رواية رحماء بينهم الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم علياء شعبان
رُحماءٌ_بينهم
"كمثلِ الأُتُّرُجةٍ"
]]الفصل الرابع والعشرون]]
•~•~•~•~•~•~•
حدقت فيه بعينين واسعتين يملأهما مزيج من الصدمة والاستغراب وألف سؤال يدور في عقلها الآن، تجول ببصره بين تفاصيل وجهها الرقيق وردود أفعالها حينما تندهش أو تتفاجأ، كانت جميلة؛ بل هي كذلك منذ نعومة أظافرها، لا يُنكر أن قربها يُسكر قلبه ويُذهب عقله ويجعله يعيش رغبات ومشاعر لم يعهدها من قبل أو يفكر فيها لحظةً، تمكنت أخيرًا وبعد انقضاء الدقائق من الاستفاقة إثر وقع الصدمة على نفسها؛ فتكلمت بصوت خافتٍ:
-أنا كُنت عارفة إنه إنتَ!
ابتسم بهدوء وقبض على راحتيها ثم قبل ظاهرهما وهو يرد بودٍ:
-طيب وبعد ما عرفتي أيه اللي كُنتِ ناوية تعمليه يعني؟!!
تنحنحت في خجلٍ من درجة قربه منها فتراجعت خطوتين للوراء وهي تسحب راحتيها من بين كفيه وتقول بتوترٍ:
-كُنت هشكرك، هكتب عن بطولتك معايا، أكون عارفة على الأقل إن في حد خرجني من تحت الميه بعد ما كان الموت قريب مني، مكنتش هتجنن وأنا مش عارفة أنا صحيت من الموت إزاي؟! كُنت مبسوط بحيرتي وتعبي!!
ابتسم بمراوغة وقال:
-أنا مكُنتش حابب أكون بطل في رواية أحدهم يا فندم.
وَميض وهي ترد بوجه عابسٍ:
-وكمان مش بتحترم أحزاني!
تنهد بثبات ورد:
-أنا بتكلم بجد، إنتِ صحفية وأنا راجل معروف، مكُنتش هحب أبدًا إن الخير اللي بعمله مع حد الدنيا كلها تعرف بيه وإلا ثوابه هيروح، أنا شوفته خير عملته وانتهي الموضوع، ليه أدخل نفسي في متاهات من صحافة وجرايد وكلام كتير من دا، أنا مش بتاع شو.
سكت هنيهة ثم قال بضحكة بسيطة:
-وإنتِ أي حاجة تحصل بتجري تكتبيها في الجورنال يا زهرة الخشخاش!
تنحنحت بتوترٍ بعد أن فهمت ما يشير إليه؛ سحبت طرف الخيط إلى حديث آخر؛ فقالت بنبرة ثابتة:
-طيب بما إن النهاردة يوم الاعترافات العالمي، فلو عندك حاجة تانية عايز تعترف بيها ياريت تقولها لي!
تنهد تنهيدة عميقة، لمس ربطة عنقه بهدوء أثناء تحديقه فيها بنظرات غامضة ثم بدأ يقترب منها بخطوات بطيئة بينما تتراجع هي للوراء بدورها إلى أن اصطدم جسدها بالحائط فراحت في هذه اللحظة تبتلع ريقها بصعوبة بالغة وهي تشهر سبابتها امام وجهه ثم تقول بتهديد:
-إنتَ عايز أيه؟! ابعد عني فورًا.. ابعد يا تليد وإلا والله هشوه سمعتك قدام الدنيا كلها وأقول إنك مُتحرش ومُغتصب!!
التصق بجسدها ثم مال على أذنها وهمس بصوت جذاب:
-بحبـــــك.
رجع عدة خطوات للوراء على الفور وابتسامة مُضيئة تُزين ثغره فيما تسمرت هي في مكانها تعاني ويلات ما قال؛ فلم تسمع هذه الكلمة سوى من والدها كما أنه قالها بطريقة أرجفت قلبها الذي شرع يدق بصوت ظنته مسموعًا له، أطرقت برأسها تتجنب التقاء أعينهما ثم أردفت بنبرة متوترة تخرج من حلقها بالكاد:
-روحني لو سمحت!
وضع "تليد" كفيه في جيبي بنطاله مُستمتعًا بعدم قدرتها على مُجابهة اعترافه وقال بلهجة ثابتة:
-بس دا يوم الاعتراف العالمي ولازم نستغله، أنا بلغتك باعترافي وجه دورك!
ظلت مُلتصقةً بالحائط وترفض التزحزح عنه كي لا تفقد توازنها نتيجة إخجاله لها والتلاعب بأوتار قلبها، وَميض من الفتيات العنيدات التي تتظاهر بالقوة ورفضها المشاعر في حياتها ظنًا منها أنها ستبيت ذليلة لمشاعرها إن تركتها تروح وتأتي بحرية في حياتها ولكنها في نفس الوقت تهرول بقبول إلى قلبٍ يظهر لها من الحُب ما تفتقده؛ فكُل ما حرمته على نفسها مرغوب في رواية أخرى.
تأتأت قليلًا وهي تقول برفض:
-مم معنديش اعترافات أقولها.. أنا حياتي واضحة.
سكتت للحظة ثم تابعت:
-بس عندي سؤال ليك، أتمنى تعتبره اعتراف وتجاوبني عليه!
أومأ موافقًا دون أن يتكلم؛ فتابعت هي بثبات:
-اتجوزتني ليه؟! أنا مش طرازك خالص وأعتقد مش البنت اللي عمرك اتمنيت إنها تكون مراتك، هتقول بحبك، هرجع أسألك تاني، حبتني إمتى أصلًا؟!
ثبت بصره داخل عينيها وقال:
-يمكن علشان بتفكريني بالبنت اللي كُنت بحبها في طفولتي.
وَميض ترد باستنكار:
-يعني إنتَ حبتني واتجوزتني علشان بفكرك بيها!!!
تليد بابتسامة خبيثة رد:
-أه، عنيدة ومُندفعة زيك بالظبط وعاملة فيها جامدة زُحليقة وهي بسكويت نواعم من جوا.
وَميض وهي تصيح فيه بحدة وصوت عالٍ:
-والله!!
حدق فيها بنظرات متوعدة فأسرعت بخفض صوتها في الحال وهي تكرر بغيظ:
-والله، يعني ببساطة متجوزني علشان بفكرك بماضيك؟! طب ما كنت دورت عليها أسهل!
رفع حاجبه ثم أجابها ببرود مصطنع:
-أوعي تقولي إنك غيرانة من واحدة مش موجودة في حياتنا أصلًا، دا يبقى درب من الجنون.
ضحكت بتهكم تنفي كلامه بينما يشي وجهها بمقدار غضبها وحنقها، اندفعت نحو الباب بثورة عارمة وقالت بغضب:
-روحني دلوقتي حالًا من فضلك، دا وعد ياريت تنفذه.
أسرع بالقبض على ذراعها ليوقفها ثم قال بابتسامة متوارية:
-متزعليش.. إنتِ اللي مراتي دلوقتي مش هي.
رمقتهُ بجانب عينها ثم ضغطت أسنانها وهي تقول بحدة:
-من فضلك بطل برود لأن الحوار دا كُله مش فارق لي.
تليد بثبات بعد أن قبض على راحتها وسار بها للخارج:
-خلاص تمام.
نظرت إلى كفه القابض على راحتها في ودٍ وكأنهما زوجين سعيدين وراحت تزمجر في غيظ من بروده الذي يقصد افتعاله أمامها للفتك بأعصابها.
•~•~•~•~•~•
-مساء الخير يا بطل، عامل أيه النهاردة؟!
أردف عثمان وهي ربت على كتف "كاسب" الذي رد بهدوء:
-بخير جدًا الحمد لله ولو يسمحوا لي أخرج من هنا يبقى كتر خيرك يا عثمان بيه!
ضحك "عثمان" ثم قال بثبات:
-يعني مش قادر تستحمل يومين تاني؟!
كاسب بنفي قاطعٍ:
-الحقيقة لأ، مخنوق جدًا من رقدة السرير وأنا مش متعود على الكلام دا.
أومأ "عثمان" بتفهم ثم قال:
-اعتبره حصل وجهز نفسك علشان تخرج بكرا الصبح، دا غير إن جه الوقت اللي أقدر فيه كفاءتك وتفانيك في شغلك، إنتَ بقيت واحد من رجالتي دلوقتي.
ابتسم "كاسب" ثم أردف بامتنان:
-شكرًا على ثقتك فيا يا عثمان بيه.
أومأ "عثمان" إيماءة خفيفة ثم غادر الحجرة على الفور.
•~•~•~•~•~•
جلس إلى الطاولة بوجه عابسٍ، استند بمرفقيه عليها وبقى مُحدقًا فيها دون أن لاحظ هي وجوده، كان داخله يشتعل غيظًا وحقدًا على هذا الرجل الذي سلب مكانه بينما هو الذي يتربع على عرش قلبها، تنهد "غسان" بمللٍ ثم قال:
-إحنا هنفضل قاعدين كدا للمراقبة وبس، إحنا على الحال دا من 3 أيام، نعرف تحركاتها ونمشي وراها علشان حضرتك تقعد من بعيد وتفضل تتأمل فيها، ما تاخد رد فعل بقى أو انسحب!!!
طالعهُ "عُمر" بنظرات متخاذلة تمتلىء بالغيظ والتيه وبنبرة هادئة قال:
-تفتكر أيه رد الفعل المُناسب ومن غير ما أضايقها أو تكرهني؟! أنا عايز أكسبها مش تخاف مني.
غسان وهو يرد بسرعة:
-المواجهة الصريحة يا صاحبي، تروح للجدع دا وتقول له بنت الناس دي تخصني وإنه ينسحب من حياتها بدون شوشرة ولو رفض...
قاطعهُ "عُمر" بسخرية:
-لو رفض أطلع له مطواة وأغزه ما إحنا بلطجية يا غسان.
التوت شفتي "غسان" فيما أكمل "عُمر" بحنق:
-بقول لك بحبها وعايز أكسب ثقتها تاني.. أما طريقتك دي هتقفل كل السكك المفتوحة في وشي.. دا غير يا مؤمن هل ينفع أسوء سمعتها وأنا بقول لك عايزها تكون مراتي!.. بالعقل يا غسان بالعقل يا حبيب أخوك.. كُل كُل ومتفكرليش تاني.
غسان بتذمر:
-أنا فعلًا هاكل علشان أعصابي في ذمة الله بفضلك.
أخرج "عُمر" زفيرًا عميقًا وراح يُمعن النظر في تفاصيلها التي لم يشبع منها على الإطلاق، كانت عيناه تشعان بسهام الاشتياق لها، قرر أن يُفكر في طريقة حكيمة كي يُلفت نظرها له؛ فقد اشتاق أن تخصص له نظرة من عينيها نحوه، أشار للنادل فجاء في الحال، طلب منه أن يقترب من فمه ففعل الأخير لعدة لحظات ثم أومأ بعد أن وضع "عُمر" بعض النقود في كفه وانصرف فورًا.
لحظات وعاد النادل وبدأ يوزع أطباق من الحلوى على الطاولات الموجودة في المطعم وكلما يقترب من طاولة يقول ببسمة هادئة:
-دي هدية من أستاذ عُمر لضيوف المكان بمناسبة عيد ميلاده.
التفت الناس له وبدأوا يشكرونه وما أن وصل إلى الطاولة المنشودة حتى قال جملته مرة أخرى، التفت خطيبها نحو عُمر وأومأ بعينيه شكرًا فيما أخذها الفضول أن تنظر إلى هذا الشخص وما أن وقعت عيناها عليه حتى حدقت فيه بدهشة بينما كان ينتظر أن تتلاقى أعينهما، أرسل لها بسمة خفيفة ونظرات يرجوها من خلالها، ابتلعت "رويدا" ريقها على مهلٍ ثم نظرت خلسةً إلى شاشة هاتفها تستبين التاريخ المدون على صفحة الغلق، زوت ما بين عينيها وأدركت أنها مُجرد حيلة للفت انتباهها.
حكت جبينها بانفعال متوارٍ، تدبرت ابتسامة باهتة وهي تتوجه بالحديث إلى خطيبها:
-رايحة أغسل وشي وراجعة بسرعة، بعد أذنك.
أومأ له وغادرت، قرر "عُمر" الالحاق بها، همَّ أن يعاونه "غسان" ولكنه رفض قائلًا بلهجة ثابتة:
-مش مستاهلة يا غسان، هم خطوتين وراجع بسرعة.
بدأ يدفع كرسيه بنفسه إلى أن وصل إلى الممر المؤدي إلى المراحيض وقرر في هذه اللحظة أن يقف مكانه حتى تخرج من هناك، لحظات وخرجت وهي تنظر لها بعينين مصدومتين ولكنها قررت أن تتجاهله وتنطلق للخارج فورًا، وما أن اقتربت من المرور بمقعده حتى أسرع بالقبض على ذراعها وقال بصوت مخنوقٍ:
-كفاية تعذبيني أكتر من كدا، خلاص اتعلمت الدرس!
بدأت تسحب ذراعها بحركات متذمرة ثم قالت بنبرة خافتة:
-بعد إذنك سيب إيدي، كدا ميصحش!
عُمر بصوت حادٍ:
-مش قادر.. مش قادر أتخطاكِ وأكمل.. عقارب ساعتي واقفة عند اللحظة اللي بعدتي عني فيها.. اديني فُرصة أصلح غلطي.. أنا اللي بحبك مش هو.. متخليش غضبك يضيع كُل المشاعر الحلوة اللي بينا!
رويدا باختناق:
-مفيش بينا حاجة، يادوب شوية كلام في شات وكام صورة مني وكام مُكالمة تليفون مع شخص اسمه عُمر.. شاب مُكافح وغلبان ومش معاه حق الدبلة ورغم كدا أنا قررت استناه.. أنا حبيت عُمر المُكافح.. مش عُمر الأناني اللي فاكر مشاعر الناس مُتاحة زيّ فلوس أبوه يقدر يتصرف فيها براحته.
عُمر وقد ارتفع صوته قليلًا:
-قولت لك إني غلطت وإنتِ بردو غلطتي، يعني أيه تتخطبي لواحد ومشاعرك لسه مع واحد تاني!، أنا مش مُستعد أخسرك وتكوني جزء من عجزي!.. أنا بحبــــك.. صدقي بقى ومتدوسيش على كبريائي أكتر من كدا.
اِغرورقت عيناها بالدموع وفقدت السيطرة على التحكم في قلبها الذي خرج عن طوعها ودق من جديد بانتفاضة، ابتسم بهُيام ثم رفع ذراعه إلى وجهها وبدأ يمحو الدموع التي هربت من عينيها وقال بحُب يطغى على صوته المُبتهج بقربها:
-حقك عليا.. أوعدك إني أعوضك عن كُل لحظة اتوجعتي مني فيها.
أغمضت عينيها باشتياق له ولكنها تكلمت باختناق وعتاب:
-عُمر مينفعش، أنا مخطوبة!!
في تلك اللحظة، سمعا صوته يصيح بنبرة عالية تميز من الغيظ والغضب:
-رويدا!!!!!
فتحت عينيها على وسعهما وهي تنظُر إلى مصدر الصوت بينما رمقهُ "عُمر" بنظرات حانقة وفجأة اندفع خطيبها نحو "عُمر" الذي جذبها من ذراعها وأوقفها خلف كرسيه فيما قبض الأخير على ياقته وبدأ يخنقه وسط صراخ "رويدا" التي تترجاه أن يتركه، لم يكن ينوي "عُمر" العراك وقرر أن يُخبره بالحقيقة في نقاش صريح ويتفهم الأخير ثم ينتهي الأمر هنا ولكن تفاجأ عندما بدأ يخنقه فما كان من "عُمر" إلا أن وَكل له ضربة أصابت فمه فارتد الأخير للخلف ولكنه لم يستلم فرفع ذراعه كي يرد الضرب لعُمر ولكنه وجد ذراع تكبل حركته، التفت الشاب إلى الشخص الذي يحجم حركته؛ ففاجأه "غسان" بلكمة أخرى وسرعان ما جاء مسؤولي المكان وحاولوا فض الاشتباك فقال الشاب بصوت ثائر:
-اتصلوا بالبوليس، عايز أقدم بلاغ في الحيوان دا.
رمقهُ "عُمر" بكره بينما تدخل مسؤولي المكان لفض النزاع ولكن الشاب أصر على حضور الشرطة ولكن قوبل طلبه في النهاية بالرفض بعد أن علم من مسؤول المكان أن "عُمر" هو ابن أحد رجال الأعمال الثقال ومحاولته ستبوء بالفشل، قرر "عُمر" الانسحاب من المكان وهو يسحب ذراعها للخروج معه من هذا المكان بينما تورمت عيناها من كثرة البكاء وقبل أن يتخطى الثلاثة بوابة المطعم سمعوه يقول بلهجة متوعدة عدوانية:
-أنا هفضحك يا رويدا وهخلي سيرتك على كُل لسان لازم الكُل يعرف إن سكتك شمال.
ارتفع صوت بكائها جراء كلماته، أطبق "عُمر" جفنيه في تروٍ رغم رغبته في الفتك بهذا الحُثالة الذي ظهر على حقيقته، همَّ "غسان" أن يندفع إليه مرة أخرى وينال منه ولكن أوقفه "عُمر" الذي استدار بكرسيه ثم تكلم بلهجة حازمة:
-فكر كدا إن إخواتك البنات تكون اتجاهاتهم على طول يمين وييجي عيل قذر زيَّك يشيع بين الناس إن اتجاهاتهم شمال، تخيل كدا؟!
ابتسم ابتسامة باردة تمتزج بالسخرية ثم أكمل بتهديد متوارٍ:
-وليه تتخيل يا راجل لمَّا ممكن نخليك تعيشه على أرض الواقع!
أنهى كلامه وسحبها من ذراعها ثم انصرفوا من المطعم فورًا.
•~•~•~•~•~•
التفوا جميعهم حول مائدة الطعام التي تمتلىء بكل ما لذ وطاب من أشهى المأكولات، كانت أُمسية جميلة تجمع كُل المُتحابين في لحظات من الودٍ والوجدٍ، نظرت "سُهير" في هذه اللحظة إلى الطاولتين المجاورتين لطاولتهم ثم أردفت وهي تميل قليلًا إلى أذن زوجها ثم تهمس بامتعاض:
-هم بيأكلوا عمال المزرعة من نفس الأكل اللي بياكلوه وبيقعدوهم على سُفرة كمان!!!
علَّام بصوت خافتٍ:
-أه، وركزي في نفسك والأنا الأعلى اللي هتقضي عليكِ قريب دي.
التوى شدقها ورمقتهُ بحدة، فيما تكلم سُليمان وهو يشير للجميع بالبدء:
-يلا يا غوالي مِدوا ايديكم، مستنيين الإذن ولا أيه!!
شرعوا في تناول العشاء في حالة من المرح والسلام الكامل، بينما بقيت هي عابسة الوجه لا تقرب من الطعام، وضعت "مُهرة" كفها أسفل ذقنها منخرطة في ضيقها لأنه لم يأتِ بعد فقد أخبر "تليد" أن الأعمال تراكمت على عاتقه وما أن يفرغ منها سيأتي في الحال ولكنها أرادته أن يكون بجانبها ويستغل هذا الجمع كي يتقدم لها ويحظى بدعم والدتها التي تنتظر خطوته.
-الحقيقة الأكل له مذاق خاص ما شاء الله، يسلم إيد اللي عمله.
أردف "عِمران" بمصداقية خالصة، ابتسم "سليمان" وقال متوجهًا بالنظر إلى "رابعة":
-خالتك رابعة هي اللي بتعمل الأكل هنا والحق يقال من بعد أكلها مدوقتش.
ابتسمت "رابعة" بسعادة وقالت:
-ربنا يعزك يا شيخ سليمان وبالهنا والشفا على قلوبكم كلكم.
-أوبسسسسس، ماما معاكِ منديل بسرعة!
صاحت "وَميض" بتلك الكلمات وهي تنظر بضيق إلى بقع الصلصة التي انسكبت على ثوبها، أسرعت "سهير" تُقلب في حقيبتها عن مِنديلٍ ولكنه سبقها وراح يلتقط مِنديلًا ويقوم بإزالة البقع بنفسه وسط نظرات الجميع المُعجبة بهذا الثنائي، نجح في إزالة الوسخ ثم بلل مِنديلًا آخر بالماء وراح يمسح الثوب من جديد كي يزيل الأثر وما أن انتهى حتى التقط مِنديلًا ثالثًا ثم فرده وقام بوضعه على صدرها بعد أن أطبق أطرافه بأطراف ثوبها وقال بغمزة من عينيه:
-كملي أكلك بقى!
توترت للغاية من تصرفه الصبياني كالغمزات والنظرات ولكنها لم تستطع التغافل عن طريقة اهتمامه بها والتي تعجبها كثيرًا، في هذه اللحظة صاح "نوح" من بعيدٍ يقول بمرحه المُعتاد:
-أيه الجريمة الكاملة دي، بتاكلوا من غيري؟!!
تهللت أسارير وجهها وهي تلتفت بجذعه العلوي للخلف في لهفة ظهرت جليةً للجالسين، ضحك "تليد" ثم قال بهدوء:
-ما إنتَ مشغول بقى ومش فاضي لنا.
سليمان وهو يحثه على التقدم والجلوس في مقعده الفارغ:
-يلا يا نوح يابني قبل الأكل ما يبرد.
جلس إلى مائدة الطعام وما أن التقط ملعقته وهم أن يبدأ وجدها تقول بابتسامة صفراء متوجهة بالحديث له:
-إزيك يا نوح!!!
قالتها "وَميض"؛ فتنحنح رامقًا إياها بشك وقال بقليل من التوتر:
-الحمد لله.
•~•~•~•~•~•
-أستاذ كاسب اتعشى ولا لسه؟!
أردفت "سكون" بتلك الكلمات تسأل الممرضة التي نفت وهي تقول:
-لسه يا هانم، الممرضة المسؤولة عنه بتخلص شغلها مع مريض تاني ورايحه له.
ردت "سكون" باندفاع ونفي:
-لا لا مش مهم، أنا هقوم بالمهمة دي.
ذهبت الممرضة وجلبت لها العشاء الخاص به فتحركت "سكون" بسرعة نحو غرفته بمنتهى السعادة والنشاط وكي تخبره بأنه حصل على خروج رسمي، وصلت إلى باب الغرفة وقبل أن تفتحه سمعت هذه الجُملة التي جعلت صينية الطعام تسقط فزعًا من يدها.
-وأنا مش هرتاح غير لمَّا أخد بتاري من عثمان السروجي.
•تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية