Ads by Google X

رواية رحماء بينهم الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم علياء شعبان

الصفحة الرئيسية

 رواية رحماء بينهم الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم علياء شعبان 

رواية رُحماءُ_بينهم

                  و "كمثلِ الأُتّرُجةٍ".

]]الفصل الثامن والعشرون]]

•~•~•~•~•~•~•~

ارتطم جسمها بقوة أثناء سقوطها على الأرض وسط دهشة وذهول الجميع، تشخصت الأبصار ناحيتها بين أفواه مفتوحة وقلوب فزعة، أسرع "تليد" بتلقائية نحوها وقام بالتقاط ذراعها ليرفعها قليلًا عن الأرض بينما خفت صوت أنفاسها وغابت عن الوعي تمامًا، أسرعتا كُلًا من مُهرة ووَميض يعاونانه على إنهاضها عن برودة الأرض وإدخالها إلى الشقة، اِلتاع قلب الشيخ "سليمان" ببعض الشكوك؛ فتحرك نحوها قائلًا بصوت دافئ قلق:

-يارب سلم.. يارب سلمها من كُل شر.. بعد ما أرش شوية المية دول يا شباب دخلوها الشقة.


أومأ الجميع بتفهم، تحرك الشيخ سليمان ناحية باب الشقة مرة أخرى وبدأ يملأ كفه بالماء ثم ينثره أمام العتبة مُرددًا بعض كلمات التحصين، استغرق الأمر دقيقة فحسب قبل أن يتلفت إلى الشباب ويهز رأسه لهم سامحًا لهم بالدخول، قامت وَميض بتطويق ذراعها حول خصر شروق وكذلك فعلت مُهرة من الناحية الأخرى وحاولتا النهوض بها ولكن الأمر قد باء بالفشل ووقتها لم يجد تليد حلًا آخر سوى حملها بين ذراعيه وإلا لم ينجح الأمر مع الفتيات، اتخذ قراره فأسرع بحملها بين ذراعيه على الفور وتحرك صوب باب الشقة وقبل أن يدخلها قبض سليمان على ذراعه وقال بثبات:

-سمِ الله يا بني.. ربنا يحرصكم من شرور الإنس والجن.


أومأ "تليد" متمتمًا البسملة ثم دخل الشقة فورًا وقام بوضعها على أول أريكة قابلته، أمر سليمان الجميع أن يتحصن بالبسملة قبل الدخول ثم فعل مثلهم ودخل، توجه إلى ابنة أخيه ثم جلس بجوارها وبدأ يملأ كفه ثم نثره بهدوء على وجهها، فتحت عينيها بفزع ورهبة وهي تحرك أهدابها بسرعة غريبة وهنا تابع سليمان بهدوء:

-شروق يا بنتي، إنتِ كويسة؟!!


استقرت نظراتها عليه بعد أن تجولت بين الواقفين حولها؛ فأومأت بإعياء ترد على سؤاله بينما تابع سليمان بتنهيدة حزينة:

-قومي اقعدي يا بنتي، عايز أرقيكِ شوية!!


لم تكُن تقوَ على تنفيذ طلبه فأسرعت وَميض بمساعدتها على الجلوس، أمر سليمان أن يجلس الجميع من حولهم ثم وضع كفه على رأس شروق وبدأ قراءة الرقية الشرعية بصوته العذب ليُرتل ما يتطلب من آيات الله بصوت جهوري عالٍ يملأ أركان وزاويا الغرفة، كان الجميع مُنصتًا في اهتمام وتبجيل لما يترتل على آذانهم، كانت لحظات ساكنة يملأها الراحة والاطمئنان حتى بدأت "شروق" ترتعش بفزع وبدأت أطرافها تتشنج بحركات مُتعنتة تميل إلى الشلل فبدأت أناملها تتقوس في ضعف، لاحظ "سليمان" غرابة هذا التصرف عليها والذي يعرفه جيدًا؛ فله باع طويل في علاج حالات كثيرة أصابها سوء النفوس المريضة الحاقدة التي اختارت الكُفر على الإيمان وابتاعت جنات الله بثمن بخسٍ.


غض الشيخ الطرف عما تفعل من حركات لا تعيها مُطلقًا ولكن الذي أثار فزع الواقفين فعلًا حينما بدأت "شروق" تبكي بكاءً مريرٍ وارتفعت شهقات بكائها عاليًا وبدأت تنظر إلى "سليمان" نظرات تتأرجح بين مُترجية وكارهة؛ تارة ترمقهُ باستغاثة وأخرى بنظرات مقيتة يقدح الشرر من خلالهما وفي هذه اللحظة بدأت ترفع كفها إلى يده المبسطة على رأسها، زمجرت زمجرة خفيفة وهي تقبض على يده وتحاول نزعها وإبعادها عن رأسها بينما بقيت يد الشيخ في مكانها ثابتة لم تُحركها محاولات الأخيرة، حاولت مرارًا دفع يده عن رأسها حتى أنها بدأت تضرب يده بغيظ وانفعال وهي في حالة بُكاء يُرثى لها، في هذه اللحظة قرر الشيخ أن يرتفع بصوته أعلى وأعلى وهو يُدرك تمامًا أنها ليست بالفاعلة ويرى أنه كلما استزاد كلما ساعد في علاج الأمر ولو بنسبة بسيطة، شعر في هذه اللحظة أن شروق تحاول أن تتكلم ولكن لسانها معقود تمامًا، كذلك أسرعت بالضغط على يده تستجديه باكيًا أن يتركها دون أن تنبس ببنت شفةٍ ولكنه يزيد من القراءة أكثر فأكثر، ارتعدت أطراف "وَميض" وهي ترى هذا الموقف لأول مرة في حياتها ورغم حزن "تليد" الشديد على ابنة عمه ولكنه ما أن رأى رجفة أناملها ونظراتها الخائفة حتى تحرك صوبها وأسرع فورًا بتطويق ذراعه حول كتفها ودفعها لتستقر برأسها على صدره وبالفعل بدأت وَميض تتشبث به تلقائيًا ويراودها شعور مهيب تجاه ما تمر به صديقتها المسكينة.


لم تكُن مُهرة بأقل منها ذُعرًا فظلت تبكي بكاءً خافتٍ وهي تدعو الله في نفسها أن يُخفف عن هذه المسكينة ويزيح الكرب عن جسدها، ظلت شروق تبكي بشهقات تعلو ويغلظ فيها صوتها كلما ارتفعت تراتيل الشيخ سليمان إلى أن فقدت قُدرتها على التحامل وأُغشي عليها مرة ثانية.


سكت الشيخ "سليمان" فور غيابها عن الوعي، تنهد تنهيدة ممدودة بعُمقٍ وهو يتفرس معالم وجهها البريء ليُردد بصوت مخنوقٍ:

-حسبي الله ونعم الوكيل، لله الأمر من قبل ومن بعد.. اللهم عليك بالظالمين.. اللهم عليك بكُل ما تضمر نفسه بالشر والحقد والكِفر.


قام بالربت على جبينها المُتعرق وبدأ يدعو لها بصوت خافتٍ إلى أن أخذ صوته في التهدج باختناقٍ وحُرقة وكانت هذه واحدة من المرات القلائل التي تسقط فيها دمعة من عين الشيخ سليمان حُزنًا وألمًا وحُبًا يضمر في قلبه ناحية هذه الجميلة البريئة، تهدج صوته وهو يقول ببكاء موجعٍ:

-لله الأمر من قبل ومن بعد.


لاحظ "تليد" ارتجافة في صوت والده فهرول إليه في الحال، رأى تليد والده الذي يُجابه الحياة بشرها وخيرها بابتسامة مشرقة حمولة لا تعرف لليأس أو الضعف طريقًا يبكي، يعرف جيدًا أن هذا البُكاء لا يخرج من محجري الشيخ سليمان إلا لعزيزٍ يُحبه ويؤلمه ألمه، أسرع "تليد" باحتضان كتفي والده ثم قبل رأسه بتقدير للحالة التي يمر بها.


بقى صامتًا على حالته حتى هدأ الشيخ فقال "تليد" بصوت خافتٍ متوجسٍ:

-كدا الموضوع انتهى؟!!


كفكف "سليمان" دموعه بظاهر كفه ثم أومأ سلبًا وهو يقول بثبات:

-لسه يا بني، بس كُله خير بإذن الله.


قبل رأسه مرة أخرى بينما أكمل سليمان بهدوء:

-كلم عِمران ييجي فورًا وإنتِ يا مُهرة يا بنتي، هاتي لها غطا.


أسرعت "مُهرة" تستجيب لطلبه وكذلك "تليد" الذي أجرى اتصالًا عاجلًا بزوجها كي يكون على علمٍ بما لحق بزوجته، في هذه اللحظة وقعت عيني الشيخ سليمان على "سهير" التي كانت تجلس على الأريكة المُقابلة له تتابع الموقف في رعبٍ وحذرٍ، رمقها للحظات قبل أن يركز اهتمامه ناحية ابنة أخيه، لوت سهير شدقها بتبرم وهي تستعجب نظراته الغريبة لها وقد وصل إلى حدسها أنه يشك في أمرها ويظن أنها من أذت شروق؟!


جاءت مهرة بالغطاء ثم بسطته على شروق النائمة في عالم آخرٍ والجميع يجلس حولها في حالة من الحُزن والضيق سيطرت على قلوبهم، في هذه اللحظة قطع الصمت الموحش رنين هاتف "وَميض" التي التقطت وما أن نظرت إلى شاشته حتى نهضت وهي تقول بلهجة يشوبها التوتر:

-هعمل لكم حاجة تروق أعصابكم.


تحركت بسرعة كبيرة تبحث بعينيها عن المطبخ ولأن هذه المرة الأولى التي ترى فيها شقة الزوجية فسلكت اتجاهًا خاطئًا ليقول "تليد" بلهجة باردة:

-المطبخ على إيدك الشمال.

أومأت وهي تصحح طريقها نحو المطبخ فانتظر تليد إلى أن دخلت ثم وقف في مكانه  وهو يقول بثبات:

-بعد إذنكم هشوفها لو محتاجة حاجة.


تحرك بثبات ناحية المطبخ ليجدها تتكلم عبر الهاتف بصوت خفيضٍ بالكاد يُسمع وأثناء حديثها وجدته ينتشل الهاتف منها ثم يُحذرها أن تنطق بكلمة، شهقت فزعًا في خفوتٍ بينما قرب الهاتف من أذنه واستمع إلى وسام وهو يقول بصوت مُنزعجٍ:

-دي إشارة إنك متكمليش الجوازة دي، اللي إنتِ فيه دا بلوة أبوكِ بلاكِ بيها.


أبعد الهاتف عن أذنه وهو يرمقها بنظرات جامدة صارمة جعلتها تبتلع ريقها بصعوبة بالغة، قام "تليد" بإنهاء المكالمة في وجه الأخير بضغطة من طرف إصبعه، قام بوضع الهاتف داخل جيب سترته وسط نظراتها الحانقة على ما يفعل وبنبرة متضايقة قالت:

-هات التليفون لو سمحت!


كظم غيظه داخله وهو يحاول جاهدًا أن تخرج كلماته هادئة فقال:

-أعتقد إني حذرتك من موضوع الصداقة بين الراجل والست وإن حياتك يكون فيها مذكر سالم غير جوزك، حصل ولا!!


وَميض بعناد رغم الفزع الذي سيطر على قلبها:

-وأنا مش هتبع تعليماتك إلا وأنا مُقتنعة بيها، أما أسلوب سي السيد دا تمارسه على واحدة تانية لأني مش هكون أمينة.


أشاحت بوجهها بعيدًا عنه ثم تابعت بحزم:

-ودلوقتي أنا عايزة تليفوني حالًا.


كان يتابع حديثها بملامحٍ صلبة دون أن ينبس ببنت شفة مما أثار حفيظة خوفها خاصة أنه ظل صامتًا ينظر لها نظرات مُريبة حتى بعد أن أنهت كلامها، كان ينظر لها تارة وأخرى إلى يدها الممدودة نحوه من أجل الحصول على هاتفها، وبحركة مُفاجئة أسرع بالقبض على ذراعها بقوة ثم دفعها حتى اصطدمت بالحائط وأرجع ذراعها خلف ظهرها ثم قال بلهجة شديدة:

-كُنت متوسم فيكِ العقل وإنك باللين هتفوقي وتصححي مسارات حياتك اللي كلها غلط في غلط بس الظاهر إنتِ مش بتيجي إلا بالعنف!!!


حدقت فيه مصدومةً وقالت بصوت حانق:

-إنتَ شخص همجي ورجعي ومُتخلف.


تليد بصوت خافتٍ قاسي فضل فيه ألا يصل إلى مسامع البقية:

-لو أنا شخص رجعي وهمجي ومُتخلف من وجهة نظرك فدا لأن تربيتك فيها خلل وأنا بريء من اتهاماتك، ولكن إنتِ فعلًا اثبتي لي إن الهمجية هي العلاج الوحيد لسوء التربية اللي إنتِ بتعيشيه.


في هذه اللحظة نبج صوتها عاليًا وهي تقول بغيظ ونبرة مرتجفة:

-ولما أنا مش متربية اتجوزتني ليه؟؟؟


برق بعينيه ينهيها عن ارتفاع صوتها ورد بلهجة صارمة:

-علشان أربيكِ.

قامت بضرب صدره بذراعها الآخر ثم تشدقت بانفعال كبيرٍ جعل الجميع يهرول إليهما:

-أنا بكرهك يا بنى آدم، إنتَ لو راجل فعلًا مكُنتش اتجوزت واحدة غصب عنها وهي مش عايزاك.


صُدم من كلماتها وهي بكُل سهولة تطعنه في رجولته التي استخدمها طيلة حياته لحمايتها، رجولته التي كانت سببًا بُعث من الله لفرصة حياة جديدة له، رجولته التي وظفها طوال الوقت من أجل حياة مُستقيمة ومُريحة لها، رجولته التي تشبثت بها وعاندت صوت ضميره بأنها لا تصلُح أن تكون تلك الزوجة المنحوتة في عقله، هل هانت رجولته لهذه الدرجة؟؟ إنه مؤشر يُنذر بخطرٍ يطرق أبواب حياته وقرارات يجب أن يعيد النظر بها، استخرجت "سهير" هاتفها وقررت أن تسجل كلامه الحاد مع ابنتها حتى يسمعه زوجها عله يتراجع عن تزويجه ابنتهما بينما تحرك "سليمان" ناحيتهما وهو يدفع ابنه المصدوم برفقٍ بعيدًا عنها ثم يقول بلهجة شديدة أثناء تحدثه إليها:

-ميصحش يا بنتي.. ميصحش أبدًا اللي بتقوليه لجوزك دا.. عيب يا بنتي.. عيب . اتقي الله في الرابط اللي بينكم!


حزن "سليمان" بشدة من حديثها الباطل وهي تُلفق لابنه اتهامات لا معنى لها ولا صحة فيها وما هي الرجولة من وجهة نظرها؟ وماذا فعل حتى تصفه بهذه البشاعة التي لفظتها؟


صرخت بنبرة باكية:

-ابنك حاول يضربني وقال عني قليلة تربية، ابنك بيحاول يرهبني علشان أخاف منه وأنفذ كل كلامه بالحرف الواحد ودا تفكير إرهابي مش هسمح بيه.


 خرج تليد في هذه اللحظة عن صمته ثم قال بلهجة حادة:

-أيوة أنا إرهابي.. إرهابي وهمجي ورجعي وكُنت هجبرك تعيشي معايا غصب عنك بس دلوقتي تقدري تكوني بحريتك تاني.. إنتِ ط........


أسرع "سليمان" بوضع كفه على فم ابنه وقال بلسانٍ أنهكه الحُزن:

-استحلفك بالله يا بني مش وإنتَ زعلان.. اهدا وفكر بالعقل!


صمت "تليد" احترامًا لرغبة والده، في هذه اللحظة قام "نوح" بالقبض على ذراع صديقه حتى يتحرك به خارج الشقة تمامًا وقبل أن يتحرك معه تليد نظر إليها نظرات تنم عن نهاية مُستحقة لعلاقتهما التي لم تبدأ بعد ثم قال بلهجة باردة:

-يا خسارة طفولتي وشبابي اللي سخرتهم كلهم علشان تكوني على اسمي في يوم من الأيام، يا ريتني ما أتمنيتك ولا بنيت مُستقبلي بعمدان الأمل فيكِ.


سحبه "نوح" فورًا بينما حدقت "وَميض" إليه بوجلٍ واستغرابٍ من حديثه الغامض حتى غاب عن ناظريها وهنا استأذن الشيخ سليمان مُغادرًا وهو يقول بهدوء:

-هداكِ الله لنفسك يا بنتي.


تنهدت "مُهرة" بأسف على يومٍ من المفترض أن يكون سعيدًا وتضرب به الدفوف استعدادًا لمراسم زفاف سوف تتم بعد يومين إلى مأتم ودار حُزن، تعرف "تليد" حق معرفة وأنه لا يتهاون في الإساءة إليه ولا يقبلها كما أن ما فعلته "وَميض" لا يوجد له سوى نتيجة واحدة مؤكدة حسب ما تتبناه كرامة "تليد" التي ذكرتها بالسوء قبل قليل.


-يا غيتك فكغتي قبل ما تقولي كلام مالوش لازمة بالشكل دا، أستاذ تليد ميستحقش دا أبدًا وحقيقي أنا حزينة علشانك لأنك ببساطة خسغتي إنسان كلمة عظيم أبدًا مش هتوفيه حقه.


صمتت لوهلة ثم أضافت بحُزن:

-بعد إذنكم.


خرجت على الفور بينما ظلت "وَميض" تتأمل الفراغ من حولها وسرعان ما التفتت تنظر  والدتها ورددت بنبرة مخنوقة تُدرك الآن حجم الكارثة التي ارتكبتها في حقه وحق نفسها، أجهشت بالبكاء وهي تقول بصوت مبحوحٍ:

-هو قصده أيه بكلامه يا أمي؟؟


سهير وهي تقبض على ذراع ابنتها ثم تقول بتبرم:

-وأنا أيه عرفني، إحنا مش لازم نقعد في المكان دا لدقيقة واحدة، يلا خلينا نعرف أبوكِ بكُل اللي حصل.


اِبتلعت "وَميض" غِصَّة مريرة في حلقها ثم ردت بضميرٍ يعود إلى رشده:

-بس أنا غلطت يا أمي، أنا ليه عملت كدا؟! بس مكنش قصدي الأمور توصل لهنا!!


سهير وهي توبخها بحدة:

-إنتِ مغلطتيش، دا اللي كان لازم يحصل من الأول.

سحبتها من ذراعها كي تتحرك معها للخروج من هذا البيت فورًا وسط شعور "وَميض" بالتيه والذنب، سارت بها إلى الصالة التي ترقد بها "شروق" وبجوارها الشيخ سليمان الذي قرر أن يبقى ماكثًا بجوارها حتى يأتي زوجها، غض الشيخ "سليمان" البصر عن وجودهما بينما تحركت "سهير" بسرعة مارة به أثناء ذهابها إلى باب الشقة وهنا نظرت "وَميض" له ثم قالت بصوت متوسل:

-عمو سليمان.. أنا آسفة!.


رمقها "سليمان" بعتابٍ ثم وجه بصره للجهة الأخرى دون أن يرد وكانت هذه اللحظة أكثر اللحظات إيلامًا لقلبها، سحبتها "سهير" خلفها إلى أن خرجتا من البيت وطوال هذا الوقت كانت تبحث عنه بعينيها علها تجده فتعتذر منه عن إساءة قالتها عن غير قصدٍ خِصلة قاسية لا تمت لشخصه بصلة، وَدت لو تراه فتُجيبها عيناه عن سؤال يحوم حول عقلها لحظة أن قال جملته وذهب؛ ولكنها لم تجده!

•~•~•~•~•~•~•~•

-السلام عليكم، إزيك يا عمي عامل أيه؟؟

أردف "عُمر" بتلك الكلمات وهو يتحدث إلى مُرتضى والد رويدا؛ فيما أجابه الأخير بنبرة مُرحبة يقول:

-أهلًا يا عُمر، أخبارك أيه وأخبار السيد الوالد؟!


كانت "رويدا" تتابع المكالمة من بغيظٍ وهي سعيدة لتوطيد علاقة والدها بحبيبها، في هذه الأثناء تكلم عمر بنبرة مترددة يقول:

-بعد إذنك يا عمي أنا عايز أخد رأيك في موضوع وأتمنى متفهمنيش غلط!!


مُرتضى يشجعه على استكمال كلامه:

-لا قول براحتك، خير؟!

عُمر بتنحنح واستئناف:

-ينفع مقابلة التعارف بين العيلتين وقراءة الفاتحة تكون عندنا في القصر!!!


تهللت أسارير وجه "مُرتضى"؛ فأسرع دون تفكيرٍ يقول بترحيب:

-وماله يا بني، هنا وهنا واحد.


عُمر بأريحية وسعادة:

-شُكرًا يا عمي على موافقتك.. نشوفكم على خير.. مع السلامة.


زوت "رويدا" ما بين عينيها وهي لا تفهم شيئًا عن فحوى الحديث الذي دار بينهما ولكنها ترى سعادة والدها تتطاير من حوله، عادت إلى غرفتها على الفور وقبل أن تُجري اتصالًا به وجدته يفعل فأجابت في الحال.

-وحشتيني!

رويدا بابتسامة خجلة:

-وإنتَ كمان بس قول لي الأول، قولت أيه لبابا خليته يفرح أوي كدا؟؟؟


عُمر بابتسامة هادئة:

-استأذنته إن مقابلة تعرف العيلتين وقراية فاتحتنا تكون في القصر عندنا.


تغيرت معالم وجهها إلى الجدية والضيق وهي تقول بانفعال خفيفٍ:

-إزاي يعني مفهمتش؟؟؟

عُمر باستغراب من تحولها:

-مالك في أيه؟؟؟

رويدا بصوت مخنوقٍ:

-إزاي يعني أيه، من إمتى العروسة بتروح بيت العريس علشان يخطبها، جديدة دي!!!


عُمر يتكلم بهدوء مُحاولًا تهدئتها:

-حبيبي اهدي، محصلش حاجة لكُل دا وبعدين لمَّا كلمت والدك مأعترضش!

رويدا بنبرة قاربت على البكاء:

-أنا مليش دعوة بوالدي يا عُمر، أنا هفضل في بيتي مُعززة مُكرمة ولو بجد عايزني هتجيب أهلك وتيجي لحد بيتي اللي أهلك بيستعروا إنهم يدخلوه وعلشان كدا عايزينا نيجي بنفسنا، مش كدا ولا أيه؟


عُمر بدهشة يرد:

-الموضوع أبسط من كدا يا رويدا، كُل الحكاية إن والدي حابب يرحب بيكم في بيتنا علشان نتعرف!

رويدا بحزم:

-أنا وإنتَ مش محتاجين نتعرف، تقدر تيجي إنتَ وأهلك تخطبوني من بابا في بيتنا وبعد كدا يتعرفوا على بعض براحتهم، غير كدا لأ.

•~•~•~•~•~•~•~•

»في صبيحة اليوم الموالي».


انقلبت صفحات التواصل الاجتماعي تضج باسم "تليد السروجي" بعد أن انتشر له تسجيل مُسرب بصوته يعترف فيه على نفسه بأنه إرهابي همجي، كانت ردود الأفعال تتأرجح ما بين تكذيب وسب في شخصه حتى أن هاتفه بدأ يصدح بمكالمات من أطراف عديدة ولكن هاتفه كان صامتًا لحاجته إلى الوحدة والجلوس مع ذاته قليلًا ولكن هيهات، دق "نوح" باب غرفته عليه بعنف وقبل أن يسمح الأخير له بالدخول وجد "نوح" يقف أمام الفراش ثم يقول بنبرة مصدومة:

-كارثة يا تليد!!!!!!


 •تابع الفصل التالي "رواية رحماء بينهم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent