رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل السابع والعشرون 27 - بقلم تسنيم المرشدي
«حرِر هَوَاك فالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل السابع والعشرون»
***
"يوسف"
لا يتردد في ذهنه سوى اسم صديقه بنبرتها هي، كلما حاول تخطي الأمر لا يستطيع، يتردد صدى صوتها في عقله، لم يشعر بنفسه سوى وهو يدفعها بعيداً عنه قبل أن يحاول لمس شفتيها.
ارتفعت وتيرة أنفاسها برعب وطالعته بنظرات مبهمة في انتظار تعليله للأمر، انتفض من مكانه وهو يردد بأنفاس لاهثة:
_ مش هينفع...
أولاها ظهره متوجهاً نحو المرحاض فهتفت هي متسائلة:
_ ليه؟
توقف عن السير دون أن يلتفت فتابعت هي أسئلتها:
_ أنا غلطت في حاجة؟
استدار بجسده ونظر حيث تمكث، حرك رأسه بنفي وقال:
_ دي مشكلتي أنا، أنا آسف
أولاها ظهره للمرة الثانية وهرول داخل المرحاض، أغلق الباب ووقف خلفه يلكم رأسه بقوة، يعترف أنه يمتلك ذاكرة لعينة لا يمكنها نسيان الأشياء بسهولة، وقف أمام المرآة يطالع ملامحه الغاضبة ولم يكف عن تأنيب ذاته داخله.
في الخارج، سحبت إيمان الغطاء أعلاها، فلقد شعرت أنها عارية بعد رفضه لها، تساقطت عبراتها ودفعه لها لا يريد الإقلاع عن عقلها، انتبهت على خروجه فأسرعت في مسح دموعها لكنه قد رآها وشعر بأنه أحمق كبير لأنه تسبب في تحطيم كبريائها بعد فعلته.
لكنه فعل ذلك رغماً عنه، حقاً يرد التقرب منها لكن عقله لا يسامح بسهولة، بدل ثيابه بأخرى، ثم حمحم وقال:
_ أنا نازل..
اكتفت إيمان بإيماءة من رأسها دون النظر إليه، فكان يزداد ضيقاً لعدم قدرتها على مواجهته، كيف سيصلح ما اقترفه؟
لا يدري، تأفف بضيق وفر هارباً من ذاك المنزل، فكانت الوسيلة الوحيدة أمامه، توقف عن النزول عندما فتحت والدته الباب وكان بثياب الخروج، ابتسمت في وجهه وقالت:
_ ينفع تاخدني معاك، أبوك من الصبح مجاش ولازم أروح أعمل الواجب، عشان ميمي متزعلش مني
دون أن يعقب أماء برأسه ثم تابع هبوطه، تحت نظرات والدته المتعجبة من أمره، تبعته للأسفل والعديد من الأسئلة قد راودتها لكن لم يكن لديها إجابة لديهم.
استقلت السيارة وتابعت مكالمته الهاتفية التي قال فيها:
_ لو حضرتك خلصتي أنا تحت، تعالي معايا، تمام أنا مستنيكي أهو
أنهى المكالمة فتسائلت شهيرة بفضول:
_ مين اللي جاي معانا؟
أجابها مختصراً:
_ أم يوسف..
حركت رأسها بتفهم ثم سألته باهتمام:
_ مالك؟ شكلك مضايق؟
دون أن يلتفت أجاب ببرود:
_ لا مش مضايق
بعفوية أمومية هتفت:
_ عليا برده؟ قول مالك هتخبي عليا!
تفاجئت شهيرة بثورته حيث صاح عالياً بغضب:
_ قولت مفيش، مفيش
ضرب الطارة أمامه بقوة ثم ترجل من السيارة ينفث غضبه بعيداً عن والدته، ارتخت ملامحه فور ظهور السيدة ميمي، بصعوبة ابتسم لها ثم قام بفتح الباب الخلفي، فاستقلت المقعد وشكرته على لطفه بينما عاد هو لمقعده وتحرك بالسيارة.
دارت بعض الأحاديث بين السيدتان، متحاورتان عن أحوال يوسف، بينما لم يصغي بلال لهن، فكان ضجيج عقله يغطي على أصواتهن.
***
أنتبه على فتح الباب، ثوانٍ وظهرت مشاكسته من خلفه، ابتسم لها بينما تأففت هي بملل:
_ أوف وأخيراً مشت من قدام الباب، بقالي ساعتين بستناها تمشي
قهقه يوسف وردد مستهزءاً:
_ ما أنتِ عبيطة، كنتِ قوليلها داخلة لجوزي أشوفه لو محتاج حاجة
غمز إليها فلم تستطيع إخفاء ابتسامتها، عضت على شفتيها بحرج ثم هتفت:
_ ولما تعرف إنك مش جوزي تقول عليا إيه؟ متربتش؟
قهقه يوسف ثم أردف بمشاكسة:
_ وهي هعترف منين، أنا كنت هـ..
صمت فطالت هي النظر إليها في انتظار بقية حديثه لكنه فضل الإحتفاظ به في ذاك الوقت الحالي فهتفت هي متسائلة في فضول:
_ ها إيه؟
حمحم قبل أن يردف بمكر:
_ لما أتجوزك هقولك..
يحادثها دوماً عن الزواج، ولازال عقلها لا يستوعب حقاً أنهما باتا معاً لا يمنعهما شيء، أخفت معالم وجهها بيدها دوناً عن عينيها وأردفت بحياء:
_ بجد مش مصدقة إنك بتكلمني في الجواز!
تقوس ثغره للجانب فشكل إبتسامة عذبة وقال:
_ تحبي أخليكي تصدقي إزاي؟
رفعت كتفيها لعدم معرفتها، فأشار إليها بالإقتراب مردداً:
_ تعالي..
_ في الخارج، وصلت السيدة ميمي وطلبت من الممرضة أمراً:
_ معلش يابنتي خمس دقايق ياكل وأخرج على طول
بعد تفكير لثوانٍ قبلت لكنها حذرتها قبل دلوفها:
_ بالله عليكي يا حجة متتأخريش لأن مينفعش أصلاً دخولك جوا، وأنا هتجازى
طمأنتها ميمي بقولها:
_ متقلقيش يا حبيبتي والله مش هتأخر..
فتحت باب الغرفة فانتفضت لينة من مكانها بذعر قبل أن تصل إلى يوسف، اتسعت مقلتيها بحرج شديد عندما رأت السيدة ميمي تدلف، لوهلة تفاجئت ميمي بوجودها فلم تكن على علم بوجود أحدهم في الغرفة.
تبادلن النظرات ثم نكست لينة رأسها في حياء، فلم تعد تستطيع مواجهة عينيها، حتماً أخبرها زياد عن مشاعرها بيوسف، وهي لن تسامح بسهولة، فكلاهما ولديها، كيف تقتنع بذلك؟.
تعجب يوسف من حالة لينة المتوترة، فلم يسبق وأن توجست خيفة من والدته، مد لها يده فإن خشيت هي مواجهتها فليواجهاها معاً، مررت نظريها بين يديه وبين ميمي ولم تجرأ على لمس يد يوسف.
"متخافيش كدا يا لينة"
هتف يوسف بعدم رضاء لخوفها الواضح، اقتربت منهما السيدة ميمي ثم وضعت ما معها جانباً ووقفت مقابل لينة، مدت يدها ورفعت وجهها بأناملها، شكلت بسمة عذبة على شفتيها وتحدثت بنبرة حنونة:
_ مش اللي بيعمل حاجة غلط بس هو اللي يخاف؟ أنتِ خايفة ليه بقى؟
تفاجئت لينة بجملتها، أطالت النظر إليها دون تعقيب فلم تتحلى بالشجاعة للحديث بعد، فتحت لها ميمي ذراعيها وحثتها على أخذ عناق:
_ تعالي في حضن أمك يا لينة
مررت نظريها بين يوسف وبينها ثم بادلتها العناق، شاعرة بالطمأنينة فكان عناقاً طيباً مليئ بالحنان،
لازالت يد يوسف ممدودة فعانقتها لينة بيدها ثم أغلقت عينيها تستمد القوة منهما.
تراجعت بعد لحظات، فتحدثت لينة متسائلة:
_ يعني مش زعلانة مني؟
قطبت ميمي جبينها بغرابة ورددت متسائلة:
_ هزعل منك ليه؟ هو الحب بقى يزعل؟
ظهرت إبتسامة خجولة على محيا لينة، بينما توجهت السيدة ميمي لتحضر الطعام التي أعدته ليوسف حتى لا تتأخر مثلما وعدت الممرضة، جلست بجواره وقد قامت لينة برفع نصف الفراش له لكي يستطيع الجلوس.
بدأت السيدة ميمي تطعمه في فمه كالصغار، وكذلك تابعت حديثها الذي لم ينتهي:
_ يمكن كنت هزعل لو مكنتش ربيت صح، بس الحمدلله ولادي بيحبو بعض أكتر ما بيحبو نفسهم ودا عندي بالدنيا كلها، مش عايزة حاجة تاني خلاص، بقيت مطمنة إنهم سند لبعض ووقت ما واحد يحصله ابتلاء التاني هيسد مكانه.
ازدادت ابتسامتها متذكرة موقف زياد واسترسلت مواصلة:
_ كنت دايما خايفة من زياد إنه متهور وتفكيره مجنون شوية مش شبه يوسف خالص، وكل ما كنت بصلي أدعي له ربنا يهديه وميطلعش من الشباب البايظ اللي كل همه المظهر واللبس وصحوبية البنات والشرب، بس كانت حاجة جوايا تقولي أطمني ربنا مش هيكتب ليكي وجع قلبك عليه وكنت بطمن لغاية ما شوفت النهاردة بعيني توكلي على ربنا نتيجته كانت إيه.
صوبت بصرها نحو يوسف وتابعت بحنو:
_ ربنا يخليكم لبعض ويخليكم ليا يارب
آمن يوسف على دعائها ثم أخذ يدها التي تطعمه وطبع قُبلة عليها مردداً بحب:
_ ويخليكي لينا يا أمي
ربتت على وجهه ثم تابعت إطعامه، بينما جلست لينة على مقربة منهما متبادلة بعض الأحاديث معهما.
في الخارج، استغل بلال عدم وجود ثالث بينهما وهتف بخذي شديد:
_ أنا آسف إني عليت صوتي عليكي، متزعليش..
باختصار قالت:
_ مش زعلانة
ضاق بعينيه عليها فلم يصدقها، أراد محي سوء التفاهم الحادث فقال بنبرة مازحة:
_ عليا برده؟
قلبت شهيرة عينيها مستاءة مما فعله، اقترب منها بلال وطبع قُبلة على جبينها بحب قبل أن يردف متوسلاً:
_ خلاص بقى يا شوشو، كنت مخنوق شوية لو أنتِ مستحملتنيش مين اللي هيستحملني؟
رمقته بطرف عينيها وقالت بجدية:
_ لو قولتلي مخنوق مالك هقبل اعتذارك
ابتعد عنها بلال ممازحاً إياها:
_ لا خليكي زعلانة أسهل
انفجرت شهيرة ضاحكة رغماً عنها لكنها لن تتراجع بسهولة قبل معرفة سبب ضجرة:
_ طيب خلاص مش زعلانة منك، بس قولي مالك، والله ما هاين عليا أشوفك كدا
جلس بلال على مقربة منها وتنهد بصوت عالٍ، ثم اكتفى بقول:
_ مش حابب أتكلم في حاجة، بس الدنيا مش مظبطة بينا شوية
ربتت شهيرة على ظهره بحنو وقالت بحكمة:
_ أول الجواز لازم يبقى كدا، طبيعي يكون في اختلاف، تخيل ناس كتير بتفشل في أول فترة وهما مع بعض سنين ما بالك أنتم اللي معرفتوش بعض غير شهر واحد، المهم إنك تعرف تتعامل مع الإختلاف دا ومع الوقت هتلاقي كل حاجة بقت كويسة..
ردد بلال بتمني:
_ يارب
***
حل المساء سريعاً، أمر الطبيب بنقل يوسف من الرعاية الصحية إلى غرفة أخرى لعدم تدهور حالته، كانت الغرفة تمتلئ بالأقارب والجيران مابين الحين والآخر، وبعض معارف يوسف من العمل، فكان محبوباً بين الجميع ومن علم بمرضه لا يتردد في المجيء للإطمئنان عليه.
"كدا برده يا ميمي متعرفيناش، دي لولا إيمان قالتلي مكناش هنعرف"
هتفت هادية معاتبة فأوضحت ميمي سبب عدم إخبارها لهم:
_ معلش يا هادية أنا كنت في إيه ولا إيه، مكنش فيا دماغ أكلمكم والله كنت عايزة أطمن عليه وبس
تدخل رمضان بقوله:
_ ربنا يتم شفاه على خير وما يجيب حاجة وحشة تاني
آمن الجميع على دعائه بينما هتفت إحدى جارتهم:
_ والله أنا أول ما عرفت مقدرتش أقعد من غير ما أطمن عليه
ابتسمت السيدة ميمي ممتنة وردت عليها بلطف:
_ فيكي الخير يا عواطف، تسلم رجليكي يا حبيبتي
نظرت عواطف حيث تجلس ابنتها بغيظ وهتفت مستاءة:
_ والبت شهد مردتش تسيبني أبداً، أقولها يابنتي هتيجي تعملي إيه، تقولي هروح أشوف لينة
مررت نظريها بين شهد ولينة وأردفت مازحة:
_ مش عارفة يا لينة أنتِ عاملة لها إيه؟
ابتسمت لها لينة لكن سرعان ما تجهمت تعابيرها وهي تطالع صديقتها متصنعة الكراهية وهتفت بمشاكسة:
_ بكرهك
ردت الأخرى بنفس أسلوبها:
_ مش أكتر مني
قهقت جميعهن ثم تسائلت السيدة ميمي باهتمام:
_ أومال أمجد فين معتش بشوفه خالص
أجابتها بتلقائية:
_ أمجد بقاله يجي شهر أهو في الجيش، لسه فترة تدريب..
أبدت ميمي تفاجئها بالأمر وقالت:
_ ربنا يطمنك عليه يارب
ثم نظرت حيث يجلس زياد وهتفت بصوت عالٍ:
_ عقبال اللي في بالي
رمقها زياد بلا مبالاة ومازحها بقوله:
_ حاسس إنك بتلمحي لحاجة؟
بنبرة جريئة هتفت:
_لا بلقح يا قلب أمك
لم يستطيع أحد تمالك ضحكاته بعد ما قالته، على جانب آخر، كان بلال يجلس على كرسي بجوار يوسف يطالع الأرضية دون أن ينبس بشئ، كان يوسف ملاحظاً لحالته الصامتة ولم يستطيع سؤاله فالغرفة مليئة بالأناس.
حمحم ليجذب انتباهه قبل أن يردف بنبرة خافتة:
_ ششش، أنت يالا
أنتبه عليه بلال وقال:
_ إيه؟
غمز له يوسف وتسائل مستفسراً:
_ مالك؟ من وقت ما جيت وأنت ساكت!
أخذ بلال نفساً عميق ثم أجاب ببرود:
_ مفيش حاجة تتقال بس
رفع يوسف حاجبه الأيسر بعدم تصديق وصاح مستاءً:
_ عليا برده! إخلص وقول مالك، ولا يعني فاكرني مش فاهم إن فيك حاجة من يوم ما اتجوزت!
تفاجئ بلال برد يوسف وانعكس على تعابيره، مما أزاد يقين يوسف أن ثمة أمراً يخفيه فقال بثقة:
_ انطق وقول مالك
أخرج بلال تنهيدة مهمومة وأردف:
_ لو فيه حاجة ينفع تتحكي كنت حكيتها يا يوسف، سيبك أنت
استنكر يوسف أسلوبه وبهجوم صاح:
_ ودا من امتى يعني؟ من امتى خبيت عليا حاجة؟
بعصبية بالغة أجابه:
_ من يوم ما اتجوزتها وبقت عرضي ومينفعش أتكلم عنها حتى لو معاك أنت..
تفهم يوسف الأمر، ولم يطيل في أسئلته، شعر بلال أنه بالغ في رد فعله فرقق من نبرته وقال:
_ كل حاجة هتتحل يا صاحبي، متحملش همي..
نهض عن كرسيه وأضاف:
_ لو مش محتاجني في حاجة أنا هروح
حرك يوسف رأسه نافياً احتياجه لأمر بينما هتف بلال:
_ تمام، لو احتجت لحاجة كلمني
أنتبه كلاهما على صوتها الساخر حين انضمت إليهما:
_ تؤتؤ أنت هتمشي يا بلال، لسه بدري ما أنت قاعد من الصبح بات بالمرة..
تفاجئ الشابان بحديثها المستهزأ، رفع بلال حاجبيه وتحدث بعناد:
_ طيب أنا صاحبه وأخوه، أنتِ مين بقى عشان تقعدي هنا؟
قلبت لينة عينيها وبعجرفة أجابته:
_حبيبته!
فغر بلال فاهه بذهول لتلك الجرأة المفاجئة، التفت بعينيه إلى يوسف الذي غمز إليه وقال:
_ المدام مستقبلاً..
وزع بلال نظريه بينهما فقهقت لينة عالياً، بينما هتف بلال متسائلاً وهو يمرر نظريه بينهما بعدم تصديق:
_ أنتوا بتكلموا بجد؟
اقتربت لينة من يوسف لتثبت له صحة ما أخبراه به وقالت:
_ ودي فيها هزار؟
تقوس ثغر بلال ببسمة سعيدة ثم هتف متمنياً لهما السعادة:
_ مع إني بحسك مرات أبويا بس هفرحلك برده عشان خاطر صاحبي بس
انفجرت لينة ضاحكة فأثارت تعجب الجالسات وخصيصاً قربها من يوسف لتلك الدرجة، انتبه زياد على نظراتهن فتدخل موجهاً حديثه لهن وهو يقترب من شقيقه:
_ عايزكم تباركوا ليوسف ولينة، عشان خلاص هيبقو لبعض قريب
تبادلن النظرات بذهول أو ربما صدمة فكيف سيحدث ذلك وهو عاقد عليها، تفهم زياد نظراتهم وبدأ يوضح لهن حقيقة الأمور:
_ أنا ولينة عمرنا ما كنا أكتر من اخوات، وهي ويوسف كانوا بيحبو بعض بس للأسف مكنوش عارفين، وخطوة كتب الكتاب اللي حصلت دي كانت السبب أنهم يعرفوا حقيقة مشاعرهم، فطبيعي لما أعرف إن سعادة أخويا بين إيديا كان لازم أعمل إيه حاجة عشان خاطره، ياريت تدعولهم وتتمنو لهم الخير في حياتهم الجاية
كان بلال ويوسف مذهولين من فصاحة لسانه ونضج عقله، ظلا يحدجانه بنظرات غير مصدقة تصرفه العاقل، بينما دعت السيدات ليوسف ولينة بالتوفيق والتمام، فتبادلا يوسف ولينة نظرات سعيدة مليئة بالكثير من المشاعر.
طُرق باب الغرفة فسمحت السيدة ميمي للطارق بالدخول، ظهر بعض الرجال الذي يبدوا على هيئتهم أنهم ذو نفوذ، حمحم أحدهم وقال حينما وجد يوسف:
_ حمدالله على سلامتك يا يوسف، كدا برده كل ما نيجي يقولنا ممنوع المقابلات
ابتسم له يوسف وبلطف أردف:
_ الله يسلمك يا مراد بيه، معلش بقى أدينا اتقابلنا أهو
بنبرة عملية هدر الآخر:
_ أنا عايزك تحكيلي كل حاجة حصلت بالتفصيل عشان اللي عمل كدا ياخد جزاءه
صوب يوسف نظريه على من في الغرفة فاستشف مراد قصده وبأمر صاح:
_ بعد إذنكم يا جماعة محتاجين يوسف خمس دقايق عشان ناخد إجراء قانوني في أسرع وقت
بدأ الجميع يتسلل إلى الخارج حتى باتت الغرفة خالية إلا من يوسف ومراد وأيضاً رجاله، بدأ يوسف يقص عليه ماحدث بالضبط ذاك اليوم المشؤوم وكان الآخر يصغي إليه باهتمام بالغ.
***
عاد إلى منزله حاملاً للهموم، مثلما خرج منه، لا يدري كيف سيواجهها بعد رفضه لها، وهل ستغفر له أم ستتفهم الأمر؟
أغلق الباب بهدوء ثم دلف بخطاه باحثاً عنها، تفاجئ بها خارجة من المطبخ بثياب أكثر من رائعة وكأنها ذاهبة إلى إحدى الحفلات، مصففة خصلاتها كما لم يراها قبل، واضعة بعض لمسات المساحيق البسيطة والتي برزت جاذبية أنوثتها.
ابتسمت في وجهه فكان متعجباً مما يراه، فلم يتوقع ذلك قط، اقتربت منه ثم قالت برقة:
_ غير هدومك على لما أحضر العشا
كان بلال لا يستوعب تلك الحالة، لكنه لم يرفض على الرغم من شعوره بالتعب إلا أنه سيجاري مساءه حتى يهدأ ضميره قليلاً، ولج الغرفة وبدل ثيابه بأخرى مريحة تناسب المنزل وعاد للخارج.
لم يراها في المطبخ فنادته هى من الخارج:
_ تعالى ناكل هنا النهاردة
توجه للخارج وتفاجئ بذاك الفيلم الذي أحضرته ليشاهداه سوياً، جلس بجوراها وتفحص الطعام فلم تترك صنفاً مما يحبه إلا وصنعته، التفت بلال برأسه ناظراً إليها في نظرة طالت فتسائلت هي بفضول:
_ في حاجة؟
"عرفتي منين إني بحب الحاجات دي؟"
هتف متسائلاً، فأجابته هي على حياء مخالط للحماس:
_سألت مامتك وهي اللي قالتلي..
ازداد فضوله حول ما تفعله فعاد متسائلاً:
_ أنتِ بتعملي كدا ليه؟
تقوس ثغرها ببسمة رقيقة وأجابته بلطف:
_ أنا حابة أعمل كدا..
صمت كليهما لبرهة ولم يبعدا نظريهما عن بعض، قطعت إيمان لحظتهم بقولها:
_ يلا ناكل عشان الأكل ميبردش
بدأ في تناول الطعام ومشاهدة الفيلم الكوميدي، فلم يتوقفا عن الضحك طيلة الوقت، وكلما انتهيا من تناول شيئ تحضر إيمان حلوى تارة وتسالي تارة أخرى والكثير من المشروبات حتى انتهى الفيلم.
مدد بلال قدميه على الطاولة ثم وضع يده فوق معدته وصاح بضعف:
_ معتش قادر..
بمشاكسة هتفت من جانبه:
_وأنا كمان..
تنهدت إيمان وبتردد قابلته في الحديث أردفت:
_ ما تحكيلي عنك شوية..
"حابة تعرفي إيه؟"
كان ذلك رد بلال بينما هتفت هي:
_ اللي حابب تحكيه!
ظهرت إبتسامة على شفتي بلال قبل أن يخبرها القليل عنه:
_ أنا كنت الولد الوحيد في العيلة كلها، كل أعمامي عندهم بنات محدش جاله ولد غير أبويا فطبعاً لك أن تتخيلي الدلع اللي كنت فيه، من أعمامي ومرتات أعمامي وبناتهم لأبويا وأمي واخواتي، العيلة كلها مكانتش بدلع غيري، كل طلباتي بتتنفذ من غير تفكير حتى لغاية ما طلعت عيل صايع..
توقف من تلقاء نفسه حينما رأى الذهول في نظرات إيمان وأكد حديثه قائلاً:
_ آه والله ميغركيش إني هادي دلوقتي، أنا كنت خاربها وكل حاجة نفسي فيها بعملها، كنت تقريباً كل أسبوع مع بنت شكل إن مكنش بنتين في نفس الأسبوع وأوقات بيوصلوا لـ ٣ كمان..
لاحظ بلال الصدمة في عيناي إيمان فأوضح حقيقة كلامه:
_ لا تفكيرك ميروحش لبعيد، دي كانت صحوبية بس مش أكتر، كنت فاكر إني كدا جان ومحدش قدي والجو العبيط دا
قاطعته هي بسؤالها:
_ حبيت واحدة فيهم قبل كدا؟
كانت تنتظر إجابته بفروغ صبر فقال الآخر:
_ لأ طبعاً، أنا بقولك أخري معاهم صحوبية وبس، كنت بتسلى يعني..
بنبرة مندفعة قليلاً سألته:
_وكانوا حلوين؟
كانت الغيرة في نبرتها واضحة للغاية، فلم يستطع بلال تمالك نفسه، تصنع أنه يفرك عينيه ليخفي فمه الذي شكل إبتسامة عريضة، وأراد التأكد من شعوره فردد:
_ حلوين بس، دول كانوا فورتيكة
تجهمت تعابير إيمان وطالعته بملامح جامدة، تلك المرة لم يصمد أمام نظراتها وانفجر ضاحكاً، فأثارت ضحكاته تعجبها، وبعد أن استطاع السيطرة على نفسه هتف:
_ بهزر طبعاً، أنا عايز أقولك إني مش فاكر شكل ولا واحدة فيهم أصلا..
ارتخت تعابيرها ثم قالت بفضول:
_ وبعدين؟
تابع بلال حديثه:
_ وبس فضلت كدا لغاية ما شوفت هدير أختي واقفة مع واحد اللي هو جوزها حالياً، هو كان زميلها في الكلية وجارنا، طبعا أنا قلبت الدنيا وإزاي تقفي مع راجل غريب وبتاع قعدت تحلف لي إنه كان محتاج محاضرة معينة بس أنا مصدقتش فقامت قيلالي مش كلهم صايعين زيك وبيلعبوا ببنات الناس..
أنا سمعت الكلمتين دول من هنا وحسيت قد إيه أنا حقير، ومن وقتها وأنا ماشي على الصراط المستقيم وعملت بجملة اللي مرضهوش لاخواتي مرضهوش على بنات الناس.
تعرفي كمان من ضمن أسباب إني معتش أكلم بنت، إني لغاية دلوقتي مش قادر أحب عزت جوز أختي دا، مش قادر احترمه فأنا محبتش إني أكون مكانه في يوم!
قهقه بلال عالياً حينما تذكر أمراً ما وأضاف:
_ مرة مسكته أنا ويوسف وأخد مننا حتة علقة
اتسعت حدقتي إيمان بذهول ورددت بعدم تصديق:
_ يوسف!
أكد بلال على حديثه قائلاً:
_ آه يوسف مش مصدقة ليه؟
أوضحت له سبب عدم تصديقها:
_ أصل أنت متعرفش يوسف عندنا في البيت إيه، بيضرب بيه المثل في كل حاجة فعشان كدا مصدقتش
أومأ بلال بتفهم وقال:
_ هو أنا مش قصدي إن يوسف وحش، بس هو شقي هو يبان عليه إنه هادي بس هو مش كدا خالص
تنهد بلال وأراد تغير الحوار الذي كان محوره يوسف:
_ دورك، احكيلي عنك
ابتسمت إيمان ساخرة وهتفت بحزن:
_ مفيش حاجة مميزة في حياتي أحكيها، أنا اتولدت في بيت فيه الأم بتخاف جداً على ولادها كانت رافضة اللعب ونزول الشارع لغاية مابقيت أنطوائية جداً، لا عمري عرفت أصاحب بنت ولا عرفت أعمل ليا صاحبة العمر زي ما كل بنت عندها، دايرتي صغيرة جداً يدوب عمتو وبيتنا والدراسة وبس
استشفت تعجب بلال فتفت ساخرة:
_ حكاية مملة معلش
حاول بلال التفكير معها بصوت عالٍ:
_ ليه مفكرتيش تصاحبي لينة طول السنين اللي فاتت دي كلها؟
تشكلت إبتسامة ساخرة ناهيك عن تعابيرها التي تجهمت لبرهة ثم أردفت:
_ لينة دي آخر حد ممكن أفكر أصحابها
أثارت فضول بلال وراء كلماتها فتسائل مستفسراً:
_ ليه؟
أخبرته عن السبب بسلاسة:
_ أنا شخصية ولينة شخصية تانية خالص، بقولك أنا مقفول عليا من صغري ومنطوية وهي بنت دلوعة أوي، وكل طلباتها بتتنفذ، وأنا مكنتش بحب الدلع اللي معيشينها فيه دا، من أول عمتو ليوسف لزياد، كنت حساهم بيبالغوا..
نكست رأسها في حزن وتابعت بنبرة متحسرة:
_ ممكن تقول غيرة!
حدقها بلال بدهشة فأكدت ذلك:
_ كل حاجة طيب وحاضر وموجودة عندها وهي مجرد بنت غريبة عنهم وأنا لأ! فكان دايما في حاجز كدا بينا مقدرتش أتخطاه وأعملها صاحبة!
دا غير أنها عيلة أصلا ولا تفكيرها تفكيري فعندي أسباب كتير يعني..
أومأ بلال بتفهم ثم أردف قاصداً كلماته وهو يطالعها باهتمام ليرى رد فعلها:
_ مش يوسف طلع بيحبها!
لم تتفاجئ إيمان بل ابتسمت فتسائل بلال عن سبب ضحكاتها الغامضة:
_ بتضحكي علي إيه؟
بتلقائية أجابت:
_ أصل دا كان باين أوي
ضاق بلال بعينيه عليها مردداً:
_ بس أنا ملاحظتش كدا!
ازدادت إبتسامة إيمان وهي تقول:
_ يبقى أنت محبتش بجد يا بلال!
قطب جبينه بغرابة وسألها بجدية:
_ بتقولي كدا ليه؟
حكت إيمان جبينها قبل أن تردف إجابتها المنتظرة:
_ لو كنت حبيت بجد كنت فهمت إن يوسف عاشق ولهان، وكل اللي كان بيعمله دا عشانه بيحبها مش عشان هي أخت صاحبه والكلام اللي كان بيقوله دا..
ساد الصمت لدقائق حتى قطعته إيمان بتثائبها قبل أن تتحدث بنعاس:
_ أنا هدخل أنام، تصبح على خير
"وأنتِ من أهله"
رد عليها بلال بينما نهضت الأخرى لكنها لم تنجح في الوقوف على قدميها بسبب تنميلها، اختل توزانها وسقطت للخلف حيث يجلس بلال الذي لحق بها بذراعيه.
شعرت إيمان بالحرج الشديد فرددت وهو تطالع عينيه:
_ أنا آسفة بس رجلي نملت ومقدرتش أقف
بهدوء أردف:
_ ولا يهمك، خليكي لغاية ما تفك..
كانت تتوسط قدميه وتتعلق في ذراعه، كانت قريبة للغاية، كانا كليهما يهربان بنظراتهما بعيداً لكن دوماً يعودان لتبادل نظراتهما من جديد، حمحمت إيمان وسألته بخفوت:
_ لسه بتحبني؟
تفاجئ بلال بسؤالها فهرب بعينيه بعيداً، أعادت هي وجهه إليها في انتظار سماع إجابته، تنهد بلال وأماء برأسه مؤكداً سؤالها، صاحت هي بتلقائية وهي تطالع سودتاه:
_ وأنا كمان...
أجبرها بلال على الصمت بنهوضه المفاجئ حاملها بين يديه، توجه بها إلى الغرفة ثم وضعها برفق على الفراش فتحدثت هي بعفوية:
_ أنا عايزة أقولك حاجة..
دار بلال حول الفراش ذاهباً إلى جهته التي سينام بها وأردف بإقتضاب:
_ وأنا مش عايزك تقولي حاجة
استلقى على الفراش فصاحت هي متسائلة:
_ أنت ليه مش عايز تديني فرصة؟
أجابها مختصراً:
_ لأن الكلام اللي هيتقال هيكون مجرد تريح لضميرك مش هيكون حقيقة
التفت برأسه ناظراً إليها وقال:
_ نامي يا إيمان، تصبحي على خير
أولاها ظهره محاولاً النوم تحت نظراتها المصدومة، لم تتحمل ردة فعله وانتفضت من مكانها ثم هرولت للخارج، دلفت الغرفة الأخرى ثم جهشت باكية، فهي تغاضت عن أسلوبه مراراً لتوطد علاقتهما لكنه دوماً يخرب كل شيئ.
اقتربت من الفراش وألقت جسدها عليه، لم تجف دموعها بسهولة، بل ظلت على تلك الحالة حتى تغلب عليها النوم من شدة التعب.
***
في الصباح، عاد إلى غرفته واستقل الفراش بأمر من والدته التي أسرعت للخارج لكي تعد له فطور شهي، بينما لم تبرح هي مكانها وظلت تطالعه بأعين عاشقة قبل أن تردد برقة:
_ حمد لله على سلامتك
بهدوء قال:
_ الله يسلمك يا لي لي
ابتسمت بعذوبة فاستغل يوسف انفرادهما وصاح:
_ ممكن تساعديني أقلع التيشيرت؟
تفاجئت لينة بطلبه وطالت نظرتها التي لا تصدق حقاً أنه طلب ذلك فتصنع هو التعب:
_ تعبان مش قادر أساعد نفسي..
التفتت لينة ناظرة إلى الباب وهتفت بتردد يشوبه الحرج:
_ ممكن حد يجي ويفهم غلط..
أراد إقناعها بشتى الطرق فقال بنبرة رخيمة:
_ ميمي بتحضر الفطار وزياد لسه بيجيب الأدوية يعني محدش هيجي دلوقتي لو سرعتي شوية..
ابتلعت ريقها وهي تطالعه، فحثها هو بنظراته على مساعدته، أخذت زفيراً عميق وتوجهت نحوه ثم جلست مقابله على الفراش، حارصة على عدم النظر في عينيه ثم أمسكت بطرف ثوبه ورفعته قليلاً فظهرت عضلاته بوضوح.
ارتفعت وتيرة أنفاسها ناهيك عن توترها الذي ازداد أضعافاً، فلم تكن قريبة بهذا الشكل من قبل، والأحر عينيه التي لم تُرفع من عليها، رفع يوسف ذراعيه للأعلى حتى يسهل عليها خلع ثوبه، تنفست الصعداء فور انتهائها فأردف هو بخفوت:
_ جيبي واحد تاني بقى
أماءت بطاعة وتوجهت نحو خزانته ثم قامت بسحب ثوب آخر وعادت إليه، ناولته ثوبه فعاتبها بلطف:
_ يعني أنا مش قادر أقلعه هبقى قادر ألبسه!
يبالغ ذاك الشاب، ووزعت نظريها بينه وبين الباب ثم اقتربت منه وساعدته على ارتدائه برفق، كان لازال مرفوعاً من الخلف فمدت يدها خلف ظهره فلمسته دون قصد، سرت رجفة قوية في خلاياها شعر بها يوسف ولم يمنع ابتسامته في الظهور، فكان الوضع محبباً إليه للغاية.
انتهت لينة مما تفعله ثم نهضت مسرعة فقال هو بعذوبة:
_ شكراً
بإبتسامة رقيقة على شفتيها هتفت:
_ عفواً
أرادت الهروب من أمامه فحمحمت وبتلعثم أردفت:
_ أنا هروح أغير هدومي..
أولاته ظهرها فهتف يوسف بخبث:
_ مش عايزة مساعدة؟
جحظت عيناي لينة بصدمة، التفت برأسها ومازالت آثار الصدمة على وجهها، غمز إليها يوسف بمشاكسة فلم تستطع الوقوف لثانية أخرى وهرولت إلى الخارج مسرعة بينما انفجر يوسف ضاحكاً على هرولتها، ثم أخرج تنيهدة حارة على قلبه المتيم وعزم على تعجل الأمور حتى تصبح زوجته للأبد.
***
فرك عينيه بقوة لكي يستطيع الإعتياد على انعكاس أشعة الشمس التي عمت الغرفة، نهض وهو يطالع المكان من حوله بكسل، لم يجدها في الغرفة فظن أنها غفت تلك الليلة في الغرفة المجاورة لأنها لم تأتي منذ ذهابها أمس.
كاد أن ينهض إلا أنه تريث لحظة خروجها من غرفة تبديل الثياب، انتبهت عليه فاقتربت منه وقالت بتجهم:
_ أنا عايزة أروح عند ماما..
لم يمانع بلال فردد بقبول:
_ ماشي..
أخذت نفساً قبل أن تخبره بمرادها:
_ هقعد يومين هناك..
عقد بلال حاجبيها متعجباً من طلبها وتسائل بجدية:
_ ليه؟
"محتاجة أريح أعصابي شوية، ومفتكرش إنك محتاجني في حاجة عشان تعترض"
هتفت بهم وهي تواجهه بعينين ثاقبتين، بينما كان الرفض يسيطر على تفكير بلال، لكنه لا يريد إجبارها على المكوث معه، فهي لم ترى منه سوى الرفض طيلة الوقت.
أخرج تنهيدة وقال بإقتضاب:
_ ماشي..
سار بجوارها متوجهاً إلى المرحاض بينما أطلقت هي ضحكة ساخرة وتمتمت بنبرة مختنفة:
_ كنتِ فاكرة إيه يعني، هيمسك فيكي!
حركت رأسها مستنكرة حياتها التي لا تتبدل أحوالها إلى الأفضل بل فقط تسوء وتسوء، خرجت بخطاها تنتظره في الردهة لحين انتهائه.
بعد مدة قضاها في الطريق، وصلا إلى منطقة والداي إيمان، أوقف بلال السيارة ونظر إليها نظرته الأخيرة قبل ذهابها، لم تريد الترجل قبل البوح بما يكمن داخل قلبها، تبادلت معه النظرات لثوانٍ ثم قالت متحسرة:
_ على فكرة يا بلال الحب لوحده مش كفاية!
حبك ليا كان مجرد شغف لتجربة علاقة جديدة وراح مع أول غلطة غلطتها، اللي بيحب بجد بيكون رحيم وبيقدر يسامح ويعدي
وأنت لا عارف تكون رحيم معايا وتسامحني ولا قادر تعديلي أي كلمة ودايماً بتربطها بحاجات مش موجودة غير في خيالك وبس!
وأنا حاولت أصلح واتغاضى، حاولت أبدأ من نفسي وأصلح غلطتي بس أنت مدتنيش فرصة لأنك ببساطة محبتنيش، لو كنت حبتني زي ما بتقول كنت هتساعدني نسعى ونصلح حياتنا بس أنت حتى محاولتش!
أنا مش هقعد هنا يومين بس، أنا هنا لغاية ما إحنا الإتنين نعرف حقيقة مشاعرنا وعايزين نكمل ولا لأ، إحنا الاتنين يا بلال مش أنت بس!
لأن محاولاتي خلاص خلصت وطاقتي نفذت، ومحتاجة أنا كمان أعرف أنا عايزة إيه ومن هنا لغاية ما نعرف نهاية الموضوع دا، ياريت نبعد على قد ما نقدر، لا نتكلم ولا نشوف بعض..
أنهت حديثها وسرعان ما ترجلت من السيارة دون أن تلتفت، كان يتابع حركتها ولا يستطيع فعل شيء، كأنه مقيد بالأصفاد، لم يكن يوماً ضعيفاً بهذا الشكل، لماذا لا يرفض ذهابها ويركض خلفها ويعيدها إليه، أليس هذا ما أراده وتمناه سابقاً!
كيف لم يعترض طريقها ويجبرها على العودة معه؟ أيمكن حقاً أنه لم يحبها؟ لكن كيف؟
كيف وقلبه لم ينبض لسواها!
كان يقنع عقله بأخذ هدنة لمعرفة ما أن كان يحبها حقاً أم تلك مشاعر كاذبة مثلما أخبرته.
تحرك بالسيارة وبالكاد يرى الطريق أمامه، فكان يشعر بالإختناق وكأن أحدهم يضغط على صدره يمنعه من التنفس جيداً، صف السيارة على جانب الطريق وترجل منها لعله يعود لرشده باستنشاقه بعض الهواء النقي.
فشل في استعادة رونقه فما كان أمامه سوى الهروب إلى مكان يخلوا من الأناس يستجمع ذاته به إن نجح في ذلك.
***
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية