رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم تسنيم المرشدي
« حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنَا»
«الفصل التاسع والعشرون»
***
شعرت بجدية الأمر حينما لمس طرف ثوبها بيده، فأسرعت في إيقافه من بين أنفاسها اللاهثة:
_ بلال..
بهمس قال:
_ نعم؟
"مينفعش هنا"
قالتها بحرج فتوقف عما يفعله، ورمقها لبرهة، فتوجست هي من نظراته خشية أن يظن بها السوء فأوضحت:
_ إحنا مش لوحدنا..
أماء بتفهم قبل أن يردف أمراً:
_ طيب قومي البسي عشان نمشي
بفضول سألت:
_ هنروح فين؟
أجابها وهو يجوب بأنظاره شفتيها الوردية:
_ هنروح البيت
عارضته إيمان معللة:
_ بس هقولهم إيه لو سألوني مشيت ليه من غير ما أعرفهم؟
هتف بلال بلامبالاة:
_ هتقوليلهم بلال جه أخدني ومشينا بس كدا
أماءت بقبول ثم هدرت بحياء:
_ طيب عايزة أقوم
حرك بلال رأسه بتفهم ثم تنحى جانباً، استلقى على الفراش مطالعاً سقف الغرفة بينما شعرت إيمان بالحرج والتردد الشديدين في تبديل ثيابها أمامه، لكن ليس هناك حل آخر.
بدأت تخلع ثيابها بسرعة كبيرة بينما استند بلال بمرفقيه على الفراش مستمتعاً بتلك المشاهدة الفريدة نوعها، استنكرت هي نظراته عليها وهتفت متسائلة:
_ بتبصلي كدا ليه؟
بنبرة ماكرة هتف:
_ معجب
أولاته ظهرها سريعاً ثم شكلت ابتسامة على ما قاله، انتهت من ارتداء الثياب الخاصة بالخروج، فنهض هو وأعاد ضبط ثيابه الغير مهندمة واقترب منها، مد لها يده فلم تتردد في تخلل ثغرات يده بأناملها.
خرجا بهدوء لكي لا يتسببا في إيقاظ أحد، ترجلا من المنزل ومنه إلى السيارة، لم يترك بلال يدها ثانية، بل كان ممكساً بها طوال الطريق، ويرفعها بقرب فمه يطبع عليها قُبلة حارة من آن لآخر.
***
دفعته بعيداً عنها ثم أولاته ظهرها، عقدت ذراعيها معلنا تمردها قبل أن تهتف بحنق:
_ أنا أصلاً زعلانة منك ومش بكلمك
جذبها يوسف وأدارها إليه متسائلاً بنبرة حنونة:
_ ليه بس، أنا عملت إيه يزعلك مني؟
أخفضت بصرها وشكلت الحزن على تقاسيمها وأجابته بنبرة ناعمة:
_ أي اتنين بيكتبوا كتابهم بيكون في حضن بعدها، وأنت معملتش كدا كأنك مكنتش مبسوط!
فغر يوسف يوسف فاهه بصدمة وردد آخر ما قالته مستاءً:
_ أنا مكنتش مبسوط يا لينة؟
لم تستطيع مواجتهه فأجابته ولازالت منكسة الرأس:
_ دا اللي حسيته وقتها..
أخذ نفساً عميق لكي يتسع صدره ويفهمها لماذا لم يفعل ذلك بنبرة رقيقة وهو يحرك إصبعه على وجنتها بحركات دائرية:
_ أنا مش بعرف أعمل كدا قدام حد، وبعدين دي لحظات خاصة ليه أعملها قدام الناس؟
وضع إصبعه على ذقنها ثم رفع وجهها فتبادلا النظرات وتابع بصوته الهادئ الرخيم:
_ اللي بتشوفيه على السوشيال دا كله شو، لأن دي مشاعر خاصة جداً متنفعش تطلع قصاد أي حد، واللي بيعمل كدا مشاعره مش بتكون حقيقة، بتكون مصطنعة عشان بس ياخد اللقطة، لكن أنا لما أكون عايز أعيش لحظة زي دي مع اللي بحبها هعيشها بيني وبينها بس، عشان أطلع كل مشاعري من غير ما أعمل حدود لعيون الناس اللي باصة عليا، فهمتي يا لي لي؟
كان ينجح دوماً في إقناعها، وبطريقة استراتجية يمتلكها هو، وما كان منها إلا أن أماءت بتفهم ورضاء، بينما تراجع يوسف وجاب الغرفة بعينيه ثم هتف متسائلاً:
_ موبايلك فين؟
ناولته إياه وسألته بفضول:
_ هتعمل ايه؟
لم يجيبها بل حادثها بأمر:
_ هاتي الهاند فري بتاعك
جلبت له ما يريد ووقفت تنتظر ما سيفعله، انتهى يوسف مما يفعله ثم وضع إحدى السماعتين في أذنه والأخرى في أذنها وأعاد وضع الهاتف في جيبه، أحاط خصرها بيديه فاستفشت هي ما يفعله الآن، رفعت ذراعيها وحاوطت عنقه بهما، فما كان منه إلا أن ضمها حتى باتت ملاصقة لصدره وبدأ يرقصان على تلك الأغنية التي أحضرها يوسف.
كانت أعينهما تكشف عن مشاعرهما، الكثير من الكلمات يرددونها في عقلهما وكأن الطرف الآخر يصغي إليها، كان كلاً منهما يشعر بنضبات الآخر لشدة تقاربهما، انتهت الأغنية ثم بدأ يوسف حديثه وهو يسبل في عينيها:
_ نفسي في حاجتين أوي
خرج سؤالها بخفوت أمام شفتيه وهي تطالع عينيه:
_ إيه هما؟
"شعرك، أشوفه تاني"
تفاجئت لينة بطلبه وبحرج يشوبه الحماس أردفت سؤالها:
_ تاني! أنت شوفته قبل كدا؟
أومأ برأسه مؤكداً وقال بلوعة حب:
_ مرة مكنتش مقصودة، ومش قادر أنساه من يومها!
خفق قلبها بقوة، ثم تراجعت للخلف وبدأت تحرر قيد حجابها، اقترب منها يوسف وتولى مهمة تحرير خصلاتها من تلك العقدة الخلفية، ثم بدأ يتخلله بأنامله موزعاً خصلاته على جانبي رأسها حتى باتت مثلما رآها سابقاً.
شكل إبتسامة عذبة على محياه وردد بنبرته المتيمة:
_ قُل للتي بلغَ النصاب جَمَالها، إنَّ الزكاةَ عنِ الجمالِ تَبَسُّمُ، أدي إليَّ زكاةَ حُسنكِ واعلمي أن الأداءَ إلى سِوايَّ محَرّمُ
عضت لينة على شفتيها بخجل، ناهيك عن تلك السعادة التي أسرت قلبها، فلقد قال لها قصيدة عن جمالها، تذكرت أنه قال يريد فعل شيئان فتسائلت مستفسرة:
_ طيب والحاجة التانية؟
"نفسي أعمل كدا"
بتلقائية عابثة أردفها وهو يضمها داخل صدره، تشبث بظهرها بقوة كما لو أنها ستهرب منه، أه وألف آه على ذاك العناق، تسائل كيف استطاع العيش بدونه؟ كيف مر العمر ولم يحظى بذلك من قبل؟
بينما هي استكانت بين أضلعه، فلم يعد هناك المزيد من الأحلام التي تنتظر تحقيقها، لقد تحققت جميعها، الأن فقط تشعر بالطمأنينة الكلية، هدأت نبضات قلبها وتوقف عقلها عن التفكير، فقط راحة دون غيرها تسكن جوفها الأن.
انتبهت على صوته الهامس وهو مستند على كتفها:
_ أنا إزاي كنت عايش كدا من غير حضنك؟
تشبثت لينة في معطفه بقوة ورددت بخفوت:
_ خلاص مش عايزة حاجة تاني يا يوسف، أنا مطمنة أوي في حضنك، كنت فاكرة إني عارفة يعني إيه أمان، مكنتش أعرف إني لسه موصلتلوش!
أبعدها يوسف عنه قليلاً ثم أزاح خصلاتها المموجة عن وجهها، فلقد فاض الكيل يريد تجربة المزيد معها، حتماً هناك الكثير من المشاعر ليكتشفها بعد.
تحسس شفتيها بإبهامة ثم انحنى بقربهم ليحظى بالمزيد من الحب لكنه تفاجئ بها تتراجع قبل أن يصل إليها، قطب جبينه بغرابة وتمتم متسائلاً:
_ في حاجة يا لينة؟
أخفضت بصرها بحياء شديد انعكس على وجنتيها فتلونت بالحُمرة، نظر إلى أصابعها التي تفركهم بارتباك واضح فلم يطيل الأمر، ربما عليه الانتظار بعد، اقترب بخطاه منها وردد بعذوبة:
_ مش هعمل حاجة أنتِ مش جاهزة ليها، متخافيش
ابتلعت ريقها ولم تواجه، فأراد يوسف أن ينسيها الأمر فقال ممازحاً:
_ أنا نسيت أقولك حاجة مهمة جداً
رفعت بصرها عليه متسائلة بغرابة:
_ إيه؟
شكل إبتسامة جذابة وانحنى بقرب أذنها ثم همس:
_ بحبك
كان تصريحه الأول لها، فلم تمنع ابتسامتها التي تشكلت تلقائياً وهتفت بعذوبة وخجل:
_ وأنا كمان بحبك
أعاد يوسف وضع خصلة شاردة خلف أذنها قبل أن يردف:
_ تصبحي على خير يا حبيبي
"وأنت من أهله"
ردت بخفوت، فلم يخرج هو قبل أخذ قبلة حتى وإن كانت بريئة، وبخفة لم تلاحظها لينة قبل وجنتها ثم هرب من أمامها، وقبل أن يغلق بابها غمز إليها وأرسل إليها قبلة أخرى في الهواء ثم أوصد الباب.
فتقوس ثغرها الوردي ببسمة خجولة، تحسست وجنتها أثر قُبلته، اتسعت ابتسامتها لكنها سرعان ما أخفتها معاتبة قلة حيائها، توجهت نحو الفراش واستلقت أعلاه ثم ضمت ذراعيها أعلى صدرها وأوصدت عينيها شاعرة بعناقه لها مرة أخرى.
ثم تسائلت في عقلها، كيف ينام المرء ليلة تحقيق أحلامه؟
في الخارج،
"بتعمل إيه يا شقي؟"
صدح صوته من خلف يوسف الذي استدار إليه وبحرج قال:
_ عايز إيه يالا
غمز إليه زياد بمشاكسة وصاح:
_ مبروك يا سيدي
بجدية تسائل يوسف:
_ أنت كنت فين لغاية دلوقتي؟
اتسعت حدقتي زياد وهلل بتمرد:
_ لأ إحنا جوزناك عشان تحل عني
لوى يوسف أذن شقيقه وهدر بتوعد:
_ دا بعينك
استقام زياد في وقفته ثم قال:
_ سيبني اتصرمح شوية قبل ما ألبس في الجيش
تفاجئ يوسف بكلماته وردد بعدم تصديق:
_ جيش!
أومأ زياد مؤكداً وهدر:
_ آه ما نويت أقدم وكدا
دقت طبول السعادة قلب يوسف، لكز أخيه في صدره بخفة وأردف:
_ أخيراً عقلت
غمز إليه زياد وبمكر قال:
_ لا دا أنا قولت أفضي لك الجو عشان تاخد راحتك بدل شغل الحرامية دا
انفجر يوسف ضاحكاً ثم أحاط كتفيه بذراعه جاذباً إياه إليه في لحظة أخوية حميمية، دلف كليهما غرفتهما ولم يكفا عن المزاح حتى تغلب عليهما النوم
***
أغلق الباب بهدوء، وأسرع خطاه نحو تلك الهاربة، التقطها بين يديه فصرخت بذعر لكن سرعان ما وضعت يدها كاتمة صرختها، قابلها الآخر ببسمة ماكرة ثم توجه بها إلى غرفتهما.
يريد بدء حياة جديدة كزوج وزوجة، وضعها على الفراش ثم قبلها بنهم ورغبة شديدان، كانت تبادله مشاعره تارة وتارة أخرى تشعر بالخجل فتتوقف، حتى تجردا كليهما من جميع ذكرياتهما المتوترة والمشحونة وباتا روحاً واحدة.
صباحاً، تململت إيمان في الفراش بتعب وبكسل يطغوا عليها فتحت عينيها، فتفاجئت بسودتاه ينظران إليها، اجتاحها الخجل وسرعان ما أخفت وجهها بالغطاء، فهتف الآخر مستنكراً تصرفها:
_ بجد والله؟
انسدل أسفل الغطاء ليصل إليها، فحاولت الفرار منه لكنه أحكم قبضته على يديها فقيد حركتها، أسبل في عينيها وقال:
_ ما خلاص معتش ينفع هروب
عضت على شفتيها بحياء وهتفت بنبرة سريعة:
_ بس بقى يا بلال
كان يزداد ضحكه كلما رأى خجلها ولا يتوقف عن فعل سخافات تزيد من خجلها، ظلا يتسامران تارة وتارة أخرى يصدر بلال بعض الحماقات فتهتف إيمان معاتبة.
***
'ما توقفي بقى أنا دوخت"
هتف بهم السيد سمير مستاءً من سيرها يميناً ويساراً دون توقف، بينما صاحت الأخرى بعصبية وخوف:
_ بقولك بلال مرجعش من امبارح وموبايله مقفول!
حرك رأسه مستنكراً توجسها المبالغ وأردف بسخرية:
_ هو ابنك لسه صغير عشان تقلقي عليه، وبعدين ما تلاقيه نايم فوق في بيته
تأففت بضجر بائن وصاحت من بين أسنانها بعصبية وحنق:
_ دي من ساعة ما مشت وهو نايم هنا، الله يعكنن عليها زي ما هي معكننة على الولا
تفاجئ السيد سمير بدعائها وعارضها بهجوم:
_ في إيه يا شهيرة وهي تعمل إيه يعني، مش قالك أمها تعبانة وهي البنت الوحيدة، يعني طبيعي تقف جنب والدتها لغاية ما تبقى كويسة
لم تصمت وهاجمته بعصبية:
_ ما أنا شوفت أمها امبارح كويسة ومش تعبانة، ولنفترض أنها بقت كويسة مرجعتش معاه بليل ليه، دا أنا شيفاه وهو بيوصلهم كلهم، دي بس تلاكيك عشان تسيب بيتها وتعكنن لي على الولا
قلب سمير عينيه بتهكم وصاح عالياً:
_ تلاكيك ولا مش تلاكيك، ملناش دعوة مش ابنك موافق؟
جلست شهيرة على اقرب أريكة قابلتها وهدرت بحزن على ولدها:
_ موافق إيه بس أنت مش شايف شكله الأسبوع اللي قضاه هنا؟ والله البت دي عاملة فيه حاجة، وأنا مش هسكت على اللي بيحصل دا
تدخل سمير بنبرة ذكورية حادة ناهياً الأمر بقوله:
_ أوعى تدخلي يا شهيرة، طول ما ابنك مشاركش حد في أموره يبقى ملناش دعوة، فاهمة ولا مش فاهمة؟
نفخت بصوت مسموع قبل أن تهدر معنفة:
_ يختاي منك، قاعد وعلى قلبك مراوح، معرفش عاملها إزاي دي
نهضت عن أريكتها ورددت بحسم:
_ بس أنا برده قلقانة، هطلع أشوفه فوق ولا لأ
باستنكار شديد هتف سمير:
_ اطلعي اطلعي ولو كان فوق تقلقيه عشان شوية كلام فارغ
حدجته شهيرة بغيظ عارم ثم أتت بفكرة ما ورددتها بنفاذ صبر:
_ هاخد معايا المفتاح وأدخل براحة، أطمن بس هو موجود ولا لأ وأنزل على طول
لم يعقب السيد سمير فمهما قال لن يجدي نفعًا، في النهاية هي أم ولن تتراجع قبل أن تطمئن قلبها برؤيته، في الجهة المقابلة أخذت شهيرة المفتاح الخاص بشقة بلال وصعدت سريعاً.
***
وقف أمام الفراش ثم قام بسحب قدميها ناحيته حتى بات هو واقفاً بين قدميها وأرغمها على الجلوس فصاحت إيمان متسائلة:
_ أنت بتعمل فيا كده ليه بجد؟
أمسك بذراعيها ليساعدها على النهوض ثم أجاب:
_ هو أنا لسه عملت حاجة، وبعدين أنا جعان، يلا عشان نفطر
تلاعبت في خصلاتها حتى وضعت كم كبير منهم على جانبها الأيمن فبات شكلها جذاب، بحثت بأعينها على شيئ ما في الغرفة وقالت:
_ الروب بتاعي فين؟
تدخل بقولة:
_ مفيش روب ولا غيره يلا قدامي
رفضت أن تخرج فقط بذاك القميص الرقيق هاتفة بإصرار:
_ لا ثواني، هدور عليه الأول
قطع بلال عليها سُبل البحث عنه بحملها بين يديه:
لما أقول يلا يبقى يلا
عضت على شفتيها السفلى وأردفت بنبرة ناعمة:
_ وأنا كل ما هعارضك في حاجة هتشيلني كدا؟
أماء بالإيجاب فاستكانت هي بين يديه براحة ثم قالت:
_ تمام وأنا مرتاحة كدا
ظهرت عليها إبتسامة عريضة قبل أن يسير بلال متوجهاً للخارج، وبينما كان يمادحها ويطلقان ضحكاتهما تفاجئ بلال بوجود والدته في المرر نفسه الذي يقف به.
نظرت إيمان حيث نقطة سقوط نظري بلال وخفق قلبها خجلاً فور رؤيتها للسيدة شهيرة، تململت سريعاً حتى أنزلها بلال بهدوء، وظلا ثلاثتهم يتطلعون في بعضهما البعض بذهول شديد دون تعقيب.
إلى أن تحدثت شهيرة بتلعثم وحرج شديد:
_ أنا كنت، قلقت عليك لما مجتش نمت و..
أخفضت بصرها في حياء لاعنة تسرعها في الصعود وعدم سماعها لزوجها ثم واصلت:
_ معرفش إن إيمان جت.. عن إذنكم
أولاتهما ظهرها سريعاً وتوجهت للخارج، لكنها توقفت عند طاولة السفرة وتعمدت ترك المفتاح الخاص بشقتهم عليه، ومن ثم اختفت خلف باب الشقة، ولازال الآخرين يقفان ينظرون أمامهما بذهول.
حتى تحركت إيمان وعادت إلى غرفتها، جلست على طرف الفراش ووضعت كلتى يديها أمام وجهها، فلقد تملك منها الخجل، ولج بلال خلفها وجلس بجوارها أولاً وقال:
_ مالك؟
رمقته بطرف عينيها وهتفت مستاءة من سؤاله الساذج:
_ مالي؟ الموقف وحش جداً، أنا مش عارفة إزاي كنت واقفة قدامها كدا؟!
ظلت تحرك رأسها باستنكار شديد، بينما هتف بلال مزاحاً:
_ اعتبريها كانت بتبارك لنا..
أعادت إيمان نظراتها عليه بغيظ لعدم مبالاته فهتف وهو يحيط ظهرها بذراعه:
_ هو موقف بايخ، بس هنعمل إيه يعني، فكك وانسي بقى
قرع رنين الجرس فور انتهائه من الحديث، فنهض هو وقال:
_ خليكي هنا هفتح أنا
توجه نحو خزانته والتقط تيشيرت، قام بارتدائه سريعاً وخرج من الغرفة لكي يفتح الباب، المفاجأة أنها كانت السيدة هادية من تقف أمامه.
ابتلع بلال ريقه ثم رسم بسمة على شفتيه ورحب بها:
_ أهلا بحضرتك اتفضلي
بادلته الإبتسام وقالت وهي تولج بخطاها:
_ أنا قلقت لما صحيت ملقتش إيمان في أوضتها وكمان موبايلها مقفول، قولت أجي أطمن بنفسي مقدرتش استنى
أراد بلال محي الحرج عنها وأردف بلطف:
_ ولايهمك، معلش بقى أنا جيت خدتها بليل، كفاية غياب عن البيت لغاية كدا
"ربنا يصلح حالكم يابني"
_ دعت لهما بحب خالص، ثم تسائلت وعينيها تجوب المكان من حولها:
_ أومال هي فين؟
بتلقائية أجاب:
_ في الأوضة..
كاد أن يخبرها أنه سوف يعطيها خبراً بوجودها لكنه تفاجئ بحديثها:
_ طيب انا هدخل لها
ألقت جملتها ثم توجهت مباشرة ناحية الغرفة، اتسعت عيناي بلال بصدمة، ولم يستطيع فعل أي شيئ، على ما يبدو أن القدر له رأي آخر في فضحهما اليوم.
لم يكن هناك مجالاً للإستئذان، فكان باب الغرفة مفتوحاً، همت هادية بالدخول فتسائلت إيمان ظناً أنه بلال:
_ مين جه..
صمتت حينما رفعت بصرها ورأت والدتها من تقف أمامها وليس بلال كما ظنت، شعرت بالرعب لوهلة فلم تتوقع رؤيتها هي، نهضت عن الفراش ورددت بارتباك حرج:
_ ماما..
حدجتها هادية بحرج شديد، فالوضع كان يبدو غير عادياً، وشعرت بالندم لحضورها، بينما ظلت الأخرى تفرك قدميها في بعضها من فرط خجلها لوقوفها أمام والدتها بتلك الثياب الرقيقة.
ابتلعت هادية ريقها وحاولت عدم النظر لأي جانب غير وجه ابنتها وهتفت بأنفاس عالية:
_ أنا قلقت لما ملقتكيش ورنيت عليكي موبايلك كان مقفول، فكرت حصل حاجة وجت أطمن..
صمتت فلم تعقب إيمان، لم يكن لديها من الكلمات لتردفها، بينما تابعت والدتها:
_ أنتِ كويسة صح؟
أومأت إيمان عدة إيماءات ورددت بخفوت:
_ كويسة
"طيب أنا همشي"
قالتها ثم انصرفت سريعاً وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها، لم تكن إيمان في موقف أفضل منها، بل كانت في حالة لا يرثى لها، لقد فُضحت أمام الجميع، اليوم لم يكن في صالحها قط بل أنهاها.
عاد بلال إلى الغرفة بعدما ذهبت السيدة هادية، وما أن رأته إيمان حتى جهشت باكية لشدة خجلها، اقترب منها بلال وضمها لصدره ثم هتف لينفي عنه أي إتهام:
_ والله أنا لسه بقولها إيمان في الأوضة، وهقولها إنك هنا لقيتها دخلت طبعاً معرفتش أوقفها..
ازداد نحيبها وتمتمت بنبرة غير مفهومة:
_ أنا بجد مخنوقة أوي، إزاي يشوفوني وأنا كدا، انا مش هقدر أبص في وش حد فيهم تاني
ربت بلال على ظهرها بحنو وحاول تهوين الأمر:
_ هي مواقف رخمة بس في الآخر يعني هما شافوكي مع مين ما أنتِ كنتي مع جوزك
رفعت بصرها لتطالع عينيه وهمست بحياء وندم:
_ دول شافوني بقميص نوم يا بلال!
مازحها هو بقوله:
_ يعني أنا اللي كنت واقف بعباية، ما أنا كنت واقف بشورت!
انفجرت إيمان ضاحكة فشاركها بلال الضحك، مسحت عبراتها بأناملها ورددت بعدم تصديق:
_ إحنا اتفضحنا يا بلال
واصل مزاحه بنبرة مرحة:
_ ياستي فضيحة من العيلة أحسن من فضيحة برا
رمقته بنظرات متعجبة من عدم لامبالاته وهتفت معاتبة:
_ أنت إزاي قادر تضحك وتهزر؟
بتلقائية هدر بلال:
_ مش أحسن ما أقعد أعيط
أخرج تنهيدة ثم قال وهو يتحسس بطنه:
_ أنا واقع من الجوع، يلا تعالى
كادا أن يسيران للخارج إلا أنه توقف وقال:
_ البسي الروب يا إيمان بدل ما نخرج نلاقي أبويا برا
لم تستطيع منع قهقهتها التي دوت في الغرفة، بينما خرج هو ليعيد تشغيل هاتفه الذي تسبب غلقه في حدوث العديد من الحماقة اليوم.
***
خرج من غرفته فوقعت دندنتها على مسامعه، توجه حيث يأتي الصوت، فوجد نفسه في المطبخ، تقفن كلتاهن تحضرن الفطور، حمحم ليجذب انتباههن وهتف:
_ صباح الخير
رددن عليه في آن واحد:
صباح الخير يا حبيبي
تبادلن النظرات فكلتاهن نطقت نفس الكلمة، _ انفجرا ثلاثتهم ضاحكين بينما اعتذرت لينة بحرج:
_ سوري..
تولت السيدة ميمي الرد مازحة:
_ ولا يهمك خدوا راحتكم
أرسلت إليها لينة قُبلة في الهواء فاستقبلتها ميمي برحب، بينما اقترب يوسف من والدته أولاً وطبع قُبلة على جبينها ثم توجه إلى تلك الواقفة وقبلها من وجنتها، اتسعت حدقتي لينة بصدمة فكان تصرفه مفاجئ ولم تتوقع منه ذلك.
رمقته بنظرات مشتعلة بينما أظهر هو أسنانه حينما ابتسم، فتدخلت والدته معاتبة:
_ متاخدش راحتك أوي كدا واعمل اعتبار إن أمك واقفة
تعمد يوسف وضع يده على خصر لينة ورد على والدته بتعالي:
_ الله مش بقت مراتي، أعمل اللي أنا عايزه وقدام أي حد
لكزته لينة في يده فسحبها عنها سريعاً بينما طالعته ميمي بعدم تصديق، فلم يكن يوماً جريئاً هكذا، تنهدت وصاحت بكلماتها:
_ أنت من امتى وأنت قليل الأدب كدا؟ وأنا اللي بقول مخلفتش حد في أدب يوسف
"عشان تعرفي بس إن مفيش حد مؤدب"
هتف بهم زياد وهو يدلف بخطاه المطبخ، وجه أنظاره على أخيه واسترسل مواصلا:
_ بس فيه واحد بيعرف يداري وواحد مبيعرفش
عاد بنظريه إلى والدته وتابع:
_ واللي بيداري دا هو اللي تخافي منه
غمز إليها فصاحت هي:
_ والله شكلي أنا اللي طلعت مؤدبة وسطكم
قهقه الجميع ثم أخذ يوسف وزياد يخرجون الفطور حتى انتهوا من وضع جميعهم على المائدة، جلسوا ليتناولون الطعام في أجواء فكاهية بينهما.
كان يوسف يحاول من آن لآخر الإتصال بصديقه لكنه يجد الهاتف مغلق، فنفخ بضيق وصاح:
_ دا قافل الموبايل ليه دا؟
تسائلت لينة بفضول أنثوي:
_ مين دا؟
أجابها مختصراً:
_ بلال..
قرع جرس الباب فهمت السيدة ميمي لفتحه، وإذا بالسيدة هادية من جائت، استقبلتها ميمي بترحيب حافل:
_ إيه الزيارات الحلوة دي يولاد
تبادلا العناق والقُبل ثم دعتها ميمي للداخل، رحبا الآخرين قبل أن توضح هادية سبب مجيئها:
_ أنا كنت هنا عند إيمان وقولت أجي أسلم عليكم
"فيكي الخير يا هادية، تنوري في أي وقت"
هتفت ميمي ثم تسائلت بقلق:
_ بس إيمان مالها؟
أوضحت هادية حقيقة الأمر:
_ لا كويسة الحمد لله، بس هي كانت عندي، وصحيت من النوم ملقيتهاش وموبايلها مقفول فقلقت، مقدرتش أقعد قبل ما أطمن عليها فجيت هنا أشوفها..
أومأت ميمي بتفهم بينما صاح يوسف بابتسامة ماكرة:
_ دلوقتي عرفت هو قافل الموبايل ليه
وقعت همساته على آذان لينة وبالطبع لن تمرق الأمر دون السؤال حول معرفته بغلق بلال لهاتفه:
_ عرفت إيه؟
ببرودٍ قال:
_ لما تكبري هقولك
رمقته لينة بنظرات مشتعلة وكادت أن تصر على معرفة الأمور إلا أن رنين هاتفه قد منعها، نهض يوسف مستأذناً منهم وولج شرفة المنزل، لمح طيف لينة تأتي خلفه فأسرع في غلق الباب، صعقت هي من فعلته وحاولت مراراً دفعه لكي يُفتح لكنه قاوم جاهداً حتى لا تنجح في الدخول، أجاب صديقه وهلل عالياً وهو لازال يقف خلف الباب:
_ صباحية مباركة يا عريس
جاءه هتاف بلال متسائلاً:
_ هو أنا كنت طالع لايف ولا إيه؟
انفجر يوسف ضاحكاً وأجابه:
_ عرفت من حماتك
فغر بلال فاهه وهتف بذهول:
_ قالت إيه؟
"دي قالت كل حاجة"
أردفهم يوسف ممازحاً إياه، فما كان من بلال إلا أنه يصيح مثل النساء:
_ يا فضيحتك يا بلال، دي مبقتش صباحية دي فضيحة بجلاجل
انفجر كليهما ضاحكين ثم تراجع يوسف عن كذبه:
_ لا لا بهزر، مقالتش حاجة، هي قالت إنها ملقتش إيمان في البيت وموبايلها مقفول فجت تطمن عليها، وبما إن موبايلك أنت كمان مقفول فخمنت يعني
أخفض بلال من نبرته حتى لا تقع على مسامع إيمان وقال:
_ ربنا يعدي اليوم دا على خير
"ممم يعني أنت مش نازل الشغل النهاردة؟"
هتف يوسف متسائلاً، فرد بلال بصوت متحشرج:
لأ، دا أنا لو عرفت أخد الأسبوع كله مش هتأخر
لم يعد يستطيع يوسف مقاومة دفعها الذي يزداد فأنهى المكالمة بقوله:
_ طيب بقولك إيه، هكلمك تاني
تراجع للخلف فاقتحمت لينة الشرفة وكادت أن تقع إلا أنه لحق بها وصاح بغيظ:
_ في إيه؟
هاجمته بحنق:
_ أنت مش راضي تدخلني ليه؟
رسم يوسف على تقاسيمه البرود قبل أن يردف:
_ بنقول كلام كبار ملكيش فيه
وضعت لينة يديها في منتصف خصرها، فلم يعجبها رده وهللت بتجهم:
_ إيه كلام كبار اللي أنت ماسكهالي دي؟ شايفني عيلة قدامك!
اقترب منها يوسف وأحاط خصرها بيُمناه ثم وضع يده الأخرى في جيبه، ومال على أذنها هامساً:
_ آه عيلة، لما بقرب منها بتخاف وتكش
قابلته بأعين جاحظة غير مصدقة ما سمعته، وعارضته بهجوم:
_ أنا مش بخاف ولا بكش
"تيجي نجرب، ونشوف هتقلبي قطة ولا لأ؟"
صاح يوسف فلم تفهم ما يعنيه، تفاجئت به يقترب منها للغاية فدفعته بعيداً عنها مرددة:
_ إيه اللي بتعمله دا؟
رفع حاجبه الأيسر وهتف ساخراً:
_ مش بقولك بتقلبي قطة
سار بجوارها وهو يردد باستهزاء:
_ مياو مياو
لكزته في ذراعه بقوة فآنه هو بألم ثم تصنع أنه سيعيد لها ضربتها فخشيت منه وصرخت عالياً، تفاجئ يوسف من صراخها وأسرع في وضع يده على فمها مجبرها على الصمت معللاً:
_ اسكتي يابت
أطلق يوسف آنات موجوعة حينما عضت يده بأسنانها، هرولت مسرعة إلى الخارج تحت نظراته عليها، فلم يتبعها بسبب ذاك الألم التي تسببت به، ظل يلوح بيده لعله يخفف من ألامها ثم خرج من الشرفة متوعداً لتلك المشاغبة.
***
_ أنتِ مش ناوية تتكلمي، طب لقتيه فوق ولا لأ؟"
تسائل السيد سمير حول حالتها التي باتت عليها منذ ترجلها من الأعلى، فهتفت هي وهي تبتعد عنه:
_ سيبني في حالي يا سمير دلوقتي..
دلفت غرفتها وتركته جالساً بمفرده، بينما جذب هاتفه وقام بالاتصال على بلال الذي أجاب على الفور وألقى عليه التحية:
_ صباح الخير يا بابا
"صباح النور، مش ناوي تنزل الشغل ولا إيه، الوقت أتأخر؟"
هتف بجدية فحمحم بلال ورد بنبرة متعبة:
_ آه شكلي فعلاً مش هنزل، حاسس بتعب ومش قادر..
كتمت إيمان ضحكها حتى لا يكشف أمره بينما تفهم سمير الأمر وتسائل باهتمام:
_ تعالى لما نروح لدكتور بدل ما تتعب أكتر
أسرع بلال في رفض اقتراح أبيه:
_ لا لا مش مستاهلة أنا هاخد العلاج وهبقى كويس
بودٍ قال:
_ مش عايز حاجة أجبهالك؟
شكره بلال ممتناً:
_ لا شكراً
كاد أن ينهي الإتصال إلا أن سمير صاح بسؤاله:
_ صحيح هي أمك مالها؟ من وقت ما نزلت من عندك وهي مبتتكلمش ليه
تصنع بلال عدم معرفته بالأمر وقال:
_ مش عارف..
لم يماطل السيد سمير ونهى المكالمة بينما تسائلت إيمان مستفسرة:
_ أنت قولت ليه إنك تعبان؟
اعتدل بلال في جلسته حيث يكون مقابلها وأجابها بسلاسة:
_ عشان أبويا معندوش اجازات غير يوم الجمعة وبس، بيعمل استثنى للي بيتعب غير كدا لو اتشقلبت مش هيوافق
تصعنت إيمان الحزن وبدلال همست:
_ إيه دا يعني أنت مش هتقعد معايا غير النهاردة
زمت شفتيها بحزن وتركته ونهضت مبتعدة عنه، فظهرت على شفتيها ابتسامة ماكرة في انتظار ما سيفعله، وكما ظنت تماماً، في ثوانٍ قد حلقت قدميها في الهواء فتشبثت في عنقه سريعاً لكي توازن جسدها بين يديه.
أسبل هو في عينيها وأردف متصعناً التعب:
_ أنا تعبان الأسبوع كله
أطلقت إيمان ضحكة مائعة، وكانت مرته الأولى لسماع ضحكتها تلك، فعاد متابعاً لاسترساله:
_ ربما يكون أسبوعين لربما تلاتة أو ربما أربعة
ازدادت قهقتها فتوجه به مباشرة إلى غرفتهما فتسائلت إيمان بعفوية:
_ أنت رايح على فين؟
أجابها وهو يضعها على الشاذلونج:
_ هو تعبي دا ملوش تمن؟
حركت رأسها بعدم استعياب لكنها سرعان ما استشفت ما يرمي إليه، وإلى هنا هنا أعزائي القُراء تنتهي فقرتنا نسيب الناس في حالها.
***
بعد مدة، كان يجلس مستنداً على جدار الفراش يداعب خصلاتها ثم اقترح شيئاً:
_ إيه رأيك نعزم يوسف ولينة على العشا النهاردة؟
رفعت نظريها عليه وقالت بخفوت:
_ بس أنا مش هحلق أجهز أكل ولا حلو معتش وقت
حادثها بنبرته الرخيمة:
_ مش هخليكي تعملي حاجة، هنطلب كله جاهز
اتسعت شفتيها مشكلة إبتسامة وهتفت بقبول:
_ إذا كان كدا ماشي
داعب بلال أنفها وهو يردد:
_ دا أنتِ في الأنتخة ملكيش حل، بدل ما تقولي وفر فلوسك يا جوزي، تقولي إذا كان كدا ماشي!
رمقها بلال شزرا ثم قال:
_ ناوليني موبايلي اللي جنبك
سحبته من فوق الكومود وأعطته له، فقام هو ببعض الإتصالات التي قام فيهم بطلب الأكلات الشهية وأيضاً الحلوى اللذيذة ثم هاتف يوسف ودعاه للعشاء فلم يمانع الآخر.
مساءاً، ارتدت لينة فستاناً رقيق ذو لون أسود عليه بعض النقاشات الإسلامية، واقتنت حجاب سماوي يتماشي مع لون النقوش، بينما ارتدي يوسف تيشيرت باللون الأحمر وبنطال أبيض.
سارا متشابكين الأيدي، كانت لينة تنظر إلى أيديهم من آن لآخر ثم هتفت بسعادة:
_ دي أول مرة نمشي في الشارع وإحنا ماسكين إيد بعض
التفت يوسف برأسه ناظراً إليها وصاح مستاءً:
_ أنا شايفك بتهتمي بحاجات كدا عادية والحاجات المهمة مش بتهتمي بيها
قطبت جبينها وتسائلت بغرابة من حديثه المبهم:
_ حاجات إيه اللي مش مهتمة بيها؟
غمز إليها وأجاب بخبث:
_ حاجات..
توقفت عن السير وبفضول شديد قالت:
_ حاجات إيه مش فاهمة حاجة؟
تابع يوسف سيره فأرغمها على السير وهو يجيبها:
_ لما نروح هقولك..
صعدا كليهما درجات السُلم حتى وصلا إلى الطابق الكائن به شقة بلال، وضع يوسف إصبعه على الجرس ولم يتوقف عن الرنين فصاحت لينة معاتبة:
_ بس يا يوسف فيه حد يعمل كدا
لم يكترث لها وتابع ما يفعله، فتح له بلال فلم يتوقف يوسف عن الرنين أيضاً، دفعه بلال بقوة وصاح بحنق مصطنع:
_ يا أخي بس بقى، أبو رخامتك دي
حدجه يوسف بنظرات احتقارية وتمتم بتهكم:
_ هو دا إكرام الضيف؟
رد عليه بلال مستهزءًا:
_ مش لما يبقى محترم نبقى نكرمه؟
"أنت جايبنا تهزقنا هنا؟"
هدر يوسف مستاءً فتابع بلال مزاحه الثقيل:
_ المهزأ بس اللي بيجيب لنفسه التهزيق، اتفضلوا
ولج يوسف برفقة لينة ثم ناول صديقه حقيبة قماشية وقال:
_ حطها في التلاجة أصل تسيح
تسائل بلال بفضول وهو يجوب بعينه العلبة داخل الحقيبة:
_ فيها إيه العلبة دي؟
بتلقائية أجاب:
_ أيس كريم
"بسكوت؟"
تسائل بلال ساخراً فهتف يوسف بتهكم:
_ لا دي تورتة يا خفيف
نظر بلال إلى لينة الواقفة خلفه لا تعي شيئ مما يتبادلانه وأوضح لها:
_ أصل أنتِ متعرفيش يوسف بيدوب في الآيس كريم البسكوت إزاي!
عقدت حاجبيها ورددت:
_ إيه دا بجد أول مرة أعرف
انفجر بلال ضاحكاً، بينما لكزه يوسف في ذارعه بقوة وهدر به:
_ يابني اخلص هتسيح
دعاهم للجلوس في الصالون ثم ولج المطبخ ليضع كعكة الآيس في الثلاجة ويعطي خبراً لايمان بمجيئهما، بينما التفتت لينة إلى يوسف وقالت بفضول:
_ إحنا مبقيناش في الشارع، ممكن تقولي بقى إيه الحاجات اللي أنا مش مهتمة بيها؟
"مُصرة يعني؟"
تسائل يوسف بمكر فهتفت هي بإصرار وحماس:
_ أكيد
تفاجئت به يقترب منها فتراجعت هي مرددة بحنق:
_ أنت بتعمل إيه؟
لم يتوقف يوسف عن اقترابه منها وكذلك هي لم تكف على الرجوع للخلف حتى تمددت على الأريكة، كانت مذهولة مما تره وأرادت إيفاقه بتشتى الطرق لكنه لم يكترث حتى أعتلاها وقال بمشاكسة:
_ مش بحبك تطلبي حاجة ومنفذهاش أبداً يا لي لي...
ثم دوى على آذان كليهما صوت خافت قريب منهما معلناً وصوله فتبادلا كليهما النظرات و....
•تابع الفصل التالي "رواية حرر هواك فالحب بات معلنا" اضغط على اسم الرواية