رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل الرابع والعشرون»
***
بهدوء حذِر سارت بخطاها نحوه، ثم جلست بجواره على طرف الفراش، أوصدت عينيها لبرهة تجمع شجاعتها ثم نظرت إليه، كان بريئاً في نومه، ساكناً لا يتحرك.
ترددت كثيراً في لمس وجهه في البداية لكنها قد مدت يدها وبهدوء ملست على وجهه بنعومة شاعرة بخشونة خصلات ذقنه أسفل يدها.
ظلت تمرر يدها على وجنتيه تارة وذقنه تاره وخلف أذنه تارة أخرى مغردة بهُيام عاشقة:
_ أنت الحتة الحلوة في قلبي، ببقى في قربك مش قلقانة، أنت حبيبي وأبويا وابني، ومليش بعدك تاني مكان، حببتني في أيام عمري، رجعتني لنفسي زمان..
بحبك أوي يا يوسف، مكنتش متخيلة إني أتعلق بيك كدا!
ياريتك كنت صاحي وسامعني، وترد وتقولي وأنا كمان بحبك يا لي لي..
صممت حينما شعرت بحركة طفيفة منه فكادت أن تفر هاربة قبل أن يراها إلا أنها تفاجئت باحتضانه ليدها مردداً بثقل:
_ بـ حـ بـ ك...
لحظة استيعاب أن ما وقع على أذنيها كان حقيقياً لا يختلقه عقلها، اتسعت عينيها ثم انتفضت من مكانها وظلت تطالعه بذهول، لم يهدئ قلبها منذ تلك اللحظة، فقد كانت تتسارع نبضاته بصورة مضطربة، انحنت بجسدها نحوه متسائلة بهمس:
_ أنت قولت إيه يا يوسف؟
لم يجيبها، فلم تقبل ذلك البتة، هي تريد التأكد مما سمعته، حاولت مرة أخرى معه لعله يجيبها ثانيةً:
_ يا يوسف قول أنت قولت إيه؟
سكون دون غيره ولم يجيبها، تأففت بضجر فهي ليست متأكدة مما سمعته، نظرت إلى الباب فور سماعها بغلق الباب الخارجي، جحظت عينيها بتوجس شديد خشية أن يفضح أمرها، هرولت نحو الباب ووقفت خلفه لاعنة ذاتها، فلقد مر الوقت ولم تشعر به وها هي على وشك الإنتهاء.
ارتخت تعابيرها فور سماعها لصوت غلق باب المرحاض، أسرعت في فتح الباب بحذر وحينما لم تجد أحد ركضت مسرعة إلى غرفتها، في تلك الأثناء خرج زياد من المرحاض ولمح بابها عندما أغلقته.
عاد لغرفته وقام بخلع ثيابه فإذا بأخيه يتسائل بصوت ناعس:
_ أنت كنت هنا دلوقتي؟
التفت إليه زياد نافياً وجوده في الغرفة بحركة من رأسه قبل أن يردف:
_ لا أنا لسه داخل
فرك يوسف عينيه ونظر لأخيه بغرابة وردد:
_ أنا سمعت الباب بيتقفل ولا أنا كنت بحلم..
أكد زياد على عدم دخوله الغرفة قبل تلك اللحظة بينما استدار يوسف بجسده ليكمل نومه لكن صوت ما في عقله قد أعاد له تغريدها العذب، راودته قشعريرة قوية شاعراً بيدها الناعمة وهي تملس على وجنته كان كأنه حقيقياً.
حتماً كان يحلم، تقوس ثغره بإبتسامة سعيدة وتمنى أن يتحقق، أخرج تنهيدة حارة ثم حاول العودة إلى نومه، وكذلك جاوره زياد ليحظى ببعض النوم قبل نهوضه لأداء صلاة الفجر.
***
في الغرفة المجاورة، كان عقلها سيجن، أهي حقاً سمعته يصرح بحبه لها؟ أم أنها هلاوس من عقلها الباطن؟ أم أنها هي من تتمنى سماعها منه؟
لا تدري، تأففت بضيق فلم تستطيع الوصول إلى حقيقة الأمر، انتبهت لرنين هاتفها فأجابت بحماس:
_ حبيبي وصلت؟
جائها الرد من الطرف الآخر:
أيوة، لسه واصل حبيت أطمنك
بلطف أردفت:
_ ماشي يا حبيبي تصبح على خير، كلمني بكرة أول ما تصحى
"تمام"
أردفها علي ثم أنهى المكالمة بينما هاتفت هي صديقتها، لم تجيب من المرة الأولى بل أعادت لينة تكرار الرنين حتى أجابت بصوت ناعس:
_ في إيه يا لينة؟
تنهدت الأخرى وصرحت بما يتمناه عقلها أن يكون حقيقة:
_ يوسف قالي بحبك!
انتفضت شهد من نومها وطالعت المكان من حولها تتأكد أنها لا تحلم، عادت إلى صديقتها وهتفت مستاءة:
_ إيه الهبل دا بقى؟
قهقت لينة وبدأت تقص عليها ماحدث والسعادة تغمر قلبها، ثم أنهت جملتها قائلة:
_ كان نفسي يقولها تاني عشان أتأكد إني سمعت صح
حركت شهد رأسها باستنكار لتصرفاتها الخرقاء وهتفت معاتبة:
_ أنتِ إزاي دخلتي أوضته؟ مخوفتيش يصحى ويشوفك؟ أو مثلاً زياد يرجع من برا! دي كانت هتكون مشكلة كبيرة أوي
حاولت لينة تبرير تصرفها:
_ مفكرتش في حاجة وقتها، كان نفسي أشوفه وهو نايم وألمسه، وبعدين أنا عارفة إن نومه تقيل يعني مش بيصحى بسهولة..
تنهدت شهد مستاءة قبل أن تواصل معاتبتها:
_ أديكي قولتي كان نايم ونومه تقيل، يعني مش حاسس بيقول إيه وتلاقيه بيهلوس بأي حاجة وأنتِ سمعتي غلط
تأففت لينة وشعرت بالإختناق من كلماتها التي تغلق بها جميع السُبل في وجهها وصاحت مستاءة:
_ تصدقي أنا غلطانة إني كلمتك، كنت مبسوطة والله وأنتِ قفلتيني، سلام
أسرعت شهد في الحديث لكي تمنع إنهائها للمكالمة:
_ خلاص استني، طب ناوية تعملي إيه؟
بهجوم قالت:
_ هعمل إيه يعني؟ مش هعمل حاجة
رققت من نبرتها متذكرة بعض المواقف التي لم تجد لها تفسير قبل أن تعود مواصلة:
_ بس أنا قلبي بيقولي إنه فعلاً بيحبني!
قلبت شهد عينيها باستياء وأردفت ساخرة:
_ أيوة عشان كدا جوزك أخوه
"أوف بجد يا شهد، معرفش أنا مقفلتش ليه"
هدرت بحنق فاعتذرها منها صديقتها:
_ أنا آسفة معتش هتكلم، بس يا لينة بالعقل كدا منين بيحبك ومنين هو اللي اقترح كتب الكتاب؟
شعرت لينة بأن حديثها صائباً فقالت بضياع:
_ أنتِ صح، بس مش معقول اللي بحسه دا يكون كدب أو مجرد إحساس..
تسائلت شهد بفضول:
_ طب فهميني إحساسك دا مبني على إيه..
أخذت لينة شهيقا عميق زفرته على مهل وأجابتها مختصرة:
_ تعامله معايا مختلف عن الأول..
قاطعتها شهد بقولها:
_ ما أنتِ قولتي كدا يوم فرح بلال وكانت إيه النتيجة؟
حاولت لينة توضيح الأمر من نظرها:
_ لا لا دا اختلاف تاني خالص، يوم كتب الكتاب أول ما المأذون خلص هو اختفى، دا كان بيجري من البيت كأن فيه مصيبة، ولما ناديت عليه مردش عليا ودي أول مرة يعملها..
"أنتِ عايزة تقولي إنه زعلان عشان كتبتوا الكتاب؟"
هتفت شهد متسائلة فردت لينة قائلة:
_ مش عارفة بس ليه يعمل كدا، دا عمره ما سابني في أي موقف يبقى إزاي يسيبني في يوم زي دا وهو عارف إني رافضة الموضوع، دا غير إن قبلها حسيته ما صدق إن علي يظهر وكان بيحاول معايا إني أتراجع بس أنا كنت غبية أخدت الموضوع عِند في علي..
تأففت لسذاجة عقلها واسترسلت متابعة:
_ وبعد كتب الكتاب وموقفه مع زياد كان مبالغ فيه أوي
بحنق هتفت شهد:
_ أنتِ عايزاه يشوف أخوه بيقرب منك وميعملش كدا؟
أيدتها لينة رأيها فقالت:
_ لو يوسف اللي أنا عارفاه كان اكتفى بقلم محترم، لكن دا حرفياً قتله ضرب، كنت حاسة إنه بيطلع خنقته فيه، وبعدين يوسف عمره ما وقف قصاد ماما ميمي يومها مكنش همه كأنه مش شايفها قدامه!
واللي حصل بعد كدا كان غريب، عمري ما اتعرضت له قبل كدا..
صمتت من تلقاء نفسها حينما تذكرت ما بعد ذلك، سرت قشعريرة قوية في أوصالها ورفضت الفصح عما حدث خشية أن تسوء صديقتها الظن بها، انتبهت على سؤال شهد حينما قالت:
_ ها إيه اللي حصل بعد كدا؟
ابتلعت ريقها وبجمود أجابت:
_ ولا حاجة، بس أنتِ عندك حق أنا شكلي سمعت غلط، أنا هقفل تصبحي على خير
أنهت المكالمة تحت ذهول الأخرى، فهي قد بدأتها ونهتها دون العودة إليها، لم تعطي الأمر أكبر من حجمه وعادت إلى نومها فمازال أثره يطغوا عليها، بينما ظلت لينة تفكر في كل ما مرت به منذ عقد قرانها لربما تصل إلى نقطة توضح لها ظلمة أفكارها.
***
بعد ما يقرب الساعتين شعر بلال بالإختناق، فلا مفر أمامه يلجأ إليه، كلما ظن أن والده قد انتهى من تخطيطاته يعودون للبداية من جديد، تأفف بضجر فاستشفت والدته ضيقه.
حمحمت وتدخلت بينهما ناهية حوراهما الذي طال:
_ خلاص بقى يا سمير، الوقت أتأخر، سيبه يطلع بيته وبكره تكملوا
انفعل السيد سمير باندفاع في إجابته:
_ بيته إيه الوقتي، ورانا تجهيزات لازم تخلص على بكره
هدأ سمير حينما استشف ملامح بلال، تفقد الوقت ثم صاح:
_ خلاص نكمل بكرة عشان أنا كمان تعبت
نهض وتركهما بينما رددت والدته بندم:
_ معلش يا بلال أنت عارف أبوك وقت الشغل بينسى نفسه
أخرج بلال تنهيدة على مهل وقال بفتور:
_ عادي..
نهض عن كرسيه وحمل الأكياس البلاستيكيه في يده وصعد إلى منزله، فلم يرتب وصوله للمنزل في وقتٍ متأخر.
ولج المنزل ومنه إلى المطبخ، افرغ محتويات الأكياس في أماكنها ثم دلف غرفتها دون تردد، ظل يبحث عن ذاك المهدئ التي تتناول أقراصه، وأخيراً وقع بين يديه عندما تفقد درج الكومود.
شعرت إيمان بالقلق حيال الضجة أحدثها، رمقته لوقت فكانت رؤيتها مشوشة قبل تتسائل بثقل:
_ أنت بتعمل إيه؟
التفت إليها ثم أردف أمراً:
_ قومي تعالي معايا
رفضت النهوض قبل أن تلم بما يريد أولاً:
_ أقوم أروح معاك فين؟
رفع بلال يده فظهرت الأقراص المهدئة وتسائل بصوت أجش:
_ ممكن أفهم إيه دا؟ بتاخدي مهدئات ليه؟
تقوس ثغرها للجانب مشكلة إبتسامة ساخرة وظلت تطالعه بقوة فلم يستسلم لنظراتها ورفض أن يُلقى اللوم عليه:
_ لا مش أنا السبب يا إيمان، أنتِ اللي وصلتينا للي إحنا فيه دا، لو أنا غلطان قيراط يبقى أنتِ ٢٤
هدأ من نبرته وأعاد كلماته امراً:
_ لو سمحتي بلاش نفتح في مواضيع هضايقنا إحنا الاتنين، قومي يلا..
طالت نظراتها عليه ثم استدرات بجسدها للجانب الآخر ولم تعيره إهتمام، زفر بلال أنفاسه بضيق ثم اقترب منها ووضع يده أسفل خصرها والأخرى محاوطاً بها ذراعيها حتى حملها بين يديه.
تفاجئت هي بتصرفه وحاولت التملص من بين يديه بركل قدميها في الهواء هاتفه بحنق:
_ أنت بتعمل إيه، نزلني
لم يكترث لها وكذلك هي لم تكف عن المحاولة:
_ يا بلال بقولك نزلني..
دلف بها المرحاض الخاص بالغرفة، ثم أوقفها في منتصف المغطس، حاولت الفرار إلى الخارج لكنه أبى وأرغمها على الوقوف ثم فتح صنبور المياه الباردة التي تدففت بقوة أعلاها.
شهقت إيمان من هول المفاجأة، حاولت إبعاد يديه عنها لكنه مازال متشبث بها لكي لا تستطيع الهروب، تساقطت عبراتها وهي تتسائل بنبرة مهزوزة:
_ أنت بتعمل كدا ليه؟
طالعها لبرهة قبل أن يردف بإقتضاب:
_ لما تحسي إنك فوقتي وبقيتي أحسن، اخرجي وغيري هدومك دي
أولاها ظهره وغادر بينما تابعته هي برأسها حتى اختفى من أمام مرأى عينيها، اقتربت من الباب وأوصدته جيداً ثم عادت إلى المياه بعد أن خلعت ثيابها تنعش جسدها من جديد.
في الخارج، هاتف بلال والدته وسألها مستفسراً:
_ بقولك يا ماما أنتِ بتعملي شوربة الخضار إزاي؟
تعجبت والدته ورددت مازحة:
_ هي مراتك مبتعرفش تعملها ولا إيه
كاد بلال يخبرها أنه هو من سيقوم بطهيها إلا أنه تراجع عن قول ذلك وأجاب برد آخر:
_ أنا بحب اللي بتعمليها وكنت عايزها تطلع زيها بالظبط
دقت قبول السعادة قلب شهيرة لكونه مازال يحب أكلاتها، وبدأت تخبره مقاديرها حتى انتهت منها وأغلق بلال الهاتف، وقف يقطع الخضراوات ثم فعل ما أخبرته به والدته، عاد إلى الغرفة أثناء خروجها من المرحاض، كانت ترتدي البرنس خاصتها.
حاول بلال عدم النظر إليها كثيراً رغم أن قلبه يحثه على التمتع برؤيتها على ذاك الوضع، لا يريد أن تضعف نفسه أمامها، فحتماً لن يبادر بالقرب منها ثانيةً، يكفي ما حدث حينما تحدى نفسه في المرة الأولى.
حمحم وأردف بتجهم:
_ البسي وتعالي عشان ناكل..
عارضته بقولها:
_ مش عايزة أكل حاجة..
بنبرة لا تحتمل النقاش صدر أمره:
_ أنا مش بخيرك أنا بعرفك، هستناكي برا
عاد إلى المطبخ ليرى ما أن كانت قد نضجت شوربة الخضراوات أم لا، لم تحتاج إلى كثير من الحرارة فأغلق عليها ثم بدأ يسكب في وعاء لها وله، وضعهن على الطاولة التي تتوسط المطبخ وجلس في انتظار مجيئها.
بعد مرور عدة دقائق، ظهرت من خلف باب غرفتها وكان قد جففت خصلاتها بالمجفف الكهربي وتركتهم محررين دون قيود، كانت رائحة الشوربة شهية للغاية، ربما تشتهيها معدتها لأن لم تأكل شيئاً منذ وقت طويل.
جلست مقابله وبدأت ترتشف القليل من الشوربة أولاً فشعرت أنها بحاجة إلى ليمون، نهضت لتحضر واحدة ثم عادت وقد وضعت أعلاها القليل فاكتمل مذاقها اللذيذ، لم تحاول قط النظر إليه، بل كانت تتناول وهي منكسة الرأس حتى لا تتقابل مع عينيه.
على عكس بلال الذي كان يختلس النظر إليها من آن لآخر، انتهوا من تناول طعامهم فكانت هي أول من نهضت، لاحظت بعض الحلوى التي قام بشرائها ووضعها في زاوية مخصصة لها، اشتهت أحدهم لأنها كانت المفضلة لديها، لكنها تريثت فعليه أولاً الذهاب لكي تأخذ منها.
بالفعل خرج بلال تاركها بمفردها فأسرعت هي في تناول حلوتها المفضلة، ظلت تأكل واحدة تليها الأخرى حتى نفذ ذاك النوع، فخرجت من المطبخ باحثة بعينيها عنه، لم تلمح طيفه فظنت أنه قد ولج غرفته لينام.
عادت هي إلى غرفتها لتتفاجئ بوجوده داخلها، وما آثار غرابتها جلوسه على الفراش ممدد القدمين براحة، أولاته ظهره لتعود حيث جائت لكنه أوقفها بسؤاله:
_ رايحة فين؟
لم تجيبه على الفور بل صمتت لثوانٍ قبل أن ترد بإجابة مبهمة:
_ خارجة..
استشف هو سبب ذهابها من الغرفة بعد رؤيتها له قاطناً بها فصاح بحسم:
_ من النهاردة أنا وأنتِ هنام هنا
قطبت جبينها بغرابة وهتفت مستاءة من أوامره التي يتخذها بمفرده:
_ أنت تقرر من نفسك تنام في أوضة تانية وأنا أسكت، وبعدين تقرر إنك ترجع تاني والمفروض أسكت!!
عقدت ذراعيها برفض تام لأمره وهدرت:
_ وأنا مش موافقة إننا ننام في نفس الأوضة
نهض بلال ووقف مقابلها وببرودٍ قال:
_ مش بمزاجك، أنا اللي أقول أنام فين ومنمش فين
تمردت على أمره وصاحت منفعله وهي توليه ظهرها:
_ خلاص يبقى أنا اللي مش هنام هنا
تفاجئت إيمان بيده التي حاوطت ذراعها وأعادتها إليه، خفق قلبها بتوجس وهي تطالع عينيه الثاقبة ثم انتبهت لهمساته:
_ هنام في نفس الأوضة يا إيمان، أنا مش هديكي فرصة تاخدي اللي كنتي بتاخديه دا تاني..
كاذب كبير، هو يريد تقريب المسافة بينهما، لكنها عِلة لا بأس بها، تأففت إيمان فلا مفر منه، توجهت نحو الخزانة وأحضرت بعض الوسادات ثم عادت للغرفة، فرمقها هو بغرابة وتابع تصرفها المبهم.
اتجهت ناحية الفراش ثم وضعت الوسائد في منتصف الفراش، قطب الآخر جبينه وسألها مستفسراً:
_ إيه دا؟
نظرت إليه بتحدٍ وأجابته:
_ دي حدود عشان كل واحد ميتعداش حدود التاني!!
حرك رأسه مستنكراً تصرفها الأخرق وسخر منها:
_ أنتِ بتتفرجي على تركي كتير؟
عقدت ذراعيها ورفعت حاجبها الأيسر قبل أن تردف بجمود:
_ دا اللي عندي، لو مش عاجبك روح نام زي ما كنت نايم
لن يتركها تصل إلى مرادها، فتوجه نحو الفراش واستلقى أعلاه وقال:
_ لا عاجبني
تأففت إيمان من إصراره للبقاء معها، جلست في جانبها التي حددته لنفسها، ثم أولاته ظهرها وكذلك هو، لم يستطيع كلاهما النعاس بسهولة، فكان عقلهما منهمراً بالأفكار، كانت هي متعجبة من تحوله المفاجئ، ولا تجد إجابة واضحة لهذا التغير.
أما عنه فكان في حيرة من أمره، لا يدري ما فعله هو الصواب أم أنه تسرع، ألم يكن عليها المبادرة في تصليح الأمور بينهما، لكنه بالأخير ليس مزعوجاً من خطوته التي اتخذها، فإن لم يكن لأجلها فسيكون من أجل العهد الذي اتخذه على نفسه أمام والدتها.
حل الصباح، والحدود لم يعد لها أثر، تخطت حاجزها المنيع التي وضعته بينهما، شعر هو بثقل يعلو ذراعه الأيسر يقيد حركته، فتح عينيه فإذا ببعض الخصلات تغطي عنقه، فتفاجئ بها تتوسط صدره محاوطة خصره بذراعها.
وزع نظريه بينها وبين حاجز الوسادات خاصتها فلم يجد له أثراً، تململت أعلى صدره فأسرع في غلق عينيه متصنع النوم، استيقظت هي وقد تسللت رائحه عطره أنفها، انتبهت على ذاك الوضع التي كانت عليه فانتفضت مسرعة لا تصدق أنها قضت ليلة كاملة على صدره، كيف فعلت ذلك؟
كانت نبضاتها سريعة لا تتوقف عن الخفق،كادت أن تنهض من جواره، لكنها عادت ناظرة إليه، مالت نحوه وظلت تتفحص معالم وجهه فلم تحظى بفعل ذلك من قبل، لا تعلم ما الذي تفعله، زفرت أنفاسها ثم نهضت من جواره وأعادت وضع الوسادات سريعاً قبل أن يكشف أمرها ظناً أنه لازال غافياً.
فتح بلال عينيه عندما تأكد من دلوفها المرحاض، نظر إلى ذراعه حيث كانت غافية أعلاه وبين الوسادات التي أعادت وضعها فتشكلت ابتسامة مبهمة على محياه لم يعلم سرها.
نهض ليبدل ثيابه حتى يذهب إلى عمله، خرجت هي وتفاجئت بعدم وجوده، ثم رأته يخرج من غرفة تبديل الملابس، طالعها وقال:
_ حضري الفطار عشان عايز أنزل
اكتفت بإيماءة من رأسها وهرولت إلى المطبخ تعد وجبة الفطور، انضم إليها واقترب من الحلوى التي أحضرها أمس فلاحظ اختفاء نوع من بين بقية الحلوى، وعلم أنها المفضلة لديها.
حمحمت إيمان لتجذل انتباهه وقالت بلطف:
_ الفطار جاهز..
جلس على الطاولة وكذلك رافقته وبدأ كليهما في تناول ما أحضرته إيمان في أجواء صامتة خالية من الأحاديث حتى انتهى بلال من طعامه فنهض ثم ألقى بسؤاله قبل مغادرته:
_ ناوية تعملي إيه على الغدا؟
تفاجئت بسؤاله، فلم ترتب لشيئ ولم يجمع عقلها طعاماً تقترحه، شعرت أنها محاصرة من قبل عينيه فهربت بنظريها بعيداً لعلها تأتي باقتراح ما، استشف بلال حيرتها وحاول مساعدتها بقوله:
_ أنا شوفت في الفريزر ملوخية وأرانب، تعمليهم؟
تشنجت تعابيرها وردت بعفوية:
_ بس أنا مش بحب ملوخية مع أرانب
زفر بلال أنفاسه وردد بجمود:
_ خلاص أعملي حاجة تانية، لو احتجتي حاجة كلميني..
غادر تحت نظراتها المتابعة له، على ما يبدوا أنها من أطعمته المفضلة، تنهدت بحيرة فكيف ستطهيها وهي تنفر دوماً من الأرانب، لكن كان هناك شعور مُلح داخلها بأن تفعلها من أجله.
عادت إلى غرفتها وهاتفت والدتها التي أجابت في الحال:
_ صباح الخير يا مونة، أخبارك إيه النهاردة
بصوت نشط هتفت:
_ صباح النور يا ماما، أنا كويسة الحمد لله
شعرت هادية بالراحة إثر نبرتها الحيوية، واصلت إيمان حديثهما متسائلة بفضول:
_ هي الملوخية والأرانب بيتعملوا إزاي؟
عقدت هادية مابين حاجبيها متعجبة من سؤالها ورددت بعدم تصديق:
_ أنتِ بتسالي على الأرانب! دا أنتِ عمرك ما حطتيها في بوقك؟
حمحمت إيمان فشعرت بالخجل، لم تدري ما عليها قوله أو التعليل به، لكن لم يكن أمامها سوى مصارحتها حتى تخبرها كيفية طهيهما:
_ بلال عايز ياكل ملوخية بأرانب وطلبها مني..
ابتسمت هادية وقد اجتاحها شعور الراحة، على ما يبدوا أن الأمور بينهما على ما يرام، عادت إليها وبدأت تخبرها كيفية طهيهما بدقة والآخرى كانت منتبهة بآذان صاغية.
***
صدح رنين ذاك المنبه الغبي الذي أخرجه من حلمه الجميل الذي أعيد مراراً تلك الليلة، نهض وأغلق منبه هاتفه ثم خرج من غرفته، أنتبه للأصوات الصادرة من غرفة لينة، عقد حاجبيه فمن الذي سيزورهم في مثل تلك الساعة الباكرة.
فُتح الباب وظهر من خلفه زياد، فاتسعت عيني يوسف بذهول لرؤيته خارجاً من غرف لينة، فارت دمائه وبرزت بقوة في عروقه، ثم صاح سؤاله بلهجة هجومية:
_ أنت كنت بتعمل إيه جوا؟
رفع زياد الوعاء الذي بيده وأخبره:
_ لينة سخنة وبنعملها كمادات..
"هي ميمي جوا؟"
هتف متسائلاً وما يشغل عقله أنهما ليسوا بمفردهما، لكن مازال هناك أسئلة عديدة لا تنتهي في رأسه، كيف هي جالسة؟ أهو رأى خصلاتها المموجة؟
أهو قد أغرم بهم كما هو مغرم؟ كيف سمحت بدخوله؟ كيف هي حالتها؟
تعجب زياد من صمت يوسف المبهم وابتعد عنه ليجلب بعض المياه الباردة، عاد في غضون ثوانِ، أسبق بخطاه إلى الداخل وأغلق الباب دون إكتراث لوقوف أخيه،فازداد غضب يوسف أضعافاً، لم يعد يرى أمامه من فرط غيرته على مشاكسته الصغيرة.
كيف يكون بالخارج وأخيه من يرافقها؟ كيف لا يكون هو راعيها؟ كيف لا يقدر أخذ خطوة بقربها وهي فتاته هو، لن تكون فتاة شخصاً آخر؟!
طرق الباب قبل دلوفه فسمحت له والدته قائلة:
_ تعالى يا يوسف..
فتح الباب بهدوء ونظريه مصوبتان عليها كأنه لا يرى غيرها، تنهد براحة حينما رآها مغطاه بغطاء لا يظهر أي أنش من جسدها، وكذلك شعرها المغطى بالحجاب الخلفي.
خرج من شروده على صوت السيدة ميمي وهي تردد:
_ السخونية مبتنزلش خالص يا يوسف، بقالها ساعتين بتترعش جامد، اديتها خافض وبعملها كمادات من وقتها ومفيش تحسن خالص، دي حتى ساعات بتقوم تخرف بالكلام وتنام تاني.
توجه يوسف بقربها ثم وضع راحة يده على جبينها فلم يتحمل حرارة جسدها المرتفع، التفت حيث تقف والدته وصاح معاتباً:
_ أنتوا إزاي مصحتونيش من وقتها؟!
حاولت السيدة ميمي تبرير موقفها:
_ والله يابني أنا قولت أجرب الأول زي ما بنعمل على طول مع السخونية بس معاها منزلتش خالص، دا حتى زياد لسه داخل قبلك أهو كنت بقوله روح صحي يوسف نوديها للدكتور..
الراحة دون غيرها تملكته فور علمه بعدم مكوث أخيه كثيراً في الغرفة، أخرج تنيهدة حارة قبل أن يردف:
_ أنا هلبس، على لما تكوني لبستيها..
أماءت ميمي بالإيجاب ثم انسحب زياد أيضاً ليبدل ثيابه ليكون مرافقاً لهم، بدأت السيدة ميمي في تبديل ثياب لينة برفق حتى انتهت منها فأسرعت إلى الخارج لتبدل ثيابها أيضاً فلن تستطيع تركها بمفردها في تلك الحالة المذرية.
في تلك الأثناء استغل زياد عدم وجود أحدهم في الغرفة ودلفها، اقترب منها وطالعها بشفقة متأثراً بوضعها، لاحظ تحرك شفتيها فانحنى بقرب وجهها حتى يسمعها جيداً..
"يـ و سـ ف"
تنطق بإسم أخيه دون وعي منها، لا يتركها حتى في مرضها، لمح يوسف وقوف أخيه بمفرده فلم يقف مكانه وتوجه ناحيته والغيرة تتأكله وسأله بتجهم:
_ بتعمل إيه؟
استدار إليه زياد وطالعه بملامح جامدة قبل أن يهتف من بين أسنانه:
_ بتنادي عليك!
ارتخت ملامح يوسف المشدودة وتبادل النظرات مع أخيه فاستشف ما ورائها، حمحم ولم يريد الإقتراب منها حتى لا يفسر أخاه شيئاً من تلقاء نفسه.
أولاه ظهره وغادر الغرفة أثناء خروج والدته التي هتفت بأنفاس لاهثة:
_ خلصت..
ادلفت بخطاها نحو لينة وساعدتها على القيام:
_ قومي يا حبيبتي، اسندي عليا
بصوت منهك يكاد يسمع هتفت:
_ مش قادرة يا ماما..
اقترب منهن زياد محاولاً مد يده العون لهن:
_ هاتي ايدك يا لينة
أوصد يوسف عينيه في انتظار ردها، فما كان من لينة إلا انا حاوطت عنق السيدة ميمي بكلتى يديها وقالت:
_ يلا يا ماما..
تنهد يوسف براحة وأسبق بخطاه للخارج حتى يجهز السيارة، فتح الباب الأمامي ووجه حديثه لوالدته:
_ هاتي لينة هنا يا أمي، عشان ورا مش هتعرفي تخرجيها لما نوصل
أماءت بقبول ثم ساعدتها على الجلوس وأغلقت الباب برفق، استقل يوسف أمام الطارة بينما جلس الآخرين في الخلف، تحرك بالسيارة مبتعداً عن المنطقة قاصداً أحد الأطباء بعينه.
كانت تطلق آنات موجوعة من حين لآخر، وظلت تردد بتعب:
_ مش قادرة يا يوسف
رمقها بشفقة وحزن وحاول طمأنتها:
_ خلاص قربنا نوصل وإن شاء الله تكوني كويسة
تفاجئ يوسف بابتسامتها التي تشكلت على ثغرها فظهرت عنه إبتسامة تلقائية وسألها بمرح:
_ بتضحكي على إيه؟
أجابته وهي تحدجه بعينين ضائقتين:
_ شكلك حلو..
اتسعت ابتسامته وحاول التركيز في القيادة لكي لا تتفوه بالمزيد أمامهما، وصلا حيث عيادة الطبيب، صف يوسف السيارة وترجل منها وكذلك الآخرين، ساعدت السيدة ميمي لينة على النزول ومنه إلى عيادة الطبيب.
انتظرا دورهم مدة ليست بقصيرة، قطع ذاك الصمت زياد بسؤاله:
_ مش المفروض نعرف علي؟
رد عليه يوسف بحسم:
_ ابقى كلمه بعد ما نروح بلاش تقلقه من دلوقتي..
حان دور لينة، دلف أربعتهم غرفة الطبيب، الذي فحصها على الفور، بعد دقائق معدودة ظهر من خلف الستار وأخبرهم عن سبب إرتفاع حرارة جسدها بنبرة عملية:
_ السخونية اللي عندها سببها عدوى بكتيرية، هكتب لها محاليل كل ٨ساعات مع أدوية تانية وإن شاء الله تكون كويسة
تسائل يوسف بحيرة:
_ والعدوى دي جت لها إزاي دي مش بتخرج من البيت إلا للضرورة
ابتسم له الطبيب وقال بعملية:
_ في الأيام دي ممكن أوي ناخد أي عدوى حتى من الهوى
أومأ يوسف بتفهم ثم شكره وغادرا، عادا إلى المنزل، كان الجميع يرافقها في الغرفة وكذلك علي الذي إنضم إليهم مؤخراً، في انتظار إنتهاء المحلول حتى يرو نتيجته.
مر ما يقرب الستون دقيقة بدأت لينة تستعيد صوابها، مررت نظريها على الجميع وابتسمت لهم فهرول علي نحوها بتوجس:
_ عاملة إيه الوقتي؟
"الحمد لله أحسن"
قالتها فشكر الله على لطفه، نظرت حيث تقف السيدة ميمي وبحرج شديد أردفت:
_ أنا جعانة أوي يا ماما
تأثرت ميمي بطلبها وطالعتها بشفقة ورددت بتلهف:
_ يا حبيبتي، حالاً والأكل يكون جاهز
هرولت السيدة ميمي إلى المطبخ لكي تطهي طعاماً لها، صدح صوت زياد القلق في نبرته:
_ سلامتك يا لينة، قلقتيني عليكي
رمقه يوسف بغيظ ولم يعطيها فرصة الرد عليه حيث تدخل هو:
_ سلامتك يا لينة، عاملة إيه الوقتي؟
ابتسمت له وأجابت ممتنة:
_ الله يسلمكم يارب، أنا كويسة الحمد لله
بادلها يوسف بسمة ثم خرج من غرفته ليجيب على صديقه الذي لم يكف عن الرنين منذ زمن فصاح الآخر بحنق:
_ ما ترد علينا يا سي يوسف، أنت فين أنا محتاس لوحدي
أوضح له يوسف ما كان فيه:
_ لينة كانت تعبانة وكنا عند الدكتور، مكنتش هعرف أسيبها وأجي
تأفف بلال وهدر ساخراً:
_ طيب يا روميو لو جوليت بقيت كويسة تعالى عشان أبويا مطلع عين اللي خلفوني ومش سايب حد عارف ياخد نفسه ومش وراه غير فين يوسف نادي لي يوسف، يوسف مجاش ليه لما قرفت منك ومن سيرتك
سبه يوسف علناً ثم قال:
_ والله دا انا اللي قرفت منك أنت وأبوك، أقفل أنا جاي
أغلق الخط وعاد بأدراجه لغرفة لينة، اقترب منها وبحرج أردف:
_ معلش يا لينة مضطر أروح الشغل محتاجيني هناك، على عيني إني امشي وأنتِ في الحالة دي..
قاطعته برقة:
_ أنا بقيت كويسة، روح شغلك
زفر أنفاسه وهو يومئ برأسه قبل أن يردف:
_ هكلمك كل شوية أطمن عليكي لو احتجتي حاجة كلميني
تدخل زياد بإقتضاب فحديث أخيه لم يعجبه:
_ أنا هنا يا يوسف متشلش هم لحاجة..
لم يلتفت له يوسف بل صغى لكلماته وعينه لازالت مصوبة على لينة، أخرج تنيهدة ثم استدار بجسده ونظر إلى علي واعتذر منه بحرج:
_ معلش يا علي لو مكنتس مضغوط مكنتش سيبتك
أراد علي محي الحرج منه فقال:
_ ولا يهمك يا يوسف ربنا يعينك
ربت يوسف على كتفه ثم توجه ناحية الباب، توقف من تلقاء نفسه وعاد بنظريه حيث يقف علي وقال:
_ ما تيجي معايا..
عقد علي حاجبيها بغرابة وسأله بفضول:
_ فين؟
باختصار أجاب:
_ الشغل
تبادل علي النظرات مع لينة بغرابة ثم تسائل بجدية:
_ هعمل إيه هناك؟
احاط يوسف كتفيه موضحاً:
_ تعالى معايا وأنت هتعرف
رفع يوسف إصبعه وأغلق الإضاءة ثم هدر موجهاً حديثه لأخيه دون أن يلتفت:
_ يلا يا زياد سيب لينة ترتاح شوية
لم يكن أمام زياد سوى الخروج فيوسف قد وضعه في موقف حرج، أوصد يوسف الباب خلفهم حتى يغلق أمام أخيه سبل العودة للداخل، بينما غادر هو برفقة علي وبدأ يشرح نبذه عن عمله وعما سوف يفعلاه عند وصولهم حتى ينتهيا سريعاً.
***
في منتصف اليوم حيث بدأت تغرب الشمس، صدر رنينه فلم يكن سيجيب، إلا أنه كان مهماً، ابتعد عن ضجة المكان وأجاب مرحباً:
_ مراد باشا..
بعد ترحيب بينهما تحدث مراد عما هاتفه لأجله:
_ رقم العربية اللي أنت بعتهولي طلع لشوية عيال بيتعاملوا دايما مع واحد أسمه هارون صفوت، أنت تعرفه؟
طالع يوسف الفراغ أمامه بذهول ثم ردد بتأكيد:
_ ونعمة المعرفة، طبعاً أعرفه
باختصار وعملية قال الآخر:
_ خلاص يا جو تعالالي النهاردة نفتح محضر رسمي عشان نعرف نجيبه هنا قانوني
تنهد يوسف وأخبره بعدم تمكنه من الحضور اليوم:
_ النهاردة صعب أوى، بس أكيد هاجي، شكراً يا باشا
بجدية قال:
_ على إيه يا حبيبي، هستناك في أي وقت..
أنهى يوسف المكالمة وعاد إلى عمله بينما صدح صوت على جانب آخر كان يتجسس على مكالمة يوسف مع الضابط، استدار إلى اليمين حيث يجلس مديره وحادثه بلغته:
_ Mr. Andor, we found out that Yusg will report on us
( مستر أندرو، إحنا اتكشفنا خلاص يوسف هيبلغ عننا )
حاوره أندور بنبرة حاسمة:
_ Then we have to get rid of him before he takes an official action, so we don't have anything left
( يبقى لازم نخلص عليه قبل ما ياخد إجراء رسمي، وبكدا ميبقاش علينا حاجة )
أومأ هارون بقبول ثم بدأ اتصالاته وأعطى فيها أوامره بشأن يوسف.
***
حلت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، كان يوم عصيباً على الجميع، لم يستطيع أحدهم ارتشاف القليل من الماء لصرامة السيد سمير.
كان المكان خالياً إلا من يوسف وعلي، لقد سمح للعمال بالذهاب عندما انتهو من عملهم، بالكاد كان يقف يوسف على قدميه فلم تعد تتحملانه، نظر إلى علي ممتناً لوقوفه معه اليوم:
_ والله يا علي مش عارف أقولك إيه، تعبت معايا أنت النهاردة
ابتسم الآخر وأردف بحرج:
_ أنا اتبسط والله، حسيت إني ليا قيمة مش مجرد بتعب عشان شوية فلوس في الآخر مش هقدر حتى استمتع بيهم
ربت يوسف على كتفه بحنو قبل أن يدس يده في جيب بنطاله، ثم أخرج حزمة من النقود وناولها له موضحاً:
_ ودا نصيب تعبك
رفض علي أخذهم معللاً:
_ أنا ساعدتك عشان أنت أخويا مش عشان فلوس، وبعدين أنت فهمت إيه من كلامي أنا مقصدش حاجة
أسرع يوسف في محي الحرج بينهم:
_ أنت مش شوفتني وأنا بدي لكل واحد حقه قبل ما يمشي عشان تعب واشتغل، وأنت تعبت واشتغلت زيك زيهم ودا حقك، وبطل مناهدة بقى عشان أنا بطلع الكلام بالعافية
أعاد يوسف مد يده بالنقود، تردد علي في أخذهم في البداية لكنه اضطر تحت إصرار يوسف، اتسع ثغره بإبتسامة ثم عانق يوسف بحب وامتنان:
_ مش عارف أقولك إيه يا يوسف، شكراً
لكزه يوسف في ذراعه بخفة مردداً:
_ على إيه يا عبيط، دا حقك
تراجع علي للخلف فواصل يوسف قائلاً:
_ أنا ميت من الجوع، وأكيد أنت كمان مأكلتش حاجة من الصبح، فيه محل بيعمل سندوشات على أول الشارع معلش هتعبك تروح تجيب لنا منه
بحماس شديد هتف علي:
_ تمام
أولاه ظهره فلحق به يوسف قبل مغادرته:
_ استنى خد فلوس
التفت إليه علي وغمز إليه قبل أن يردف ممازحاً وهو يلوح بالنقود:
_ خلي فلوسك في جيبك يا ذوق، لسه قابض والجيب مليان
قهقه يوسف وكذلك شاركه علي الضحك ثم انطلق للخارج لكي يشتري الطعام لكليهما فلقد باتا متضورين جوعاً.
استلقى يوسف على الأريكة ممدداً قدميه على الطاولة بتعب إنهال من جسده، التقط هاتفه من جيب قميصه وكاد أن يهاتف مشاكسته إلا أنه تريث عندما وقعت عيناه على الوقت.
أرسل إليها على الواتساب لربما تكون غافية حتى لا يزعجها:
_ نمتي؟
أتاه ردها بعد قليل:
_ لأ، كنت نايمة طول النهار، النوم راح
_ عاملة إيه دلوقتي؟
= أحسن كتير والحرارة مرفعتش تاني
_ الحمدلله
= خلصتوا اللي وراكم؟
_ أيوة، لسه حالاً معتش شايف قدامي من التعب
= معلش يا سوفي، علي معاك؟
_ أها، بس راح يجيب سندوشات، حرفياً ميتين من الجوع 😌
= هتجيبو سندوتشات إيه؟
_ مش عارف، هيجيب على ذوقه
=لو علي اللي أنا أعرفه هيجيب سجق
_ اشمعنا؟
= بيموت في حاجة اسمها سجق، كانت ماما بتبعته يجيب لنا طلبات عشان تعمل لنا عشا يروح يجيب سجق ويقولها اعمليه أنا بحبه
_ لما نشوف😂
ترك يوسف الهاتف من يده حينما لمح توقف إحدى السيارات تقف أمام المكان، الصعقة الكبيرة حينما رآى ترجل رجلين ملثمين يهاجمون رجال الأمن حتى انقطع حبال أنفاسهم وسقطوا أرضاً.
كان يتابع ما يحدث كأنه يشاهد أحد الأفلام، بحث بعينيه عن شيئ يحتمي به إلا أنهما كانا أسرع وصولاً إليه، فصاح يوسف هادراً:
_ أنتوا مين؟ مين اللي باعتكم...
لم ينهي جملته بعد حتى إنهال كليهما أعلاه بالعصا الغليظة، فنال يوسف ضرباً مبرحاً، يصرخ عالياً تارة وتارة أخرى يطالبهم بأن يتوقفوا، لكن هيهات لهولاء الذئاب البشرية فلن ترحمه قبل أن ينالوا منه.
توقفا حينما رأوا الدماء تسيل من أجزاء متفرقة في جسده، ركضوا مهرولين إلى الخارج قبل أن يراهم أحد، تاركين إياه غارقاً بين دمائه التي لا تتوقف.
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية