Ads by Google X

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم شمس حسين

الصفحة الرئيسية

    

 رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم شمس حسين

اوجاع خلف قناع النجاح
«أحمد نجم»
عدى شهر بعد الحفل، والأمور بيني وبين شمس كانت هادية و أحياناً فيها بعض المناوشات من وقت للتاني، كل يوم كان بيعدي، كنت بشوفها بتثبت نفسها أكتر وأكتر، وبتحقق تقدم واضح في شغلها، مش بس كده، كانت دايمًا بتسعى تتعلم وتكتسب خبرات جديدة، وكأنها مش شايفة قدامها غير الطريق ده، صحيح كان فيه ضغط عليها كبير، لكن كانت قد الضغط ده، كانت متمسكة بتحدياتها، كنت دايمًا براقبها من بعيد، و وقت ما كنت بحس إنها محتاجة دعم، كنت بقدمه من غير ما أكون ظاهر في الصورة، مكنتش عايز أضغط عليها، لأن اكتشفت أن شمس شخص قافل على نفسه، وعاملة حاجز بينها وبين الناس، مكانتش عايزة حد يقرب منها، علشان كدا كنت دايمًا بعيد، الحقيقة كان بيجي عليا وقت أحس إني مش قادر افهمها، لما كانت عيوننا بتتلاقى، كنت بحس بحاجة مش مفهومة، دايمًا شايف فيها نوع من الحذر، وكأنها خايفة مني، كنت بحس أن قربي ليها مش مرغوب فيه، ومع كل المواقف اللي بتجمعني بيها كانت بتبقي دايمًا على أهبة الاستعداد للهجوم، كانت بتحاول تحمي نفسها من أي حاجة مش معروفة وكأنها بتحاول تبعدنى عنها بأي شكل، وده كان بيوصلني لأعتقاد واحد: إن هي مش عايزة تسمح لحد يدخل حياتها، علشان كدا كنت مأجل أي خطوة من ناحيتي لحد ما أشوف إنها مستعدة، بس مع الوقت كنت بحس إني مش قادر أستمر في بعدي ده، وفي نفس الوقت مش قادر أتصرف معاه.
«شمس»

عدى تقريباً شهر بعد الحفل، ووضعي في الشركة بدأ يستقر أكتر، بقى عندي روتين شوية، الدورات التدريبية اللي كنت باخدها كانت بتخليني أتعلم أكتر وأفهم حاجات مكنتش عارفها، وكل يوم كان بيعدي كنت بحس إني بخطي خطوة أقرب للأهداف اللي حطيتها لنفسي، مش بس كدا خبرتي في الشغل كانت بتزيد، وكنت بحاول أطور من نفسي من كل النواحي، اتاكدت فعلا زي ما قالولي قبل ما اشتغل هنا: “كل يوم هتتعلمي حاجة جديدة”، وفعلاً، ده كان حقيقي.
أما بشمهندس أيمن، فده كان ليه دور تاني في حياتي، حقيقي مش هقدر اوصف كم الدعم اللي كان بيقدمهولي من كل النواحي، كان أكتر من مجرد مديري في الشغل، كان بالنسبة لي الأب اللي أنا عمري ما شفته، أنا عمري ما حسيت بالأمان ده في حياتي كلها، ولما كنت ابقي مضغوطة أو بشيل هم حاجة، كان دايمًا موجود، بيسألني: “إنتي كويسة؟ في حاجة مضايقاك؟”، كانت أسئلته بتمسني بطريقة غريبة، زي ما يكون عارف كل حاجة عني من غير ما أحكي، كان دايمًا بيقول لي إني عندي قدرات أنا مش شايفاها في نفسي، وكان بيشجعني أكتر من أي حد تاني، كنت ساعات أقول لنفسي: “هو دا حقيقي؟ هو فعلاً في حد بيقدملي أنا الحنية دي؟”.


أما بقي أحمد…. فالموضوع كان مشوش شوية، العلاقة بيني وبينه مكانتش واضحة، في أوقات كتير كان فيه سلام بينا والوضع ماشي طبيعي، وأوقات تانية كان بينا شوية مناوشات، شوية كلمات باردة، بس دايمًا كان فيه حاجة غريبة في الجو، حاجة مكنتش قادرة أفسرها، كل مرة كنت بحاول اتعامل معاه كان بيبقي في تردد في تصرفاتي، هجوم أحياناً في التعامل ملهوش اي داعي، و أوقات كتير كنت بحاول أكون بعيدة بعد ما بشوف نظراته ليا، كنت بقفل علي نفسي علي قد ما اقدر، و بحافظ دايما أن تكون العلاقة بينا هادية و رسمية.
لحد ما جيه يوم كان المفروض هنزل فيه الموقع علشان أتابع الإشراف علي إنشاء المشروع بتاعي، كان اليوم ده بالنسبة لي مختلف، أخيراً هنزل الموقع من مدة طويلة بعد آخر حادثة حصلت لي وقت الغيبوبة، و ده لأن فرع الشركة اللي كنت شغاله فيه كان مانع نزولي للمواقع بعد الحادثة، وكنت مستسلمة للأمر الواقع، بس هنا بشمهندس أيمن بنفسه هو اللي طلب مني أنزل، اليوم ده مكنتش قادرة أوصف شعوري من الفرحة إني راجعة تاني، صحيت بدري اخدت شاور سريع ولبست لبس عملي عبارة عن بنطلون جينز واسع، شميز أبيض، وجاكيت جينز فاتح، وكملت اللوك بشنطة ظهر صغيرة وكوتش مريح مناسب للموقع، وصلت الشركة بدري كعادتي، وبدأت يومي بالتأكد من كل الأوراق والمخططات الخاصة بالمشروع، كنت حريصة إن كل التفاصيل تكون جاهزة قبل ما نروح.


بعد شوية نزلت، كان أحمد و خالد بيراجعوا بعض التفاصيل، وندي كانت معاهم، اول ما شافوني… خالد جه عندي وقال: “شمس، جاهزة؟”، قلت له: “جاهزة جدًا، الأوراق كلها معايا زي ما بشمهندس أيمن طلب”


احمد كان واقف بيتابع في صمت، رجع خالد كمل و قالي بإبتسامة واثقة:” عايزك تركزي على كل تفصيلة النهارده، كل حاجة تحت مسؤوليتك، ورينا شطارتك”، هزيت دماغي وأنا متحمسة لكل اللي هيحصل وخرجنا، واحنا قدام الشركة أحمد ركب عربيته و راحت ندي معاه، وأنا ركبت مع خالد تحت نظرات أحمد الغير مفهومة، و وصلنا الموقع، بدأت وقتها أشرح لزمايلي اللي كانوا مستنيين هناك الخطوات اللي هنتبعها، وأحمد كان واقف قريب مني، بيستمع وبيتدخل لما يكون في حاجة محتاجة توضيح أكتر، حسيت بثقة كبيرة في نفسي لما لقيته بيسيب لي المساحة الكاملة لإدارة الموقف، المكان كان مليان ناس، عمال، مهندسين، كنت كل شوية الف بعيني، وأتأكد إن كل حاجة ماشية بالظبط، و وسط الزحمة، فجأة لقيت صوت مألوف بيناديني: “شمس”.
بصيت ورايا، ولقيت سهر وكريم، ابتسمت تلقائيًا، وقلبي ارتاح، قربوا مني بحماس، وسهر قالت وهي بتضحك: “إيه رأيك في المفاجأة دي؟ مش مصدقة إننا هنرجع نشتغل مع بعض تاني”، كريم ضاف: “شكلك مطحونة هنا برضو زي عندنا زمان”، فضلنا شوية نضحك ونتكلم عن الشغل، وكنت حاسة إن الجو أخف شوية بوجودهم، لكن وأنا واقفة معاهم، ماقدرتش أمنع نفسي من نظرات سريعة تجاه أحمد، كان واقف بعيد، لكنه كان مركز جدًا في التفاصيل، وأنا بتكلم، حسيت بنظراته بتلف ناحيتي، معرفتش إذا كنت بتخيل ولا لأ، لكن كالعادة كل مرة عينينا كانت بتتلاقي، كان في حاجة غريبة بتحصل جوايا، حاولت أهرب من الأفكار دي واركز اكتر علي الشغل.


وفي سط اليوم تقريباً، كنت واقفة في مكان بعيد مع العمال، كنت بدي تعليمات أكتر عن تنفيذ المشروع، بتكلم معاهم عن المعدات والترتيبات، الجو كان مليان حركة وضوضاء، لكني كنت مستمتعة، وأنا واقفة هناك، فجأة سمعت صوت كريم بينده عليا من بعيد: “يا شمس! تعالي هنا بسرعة”، رفعت عيوني وبصيت عليه، كان واقف مع سهر والباقي، قربت منهم بخطوات سريعة، وملامحي كانت عادية، لكن لاحظت نظراتهم، كانوا بيبصولي كأن في حاجة مش طبيعية، أول ما وصلت، سهر قالت بحدة وقلق: “شمس! إنتي مش بتحرمي أبدًا؟ إنتي واقفة هناك ليه؟ مش شايفة الآلات و عربيات النقل دي اللي رايحة جاية والحديد ده؟ المكان هناك مش آمن خالص! خدي بالك، أرجوكي، مش ناقصين حاجة تحصل”، ضحكت ضحكة خفيفة وحاولت أطمنها: “متخافيش، يا سهر، أنا واخدة بالي، مش هيحصل حاجة، كل حاجة تحت السيطرة”، كل اللي واقفين كانوا باصين باستغراب ودهشة، وأحمد كان باصص لي بنظرة مش مفهومة، كأنه بيحاول يفهم حاجة، وفعلا في نفس اللحظة رفع حاجبه وسأل كريم بصوت هادي: “في إيه؟ إيه اللي حصل قبل كدا؟”، كريم اتنهد وقال بمزاح وهو بيبص لي: “بصراحة، يا بشمهندس، شمس دي تاريخها مليان حوادث، آخر مرة كانت في موقع حصلت حادثة كبيرة جدًا، واتصابت إصابة خطيرة ودخلت غيبوبة طويلة، قعدت فيها حوالي 6 شهور، ومن وقتها، شمس بقت بعيدة عن مواقع الشغل تمامًا”، وقف لحظة وبعدين كمل وهو بيبص لي بنظرة عتاب: “بس لما اتنقلت عندكم، رجعت تاني المواقع اهي، عشان كده يا شمس أرجوكي بلاش استهتار، خدي بالك من نفسك!”، كنت واقفة بين الكلام والعيون اللي كلها دهشة واستغراب، حسيت إن الأرض بقت أضيق، خصوصًا لما عيني جات في عيون أحمد، كان باصص لي بنظرة مليانة تساؤلات، نظرة مش عارف أفهم منها إذا كانت شفقة، خوف، ولا حاجة تانية، وقتها بصيت لسهر وكريم وقلت: “ارجوكم كفاية قلق بقى، أنا فعلاً واخدة بالي، أن شاء الله مش هيحصل حاجة”، حاولت أغير الموضوع وأرجع كل واحد للشغل، لكن كنت حاسة إن نظرات أحمد لسه متعلقة بيا…

وبعد دقايق لقيت صوت أحمد بيقطع الجو برسمية واضحة، وقال بجفاف: “بشمهندسة شمس، حصليني علي العربية فورًا”، بصيت له مستغربة، لكن لقيته وصل عند العربية، لحقته بخطوات سريعة، سألته بكل هدوء:” في حاجة يا بشمهندس؟”، رد من غير ما يبصلي: “لازم نرجع الفرع الرئيسي حالا”، فتح لي باب العربية و ركبت في الكرسي الأمامي، وهو ركب و بدأ يتحرك، طول الطريق، كنت ببص عليه من طرف عيني، ملامحه كانت ثابتة جدًا، جامدة بطريقة غريبة، محاولش يتكلم، ولا حتى يفسر ليه مشينا فجأة قبل ما كل التجهيزات في الموقع تخلص.
بعد وقت وصلنا الشركة، أحمد وقف العربية قدام المبنى ونزل بهدوء، وأنا نزلت وراه، حاولت أستجمع شجاعتي عشان أسأله: “هو في إيه؟ ليه رجعنا بسرعة كده؟”، بص لي بسرعة قبل ما يقول بجديّة واضحة: “فوق هتعرفي”، مسألتش تاني، عرفت إن اللي جاي مش خير، سكت و سمعت كلامه وطلعنا مع بعض للمكتب، دخل عند بشمهندس أيمن لوحده، وأنا فضلت برا، وبعد دقايق خرج أحمد، كنت متوقعة ألاقي إجابة في ملامحه، لكن كل اللي شفته كان نظرة سريعة قبل ما يمشي، و لقيت سارة السكرتيرة قربت مني وقالت بلطف: “المهندس أيمن مستنيكي جوه، ممكن تدخلي دلوقتي”، قلبي كان بيدق بسرعة، قمت بهدوء وخوف ودخلت المكتب، لقيت بشمهندس أيمن واقف مستنيني بإبتسامة هادية، لكن نظراته كانت مليانة حاجة مختلفة، حاجة اشبه بالقلق، قرب مني بهدوء وقال وهو بيشير على الكرسي: “تعالي يا شمس، اقعدي”، قعدت قدامه، وكل حواسي كانت مركزة عليه، بعد لحظة، قعد على الكرسي اللي جنبي بدل ما يقعد ورا مكتبه، وقال بصوت هادي مليان دفء: “شمس… أنا عارف قد إيه شغلك مهم بالنسبة ليكي، وعارف إنك طموحة وعايزة تثبتي نفسك في كل حاجة”، ابتسمت له بخجل، لكن القلق كان مسيطر عليا، كمل كلامه: “بس بصراحة… مش هقدر أخليكي تروحي المواقع الهندسية تاني”، بصيت له بصدمة، وسألته بسرعة: “ليه؟ حصل حاجة؟”، هو خد نفس عميق وقال بهدوء: “أنا سمعت حكاية الحادثة اللي حصلت ليكي قبل كده، والغيبوبة اللي دخلتي فيها، أنا مقدرش أسمح إنك تتعرضي لأي خطر تاني”، كنت سامعة كلامه، ومش عارفة أقول إيه، وكل اللي قدرت أعمله هو إني أهز دماغي بالموافقة وعيني مليانة دموع، أيمن شاف دموعي، وقرب مني أكتر وقال: “شمس، مش عايز اللي حصل ده يخليكي تزعلي و يأثر عليكي، انتي قدامك شغل كتير هنا محتاج وجودك انتي، اتفقنا” هزيت دماغي تاني وأنا بمسح عيني بسرعة، وقمت بعد إذنه، وطلعت من المكتب وأنا حاسة بخلطة مشاعر ما بين الحزن والامتنان والخوف.

بعد ما خلصت شغلي، وصلت البيت، لقيت ماما قاعدة في الصالة، أول ما شافتني قالت بقلق: “مالك يا شمس؟ وشك مش مريحني!”، قعدت جنبها و حكيت لها كل اللي حصل، بصت لي وقالت: “هو ده الصح يا شمس، هما خايفين عليكي، وده شيء كويس إن في حد بيهتم بيكي وبيحط سلامتك في الأولوية”، قلت لها بزعل: “لا يا ماما، مش صح! أنا مصدقت بدأت من جديد، وبدأت أحقق أحلامي… ليه كل حاجة بتقف في نص الطريق؟ ليه مفيش حاجة بتكمل زي ما أنا عايزة؟”، قربت مني أكتر، مسكت إيدي وقالت بهدوء مليان حب: “بالعكس يا شمس، كل أحلامك هتتحقق في وقتها، واللي بيحصل ده، حتى لو عكس إرادتك، صدقيني خير ليكي، ربنا كتبلك الخير، وأي حاجة تلاقي نفسك بتتمنعي منها يبقى أكيد فيها خطر، وربنا بيحبك وبيبعده عنك”، قلت لها: “ونعم بالله، بس يا ماما… وقت الحادثة أنا مكنتش غلطانة، ولا كان إهمال منى، أنا كنت بصلح غلط حد تاني، ونصيبي جيه كده، ليه حاسة أنهم بيتعاملوا معايا كإني غلطانة؟ وكأنهم بيعاقبوني على حاجة مش ذنبي”، ماما ابتسمت لي بإبتسامة دافية وقالت: “يا شمس، هما مش بيعاقبوكي، بالعكس بيحبوكي وخايفين عليكي، وعارفين كويس إنك ملكيش ذنب، لو كانوا حاسين إنك غلطانة، مكنوش خلوكي دقيقة واحدة في الشركة أصلاً، لكن خوفهم ده دليل على اهتمامهم بيكي”، سمعت كلامها، وحاولت أهدى شوية، كلامها كان منطقي، لكنه ملغاش إحساسي بالحزن.
الساعة 7 بليل كنت خرجت من البيت و في طريقي لعيادة دكتور أشرف، وصلت العيادة، دخلت الاستقبال، السكرتيرة ابتسمت لي وقالت: “اتفضلي يا أستاذة شمس، الدكتور أشرف مستنيكي”، أول ما دخلت عنده، لقيته مستني في مكتبه، مبتسم كعادته، بص لي وقال بضحكة خفيفة: “أه جاية على مهلك، متأخرة ساعة كاملة، يا بنتي أنا مأجل مشاويري وقاعد مستنيكي”، ابتسمت إبتسامة صغيرة وقلت له: “آسفة لو عطلتك”، رد بسرعة وهو بيقوم يسلم عليا: “يا ستي، انتي عارفة إنك معفية من أي أعذار، اتفضلي اقعدي”، قعدت قدامه وحاولت أبان طبيعية، لكنه كان ذكي كفاية عشان يلاحظ إن في حاجة غلط، بص لي بتركيز وقال: “خير يا شمس؟ ليه طلبتي تقدمي ميعاد الجلسة؟ لسه فاضلك أسبوع، حصل حاجة؟”، بصيت له وقلت بهدوء: “أيوه، حصل”، قالي باهتمام: “طيب قوليلي، إيه اللي مضايقك؟”، بدأت أحكي له كل اللي حصل معايا من اخر مرة كنت عنده لحد انهاردة، حكيت له عن لحظات الفرح المفاجأة اللي عشتها، وعن إحساسي بالظلم في فترات معينة، وإني مش قادرة أستوعب ليه كل حاجة بتمشي عكس اللي أنا عايزاه، وأنا بتكلم كان قاعد ساكت، مركز جدًا، وبيسمعني بعناية، ولما خلصت كلامي، سكت شوية وكأنه بيجمع أفكاره، وبعدين قال بهدوء: “طيب خلينا نبدأ بالراحة، انتي دلوقتي وصلتي لمرحلة كبيرة في شغلك، نجاحك بقي ظاهر للنور و علي مدي واسع لأول مرة، كل ده شيئ جميل، بس لازم نعرف برضو أن مفيش شيء بيكون مثالي، ومش شرط كل حاجة تكون كاملة، و اللي حصل انهاردة ده طبيعي جداً ومش لازم يأثر عليكي بالشكل ده، و علفكرا هو برضو مش هيأثر علي نجاحك بالعكس، يمكن شغل المواقع ده كان هيعطلك عن حاجات تانية كتير المفروض تتعلميها”، كنت بسمع كلامه و ملامحي كلها زعل و بهز دماغي بهدوء، بس هو فجأة قال: “خليني ياشمس أسألك سؤال تاني بعيد عن كل ده: هل إحساسك إنك لازم تثبتي نفسك بالشغل، رغم كل اللي بيحصل، هو نابع من رغبتك في النجاح؟ ولا من خوفك من فكرة الفشل أو الإحساس بعدم الاستحقاق؟”، سؤاله كان عميق جدًا، وخلاني أرجع خطوة لورا في أفكاري، حسيت إن السؤال لمس حاجة جوايا، حاجة كنت بحاول أتجاهلها، حاولت أجاوب، لكن صوتي طلع مهزوز: “مش عارفة يا دكتور… يمكن… يمكن عشان بحس إن النجاح هو الحاجة الوحيدة اللي ممكن تعوضني عن حاجات كتير ضاعت مني”، ابتسم ابتسامة صغيرة وقال: “شمس، النجاح مهم، لكن مينفعش يكون الطريقة الوحيدة اللي تثبتي بيها لنفسك إنك تستحقي الحب والاحترام، إحنا أوقات بنربط قيمتنا كأشخاص بحاجات خارجية زي الشغل أو النجاح، وننسى إن قيمتنا الحقيقية جوه نفسنا”، بصيت له بتركيز و سندت دماغي علي الكرسي اللي كنت قاعدة علية واخدت نفس عميق وقلت: “من وأنا صغيرة، وأنا بحاول أكون مثالية في كل حاجة: درجاتي في المدرسة، نشاطاتي، حتى في طريقة كلامي، كنت فاكرة إنه لما يشوفني كده، هيفتخر بيا، يمكن يبتدي يهتم، يبتدي يشوفني، لكن… كل مرة كنت أنجح، كنت بلاقي رد فعل عكس اللي استنيته، كان يا إما يتجاهل اللي عملته، يا إما يقلل منه، كأنه ملوش قيمة”، بصلي بهدوء وقالي: “ده باباكي؟”، هزيت دماغي بمعني ايوا، وسكت شوية، وحسيت دموعي قربت تنزل، وكملت: “لما كبرت، بقيت أحس إن الشغل هو الحاجة الوحيدة اللي أقدر أحقق فيها حاجة، الحاجة الوحيدة اللي عندي سيطرة عليها، الحاجة الوحيدة اللي بترجعلي ثقتي في نفسي، أنا… أنا مش زي الناس العادية يا دكتور، مبعرفش أستمتع بالحاجات اللي بيستمتعوا بيها، لا بحب الخروج، ولا الفسح، ولا حتى أفكر أعمل أي حاجة ترفيهية، حياتي كلها عبارة عن شغلي، وده اللي خلاني أتمسك بيه بالشكل ده، مش عندي حاجة تانية أفكر فيها”، كان ساكت وهو بيسمعني، لكن نظراته كانت بتقول إنه فاهم كويس أوي إحساسي، بعد ما خلصت كلامي، قال بهدوء: “أوقات كتير بنلاقي نفسنا بنحاول نعوض نقص في جزء معين من حياتنا، سواء كان نقص عاطفي، أو دعم، أو حتى اعتراف من شخص مهم بالنسبة لنا، لكن خليني أقولك حاجة مهمة: نجاحك مينفعش يكون مشروط برغبتك في شخص تاني، حتى لو الشخص ده كان والدك”، سكت لحظة، وبعدين كمل بصوت مليان دفء: “أنا شايف إنك مش مدركة قد إيه حياتك فيها أبعاد تانية، أنتي محتاجة تدي لنفسك فرصة تكتشفي العالم برا دائرة الشغل، النجاح في الشغل حاجة عظيمة، بس هو جزء من حياتك، مش حياتك كلها”، قاطعته بصوت متردد: “بس يا دكتور… لو منجحتش في الشغل، هبقى فاضية، هحس إني مفيش حاجة ليها معنى في حياتي”، ابتسم ابتسامة صغيرة وقال: “ده اللي محتاجين نشتغل عليه، شمس… محتاجين نلاقي الحاجات اللي بتديلك معنى وسعادة بعيدًا عن الشغل، وده مش هيحصل بين يوم وليلة، لكن أول خطوة إنك تسمحي لنفسك تكوني أكتر من مجرد شخص عايز ينجح في شغله”، سكت لحظة وبصيت للأرض، وحسيت إن كلامه دخل قلبي، وقلت له فوراً:” يعني المفروض دلوقتي اعمل أي”، ابتسم وقال: “سهل خالص، بصي يا ستي محتاجين نفكر مع بعض مثلا اي الحاجات اللي زمان كان نفسك تعمليها ومعرفتيش، افتكري مثلا إيه الحاجة اللي كنتي بتشوفيها في أطفال تانيين أو أصحابك في المدرسة وكنتي تتمني تجربيها؟ يمكن لعبة، هواية، حاجة بسيطة، أي حاجة كان نفسك فيها”، فضلت افكر شوية و بعدين ضحكت و قلت له:” كان نفسي اروح مدينة ألعاب كبيرة مع بابا و ماما زي ما صحابي كانوا بيحكولي، و في كل مرة ماما كانت بتقولي اوديكي كنت برفض علشان كنا هنروح لوحدنا وانا مش زيهم”،” كان نفسي أروح اسمع ماتش كورة مع بابا في الإستاد و يرسم لي علي وشي علي مصر ونروح مع بعض مبسوطين بالفوز”، “كان نفسي أركب مركبة في النيل و نقضي يوم عائلي سوا فيها زي باقي صحابي مكانوا بيحكوا لي”، مسحت دموعي وانا بضحك وقلت له باختصار:” كان نفسي في حياة طبيعية زي اي طفلة في سني”، عيونه هو كمان دمعت بس حاول يخفيها وابتسم وقال: “بسيطة، كل اللي قولتيه ده بسيط، تعالي نجرب؟ عايزك تسمحي لنفسك إنك تجربي كل اللي معشتيهوش”، هزيت دماغي بشك، وقلت: “تفتكر لو جربت فعلاً هتفرق؟”، رد بثقة: “صدقيني، الحاجات اللي قلتي عليها دي لو جربتيها، ممكن تفتح باب لحاجات أكبر، وده ينقلني لنقطة تانية مهمة جدًا: العلاقات”، بصيت له بترقب وهو بيكمل: “بس احنا مش هندخل في الموضوع ده دلوقتي، أما نخلص نقطة نقطة”، هزيت دماغي بإبتسامة كلها امتنان وقلت له: “حاضر هحاول”، قمت وقفت وانا باخد شنطتي علشان أخرج، سمعت صوت أشرف بيقول وهو بيضحك: “اه خلاص هتمشي بقي…. علفكرا يا شمس إنتي ضحكتي عليا النهارده”، بصيت له مستغربة: “ضحكت عليك إزاي؟”، قال وهو بيتكئ على مكتبه وبيحاول يمسك ضحكته: “مش كان الاتفاق المرة اللي فاتت إن الجلسة تكون نص بنص؟ أنا أتكلم نص الوقت، وإنتي النص التاني؟ لكن إنتي النهارده أخدتي كل الوقت لنفسك!”، ضحكت وقلت له: “أيوة، أخدت الوقت كله، عشان أنا اللي محتاجة أتكلم أكتر! بعدين، انت بتتكلم براحتك مع نفسك طول الأسبوع، أنا اللي معنديش غيرك أفضفض له”، هز دماغه بإعجاب وقال بنبرة تمثيلية: “ماشي يا شمس، المرة الجاية بقى هحسب الوقت بالثانية، مش هخليكي تسرقي وقتي تاني”، ضحكت اكتر وقلت وأنا خارجة:”براحتك، بس أنا متأكدة إنك مش هتعملها”، رد بسرعة: “هنشوف يا بشمهندسة!”.

«احمد نجم»
أول ما كريم بدأ يتكلم عن الحادثة اللي حصلت لشمس و شوفت القلق في عيونه هو وسهر، مكنتش قادر اصدق اللي بسمعه، معقول شمس فضلت في غيبوبة 6 شهور، معقول مرت بكل ده ولسه واقفة بالثبات والقوة دي، هو ليه كل يوم بيعدي بكتشف عنها حاجات اكتر و كل ما أسمع حاجة عنها اكتشف إن وراها قصة تخليني أخاف عليها أكتر، كنت واقف في مكاني مش عارف أفسر اللي جوايا، كانت حاجة بين القلق والضيق، حاجة أكبر مالهاش اسم، مكنتش عارف أتصرف ازاي، فجأة لقيت خالد جه وقف جنبي وبص لي وقال بابتسامة خفيفة: “أحمد، البنت دي غريبة اووي، كنت شايف إنها شاطرة ومجتهدة اه، بس المفاجأة كانت دلوقتي، انت سمعت صحابها بيقوله اي؟ دي اتصابت وهي بتشتغل عشان تحمي اللي حواليها!، بصراحة كل يوم نظرتي ليها بتختلف تمامًا، مش مجرد مهندسة عادية زي اللي اشتغلوا معانا قبل كدا”،
قعد خالد يمدح فيها وكأنه مش شايف غيرها،
“دي مش بس ناجحة وشاطرة، لأ دي كمان جذابة من غير ما تعمل مجهود، طبيعتها دي حاجة تخلي أي حد واقف قدامها يحترمها ويعجب بيها، كل المهندسين اللي كانوا واقفين من شوية كانوا بيتكلموا عليها و بيقولوا نفس الكلام، بجد البنت دي كنز”، كل كلمة كان بيقولها خالد كانت عبارة عن نار جوايا، هو معجب بيها بالشكل ده؟! هو الكل شايفها زي مانا شايفاها؟ حسيت بغصة وأنا واقف أسمعه، و قررت آخدها من الموقع فورا، رجعنا الشركة، وكل اللي بفكر فيه إن نزولها المواقع لازم يتوقف، شغلها ممتاز، ده أكيد، بس سلامتها أهم عندي من أي حاجة، اول ما وصلت الشركة دخلت عند عمي أيمن وبدأت أحكيله: “فاكر الحادثة اللي حصلت في موقع” الحي الراقي”؟ اللي كانت هتبقى كارثة كبيرة؟”، رد: “طبعًا فاكر، الموقف كان صعب جدًا، بس اللي أنقذ الموقف وقتها كانت مهندسة شجاعة”، قلت: “اهي الشجاعة دي كانت شمس، يا عمي”، شفت في عيونه الصدمة والإعجاب، لكنه سألني: “طيب مالك؟ أنت ليه متضايق؟”، قلت له:” متضايق علشان حضرتك سمحتلها تنزل مواقع تاني و اديتها أمل و مش عارف ازاي هناخده منها دلوقتي”، رد باستغراب:” طيب ليه هناخده منها بالعكس اللي حصل ده حاجة تحسب ليها”

قلت له بحده: “عمي أنا مش هسمح أن شمس تنزل مواقع تاني، علشان شمس شخص مش بيفكر في نفسه، هي اللي حواليها أهم عندها من نفسها، كل مرة بتنزل موقع بتعرض نفسها لمواقف خطره من غير ما تحس ولا تهتم، وأنا مش هسمح إن ده يحصل تاني”، عمي أيمن حاول يقنعني إن كل ده جزء من شغلها، لكني كنت مصر: “لازم تبلغها إنها مش هتنزل المواقع تاني، شغلها هنا كفاية، أنا مش مستعد أشوفها بتخاطر بحياتها واحنا نسمح لها”، وأنا خارج من عنده، كنت شايل هم رد فعلها، لقيتها قاعدة قدام المكتب، وشها كان فيه ملامح خوف وقلق، أول ما عيني جت عليها، حسيت بوجع غريب، عارف إنها هتزعل لما تعرف، بس خوفي عليها أكبر من أي حاجة، و الحقيقة مكانش بسبب خوفي عليها بس لا انا مكنتش قادر أتجاهل فكرة إنها هتكون قدام عيون خالد أو أي حد تاني زي انهاردة حتى لو كان إحساس مش منطقي، اللي يهمني إنها تبقى بخير، وبعيد عن أي خطر أو أي شخص ممكن يحاول يقرب منها.

يتبع…. 
google-playkhamsatmostaqltradent