رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل السادس والعشرون 26 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل السادس والعشرون»
***
"للدرجة دي الكلام صعب، مش عارف تقوله!"
هتفت لينة بتعجب لرؤية تردده المبالغ، ناهيك عن فركه لأنامله طيلة وقوفه أماما، أخرج زياد تنيهدة قبل أن يردد وهو منكس الرأس لا يقدر على النظر في عينيها:
_ الموضوع غريب عليا ومش شبهي، ومش عارف أقول إزاي بس أنا عايز أقول..
صمت حينما فشل في مواصلة حديثه فهتفت هي متسائلة:
_ عايز تقول إيه؟ قول من غير كل التردد دا
أماء بالإيجاب ثم طالع عينيها لثوانٍ قبل أن يهتف:
_ أنتِ طالق...
تفاجئت لينة بما قاله، بينما زفر هو أنفاسه براحة عندما استطاع نطقها، شكل بسمة وأردف بحرج وهو يفرك أنامله:
_ أنا مش عارف نطقتها إزاي، الموقف غريب أوي، بس كدا أحسن، الوضع من الأول كان غلط وكان لازم يتصلح، يوسف يستاهل كل حاجة حلوة تحصله عشان هو عملنا كل الحلو من غير ما نطلبه، أنا لو كان أبويا عايش مكنش عمل اللي يوسف عمله، ولو دي حاجة ترد اللي عمله معايا فأنا بجد راضي..
غمز إليها بمشاكسة قبل أن يواصل ممازحاً:
_ ومتفكريش إني كنت حابب الوضع يعني، أنتِ عمرك ما كنتي غير أختي يا لينة
أخفض رأسه بحرج شديد متذكراً فعلته الوقحة وبندم تابع:
_ ومتزعليش من أي موقف بايخ عملته معاكي، طيش شباب بس كان زايد شوية..
رفع بصره نحوه مطالعاً عينيها المتأثرة بحديثه وقال:
_ ربنا يسعدكم..
فرت دمعة من عيناي لينة فقامت بمسحها ثم حاولت الإبتسام وهتفت:
_ ربنا يخليك لينا يا زيزو، أنت أحسن أخ ليا وليوسف، وبجد موقفك دا عمري ما هنساه أبداً
أشارت بيدها على قلبها قبل أن تواصل مسترسلة:
_ جدعنتك هنا، في قلبي
تبادلا إبتسامة راضية، ثم انضم إليهما علي متسائلاً عن سبب وقوفهم:
_ بتعملوا إيه هنا؟
ربت زياد على كتفه وهتف:
_ لينة تبقى تعرفك بقى، أنا داخل الأوضة..
تركهما وعاد إلى الغرفة، بينما تبادلت لينة النظرات مع شقيقها ثم صاحت بسعادة:
_ شكل الحلم بدأ يتحقق يا علي
ضاق بعينيه عليها وتسائل بعدم استيعاب:
_ حلم إيه؟، مش فاهم حاجة
عضت على شفتيها مبتسمة بعذوبة وبدأت تخبره ما حدث منذ قليل تحت نظراته المتفاجئة لما يصغي إليه..
***
مساءاً، قد حان موعد زيارة يوسف، وقف الجميع أمام باب الغرفة فأبلغتهم الممرضة ببعض التعليمات:
_ لو سمحتم بلاش دوشة و١٠ دقايق ونخرج عشان المريض يرتاح
أماءوا لها بقبول ثم دلفوا واحد تلو الأخرى حتى باتوا جميعاٌ في الداخل، فتح يوسف عينيه إثر صوتهم ولكن كان ينظر إليهم وكأنه يحلم، لازالت رأسه ثقيلة ورؤيته مشوشة.
اقتربت منه السيدة ميمي والدموع تتساقط على مقليتها حزناً على ما حل به وقالت بنبرة مكلومة:
_ حمد لله على سلامتك يا حبيبي، دا أنا كنت هموت يا يوسف من الخوف عليك
ابتلع يوسف ريقه وبخفوت همس:
_ بعد الشر عنك يا أمي
ابتسمت له وهتفت متسائلة:
_ إيه اللي حصلك يا حبيبي مين اللي عمل فيك كدا
تدخل بلال بقوله:
_ مش وقته يا أم يوسف خلينا نطمن عليه الأول وبعدين نعرف
تراجعت السيدة ميمي عن معرفتها لما حدث بينما تابع بلال ممازحاً:
_ بس إيه رأيك في المستشفي مقعدك في حاجة ٧نجوم
تبسم يوسف بصعوبة ثم اكتفى بذلك دون تعقيب فلم يكن لديه القدرة على التحدث طيلة الوقت، ثم صدح صوت أخيه المتأثر:
_ أول مرة أخاف كدا يا يوسف..
بالكاد نطق جملته وخارت قوة تماسكه وبكى، كان يبكي كطفل صغير وهو يطالع أخيه في تلك الحالة، فيوسف كان دوماً رمزاً للقوة والمثابرة، كان الطاقة الذي يستمد منها استمراريته على السعي.
كانت مفاجئة بالنسبة للجميع بكاء زياد وعدم إخفاء قلقه على أخيه، فهذا يتنافى تماماً مع شخصه، رفع يوسف يده وربت على ذراعه مردداً بصوت منخفض:
_ أنا كويس..
لم يكف زياد عن البكاء بسهولة، فاقترب منه بلال وأحاط كتفيه، قبل أن يهتف بمزاح:
_ مكنتش أعرف إن قلبك رقيق كدا، دا أنت طلعت واد خفيف
نجح بلال في رسم البسمة على شفتيه، تدخلت إيمان في الحوار مع حرصها الشديد في الحديث:
_ حمدالله على سلامتك يا يوسف
حرك يوسف رأسه واكتفى بقول:
_ الله يسلمك
أخذت إيمان جانباً ولم تشارك الحديث معهم لربما تنجح في استعادة ثقة بلال بها، بينما كان علي يكتفي بالمشاهدة دون تعقيب، بحث يوسف بعينيه على مشاكسته فلم يجدها، وجه بصره نحو والدته وتسائل باهتمام:
_ لينة فين يا أمي؟
عقدت ميمي حاجبيها بغرابة، التفتت برأسها للخلف باحثة عنها فهي كانت ترافقهم، أين ذهبت،
عادت بنظرها إلى يوسف مرددة:
_ كانت معانا، راحت فين؟
حمحم علي بحرج وأردف وهو يمرر نظريه على الجميع:
_ هشوفها برا..
هرول سريعاً إلى الخارج، فكانت تقف مستندة على الحائط، اعتدلت في وقفتها حينما رأت شقيقها وتسائلت بلهفة:
_ هو عامل إيه، كويس ولا تعبان، فايق ولا نايم؟
"ما تيجي تشوفيه أنتِ بنفسك"
هتف علي بغرابة من أمرها، بينما صمتت هي قبل أن تخبره عن سبب وقوفها في الخارج:
_ أنا خايفة أدخل..
قطب الآخر جبينه متسائلاً بفضول:
_ خايفة من ايه؟
أولاته ظهرها وجابت المكان سيراً وهي تجيبه:
_ أنا عارفة إني مش هقدر أسيطر على نفسي، وكلهم جوا ومينفعش، أنت فاهمني؟
استنكر علي هرائها، اقترب منها وحاوط ذراعها بيده ثم توجه إلى الغرفة هاتفاً:
_كل الحكاية هتقوليله حمد الله على السلامه وبس
دلفا الغرفة فحررت لينة يدها من قبضة أخيها، أخذت شهيقا عميق وزفرته على مهل، مالت برأسها قليلاً فوقعت عينيها عليه، كان الجميع موليها ظهورهم عدا يوسف الذي لمح طيفها، مال برأسه ليتأكد منها ثم قال بخفوت:
_ تعالي..
توجهت الأنظار نحوها فاضطرت إلى الظهور، اقتربت منه بخطى متمهلة فتسائل يوسف باهتمام:
_ مش عايزة تشوفيني؟
وكأن سؤاله قد فتح لها سبيلاً للبكاء، جهشت باكية تحت نظرات الجميع المتعجبة لبكائها، اقتربت منها السيدة ميمي وربتت على ظهرها بحنو وأردفت موضحة:
_ هو ميقصدش حاجة، بيهزر معاكي أنتِ مش عارفة يوسف؟
لم تتوقف عن البكاء وهي تطالعه، فعقد يوسف حاحبيه وهو يرى حالتها تلك، كم تمنى أن ينهض ويضمها لصدره بحميمية ويخبرهم جميعاً أنها ملكاً له.
"بتعيطي ليه يا لينة"
تسائل يوسف بصوت منهك فأجابته الأخرى بنبرة غير مفهومة:
_ خوفت عليك أوي..
كان تصريحاً صادقاً دون زيف، خفق قلب يوسف بشدة، وازداد شعوره لمعانقتها، لم يخفض بصره عنها فكان يعانقها في خياله، كان البقية متعجبين من قولها بتلك النبرة.
فهم علي الآن سبب عدم مرافقتها لهم من البداية، راوده الندم لإصراره على دلوفها الغرفة فهو في موقف لا يحسد عليه، حمحم زياد جاذباً انتباههم ثم صاح موجهاً حديثه لوالدته:
_ أكيد يوسف جعان يا ماما، تعالى لما نروح تطبخي له حاجة ونرجع تاني
لم ترفض ميمي ووافقته الرأي، بينما هدر بلال أمراً وهو يطالع إيمان:
_ يلا إحنا كمان عشان أروحك
أماءت بقبول بينما مال بلال على يوسف وغمز له ثم همس بمشاكسة:
_ مع السلامة يا روميو
أطلق قهقه قبل أن يغادر بينما لم يستشف يوسف ما يرمي إليه بلال، أخذت السيدة ميمي حقيبتها وأردفت:
_ يلا يا لينة
تفاجئت لينة بقول السيدة ميمي ووزعت نظريها بينها وبين زياد بحيرة، فتولى زياد الرد على والدته:
_ سبيها هنا يا ماما عشان يوسف ميكنش لوحده وإحنا مش موجودين
رمقته ميمي بنظرات مريبة، فلم تصدق أنه من يريد تركها هنا، لم تستطيع التعقيب أمام الآخرين واضطرت إلى القبول، ثم خرجت برفقة زياد متوعدة له.
التفتت لينة برأسها وأشارت لأخيها بأن يتركهما بمفردهما، حمحم علي وتسائل باستفسار:
_ تحبوا تشربوا حاجة أجيب لكم معايا؟
أومأت لينة بالإيجاب وقالت مختصرة:
_ ياريت..
اكتفى علي بتحريك رأسه ثم توجه إلى الخارج، باتت الغرفة خالية إلا من كليهما، أخفضت لينة عينيها بحرج شديد، في حين أن يوسف لم يرفع بصره عنها، لديهم أحاديث محملة بالكثير من المشاعر، يريدان التصريح بها لعل قلوبهم تشعر بالارتواء.
تنهد يوسف و أراد خلق حوارً معها فحمحم ليردف سؤاله:
_ خوفتي عليا؟
صوبت بصرها نحوه، أحقاً يتسائل؟ ألم يراه من خلال نظراتها؟ ألم تخبره لهفتها؟ ألم تكفي دموعها لتجيبه؟
أخرجت تنيهدة وهمست بعذوبة:
_ أنت بتسأل يا يوسف! للدرجة دي مشاعري مش واضحة؟ ولا أنت اللي مُصر متشوفهاش؟
دا أنا قلبي هلك من كتر خوفي عليك!
قلقي عليك استحوذ عقلي وتفكيري كله كان فيك!
معقول مش باين عليا؟
مش باين إني بحبك يا يوسف؟!
هتفت بحبها وهي تطالع عينيه بهُيام، وأخيراً نطقتها، أفصحت عن حبها بسهولة، ألقت ما أخفته طيلة الأعوام الماضية، لم تكن تحمل هماً تلك المرة، لقد صرحت ولا يهم ما سيجري..
قلبه لم يتوقف عن الخفق، فكان لتصريحها أكثر من معنى، أهي تقصد الحب الذي يخلق بين الحبيبين أم حب أخوي خلقته الأيام في قلبها؟
ابتلع ريقه ثم ردد:
_ بتحبيني؟!
أماءت برأسها مؤكدة سؤاله قبل أن تهتف بقلب يفيض منه الحب:
_ دا أنا كنت بعترف لك في كل مرة تيجي سيرة، الحب، كنت بنطقها بلساني، وبتترسم في عيوني وهي بتبص لك، دا أنا قولتهالك بأكتر من لغة يا يوسف!
كان لا يستوعب حقاً ما يصغي إليه، فكان الأمر أشبه بالحلم، لا يصدق أو ربما يجهل التعامل في مثل تلك المواقف، هي مدللته لكنه حقاً لا يعلم ما عليه فعله الآن..
حمحم وهو يطالع عينيها بعذوبة، وحاول ترديد ما يدور في عقله لربما ينجح في استيعابه فقال بتلعثم:
_ أنا.. إزاي؟ محستش بحاجة، مكنتش فاهم، أو يمكن كنت بقول لأ مش معقول، طب دا حصل امتى؟
ابتسمت لينة بعذوبة وأخفضت بصرها متذكرة أول مرة خفق قلبها له قبل أن تخبره:
_ دا قلبي دق أول ما قولتلي أسمك جميل أوي!
قابلها يوسف بنظرات جامدة، حاول تذكر متى أخبرها بذلك، اتسعت حدقتيه حينما تذكر أنه أخبرها بذلك منذ أول يوم رآها به، كانت المشاكسة ذات العشر أعوام.
رفعت عينيها عليه وخرجت كلماتها بحياء شديد:
_ كنت مستنية اللحظة دي من زمان أوي، مكنتش عارفة هي هتيجي امتى، كنت برتب لها كتير أوي، كنت بقف قدام المرايا وأتخيل إني واقفة قصادك وبعترف لك بيها وكنت بفشل أقولها، كنت قبل ما أعلق لك قميص في الدولاب أتخيلك فيه عشان أعترف لك وبرده كنت مبقدرش أقولها، كل صورك اللي معايا كنت بكتفي إني أفضل بصالها وبس!
مكانتش بتطلع حقيقية غير قدامك، في كل مرة قولتلك على حد بحبه كنت أقصدك أنت!
وقت ما كنت بعلمك تتكلم تركي اتعمدت إني أقولهالك، مكنتش بفوت فرصة إني أعترف لك بحبي حتى في الأغاني!
أنا مش بس بحبك يا يوسف أنا أدمنتك!
نكست رأسها وقد تبدد الحزن على تقاسيمها وتابعت مسترسلة:
_ أنا قابلة أي رد منك، حتى لو رفضتني..
صممت ثم أعادت النظر إليه وقالت وهي تشير إلى قلبها:
_ مع إن هنا بيقولي إنك..
لم تستطيع مواصلة الحديث، فاكتفت برمقه بنظراتها اللامعة تنتظر رده، كان يوسف في وضع لا يحسد عليه، لأول مرة يفشل في مجراة مشاعره، فكان يتخبط بين كونه يريد التصريح عن حبه وبين عقله الرافض للأمر، فهي في النهاية زوجة لأخيه.
زفر أنفاسه بإسيتاء وقال وهو يبعد بنظره عنها:
_ زياد ميستحقش مني كدا..
اقتربت منه لينة ومدت يدها لتعيد وجهه إليها فتقابلا في نظرة صادقة وهتفت:
_ زياد بيحبك أوي يا يوسف، يمكن أكتر من نفسه لأ دا مش يمكن دا أكيد، زياد قالي إن هو عمره ما اعتبرني غير أخت ليه، عمره ما حس من نحيتي بحاجة، وقالي إنه كان غلط لما قبل عرضك وصلح الغلط..
أنا حرة يا يوسف، معتش فيه أي حواجز بينا دلوقتي، مفيش غير إني أسمعها منك..
قولها يا يوسف، أنا لا يمكن قلبي يكدب عليا أبداً..
مالت لينة برأسها ووضعت يدها على يسار صدره حيث كان قلبه يخفق أسفل يدها وغردت بنبرة متيمة:
_ حرر هواك فالحب بات معلنا
ما كل ما أخفته العين محزنا
من قال فؤادي ظالما
كن في غرامي هائما
خذ من يدي خواتما
واجعل رحيقي مسكنا
"تتجوزيني"
كانت إجابته بعدما طالبت بتحرير هواه، اتسعت مقلتيها بذهول، تراجعت للخلف غير مصدقة عرضه، تسارعت نبضاتها بقوة، فهي فقط أرادت سماع اعترافه بحبه لها، لم ترتب لذاك الطب قط.
تقوس ثغر يوسف للجانب فظهرت ابتسامته الجذابة، مد لها يده فصوبت بصرها نحو يده وبتردد مدت يده لتختفي بين قبضته، عادت للجلوس مقابله ولازالت أسفل تأثير الصدمة.
حمحم يوسف وتسائل باهتمام:
_ معناه إيه السكوت دا؟
حدجته لبرهة وأجابته:
_ أنا كنت بتمنى كلمة، وأنت.. أنت..
كان يحلو له ارتباكها فقال هو بمشاكسة:
_ أنا إيه يا لي لي؟
أخرجت زفيراً وهي تطالعه بشوق، فلم يناديها بدلال منذ فترة، ابتلعت ريقها وتسائلت بلهفة:
_ أنت بتكلم بجد؟
أومأ بتأكيد وهتف بحرارة شوقه:
_ مش كفاية لغاية كدا؟ ضيعتك مرة مش ناوي أضيعك تاني
حررت لينة يدها من بين قبضته ورفعت كلتاهما أمام وجهها، خافية حيائها الذي انعكس على وجنتيها الحمراوين، أمسك يوسف بيدها اليسرى ثم وضعها على فمه وطبع قبلة في راحة يدها مردداً:
_ تعرفي، أنا حلمت بيكي!
تشكلت بسمة عذبة على شفتي لينة، مدت يمناها وتحسست وجنته قبل أن تتسائل:
_ حلمت بإيه؟
مال هو على يدها شاعراً بنعومة ملمسها، أخذ نفساً عميق وبدأ يقص ما يتذكره ذاك اليوم:
_ حلمت إنك كنتي معايا في أوضتي، بس أنا مكنتش شايفك، كنت شامم ريحتك وكنتي بتلمسي وشي زي دلوقتي، وكمان كنتي بتغني..
اتسعت ابتسامتها بسعادة وتسائلت مستفسرة:
_ كنت بغني بقول إيه؟
حرك يوسف رأسه نافياً معرفته بما كانت تغرد به:
_ مش فاكر..
تنهدت لينة بلوعة وغردت بصوت عذب:
_ أنت الحتة الحلوة في قلبي، ببقى في قربك مش قلقانة
أنت حبيبي وأبويا وابني، ومليش بعدك تاني مكان
حببتني في أيام عمري، ورجعتني لنفسي زمان
وأنا بين ايديك، إحساسي بيك
لو قولت ليك مبيتحكيش، جيت وبقيت أهلي وبيتي
لو يوم مشيت معرفش أعيش..
كان غنائها بإحساس عالٍ، بينما كان يطالعها الآخر بذهول، فما قامت بغنائه بالفعل نفسه من سبق وحلم به، ابتسمت له لينة فردد سؤاله:
_ يعني دا مكنش حلم؟
ازدادت ابتسامتها، وحركت رأسها نافية وتمتمت:
_ تؤ..
كان مذهولاً من جرأتها، طالعها لبرهة وهتف متسائلاً بنبرة رخيمة:
_ ومخوفتيش حد يشوفك؟
قهقهت ساخرة قبل أن تجيبه بنبرتها المتيمة:
_ خوف وأنت موجود؟ الدار أمان في وجودك!
كم لامست كلماتها قلبه، لم يشعر بتلك الإبتسامة التي غزت شفتيه وردد ما قالته براحة:
_ الدار بقت أمان يا لينة..
أخذ يوسف شهيقاً عميق وزفره على مهل، حقاً لا يصدق ماحدث، أقدار الله لطيفة للغاية، وكل شر يحدث يأتي خيراً بعده حتى يخفف ثقل ذاك الشر.
بادلها إبتسامة ساحرة هاتفاً بعدم تصديق:
_ حاسس إني في حلم جميل، وخايف أصحى منه
استنكرت لينة كلماته وهتفت بإصرار واضح:
_ دا مش حلم يا يوسف، كفايانا أحلام خلينا نستمتع بالواقع ونعيش لحظاته ومنخافش ولا نفكر تاني، سيبها تمشي من غير ترتيب..
راودته راحة كلية تغلغلت داخل قلبه فهدأت من ضجيجه لطالما ازداد في الأوان الأخيرة، فُتح الباب دون سابق إنذار، فانتفضت لينة من مكانها وابتعدت عنه، فإذا بأخيها مرافقاً للممرضة التي تجهمت تعابيرها فور رؤيتها لـ لينة وهتفت مستاءة:
_ حضرتك أنا ممكن أتأذى بسبب وجودك هنا، أنا نبهت قبل دخولكم عشر دقايق ونخرج..
تلونت وجنتي لينة بالحُمرة فكانت محرجة للغاية ولم تستطيع الرد، فتولى يوسف الرد بإقتضاب:
_ أنا اللي قولتلها تفضل معايا، وبعدين أنا مش شايف مبرر إنك تتكلمي معاها بالأسلوب دا!
تفاجئت الأخرى بهجومه، تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها، حمحمت بحرج شديد ثم اعتذرت منهما:
_ أنا آسفة جداً، بس دا شغلي وأكيد ميرضيش حضرتك إني اتأذى
بلا مبالاة قال:
_ ولو، أسلوبك معاها يبقى أحسن من كدا
تدخلت لينة عندما رأت انفعال يوسف:
_ خلاص يا يوسف حصل خير..
وجهت انظارها نحوها وتابعت:
_ أنا خلاص خارجة..
اعتذرت منها الممرضة مرة أخرى ثم ودعته لينة وعادت إلى الغرفة خاصتهم برفقة أخيها الذي تسائل عن سبب تأخيرها، فلم تتردد هي وبدأت تخبره عما حدث وكانت حريصة على عدم إخباره بتلامسهم حتى لا يضجر ويثور.
***
في أحد المطاعم، يجلسان مقابل بعضهما يتناولان وجبة الغداء، قطع لحظتهم صوت ذاك الدخيل الذي هلل عالياً:
_ إيمان رمضان! مش معقول وأخيراً لقيتك
رفعت إيمان بصرها نحو ذاك الصوت الأنثوي فتشكلت ابتسامة تلقائية على محياها، نهضت عن كرسيها ثم مسحت يدها في المنشفة ومدتها لتصافحها بود:
_ إسراء إزيك
لم تكتفي الأخرى بالمصافحة وجذبتها إليها ثم عانقتها بحميمية وهتفت بتلهف:
_ أنتِ وحشاني أوي، مشوفتكيش من أيام الجامعة
تراجعت للخلف وواصلت بسعادة:
_ دورت عليكي كتير على السوشيال بس معرفتش أوصلك وسألت كذا حد من الدفعة وقالوا إنهم ميعرفوش عنك حاجة، بجد مش مصدقة إني شوفتك
بلطف أردفت إيمان:
_ مليش في الميديا أوي وبصراحة أنا مليش أي علاقة بأي حد من الدفعة، يعني من وقت ما خلصنا وأنا مش بشوف حد خالص
انتبهت الأخرى على بلال الجالس، فمالت على أذنها وهتفت:
_ مش تعرفينا..
وزعت إيمان نظراتها بينهما ثم بدأت تعرفهما:
_ بلال جوزي، إسراء صحبتي من أيام الجامعة
هللت إسراء بصورة مبالغة:
_ مبروك يا روحي..
مدت يدها لتصافح بلال الذي وقف احتراماً لها ثم بادلها المصافحة فشعر بريبة من أمرها، وكأنها تتحسس يده، سحب يده عنها بينما لم تخفض هي نظرها عنه بإعجاب شديد لطوله الفارع، قد لاحظت إيمان نظراتها الجريئة واستنكرت ذلك فهتفت لتجذب انتباهها:
_ وأنتِ بقى اتجوزتي ولا لسه يا إسراء؟
أجابتها إسراء بتأفف:
_ لا أنا أطلقت، بصراحة مكنش مالي عيني
نظرت حيث يقف بلال ورسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها، فتمتمت إيمان بحنق:
_ ربنا يعوضك أحسن منه
قهقهت إسراء بميوعة ولازالت عينيها مصوبة على بلال وقالت:
_ يابنتي بلا قرف كدا أحسن
مدت يدها لبلال مرةً أخرى وواصلت برقة مصطنعة:
_ اتشرفت بحضرتك يا أستاذ....
لم تتحمل إيمان المزيد من سخافتها فهتفت بضجر مقاطعة دلالها:
_ يلا يا بلال عشان نمشي..
سحبت حقيبتها ثم ابتسمت في وجه صديقتها رغم أنها تريد تقطيعها إرباً إرباً وهتفت مختصرة:
_ بعد اذنكم يا إسراء، ورانا ميعاد مهم..
ودعن بعضهن البعض في تلك الأثناء قام بلال بدفع الحساب وخرج برفقة إيمان الغاضبة، انتظر حتى ابتعدا عن المكان وسألها بجدية:
_ أنتِ قومتينا ليه؟ إحنا ليه مخلصناش أكل!
توقفت إيمان عن سيرها والتفتت إليه ولم تشعر بنبرة صوتها التي خرجت مندفعة:
_ أنت كان عاجبك بصاتها عليك؟ ولا يمكن كانت عجباك وعايز تكمل مسايرة معاها؟
تفاجئ بانفعالها، رمقها لثوانٍ محاولاً فهم السبب وراء اندفاعها وقال:
_ على فكرة دي صاحبتك أنتِ، أنا معرفهاش أصلاً
هاجمته بردها:
_ ولا صاحبتي ولا عايزة أعرفها، دي واحدة وقحة بتبصلك وأنا واقفة مش محترمة حتى وجودي!!
أسلوبها كان يثير تعجبه، فلا يجد تفسيراً واضحاً له، ظل يطالعها قبل أن يردد بجمود:
_ أنتِ بتتكلمي معايا كدا ليه؟
كان بروده يتلف أعصابها فهتفت بحنق:
_ بتكلم إزاي؟ بتكلم عادي شوف نفسك الأول بارد إزاي
"بارد!"
علق على كلمتها ثم تركها وتوجه ناحية سيارته، استقل خلف المقود وانتظرها حتى تأتي، تأففت إيمان بضجر فكم كانت وقحة، استقلت المقعد المجاور له والتزما كليهما الصمت طيلة عودتهما.
صف سيارته أسفل البناية الخاصة بهم، ترددت في محادثته لكن عليها تصحيح ما اقترفته، حمحمت بحرج وأردفت:
_ متزعلش، مش عارفة أنا قولت كدا إزاي، أنا كنت متعصبة من أسلوبها وأنت كان ليك نصيب من عصبيتي، أنا آسفة
لم يعقب فأعادت هي محاولة تلطيف الأمر:
_ هاخد بالي من كلامي بعد كدا، ياريت متزعلش
ببرودٍ ردد:
_ انزلي يا إيمان..
تفاجئت بطلبه، فلم تتوقع ذلك، لم يهتم لإعتذارها وكأنها نكره، طالعته بأعين جاحظة ثم هتفت بإهتمام:
_ أعملك إيه عشان متزعلش؟
بلهجة لا تريد النقاش صاح:
_ متعمليش، انزلي
تأففت بصوت مسموع وترجلت من السيارة، ثم دفعت الباب بغضب وصعدت الأدراج، تبعها بلال بعصبية وأغلق باب شقتهم باندفاع ثم صاح عالياً:
_ ممكن أعرف متعصبة كدا ليه؟
ألقت إيمان حقيبتها أرضاً واستدارت إليه والغضب مرسوم على تقاسيمها وصاحت منفعلة:
_ أنت بجد بتسأل؟ أنت مش شايف أسلوبك وطريقتك؟
بحاول ألطف الجو وأنت ردك بيكون إزاي!
اقترب منها وهتف وهو يشير إلى صدره:
_ مضغوط يا إيمان، مخنوق ومضايق ومش عايز كل دا يطلع عليكي فبتعامل ببرود!
هدأت إيمان من نبرتها لتصبح أكثر رقة وسألته باهتمام:
_ مخنوق من إيه؟ عرفني يمكن أقدر أساعدك
أطلق بلال ضحكة ساخرة قبل يجيبها:
_ وهو في إيه ميخنقش؟ صاحبي وفي المستشفى، ومنمتش بقالي يومين، ومتجوز ومش متجوز، ها هتساعديني إزاي؟
ابتعلت إيمان ريقها، فكانت في موقف لا تجسد عليه، كيف تستطيع مساعدته؟ كيف تقوم بدورها كزوجة له؟ حقاً تفشل المعرفة..
حمحمت وهي تقترب منه وأردفت بهدوء:
_ أنت محتاج ترتاح شوية، نام ساعتين وهتقوم كويس..
رفض بحركة من رأسه معللاً أسبابه:
_ أنا لازم أرجع المستشفى
أصرت إيمان على بقائه فقالت:
_ هما ساعتين بس وأنا اللي هصحيك، وبعدين كدا كدا عمتو وزياد هناك يعني هو مش لوحده، مش هيحصل حاجة بالعكس هتقوم فايق ولو هما محتاجين حاجة هتقدر تعملها.
أمسكت بيده مشجعة إياه:
_ يلا..
ما كان من بلال إلا أنه رضخ لها، سار بجوارها وتعمدت هي عدم ترك يده حتى دلفا الغرفة، توجه بلال نحو الفراش فأوقفته هي بقولها:
_ استنى، أنت هتنام كدا؟
عقد حاجبيه بغرابة فلم يستشف مابه، اقتربت منه إيمان ووقفت مقابله ثم رفعت يدها وبدأت تفك أزرار قميصه دون أخذ رأيه لكي لا يمنعها وأوضحت:
_ متنامش بهدومك، مش هتكون مرتاح
نجحت في سيران قشعريرة قوية في ثائر جسده، ساعدته على خلع قميصه ثم أشارت حيث بنطاله وقالت:
_ متنامش بالجينز
أولاته ظهرها لتحضر لنفسها ثوب آخر، وتعمدت تبديل ثيابها أمامه كنوع من اكتساب الثقة لكليهما، كان بلال يتابع ما تفعله بتأثر كبير، تُهدم حصونه رويداً رويداً، شيئ ما داخله يحثه على التودد إليها لربما قد حان الوقت.
خطى بقدمه اليمنى خطوة للأمام لكن سرعان ما أعادها سريعاً، فلقد ترددت في أذنيه همسها بإسم يوسف ذاك اليوم، شعر بالغضب يتأجج داخله لأنه لا يستطيع النسيان، كم تمنى أن يفقد ذاكرته حتى يسير زواجه على النهج الصحيح.
اقترب من الفراش وحاول النعاس مراراً، كذلك استقلت إيمان بجواره دون وضع حدود تلك المرة، ظلت تطالعه بعينان لامعتين، لم يبعد هو نظريه عنها حتى غاب عن الوعي وذهب في ثُبات.
بينما لم تفضل النوم، بل فضلت النظر إليه لعلها تنجح في فهم مشاعرها، تذكرت انفالعها من خلف نظرات صديقتها الوقحة، كزت أسنانها بغضب، كيف لم تصفعها حينها؟
تعجبت إيمان كثيراً من تفكيرها، لماذا تعطي الأمر أكبر من حجمه؟ يمكن لأنه كبير بالفعل! تنهدت وهي تحاول تفسير ذلك، أهي غيرة!! معقول؟
أهي تغار عليه؟
طالعته لوقت في محاولة منها على استيعاب ذلك الإستنتاج، على الرغم من نومه إلا أن مازال يحتفظ بملامح جذاب، نادته بصوت هادئ لكي تعلم هل غفى أم مازال واعياً.
لم يجيبها فتأكدت من غوفه، اقتربت منه بحذر حتى التصقت بصدره العاري، استندت بوجهها على وجهه، فكان جبينها يلامس جبينه وأنفها يلامس أنفه ولاسيما أنها شاعرة بحرارة أنفاسه التي زادتها تلهف لأخذ عناق، لكنها اكتفت بتلك المسافة حتى لا تتسبب في إيقاظه، أخذت مدة ليست بقصيرة حتى ذهبت في النوم رغماً عنها.
***
انتظرت حتى ولجت المنزل ثم بانفعال وعدم رضاء لتصرفه صاحت معاتبة:
_ أنت إزاي تسمح إن لينة تقعد مع أخوك؟
للدرجة دي معندكش نخوة ومبتخافش على عرضك؟
دا حتى لو الموضوع مش شاغلك المفروض تتعلم تصون الأمانة اللي في رقابتك!
تفهم زياد سبب ثورتها وبهدوء أخبرها:
_ لينة مبقتش تخصني يا ماما..
لم تفهم ما رمى به من كلمات مبهمة وتسائلت بملامح مشدودة:
_ يعني إيه مبقتش تخصك؟ مش دي مراتك برده؟
عض زياد على شفتيه السفلى يفكر أولاً في كلماته قبل أن يجيبها:
_ مبقتش مراتي، أنا قولتلها أنتِ طالق...
شهقت السيدة ميمي وضربت على صدرها بقوة مقاطعة إياه بصدمة:
_ عملت ايه؟ إزاي تعمل حاجة زي كدا من دماغك؟ مرجعتش ليا ولا لأخوك الأول ليه؟
خرج زياد عن صمته وارتفع صوته الاجش:
_ لأول مرة في حياتي أخد قرار من غير ما أرجع لكم ويكون قرار صح، لينة طول عمرها أختي مينفعش فجاءة كدا تبقى مراتي، أنا كنت مبسوط في الأول ونفسي أوصل لها بأي شكل، لأنها دايما كانت رفضاني، فكرت بموافقتي إن هقدر أكسر غرورها بس أنا قليت من نفسي أوي لما وافقت..
شكل ضحكة ساخرة وواصل بنفور شديد من ذاته:
_ ابنك عيان! لو واحدة بس قالتله لأ، تدخل دماغه وتعجبه لغاية ما يوقعها ويثبت لنفسه أنه مسيطر وواد جامد ملوش زي، وبعد كدا يسيبها، ودا اللي فكرت أعمله مع لينة!
بس ضرب يوسف يومها فوقني، وعقلني وخلاني افتكر إني راجل مش لسه عيل مراهق والتصرفات دي متلقش أبداً بيا!
أخرج زفيراً ليستطيع مواصلة حديثه، توجه ناحية الأريكة وجلس أعلاها ثم مدد قدميه على الطاولة أمامه وتابع بنبرة هادئة:
_ حاولت أعمل حاجة صح لأول مرة في حياتي، وسيبتها تروح للي يستحقها، يوسف أحسن مني وصان أمانته..
تشكلت إبتسامة عفوية على شفتيه قبل أن يسترسل:
_ هي طلعت أمانته فعلاً، مش أمانة صاحبه زي ما كنا فاهمين!
توجهت السيدة ميمي ناحيته ووقفت مقابلة، أخفضت بصرها عليه متسائلة بعدم فهم:
_ معناه إيه كلامك دا؟
ازدادت إبتسامته وهو يخبرها:
_ يوسف بيحبها يا ميمي، وأخيراً شوفنا حب لأستاذ يوسف!
حقاً كثيراً على عقلها، لم تستوعب بسهولة، أتصدق نضج صغيرها الذي أسعدها كثيراً، أم تسعد لحبه لأخيه؟ أم تسعد لظهور حب لولدها البكري؟ لكن ما يستحق أن تسعد لأجله حقاً، أنها تحصد ثمرة تربيتها التي زرعتها في ولديها منذ الصغر.
مدت ميمي كلتى يديها لصغيرها مرددة ببسمة عريضة:
_ تعالى هات حضن يواد
لم يتردد زياد في القيام وأخذ عناق حنون، أوصد عينيه يستمتع برائحتها الذكية لطالما كانت مصدر طمأنينته، بادلته العناق بقوة فكم كان قلبها سعيد به.
***
بعد مرور بعض الساعات قلق بلال واستيقظ، تفاجئ بقربها منه لتلك الدرجة، لم يصدر حركة بل ظل يشاهدها ليتأكد أنه لا يحلم، شعر بحركة منها فنهض لكي يذهب قبل أن تفيق، لكنه تفاجئ بيدها التي أمسكت بذراعه.
التفت برأسه إليها، فرأها تعتدل من نومها وتقترب منه حتى بات ظهره ملاصقاً لصدرها، رفعت يدها وتخللت شعره وظلت تداعب خصلاته بنعومة، ثم استندت بذقنها على كتفه فكان وجهها قريباً بما يكفي.
ابتلع الآخر ريقه ولم يستطيع الصمود لأكثر، رفع يده وتلمس شفتيها الوردية، وبيده الأخرى حاوط خصرها فشعر بملمس قميصها الرقيق، فازدادت رغبته بها، قبض على خصرها بقوة فتأوت إيمان بألم ثم.....
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية