رواية انشودة الاقدار الفصل السابع و العشرون 27 - بقلم نورهان العشري
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة السابعة و العشرون ج٢ 🎼 💗
من أصعب الأشياء في هذه الحياة هو أن يتساقط العمر من بين ثقوب القلب التي ولدتها اختياراتنا الخاطئة ، والتي كانت أثمانها باهظة . كلفتنا آلاف الخيبات و الكثير من العبرات إلى أن اهترأت الروح و فنى الجسد و لازال الفؤاد يقاوم إيمانًا بوعد رباني صادق
" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ "
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ مُصرين بردو تمشوا ؟ طب ما تقعدوا معانا كمان يومين .
هكذا تحدثت «حلا» بحزن إلى «سليم» الذي ما أن انتهى الغداء حتى عجل بـ مغادرتهم لكي يعود إلى القاهرة مرة أخرى فـ الأوضاع هُناك مُحتدمة هكذا أخبره «مروان» ليقرر بأنه عليه العودة في أسرع وقت
_ حبيبتي يا حلا صدقيني ورايا شغل كتير . بس أن شاء الله الدنيا تظبط كدا و هجيب ماما و العيلة كلها و نيجي نزوركوا .
تدخل «ياسين» يحتضن كتفيها وهو يقول بهدوء
_ والله يا سليم احنا كان المفروض هنيجي نزور الحاجة أمينة بس حمل حلا كتفنا . غلط على البيبي السفر في الأول كدا .
_ ولا يهمك انا عارف . أن شاء الله لما تشد حيلها شويه تيجوا تقعدوا معانا يومين .
هكذا تحدث «سليم» فأجابه «ياسين» الذي كان يُتابع ملامح «جنة» الذابلة
_ أن شاء الله . أنتِ كويسه يا جنة ؟
حاولت أن تشحذ بعضاً من قواها لترسم ابتسامة باهتة على ملامحها قبل أن تقول بهدوء
_ كويسة يا ياسين . الحمد لله.
اقتربت «تهاني» تعانقها بقوة وهي تقول بجانب أذنيها
_ أن شاء الله دايمًا كويسه يا بتي. خلي بالك من نفسك و من محمود .
«جنة» بهدوء
_ حاضر يا طنط . متقلقيش.
تقدمت «حلا» لتُمسك بيد «جنة »تجذبها إلى ركن مُنعزل وهي تقول بمرح
_ عن اذنكوا هنقول شويه كلام بنات على ما تشربوا القهوة .
لم تُمهلهم الوقت إذ جذبت «جنة» إلى الشرفة الخارجية للقصر لتُجلسها على أحد الارائك وهي تقول بتحذير
_ قوليلي مالك فيكِ ايه ؟ و إياكِ تخبي عليا . وشك متغير و لونك مخطوف و عينِكِ فيها دموع . سليم عملك حاجه ؟
لم تستطِع مقاومة طوفان العبرات التي تدحرجت فوق خديها كصخور مُدببة تترك آثارًا مؤلمة لا يُمكن محوها فشهقت «حلا» بصدمة و سُرعان ما جذبتها إلى أحضانها وهي تقول بتأثر
_ انا قولت فيكِ حاجه ؟ مالك يا جنة احكيلي . فيكِ ايه ؟ مين زعلك كدا ؟
تعالت شهقاتها حتى بدت تؤلم صدرها الذي كان يعلو و يهبط من فرط الوجع الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ انا حامل ، و البيبي لازم ينزل .
شهقت «حلا» بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
_ ايه ؟ بيبي ايه اللي ينزل ؟
«جنة» بنبرة مُشجبة
_ الدكتور قال لسليم أنه مينفعش حمل في الوقت دا و أن البيبي هيكون مُشوه بنسبة كبيرة عشان جرعات الكيماوي اللي اخدتها.
تعاظم الأسى بصدرها على تلك المسكينة التي لا تنفك الحياة تُحاصرها بأزمات و عواقب تفوق طاقتها و سنوات عمرها ولكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام حزنها لذا قالت بنبرة هادئة
_ طب و أنتِ زعلانه ليه يا هبلة ؟ دا أنتِ حقك تفرحي .
انتزعت «جنة» نفسها من بين يدي حلا وهي تقول بصدمة
_ افرح ! بقولك هنزل ابني يا حلا تقوليلي افرح !
«حلا» بتأكيد
ـ ايوا تفرحي . عشان حملك دلوقتي يعتبر معجزة ربنا بعتهالك عشان يقولك انك تقدري تحملي . مش كنتِ مرعوبة لما عرفتي بموضوع الكانسر لتكوني مش هتعرفي تحملي تاني ؟ شوفتي ربنا بقى و جماله. بعتلك حتة معجزة صغيرة تقولك يا جنة أنتِ تقدري تحملي . حتى لو هتضطري انك تنزليه و تصبري شويه بإذن الله ربنا هيكرمك .
أضاءت تلك الفكرة عقلها وارتج قلبها من فرط الرهبة التي سُرعان ما تحولت لابتسامة بلهاء أسعدت قلب «حلا» كثيرًا و التي قالت بحماس
_ كنتِ خايفة و اهو ربنا طمنك . عارفه أن الموضوع صعب بس معلش كل دي ابتلاءات عشان ربنا يشوفنا ناس مؤمنة و هنصبر ولا لا ؟ و أنتِ تستحقي كل خير و دايمًا افتكري أن في كل كرب مريتي بيه كان ربنا بنزل اليُسر مع العُسر . من بين حدوتة حازم و وجعها خرجتي بسليم و محمود اللي لولاه مكنتيش عرفتي بتعبك و اتعالجتي منه وهو لسه في أوله . شوفتي بقى ربنا رحمته واسعة ازاي ؟
تساقط الدمع من عينيها تباعًا مع كلماتها حين قالت بقلب راضٍ و نفسٍ هادئة
_ ونعم بالله . عندك حق . الحمد لله أنا أقدر اخلف تاني . دا المهم . أنتِ عندك حق يا حلا .
عانقتها «حلا» بحنو تجلى في نبرتها وهي تقول
_ أنتِ طيبة اوي يا جنة و اتظلمتي كتير . بس ربنا كبير والله و هيبعتلك فرح الدنيا كله .
شددت من عناقها وهي تقول بأمل
_ أن شاء الله.
رفعت «حلا» رأسها وهي تناظرها بعينين يخفيان الكثير مما جعل «جنة» تقول باستفهام
_ في ايه ؟ حساكِ عايزة تقولي حاجة و مترددة ؟
تحمحمت «حلا» قبل أن تقول بخفوت
ـ هو . هو أنتِ هتروحي مع سليم البيت ؟
_ يعني ايه هروح مع سليم البيت ؟ اومال هروح فين ؟
هكذا تحدثت «جنة» باندهاش قابلته «حلا» بالتردد لتحثها «جنة» على الحديث قائلة
_ في ايه يا حلا ؟ مخبية عني ايه ؟ أنتِ نسخة من مروان و بيبان عليكِ احكي .
زفرت «حلا» قبل أن تقول حديثها دفعة واحدة
ـ طب هو أنتِ استعديتي عشان تقابلي لبنى ؟
مر الاسم على عقلها دون أن يترك أثرًا لهذا قالت باستفهام
_ لبنى مين ؟
لم يكُن هُناك مفر من اخبارها لذا سحبت قدر كبير من الأكسجين داخل رئتيها قبل أن تقول
_ لبنى البنت اللي حازم اغتصبها قبل ما يسافر جت عشان تعيش في القصر معاكوا !
شهقة قويه خرجت من جوفها قبل أن تهُب من مكانها وهي تقول بصدمة
_ أيه ؟؟؟
_ جنة مش يالا اتأخرنا .
هكذا تحدث «سليم» يحثها على النهوض فلم يفته ملامحها المصدومة ولكنها سرعان ما استعادت جأشها وهي تلتفت إلى «حلا» قائلة بجمود
_ نبقى نكمل كلامنا في الفون .
اومأت «حلا» بصمت فيما اندفعت لتبادل السلامات مع الجميع لتتوجه معه الى السيارة لتبدأ رحلة العودة الهادئة و حين لاحت معالم مدينة القاهرة التفتت إليه قائلة بهدوء
_ ينفع منروحش البيت على طول ؟
كان يشعر بأنه هناك شيء خلف هدوئها هذا ولكنه أرجح إلى أن الأمر بسبب الحمل لذا قال بحنو
_ حابة تروحي فين ؟
_ ممكن تروح اي فندق . يومين بس ، و بالمرة نروح للدكتور و نشوف هنعمل ايه ؟
لم يُجادلها انما استجاب لذلك النداء المُطل من عينيها لكي يحتوي بعثرتها التي اهتدت فوق ساحة صدره الدافيء ليضع قبلة حانية فوق جبهتها بينما عينيه مازلت على الطريق أمامه وهو يُفكر كيف يُمكنه أن يخبرها بكل ما فاتها دون أن يُشير إلى الماضي بآلامه.
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ♥️
★★★★★★★★★★
سبعة أيام بلياليها لم يُفارق مصحفه و كأن هناك خيط خفي يربطه بتلك الحروف التي تخترق غياهب صدره لوقد نورًا و سكينة و هدوء نفسي لم يختبره مُسبقًا فقد كان كمن تاه بصحراء الحياة القاحلة و ضاع بين رمالها الصفراء نزل حتى ظن أنه هالك ليأتيه ذلك الضوء الملائكي ليرشده إلى واحة سلام جعلته يرى صحراءه جنان خضراء يمرح بها وهو يؤدي عمله بجد و محبة بعد رحلة تمرينات شاقة ثم ينزوي في صومعته يقرأ و يتفقه في تلك الكُتب التي لا يعلم من أين أتى بها ذلك الرجل الذي كان مدينًا له بحياته التي أصبحت الآن شيئًا ذات قيمة .
_ صدق الله العظيم . فتح الله عليك يا شيخ حازم .
هكذا تحدث «جرير» بصوته الخشن وهو لأول مرة يبتسم بابتهاج لكونه يرى «حازم» الذي استعاد إنسانيته من جديد و اتخذ مساره الصحيح في هذه الحياة فقد راهن نفسه على نجاحه في مسعاه معه والآن لاحت بوادر النصر على الرغم من أن الاختبار الحقيقي لم يأتي بعد
_ صباح الخير . شيخ ايه يا عم أنا لسه بقول يا هادي .
«جرير» بمرح
ـ طب يالا عشان الغدا عليك النهاردة.
«حازم» بعدم فهم
_ يعني ايه ؟ متقوليش هتخليني اطبخلك!
«جرير» بسخرية
_ ليه حد قالك اني عايز انتحر ! قوم يالا انت اللي هتجبلنا الأكل .
نصب عوده وهو يتقدم منه قائلًا بعدم فهم
ـ يا عم فهمني تقصد ايه ؟ هروح اشتريلك الأكل يعني ؟
_ هو انت حيلتك حاجه ؟
هكذا تحدث «جرير» ساخرًا فشاركه «حازم» المُزاح قائلًا
ـ على أساس أن المحلات مقطعه بعضها حوالينا ! دا احنا في المنفى دا من الله أننا مموتناش من الجوع.
_ بتتريق مش عاجبك ! احمد ربنا غيرك مش لاقي اللقمة .
لامست جملته شيئًا ما داخل قلبه حين تذكر موقفًا مع «سليم» حين أراد أن يشتري سيارة جديدة و لم يمضي على شراء سيارته السابقة سته اشهر
_ عربية ايه اللي تغيرها يا ابني ! دي عربيتك مكملتش ست شهور . حرام عليك ربنا يحاسبنا!
تذمر «حازم» قائلًا
_ يحاسبنا على ايه ؟ هو انت بتأفور ليه ؟ ما كل الناس بتغير عربياتها على طول جت عليا يعني !
_ يا ابني حرام دا تبذير . أن المُبذرين كانوا اخوان الشياطين .
صاح «حازم» ساخطًا
_ يا عم تف من بقك . هتشيطني عشان عايز اغير عربيتي ! تبذير ايه دا انت بخيل و جلدة ، واقفلي عالواحدة و بتديني بالقطارة . انا بعد كدا هتعامل مع سالم . ماليش كلام معاك .
برقت عيني «سليم» من كلماته التي تحمل بُهتانًا كبيرًا في حقه
_ انا بخيل و بديلك بالقطارة ! تصدق انك انسان جشع . دا انت بتاخد مصروف في الشهر قد اللي أسرة كاملة بتصرفه في تلت شهور و بردو مش عاجبك . احمد ربنا في غيرك مش لاقي اللضى. .
ـ وانا مالي و مالهم . ذنب امي ايه ادفع تمن أن في ناس مش لاقية . كل واحد و ظروفه ، وانا ابن الوزان يعني اصرف براحتي . اعتبره من حقي في ابويا.
كان الجشع يتساقط من بين نبرته ونظراته فتأثر« سليم» كثيرًا من رؤيه شقيقة تلك الدرجة من الجشع لذا قال بخيبة أمل
_ بكرة تندم لما النعمة تزول من وشك . وقتها هتعرف أن الله حق ،
اخفض «حازم» رأسه ولسان حاله يهتف بحرقة
_ عرفت أن الله حق يا سليم . عرفت .
سرعان ما زوى ما بين حاجبيه وهو يتذكر كلمات والدته المُوبخة التي قالتها ل«سليم» إثر ما حدث
_ في ايه يا سليم ؟ بتزعق لاخوك و تزعله ليه ؟ ما براحته . ايه يعني أما يغير عربيته في السنة مرة ولا اتنين !
«سليم» بحنق
_ يا ماما أنتِ كدا بتبوظيه ! غلط . دا تبذير ربنا ميرضاش بكدا أبدًا
«أمينة» بغضب
ـ انت اللي هتعرفني ربنا يا سليم ! و ياترى ربنا بيقولك تقف قدام امك تزعق بالشكل دا !
_ يا أمي ...
قاطعته بحزم
_ ملكش دعوة بيه ، و اوعى بعد كدا تمنع عنه أي فلوس يطلبها ، و إلا هتزعل مني . حازم يركب احسن عربية في أصحابه هو ابن أي حد دا ابن منصور الوزان .
أطلق تنهيدة قوية قبل أن يرتفع برأسه لمطالعة «جرير» الذي تفهم ما يمر بداخله فلجأ للصمت الذي قطعه «حازم» قائلًا بنبرة مُتحشرجة
_ الحمد لله على كل حاجه .
_ يالا . عشان هعلمك تصطاد النهاردة.
ـ نصطاد سمك ؟
خرج الاستفهام مندفعًا من بين شفتيه مما جعل قهقهة قويه تخرج من فم «جرير» الذي صاح بصوتًا جهوري
_ يا ابني مكنوش يؤدوك زمان و يريحونا من غبائك . غزلان يا خفيف .
انتابه الحرج الذي سيطر على لهجته حين قال
_ يا عم طلعت غصب عني مانا معرفش غيره بيصطادوه .
_ طب قدامي . قدامي ياخويا خلينا نشوف قرفتك هتبقى ايه ؟
«حازم» بسخرية
_ لا بلاش تراهن أنا فقر طول عمري ، و الا مكنتش قابلتك.
ربنا أتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ♥️
★★★★★★★★★★
جميعنا نملك صندوقًا أسود بداخل قلوبنا تجتمع به جميع الخيبات و الخسارات التي لا نجرؤ على التحدث عنها فـ ذكريات المرء لا تتبخر مع سنوات العمر ولا خيبات الإنسان تمحي آثارها أعظم انتصاراته.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ صفوت بيه . الست اللي قولتلي اجمع معلومات عنها تبقى مرات مجرم سابق كنت انت بتحقق في قضيته اسمه جندي الرفاعي . اللي مات محروق في السجن .
تلقى صفوت تلك المعلومات بصدمه بينما
أخذ يتذكر تلك القضية التي قضى بها أكثر من ثلاث سنوات ليتم القبض على أحد كبار تجار المخدرات في البلاد وحين حالفه الحظ و قام بالقبض عليه توفي بعد سجنه في أسوء ظروف قد يتوقعها أحد .
لا يعلم لما أخذه عقله إلى تلك القضية ليسترجع تفاصيلها التي فقد كان بها الكثير من الأحداث المُشينة فهو لايزال يتذكر ذلك التحقيق الذي أجراه منذ أكثر من تسعة عشر عامًا
عودة لوقتٍ سابق
_ ما تجيب من الآخر يا جندي ، و تقول مين اللي مشغلك ؟
لم ترهبه معالم الرجل الذي يرتسم بهم الإجرام ولا تلك النظرات المُرعبة التي تطل من عينيه و نبرته القاسية حين قال
_ احنا بنشتغل لحسابنا يا بيه . قولتلك الكلام دا قبل كدا .
زفر «صفوت» حانقًا قبل أن يقول بجفاء
_ كل الكميات دي لحسابكوا ! فاكرني مختوم على قفايا ياله ؟
شبح ابتسامة ساخرة لونت ملامحه بطريقة استفزت «صفوت» الذي برقت عينيه حين تمتم جندي بتهكم
_ لسه واخد بالك دلوقتى!
زمجر «صفوت» بشراسة
ـ بتقول ايه ياله ؟ علي صوتك يا روح امك .
ابتلع جمر الإهانة وهو يرتفع برأسه يناظره بعينين لونتهم السخرية
_ بقول حاميها حراميها.
برقت عيني «صفوت» بغضب جحيمي و اقترب يمسكه من تلابيبه وهو يزمجر بوحشية
_ تقصد ايه إبن الكلب ؟
حاول التحدث وهو يُجاهد لالتقاط أنفاسه بصعوبة
_ انت . عا . عارف . كل . حاجه ، و عامل . نفسك . مش . مش فاهم . عشان اسم العيلة .
انسل من بين يدي «صفوت» الذي أصابه الجمود لكلماته الغامضة و التي فتحت أبواب الجحيم في عقله فقد كان يشتبه بمصادر أموال شقيقه ولكنه لم يكُن يُمسِك عليه شيء ، ولكن الآن دق هذا الوغد نواقيس الشك بعقله ولكن قاطع تفكيره رنين هاتفه الذي جعله يتقدم ليُجيب بجفاء في حديث دام لعدة دقائق انهاه و هو يرتفع برأسه يُطالع« جندي» بجمود تجلى في نبرته حين قال
_ ابنك نقلوه المستشفى امبارح الفجر ، و حالته خطر . لسه بردو مُصر تخبي؟ اعمل خير حتى يقعد لك في ابنك يمكن ربنا يشفيه.
اهتز الرجل بدرجة كبيرة و لكنه أخفى ما ينتابه من ذُعر خلف قناع من الجمود تجلى في نبرته حين قال
_ لو له عمر هيعيش سواء عملت خير أو شر .
زفر «صفوت» حانقًا ثم صاح مُناديًا لذلك العسكري ليأخذه إلى الحبس ولكن قبل أن يُغادر تحدث «صفوت» بنبرة ذات مغزى
_ فكر من هنا للصبح . انا بايت هنا النهاردة. لو غيرت رأيك عرفني.
تعلقت نظرات «جندي» ب«صفوت» لثوان قبل أن يُغادر بصمت
أخذ «صفوت» يتذكر تلك الليلة في منتصفها حين جاءه أحد العساكر يُخبره بأن المسجون بالأسفل يُريد التحدث إليه و بالفعل ارسل في طلبه ليقول المدعو «جندي» بلهجة يشوبها الألم
_ مش هفتح بقي بحرف الا لو شفت ابني !
بدأ الهواء النقي بالدخول إلى رئتيه ليقول بخشونة
_ موافق . بكرة زي دلوقتي هتشوفه.
«جندي» بنبرة جافة يشوبها الخوف
_ و افرض مستناش لبكرة ؟
_ لو مكتوبلك تشوفه هتشوفه ، و بعدين هو خروجك من هنا سهل ؟
«جندي» باستفهام
_ مش خايف اهرب ؟
_ لا . انا و انت عارفين انك مش هتعمل كدا .
لم ينسى ذلك اليوم المقيت حين ساعده لرؤية طفله الذي توفي بعدها بثلاث ساعات فلم يكُن يعرف كيف يُخبره أو أن كان عليه إخباره من الأساس ولكنه ارجأ هذا الأمر إلى حين معرفة كل شيء منه ليتفاجأ بـ إنذار حريق ضرب الحجز في الأسفل و حينها توفي الجميع و من بينهم جندي !
أستغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اتوب اليه ♥️
★★★★★★★★
_ ياترى سيادة النائب فاضيلي شويه ؟
هكذا تحدثت «فرح» وهي تدلف إلى غرفة المكتب لتجده يقوم بتحضير حقيبته للمغادرة وحين رآها توقف عن فعل كل شيء و امتدت يديه ترحبان بها في دعوة صريحة لاقترابها وهو يقول بخشونة
_ سيادة النائب لو وراه الدنيا كلها يسبها عشان خاطرك .
اقتربت تحاوط عنقه بدلال بينما عاتبته نبرتها حين قالت
_ جيت متأخر امبارح و مصحتنيش ، و قومت من جنبي الصبح من غير ما تصحيني . كدا عندك غرامة تأخير امبارح و حضور و انصراف النهاردة.
دغدغت خصرها أنامله فيما غازلتها نبرته حين قال
_ وانا بقول من امبارح و مزاجي وحش ليه ؟
_ ليه ؟
استفهمت بدلال كان رائعًا كروعة كلماته حين قال
_ عشان مخدتش جرعة المُهديء بتاعتي امبارح و لا حليت بالفراولة بتاعتي النهاردة .
_ لا دا كدا خطر على صحتك . تعالى هنا .
اقتربت تعانقه بحنو كان في أمس الحاجه إليه لتقتلع من قلبه اشواك القلق الذي تعلم كم يؤرقه و يشغل تفكيره فكانت لحظات هادئة أدت مفعولها جيدًا فرفع رأسه يُطالعها بحب تجلى في نبرته حين قال
_ ربنا يخليكِ ليا .
_ و يخليك ليا . قولي مفيش جديد ؟
عاد الغضب يلوح بسماء عينيه و يتجلى بنبرته حين قال
_ لسه . محتاجين أي طرف خيط نبتدي منه .
ـ طب ما تتكلم معاه .
هكذا تحدثت بهدوء ليُجيبها بفظاظة
_ عشان اثبتله أنه نجح في أنه يلخبطلنا كل تفكيرنا .
_ طب بص . احنا نمسك الحكاية من الأول ، و اكيد هتلاقي حاجه توصلنا لطرف خيط . بس الأول نرتب اوراقنا .
«سالم» باختصار
_ رتبي .
شرعت في ترتيب افكارها اولًا قبل أن تقول بعملية
_ اولا الولد دا مترباش مع ناجي ، ولا اتربى في بره مصر . يبقى معناه أنه اتربى هنا ، و اتربى تربية زي بتوع الجيش و الشرطه كدا ، و دا طبعًا باين على جسمه و على ثباته الانفعالي .
اومأ برأسه ليحثها على الحديث فتابعت بتعقًل
_ و طبعًا ناجي كون أن هو اخده و خباه العمر دا كله يبقى غالي عليه و خصوصًا أنه وريثه الوحيد . يبقى اكيد هيسيبه عند حد محل ثقة مش اي حد والسلام .
بدأت بطرق أبواب موصده داخل عقله الذي يأخذ يعمل في جميع الإتجاهات لتُتابع قائلة بحماس
_ كدا يبقى احنا بندور على حد من الماضي . حد كان قُريب من ناجي زمان . من تلاته و عشرين سنة و أكيد اكتر ، و الفترة دي هو كان عايش معاكوا فأكيد كان له حد قريب منه تعرفوه ؟ افتكر كدا .
لازال على حالته الصامتة يُفكر في حديثها و يتذكر أفعال ذلك الرجُل فلم يكُن له أصدقاء من وسطهم أو أقربائهم فقد كان مكروهًا من الجميع لم يكُن يرى معه أحد كثيرًا فكل من يُصادقهم كانوا يشبهونه ولم يتطرق أحد منهم في التعرف إليهم .
زفر بقلة حيلة و تبلور الغضب بعينيه فاقتربت منه تجذبه من يده وهي تقول بحماس
_ كدا مينفعش . قوم تعالى معايا.
زوى ما بين حاجبيه وهو يقول باستفهام
_ في ايه ؟ وخداني على فين ؟
«فرح» بغموض و عينين يتراقص بهم المكر
_ هقولك على الحل السحري اللي بستخدمه لكل مشاكلي بس فيك مين يحفظ السر .
اندهش كثيرًا من حديثها ولكن راقت له كلماتها و طريقتها فترك نفسه لها لتقودها حيثما تشاء فإذا بها تجذبه الى السيارة وهي تقول بهدوء
_ يالا . اتفضل ورانا مشوار صغير .
تقود قلبه بمنتهى الاحترافيه التي تجعله يتلقى الأوامر منها لأول مرة بحياته عن طيب خاطر ولكنها كانت أمرأته التي خُلِقت منه و اكتمل بها لذا طاوعها دون حديث لتقوده إلى أحد محلات بيع ألعاب الاطفال و إذا بها تبتاع الكثير من الألعاب إلى أن امتلأت السيارة بهم فلأول مرة يتحدث قائلًا بخشونة
ـ انا ساكت مش راضي اسألك . بس أنتِ أكيد عندك تفسير.
«فرح» بثقة
_ طبعًا عندي . يالا بينا .
بعد عشرون دقيقة توقفت السيارة أمام مبنى كبير للأيتام فترجلت «فرح» لتخاطب الحارس الذي بدا و كأنه يعرفها فقد كان رجلاً في أواخر الخمسينات يبتسم لها بود و بشاشة مما جعل بسمة حانية ترتسم على ملامحه وهي تتقدم منه قائلة بلهجة رقيقة
_ لما بتضيق بيا بفرح غيري و بستنى نصيبي من الفرحة دي من ربنا .
قادته إلى الداخل ليرتج قلبه من مظهر الأطفال الصغار وهم فرحون للغاية بتلك الهدايا البسيطة وهي بينهم كالفراشة تنشر الفرح بكل مكان فتضاعف عشقه لها و خاصةً حين اقتربت تقول بتأثُر
_ فرحتهم متتوصفش ازاي ؟ انا بحس أن قلبي طاير وهو شايفهم فرحانين كدا .
احتوتها عينيه و يديه حين قربها لتقف بجانبه وهو يقول بنبرة عاشقة
_ دانا اللي قلبي طاير عشان اختارك من بين كل ستات الدنيا .
التفتت تناظره بحنو و هي تقول بلهجة هادئة
_ الصدقة دي عبادة عظيمة اوي أنا لما بتضيق بيا الدنيا بنزل امشي في الشارع ادور على اي حد محتاج و اساعده . عارف بترفع البلاء ، و سبب من أسباب البركة. ، و بتضيع الخنقة و بتشرِح القلب ، دوا لكل مرض مالوش علاج . بتطهر المال ، و بتآمن الإنسان من الخوف . بتطفي غضب ربنا . الصدقة دي حقيقي من أروع العبادات اللي ربنا انعم علينا بيها. المفروض اننا نستغل النعمة دي .
كانت كلماتها مهيبة على الرغم من أنه يعلمها جيدًا ولكنه كان يُحب أن يستمع إليها كثيرًا ، وكعادته معها يأسره حديثها و يستحوذ على جميع حواسه فأجابها بحنو
_ كل كلامك جميل طبعًا بس صدقيني انا بطلع حق ربنا من كل قرش بيدخل جيبي .
قاطعته بقوة
_ عارفه ، و عارفه ان في ناس مخصوص بتعمل الموضوع دا . بس صدقني انك تنزل من بيتك عشان تعمل كدا بنفسك دي ثوابها عظيم ، و نتايجها أعظم . احنا بنصلي و نصوم و نصدق لينا احنا . ربنا مش محتاج دا احنا اللي محتاجينه ، و عشان كدا أن شاء الله لينا مشوار زي دا كل شهر على الأقل ننزل بنفسنا ندي ربنا حقه .
كلماتها أضرمت الدفء بين حنايا صدره الذي عاهد ربه صامتًا على أن يكُن هذا الأمر منهجًا له في العبادة طوال حياته ولكنه اكتفى قائلًا بخشونة
_ بإذن الله طول ما ربنا مطول في عمري هنعمل كدا سوى .
_ ربنا ما يحرمنا منك أبدا و يطولنا في عمرك و يديمك نعمة في حياتنا .
احتواها بحنو وبعد نصف ساعة كانت السيارة تصف في فناء القصر ليتقابل الثُنائي العاشق وجهًا لوجه مع «مروان» العابس الذي قال بتهكم
_ جوز الكناريا راجعين منين كدا عالصبح ؟
«فرح» بسخرية
_ مجبتش معاك دفتر الحضور و الانصراف عشان نمضيه بالمرة ؟
«مروان» بسخط
_ ايه دا ايه دا ؟ أنتِ بتقلشي ؟ حد قالك أن دمك خفيف ؟ لا يا ست حلوتهم انا بس اللي بقلش هنا ، و كمان مش رايقلك .
«سالم» بتهكم
_ كل دا و مش رايق ! و ياترى مالك ؟ قالب وشك ليه ؟
_ والله كفاية الخلق اللي معاشرينها اللي تسد النفس دي .
هكذا تحدث« مروان» حانقًا فأجابته «فرح» بسخرية
_ تقريبًا كدا مروان متنفضله و واخد استمارة ستة ، و دا اللي مزعله .
صاح «مروان» بحنق
_ ياريت متنفضلي و بس . دانا شايل الطين و السخام على دماغ امي ولا اكني انا اللي خبيت المحروس . انا مالي . راجل خاين و عيل واطي . دخلي انا ايه ؟
غادرهم «سالم» الذي أتاه اتصال هاتفي فتوجه إلى غرفة المكتب فيما قالت« فرح» باستفهام
_ ايوا فعلًا انت دخلك ايه ؟
«مروان» بحنق
ـ قولي للبومة اللي فوق دي . كل شويه لو سمحت سيبني عشان عايزة اقعد مع ماما ، و لما ماما تنام لو سمحت سيبني عشان متضايقة و عايزة أنام ، و لما اقرص عليها في الكلام الاقي الهانم تقولي ما انت لو مش زي ناجي الوزان كان زمانك قولتلي من اول ما عرفت بوجود هارون . يا بنتي دي اسرار. يا بنتي مكنش ينفع . يا بنتي مكناش متأكدين مفيش فايدة حمارة قاعدة تهزلي في رأسها و بس .
صاحت «فرح» بتأثر
_ لا غلطانه سما . طب و بعدين هتعمل ايه ؟
«مروان» بسخط
ـ هعمل ايه ؟ شايفة مناخيري حمرا ازاي ؟ قفلت الباب على مناخيري ! قال ايه هي لسه هتقيم العلاقة إذا كنت انفع راجل أحلامها ولا هتبقى همت الوزان جديدة !
شهقت «فرح» بصدمة سُرعان ما تحولت إلى تعبيرات مُحذرة وهي تشاهد تلك التي تهبط الدرج فيما هو يُتابع الحديث قائلًا بحنق
_ قال انا ناجي الوزان جديد ! دا الشيطان بيقعد متربع قدامه ويقوله يا أبيه . دا راضع سم فئران . يرضيكِ تشبهني بيه ؟ ناهيك عن أنه مناخيره قد الكوز . هل ينفع تشبهني بيه ؟
تحمحمت« فرح» وهي تحاول تحذيره فيما الآخر وكأنه لا يرى شيء سوى غضبه الذي جعله يقول بسخط
_ قصيرة و مدورة و متكلمتش . مش مبطله عياط ليل نهار و منكدة على امي و متكلمتش . الكل داير يحب في البيت دا و أنا ابن البطة السودا . فين الدلع ، فين الحنية ، فين الحب ، فين جوهرة ؟
شهقت« فرح» بفزع حين رأت تبدُل معالم «سما» التي استشاطت ما أن سمعت كلمته الأخيرة فصاحت بعنف
_ اه قول كدا بقى . مش كفاية عمايلك ! كمان بتعاكس ست هانم ! عشان تعرف انك زيه . كلكم زي بعض دم واحد ، و طينه واحدة .
نوبة ذُعر اجتاحته حين سمع كلماتها ولكنه سيطر عليها وهو يتلفت حوله قائلًا بأذن تترهف السمع
_ ام منصور أنتِ سامعه الصوت اللي أنا سمعته ؟
كظمت ضحكتها بصعوبة وهي تقول
_ تقريبًا مصدر الصوت وراك !
صاحت «سما» بنبرة رفيعه غاضبة
_ انا وراك . رد عليا .
تجاهلها عمدًا وهو يقول بسخرية
_ ايه دا مين داس على عرسه ؟ في صوت عرسه . تفتكري جاي منين ؟
لم تفلح« فرح» قي قمع ضحكاتها مما جعل «سما» تستشيط غضبًا فصاحت باندفاع
_ بقى انا عرسه ! طيب انت بقى اللي جبت الناهية. طلقني !
صمت مُطبق سيطر على الجميع حين ترددت صدى كلماتها في الأجواء و تسلطت الأعين فوق «مروان» الذي بدأ جامدًا بدرجة مُخيفة دامت لثوان ثم خرجت كلماته جامدة حين قال
_ هو انا لا سمح الله كنت اتجوزتك عشان اطلقك !
«سما» بسخط
_ نعم ! يعني ايه دا ؟
«مروان» بصوت جهوري
_ يعني لا بد ان أدخل بها . أطلق يعني اتجوز الأول . انما اتجوز سوليطي و أطلق موليطي دا على جثتي يا بنت همت .
تراجعت «سما» للخلف مذعورة من مظهره الذي جعلها تصيح بخوف
_ انت عبيط ولا ايه ؟ كلام ايه اللي بتقوله دا ؟
أخذ يتقدم منها وهو يقول بنبرة يتبلور بها الجنون
_ عبيط ! انا فعلا كنت عبيط . هو اللي يتجوزك يبقى ايه ؟ يا اما اهبل يا اما عبيط ، وانا بقى هطلع اللتنين على اهلك النهاردة.
_ اعقل يا مروان !
صاح وهو يهرول خلفها
_ لا بد ان أدخل بهااااا .
أخذت وضع المُراقبة مُنذ ذلك اليوم وهاهي الآن تقف أعلى الدرج تنظر بترقب لتلك التي ترددت ضحكاتها في الإرجاء غافلة عن أعيُن تتحين الفرص للغدر فما أن توجهت« فرح» إلى غرفة الجلوس حتى هبطت الدرج لتتوجه الى غرفة المكتب تطرق الباب بنغمة خاصة تُشبهها كثيرًا فأذن لها« سالم» بالدخول لتتوقف عينيه على تلك التي كانت ترتدي تنورة قصيرة تصل إلى أعلى ركبتيها و فوقها قميص قطني بفتحة دائرية عند الصدر ذو أكمام طويلة يجمع ما بين الاحتشام و الأغراء فلم يُعجبه ذلك الأمر فهو أشبه بدس السُم في العسل ولكنه تجاهل ما يدور بداخله حين وجدها تتقدم وعلى فمها ابتسامة مُنمقة يعلوها نظرات غير مُريحة بالمرة
_ هل بإمكاني أن آخذ من وقتك قليلًا ؟
نظر إلى ساعته بعُجالة قبل أن يقول بفظاظة
_ ماذا تُريدين ؟
تروقها فظاظته و تجاهله لجماله المُشع فهذا يعني أنه صعب المنال و قد كان هذا شيء بالجديد عليها في عالم الرجال لذا قالت بنبرة جذابة
_ أُريد رؤية هارون . اعلم انك رجلًا لا يرجع في كلمته و قد أمرت بتأديبه ، و لكن ألا تُشفِق عليه ؟ إلا ينتابك الفضول لمعرفة ما يحمله بقلبه بسبب تلك المرأة ؟
_ تلك المرأة هي والدته و أي تُرهات أخبره بها سيدك الأحمق لا تُعطيه الحق في إهانتها .
هكذا تحدث بنبرة قاطعه قابلتها بأخرى مستنكرة
_ الأمر يتعدى كونها ترهات . لقد كانت حياته صعبه بين اولئك المُجرمين ألا تعرف كيف تربى هارون؟
خطت طوعًا إلى تلك النقطة ولكنها حاولت جعل الأمر يبدو عفويًا الأمر الذي تنافى مع تلك النظرة التي أطلت من عينها لوهله و التقمتها عينيه الخبيرة لذا قال بفظاظة
_ لا اعرف ولا أريد أن اعرف شيء . أنه ابن عدوي ، ولن أُشفِق على ما حدث أو سيحدُث معه .
صمت لثوان قبل أن يقول بسخرية
ـ بالمناسبة . سيدك لازال في غيبوبته ، ولا أظنه حين يستفيق سيكون سعيدًا حين يعلم بانك تجلسين هنا تُفشين أسراره .
احتارت في ذلك الرجل كثيرًا . إلا يُريد معرفة كل شيء عن «هارون» ليُساعد عمته ؟ ام أنه يعرف كل شيء من الأساس و يقطع عليها الطُرق ؟ هل سيؤذي «هارون» بالفعل ؟ ام سيساعده ؟ تباين الشعور في نظراتها التي بدت ضائعه قبل أن تقول باستفهام
_ انت تُحيرني كثيرًا .
لاح شبح ابتسامة جانبية على فمه قبل أن يقول بخشونة
_ لما ؟
_ لا اقدر على النفاذ إلى عقلك .
ـ لا تجهدي نفسك فتلك الأمنية يستحيل حدوثها .
هكذا خاطبها بفظاظة قابلتها بنبرة جذابة بها لمحة من الجرأة
_ ماذا لو كنت امرأة لا تؤمن بـ المُستحيل !
«سالم» بخشونة
_ هذا يعني انكِ إمرأة تُحِب المُخاطرة .
«جوهرة» بنبرة جذابة
_ يُسعدني أن تُلاحظ ذلك .
رفع رأسه يُطالعها بنظرات غامضة قبل أن يقول بنبرة جافة
_ المرأة التي تُحِب المخاطرة لابد و أن تكُن على قدر كافٍ من الذكاء لذا اثبتي ذلك .
_ ماذا تُريد ؟
هكذا خرجت الكلمات من فمها باندفاع ليُجيبها بجمود
_ سأُخبرك حين أُريد شيء .
لم يتثنى لها الحديث فقد فتحت كلماته ابواب الأمل بداخل صدرها وحين أوشكت على إجابته استمعت إلى قفل الباب يدور و دخول «فرح» التي اشتعلت شرارة الغيرة بقلبها حين رأت تلك المرأة تجلس مع زوجها ولكنها حاولت كظم غيظها وهي تقول بنبرة يشوبها التكبر
_ بحث الخدم عنكِ كثيرًا ليُعلموكِ بأن إفطارك اليوم سيكون مع هارون .
التفتت جوهرة متصنعة الأسف حين قالت
_ اه . اعتذر لم أعلمهم بمكاني .
«فرح» بلهجة يشوبها التحذير
_ إذن لا تِكرري الخطأ مرة أخرى . هيا لكي لا تتأخري فنحن نحب الإلتزام في هذا المنزل .
كانت كلماتها تحمل معانٍ أخرى و تحذيرات لم تخطيء في فهمها و قد كان هذا يُزيد من لذة الأمر كثيرًا لذا اومأت برأسها وهي تتوجه بخيلاء إلى الخارج و ما أن خرجت حتى التفتت «فرح» قائلة بلهجة حاولت أن تصبغها بالجدية
_ مفروض كمان نص ساعه تكون في الشركة . عشان عندك اجتماع مع الشركة (...) ياريت متكونش ناسي .
ابتسم بهدوء على مظهرها و قد أيقن بأنها غاضبة فحاول إخماد ثورتها قبل أن تبدأ حين قال بخشونة
_ حتى لو نسيت أنتِ موجودة ، و دي حاجة مطمناني .
لاح شبح ابتسامة راضية على ملامحها قبل أن ترتدي قناع الجدية وهي تقول بهدوء
_ اطمن اوي انا دايمًا موجودة .
لم يكد يُجيبها حين اندلعت صرخات هلع من الخارج ليهرول و خلفه «فرح» لمعرفة ماذا يحدُث ليتفاجيء الجميع ب«مجاهد» الذي صاح مذعورًا
_ الحجوا ست همت الخيل دهس عليها في الاسطبل
•تابع الفصل التالي "رواية انشودة الاقدار" اضغط على اسم الرواية