بابتسامة مشجعة: “شدي حيلك، يا شمس… وأنا واثق إنك هتكسري الدنيا”، إبتسمت له وخرجت من مكتبه وأنا مليانة مشاعر متضاربة، التوتر، الخوف، والفضول كانوا مسيطرين عليا، كنت عارفة إن الخطوة دي ممكن تبقى صعبة، بس برضو حسيت إن فيها تحدي جديد لازم أواجهه.
رجعت مكتبي، واخدت ورق التصاميم وفضلت واقفة شوية أفكر: أروح ولا لأ؟ لكن في الآخر، لمّيت شجاعتي وقررت أروح مكتب أحمد زي ما بشمهندس أيمن قال لي، خبطت على الباب بصوت خفيف، وسمعت صوته من جوه: “اتفضل”، فتحت الباب بهدوء ودخلت، كان قاعد على مكتبه، ووشه مركز جدًا في ورق كتير قدامه، أول ما شافني، رفع عينه بهدوء وشاور لي علشان أقرّب، قربت وأنا حاسة بتوتر غريب، وقلت بصوت متقطع: “لو حضرتك مشغول، ممكن أجي وقت تاني…”، لقيته قال بنبرة مريحة: “لا، اتفضلي، معايا وقت، في حاجة يا شمس؟”، سكت لحظة وأنا بحاول أرتب أفكاري، لكن نظرته كانت بتربك تفكيري أكتر، وقلت أخيرًا: “الحقيقة… أستاذ أيمن قال لي أجي لحضرتك علشان التصاميم المطلوبة مني، أنا… مش عارفة أبدأ فيها، وحاسة إن الموضوع كبير عليا شوية”، رسم على وشه ابتسامة خفيفة خلتني أحس براحة غريبة، وقال: ” تمام”، قام من مكانه، ومشي بخطوات ثابتة، وقرب مني وأخد الورق من إيدي بهدوء غريب، بدأ يبص فيه بتركيز جدًا، وبعدين رفع عينه وقال:
“الموضوع بسيط…. بصي”، قعدنا جنب بعض، وكان بيشرح لي خطوة بخطوة بطريقة كأن كل حاجة سهلة جدًا، لكن أنا مكنتش قادرة اركز في اللي بيقوله في الأول، كنت مشغولة بنبرة صوته وبقربه مني، قلبي كان بيدق بسرعة ملهاش مبرر، وكنت حاسة بنفسي مرتبكة أكتر مع كل كلمة بيقولها، بس بعد شوية، لقيتني فجأة بدأت أفهم، وابتديت أركز في الشرح، هو كان بيتكلم بطول بال وبصبر كأنه مستمتع بالشرح، وكأنه عارف إنه بيكسر توتري شوية شوية، ولما خلص، سألني وهو بيبص لي: “فهمتي كده؟”، رديت: “آه، الحمد لله فهمت”،
وبعدها قمت وأنا مجهزة نفسي أرجع مكتبي، وقلت: “هبدأ في التصميم دلوقتي ولما أخلص هاجي أعرضه على حضرتك”، لكنه قال بنبرة فيها توتر بعض الشيء: “لا، خليكي هنا اشتغلي هنا علشان لو وقف قدامك اي حاجه اكون موجود”، هزيت دماغي و بعدها هربت بعيوني ادور على مكان أقعد فيه، لقيته بيشير بركن في المكتب، عليه تربيزة كبيرة مجهزة، قعدت عندها وبعدها راح بنفسه وجاب لي الأدوات، وقال بإبتسامة بسيطة: “خدي وقتك، واشتغلي براحتك”، وبعدها رجع لمكتبه وقعد يكمل شغله، وأنا فضلت قاعدة في مكاني شوية، مش عارفة أركز، كنت كل شوية أبص له من غير ما يحس، هو كان مركز جدًا في الورق اللي قدامه، ملامحه كانت جادة بس فيها هدوء خلى قلبي يدق أسرع، وأنا برسم، كل شوية كنت بلاقي نفسي برجع أفكر في كلامه، وفي طريقته وهو بيشرح، وده خلاني اول ما خلصت أول جزء من التصميم، أروح أعرضه عليه علشان امشي و اكمل في مكتبي، وقمت وبخطوات مترددة قربت منه وقلت: “ده الجزء الأول من التصميم… ممكن حضرتك تبص عليه وتشوف لو في حاجة محتاجة تعديل؟”، أخد الورق مني وبدأ يبص فيه بتركيز، وأنا واقفة جنبه، وبعد شوية رفع عينه وقال بابتسامة راضية: “شغل كويس جدًا، واضح إنك فهمتي الفكرة، كملي بنفس الطريقة، و التصميم هيطلع ممتاز”، ابتسمت بخجل ممزوج بتوتر وقلت: “شكراً لحضرتك، أنا هرجع مكتبي اكمل هناك” و خرجت بسرعة قبل ما يقول أي حاجة، رجعت مكتبي وأنا قاعدة أرسم، لقيت نفسي غرقانة في أفكاري، وسؤال واحد كان مسيطر عليا: “هو ليه بيأثر فيا بالشكل ده؟”.
«أحمد نجم»
كنت حاسس بتوترها وخوفها طول ما أنا بشرحلها، والموضوع كان واضح في كل حركة ليها، في نظراتها اللي بتحاول تتهرب مني، وفي الطريقة اللي كانت بتعدل بيها ورقها كل شوية، حاولت أسيطر على الجو، أخليها تركز أكتر بطريقتي علشان تتخلى عن التوتر، لكن الحقيقة؟ التوتر كان عندي أنا أكتر، كنت متوتر لأن وجودها لوحده عامل دوشة في تفكيري، كل مرة أبص في عينيها، أرجع أضيع تركيزي، وكل مرة صوتها يجي وأنا بشرح، أحس كأني محتاج أفسر لها أكتر من اللي بتحتاجه فعليًا، علشان بس اشوف عينها نظرة الفهم و الغي فكرة القلق، لما طلبت منها تقعد تشتغل في مكتبي، كنت عارف إنها هتتوتر أكتر، لكن كنت مضطر أعمل كده علشان أكون قريب منها لو احتاجت مساعدة، بس الحقيقة؟ كنت أنا اللي محتاج أكون قريب…. وأنا قاعد على مكتبي، كل حركة منها كانت بتخليني أشوفها من زاوية مختلفة، طريقة مسكتها للقلم، التركيز اللي على وشها، حتى التردد البسيط اللي كانت بتحاول تخفيه، كل حاجة فيها شدتني بشكل مش طبيعي، كنت بحاول أركز في شغلي، بس ملامحها كانت بتلاحقني، فكرت: “إيه اللي بيحصل لي؟ ليه وجودها بيأثر عليا بالشكل ده؟”.
«شمس»
خلصت التصميم و كنت راضية عنه جداً، و حسيت إن ثقتي في نفسي رجعلتي تاني و إني هقدر أكمل، وبعد ما خلصت شغلي وجيه وقت الخروج، جمعت حاجتي، أخدت شنطتي وخرجت من الشركة، وأنا ماشية على الباب، لقيت موظف الأمن بيقف وبيسلم كل اللي خارجين ظرف صغير، أول ما أخدته، استغربت وسألته: “إيه ده؟”، رد بهدوء: “دي دعوة للحفل السنوي بتاع الشركة، هيكون بكرا يا بشمهندسة”، بصيت للدعوة في إيدي، وفضلت أفكر: “حفل؟ أنا أصلاً مش بتاعة حفلات…” و بعدها رجعت له الدعوة تاني و مشيت، و لما وصلت البيت، لقيت ماما مستنياني بإبتسامتها اللي بحبها، أول ما شافتني قالت بعبوث طفولي: ” وحشتيني… طول الأسبوع مش بشوفك غير وأنت خارجة أو جاية تعبانة، بكرة الجمعة وإجازة، يعني مفيش شغل، نقعد شوية مع بعض زي زمان بقي”، ضحكت علي طريقتها و فعلاً قعدنا مع بعض، الأجواء كانت دافية وبسيطة، ضحكنا شوية، اتكلمنا في حاجات كتير، حكيت لها عن يومي، وهي كمان حكت لي عن حاجات كانت شاغلة بالها، وبعد ما الوقت عدى وحسيت إني مرتاحة، فجأة لقيت التليفون بيرن، وكانت سما، زميلتي الجديدة في الشركة، رديت عليها بضحكة: “إيه يا سما؟”، قالت لي بحماس: “ها يا شمس، جهزتي نفسك للحفلة بكرا؟ هتلبسي إيه؟ أنا بفكر ألبس فستان أحمر، ولا هيبقي أوڤر انتي شايفة أي؟”، ضحكت وقلت لها: “يا سما، أنا مش هروح الحفلة أصلاً، مش بحب الأجواء دي”، سكتت للحظة وبعدين قالت لي بجدية: ” انتي اكيد بتهزري، شمس الحفلة دي مهمة دي بتاعتنا، الفرع الرئيسي بتاعنا هو اللي بيحضر فيها بس و باقي الفروع مش بيجي منها غير مناديب بس، مينفعش تكون حفلتنا و منروحش”، فضلت تحاول تقنعني بكل الطرق: “ده إحنا هنتبسط جدًا، وهنبقى مع بعض طول الوقت”، لكن أنا كنت مصرة: “مش هينفع يا سما، أنا فعلاً مش بحب النوع ده من المناسبات”، وفي الآخر، أنهينا المكالمة وهي مصممة إني أروح، وأنا مصممة إني مش هروح.
يوم الحفل
—–
صحيت متأخر، الساعة كانت حوالي واحدة الظهر، علي صوت تليفوني بيرن، بصيت عليه كده وأنا لسه بفوق، لقيت رقم غريب رديت وسمعت صوت راجل بيقول بكل إحترام: “صباح الخير يا آنسة شمس، أنا مختار من طاقم النقل في الشركة، كنت بسأل حضرتك هتكوني جاهزة الساعة كام علشان نبعت لحضرتك العربية توصلك الحفل؟”، اتلخبطت شوية وقلت له: “شكراً جدا، بس انا آسفة، أنا مش ناوية أحضر الحفل”، الراجل سكت لحظة كأنه مش متوقع الرد وقال: “تمام يا فندم، شكراً لحضرتك”، وبعدها قفلت ورجعت نمت تاني، لكن تقريبًا بعد ساعة لقيت تليفوني بيرن تاني، بس المرة دي كان بشمهندس أيمن بنفسه، أول ما شفت اسمه على الشاشة استغربت شوية، لكن رديت: “ألو؟”، سمعت صوته الهادي والمميز: “إزايك يا شمس؟ عاملة إيه؟”، رديت بسرعة: “الحمد لله يا بشمهندس، حضرتك عامل إيه؟” قال لي بهدوء واضح: “كويس الحمد لله، ها قوليلي، سمعت إنك مش هتحضري الحفل؟ في حاجة؟”، حسيت بصوته إنه مش مجرد سؤال عابر، قلت له بتردد: “بصراحة، أنا مش بحب الحفلات، علشان كدا مش عايزة أحضر”، ضحك ضحكة خفيفة، لكن حسيتها مليانة تقدير: “ياشمس، الحفلة دي مش مجرد حفلة، دي معمولة علشانكم انتوا، يعني لازم تكوني متواجدة، غير كدا أنا عايزك تيجي لأن في ناس مهمين هيحضروا الحفل و عايزك تتعرفي عليهم، صدقيني وجودك هناك مهم”، حاولت أشرح له موقفي: “بس يا بشمهندس، أنا مش بعرف أتعامل في الأجواء دي، وبصراحة بمل جداً”، ضحك علي كلامي وقالي:” والله كنت حاسس”، بعدها كمل بجدية و هدوء مليان طمأنينة: “طبيعي جدًا إنك تحسي كده، لكن صدقيني، مش مطلوب منك غير تكوني على طبيعتك، مجرد حضورك هيكفي، الناس هتشوف إنك شخص ملتزم ومهتم، وده هيعمل فرق كبير”، حسيت بكلامه، لكن برضه قلت له بتردد: “يعني حضرتك شايف إن لازم أجي؟”، قال لي بأسلوب بسيط لكنه مقنع: “أنا مش شايف، أنا متأكد…. شمس أنا عايزك تكوني موجودة، ومش عايز كلام تاني ….العربية هتكون عندك الساعة سبعة، وتكوني جاهزة، وأنا هكون هناك، مش هسيبك تحسي بأي توتر”، ضحكت علي أسلوبه الراقي وقلت: “حاضر يا بشمهندس، هحاول”، رد بابتسامة باينة في صوته: “وقال مفيش حاجة اسمها هحاول … في حاجة اسمها هكون موجودة و حاضر وبس … ثقي فيا”، قفلت معاه وأنا حاسة بارتياح غريب، كلامه كان مليان تشجيع ورُقي، وخلاني احس إن الشخص ده فعلاً بيعرف إزاي يدعم اللي حواليه.
الساعة 7 كنت واقفة قدام المراية في اوضتي ببص على نفسي وأنا بعدل طرحيتي، كنت لابسة جامبسوت كلاسيك سوداء، تحتها شميز أبيض بأكمام واسعة، مع هيلز كان لونه أبيض نفس لون الطرحة، وشنطة صغيرة سودا في إيدي، والميكب كالعادة، خفيف وبسيط، وأنا واقفة كنت حاسة إني مرتاحة وشكلي مرتب، بس برضو فيه شوية توتر، مش من اللبس لكن من فكرة الحفل، دخلت ماما وهي مبتسمة: “بسم الله ما شاء الله! اي الجمال ده يا شمس، ربنا يحميكي”، ضحكت بخجل وأنا بعدل الياقة: “إيه رأيك يا ماما؟ كده تمام؟”، قربت مني وهي بتفحصني من فوق لتحت: “تمام جدًا، طالعة زي القمر”، بصيت لها بحب وقلت: “عيونك اللي قمر والله، بس مش عارفة ليه متوترة شوية”، قربت مني أكتر ومسكت إيدي بحنان: “طبيعي يا حبيبتي، أي حد مكانك هيحس كده، أهم حاجة تبقي على طبيعتك وتفتكري إنك مميزة بشغلك وبأخلاقك”، حضنتها وقلت: “شكرا يا ماما، كلامك ده طمني”، ابتسمت وقالت وهي بتوصلني للباب: “العربية مستنياكي برا، كلميني أول ما توصلي، خلي بالك من نفسك”، قلت لها: “حاضر، متقلقيش”، ركبت العربية، والسواق رحب بيا و ابتسم وهو بيسألني: “جاهزة يا بشمهندسة شمس؟”، هزيت دماغي بإبتسامة صغيرة وقلت: “جاهزة إن شاء الله”.
العربية وققت قدام مكان راقي جدا، اول ما دخلت الحفل، الإضاءة كانت خافتة والموسيقى كانت هادية في الخلفية، المكان مليان ناس لابسين فساتين فاخرة و أنيقة، أنا الوحيدة تقريباً اللي كنت مختلفة، كنت حاسة بنظرات الكل عليا، كان فيه نظرات من الناس كلها، بعضها كانت فضولية وبعضها كانت واضحة إنها إعجاب، ومنهم اللي كانوا بيبصوا عليا بطريقة فيها تساؤل، مش فاهمين مين دي، وده لاني لسه جديده ومش الكل يعرفني، النظرات كانت بتوترني، بس أنا فضلت أحاول أظهر على طبيعتي وأبقى هادية قدامهم، وقررت أبعد عن وسطهم شوية وأختار طاولة في زاوية بعيدة عن الأضواء، بس برضو مقدرتش أتجنب كل النظرات، كانت موجودة في كل مكان، وكأني بقيت مركز الاهتمام فجأة.
بعد شوية، شفت سما جاية اتجاهي بسرعة، وباقي البنات معاها، أول ما وصلت، حضنتني بحماس وهي بتقول بصوت عالي: “شمس! إيه الجمال ده؟ أنا مش مصدقة إنك جيتي، وشكلك بجد زي القمر!”، ابتسمت لها وقلت: “شكراً يا سما، إنتي اللي زي القمر بجد”، لكن سما مسكتتش، وبدأت تبص للبنات اللي معاها وتقول: “شفتوا شمس؟ أنا كنت عارفة إنها هتكون مختلفة، الجامبسوت دي طالعة عليكي تحفة بجد!”، البنات قعدوا يعلقوا: “بجد، يا شمس، ذوقك راقي جدًا!”، أنا كنت واقفة بينهم، والدم تقريبًا وصل لوشي من كتر الإحراج، قلت لهم بإبتسامة خفيفة: “يا جماعة، شكراً جدًا، كلكم والله اللي زي القمر”.
بعد دقائق قليلة، فجأة المكان كله غرق في ظلام تام، وصوت موسيقى هادئة بدأ يتسلل في القاعة، وسط همسات الحضور اللي كانوا مستغربين، الأنوار المتحركة بدأت تلعب بحركات دائرية على الجدران والسقف، كأنها بتجهزنا لشيء كبير، أنا كنت واقفة مع سما والبنات، متوترة شوية ومش فاهمة إيه اللي هيحصل، الكل كان متحمس، وبعد لحظات، اتجمعت الأضواء كلها على المنصة الكبيرة اللي في مقدمة القاعة، كل الحضور اتجهوا هناك، وأنا معاهم، ومرة واحدة، الإضاءة الساطعة ظهرت… أحمد، كان واقف ببدلة سوداء، قميص أسود، وربطة عنق بنفس اللون بتلمع بشكل راقي تحت الإضاءة، مسك المايك بهدوء وثقة، وابتسامته الخفيفة كانت واثقة جدًا، كأن المكان كله بينطق باسمه، صوته اتسمع بوضوح وهو بيقول: “مساء الخير… شرف كبير إننا كلنا مجتمعين الليلة دي نحتفل بنجاح شركتنا، وبالناس اللي بيصنعوا النجاح ده كل يوم”، الحضور انفجروا بالتصفيق، وأنا وقفت مكاني، عينيا عليه، وكأني بحاول أستوعب إنه الشخص اللي كل العيون شايفاه قائد، بدأ يتكلم بثقة وسلاسة، وكان واضح إنه عارف بالظبط إيه اللي بيقوله، لكن جوايا صوت داخلي بدأ يهمس: “أحمد… هو اللي دايمًا قد التوقعات، كل حاجة فيه بتقول إنه مش مجرد شخص عادي، طريقته في الكلام، حضوره، إزاي بيسيطر على المكان كله بسهولة”، اللي شدني أكتر إن أعمامه، اللي كانوا قاعدين قدام المنصة، كلهم بصين عليه بفخر واضح، اللي المفروض هم الأكبر والأكتر سلطة، لكن كانوا سايبين أحمد هو اللي يبدأ الحفل… أكيد عارفين إنه الأجدر، كان في حاجه في شخصيته بتفرض نفسها على الكل، وفجأة، وسط كلامه اللي كان كله حماس وثقة، حسيت بنظرة عابرة منه ناحيتي، النظرة مكانتش طويلة، لكن كان فيها حاجة مختلفة، كأن عينه اتعلقت بيا لجزء من الثانية قبل ما يكمل كلامه، قلبي اتلخبط للحظة، وحاولت أهدي نفسي وأنا بفكر: “أكيد بيتهيألي…”، ورجعت أركز في كلامه، والإضاءة على المنصة كانت بتتغير مع كل فقرة بيقولها، كل ما يغير نبرة صوته، الأضواء كأنها بتتفاعل معاه، بتدي الجو هيبة أكتر، الناس كانت كلها متفاعلة، والتصفيق كان شغال باستمرار، وأنا؟… كنت واقفة بحاول أتصرف طبيعي، لكن جوايا عاصفة من الأسئلة اللي مفيش إجابة عليها، وعيوني لسه عليه… مش قادرة أهرب من حضوره لحد ما فجأة بشمهندس أيمن استلم المايك من أحمد، وبدأ يتكلم بحماس كبير عن إنجازات الشركة الأخيرة، صوته كان مليان فخر وهو بيقول: “النجاح اللي وصلنا له السنة دي مش صدفة، ومش نتيجة تعب فريق واحد بس، لكنه نتيجة مجهود جماعي… وكان أهم مشروع فكرته سمعت بشكل كبير، كانت فكرة عبقرية من واحدة من أفضل العقول الشابة اللي انضمت لينا مؤخراً…”، سكت لحظة، وبعدين شاور بإيده تجاهي، وأنا واقفة بين الحضور، وقال أسمي بصوت واضح، كأنه بيعلنه لكل الناس: “بشمهندسة شمس!”، لحظتها حسيت كأن قلبي اتوقف، التصفيق بدأ يعلي، وكل الأنظار اتجهت عليا، اتخضيت حرفيًا، مش متعودة على النوع ده من الإنتباه أو الإشادة، أيمن كان واقف على المنصة، بيبصلي وبيغمض عينه كأنه بيقول: “تعالي”، الإبتسامة على وشه كانت واسعة وفرحانة بشكل متخيلتش إني هشوفه، فضلت أقرب خطوة خطوة بهدوء، وأنا حاسة بتركيز كل الموجودين، التصفيق كان شغال، وكل ما أحاول أهدي أعصابي، يزيد إحساسي بالخجل والارتباك، لما وصلت للمنصة، أيمن مد إيده عشان يساعدني أطلع، وكنت حاسة بحرارة التشجيع حواليا، وأنا واقفة جنبه، بدأت أسمع كلامه عني، عن فكرتي، عن المشروع اللي اشتغلت عليه بكل طاقتي، عيوني لفتت تلقائي على الناس، شفتهم بيبصوا لي بنظرات إعجاب وتشجيع، حسيت وقتها بإحساس عمري ما حسيت زيه، “كل ده بسببي؟! كل الناس دي فرحانة علشاني؟!”، وقتها عيني جات في عين أحمد، كان واقف على جنب، لكنه بيبصلي بنظرة فيها حاجة غريبة… حاجة قريبة للفرح أو الفخر، مش عارفة أوصفها، لكن كان واضح إنه هو كمان متأثر، وأنا واقفة على المنصة، عيوني بتلمع بالدموع، الكلام كله جوايا بدأ يتصارع: “إيه اللي بيحصل ده؟ الناس كلها فرحانة بيا أنا بجد؟ ده أول مرة أحس إن مجهودي بيبقى ليه قيمة قدام ناس بالطريقة دي… هو ده فعلاً اللي اسمه تقدير؟ ربنا فعلاً بيعوضني عن كل لحظة شكيت فيها في نفسي”.
«احمدنجم»
قبل الحفل بساعات كنت قاعد في البيت، أنا و الباقي بنتكلم عن تفاصيل الحفل، وكل حاجة كانت ماشية مظبوطة زي ما خططنا، فجأة، رن تليفون عمي أيمن، رد بسرعة، وبدأ كلامه: “أيوة، إيه المشكلة؟”، صوته اتغير و بعد لحظة قال: “مش جاية؟ ليه؟”، مكنتش مركز اووي في مكالمته لحد أما ظهر أسمها، اسمها خلاني أرفع نظري وأبصله باهتمام، و بعد شوية قال: “إزاي يعني مش جاية؟”، فضل دقائق يتكلم معها بس انا كنت مشغول بردها، لكن من ملامح وش عمي كان واضح إنها بتحاول تتهرب، فضلت مركز معاه لحد أما قفل و قال: “كويس، يبقى الموضوع خلص”، عمي قالها بإبتسامة انتصار، وبعدين بص لي وضحك: “عندنا حد تاني في الشركة بيكره الحفلات زيك يا بشمهندس، بس على الأقل أنت كنت بتقتنع بسهولة… إنما البنت دي عنيدة!”، ضحكته دي خلتني أفكر في كلامه، عنيدة فعلاً… شمس مش شبه حد، مميزة، بس مش بتحب تبين ده.
قبل ميعاد الحفل، وقفت قدام المرايا أظبط لبسي، وطول الوقت عقلي كان مشغول بيها، بتصرفاتها، بصمتها، بحركاتها اللي بتسيب أثر من غير ما تاخد بالها، كنت عارف إنها هتجي الحفل، عمي أيمن مستحيل يقبل بالرفض، وبعد ما جهزت خرجت و وصلت الحفل بدري، كنت بطل علي القاعة من فوق، ببص من بعيد على كل حاجة، الناس بتتحرك، الهمهمات بتزيد، وأنا مستني ظهورها، وفجأة… الباب اتفتح…دخلت شمس، كانت مختلفة كعادتها، كل حاجة فيها كانت طبيعية و مميزة، لكنها خطفت الأنظار من أول لحظة وده خلاني احس بضيق غريب، عيون الكل كانت عليها، كانت نظرات مليانة إعجاب، بس بعضها مكانش مريح بالنسبة لي، كانت بتبص حواليها بتوتر، بتحاول تدور على أي مكان بعيد عن الأضواء، واتاكدت وقتها أنها مش واخدة على كل ده، مجرد ما لقيت طاولة بعيدة، قعدت عليها وهي بتحاول تخفي نفسها، بس برضو مكانتش قادرة تمنع الأنظار من ملاحقتها، فضلت أراقبها، مكنتش قادر أشيل عيني عنها، البساطة في طلتها كانت أكتر حاجة خطفتني، حاجة كدا مش شبه أي حد.
بدأ الحفل، النور انطفى، وكل العيون اتوجهت ناحية المنصة، وأنا واقف في مكاني، ماسك المايك، بحاول أكون مركز لكن الحقيقة… عيني كانت بتدور عليها، شفتها وسط الزحمة، واقفة مع زمايلها، لكن نظراتها بتجري من مكان لمكان، ولما اتقابلت عيوننا، حسيت بشيء مختلف، كأن كل حاجة حوالي اختفت للحظة، حاولت أركز، و أقدم بشكل طبيعي، لكن جوايا كنت فرحان إنها هنا، وإنها شايفاني في اللحظة دي، كان في حاجة بتربطني بيها، حاجة مش عارف أوصفها.
لما عمي قال إسمها كانت لحظة مميزة، بس اللي كان فعلاً مميز بالنسبة لي؟ لما عينيها اتسعت وهي بتبص حواليها مش مستوعبة اللي بيحصل، كانت بتتحرك بخطوات بطيئة تجاه المنصة، نظراتها مترددة، لكن ثقتها بتكبر مع كل خطوة، لحد ما وقفت جنب عمي، كان التصفيق حواليها عالي جدًا، كنت واقف هناك، على طرف المنصه، عينيها اترفعت بسرعة، وقابلت نظرتي، اللحظة دي؟ كانت مليانة حاجات مش قادر أشرحها، بس اللي فضل معلق في دماغي وقتها عينيها كان في عيونها لمعة دموع غريبه.
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية