رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم شمس حسين
مسارات القدر
كنت قاعدة في الشركة زي العادة أوراقي حواليا واللابتوب قدامي، يومي بقي كده كل شغلي بقي في حدود المكتب والكورسات و الدورات اللي ياخدها وبس، بصراحة مكنتش عارفة أضحك على نفسي وأقول إني راضية زي ما دكتور أشرف قالي، بس أهو اللي حصل وخلاص، وأنا قاعدة شفت خالد وسما بيجهزوا علشان ينزلوا الموقع، ماسكين الخوزات والأوراق، ووشهم كان بيقول كل حاجة، كانوا زعلانين عليا أكتر من زعلي على نفسي، في اللحظة دي سما قربت مني، نظرتها كانت كلها عتاب: “مش فاهمة هما ليه منعوكي من النزول؟ إنتي أكتر واحدة المفروض تكون موجودة يا شمس”، رفعت عيني ليها وابتسمت، يمكن أقدر أطمنها:
“خلاص يا سما، هما شايفين كده، وأنا محترمة قرارهم” ،خالد كان واقف جنبها، دخل في الكلام وقال: “بصراحة، أنا مش فاهم القرار ده، عدم نزولك الموقع خسارة كبيرة لينا يا شمس”، بصيت لهم، وقررت ألبس قناع القوة اللي خلاص حفظت شكله: “ولا خسارة ولا حاجة، يا خالد، أنا هتابع كل حاجة من هنا”، حاولت اغير الجو، قمت وجبت كوباية شاي بلبن، وقفنا في الممر بنتكلم عادي، وكأن مفيش حاجة مضايقاني، خالد وسما كانوا بيحاولوا يبانوا طبيعيين، بس عيونهم كانت بتقول كل حاجة، وأنا بتكلم معاهم، لقيت أحمد وصل، كان ماسك أوراق وتصاميم، أول ما شافنا قال لخالد:
“خد الأوراق دي، وروح مع سما، أنا مش نازل الموقع النهارده، عندي شغل تاني”، بصيت له، بنظرة عتاب مقدرتش أخبيها ومسكت نفسي ومشيت على مكتبي، سبتهم يكملوا طريقهم وأنا جوه قلبي كان مليان أسئلة مالهاش إجابة.
وأنا قاعدة في مكتبي بحاول أنهي الشغل اللي قدامي، فجأة لقيت ندى داخلة عليا، وباين عليها مستعجلة، قالت برسمية: “بشمهندسة شمس، بشمهندس أحمد بيقول لحضرتك تجهزي علشان نازلين دلوقتي”، رفعت عيني لها باستغراب وقلت: “نازلين فين؟” ندى هزت كتفها وقالت: “معنديش فكرة، هو قالي أبلغ حضرتك كدا”، لحظة صمت مرت عليا حسيت الدم بيغلي في عروقي، الطريقة دي إنه يطلب مني حاجة من غير ما يشرح، كانت مستفزة جدًا بالنسبة لي، ليه كل مرة نفس الأسلوب، بيدي أوامر وخلاص، أخدت نفس عميق، وبكل هدوء مصطنع قلت لها: “طيب ممكن تبلغي حضرته إني مش هاجي، وإني معنديش أي حاجة تخص خروجي النهارده معاه، كل شغلي هنا في المكتب، ويومي مليان”، ندى بصت لي بذهول، كأنها مش مصدقة اللي سمعته، و ده طبعا لأن اللي عرفته خلال فترتي القصيرة في الفرع ده أن بشمهندس أحمد محدش بيرفض له طلب، واخد علي أنه يعطي أوامر و الكل ينفذ وبس، فجأة لقيتها بتقولي: “حضرتك متأكدة؟”، ابتسمت لها بثقة وقلت: “آيوا متأكدة، لو في أي حاجة مهمة مطلوبة مني، ياريت تتحط في البروجرام بتاعي من اول اليوم غير كدا لأ”، ندى مقالتش حاجة، بس ملامحها كانت بتقول كل حاجة، ورجعت تمشي وهي لسه مستغربة من رد فعلي، وأنا فضلت مكاني، حاسة بموجة صغيرة من الانتصار، حتى لو كانت مؤقتة.
بعد شوية لقيت سارة داخلة عليا، بصت لي بنظرة مترددة وقالت برسيمة شديدة: “بشمهندسة شمس، بشمهندس أيمن عايز حضرتك في مكتبه، لو سمحتي”، طبعًا مكانش في داعي أفكر مرتين، كنت عارفة أن أحمد السبب أكيد، قمت من مكاني، وأنا حاسة بغليان جوايا من كل اللي بيحصل، مشيت بخطوات سريعة، والغضب لأول مرة كان ماليني، و أول ما وصلت مكتب أيمن ودخلت، لقيت أحمد قاعد معاه، اتاكدت أن توقعي في محله، لكن قبل ما أيمن يبدأ يتكلم، قررت أنا أتكلم بصيت له مباشرة وقلت بنبرة هادية بس حادة بعض الشيء: “بعد إذنك يا بشمهندس أيمن، أنا محتاجة أفهم حاجة، سيستم الشركة هنا ماشي إزاي بالضبط؟”، وقفت لحظة، صوتي كان بدأ يهتز بس حاولت أكمل: “المفروض إني مهندسة، وليا برنامج شغل يومي بمشي عليه، و إني جاية هنا علشان أتعلم زي ما حضرتك طلبت مني، وأفيد الشركة وأستفيد في نفس الوقت، يعني منفعة متبادلة”، بدأت دموعي تنزل، وحاولت أمسك نفسي، بس الكلام كان لازم يتقال، “أنا مش جاية هنا علشان آخد أوامر عشوائية، ومش بحب المفاجآت في شغلي، أي ظرف طارئ ممكن يحصل أكيد هقدره و أتعامل معاه، و اي شيء عندي علم بيه مسبقاً اكيد هحترمه و انفذه، لكن اللي بيحصل ده مش طبيعي، أنا عمري ما اشتغلت بالطريقة دي”، سكت لحظة عشان أتمالك نفسي، بس دموعي مكانتش بتوقف و مسحتها بإيدي بسرعة وكملت: “ده الفرع الرئيسي للشركة، والمفروض يكون فيه نظام والتزام أكتر، لكن أنا بشوف قرارات بتتاخد وبعدين بيتم التراجع عنها بعدها، وبصراحة في أمور تانية بتحصل هنا مش قادرة اتماشي معاها، أنا بعتذر”، كل كلمة كنت بقولها كانت بتطلع بصعوبة، وأنا بحاول أوقف دموعي، لكن مكنتش قادرة، أيمن كان واقف قدامي مذهول، وأحمد منطقش كلمة، وقفت في مكاني بعد ما خلصت، ماسكة نفسي بصعوبة.
أيمن وقف فجأة واتجه ناحيتي بدون ما يقول كلمة و طلب اقعد وبعدها هو قعد قريب مني ومسك منديل من على المكتب مدهولي بهدوء، مسحت دموعي وبصيت له، قال بنبرة دافية: “طيب ممكن أعرف إنتي بتعيطي ليه دلوقتي؟”، دموعي موقفتش وبصعوبة قلت: “علشان الكلام اللي أنا قلته…”، ابتسم وهو بيهز رأسه وقال: “أنا معاكي في كل كلمة قلتيها، وفعلاً عندك حق، بس خليني أوضحلك حاجة… الشغل هنا في الفرع الرئيسي مختلف عن باقي الفروع، الضغط هنا كبير، وكل يوم في مفاجآت بتحصل، إحنا بنتابع الفروع كلها جوه مصر وبره، ومشاكل كبيرة بتظهر علينا فجأة، فطبيعي تحسي إن فيه شوية عشوائية، بس ده غير مقصود”، سكت لحظة عشان يديني فرصة أستوعب كلامه، وبعدين كمل: “أما بالنسبة للشغل اللي بيطلب منك خارج برنامجك اليومي، فده أنا اللي بطلبه، ده كان اتفاقي معاكي، اي حاجة عايزك تتعلميها بوجهك ليها، ولو ده مدايقك أو حاسة إنه ضغط عليكي، قوليلي بصراحة، وأنا هخليك تلتزمي بشغلك وبس، أنا مش عايز أشوفك زعلانة، أنا عايز مصلحتك، وصدقيني… بعتبرك زي بنتي”، كنت قاعدة بسمع كلامه، ولسه بمسح دموعي اللي مش راضية تقف، كنت متأثرة جدًا، ولما خلص كلامه قلت له بصوت مكسور: “أنا آسفة”، ضحك وقال بابتسامة دافية: “مش محتاج اعتذار منك، و ياستي كويس إنك طلعتي كل الطاقة اللي جواكي علشان تكوني فايقة في الاجتماع الجاي”، بصيت بطرف عيني على أحمد اللي كان واقف بيتابع، و وعيونه في الأرض وقلت لأيمن: “اجتماع إيه؟”، رد عليا وقال: “هتروحي مع أحمد تقابلي التيم بتاع الفرع الالماني علشان تشوفوا آخر التطورات هناك”، رجعت تاني اتعصبت بس بطريقة لطيفة وانا ببص علي أحمد: “بعد إذنك يا بشمهندس أيمن، أي مكان هروحه بعد كدا ياريت يتم تبليغي بيه بطريقة رسمية، أنا مش عايزة أسمع ‘جهزي نفسك علشان نازلين’ و ‘حصليني علي العربية’ دي تاني”، ضحك جدًا بصوت عالي وقال: “اااه…. هو ده بقي اللي مضايقك وخلّاكي تنفجري في وشنا كده؟”، ضحكت وأنا مسحت دموعي، وهو فضل يضحك معايا، وأحمد كان واقف بيتابع بابتسامة خفيفة، بعدها أيمن بصله وقال: “معلش يا أحمد، بلغ شمس بعد كده بطريقة أحسن من كدا!”، أحمد ابتسم وقال: “تمام يا عمي، أنا رايح أجهز على ما تخلصوا”، وخرج أحمد من المكتب، وأيمن رجع لي وقال بابتسامة: “معلش، استحمليه، هو فعلاً طريقته كده، هو متعود علي كدا للأسف”، وبعدها غمز و قالي: “بس هيتغير”، استغربت من حركته و بعدها هزيت دماغي وقلت بهدوء: “حاضر”، قمت وقفت و قبل ما اوصل للباب ناداني: “شمس، ركزي في الاجتماع ده كويس جدًا، عايز تقرير منك إنتي شخصيًا”، قلت بابتسامة: “حاضر”، ورجعت على مكتبي.
أخدت شنطتي واللاب بتاعي وخرجت من المكتب لقيت أحمد واقف مستنيني في الممر، مشيت معاه لحد ما وقفنا قدام الشركة، فجأة لقيت عمو فكري بيديله مفتاح العربية، بصيت له باستغراب من فكرة أنه هو اللي هيسوق، فتح لي باب العربية بهدوء، ركبت من غير ما أتكلم، وبعدها هو كمان ركب والعربية اتحركت، فضلنا ساكتين شوية، أحمد كان باصص قدامه بملامح جامدة، وأنا كنت حاسة إن الجو مشحون بشكل غريب، فجأة، وقف على جنب بطريقة مفاجئة خضتني، بصيت له باستغراب، وفضلت محتفظة بصمتي، هو فضل ساكت دقيقة أو اثنين، وبعدين بصلي وقال بصوت هادي: “أنا آسف”، حسيت بإحراج، وبعدت عيني عنه بسرعة، حاولت أقول حاجة، بس سكتت، رجع هو يتكلم، صوته كان مليان لطف مكنتش متعودة عليه منه: “مكنش قصدي أضايقك أو أوصلك الشعور ده، أنا فعلاً مش واخد بالي إن أسلوبي ممكن يزعج حد، خاصةً إن كل الناس هنا متعودة على طريقتي دي، إنتي الوحيدة اللي لفتت نظري إن الطريقة دي ممكن تكون غلط”، سكت لحظة وبص لي، وكمل: “أنا حقيقي بحترمك جدًا، وصدقيني مكنتش قاصد ابدا اتعامل معاكي كإنك بتاخدي أوامر”، كنت لسه حاسة بالارتباك، ودماغي مش قادرة تستوعب طريقته في الكلام، فضلت ساكتة شوية، وبعدين بصيت له وقلت: “تمام…حصل خير”، ابتسم ابتسامة صغيرة وهو بيبص قدامه وبعدها العربية رجعت تتحرك، وأنا كنت قاعدة ببص قدامي وكلامه بيتكرر في دماغي، مش فاهمة! كل شوية بحكم عليه بطريقة مختلفة، وكل مرة بيوريني حاجة جديدة عنه، مع كل موقف اشوف تصرفه اقول خلاص انا فهمت شخصيته وبعدها علطول الاقي شخصية تانية قدامي ترجعني لنقطة الصفر، هو أحمد ده طيب ولا قاسي؟ متعجرف ولا حساس؟ شخص فاهم ولا حد بيخبي وراه حواجز؟، حقيقي مش عارفة.
بعد وقت وصلنا مكان الإجتماع، دخلنا الكافيه، كان المكان واسع وفخم، مليان تفاصيل تدل على الرقي، سأل احمد عن الحجز باسمه و بعدها وصلنا لطاولة في ركن هادي، قعدنا و بعد دقايق جه النادل علشان يشوف نشرب أي أحمد طلب قهوة سادة وبعدين بص لي وسألني: “تحبي تشربي إيه؟”، كنت مرتبكة وقلت: “مش عايزة حاجة، شكراً”، لكنه ببساطة قال للنادل: “هات شاي بلبن… سكر برا”، اتصدمت شوية وبصيت له باستغراب، لأنه اختار مشروبي المفضل بالضبط، كنت عايزة أسأله عرف منين، لكن سكتت وقررت اخلي تركيزي كله علي الإجتماع، بعد شوية كسرت الصمت وقلت: “التيم هيجي إمتى؟”، رد عليا بهدوء: “صالح و رنا المفروض يوصلوا كمان شوية و التيم معاهم”، سألته باستغراب: “مين صالح و رنا؟”، وقبل ما يجاوب، شفت اتنين داخلين من الباب، شكلهم عفوي ولطيف، واضح إنهم مقربين منه، أول ما شافوه سلموا عليه بحرارة، وبعدها توجهوا ناحيتي، رنا، بنت ملامحها مليانة حياة وابتسامة مشرقة، بصت لي وقالت لأحمد وهي بتضحك:
“مين الجميلة دي؟”، أحمد رد وهو بيبصلها بابتسامة خفيفة: “دي بشمهندسه شمس، انضمت لنا في الفرع الرئيسي من قريب”، رنا بصت لي وكأنها بتحاول تفهمني وقالت: “شمس؟ اسم جميل… بس شكلك مش أي حد يا شمس علشان تكوني هنا، عمي أيمن مبيسمحش لحد بسهولة يحضر الاجتماعات دي”، بعدين ضحكت وقالت: “ينفع أقولك يا شمس بس؟”، ابتسمت وقلت: “عادي، طبعاً”، أما صالح، فكان شاب طويل وملامحه واثقة، سلم عليا بلطف وقال وهو بيتكلم مع أحمد: “أهلا بيكي معانا يا شمس، يعني كدا انتي جيتي بعد ما أنا سافرت؟”، أحمد رد بسرعة: “أيوه، بعد ما سافرت علطول”، رنا دخلت بسرعة وهي بتتكلم بحيوية: “طيب خليني اعرفك علينا… أنا بقي ياستي مسؤولة العلاقات العامة في الشركة، وبنت عم أحمد، وده صالح، مهندس زيكم، وابن عمه برضو”، صالح ضحك وقال لها: “غريبة، أول بنت تتعرفي عليها ومتقوليش إننا متجوزين!”، رنا ضحكت بصوت عالي وقالت: “لأ، علشان شمس شكلها طيب، عيونها هادية، مش شريرة زي باقي البنات اللي بنشوفهم”، صالح ضحك وقال لي: “بصراحة يا شمس، رنا مبتفوتش فرصة، مفيش مرة نتعرف على حد جديد إلا وتقول له علطول إننا متجوزين، بتقطع عليا الطريق فوراً!”، رنا ردت وهي بتضحك:
“ماهما اللي بيحطوا عينهم عليك فوراً، فبقطع عليهم الطريق من أولها!”، ضحكوا هما الاتنين، وأحمد كان بيبتسم علي شكلهم بهدوء، الطاقة اللي كانت بينهم كانت مرحة بشكل مريح، أنا كنت قاعدة مبتسمة، ومش مصدقة إن في ناس كده بالبساطة واللطف ده، بعد شوية أحمد قطع الضحك وقال لصالح: “طيب المهم دلوقتي فين الفريق الألماني …. جاي لوحدك ليه؟”، صالح رد وهو بيهز رأسه: “والله كنت رايح أجيبهم من المطار، بس قالوا الطيارة اتأخرت شوية، قلت نسبق ونتكلم هنا لحد ما يوصلوا و سيبتلهم العربيات هناك بالسواق”، بعد ما خلصوا كلام قعدنا نراجع الشغل، وصالح و رنا كانوا بيعلقوا بنكت عفوية طول الوقت، كان واضح إنهم نسخة مختلفة تماماً عن أحمد، لكن بشكل ما كان فيه توازن عجيب بينهم.
لما وصل الفريق الألماني، بدأ الاجتماع علطول، قعدت في الأول ساكتة، بتابع كل حاجة بصمت، كنت حاسة إن كل اللي بيتقال كبير عليّا وكلها تفاصيل مش فاهماها، كنت محتاجة وقت أفهم الموضوع، وأتأكد إن دماغي مش هتقف وسط الحسابات والهندسة دي كلها، أحمد كان قاعد جنبي، وكل شوية يشرح لي نقطة أو يفهمني حاجة كنت تايهة فيها، كان بيبسط الكلام بشكل مريح، بيخليني أفهم من غير ما أحس بالتوتر، مع الوقت، بدأت أركز أكتر، وفعلاً حسيت إني اتعلمت حاجات كتير جديدة، التصاميم اللي كانوا بيتكلموا عنها كانت مذهلة، تفاصيل معقدة وأرقام دقيقة، كنت ماسكة الورق، ببص في الرسومات، ومش مصدقة إني جزء من الفريق ده، كنت بحاول أستوعب كل حاجة، وفي نفس الوقت كنت ببص لأحمد كل شوية، ألاقيه بيشرح لي حاجة أو يشاور لي على نقطة مهمة، لكن وسط ده كله، مكنتش قادرة أتجاهل نظرات رنا وصالح، كانوا قاعدين قريب، وكل شوية يبصلوا لي أنا وأحمد بطريقة غريبة، وكأنهم بيحاولوا يحللوا تصرفاتنا أو يفهموا حاجة مش واضحة، النظرات دي كانت بتوترني، وخلتني أفقد تركيزي أوقات كتير، الاجتماع كان طويل، وكان فيه شغل كتير، كل شوية كنت بحس إن دماغي قربت تخلص، بس أحمد مكانش بيسيبني، كان دايمًا موجود بيوضح لي اللي مش فاهماه، ومع كل تصميم، كان يشرح لي التفاصيل بلغة بسيطة، لحد ما حسيت إني فعلاً استفدت، ولما الاجتماع خلص، الفريق الألماني خرج مع صالح، وفضلنا أنا وأحمد و رنا، كنت تعبت ومحتاجة أمشي، فبدأت ألم حاجتي، وقلت بهدوء: “هستأذن، شكرًا جدا على النهارده”، أحمد بص لي وقال بحزم: “استني، أنا هوصلك”، رفعت عيني عليه، مستغربة طريقته، وقلت بابتسامة صغيرة: “لا، شكرا جدا هروح لوحدي”، رنا تدخلت بسرعة وقالت وهي بتبتسم: “مينفعش كده، هنوصلك إحنا”، هزيت راسي وابتسمت بلطف: “بجد متشكرة، بس أنا مش رايحة البيت، عندي مشوار ضروري، هقابل صاحبتي لسه راجعة من السفر”، مقدرتش أطول اكتر في الكلام، واستأذنت وخرجت.
لما خرجت من الكافية اخدت تاكسي و روحت مباشرة على بيت نور، كنت محتاجة أشوفها بعد الغياب الطويل ده، كنت عارفة إنها كانت فترة صعبة عليها، وكنت عايزة أكون جنبها من أول ما رجعت، قبل ما اوصل كانت ماما هناك قبلي قاعدة مع نور ومامتها، دخلت لقيتهم بيتكلموا ويحكوا كأنهم بيحاولوا يخففوا عنها سلمت عليهم بسرعة، ونور قامت تحضني جامد كأنها بتفضفض بحضنها، بعدها أنا ونور دخلنا على أوضتها، قعدنا سوا وبدأنا نحكي، كنت حاسة إن الليالي اللي فاتت كلها كانت واقفة هنا، مستنيانا نفتح مواضيعنا، نور بدأت تحكي لي عن الفترة اللي فاتت، وعن الأيام الصعبة اللي عاشتها هناك، كانت بتحاول تخبي ألمها وهي بتتكلم عن خطيبها، بس عينيها كانت بتفضحها: “كنت فاكرة إني قوية، يا شمس… بس طلعت مش قد الوجع ده، فجأة ألاقي نفسي لوحدي، ولازم أرجع وأواجه كل حاجة هنا من غيره”، كنت قاعدة ساكتة، مش عارفة أقول إيه يخفف عنها، حضنتها وقلت: “أنتي مش لوحدك، يا نور، أنا هنا معاكي دايمًا”، بعد ما خلصت كلامها، ابتدت هي كمان تسألني عن شغلي، وعن حياتي في الشهور اللي فاتت، حكيت لها كل حاجة، عن أحمد وطريقته اللي مش مفهومة، وعن الضغوط اللي حاسة بيها، و عن دكتور اشرف، عن كل شيء، كانت نور بتسمعني باهتمام، وبتحاول تهون عليا بكلامها، الوقت معاها عدى بسرعة، وماما نادت عليا علشان نمشي، وأنا خارجة، وعدت نور إننا هنشوف بعض بكرا، قالت لي وهي بتودعني: “بكرة بقى نكمل حكي، مش هسيبك تمشي بسهولة”، ضحكت وقلت لها:
“جاهزة… بكرا إجازة وهستلمك”، رجعت البيت، وأنا حاسة إن الليلة دي كان فيها شوية راحة وسط كل الزحمة اللي جوايا، نور…. رغم كل اللي مريت بيه، كانت لسه الشخص اللي بيفهمني من غير كلام كتير.
في اليوم التالي، صحيت من بدري عشان أكون جاهزة لليوم الطويل اللي هقضيه مع نور، كان لازم أخرجها من الحزن اللي هي فيه، مهما كانت الظروف، رحت علشان أجهز نفسي بسرعة، لبست دريس صيفي بسيط ابيض و فيه نقوش ورد بسيطة بلون بينك و طرحة من نفس لون الورد و تحته شميز ابيض وكوتش رياضي من نفس اللون، كان في قلبي أمل إن اليوم ده هيفرق معاها، لما نزلت رحت أجيب نور من بيتها، وبعدين اتجهنا لمكان بسيط على النيل، كان الجو هادي ومريح، وكان المكان مناسب جدًا علشان نبدأ يومنا، قعدنا نفطر مع بعض، وكل واحدة فينا كانت بتحاول تخرج التانية من حالة الحزن اللي كانت عايشة فيها، و بين الحزن والضحك والدموع، الوقت مر بسرعة، وكل مرة بنضحك مع بعض فيها كان كأننا بنرجع لأيام زمان، بعد كده قررنا نتمشى شوية في الشوارع، نأكل آيس كريم، ونعيش اللحظة سوا، وفي نص اليوم تقريباً، وإحنا قاعدين في مكان هادي، فجأة رن تليفوني، كان دكتور أشرف، استغربت شوية وبعدها رديت بسرعة، لقيته كالعادة بيقول بهزار: “البشمهندسة بتاعتنا فاضية شوية”، رديت عليه و انا لسه مستغربة و بضحك علي طريقته: “خير؟ في أي؟”، قالي: “عايز مساعدتك لو فاضية، انهاردة ياستي عيد ميلاد لينة، وعايزك معايا علشان نختار لها هدية لأني مليش في جو الهدايات ده خالص و مش عارف أتصرف ازاي و ملقتش قدامي غيرك”، ابتسمت وقلت له: “طبعا، هساعدك، مفيش مشكلة، بس في حد هيجي معايا تمام؟”، رد عليا وقالي:” مفيش مشكلة مستنيكي”، نور كانت ساكتة ومفهمتش في البداية، بس بعد ما قفلت الفون قلت لها: “يلا، هنروح مع دكتور أشرف علشان نساعده في اختيار هدية لبنته”، نور كانت مستغربة وقالت لي: “إيه؟ فين؟”، قلت لها: “هنروح لمركز ألعاب الأطفال علشان نختار هدية، هو مستنينا هناك يلا”، قالت لي:” وانا مالي.. لا أنا مش عايزه أروح يا شمس”، قلت لها وأنا بحاول استعطفها علشان توافق: “يا نور دي بنت صغيرة، و والدتها متوفية، و أهله كلهم مقاطعينه، ومش عارف يجيب هدية لبنته، يعني مين هيساعده طيب… قومي علشان خاطر البنت”، قالت لي:” ماشي يا ستي مقولتش حاجة روحي إنتي”، قلت لها :” يا نور انتي عارفة كويس اني مبفهمش أنا اي حاجة في ألعاب البنات دي هروح و هيبقي منظري عبيط اووي قدامه تعالي انتي علشان تساعدينا يلا”، بعد ما فضلت اصر عليها وافقت، و بعد وقت بسيط وصلنا لسنتر الألعاب، وبدانا نتفرج علي ما يوصل أشرف، اول ما وصل عرفته علي نور، وبعدها بدأنا نختار الهدية، طبعا انا مكنتش فاهمة اي حاجه في الالعاب ولا عارفة اختار اي بس نور اندمجت اكتر مع الموقف و بدأت تسأل أشرف علشان تعرف تفاصيل أكتر عن ذوق لينة علشان تلاقي الهدية المناسبة، وانا كنت بتفرج علي الألعاب في وادي تاني، لحد ما لقيت بلورة زجاج لونها بينك جواها عروسة لابسة فستان أبيض و بتلف جواها مع الموسيقي، كان شكلها جميل و خطف نظري علطول، فضلت واقفة قدامها شوية، و بعدها لقيت نور و اشرف بينادوا عليا بعد ما خلصوا و اشتروا الهدية، اخدت البلورة وقررت إني أشتريها وأديها لأشرف كهدية مني لـ لينه و قلت له: “دي هدية مني لـيها”، اتفاجئ شوية و بعدها شكرني، لكن قال: “مش هينفع يا شمس، لازم تديها الهدية بنفسك”، سألته: “ازاي بس؟ هي مش معاك دلوقتي!، خلاص خدها و اديهالها بالنيابة عني”، فجأة، قال لي: “لا ماهو انا عندي مفاجأة تانية كنت لسه هقولك عليها، مش احنا اتفقنا في اخر جلسة إنك هتبدأي تحققي اللحظات اللي معرفتيش تعيشها وانتي صغيرة؟”، بصيتله باستغراب و قلت له: “مش فاهمة”، قالي: “بصي يا ستي لينة عايزة عيد ميلادها يكون في مدينة الملاهي، وانتي كمان لازم تروحي الملاهي، علشان كده إحنا مقدمناش غير ساعة بالظبط، علشان استاذة لينة مستنينا مع عمها هناك”، بصيت لنور، وحسيت إن دي فرصة ممتازة علشان أخرجها من الحزن اللي هي فيه خصوصاً أن نور بتعشق حاجة اسمها ملاهي، قلت لها: “يلا بينا هتيجي معايا”، نور حاولت ترفض وقالت: “لا يا شمس، مش عايزة أروح”، بس مسمعتش كلامها و اخدتها معايا و خرجنا.
وصلنا مدينة الملاهي، أول ما دخلت كنت مبهورة من شكلها، الجو كان مليان بالضحك والناس مستمتعة، وكل حاجة حواليا كانت مليانة حياة وألوان، كنت لأول مرة في حياتي أزور مكان زي ده، وأكيد كان ليه طابع خاص، حاجة جديدة ومختلفة تمامًا، كنت حاسة كأني طفلة صغيرة، كان جوايا مشاعر مختلطة بالفرحة والمفاجأة، بصيت علي نور لقيت ملامحها لانت كنت عارفة أنها هتنبسط لما تيجي هنا، بصيت علي أشرف لقيته كان بيتكلم في الفون و لما خلص جيه عندي، و قلت له :” هي لينة فين؟”، قالي:” يلا هنروح عندها”، أخدنا و فضلنا ماشين بنبص حوالينا و لسه في عيني لمعة الانبهار، فضلنا ماشين 5 دقائق وبعدين قلت له:” هي فين لينة؟”، لقيته بيشاور علي عربية غزل بنات كان واقف قدامها واحد طويل و جنبه بنت صغيرة لابسة فستان بينك في أبيض، ونده بصوت عالي:” لينة”، البنت بصت له و جريت عليه، و الشخص اللي معاها دفع فلوس غزل البنات و بص إتجاه ما احنا واقفين و هو بيبتسم، في اللحظة دي قلت بصوت محدش سمعه غير نور: “أحمد!”.
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير) اسم الرواية